إسلام ويب

وصايا عامةللشيخ : سفر الحوالي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أُنزل القرآن على قوم كان منبع فخرهم فصاحة اللفظ وبلاغة البيان، فكان للكلمة مدلولها وأثرها في قلوب ذلك الجيل؛ ولذلك من آمن منهم بالله وقرأ كتاب الله تمسك به، وعمل بمقتضاه، وعرف فضله على ما كان موجوداً عندهم من كلام فصيح وأشعار بليغة، وعرف أن هذا القرآن إنما هو كلام الله وليس من كلام البشر؛ ولذلك أنزلوه منزلته، وتنافسوا في أخذه، وتفاضلوا بناءً على ذلك، كما أنهم عرفوا فضل من بُعث به، وهو نبي الهداية محمد -صلى الله عليه وسلم- وعرفوا أن حبه ومنزلته إنما بلغها بما جاء به؛ فأحبوه حباً أدى بهم إلى صدق اتباع هديه، والسير في الطريق الذي حدده لهم؛ وأكبروا فعل من خالفه وقاتلوه أشد القتال، وأيقنوا أن الله قد أتم دينه، فما كان موجوداً لديهم من علم وقول أو فعل عملوا به وما بعد ذلك لا يكون إلا الغواية والتردي في مسالك الهوى والزيغ والضلالة الموصلة حتماً إلى سخط الله وعقابه.

    1.   

    قيمة القرآن في نفوسنا

    الحمد لله الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، وبعث نبيه محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً.. صلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    أما بعــد:

    الغفلة عن القرآن القرآن

    إن مشكلتنا نحن المسلمين جميعاً مع تفاوت فيما بيننا أننا قد ننسى قيمة هذا القرآن، ولو فكرنا في أسباب ذلك فلعلنا نهتدي إلى علاجه، وإلا فكيف يهجر القرآن ولا يؤبه له؟!

    مع أن هذا القرآن جعل الله آياته تحيي القلوب، فأحيت أمماً وشعوباً, وأيقظتها إلى الهداية والخير والصلاح.

    كيف نغفل عن كتاب الله عز وجل؟!!

    وقد جعل الله فيه الهداية والسعادة الكاملة، قال تعالى: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9] في كل أمر من الأمور، وكم يختلف الناس، في أمور دنياهم، وفي أديانهم، وتقربهم إلى الله تعالى، وفيما بينهم، وكيف يكون الأفضل؟

    وأين الصواب؟

    وما من علم ولا فن ولا أمر من الأمور، إلا وللبشر فيه آراء وآراء، وخلافات، فأين هو الطريق الأقوم؟

    وأين الهداية في خضم ذلك الخلاف؟

    يقول تعالى: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9] ورحم الله الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، فإنه في تفسير هذه الآية قد أجاد وكتب ما لم يكتبه غيره، فجزاه الله خيراً.

    ولو أننا تدبرنا كتاب الله عز وجل من خلال فهمنا لهذه الآية وأمثالها، لصلحت أحوالنا، فالقلوب الميتة، والعيون العمي، والآذان الصم تحيا -بإذن الله- وترى الحق وتتبعه، عندما تقرأ وتتدبر كتاب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

    والشقاء والضياع والخسارة التي تعاني منها الأسر والمجتمعات والأمم، كلها تتبدد خيوطها وأوهامها إذا أقيم كتاب الله تبارك وتعالى، وإذا أقيمت حدوده، ووقف عند أمره ونهيه، واتبعت سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه.

    مدارس تحفيظ القرآن تعيد قيمة القرآن إلى نفوسنا

    ومن فضل الله تعالى أن وجدت مدارس متخصصة لتحفيظ القرآن الكريم، وهذه نعمة كبرى، وأنا أغبط طالب ومعلم تحفيظ القرآن الكريم لأنهم هم المورد المفقود في العالم الإسلامي، ولأنه حين يوجد شاب يحفظ كتاب الله تعالى، ويجيد قراءته، إلى جانب القدرة والكفاءة ليتعلم أي علم من العلوم الدنيوية معه، فهو بذلك يوجد الشيء المفقود من هذه الأمة.

    وحيث أن أمام الشاب اليوم في العالم الإسلامي طريقين: إما أن يسلك طريق القرآن؛ فتوصد في وجهه أبواب الرزق والوظيفة، وإما أن يسلك طريق الدنيا وتعلمها بأي سبب من الأسباب، ولا يجيد القرآن ولا يحس به، إلا ما يقتطعه من وقته في أوقات فراغه إن كان لديه فراغ.

    ولكن أنتم يا معلمي القرآن من أجل القرآن تعملون وتشتغلون، ويأتيكم الطلبة من أجل كتاب الله، وكم من أب حريص كل الحرص على أن يدخل ابنه مدرسة تحفيظ القرآن، ولو أن يدفع ما يطلب منه أن يدفع، ولو أن يضحي بما أمكن أن يضحي به، فقد يأتي من مسافة بعيدة، ولكنه يحب أن يدخل ابنه في هذه المدرسة، وقد يضحي بأمور كثيرة، وهذه الخصيصة التي تعطى لمن يدعو إلى الله، ويعلم كتاب الله، وهذا الأجر الذي يعطيه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو خير وأبقى.

    فهذه تجعل علينا جميعاً مسئولية مشتركة تجاه هذا الكتاب، وتجاه تنمية الطالب والأستاذ، فنريد الطالب أن يعي ويتدبر ويفهم أهمية وقيمة هذا الكتاب وقيمة ما يتعلمه، فإن الحجارة في الأرض كثيرة، ولكن الذهب فيها هو القليل، وإذا كنا نريد أي طالب فالدنيا مليئة بالمدارس، وبالطلاب، ولكننا نريد طالباً يحفظ كتاب الله، ويقيم حدوده، ويأتمر بأمره وينتهي بنهيه.

    وهذا هو الذهب النادر، وهذا الذي نحرص عليه، وهذا هو الذي مهما ضحينا من أجله، فلا خسارة في الجهد ولا ضياع، لأنه في سبيل الله ومن أجل كتاب الله عز وجل، وهذا الذي يجب أن نتعاون عليه نحن الآباء والمدرسين والمجتمع كله، هذا هو الثمرة، وهذا هو الخلاصة.

    المفاضلة بالقرآن

    كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفاضل بين أصحابه بالقرآن، وكذلك في قيادة الجيش، وفي إمامة الصلاة، يتفاضلون بالقرآن لأنهم عاشوا في مجتمع أو جاهلية جهلاء، وعرفوا نكدها وشقاءها، ووثنيتها وشركها، ولما جاءهم فضل القرآن أحسوا بقدر النعمة، وعرفوا قيمته, وتمسكوا به، فكان ربيعاً لقلوبهم، وجلاءً لأحزانهم، وذهاباً لغمومهم.

    فكانوا يلجئون ويهرعون إلى القرآن والصلاة، وإلى قراءته في الصلاة، أو في غيرها؛ إذا حزبهم أمر من الأمور، كما ثبت ذلك عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكما كان أصحابه من بعده، كانوا يستعينون بقراءته، فتذهب همومهم وأحزانهم، والتي هي هموم في سبيل الله عز وجل، وفي الدعوة إليه، فما بالكم بقلوبٍ همومها في الدنيا، وأحزانها للدنيا؟!

    فهي أحوج إلى أن تذهبها, وأن تجلي من صدئها بكتاب الله عز وجل.

    فإذا التحقت بمدرسة تحفيظ القرآن، فاحمد الله، واعلم أن الله يختبرك في أمر عظيم، فإما أن تكون طالباً تستحق حفظ كتاب الله، وإلا فإنها فتنة وستسقط في ذلك الامتحان، وإذا كنت مدرساً لتحفيظ القرآن، فإن هذا يجعلك تستشعر هذه المسئولية، وإلا فالمدرسون كثير والمدارس كثيرة، فلماذا أنت في تحفيظ القرآن الكريم؟! إذاً هناك أمر عظيم، هناك اختبار من الله عز وجل لك، فإما أن تكون من أهل القرآن وحملته، وإما أن تخفق -عافنا الله وإياكم- فيكون أشد وأعظم بلاء من ذلك الذي يأخذ أجراً على عمل يقوم به لغير كتاب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

    فهذا القرآن يوجب على كل واحد منا أشياء:

    فالحاكم يوجب عليه القرآن أن يقيم حدود الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من خلاله، وعلى المربي أن يربي الشباب عليه، وأن يكون بين ناظري الأب ليقوم به في بيته وفي أسرته، وأن يكون موضع اهتمام الابن ليحفظه ويتعلمه، وكل منا مخاطب بهذا القرآن، وكل العالمين مخاطبون به أيضاً، ولكن مسئولية من تصدَّر لتعليمه ولتحفيظه كبيرة، وكذلك الأجر الذي يحسب له بإذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كبير إذا قام بواجب هذا القرآن وعلمه وحفظه، وخرج من تحت يديه جيل يصح أن يسمى جيلاً قرآنياً، كما كان أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

    هذه المهمة وهذا هو الواجب الذي يستشعره الإنسان مع فرحته وشعوره بأنه يعيش في جو يزكيه ويطهره بتلاوة كتاب الله عز وجل، إلا أنه يجب علينا أن نستشعر المسئولية، وأن نذكر أنفسنا أولاً وإخواننا ثانياً بعظم هذه المسئولية الملقاة على عواتقنا، وأن نتوكل على الله عز وجل، ونعرف قيمة هذا القرآن، وندعو إليه، ونعمل به، ونحيي قلوبنا بذكر الله، فإن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد تكفل لمن قام بهذا القرآن وعمل به ودعا إليه، أن ينصره في الدنيا والآخرة، قال تعالى:إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ [غافر:51] فلا طريق إلى النصر، ولا إلى الفلاح والنجاح والسعادة إلا بالقرآن، نسأل الله أن يجعله ربيع قلوبنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا، إنه سميع مجيب.

    1.   

    خطر بدعة المولد

    من البدع المشهورة بدعة المولد التي راجت في ديار الإسلام والتي تحتاج إلى تنبيه وتوضيح خطرها، وكلنا يعلم خطر البدعة، وشر البدعة، وشؤم البدعة.

    وأول بدعة ابتدعت في الدين، وترسخت في جماعة، وعملت بها فرقة، هي بدعة الحرورية، الخوارج، ومع شدة عبادتهم وكثرة اجتهادهم، التي قال عنها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم، وقراءتكم إلى قراءتهم)، وفي وقت الصحابة وهم أهل العبادة والفضل، كان أولئك الخوارج أكثر منهم عبادة، وأكثر منهم قراءة، حتى إن عبد الله بن عباس رضي الله عنه، لما دخل عليهم هو وأبو سعيد الخدري عجبا من شدة عبادتهم واجتهادهم، لما رأيا أن جباههم وركبهم عليها مثل ركب الإبل، من شدة وكثرة السجود، ومع ذلك فإن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر فيهم من الوعيد الشديد، أنه لو أدركهم لقاتلهم كقتال عاد وثمود.

    وقد كان علي ومن معه من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرحين مستبشرين لما أظفرهم الله تبارك وتعالى على الخوارج وقتلوهم، لأنهم أصحاب بدعة مع هذا التعبد الشديد.

    وهكذا البدع مهما كان عليه أصحابها من العبادة والتقوى في ظاهر حالهم، أو فيما يعلمون من أمور دينهم، لكنهم يتعمدون هذه البدع، فيكون لها من الشؤم ما يفسد تلك العبادة، والعياذ بالله..!

    تحقيق محبة النبي صلى الله عليه وسلم

    ومحبة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من تمام الإيمان برسالته؛ لقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)، فهي من أصول ديننا، ومن معاني الإيمان به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نحبه حباً يفضل حب أنفسنا وأولادنا ووالدينا والناس أجمعين، هذا هو الذي نعتقده ونشهده في حقه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

    ولكن كيف نعبر عن هذه المحبة وما مقتضى هذه المحبة؟

    هذا هو الذي يخطئ فيه كثير من المسلمين، فمنهم العامد الهدام، ومنهم الذي لا يدري، ومنهم الغافل الذي يظن أن هذه قربة يتقرب بها إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، والقلب البشري كالإناء لا يحتمل إذا وضعت فيه عسلاً أن تضع فيه ماءً أو غير ذلك، وكذلك عمل وعمر الإنسان، فإما أن يعمر العمر بالطاعة، وأن يكون العمل كله طاعة، وإما أن يكون محل الطاعة معصية، أو مكان السنة بدعة، وهذا لا بد منه، لأن القلب لا يحتمل غير ذلك، فإذا أحدثت بدعة في الدين، فإنها تحل محل السنة، وكما روي ذلك في حديث عن زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه: (ما أحدث قوم بدعة إلا رفع من السنة مثلها)... وهكذا.

    أنزل الله هذا الدين تعبداً لجميع حياة الإنسان، وأي جزء من حياة الإنسان يصرفه في بدعة، فقد رفع شيئاً من السنة بلا ريب وبلا شك.

    نشأة بدعة المولد

    وهذه البدعة التي يسمونها المولد، عندما تتبعت كيف وجدت وكيف نشأت، تأكد لي أن أول من أوجدها هم العبيديون، الذين يسمون أنفسهم بالفاطميين أتباع الدولة الفاطمية في مصر، وهذه الدولة دولة يهودية أثبت ذلك علماء الإسلام، وتكلم علماء الإسلام والمؤرخون أنها يهودية، القدماء منهم والمتأخرون، حتى من كان باطنياً على دينهم، ثم رجع عنه، وكتبهم الآن طبعت وحققت ولله الحمد.

    ويدعون أنهم ينتسبون إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واليهود كما نعلم أعداء الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأعداء المسلمين، واليهودية سممت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذراع الشاة التي أنطقها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولا شك في ذلك.

    فهل يعقل أن أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأفضل القرون القرون الثلاثة لا ينتبهون أن هذا من محبته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيعملونه ويعلمونه، وينتبه اليهود لذلك؟!

    فالذي حيَّرني في هذه المسألة أن هناك سراً، ولعل السر والله أعلم، أن مولد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير ثابت، ولا ندري في أي يوم ولد، وفي أي شهر، فقيل: إنه في ربيع، وقيل: إنه في رمضان، وقيل: في أول الشهر، وقيل في آخره، وكان العلماء كـابن عبد البر والمالكية يرجحون أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولد في رمضان، بدليل أن القرآن أنزل في رمضان، وهذا ثابت في القرآن، والقرآن أنزل عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في تمام الأربعين سنة، ونحو ذلك من الأدلة، فوقت مولد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير معروف.

    فنحن لا نتكلم عن مناقشتهم بالأدلة، بل نحلل القضية بالتحليل التاريخي والعقلي، وما وراء هذه المسألة، فإذا كان مولده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير ثابت، مع أن وفاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثابتة في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول، فما الذي يتوقع من اليهود أن يفعلوه وهم أعداء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟!

    فقد جعلوا تاريخ وفاته المؤكد أنه في الثاني عشر من ربيع الأول عيداً لهم، وموهوا على المسلمين؛ لأنهم كانوا يحكمونهم.

    وكان المسلمون يعلمون أنهم كفرة، وأنهم زنادقة، وخاصة في مصر والمغرب لأنهم كانوا متضايقين منهم أشد الضيق، ولذلك عندما جاء صلاح الدين وقضى على دولتهم لم يبق في مصر والمغرب رافضي واحد ينتمي لهذه الدولة، من شدة ما كان الناس يكرهونها.

    فكيف يستطيعون أن يهدموا ويفعلوا ويموهوا على هؤلاء الشعوب وعلى المسلمين، وأن يفعلوا احتفالاً بالوفاة، قالوا: احتفالاً بالمولد فجعلوه مولداً، يوقدون فيه الشموع، ويبسطون الموائد، وتأتي الخيول، وتقام المهرجانات والاحتفالات، وهناك يظهرون الفرح والابتهاج، لماذا تفرحون؟

    قالوا: الناس يفرحون على أنه مولد، واليهود يفرحون على أنه موت.

    وإن شئتم بعض الأدلة على ذلك، فإن محمد الفاتح؛ عندما فتح القسطنطينية، فإن أوروبا تألمت ألماً شديداً -اليهود والنصارى- وخاصة النصارى، تألموا جداً أن عاصمتهم تفتتح، فماذا عملوا؟

    جعلوا يوم وفاة محمد الفاتح عيداً، يقدمون فيه الولائم في كل أوروبا، ويجمعون الناس، ويذبحون الذبائح، ويبتهجون يوم وفاته.

    وهذه من عادة أولئك القوم، فمن عادة اليهود والنصارى وبعض الشعوب أن تجعلوا يوم وفاة أكبر عدو لها عيداً تحتفل به وتبتهج، ومن هنا كان المولد أول من أحدثه: هم هؤلاء الزنادقة اليهود، وجعلوه عيداً واحتفالاً، لأنه يوافق موت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

    هذا هو التحليل التاريخي، بغض النظر عما تعلمونه من أدلة ونصوص، فإن الإنسان لا يجوز له أن يحتفل بأية بدعة، وكفى في ذلك ما صح عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد} أي: مردود على صاحبه غير مقبول، بل هو مأزور غير مأجور، وعليه إثم البدعة، وهذه الأحاديث والنصوص الكثيرة التي جعل الله التمسك بالسنة وترك البدعة أمراً.

    إحدى وصايا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الآيات العشر التي أنزلها عليه الله، قوله تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ [الأنعام:153] وهي السنة، وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ [الأنعام:153] وهي البدعة فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام:153] ومع هذا التأكيد إلا أن أهل الضلال والبدع لا يزالون في غيهم يعمهون.

    حتى أنهم جعلوا عزاءهم يوم كربلاء ومولد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متشابه الكلام والأناشيد والنغمات، فمع اختلاف موضوعهما وكل منهما في جهة إلا أن أعداء الإسلام يقولون: هدمنا هؤلاء بالتشيع، فلنهدم هؤلاء بالتصوف والبدع، ولا يبقى للإسلام قائمة، هذه عقول تخطط وتعمل ليل نهار، يمكرون ويخططون، ويوحي بعضهم إلى بعضٍ من الجن والإنس، لكي يفسدوا هذا الدين، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو الذي يعلم ما يبيتون، وهو الذي يعلم ما يمكرون وما يخططون، ومن أجل ذلك بيَّن لنا الله المحجة البيضاء، وأوجب علينا سلوكها، لنجتنب أولئك.

    كيفية القضاء على هذه البدع

    ولن نتقي شر البدع وأهلها إلا باتباع ما كان عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد قالها عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قالها في أمر يسير عادي وهو الذكر قال: [[ إما أن تكونوا على ضلالة وإما تكونوا أهدى من أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] ففي كل بدعة تقام إما أن يكون أهدى من أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإما أن يكون على ضلالة، وهكذا كل بدعة لم يفعلها أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلهذا أحببت أن أنبه على هذه المسألة.

    ومن كان في حي أو منطقة غافلة عن هذا الموضوع، فعليه أن ينبههم ويذكرهم، فقد ينتبه الغافل، ومن كان في مجتمع أو في بيئه يظهر فيها هذا الأمر فليبين لهم بالأدلة من كتاب الله ومن سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبالأسلوب الهادئ المقنع، ويحرص على من يعلم اقتناعه بهذه البدعة من كبار هؤلاء القوم كالتجار ونحوهم، ويتودد إليهم ويكلمهم بالحكمة، ويبين لهم أن نفقة المال إن لم تكن في سبيل الله فلا خير فيها، وأنكم تريدون الأجر وتضعونه في الإثم.. وأمثال ذلك.

    وليستعن بإخوان ليعينوه، لأنه -كما تعلمون- هدفنا الدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وأن يترك الناس هذه الضلالات والبدع، ولو كان همنا إقامة الحجة لكان الأمر أهون من ذلك، لكن القضية أكبر من إقامة الحجة، وهو أن نطمع في الهداية، فتحصل بإذن الله عز وجل، فكم منهم من اهتدى وتاب والحمد لله، فهذه السَنَة يقول: أنا كنت أعمل ذلك في العام الماضي، ولكن هذه السنة فهمت، فنقول: جزاك الله خيراً، وهذا المال مثلما كنت تنفق في البدعة فانفق منه على السنة، والجهاد في سبيل الله، وتحفيظ القرآن، وأعط الفقراء والمساكين، واعمل الخير وتصدق، وهذا يكفر عنك ما كنت تعمل.

    أصحاب البدع والضلالات كثير، وعندنا ليست المسألة كثير أو قليل، لكن المسألة عندنا اتباع أو ابتداع، وأصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هم القدوة في هذا الشأن، والسلف هم القدوة وحدهم، فما عملوه نعمله وإن خالفهم من بعدهم، وما لم يعملوه لا نعمله، وإن عمل به من بعدهم كائناً ما كان عددهم، فالعبرة عندنا هي بهذا.

    1.   

    الاشتغال بالجهاد

    وأما القضية الأخرى وهي قضية الانشغال بالجهاد:

    أولاً: يجب أن نلزم أنفسنا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبالجهاد، فإن هذا مما يظهر الله به الحق على ألسنتهم، فهم يقولون: إن الصحابة اشتغلوا بالجهاد، ونحن اشتغلنا بالموالد والموائد، ولولا الموائد ما كانت الموالد! إذاً هذا يقول: الصحابة في وادٍ وأنا في وادٍ آخر، وهذه شهادة على نفسه، لأن الصحابة الذين جاهدوا ما كانوا يجاهدون فقط بحمل السيف، إنما جاهدوا بالدعوة، وبالعلم، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعليم كتاب الله عز وجل وبث سنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

    وأحوج ما تحتاج إليه الأمة الإسلامية هذا الجهاد، فأين الفراغ الذي عندكم؟ ثم يعترفون ويقولون: إن الصحابة لم يحتفلوا بالمولد لأنهم انشغلوا بالجهاد والدعوة وسواها، وهذا أيضاً من العجب! تقولون: لم يفعلوه لأنهم انشغلوا، ونحن حتى إذا لم ننشغل لا يجوز لنا أن نفعله، وإلا كما قال عبد الله بن مسعود عن حلقة الذكر التي رآها: ''إما أنكم أهدى من أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإما أنكم على ضلالة'' ولا بالكثرة ولا عبرة بقضية الانشغال.

    كم من الأمور التي أهملناها! وكم تركنا من ديننا! وليس الجهاد هو العائق الوحيد، لكن العائق الذي وقف أمام أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مثل هذه الأمور وغيرها، هو أنهم يعلمون أن صاحب البدعة مأزور غير مأجور، ولأنهم كانوا وقافين عند كتاب الله، وسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولذلك لم يفعلوها، وإلا فهي أيسر عليهم من الجهاد، وقد يقال: إن الذين على الرباط وفي الثغور في الفرس والروم منشغلون بالجهاد، لكن الذين كانوا في المدينة، فليلة في السنة لا تؤثر على وقتهم، وخاصة في عمل فيه محبة للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهم الذين كانوا أكثر الناس ألماً لوفاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولفقده، وأكثر حباً له.

    تعلمون حديث أم أيمن لما زارها أبو بكر وعمر، فوجداها تبكي على وفاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالا: ما يبكيك يا أم أيمن؟

    أما تعلمين أن ما عند الله خيرٌ له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من هذه الدنيا؟!

    قالت: والله ما أبكي وإني لأعلم أن ما عند الله خيرٌ لنبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من هذه الدنيا، لكن أبكي لأن الوحي قد انقطع من السماء فهيجتهما على البكاء، فبكيا رضي الله عنهما.

    أبو بكر رضي الله عنه جاهد بماله كله وتصدق، ويقول له الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ما أبقيت يا أبا بكر؟

    فيقول: الله ورسوله)، فلماذا لم ينفق من ماله شيئاً ليحيي ليلة مولد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟

    لأنه يعلم أنها بدعة، وأن محبته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في إحياء سنته وباتباعه، وبتعظيمه في قلوبهم، وتعظيم أمره ونهيه، وأن ذلك أفضل وأعظم عندهم من أن يبتدعوا في دين الله عز وجل ما ليس منه.

    يقول أحد السلف: [[ما عبدت الأصنام إلا بالشبهات]] أي: أن الكواكب والحجارة ما عبدت إلا بشبهة، يقولون: هذا الحجر مبارك، لأن هذا البيت بناه إبراهيم، وهذا الحجر منه فأخذوه، ثم طافوا حوله وعبدوه، فبالشبهات والتلبيسات عبدت الحجارة من دون الله.

    فلا نستغرب من أية بدعة من البدع أن يكون حولها شبهات وتلبيسات وتوهمات، فهذه طبيعتها، فلو جاء الكفار مثلاً وقالوا: اكفروا، لما كفر أحد، ولو جاء إبليس وقال: لا تصلوا، فلن يطيعه أحد، لكن يجعل حولها شبهات وتلبيسات وشهوات، ويقول للإنسان: الآن لا يجب عليك الصلاة، وستصليها فيما بعد، حتى يضيع المرء الصلاة، وهكذا.

    وهناك قضية أهم من قضية المولد، وهي إهمالنا نحن في تمحيص العقيدة، وفي نشر العلم الشرعي الصحيح، والأمة التي تعلم أن كتاب الله حق، وتعرف العقيدة الصحيحة، والتوحيد الصحيح، مهما حاول الدجالون معها فلن تقبل منهم، لكن مع الجهل ومع الخواء، ومع تخاذلنا وتكاسلنا بالقيام بالدعوة، صار كل من هب ودب يقول ما شاء، ويُسمع له، ولو قال أحد: أنا رسول يوحى إلي، لصدقوه وعبدوه...!

    كما جاء أن الدجال يقول: (أنا الله) فيصدقونه ويتبعونه، كم يؤمن بالدجال؟

    كثير، وكم يحارب الدجال؟

    قليل، فدعوته يلقى لها رواجاً، لكن متى هذا؟

    في غياب الحق، ولو ظهر الدجال والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الحياة، هل كان يجد هؤلاء الأتباع؟!

    ولو ظهر أحمد القادياني، هل يجد ما وجد من الأتباع؟ لكن الآن أي ناعق يظهر بدعوة سيجد الأتباع، لوجود الخواء في قلوب الناس.

    إذا كان طالب العلم شحيحاً بما تعلم، ويقصر في تبليغ الدعوة إلى الله عز وجل، والعامي مشغولاً بدنياه، ويريد أن يعبد الله وتأتيه هذه اللحظات، وهذه الحسنات، ويقول: أنا أعبد الله من خلال الدين، وأؤدي عن نفسي هذا الواجب، حتى إذا قيل له: أنت يا أخي ليس عندك دين فإنه يحضر المولد، ويبرهن لك ويقول: أنا على دين!

    إذا كان هذا حالنا نحن في تقصيرنا وإهمالنا، فلا نستغرب أن توجد أية بدعة، فمثلاً: كان أحد الدجالين ساحراً دجالاً وكان في مكان قريب من هذا المكان، وكان هناك عشرة شباب يذهبون إليه في الساعة الواحدة ليلاً ويسهرون عنده، ليعلمهم السحر واستحضار الجن، كيف يذهبون إليه ويصدقونه؟

    لأن العلم غائب عنهم، حتى هدى الله واحداً منهم ثم شاء الله وكتب، ووضع ذكرياته عن هذا الرجل وذكر اسمه، وكيف كان يعلمهم، وكيف كان كذا وكذا... إلى آخره.

    وهذا وقع نتيجة الجهل لغياب الدعوة إلى الله عز وجل، ولغياب نشر العلم الشرعي، كلكم -ولله الحمد- تعلمون، وكلكم أفضل مني في هذا ولا شك، لكن هل نحن يد واحدة؟

    هذا يعقد مجلساً، وهذا يقيم ندوة، وهذا يكتب مقالة، وهذا كذا، فنحول القطرات إلى تيار.

    فإذاً لا بد أن نتعاون جميعاً في مثل هذه المناسبات، ونذكر أنفسنا بهذا الشأن أينما كان، ونتعاون في تأدية الواجب لله، وندعو إليه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ونحيي سنة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسيكون لنا عند الله الأجر الذي وعد به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أحيا سنته. والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756216994