إسلام ويب

موقف الفكر الإسلامي من العلمانيةللشيخ : سفر الحوالي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • في هذه المادة تحدث الشيخ عن العلمانية مبيناً أصلها الناشئ من الخرافة والشرك، وأنها نشأت منذ العهد الأول بعد رفع المسيح، وذلك نتيجة التحريف وسيطرة الكهنوت على الدين والناس؛ حتى صار الأحبار والرهبان أرباباً يشرعون للناس من دون الله، ووضّح دور اليهود في نشأة العلمانية وانتشارها، كما وضح نشأة العلمانية الحديثة مع بداية النهضة الصناعية والثورة الفرنسية، وبين حفظه الله أن الإسلام دين عام وشامل لا تناقضه الكشوف العلمية ولا الحقائق الجديدة؛ لأنه دين الحق، كما بين أن نهضة أوروبا العلمية مستقاة من المسلمين، ولذلك فتاريخهم العلمي بدأ منذ الفتح الإسلامي للقسطنطينية.

    1.   

    العلمانية خرافة يدمغها الحق

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وبعد:

    قبل أن نبدأ في الموضوع أريد أن أنبه على بعض الأشياء وقد تكون شكلية، ولكن نحن المسلمين يجب ألا نفرق بين الشكل والمضمون، بل لا بد أن نلتزم ما أمكن بهما معاً.

    فالعنوان (موقف الفكر الإسلامي من العلمانية) ولنبدأ القضية من العنوان نفسه.

    فاختيار العنوان لا يقصد به عقد مقارنة بين فكرين متقابلين، لكن لعل هذا يشعر بذلك .

    إن موضوع الفكر الإسلامي ينبغي أن نطرحه دائماً على أنه وحي أنزله الله تبارك وتعالى، وعلى أنه أمر ممن لا يضل ولا يخطئ، أنزله الله الذي يعلم السر في السماوات وفي الأرض، وبلغه الأنبياء المعصومون عن الخطأ في التبليغ عن الله عز وجل.

    يقابل هذا الوحي: الهوى والجهل والخرافة والأساطير، وما شئت من مسميات..!

    فلتكن بأي شعار، وبأي اسم، وفي أي زمان، وفي أي مكان، فما لم يكن من الوحي فهو هوى وجهل وخرافة، إلا فهماً يؤتاه المؤمن من كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

    ولو نظرنا إلى العلمانية من هذه النظرة، لوجدنا أن القضية قضية توحيدٍ دعا إليه الرسل جميعاً ونزلت به الكتب جميعاً، يقابله شركٌ وجهل وجاهليةٌ وخرافات وردود فعلٍ بشرية، جاءت في فترات معينة في قومٍ معينين، لا يصلح بأي حال أن يكون مبدأً أو منهجاً يسير عليه البشر جميعاً في كل مكان، ولا سيما من كان الوحي النقي بين أيديهم وفي متناولهم، ويقرءونه ويتلونه ليلاً ونهاراً، فمن هذه القضية يبدأ الموضوع.

    إن الله عز وجل إنما أرسل الرسل لدعوة الناس إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وذكر الله عز وجل في كتابه أن الأنبياء جميعاً بعثوا ليقولوا: أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25] وفي الآيات الأخرى: أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36] فمعنى (لا إله إلا الله) عبادة الله واجتناب الطاغوت، وهي التي ذكرها الله تعالى أيضاً عقب آية الكرسي: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:256] فهذه كلها تدل على معنى شهادة (لا إله إلا الله) التي جاء بها الأنبياء جميعاً، فأي مجتمع يؤمن بها ويقيمها ويعرف معناها لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون مجتمعاً علمانياً، أو أن يقبل العلمانية، لأن القضيتين متضادتين متناقضتين، لايمكن أبداً أن تتفقا.

    إنها ظروف تاريخية وملابسات معينة لا أطيل بشرحها، ,إنما أختصرها في كلمة واحدة، وهي الخرافة، فالخرافة هي سبب العلمانية، سواء في أوروبا أم في بلاد المسلمين!

    وأعني بالخرافة أن يختلق البشر صورةً يتزينون بها من البدع ومن الضلالات غير ما شرع الله عز وجل، فعندما تنتشر الخرافة في أي مجتمع؛ فإن هذا المجتمع يقبل العلمانية، ويمكن أن يتحول إلى علمانية جزئية أو كلية بحسب تقبله للخرافة أو مقاومته لها.

    والعلمانية إذا حددت بالاسم وقيل: العلمانية فإنها تعني: المذهب الفكري المعروف، وهو مذهب نشأ في أوروبا وهي قارةٌ مظلمة، ولم ولن تخرج من الظلمات أبداً.. وهم يطلقون على فترة من تأريخهم قرون الظلمات، وكأنهم الآن في النور، والواقع أن أوروبا لم تخرج من الظلمات مطلقاً ولن تخرج منها إلا إذا آمنت بالله وحده، واتبعت دينه الذي هو الإسلام الذي لا يقبل الله ديناً غيره، فـأوروبا تتخبط من جهلٍ إلى جهلٍ، ومن ظلمات إلى ظلمات، وعندما نشأت فيها هذه الفكرة، ما كان ذلك نتيجة تفكير منطقي علمي مجرد، كما يوهم الاسم أو يشعر، ولا يمكن على الإطلاق أن يكون العلم الحقيقي أو التفكير الحقيقي مضاداً لما أنزل الله تبارك وتعالى، وإنما نشأت كردود فعلٍ طويلة.. ولو حاولت أن أعرضها عليكم، لكان معنى هذا: أن نعرض تاريخاً طويلاً يمتد من سنة (325م) على الأقل إلى الآن، أي منذ أن اعتنقت الامبراطورية الرومانية ما يسمى بالمسيحية وحتى الآن.

    1.   

    عوامل نشأة العلمانية في أوروبا

    لقد نشأت أوروبا في الخرافة وعاشت فيها، ومن هنا اتجهت إلى خرافة العلمانية .

    دور العلمانية في الفكر النصراني

    أرسل الله عز وجل عيسى عليه السلام بما أرسل به الأنبياء جميعاً، كما قال تعالى: أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36] ولا يمكن أن يدعو نبي إلى الشرك أبداً، فكيف نشأ الشرك في دين النصارى؟

    أول ما حدث في دين النصارى أن عيسى عليه السلام رفعه الله تعالى إليه قبل أن يقيم مجتمعاً إسلامياً، فقد بُعِثَ عليه السلام في فلسطين، وهي جزء من مستعمرات الامبراطورية الرومانية الكبيرة، وكانت الامبراطورية الرومانية لا تريد أن تتدخل في قضية العلاقة بين المسيح وبين المجتمع اليهودي الذي بعث فيه، لأن القضية قضية داخلية، والامبراطورية تحرص على أن توحد الأمة أو الولايات تحت حكمها، وهذا رجل جاء في ولايةٍ جزئية بدعوةٍ داخليةٍ محددة إلى بني إسرائيل.

    ومن هنا نشأت قضيتان:

    القضية الأولى: قضية أنها لم تقم دولة، وهذا ما جعل العلمانية تبدأ جذورها وبذورها في فكر القوم، فعندما لم يقم المسيح عليه السلام دولة منفصلة مستقلةٍ جهادية كما فعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كانت هذه بذرة تلقائية للعلمانية بلا شعور؛ أي: يمكن أن يوجد الدين ولا دعوة له ولا جهاد فيه.

    والقضية الأخرى: أن تتحول هذه الديانة من قضية دعوة محلية لقومه خاصة، إلى دين الامبراطورية تحكم شعوباً كثيرة، وهي ربما كانت أكبر امبراطورية آنذاك في الأرض، هذه النقلة بعيدة جداً؛ لأن قومها الذين بعث فيهم المسيح لم يقيموها في أنفسهم، فكيف تقوم على مستوى أكبر من ذلك؟! فلا بد أن يضيق نطاق التشريع والأحكام عن استيعاب الأحكام في العالم، والله اختص محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن دينه هو الدين الذي يهدي العالمين جميعاً، فالاعتراض ليس على كون الإنجيل لم يأت بأحكام للبشرية جميعاً، ليس هناك اعتراض على هذا إطلاقاً، ولكن أهل الإنجيل محددون بأنهم هم أهل التوراة نفسها -أي اليهود- ومع هذا كله لم يصل الدين -كما هو في الإنجيل الذي أنزله الله- إلى أوروبا، فحصل أيضاً خطأ أكبر.

    التحريف والتلفيق في الديانة النصرانية

    وكان سبب تحريف الدين هو بولس، ولذلك نجد المؤرخين الغربيين يعرفون المسيحية فيقولون: إنها تنقسم إلى قسمين:

    القسم الأول: المسيحية اليسوعية، أو مسيحية يسوع أي: عيسى عليه السلام، ويقولون: بدأت عام كذا وانتهت عام كذا بالتحديد، وهذه مسيحية مستقلة.

    القسم الثاني: المسيحية الرسمية: سميت بالرسمية لأن قسطنطين تبناها وجعلها ديناً رسمياً للدولة، وبولس هذا رجل يهودي على الأرجح، اسمه اليهودي شاول، دخل في النصرانية ليفسدها، وكان هو -كما في رسالة أعمال الرسل المطبوع مع الأناجيل- يعذب المسيحيين -أي: المؤمنين بالمسيح- الموحدين عذاباً شديداً، ثم انقلب فجأةً، وأعلن أنه كان سائراً إلى دمشق لتعذيب المسيحيين، وإذا بالنور يخاطبه من السماء -وهي خرافة- ويقول له: أنا ابن الله أو نحو ذلك، فكيف وإلى متى تضطهد أتباعي؟! قال: فعرفت أنه المسيح، فرجعت وآمنت.

    وبدأ يدعو إلى المسيحية، فانقسم الناس تجاهه إلى قسمين:

    أما المضطهدون ففرحوا لأن الاضطهاد رفع، فهذا المضطهد تحول إلى معين وإلى داعية، فكان هذا شيئاً رائعاً بالنسبة لهم، وأما الذين هم على العقيدة الصحيحة، فتعجبوا أن هذا الرجل يرى هذه الرؤية-كما يزعم- من السماء، وأصبح يدعو إلى دين كامل، ليس هو الذي عرفوه عن المسيح ولا الذي في الإنجيل، فبدأ يبرمج ويمنهج، ويشرع تشريعاً من عنده، فيقول: هذا يجوز وهذا لا يجوز، وأخذ يرسل الرسل الذين يسمونهم رسلاً في الإنجيل (العهد الجديد)، فبعث هذا إلى الحبشة، وهذا إلى قبرص، وهذا إلى الإسكندرية، وبدأ ينظم لهم الدعوة بشكلٍ عجيب!!

    كيف هذا؟! ومن أين أخذ هذا الدين؟! ومن أين جاء به؟! وهكذا ظلت المعركة قائمة على أشدها.

    ثم كُتبت الأناجيل، وأقدم نص موجود للإنجيل كُتب عام (209م) وإذا كان المسيح عليه السلام رفعه الله عز وجل، وهو يبلغ الثالثة والثلاثين -كما يقولون- ولعلها تكون فوق الأربعين والله أعلم.

    المهم أنه بعد المائتين كُتب أول إنجيل، وهو عبارة عن سيرة رآها صاحبها، قال: عندما رأيت الناس يكتبون عما سمعوا عن الكلمة -أي المسيح- فأحببت أن أكتب إليك ياعزيزي ساوفيلد بما رأيت وبما سمعت وبما بلغني من الناس الذين عاشروا الكلمة -أي المسيح- فكان مؤلف الإنجيل يقول: ''أنا إنسان أكتب أشياء بلغتني سمعتها عن المسيح'' وما قال: إنها كتاب الله، ولا أنزلها الله.. أبداً. وهذا موجود الآن بنصه في مقدمة الإنجيل.

    وفي القرن الثالث -حوالي الثلاثمائة- كتب إنجيل يوحنا وهو أخطر الأناجيل، ونُص فيه بصراحة على أن الآلهة ثلاثة! أي: عندما تبنت الدولة رسمياً عقيدة بولس، وضع إنجيل يوحنا الذي يتبنى أيضاً بشكلٍ قطعي أن التكليف هو الشرك والعبادة، ثم استمرت البدع والانحرافات طويلاً.

    وكانت ديانةٍ -كما سماها الغربيون- تركيبية، ركبت من فلسفات عديدة لا مجال للتفصيل فيها، أخذت الثالوث من الأفلاطونية الحديثة، وأخذت قضية الصليب الذي يصلب فداءً عن غيره من المسرائية وهي دين وثني كان يدين به بولس، وأخذت أيضاً من التوراة المحرفة بعض الأمور، وهم يرجعون إليها كشريعة لهم، وهكذا تجمعت خرافاتٌ وأفكارٌ وأراءٌ فلسفيةٌ، وسمي الدين الرسمي للدولة باسم المسيحية.

    وأكبر رجل -كما قلنا- بولس اليهودي ومن جاء بعده، واعتنقت أوروبا هذا الدين، واستمرت عليه .

    ثم بُعث محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكتب -كما نعلم- كتابه إلى هرقل عظيم الروم، وذكر فيه الآية من سورة آل عمران: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:64].

    وأنزل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قوله: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ [التوبة:31] وأنزل الله عز وجل أيضاً: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [التوبة:34].

    وكثير من الآيات؛ وخاصةً في سورة آل عمران التي نزل فيها أكثر من ثمانين آية في شأن نصارى نجران، وهي تعالج قضية انحراف النصرانية.

    وعندما بُعِثَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانت أوروبا مشركة؛ لأنها لا تقيم حكم الله ولا دينه، فهي تعبد المسيح وهو بشر وليس إلهاً، وتعبد الأحبار والرهبان، وذلك شرك في الاتباع، وكانت تتبع القوانين الرومانية التي سنها جوستنيان وغيره، بل كانت مشركة في كل أمورها حتى في قضايا الأخلاق، فكانت حتى الأخلاق مستمدة من الأعراف، أو مستمدة مما يضعه الأحبار والكهان ورجال الدين.

    بدعة الرهبنة

    ومن البدع الشديدة التي ظهرت في المسيحية، وهي كثيرة -كما ذكرت-: بدعة الرهبنة، وقد ذكر الله عز وجل في كتابه: وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد:27]

    هذه الرهبانية تفصل علنياً وواقعياً بين الدين والواقع، وبين الدين والحياة، فوضعت المسيحية المحرفة الجزئية الإنسان بين طريقين لا خيار له فيهما: إما أن تدخل في ملكوت الله، فتذهب إلى الدير تتعبد عبادة صارمة مقننة، يشرف عليها رجالٌ غلاظٌ شداد، يبتدعون ما شاءوا، ويفرضونه بالقوة: كذا كذا ترنيمة، وكذا كذا ترديده، وكذا من العشاء الرباني... إلخ!

    وغيرها من الخرافات التي يُملُونها على دينهم إملاءً، ومن أراد الدنيا فليطرد من ملكوت الله؛ لأنه يريد الدنيا -ويريد التزوج، وهو أمرٌ ترفع عنه المسيح ويترفع عنه رجال الكنيسة- ويريد أن يحرث الأرض -كما كان حال الشعوب الأوروبية- وهذا شغل دنيوي حقير، فالرجل الذي يعبد الله يأتيه الرزق وهو في الدير، تأتيه الهبات، وتأتيه الصدقات، وليس محتاجاً إلى أحد، فهي جبرية بالمعنى الإسلامي، فالكنيسة شرعت مع الرهبانية جبريةً معينة.

    ركود الحياة الأوروبية

    ظلت الحياة الأوروبية راكدة قروناً طويلة؛ العمال يعملون للنبيل، والنبيل يجمع الأموال ويعطي الخدم، والنبيل يجهز من الخدم -من الرقيق- جيشاً للحملات الصليبية التي كانوا يشنونها علينا، يجهزها ويعطيها للامبراطور، والامبراطور يرى أنه مادام النبيل أرسلها إلى مسئول الإقطاعية، فالوضع ثابت، والامبراطور أسرته ثابتة تتوارث الملك، والكنيسة نظام ثابت يتوارث أصحاب المناصب والكراسي في ترقٍ هرمي، فكل أسرة ثابتة في عمل ما تتوارثه، هذا في الدير، وهذا في المزرعة، وانتهت القضية.

    ومرت قرون والحياة ثابتة راكدة، ومرت على أوروبا فترة ظلمات أشد عندما جاء ما يسمى النورمانديون -شعوب الشمال- وكلها شعوب همجية، فاحلتوا روما، أي احتلوا الكنيسة الغربية ونقضوها، وأما الكنيسة الشرقية في القسطنطينية فبقيت نصرانية، أما الكنسية الغربية ودولها مثل إيطاليا، وفرنسا، وألمانيا، وبريطانيا؛ فبقيت قروناً طويلة لا تعرف كتابةً ولا علماً على الإطلاق، وكل رأس مالها من العلم كتب كتبت قبل الغزو، يقرؤها بعض الآباء (الكرادنة) فقد كانت مفلسةً تماماً من العلم.

    ويعتبر الأوروبيون بداية التاريخ الحديث هو فتح القسطنطينية، لماذا؟!

    هل ذلك يعتبر لنا نحن لأننا فتحنا القسطنطينية؟!

    لا!! إنما لأنهم يقولون: إنه عندما فتحت القسطنطينية، وأعطى محمد الفاتح الأمان لمن فيها من النصارى، هاجر العلماء الذين كانوا موجودين في القسطنطينية إلى روما وإلى الكنيسة الغربية، واستبشر أصحاب الكنسية الغربية بالقضاء على الكنيسة الشرقية، وإن كان المسلمون هم الذين أخذوها، فانتقلوا إلى هناك، فقالوا: بدأ العلم وبدأت الحضارة، والحقيقة أن أوروبا تريد ألا يكون لنا فضل عليهم.

    وهناك قضية انتقال الحضارة الإسلامية إلى أوروبا عبر الأندلس، وعبر إيطاليا، وكانت جامعات إيطاليا تدرس باللغة العربية، وكان فريدريك الثاني أكبر امبراطور في العصور الوسطى الأوروبية -كما هو معروف- وهو الذي كان في عصر الكامل الأيوبي، وجاء إلى الكامل الأيوبي، وتقابلا في فلسطين وتخاطباً باللغة العربية الفصحى بدون مترجم، لأن فريدريك تعلم اللغة العربية، وكان من المفروض أن أي مثقف لا بد أن يتعلم اللغة العربية، وإلا فلا يعتبر مثقفاً، فكان جنوب إيطاليا مركزاً لانتقال الحضارة الإسلامية إلى أوروبا.

    ومع ذلك لا تعترف أوروبا بهذا، ولا يهمنا أن تعترف، فهو أمر طبيعي، لكن الشيء العجيب أن أوروبا جاءها الإسلام بحضارة كاملة، وتراث علمي كامل، فاختارت رجلاً هو الآن عندهم أعظم رجلٍ في فكرهم من غير الأوروبيين، وهو ابن رشد الذي يسمونه أَفِيروس، وكيف لا وهو الرجل الذي جاء بكتب أرسطو وترجمها؟!!

    فهذا هو الانتقاء الذي انتقته أوروبا، ونحن أخذنا علمانيتها كاملةً ولم ننتق!

    وبدأ عندهم ما يسمى بالعلوم الإنسانية، والتسمية نفسها -مع الأسف نحن نقلناها- سميت لأن العلم كان من وضع رجال الدين، كانوا يضغطون على العلماء، ويتحكمون في كل شيء، وكان العلم هو ما يقوله رجل الدين، سواء حدثنا عن الأرض أم عن الكون أم عن التشريع، كما قال تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة:31] فكل ما يقوله الحبر أو الكاهن فهو الدين والعلم.

    أما الذين ارتدوا إلى الجاهلية الإغريقية فقد جاءوا بالفكر الإنساني كمقابل للفكر أو العلم اللاهوتي، وقالوا: هذا فكر إنساني، وهو يطلق على علم الاجتماع، وعلم النفس.

    وهذه العلوم -حتى هذا الوقت- لا تزال في أوروبا وقد استوردناها منهم، وفي كثير منها نظريات تتصادم مع الإسلام، وفي الغالب لا نجد كُتَّاباً مسلمين متخصصين يكتبون هذه القضايا من خلال الإسلام.

    وبدأ ما يسمى بعصر النهضة وبدأ الصراع بين الدين وبين الفكر الإنساني كما يسمونه.

    الصدام بين العلم والكنيسة

    ننتقل إلى مرحلة أخرى وهي مرحلة العلم التجريبـي الذي استفاده علماء أوروبا من المسلمين، وبدءوا يجربون وينظرون للكون نظرة تجريبية، ومن حكمة الله عز وجل وقدره أنَّ النظريات الكونية سبقت النظريات الإنسانية.

    فإن مجال النظريات الكونية هو العقل، قال تعالى: قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ [يونس:101] قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ [الأنعام:11] والآيات كثيرة ومعروفة.

    فالنظر في الكون هو من شأن الإنسان ومن شأن العقل، ولكن النظر في الإنسان ونفسه واجتماعه وتشريعاته، فهذا ليس من شأن البشر، فقد قدر الله عز وجل أن أول ما يصطدم مع خرافات النصارى هو النظريات الكونية، فظهرت التجارب العلمية قليلاً قليلاً، كان منهم جاليليو الذي قال -وهذه كلمة ليست سهلة عندهم-: (إنَّ الأرض تدور) فيترتب على ذلك مصائب كثيرة جداً.

    وحتى ندرك الفرق بين النظرية ذاتها في الإسلام -صحت أم لم تصح- وبينها في دينهم، أنه إذا بطلت الخرافة؛ فمن الطبيعي أن ينتهي الدين الذي يحمل هذه الخرافة، لكن دين الله عز وجل وحي منزل كما قال تعالى: قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ [الأنبياء:45] والجانب العلمي البشري منه متروك للإنسان، فليخطئ الناس إذا قالوا: تدور مثلاً، أو قالوا: لا تدور، فهذا لا يمس الدين نفسه، لكن رجال الكنيسة شعروا بأنَّ مجرد أية نظرية تخرج عن غير ما قرروه هم، أنَّ هذا بداية الخروج على الكنيسة، ولو خرج الآن شبراً، فسيصل بعد ذلك إلى ذراع، ثم سيكون الخروج الكلي وهو ما حصل فعلاً! فبدءوا بتعذيب جاليليو، حنى قتلوه في الأخير.

    ثم جاء رجل كان له دور أخطر وهو كوبرنيك وقال: ''إن مركز الكون هي الشمس، وأن الأرض تدور، وهي كوكبٌ تابعٌ للشمس'' وهو قد قرأها في كتب قديمة، وطالع فيها كثيراً عن علماء المسلمين حيث ذكروا حجم الشمس وأنها أكبر من الأرض -وهذا معروف ولا مجال الآن لذكره- المهم أنَّه قال هذه الحقيقة، فقال أعضاء الكنيسة: لو قلنا: إن الأرض كروية، لكان الناس الذين في النصف الثاني من الأرض يمشون وأرجلهم فوق، وهذه أفكار شيطانية!

    الغريب أن كوبرنيك نفسه كان قسيساً! وكذلك نلاحظ أن أبطال أوروبا في الفكر أكثرهم كانوا قسيسين وأبناء قساوسة؛ وذلك لأن السيطرة العامة على أي شيء اسمه العلم أو الكتابة كانت بيد الكنيسة، ولذلك لا يتخرج إنسان متعلم إلا وهو قد تربى في دير أو في كنيسة.

    ولم يكتفوا بذلك؛ بل جاءوا بهذا القسيس العاق كوبرنيك فهددوه بالتعذيب والقتل فاعترف أمامهم بأنَّ هذه فكرة أوحى له الشيطان -لعنه الله- بأن الشمس مركز الكون، وإنما الشيطان هو الذي سوَّل له فكتب ما كتب! ولا زال هذا الكتاب محفوظاً وهو علمي على قدر عصرهم، هكذا اضطر أن يعترف في المحضر: أن الشيطان جاءه في النوم وأوحى إليه بذلك وها هو يتوب ويعود إلى الإيمان والدين!

    فهذه كانت مرحلة مهمة، ثم تتالت بعدها المراحل فتطور الأمر -لأن الخرافة لا تثبت- بعد كوبرنيك، وجاء نيوتن، ونظريته بسيطة وهي: نظرية الجاذبية، وهي مبسطة ومعروفة لنا جميعاً بأن الكائنات أو الكواكب جميعاً تتماسك بفعل الجاذبية، فهذه نظرية ليس فيها إشكال، ولا يترتب عليها أية إساءة للدين، وهو تفكير عقلي وطبيعي، فنظرية نيوتن نظرية بشرية لا إشكال فيها، إلا أن الكنيسة اعتبرت هذه خارقة أعظم من مصيبة كوبرنيك، وأعلنوا في منشورات وزعوها في طول أوروبا وعرضها أن هذا ملحد وكافر... الخ.

    بينما هو يعلن أنه مؤمن بالله وأن هذا لا يتعارض مع الإيمان، المهم أنه أعطى ما يسمى تفسيراً فهو لاحظ أنَّ الكون متناسق ومستقيم بطريقة ميكانيكية.

    الاستغلال اليهودي للصراع بين العلم والكنيسة

    هذه النظرية -نظرية نيوتن- أوحت إلى أناس متربصين بالدين وهم اليهود باستغلال هذه الفجوة بين العلم وبين الدين، فظهرت نظريات تقول: ألا يمكن أن يأتي مقابل الميكانيكا الكونية ميكانيكا بشرية، بحيث تسير حياة الإنسان وفقاً للعلم أو لنظريةٍ ما؟!

    هذه القضية شغلت كثيراً من علماء أوروبا الهاربين من الكنيسة، فبدأ الهجوم على الدين ولكن بطريقة الهجوم على رجال الدين، فإنه لم يكن بإمكانهم في ذلك الوقت أن يهاجموا الدين، أي أن يهاجموا الإنجيل.

    ومعروف في الأدب الأوربي أن القصص والأعمال الأدبية كثيرة وموضوعاتها تتمحور في أمرين:

    الأمر الأول: رجل الدين الذي يتظاهر بالدين والخشوع في الدير، ويبكي ويقرأ الإنجيل، ولكنه في السر يرتكب الفواحش، ويزني مع الراهبات، ويأكل الربا، ويفعل الموبقات إن عادة الناس أنهم يقرءون الأدب لأنه يثير النـزعة الإنسانية -كما يسمونها- فيقرءون الأعمال الأدبية، فتعطي ردة فعل وتصوراً معيناً -لكن ليس تصوراً علمياً ضد الدين- وإنما هو ضد رجال الدين.

    الأمر الثاني: العطف على البغايا! وهذا أصبح منهجاً معروفاً في الأدب الأوروبي، فهناك أعمال أدبية كثيرة معروفة موضوعها المرأة البغي التي لجأت إلى البغاء، نتيجة ظروف اجتماعية قاهرة وأوضاع سيئة ومشاكل، لكن مع أنها بغي وأنها تضحي بعرضها وشرفها لمن شاء، لكنها محترمة لأنها لا تسرق، وأخلاقها ومعاملاتها طيبة، وكذا وكذا، هذه الصورة تعرض مقابل ما يعلمه الناس جميعاً -وأولهم الكرادنة والقساوسة- عما يدور في الأديرة من الفواحش ومن الموبقات!

    والذين درسوا الأدب الإنجليزي والعربي من مُجَّان شعراء العرب كانوا يدخلون الأديرة فيجدون هناك الملذات والشهوات والمحرمات والموبقات والعياذ بالله!

    وكذلك في أوروبا عندما جرت حروب بين البروتستانت والكاثوليك كان البروتستانت يدخلون إلى بعض الأديرة ويخرجون منها رفات وعظام أطفال الزنى -المولودين بالزنى- الذين رمتهم الراهبات والقساوسة تحت الأرض، فأخرجها البروتستانت ليبرهنوا على انحراف الكاثوليك، وكأنهم هم ليسوا منحرفين!

    فالعطف على البغايا أيضاً كان اتجاهاً في هذه المرحلة ومن أشهر هذه الأعمال كتابات الرجل الأوروبي ديجرو الفرنسي الذي كتب دائرة المعارف لتحل محل الإنجيل، وكان ذلك في القرن الثامن عشر، وأما من مضى فكتبوها دائرة معارف عامة ليستغنوا عن علم اللاهوت بها، وديجرو هذا له قصة كبيرة جداً اسمها الراهبة، وسميت بعد ذلك المتدينة، وهناك أعمال كثيرة من هذا القبيل.

    فهناك الاتجاه الإنساني أو الأدبي أو الاجتماعي يسير مع الصراع العلمي بين العلم وبين الكنيسة، حتى جاءت الثورتان المتقاربتان: الثورة الفرنسية وهي ثورة بالمعنى الصحيح، والثورة الصناعية.

    الإعلان الرسمي للعلمانية

    الثورة الصناعية هي عبارة عن تحول اجتماعي كبير، نشأ بظهور الآلة واستخدامها، وأدى إلى تحولات وفجوات وخلخلة كبيرة جداً في التاريخ الأوروبي، وهذه الفجوات وهذه الخلخلة أدت إلى نجاح الأفكار التي كان العلم يدعو إليها قديماً، والثورة الفرنسية هي التي أوجدت أول ثورة علمانية بالمفهوم المعاصر للعلمانية، وإلا فالشرك قائم وقد وقع منذ قوم نوح عليه السلام، لكن بالمفهوم الذي يردد الآن أن أول دولة علمانية كانت فرنسا وذلك بالثورة الفرنسية، وخرجت الجماهير تهتف وتصرخ وتقول: ''اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس'' أي تدلل على الاقتران والتعاون على الظلم الذي حصل بين رجال الدين وبين الأباطرة، ورجال الدين كانوا أشداء حتى على الملوك، وقضاياهم في التاريخ معروفة ومنهم - أي: الملوك- من ذهبوا إلى البابا يستعطفونه، ومشوا على الحجارة أياماً وليالي، ووقفوا لابسي الخيش في البرد الشديد، يستعطفون البابا ليرحمهم، لكنه الاستغلال الذي كانت تمارسه الكنيسة، فقد غيرت دين الناس وحولتهم من دين إلى بدع، وغيرت الملوك، وحرقت العلماء، ودمرت الحياة تدميراً كاملاً، وأخذت العشور من الناس، بل وأكثر من العشور في كل ما يزرعونه وما ينتجونه، ومن جهة أخرى كان كل ما يمكن أن يرتكب من الموبقات فعله رجال الدين، فالثورة الفرنسية خرجت وهتفت باسم هذا المبدأ، وأعلنت أنها دولة لا دينية وأن الجميع فيها سواسية فلا دين ولا غيره يفرقهم، وكان اليهود هم الأكبر ربحاً من هذه القضية.

    وكان عند رجال الدين أن أي شيء يخالف الوحي فهو خرافة، فخرافة دارون هذه جاءت نتيجة -كما ذكرنا- ما قاله نيوتن، وهي أن دارون جاء بنظرية ميكانيكية عن الكون، فهل نستطيع أن نأتي بنظرية ميكانيكية عن الإنسان؟ قد يقول قائل: نيوتن فسر كيفية أن الأجرام تتناسق في السماء، ولا يمنع أن يكون الذي جعلها على هذه الكيفية هو الله، فلماذا لم يقل النصارى: إن الله خلق الإنسان كما أراد، لكن عملية خلق الحيوانات جميعاً أو السجل الجيولوجي كله من أوله إلى آخره، أراد الله أن يكون الخلق متطوراً بهذا الشكل -مثلاً- في داخل نطاق النظرة الأوربية، لِـمَ لـَمْ يحصل هذا؟

    نأتي هنا إلى قضية هامة وهي أن في الإسلام، أن آدم عليه السلام أول الخلق، وأن جميع الأنبياء هم من ذريته، ولا إشكال في هذا الموضوع، لكن عند الكنيسة هذه القضية خطيرة جداً، لماذا؟ لأن الدين النصراني عندهم فقط قضية الصلب والفداء التي سببها خطيئة آدم، والخطيئة أنه أكل من الشجرة، ولكن الله -تعالى عن ذلك علواً كبيراً- ضحى بابنه الوحيد ليكفر عن الجنس الذكري من هذه الخطيئة، فأنزل ابنه وقتل -تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً- لكن إذا قلنا كما تقوله نظرية دارون: أن الإنسان تطور تطوراً طبيعياً، وظهر ووجد بشكل تلقائي من الخلية إلى الكائنات العضوية واللافقاريات إلى القرد إلى شكل إنسان، كما تقول النظرية حلقة مقطوعة، كان الإنسان على هذا الكلام ليس هناك آدم، وإذا لم يكن هناك آدم فالمصيبة أنه إذاً: ليس هناك خطيئة، وليس هناك صلب، وليس هناك فداء.

    إذاً: فمن حق الكنيسة -من وجهة نظرها- أن تستميت الاستماتة الكاملة في دفع النظرية -نظرية دارون- لأنها تهدم بها المسيحية هدماً تاماً، فإن الاعتقاد بأنه لم يوجد آدم معناه أنه لا يوجد مسيح ولا يوجد صلب ولا يوجد فداء، إذاً: ما بقي من الدين -دين النصارى- شيء.

    فترتب على هذا أن الكنيسة قاومت نظرية دارون مقاومة شديدة، وجاء الصحفيون والهدامون والعلمانيون من كل ناحية، وأشاعوا نظريته بشكل رهيب لم يحلم به دارون، وربما لم يخطر له على بال، والعجيب أن لامارك وبوتيه وعدة علماء أو باحثين -كما يسمون- حاول كل واحد منهم أن يأتي بنظرية قريبة من نظرية دارون أو مؤدية إلى نظريته إلا أنه لم يكتب لها الشيوع، لأنهم أشاروا أو ذكروا أن الله اقتضت حكمته هكذا حتى لا يفاجئوا أن يصدمهم المجتمع أو تصدمهم الكنيسة.

    ونظرية التطور اعتنقتها أوروبا وعممتها على كافة الحياة؛ لأنها استندت على فكرة التطور العلمي، التي جاء بها أوجوف كوم قبل دارون بأكثر من ستين سنة، في مطلع القرن التاسع عشر، جاء وقال: '' إن العلم البشري مر بثلاثة مراحل: مرحلة الخرافة والشعر، ومرحلة الدين، ومرحلة العلم''.

    هذا التطور إذا نظرنا إليه بالنظرة المنطقية، وجدنا أنه: بدأ بمرحلة الحيوان، ثم مرحلة الدين، ثم مرحلة العلم، فهذا التطور الفكري الذي تخيله أوجوف كوم، أصبح حقيقة دعمتها التجربة ودعمها المعهد، ونعرف جميعاً ماركس كيف ركب نظرية المادية من نظرية التطور لدارون وقال: بأن المجتمع يتطور من خلال مراحل الاستكش -المراحل الخمس- الشيوعية.

    والشاهد أن الديمقراطية والإنسانية ونظريات علم النفس ونظريات الاجتماع كلها ركبت على هذه الخرافة، ومن هذا أن التجارب تجري على الكلاب وعلى القرود وعلى الفئران وعلى أي حيوان، ويراد أن يفعلَ بالإنسان ما طبق على الفأر أو القرد أو الضفدعة!

    هكذا وصل الأمر إلى انهيار معنى الإنسانية، وهبوط هذا المعنى، وظهرت الديمقراطية نتيجة للاحتكاك الذين أحدثته الثورة الصناعية وهذه الأفكار، ونحِّي الدين تنحية كاملة، ونحيت النفس الإنسانية، وأقيمت الدولة العلمانية على منهج بشري، أي: على منهج الهوى والخرافة كما قلنا.

    1.   

    علاقة العلمانية بالخرافات والخزعبلات

    ولو نظرنا كيف دخلت العلمانية إلى العالم الإسلامي، لعلمنا أن السبب هو الخرفة والجهال، وهو نفس السبب الذي أدخل العلمانية إلى أوروبا، ولو كان المسلمون مسلمين حقاً، لما دخلتها العلمانية، ومن أسباب دخول الخرافة إلى التصوف، أن التصوف هو صورة أخرى للرهبانية النصرانية التي تعني الانعزال عن الدنيا، وأن تذهب للاهتمام بالدين كما يقولون.

    وأول من بنى رباطاً للصوفية هو أمير الرملة، وهو أمير نصراني راهب، بناها على طريقة أديرة الرهبان، فهو نصراني بنى هذا الرباط، وبعد أن كان التصوف في أشخاص أصبح الآن في رباط يجتمع فيه أناس، ومن هنا دخلت الصوفية إلى مرحلة أخرى، وهي مرحلة الرهبانية النصرانية، ونظرت إلى الحياة نظرة مقت وازدراء، وأخذت الجبرية التي أخذتها الكنيسة، وبدأ هذا الانحراف في القرن الرابع بوضوح، والصوفية بدأت بالزنادقة الشيعة، أناس تستروا بالتشيع وأناس تستروا بالتصوف.

    والشيعة حققت نجاحاً كبيراً؛ لأنهم دخلوا باسم حب آل البيت، والصوفية دخلت بحب الرسول، فكان تأثير الشيعة محدوداً في الشعوب الشرقية، مثل الفرس وأمثالهم، أما الصوفية فكانت أعمق وأخطر في الهدم؛ لأنهم أخذوا شخصية النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجعلوا عليه صفات الألوهية التي قالها النصارى في عيسى إلا أنهم لم يقولوا: إنه ابن الله، فهم أعطوه علم الغيب.. وبهذا قضوا على مصدر التلقي، ونحن نقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت الصوفية: لا، أنتم تأخذوا علمكم من ميت عن ميت، تقولون: حدثنا فلان عن فلان، أي: ميت عن ميت، ونحن نأخذ عن الحي الذي لا يموت، العلم المباشر، فإذا أراد الإنسان أن يعرف هذا الحكم، هل هو صحيح أو غير صحيح، فإنه لا يقرأ صحيح البخاري ولا يقرأ صحيح مسلم، بل يصلي على رسول الله كذا ألف مرة، ويذكر الورد الفلاني، وينام ويرى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النوم إذا كان من السالكين، أما الواصلون فإنهم يرون النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة، فيقول له: يا فلان افعل كذا، تزوج فلانة، وهذا حلال وهذا حرام، فإذا اعترض عليه أحد بأن هذا حرام، يقول: أنت تتكلم بعلم مأخوذ من ميت عن ميت، ونحن نأخذ العلم مباشرة، فكيف تعترض علينا؟! ومعروف عندهم الكشف والفتح، وأشهر ما يذكر في تاريخ التصوف، أن الإنسان يدخل الخلوة ويبقى فيها عشرين سنة لا جمعة ولا جماعة ولا اغتسال وهم في الحقيقة يرتكبون الشرك، وتأتيهم الشياطين بالأخبار، فيأتي الناس يكلمونه، وهو في الخلوة، فيقولون للشخص: أنت فلان وجئت من أجل كذا، فيصدقه الناس ويؤمنون بأن هذا كشف وفتح .

    فأصبح التدين في أعين الناس هو هذه الطريقة، وليس هو عبادات بمعناها المعروف، بل هذا هو الدين عندهم، وما عداه فدنيوي، وهي الترجمة الحقيقية لكلمة علمانية .

    فلما جاء الغزو الفكري الحديث، وجاء لمهاجمة المسلمين، كان المسلمون أمة غارقة في الخرافات والجهل، كما كانت النصرانية.

    فدخلت الأنظمة والقوانين من هذا الطريق، من طريق أن الدنيا ننظم لها ونشرع لها، ونجعل الدولة إما ديمقراطية أو نجعلها اشتراكية أو غيرهما وما المانع فهذا تنظيم حكم لا تشريع دين!

    أما الدين فالدين هناك في المسجد، في الزاوية عند المتصوفة، لذلك لم يقم ولن يقوم أي تعارض بين أي حاكم يحكم بغير ما أنزل الله، أو مع ملحد يؤلف الكتب ضد الإسلام، لا تقوم بينهما عداوة بل يـبقى التقارب والاقتران بينهما، كما كانت الاتفاقية المشهورة بين رجال الدين في أوروبا، وبين الأباطرة في تلك المرحلة.

    لأن تطبيق غير شرع الله عز وجل، أو التحاكم إليه لا يمكن أن يعترض عليه رجل لا يرى الدين إلا الذكر والأوراد، ولو أتاه أكبر مجرم فأخذ منه الورد، فهذا كل ما يريد، وإن جحد بعد ذلك، أو نَحَّى شرع الله، أو لم ينحَّه، وصلى أو لم يصلِ، فهذه قضية لا تهمه، والقضية عنده هي الانتماء إلى طريقته لا إلى طريقة غيره.

    ترجمة أحد الصوفيين الخرافيين

    أحببت أن آخذ ترجمة لأحد هؤلاء المتصوفة حتى نعرف أثر الخرافة في انتشار العلمانية في العالم الإسلامي، فنأخذ ترجمة أحد زعماء التصوف، وهو أحمد الرفاعي:

    وهو من المعروفين، وقد ناظرهم شَيْخ الإِسْلامِ، ومن خلالها نعرف أشياء عجيبة، ونرى بها وجه التطابق بين كلامه وبين خرافات الكنيسة:

    يقول أحمد الرفاعي: '' إن العبد إذا تمكن من الأحوال بلغ محل القرب من الله تعالى، فصارت همته خارقة للسبع السماوات، وصارت الأرضون كالخلخال في رجله، وصار صفة من صفات الحق جل وعلا، لا يعجزه شيء، وصار الحق تعالى يرضى لرضاه ويسخط لسخطه، ويدل لما قلنا أنه ورد في بعض الكتب الإلهية يقول الله : يا بني آدم أطيعوني أطعكم، واختاروني أختركم، وارضوا عني أرض عنكم، وأحبوني أحبكم، وراقبوني أراقبكم وأجعلكم تقولون للشيء كن فيكون ''.

    فهذه كرامات منبعها كلها كن فيكون، فالله أعطاها للأولياء، كما يزعمون!

    ويقول الشعراني: '' وكان إذا جلس على ثوبه جرادة وهو مار في الشمس وجلست على محل الظل -ظله- يمكث لها حتى تطير، ويقول: إنها استظلت بنا، وكان إذا نامت على كمه هرة، وجاء وقت الصلاة يقطع كمه من تحتها ولا يوقظها، فإذا جاء من الصلاة أخذ كمه وخاطه ببعضه، ووجد رضي الله عنه مرة كلباً أجرب أخرجه أهل أم عبيدة -القرية التي كان فيها- إلى محل بعيد فخرج معه في البرية، فضرب عليه مظلة، وصار يطليه بالدهن ويطعمه ويسقيه، ويحك الجرب منه بخرقة، فلما بَرأ أخذ ماءً مُسخناً فغسله، وقد كلفه الله تعالى بالنظر في أمر الدواب والحيوانات، وكان إذا رأى فقيراً يقتل قملة أو برغوثاً، يقول له: لا رحمك الله! شفيت غيظك بقتل قملة، وسمع مرة رجلاً يقول: إن الله له خمسة آلاف اسم، فقال له: إن لله تعالى أسماء بعدد ما خلق من الرمال والأوراق وغيرها، وكان يبتدئ من لقيه بالسلام حتى الأنعام والكلاب، فكان إذا رأى خنزيراً يقول له: أنعم صباحاً، فقيل له في ذلك، فقال: أَعَوِّد نفسي الجميل ''

    فإن كان كلباً أو بقرة فيقول له: السلام عليكم، أما الخنزير لأنه محرم أكله فيقول له بتحية الجاهلية: أنعم صباحاً، لأنه متمسك بالدين!

    '' وكان رضي الله عنه إذا صعد الكرسي لا يقوم قائماً وإنما يتحدث قاعداً، فكان يسمع حديثه البعيد مثل القريب، حتى إن القرى حول أم عبيدة كانوا يجلسون على سطوحهم فيسمعون صوته، فيعرفون جميع ما يتحدث به، حتى كان الأطرش والأصم إذا حضروا يفتح الله أسماعهم لكلامه، وكانت أشياخ الطريقة يحضرون ويسمعون كلامه، وكان أحدهم يبسط حِجره، فإذا فرغ سيدي أحمد رضي الله عنه ضموا حجورهم إلى صدورهم وصفوا الحديث إذا رجعوا إلى أصحابهم على جليته.

    وكان يوماً جالساً في القرية فمد عنقه، وقال: على رقبتي، فتعجب الحاضرون، قالوا: ما هذا؟! قال: الشيخ عبد القادر الجيلاني، الآن في بغداد، قال: قدمي هذه على رقبة كل وليّ لله -لأنه ولي الله، وقدم الشيخ على رقبته- فأرخى جالساً وكان كذلك، وكان جالساً وحده فنـزل عليه رجل من الهواء، وجلس بين يديه، فقال الشيخ: مرحباً بوفد المشرق، وقال له: إن لي عشرون يوماً ما أكلت ولا شربت، إني أريد أن تطعمني شهوة، فقال: ما شهوتك، قال: فنظر إلى الجو وإذا خمس أوزات، فقال: أريد إحدى هؤلاء مشوية، ورغيفين من بر، وكوزاً من ماء بارد، فقال له الشيخ: لك ذلك، ثم نظر إلى تلك الوزات، وقال: عجل بشهوة الرجل، قال: فما تم كلامه حتى نزلت إحداهن بين يديه مشوية، ثم مد الشيخ يده إلى حجرين كانا إلى جانبيه، فوضعهما بين يديه -الحجرين وضعهما مع الوزة- فإذا هما رغيفان ساخنان من أحسن الخبز منظراً، ثم مد يده إلى الهواء وإذا بيده كوز أحمر فيه ماء، قال: فأكل وشرب، ثم ذهب في الهواء من حيث أتى، فقام الشيخ رضي الله عنه وأخذ تلك العظام، ووضعها في يده اليسرى، وأمرّ يده اليمنى، وقال: أيتها العظام المتفرقة والأوصال المتقطعة اذهبي وطيري بأمر الله تعالى، بسم الله الرحمن الرحيم، قال: فذهبت أوزة سوية كما كانت وطارت في الجو، حتى غابت عن منظري! '' فهذا الراوي يقول هذا الكلام!

    وهنا شيء آخر لطيف، وهي أن صكوك الغفران التي عملها النصارى وكانت من أكبر العوامل التي جعلت أوروبا تثور على الدين، لأن رجل الدين كان يكتب صكاً من فلان إلى فلان، ويعطي هذا أرضاً في الجنة، وما أشبه ذلك، والعاقل يرفض مثل هذه النزاهات، حتى رفضها الفكر الغربي رفضاً شديداً، وهذه الصورة الغريبة -أيضاً- وقعت في التاريخ الإسلامي .

    فقد '' كتب الرفاعي صكاً لأحد الناس، حيث أنه جاء وطلب منه بستاناً، فأخذ الشيخ البستان، وقال له الرجل: تعطيني في الجنة بستاناً مقابله؟ قال: لو أردنا أن نعطي السماوات والأرض لكان ذلك، وهذا بسيط جداً. قال: اكتب لي بذلك صكاً، فكتب الرفاعي هذا الصك:

    بسم الله الرحمن الرحيم

    هذا الذي اشترى إسماعيل بن عبد المنعم من العبد الفقير أحمد بن أبي الحسين الرفاعي ضامناً له على كرم الله تعالى، قصراً في الجنة، تحفه أربعة حدود: الأول: إلى جنة عدن، الثاني: إلى جنة المأوى، الثالث: إلى جنة الخلد، الرابع: إلى جنة الفردوس، بجميع حوره وولدانه وفرشه، وأسرته، وأنهاره، وأشجاره، عوضاً عن بستانه الذي في الدنيا والله له شاهد وكفيل، ثم طوى الكتاب وسلمه إياه ''

    وهذه في جامع كرامات الأولياء للنبهاني.

    الشاهد من هذا: أن الخرافة التي وقعت فيها أوروبا ومنها جاءت العلمانية وقعت فيها الأمة الإسلامية في أردى صورها، ونتيجة لهذه الخرافة، ونتيجة ابتعادنا عن الله عز وجل، ونتيجة فهمنا بأن الدين له علاقة فردية محدودة، وكما تصور المتصوفة؛ جاءتنا كل هذه الأفكار، وكل هذه العقائد وغيرها فقبلناها ومنها العلمانية.

    ومثلاً: دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لماذا كانت في عصر الانهيار الشديد وعصر الضعف الشديد؟ ومع ذلك فإن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ذكر في أنواع الطواغيت الخمسة: الشيطان، والحاكم الذي يحكم بغير ما أنزل الله، والحاكم الجائر المغير لأحكام الله، وذكر الذي يدعي علم الغيب، وذكر من يدعي عبادة نفسه.

    ففسر الطواغيت الخمسة، وهذه العلمانية هي من الحكم بغير ما أنزل الله من ناحية، ومن ناحية أخرى هي تدعي علم الغيب عندما تشرع للإنسان، وقد كان ادعاء الغيب هو الذي كان فاشياً باسم كرامات التصوف، فعندما تصح العقيدة فإنها لا تقبل العلمانية على الإطلاق، مهما كان مستواها في الحياة الدنيا.

    ولكن عندما تفسد العقيدة، وعندما تصاب بالخرافة، تأتينا هذه العلمانية بكل أشكالها، وبكل مذاهبها سواء ما كان منها في النظم أم في الحكم أم في الاقتصاد، وغير ذلك.

    أو ما كان منها في مناهج التربية والتعليم، أو منها في الحياة الاجتماعية أو ما كان.. بأي اسم، عندما وصل فهم المسلمين إلى أن الدين هو ركيعات تؤدى في المسجد أو أذكار وأوراد، وأما الباقي فلا شأن لله فيه -تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً- ولا يحق لك أيها المسلم أن تعترض عليه؛ لأنه ليس من شأنك.

    وهنا نجد الأساس الذي هو: أننا عندما نريد أن نعرف حكم أي شيء، فلننظر إلى العقيدة الصحيحة وبما حكمت عليه، وعندما نريد أن نتخلص من أي داء، فلنتداوى بالعقيدة الصحيحة وبما أنزله الله عز وجل على نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الوحيين الكتاب والسنة وما سار عليه علماء الإسلام كالأئمة الأربعة وكلهم ولله الحمد كانوا على عقيدة واحدة، وعلى العقيدة الصحيحة، فهم علماء الأمة الأفاضل، قرناً بعد قرن، وجيلاً بعد جيل، قياماً بحجة الله على العالمين.

    1.   

    الأسئـــلة

    بعض الكتب التي ترد على الأفكار الهدامة

    السؤال: نرجو إرشادنا إلى الكتب التي ترد على الأفكار الهدامة؛ لكي نكون على بينة منها وبالأخص العلمانية.

    الجواب: الأول: كتاب الله عز وجل، فإن فيه كل خير وهدى، وكل بدعة جاءتنا من داخل المجتمع الإسلامي أو من أوروبا فهي مرفوضة لأنها بدعة، وليست من عند الله ولا من عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

    وهناك كذلك ممن كتب عن الغزو الفكري منهم: أبو يعلى الجويني، ومحمد قطب، وسيد قطب، ومحمد محمد حسين، وهناك كتاب كثيرون كتبوا في هذا الموضوع، أيضاً والفكر الغربي نفسه لمن قرأه وهو يعرف حقيقة الإسلام سوف يكتشف بنفسه أي نظرية هدامة، فأي نظرية قرأها سوف يكتشف أنها منافية للإسلام.

    والحمد لله أنهم في أغلبية الجامعات بدءوا ينحون اتجاهاً إسلامياً، وبدأت الاتجاهات في أن تجعل هذه العلوم إسلامية، وأصبحت كتابة هؤلاء العلماء الرواد هو مما يرجع إليه.

    آراء حول العلمانية

    السؤال الثاني: هناك تأويلات كثيرة للعلمانية في هذا العصر تحت عدة شعارات، منها وجود أكثر من دين واحد في بلد ما، ومنها: حكم الشعب نفسه بنفسه وغيرها، فما رأيكم في ذلك؟ ومن هم أشهر الحكام الذين أدخلوا العلمانية في هذا العصر؟ وما هي أبرز شعاراتها الآن؟

    الجواب: تعدد الشعارات لا غرابة فيها، لأن الباطل دائماً متعدد: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام:153].

    أما الديمقراطية أو حكم الشعب فهذه خرافة.

    أما الحكام الذين أدخلوا العلمانية: فقد كانت تركيا هي أول دولة إسلامية طبقت العلمانية، ومعروف ما فعله هذا الحاقد اليهودي المجرم أتاتورك فإنه قد قضى على اللغة العربية، وجعل الأذان باللغة التركية، وفعل أشياء لا يمكن أن تخطر على البال.

    فلا نتصور أن القضية نتيجة علم أو علمنة فالقضية قضية حقد وعداوة ودسائس ومؤامرات، بسبب أنهم وجدوا أمة خاوية من عقيدتها الصحيحة وغارقة في الشركيات وفي الخرافات، فاستطاعوا أن ينشروا تلك العقائد والأفكار الهدامة فيها.

    أما خرافة أن الشعب يتكون من دينين فكيف نطبق الإسلام؟

    نقول: أولاً يجب أن نفهم الإسلام في شموله، فـ العلمانية: منهج شامل للحياة - كما يدعي أصحابها -ما عدا العلاقة الروحية بالله، والإسلام أنزله الله شريعة عامة في كل المجالات، وليس في قضية الحكم فقط، وهي إحدى هذه القضايا وإن كانت هي من أهمها.

    فكون أن عندنا في الدول العربية نصارى -مثلاً- مليوناً ونصف أو مليونين كما في لبنان والشام، أو حوالي أربعة ملايين في مصر، لكن بما في الإسلام من العدل والسماحة، جعلناهم يعيشون بيننا وضربنا عليهم الجزية، وهذا أيام الخلفاء الراشدين، وهو حكم فرضه الله في كتابه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بحقوقهم، ومعاملتهم بالمعروف.

    وكون وجود هؤلاء الناس لا يبرر ولا يعني إطلاقاً أن نأتي نحن فنتخلى عن شرع الله عز وجل ونكفر بآيات الله؛ لأن من كفر أو من بدل شرعاً غير شرع الله وحكمه، فهذا ردة وكفر، وهذا اعتراض على كتاب الله، فمن أجل هؤلاء الذين هم وضع استثنائي لا يد لنا فيه، نغير شرع الله! الله عز وجل هو الذي شرعه ولو شرع الله عز وجل أن نمضي السيوف في رقابهم لكان أمضاه الخلفاء الراشدون ولم يترددوا، إنما الله هو الذي شرع لهم هذا الوضع الاستثنائي، فإما أن يبقوا عليه وإلا فالعهد منقوض، وقد نقضوه منذ أن تعاونوا مع كل أعداء الإسلام، في التاريخ الإسلامي الماضي فهؤلاء الناس إن أرادوا الحقوق التي نكفلها لهم -لأن الله أمرنا أن نكفلها لهم- فإننا نكفلها لهم، وإن أرادوا أن يتعدوا ذلك إلى أن نغير ديننا، ونكفر بالله عز وجل من أجلهم فهذا لايمكن أن يخطر على بال مسلم، وإلا فلماذا نطبق نحن علمانيتهم، وقد جاءوا بها إلى بلادنا ونحن الأكثرية وهم الأقلية؟! لأنهم ليس لديهم شرع نتحاكم إليه!

    فالقضية: قضية من الذي يملك شرع الله، فمن ملك شرع الله؛ فليحكم، ليضرب الرقاب بهذا الشرع، فمن ملك النور المبين؛ فليقاتل الناس عليه.

    هاتوا ما عندكم: إن كان هو الوحي الذي أنزله الله، فقاتلونا عليه فنحن نستحق الموت؛ لأننا مخالفون لأمر الله، وإن كانت الخرافات التي كتبتموها بأيديكم وقلتم هذا من عند الله، فمن حق من يملك وحي الله وكلمة الله المحفوظة أن يقاتلكم وأن يرغمكم إما على الإسلام، وإما أن تعطوا الجزية عن يد وأنتم صاغرون.

    ولا مجال أن نجعلهم مقابل الإسلام، ونكفر بالله عز وجل من أجل أن نرضي هؤلاء، لا يمكن هذا أبداً!

    حقيقة الصوفية والتصوف

    السؤال: من الذي يدعم التصوف، كما أعرف أن أمريكا واليهود خاصة والكفار عامة يدعمون التصوف، ويدرسون التصوف في بعض جامعاتهم ويسمونه الإسلام الحقيقي، هل هذا يدل على أن أمريكا واليهود آمنوا بالله عز وجل حق الإيمان؟ أم عرفوا أن هو حرب الإسلام عن طريق المسلمين الجهال، فلهذا دعموا التصوف بكل إمكاناتهم وقدراتهم؟

    الجواب: السائل سأل وأجاب، وقضية دور أمريكا ودور اليهود والمستشرقين في دعم التصوف وفي فرق الباطنية، هذا شيء معروف، فقد حققوا الكتب وأنشئوا أقساماً للدراسات، واستماتوا في الدفاع عن الحلاج، كاستماتتهم في الطعن في عثمان ومعاوية رضي الله عنهما.

    وقضية موقفهم واضحة، وهذا عدوك فلا تتوقع من عدوك إلا أن يفعل هذا، ولو استطاع أن يفعل أكثر لفعل، ولكن ماذا فعلنا نحن؟ هل حاربنا الخرافة؟! كما ذكر استغلال جهال المسلمين، ما دام الجهل فاشياً والعقيدة الصحيحة غير موجودة عند المسلمين فهي مباحة لمن جاء من دجال وكذاب.

    الجديد في التصوف هو أنه أصبح جزءاً من الغزو الفكري الحديث، والتصوف كما قال أحمد الرفاعي، قبل أن تخلق أمريكا وغيرها، وأحمد الرفاعي مثله كثير: شاذلية، وقادرية، وتيجانية إلى آخرها.

    كان هناك قبل وجود أمريكا خرافات، وكان هناك شر وبلاء، لكن هذا الغزو الفكري قديم، دسه الزنادقة في الإسلام، فالآن أصبح التصوف جزءاً من الغزو الفكري الحديث، لماذا؟

    لأن اتجاه الشباب عندما كانت العلمانية -كما في تركيا وغيرها من الدول- تطالب الناس بالكفر بالله عز وجل علناً، أي أن هذه من الخطورة ومن العداوة فظهر بسببها دعوات إسلامية، فقالوا: هذا لا يمكن، إذن الحل أن نأتي بشيء بديل منحرف،نأتي بـالصوفية على أنها بديل للتدين الصحيح، ولنأتي بترقيعات في الاقتصاد، وترقيعات في التعليم، وترقيعات في السياسة ونقول هذا تطبيق للشريعة، حتى لا يطالب أحد بالعودة إلى الكتاب والسنة وأخذها كاملاً من جميع جوانبها وهكذا .

    فتحولت الصوفية من غزو قديم موروث إلى غزو حديث مدعوم ضمن المخطط الكافر الآثم الذي لا يزال يحارب الإسلام.

    الصوفية الموجودة شرك وزندقة

    السؤال: هل الصوفية تشبه العلمانية، إذ أنها عقيدة ربانية ثابتة ولو كانت تميل إلى الانحراف، وفي نفس الوقت العلمانيون في معنى المفهوم العام اللادينيون، فأرجو التوضيح؟

    الجواب: العلمانية تقول: لا علاقة للدين بالحياة، والصوفية -في واقع الحال- تقول: لا علاقة للدين بالحياة، فالالتقاء بينهما واضح، فلا يأتي اللبس في قضية إنسان زاهد متأثر أراد أن يترفع عن شهوات الدنيا، أو أن يعتزل سواء كان على سنة أم على بدعة، فنقول الصوفية هي هذه، ولا يدخل أو يشتبه أحد في كلامنا هذا، فإذا كان يراد الصوفية: الذين عندهم العقيدة وعندهم الإيمان، لكنهم منعزلون لا يحبون الدينا، ولا المال ولا المناصب، فهذه نعالجها داخل الصف الإسلامي نفسه، أما أولئك زنادقة التصوف الموجود عندهم الآن شرك وزندقة، فعندما نرى رأس الحسين يعبد في أكثر من موضع في العالم، ويتمسح به، فهل نقول: إن هذه عقيدة ربانية؟! أين العقيدة الربانية في هذا؟! عندما نجد أن هؤلاء يشرعون للإنسان حتى إباحة المحرمات، ونجدهم أنهم قد ارتكبوا أشد الموبقات كالزنى واللواط باسم العبادة، ويستحلون الغناء، بل إن الغناء هو مادتهم وهو قرآنهم والعياذ بالله!

    فأين الربانية في هذه حتى نقول: إن ما عندهم دين، إن كان عندهم دعوى أنهم على الإسلام، فقد كان عند أتباع الكنيسة دعوى أنهم على المسيحية، وهذه الدعوى ليس لها دليل والله عز وجل يقول: لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ [النساء:123] ليس دعاوى ولا أماني.

    أما إن كانت فعلاً عندهم عقيدة وعندهم مجملات منها ولكن عندهم أخطاء وبدع وانحرافات فهذا ليس الذي نتكلم عنه، وهذا يشبه العلمانية من وجه، لكن لا نقول: هو الذي يدعمها، وهو الذي يشبهها تمام الشبه.

    أعمالهم كسراب بقيعة

    السؤال: ما رأيكم بمؤلفات الروائي الأمريكي آرنت همنجواي أمثال الشيخ والبحر، ووداعاً أيها السلاح من وجهة النظر الإسلامية، خاصة وأن هذه الكتب تقابل بإعجاب كبير، وأن مؤلفها نال جائزة نوبل للأدب، نرجو توضيح ذلك خاصة وأنكم عشتم مع العلمانية في صراع دام أربع سنوات؟

    الجواب: همنجواي مثله كمثل أي عالم وأي إنسان غربي لا يؤمن بالله عز وجل، فالله عندما أنزل آدم عليه السلام إلى الأرض، قال تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً [طه:124] المعيشة الضنك لمن لم يقبل شرع الله في أي زمان وفي أي مكان.

    فـهمنجواي، أو غيره، أو أي أحد ممن ضل عن هذا الدين فهو في شقاوة وضنك، فـهمنجواي نهايته أليمة حيث وجد منتحراً ببندقية صيد وضعها على دماغه وانتحر، وأعماله الروائية المشهورة تعبير عن قلقه، وأعظم رواية التي أخذ عليها جائزة نوبل هي رواية الشيخ والبحر رواية تافهة تباع بأربعة ريالات في أي مكتبة.

    مدار القصة أن رجلاً مسناً كبيراً ركب في البحر وكان يصارع الموج، فاصطاد سمكة كبيرة من أعماق المحيط، وكان يصارع الموج ويعود بجهد جهيد، ويأتي عليه الليل والنهار وهو ما نام ولا ارتاح، ثم يخرج إلى الشاطئ وهو مطمئن وهو يجر السمكة التي اصطادها فإذا هي عظام لا لحم فيها؛ لأن أسماك القرش أكلت اللحم كله.

    فمدلول هذه الرواية -حتى تأخذ جائزة نوبل- أنها تعبر عن الضياع، والله عز وجل قد ذكر الشقاء وذكر الخسران لمن ضل عن سبيله فهذه هي الخسارة، في الدنيا قبل الآخرة، فإنه يكتب عن الخسارة وأوروبا تعيش الخسارة، وكل خاسر فهو رائد في أوروبا لأنه يتكلم بشيء هي تعيشه، ويقولون: بأنه صور المعاناة الإنسانية والتجربة الإنسانية في أجلى مظاهرها، أن الإنسان يعيش ثمانين سنة يكدح ويجمع المال من حلال ومن حرام، وفي الأخير يموت ويتحول إلى عظام والرصيد في البنك، ما هي الفائدة؟!

    صور واقعهم الذي يعيشونه، فقالوا: هذا رجل عظيم، فأعطوه جائزة نوبل، ولذلك هو طبق هذه القصة وقتل نفسه، وكانت النهاية الخاسرة كما ذكرها في روايته.

    واجبنا أمام العلمانية

    السؤال: ما موقفي أنا الشاب المسلم أمام الأفكار العلمانية، وكيف أحاربها؟

    الجواب: نعـود إلى قضية الأساس وهي أن موقفنا تجاه هذه الأفكار هو أن نؤمن بالله عز وجل، وأن ندعو الناس إلى ذلك، وأن نفرح ونحمد الله، لو علمنا نعمة الوحي التي بين أيدينا لقدرناها حق التقدير، ولكنا فعلاً كما قال الله عز وجل: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:110].

    تجربة بسيطة عشتها مع هذا الفكر وهي عن أناس يتخبطون في الجهل والوهم والظلمات، ما كنا نشعر بأن جيلنا هذا -مع أن القرآن بين أيديهم- يبحثون في قضايا منتهية بالنسبة لديننا، ويضيعون الأعمار والجهود بحثاً عن غاية هم يعيشون من أجلها، ولما انتشرت الصوفية الغربية نفسها كـالماريشي وأمثاله، فإذا أردت أن تجتنب العلمانية بل أي فكر وأي ضلال؛ فعليك بكتاب الله وسنة نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومنهج السلف الصالح. وأن نأتمر بأمر الله، وأن نجتنب نواهيه، وأ، ترتاح قلوبنا، بذكره عز وجل، وأن نقرأ القرآن ما أمكن، وأن نحضر مجالس الذكر، وأن نجتنب مجالس اللهو والمعصية، وأن نخالط الأطهار ونجتنب الفجار، فهذه كلها تحصن الإنسان من شياطين الإنس وشياطين الجن الذين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً.

    إذا ربينا أنفسنا ونصحنا إخواننا وذوينا فإننا قد حصناهم ضد العلمانية، إن استطعنا أن ننصحهم ونوجههم بالأسلوب وبالإقناع العلمي، فهو أفضل فإنه قد تفشى في الأمة وصار إنكار المنكر هو المنكر، فلا بد أن نرد بأسلوب علمي ضد أي شبهة وهذا من التحصين ضده.

    استيراد الأفكار العلمانية

    السؤال: ألا ترى أن كثيراًُ ممن تلقوا تعليمهم في أوروبا جاءوا يحملون الأفكار العلمانية ويريدون فرضها على المجتمع الذي يعيشون فيه؟

    الجواب: لا أريد أن ندخل الآراء في القضايا، فإن الآراء تتضارب وتختلف، ولكن أقول: نحن عندنا الوحي: القرآن والسنة، اسأل: ما حكم السفر إلى بلاد المشركين؟ هذه قضية شرعية: اسأل عنها أي شخص تثق في دينه فهو سيخبرك، فهذه قضية شرعية ولا بد أن تكون جميع القضايا مرتبطة بالشرع.

    فانظر إلىحكم الله تعالى في هذه المسألة، وحكم الله في هذه القضية معروف، فمهما بلغ الحال من العلمانية في ديار المسلمين إلا أنك تستطيع أن تصلي وتسمع الأذان، وتقرأ القرآن، ولا ترى دور عراة، فهذه نعمة، فالسفر منها إلى بلد فيه الفحشاء والبذائيات والبلايا هذا لا يفعله مسلم إلا في حالات الضرورة، أما مجرد شهادة، ومجرد أشياء دنيوية فهذه أنا لا أقطع فيها حقيقة، ولكن أي عالم تثق في دينه، اشرح له وضعك واسأله.

    وإذا كانت الأمة منحرفة، ثم ذهب الشاب ولم يرجع إلا بانحراف فيزداد الانحراف انحرافاً، لكن مع ذلك يجب علينا أن نظل على الحق، وأن ندعو إليه، لو أقمنا حكم الله في حكم الابتعاث لأمكننا أن نحد من هذا الشر إن لم نجتثه.

    لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم

    السؤال: أجريت عملية في أمريكا بتبديل قلب بنت بقلب قرد، هل يريدون بذلك دعم نظرياتهم أن الإنسان أصله قرد؟ وما رأيك في من يقول: إن الإنسان حيوان ناطق؟

    الجواب: البنت ماتت بعد أسبوعين، وقضية إثبات نظريتهم هذه لا ندري، ونحن لا نفترض في الكفار إلا الشر، ولا نؤول كل شيء يفعلوه أنهم يريدون به كذا، وما يراد به كذا، ولكن العملية هي عملية طبية عادية.

    يوجد دكتور في جدة سعودي يعمل مثل هذه العمليات، فلا نقول: إن العملية عملت من أجل كذا. لكن هل هناك إيحاء بهذا الشيء؟ نعم، وليس هناك غرابة.

    فليس هناك غريب فإن هذا من عمل الطبيب، فهو يُشَرِّح جثة مقابل جثة، فلا يتدخل هو بالروحانيات، فتأخذ أنت منه ما هو الأصلح لك.

    وقضية من يقول: إن الإنسان حيوان ناطق: هذه القضية مرفوضة، وهي من علم المنطق، المنطق كله مرفوض كمبدأ، لكن بعد أن دخل المنطق في بعض العلوم واستفادت منه في بعض الأشياء -ولا أريد أن أتكلم عن المنطق بذاته- أقول: القضية قيلت، وأصل المنطق وضعه رجل يوناني، ويمكن أن يضع الفكر كما تصوره، فلا تجعل موضوع الكلمة هو المشكلة، لكن نحن نقول: لا تليق بنا هذه الكلمة، وقد نقول: الإنسان حي ناطق، وكلمة (حيوان) معناها: الحي، إذا قالوا: معناها الحي، نقول: حي ناطق.

    وما وُضع المنطق إلا من أجل التعريف، فهل تُعِّرف الإنسان، وتعلم ولدك وطفلك تعريف الإنسان، وهل يوجد أحد يجهل الإنسان؟!

    والمنطق إنما وضع مقابل فكر خطأ ينكر الموجود المحسوس، فأتى المناطقة وقالوا: نحن نرد عليهم بإثبات المحسوس.

    فالمنطق جاء رداً على السفسطة، وليس لنا علاقة بهذا، نحن عندنا شهادة أن لا إله إلا الله فلا ندخل بهذه البلايا والمصائب، فتجد أصحاب الفكر الأوروبي رفضوا المنطق رفضاً مطلقاً، ونحن مازلنا نجعله -ولسنا نجعله من فروض العلم- لكن نجعله من أصل العقيدة والدين، هذا هو العجيب! فهذه الكلمة جزء من بحر مرفوض عندنا بالكلية.

    ولاية الفرق الكافرة لبعضها

    السؤال: هل توجد علاقة بين العلمانية والماسونية، وإن وجدت فما العلاقة بينهما؟ وما العامل المشترك بينهما؟

    الجواب: العلاقة موجودة، وقد ذكر الله عز وجل ذلك في قوله: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [الأنفال:73].

    الكفار دائماً بينهم علاقة، والمسلم لا بد أن يعلم أن كل كافِرَين على وجه الأرض فبينهما علاقة بالنسبة لك، ولو اختارا أن يقتتلا أو يتحاربا لاتفقا أولاً على حربك، ثم يتحاربان بينهما، هذه قضية.

    والماسونية: هي حركة هدامة داخل المجتمع الأوروبي تسعى لهدمه، وهي تهدف إلى هدم الأديان والبشرية جميعاً لمصلحة اليهود، فكل من يدعو إلى العلمانية: فهو يدعو إلى هدم الدين.

    إذن: فهو يسهم بالنصيب الأكبر في تحقيق أهداف الماسونية، والماسونية باعتبارها حركة سرية لا تقوم بالعلن، فلها عمل خاص سري لا يمكنني أن أتكلم عنها كمبدأ ولكن كأثر فإن أثرها يتفق مع هذه الفكرة الهدامة.

    فلا يمكن أن ينضم إلى الماسونية رجل مؤمن؛ لأنه أول ما يبدأ يخلع إيمانه ودينه عند العتبة قبل دخوله الماسونية.

    فالتوافق موجود بين هذه الملل والنحل جميعاً، فهم متفقون على قضية واحدة وهي أنهم يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم.

    الاحتفال بالمولد النبوي بدعة العبيديين

    السؤال: هل الاحتفال بالمولد النبوي يؤدي إلى العلمانية؟ كيف هذا؟

    الجواب: الاحتفال بالمولد أحدثه العبيديون ويدخل فيهم المتصوفة وهو شراك المصيدة، ولا يجوز أن تذهب وتأكل من اللحم والرز، ثم تقول: اللهم صلِّ على محمد، فلم يرد هذا عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا عن أصحابه من بعده.

    فقضية الدخول في عملية المولد هي عملية جديدة ترضي العقل وتترك السنة، فإنه بداية الانحراف وهو من هذا الشراك، فإنه أولاً يدخل دخولاً عادياً ثم يدخل إلى الحضرة، ثم يرى روح النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، ثم في اليقظة، ثم يصل إلى مرتبة اليقين، ثم يتكلم من تحت العرش، وترفع عنه الصلوات الخمس، من أين أتى هذا؟! من تلك الليلة التي تعشى وصلى على محمد، فذكره الله!

    من هذه الليلة بدأ الانحراف، لا نتوقع أن أحداً يأتي ويقول لنا: اكفروا بالله، ولو جاء شيعي فقال: الصحابة كفار، والقرآن كذا، فلا أحد يصدقه، ولكن يقول لك: أحب علياً، ثم أحب الحسن، والحسين ثم فاطمة، ثم تكون نصيرياً، ثم تكون أركان الإسلام الخمسة هي علي والحسن والحسين وفاطمة، فهؤلاء كذلك يقولون: أنت تحب الرسول؟ تقول: نعم، فيقولون: تَعشَّ معنا الليلة وصل على رسول الله، هذه هي البداية، ومنها يستمر إلى أن ينتقل إلى منهج آخر، فبداية المعاصي هكذا، أسأل الله أن يجنبنا المعاصي والبدع.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756326838