إسلام ويب

أحكام أهل الذمةللشيخ : سفر الحوالي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الشريعة الإسلامية منهج شامل لكل ما يتعلق بمصالح البشر، ولقد اهتمت هذه الشريعة بعلاقة العباد مع بعضهم البعض، حتى إنها لم تغفل العلاقات بين المسلمين وغير المسلمين من أهل الديانات الأخرى. ولقد ركزت الشريعة في الأحكام المتعلقة بغير المسلمين بمن هم بين ظهراني المسلمين، والذين يسمون أهل الذمة، فقد تناول أحكامهم المتعلقة بهم عدد من أعلام المسلمين، منهم العلامة ابن القيم رحمه الله.. ومن ضمن هذه الأحكام: منع استعمال أهل الذمة في مناصب يمكنهم من خلالها الاطلاع على أسرار المجتمع المسلم. وقد أظهر التاريخ الأثر الخطير الذي يترتب على مثل هذا العمل، وما يمكن أن يجره من ويلات على المسلمين. ولقد بين ابن القيم المنهج الصحيح في التعامل مع أهل الذمة، حيث أورد الأمثلة على ذلك من حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن جاء من بعده من الخلفاء الراشدين، ثم أردف ذلك بذكر أمثلة على عداوتهم للمسلمين، وسعيهم لتقويض أركان الدولة الإسلامية.

    1.   

    حكم ولايات أهل الذمة

    يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: "فصل: في المنع من استعمال اليهود والنصارى في شيء من ولايات المسلمين وأمورهم".

    ثم بدأ بذكر روايات عن الإمام أحمد كعادته فقال: قال أبو طالب: سألت أبا عبد الله: يستعمل اليهودي والنصراني في أعمال المسلمين مثل الخراج؟ قال: لا يستعان بهم في شيء.

    ثم قال: قال أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا مالك بن أنس، عن عبد الله بن زيد عن عروة عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إنا لا نستعين بمشرك) إلى أن قال: عن عروة عن عائشة (أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج إلى بدر فتبعه رجل من المشركين فلحقه عند الحرة فقال: إني أريد أن أتبعك وأصيب معك، قال: تؤمن بالله ورسوله؟ قال: لا، قال: ارجع، فلن أستعين بمشرك؛ ثم لحقه عند الشجرة، ففرح بذلك أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان له قوةً وجلداً، فقال: جئت لأتبعك وأصيب معك، قال: تؤمن بالله ورسوله؟ قال: لا، قال: ارجع فلن أستعين بمشرك؛ ثم لحقة حتى ظهر على البيداء فقال له مثل ذلك، قال: أتؤمن بالله ورسوله؟ قال: نعم، فخرج معه) رواه مسلم في صحيحه بنحوه.

    وفي مسند الإمام أحمد من حديث حبيب بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده قال: (أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يريد غزواً وأنا ورجل من قومي وكنا لم نسلم، فقلنا: إنا نستحيي أن يشهد قومنا مشهداً لا نشهده معهم، فقال: أسلمتما؟ فقلنا: لا، قال: فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركين، قال: فأسلمنا وشهدنا معه).

    1.   

    أهل الذمة في العهود الإسلامية الأولى:

    أهل الذمة في عهد العمرين

    قال بعد ذلك: وقال عبد الله بن أحمد بسنده عن أبي موسى رضي الله عنه قال: [[قلت لـعمر رضي الله عنه: إن لي كاتباً نصرانياً، قال: مالك؟ قاتلك الله! أما سمعت الله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51] ألا اتخذت حنيفاً -أي: مسلماً- قال: قلت: يا أمير المؤمنين! لي كتابته وله دينه، قال: لا أُكرمهم إذ أهانهم الله، ولا أعزهم إذ أذلهم الله، ولا أدنيهم إذ أقصاهم الله]].

    وكتب إليه بعض عماله يستشيره في استعمال الكفار، فقال: [[إن المال قد كثر، وليس يحصيه إلا هم -أي: أن الجبايات والخراج والواردات كثرت وهم عندهم حذق وفهم في أعمال المحاسبة- فاكتب إلينا بما ترى، فكتب إليه: لا تدخلوهم في دَيْنِكُم، ولا تسلموهم ما منعهم الله منه، ولاتأمنوهم على أموالكم، وتعلموا الكتابة فإنما هي للرجال أو فإنما هي حلية الرجال]].

    هو بهذا يحث هذه الأمة أن تتعلم الحساب.

    وكتب إلى عماله: [[أما بعد: فإنه من كان قِبله كاتب من المشركين، فلا يعاشره، ولا يؤازره، ولا يعتضد برأيه، فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يأمر باستعمالهم ولا خليفته من بعده]] أي: لم يرضه.

    وورد عليه كتاب معاوية بن أبي سفيان [[أما بعد: يا أمير المؤمنين! فإن في عملي كاتباً نصرانياً، لا يتم أمر الخراج إلا بهذا النصراني فكرهت أن أقلده دون أمرك -أي: أنه يريد استثناءً لهذا الكاتب- فكتب إليه: عافانا الله وإياك، قرأت كتابك في أمر النصراني، فأما بعد، فإن النصراني قد مات! والسلام]]، أي افترض أنه قد مات فهل تتعطل الأمة؟

    فإذاً لا بد أن تتخذ غيره؛ فمعنى كلامه أنه لا توجد ضرورة لهذا الكاتب.

    وكان لـعمر رضي الله عنه عبد نصراني، فقال له: ''أسلم حتى نستعين بك على بعض أمور المسلمين؛ فإنه لا ينبغي لنا أن نستعين على أمرهم بمن ليس منهم، فأبى فأعتقه وقال: اذهب حيث شئت''.

    وكتب إلى أبي هريرة: [[أما بعد فإن للناس نفرة عن سلطانهم فأعوذ بالله أن تدركني وإياك، أقم الحدود ولو ساعة من نهار، وإذا حضرك أمران أحدهما لله والآخر للدنيا، فآثر نصيبك من الله، فإن الدنيا تنفد والآخرة تبقى، وعُد مرضى المسلمين، واشهد جنائزهم، وافتح بابك، وباشرهم، وأبعد أهل الشر، وأنكر أفعالهم، ولا تستعن في أمر من أمور المسلمين بمشرك، وساعد على مصالح المسلمين بنفسك، فإنما أنت رجل منهم؛ غير أن الله تعالى جعلك حاملاً لأثقالهم]].

    قال ابن القيم رحمه الله: ''ودرج على ذلك الخلفاء الذين لهم ثناء حسن في الأمة كـعمر بن عبد العزيز والمنصور والرشيد والمهدي والمأمون والمتوكل والمقتدر'' ونحن نذكر بعض ماجرى.

    قال: ''فأما عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى فإنه كتب إلى جميع عماله في الآفاق.... أما بعد:

    فإن عمر بن عبد العزيز يقرأ عليكم من كتاب الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ [التوبة: 28]، فجعلهم الله حزب الشيطان قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً [الكهف:104،103]، واعلموا أنه لم يهلك من هلك من قبلكم إلا بمنعه الحق، وبسطه يد الظلم.

    وقد بلغني عن قوم من المسلمين فيما مضى أنهم إذا قدموا بلداً، أتاهم أهل الشرك، فاستعانوا بهم في أعمالهم وكتابتهم، لعلمهم بالكتابة والجباية والتدبير، ولا خيرة ولا تدبير فيما يغضب الله ورسوله، وقد كان لهم في ذلك مدة، وقد قضاها الله تعالى؛ فلا أعلمن أن أحداً من العمال أبقى في عمله رجلاً متصرفاً على غير دين الإسلام إلا نكلت به، فإن محو أعمالهم كمحو دينهم؛ فأنزلوهم منزلتهم التي خصهم الله بها من الذل والصغار.

    وأمر بمنع اليهود والنصارى من الركوب على السروج إلا على الأكف -جمع إكاف- وليكتب كل منكم بما فعله من عمله''.

    فهكذا كانت كتب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، إلى جميع ولاته وكتب مثل ذلك إلى حيان عامله على مصر باعتماد ذلك، فكتب إليه ''أما بعد: يا أمير المؤمنين! فإنه إن دام هذا الأمر في مصر أسلمت الذمة -أي لو استمرينا على كلامك هذا أسلم أهل الذمة- وبطل ما يؤخذ منهم فتقل الموارد، فأرسل إليه رسولاً، وقال له: اضرب حيان على رأسه ثلاثين سوطاً أدباً على قوله، وقل له: من دخل في دين الإسلام، فضع عنه الجزية، فوددت لو أسلموا كلهم؛ فإن الله بعث محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ داعياً لا جابياً''.

    وأمر أن تهدم بيع النصارى المستجدة، فيقال: إنهم توصلوا إلى بعض ملوك الروم، وسألوه في مكاتبة عمر بن عبد العزيز، أي رجعوا إلى أصولهم ملوك الروم وقالوا لهم: عمر فعل ذلك بنا، فكتب إليه: أما بعد '' يا عمر! فإن هؤلاء الشعب سألوا في مكاتبتك؛ لتجري أمورهم على ما وجدتها عليه، وتبقي كنائسهم، وتمكنهم من عمارة ما خرب منها؛ فإنهم زعموا أنَّ من تقدمك فعل في أمر كنائسهم ما منعتهم منه؛ فإن كانوا مصيبين في اجتهادهم فاسلك سنتهم، وإن يكونوا مخالفين لها فافعل ما أردت''.

    فهذا يدل على أن وساطة ملك الروم وشفاعته كانت مهذبة؛ لأنه لا يريد أن يواجه عمر رضي الله عنه لأنه يعرف قوته وصلابته.

    فكتب إليه عمر: [[أما بعد فإن مثلي ومثل من تقدمني كما قال الله تعالى في قصة داود وسليمان: وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً [الأنبياء:79،78]]].

    فما أراد أن يطعن في حكمهم؛ لأن هذا عدو للإسلام والمسلمين، فلم يقل: إن الذين كانوا قبلي ليس فيهم خير، وأتى بنبيين من أنبياء بني إسرائيل، يؤمن النصارى بنبوتهما وجعل الحكم وهو معلوم عندهم في التوراة ومعلوم عندنا في القرآن أن كلاً منهم قد اجتهد، ولكن مَن من المجتهدين المصيب؟

    فكأنه يقول: أنا الذي فهمت الحق وأصبت وأما الذين قبلي فهم مخطئون ولكنهم معذورون.

    وكتب إلى بعض عماله: ''أما بعد، فإنه قد بلغني أن في عملك كاتباً نصرانياً يتصرف في مصالح الإسلام، والله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [المائدة:57] فإذا أتاك كتابي هذا فادع حسان بن زيد -أي ذلك الكاتب- إلى الإسلام؛ فإن أسلم فهو منا ونحن منه، وإن أبى فلا تستعن به، ولا تتخذ أحداً على غير دين الإسلام في شيء من مصالح المسلمين فأسلم حسان وحسن إسلامه''.

    أهل الذمة في عهد أبي جعفر المنصور والمهدي

    قال: "وأما أبو جعفر المنصور، فإنه لما حج اجتمع جماعة من المسلمين إلى شبيب بن شيبة، وسألوه مخاطبة المنصور أن يرفع عنهم المظالم، ولا يُمكن النصارى من ظلمهم وعسفهم في ضياعهم، وأن يمنعهم من انتهاك حرماتهم وتحريهم؛ لكونه أمرهم أن يقبضوا ما وجدوه لبني أمية، فقال شبيب: فطفت معهم عند الكعبة فشبك أصابعه على أصابعي، فقلت: يا أمير المؤمنين! أتأذن لي أن أكلمك بما في نفسي؟ فقال: أنت وذاك، فقلت: إن الله لما قسم أقسامه بين خلقه، لم يرض لك إلا بأعلاها وأسناها، ولم يجعل فوقك في الدنيا أحداً؛ فلا ترض لنفسك أن يكون فوقك في الآخرة أحد!!

    يا أمير المؤمنين، اتق الله! فإنها وصية الله إليكم جاءت، وعنكم قبلت، وإليكم تؤدى -أي: الوصية بالتقوى- وما دعاني إلى قولي هذا إلا محض النصيحة إليك، والإشفاق عليك، وعلى نعم الله عندك.. اخفض جناحك إذا علا كعبك، وابسط معروفك إذا أغنى الله يديك..

    يا أمير المؤمنين! إن دون أبوابك نيراناً تتأجج من الظلم والجور، لا يعمل فيها بكتاب الله ولا سنة نبينه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

    يا أمير المؤمنين! سلَّطت الذمة على المسلمين، فظلموهم، وعسفوهم، وأخذوا ضياعهم، وغصبوهم أموالهم، وجاروا عليهم، واتخذوك سلماً لشهواتهم، وإنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً يوم القيامة.. فقال المنصور: خذ خاتمي فابعث به إلى من تعرفه من المسلمين.. وقال: يا ربيع، اكتب إلى الأعمال، واصرف من بها من الذمة، ومن أتاك به شبيب فأعلمنا بمكانه لنوقع باستخدامه''.

    أي: خذ هذا الخاتم فأتني بولاة من الثقات وأنا أصرف النصارى وأجعلهم محلهم، فقال شبيب: يا أمير المؤمنين! إن المسلمين لا يأتونك، وهؤلاء الكفرة في خدمتك، فإن أطاعوهم أغضبوا الله، وإن أغضبوهم أغروك بهم، ولكن تولي في اليوم الواحد عدة، فكلما وليت رجلاً عزلت آخر''

    قال: ''وأما المهدي فإن أهل الذمة في زمانه قويت شوكتهم، فاجتمع المسلمون إلى بعض الصالحين، وسألوه أن يعرفه بذلك وينصحه، وكان له عادة في حضور مجلسه، فاستدعي للحضور عند المهدي، فامتنع، فجاء المهدي إلى منزله وسأله السبب في تأخره -أي: أن الشيخ لم يحب أن يذهب إلى المهدي فانقطع عن مجلسه- فجاءه الخليفة وقال له: لماذا لم تأتِ إلى مجلسي ''فقص عليه القصة، وذكر اجتماع الناس إلى بابه متظلمين من ظلم الذمة، ثم أنشده:

    بأبي وأمي ضاعت الأحلام     أم ضاعت الأذهان والأفهام؟!

    من صد عن دين النبي محمدٍ     أله بأمر المسلمين قيــام؟!

    إن لا تكن أسيافهم مشهورةً     فينا فتلك سيوفهم أقـلام!
    ''

    يقول: هذا حين كان النصارى يحاربون الإسلام بالأقلام؛ لأنهم يكتبون في الدواوين فقط، فكيف إذا كان أكثر؟!

    ثم قال:

    يا أمير المؤمنين! إنك تحملت أمانة هذه الأمة، وقد عرضت على السماوات والأرض والجبال، فأبين أن يحملنها ثم سلمت الأمانة التي خصك الله بها إلى أهل الذمة دون المسلمين!

    يا أمير المؤمنين! أما سمعت تفسير جدك -عبد الله بن عباس- لقوله تعالى: مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا [الكهف:49] أن الصغيرة التبسم، والكبيرة القهقهة؟! فما ظنك بأموال المسلمين وأماناتهم وأسرارهم؟!

    وقد نصحتك وهذه النصيحة حجة عليَّ ما لم تصل إليك، فولَّى عمارة بن حمزة أعمال الأهواز وكور دجلة وكور فارس، وقلد حماداً أعمال السواد.

    وأمره أن ينزل إلى الأنبار وإلى جميع الأعمال، ولا يترك أحداً من الذمة يكتب لأحد من العمال، وإن علم أن أحداً من المسلمين استكتب أحداً من النصارى، إلا قطعت يده فقطعت يد شاهونة، وجماعة من الكتاب''، الذين أبوا إلا أن يكونوا كتاباً قطعت أيديهم، حتى لا يقول أحد من المسلمين: إن هذا عنده خبرة، فلماذا لانستخدمه ونستكتبه؟!

    قال: ''وكان للمهدي على بعض ضياعه كاتباً نصرانياً بـالبصرة، فظلم الناس في معاملته، فتظلم المتظلمون إلى سوار بن عبد الله القاضي -ويلاحظ دائماً أن الأمة في أي وقت تقع عليها المصائب والمشاكل، فيرجعون بعد الله تعالى، إلى العلماء والقضاة فهذا واجبهم- فـسوار بن عبد الله كان قاضي البصرة فأحضر وكلاء النصراني واستدعى بالبينة، فشهدت على النصراني بظلم الناس وتعدي مناهج الحق.. ومضى النصراني فأخذ كتاب المهدي إلى القاضي بالتثبت في أمره، فجاء البصرة ومعه الكتاب وجماعة من حمقى النصارى، وجاءوا إلى المسجد، فوجدوا سواراً جالساً للحكم بين المسلمين.

    فدخل المسجد، وتجاوز الموضع الذي كان يجب الوقوف عنده؛ لأن عنده كتاباً من الخليفة فتعدَّى وتجاوز فمنعه الخدم، فلم يعبأ بهم وسبهم ودنا حتى جلس عن يمين سوار، ودفع له الكتاب، فوضعه بين يديه ولم يقرأه، وقال: ألست نصرانياً؟

    فقال: بلى، أصلح الله القاضي، فرفع رأسه، وقال: جروا برجله، فسحب إلى باب المسجد، وأدَّبه تأديباً بالغاً، وحلف ألَّا يبرح واقفاً إلى أن يُوفِّي المسلمين حقوقهم.

    فقال له كاتبه: قد فعلت اليوم أمراً يخاف أن يكون له عاقبةً -أي: يخشى أن يكون له عاقبة عند النصارى، أو عند الخليفة، فقال: أعز أمر الله يعزك الله ولا تخف من أحد".

    أهل الذمة في عهد الرشيد والمأمون

    قال ابن القيم رحمه الله: ''وأما هارون الرشيد فإنه لما قلَّد الفضل بن يحي أعمال خراسان، وجعفراً أخاه ديوان الخراج، أمرهما بالنظر في مصالح المسلمين، فعمرت المساجد والجوامع والصهاريج والسقايات، وجعل في المكاتب مكاتب لليتامى، وصرف الذمة عن أعمالهم، واستعمل المسلمين عوضاً عنهم، وغيَّر زيهم ولباسهم، وخرَّب الكنائس، وأفتاه بذلك علماء الإسلام''.

    قال ابن القيم: ''وأما المأمون؛ فقال عمرو بن عبد الله الشيباني: استحضرني المأمون في بعض لياليه ونحن بـمصر وقال لي: قد كثرت سعايات النصارى وتظلم المسلمون منهم، وخانوا السلطان.. ثم ذكر قصتهم وكيف ملكوا... إلى أن قال: وفيهم يقول خالد بن صفوان من قصيدة له يمدح فيها عمرو بن العاص رضي الله عنه، ويحثه على قتلهم ويغريه بهم:

    يا عمرو قد ملكت يمينك مصرنا     وبسطت فيها العدل والإقساطا

    فاقتل بسيفك من تعـدى طوره     واجعل فتوح سيوفك الأقباطا

    فبهم أقيم الجور في جنباتها     ورأى الأنام البغي والإفراطا

    عبدوا الصليب وثلثوا معبودهم     وتوازروا وتعدو الأشراطا

    وبقي في نفس المأمون منهم، فلما عاد إلى بغداد اتفق لهم مجاهرةٌ في بغداد بالبغي والفساد على معلمه علي بن حمزة الكسائي، فلما قرأ عليه المأمون، ووصل إلى قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة: 51] قال الكسائي: يا أمير المؤمنين! أتقرأ كتاب الله ولا تعمل به؟!

    فأمر المأمون بإحضار أهل الذمة، فكان عدة من صرف وسجن (ألفين وثمانمائة) وبقي جماعة من اليهود منحازين إلى حماية بعض جهاته، فخرج توقيعه بما نسخته: أخبث الأمم اليهود، وأخبث اليهود السامرة، وأخبث السامرة بنو فلان، فليقطع ما بأسمائهم من ديوان الجيش والخراج إن شاء الله تعالى.

    ودخل بعض الشعراء على المأمون، وفي مجلسه يهودي جالس! فكان من مصائب المأمونأنه كان يدني اليهود والنصارى ويجالسهم، ويأتي بهم إلى مجلسه على أنهم أدباء وحكماء وأطباء.. ومن باب الفلسفة، وعلم الكلام الذي كانوا يتفننونه، فدخل عليه شاعر مسلم مؤمن أخذته الغيرة لله ولرسوله والحمية لدين الإسلام، فأنشده:

    يابن الذي طاعته في الورى     وحكمه مفترضٌ واجب

    إن الذي عُظمت من أجله     يزعم هذا أنه كاذب

    أي ما عُظِّم المأمون إلا لأجل الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولأنه من أهل البيت ومن بني العباس وأنه خليفة المسلمين.

    قال: إن الذي عُظمت من أجله وهو الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يزعم هذا اليهودي أنه كاذب فقال المأمون لليهودي: أصحيح ما يقول؟ قال: نعم، فأمر بقتله".

    أهل الذمة في عهد المتوكل والمقتدر بالله

    قال: ''وأما المتوكل: فإنه صرف أهل الذمة من الأعمال، وغيَّر زيَّهم في مراكبهم وملابسهم، وذلك أن المباشرين منهم للأعمال كثروا في زمانه، وزادوا على الحد وغلبوا على المسلمين، لخدمة أمه وأهله وأقاربه، وذلك في سنة (خمس وثلاثين ومائتين)هـ ثم ذكر بعض ماعملوا.

    ثم قال: وعُرِضَ على المتوكل، فأُغري بهم، وظن ما أوجبوا من ذلك حقاً، وأن المال في جهاتهم كما أوجبوه.

    أي أنهم أوجدوا وقيعة بينه وبين المتوكل، والقصه طويلة، فنختصرها.

    قال: فدخل عبيد الله بن يحي على المتوكل، فعرفه مأثمة أهل الذمة على المسلمين وغيرهم، وأوقفه على خط سلمه، وقال: هذا قصده أن يخلو أركان دولة أمير المؤمنين من الكُتَّاب المسلمين، ويتمكن هو ورهطه منها.

    وكان المتوكل قد جعل في موكبه من يأخذ المتظلمين ويحضرهم بين يديه على خلوة، فأحضر بين يديه شيخ كبير، فذكر أنه من أهل دمشق، وأن سعيد بن عون النصراني غصبه داره.. فلما وقف المتوكل على قصة الشيخ، اشتد غضبه إلى أن كادت تطير أزراره، وأمره أن يكتب إلى صالح عامله برد داره.

    قال الفتح بن خاقان: فقمت ناحية لأكتب له بما أمرني، فأتبعني رسولاً يستحثني، فبادرت إليه، فلما وقف على الكتاب، زاد فيه بخطه، نُفيتُ عن العباس فلئن خالفتَ فيما أمرتُ به لأوجهن من يجيئني برأسك!

    ووصل الشيخ بألف دينار، وبعث معه حاجباً.

    قال: وكثر تظلم الناس من كُتَّاب أهل الذمة، وتتابعت الإغاثات، وحج المتوكل تلك السنة فرئي رجلٌ يطوف بالبيت، ويدعو على المتوكل، فأخذه الحرس وجاءوا به سريعاً، فأمر بمعاقبته، فقال له: والله يا أمير المؤمنين ما قلت ما قلته، إلا وقد أيقنت بالقتل، فاسمع كلامي، وأمر بقتلي، فقال: قل. فقال: سأطلق لساني بما يرضي الله ورسوله ويغضبك يا أمير المؤمنين، فقد اكتنفت دولتك كتاباً من الذمة، أحسنوا الاختيار لأنفسهم، وأساءوا الاختيار للمسلمين، وابتاعوا دنياهم بآخرة أمير المؤمنين، خِفْتَهم ولم تَخَفِ الله، وأنت مسئول عما اجترحوا، وليسوا مسئولين عما اجترحت؛ فلا تصلح دنياهم بفساد آخرتك؛ فإن أخسر الناس صفقة يوم القيامة، من أصلح دنيا غيره بفساد آخرته، واذكر ليلةً تتمخض صبيحتها عن يوم القيامة، وأول ليلة يخلو المرء في قبره بعمله.

    فبكى المتوكل إلى أن غشي عليه، وطُلِبَ الرجل فلم يُوجَدْ، فخرج أمره بلبس النصارى واليهود الثياب العسلية -على زي خاص- وألَّا يُمكنوا من لبس الثياب، لئلا يتشبهوا بلبس المسلمين، ولتكن رُكُبُهُم خشباً -أي: لا يركبوا السروج كالمسلمين- وأن تُهدَّمَ بِيعُهُمْ المستجدة، وأن تطبق عليهم الجزية، ولا يفسح لهم في دخول حمامات المسلمين، وأن يُفْرَدَ لهم حمامات خدمها ذمة -أي: أن يكون الخدم في هذه الحمامات من أهل دينهم- ولا يستخدموا مسلماً في حوائجهم لنفوسهم. أي: لا يجوز أن يستخدم الكفار أي مسلم في حوائجهم، فيكون خادماً أو عاملاً في خدمة الكفار.

    وأفرد لهم من يحتسب عليهم من أهل الحسبة -وهم الذين نسميهم الآن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- فأفرد المتوكل قسماً خاصاً بالاحتساب على النصارى ليتأكد على قيامهم بهذه الأمور ومن تلبسهم بالذل والصغار وكتب كتاباً نسخته:

    أما بعد: فإن الله اصطفى الإسلام ديناً، فشرَّفه وكرمه، وأناره ونصره، وأظهره، وفضَّله، وأكمله، فهو الدين الذي لا يقبل الله تعالى غيره، قال تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85] ثم ذكر الآيات الكثيرة في حكم أهل الكتاب، ومما ذكره الله تعالى عداوتهم للمؤمنين وآخرها.

    قال: وقد انتهى إلى أمير المؤمنين أن أناساً لارأي لهم ولا رَوِيَّةَ يستعينون بأهل الذمة في أفعالهم، ويتخذونهم بطانةًَ من دون المسلمين ويسلطونهم على الرعية، فيعسفونهم، ويبسطون أيديهم إلى ظلمهم وغشهم، والعدوان عليهم؛ فأعظم أمير المؤمنين ذلك وأنكره وأكبره وتبرأ إلى الله تعالى منه، وأحب التقرب إلى الله تعالى بحَسْمِه والنهي عنه.

    ورأى أن يكتب إلى عماله على الكُوَرِ والأمصار وولاة الثغور -الكور: جمع كورة وهي القصبة أو الناحية أو المنطقة- والأجناد في ترك استعمالهم للذمة في شيء من أعمالهم وأمورهم، والإشراك لهم في أماناتهم، وما قلدهم أمير المؤمنين واستحفظهم إياه، وجعل في المؤمنين الثقة في الدين والأمانة على إخوانهم المؤمنين، وحسَّن الرعاية لما استرعاهم، والكفاية لما استُكْفُوا، والقيام بما حملوا، مما أغنى عن الاستعانة بالمشركين بالله، المكذبين برسله، الجاحدين لآياته -وهذا كله كلام الخليفة- الجاعلين معه إلهاً آخر، لا إله إلا هو وحده لا شريك له، ورجاء أمير المؤمنين بما ألهمه الله من ذلك، وقذف في قلبه جزيل الثواب، وكريم المآب، والله يعين أمير المؤمنين على نيته في تعزيز الإسلام وأهله، وإذلال الشرك وحزبه، فليُعلم هذا من رأي أمير المؤمنين، ولا يستعانن بأحد من المشركين، وإنزال أهل الذمة منازلهم التي أنزلهم الله تعالى بها، فاقرأ كتاب أمير المؤمنين على أهل أعمالك، وأَشِعْهُ فيهم، ولا يعلمنّ أمير المؤمنين أنك استعنت ولا أحدٌ من عمالك أو أعوانك بأحد من أهل الذمة في عملٍ، والسلام''.

    قال ابن القيم رحمه الله: ''وأما المقتدر بالله، فإنه سنة (خمسة وتسعين ومائتين) عزل كُتَّاب النصارى وعمالهم -فيتكرر العزل وما ذلك إلا إذا أتى من يقيم فيهم أمر الله، ثم يأتي بعد ذلك من يدعهم يتسلطون فيأتي من يرجعهم- وأمر ألَّا يُستعان بأحد من أهل الذمة، حتى أمر بقتل أبي إياس النصراني عامل أبي مؤنس الحاجب.

    وكتب إلى نوابه بما نسخته: ''عوائد الله عند أمير المؤمنين توفي على غاية رضاه ونهاية أمانيه، وليس أحد يُظْهِرُ عصيانه إلا جعله الله عظةً للأنام، وبادر بعاجل الاضطلام والله عزيز ذو انتقام''.

    فمن نكث وطغى وبغى وخالف أمير المؤمنين، وخالف محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسعى في إفساد دولة أمير المؤمنين، عاجله أمير المؤمنين بسطوته، وطهر من رجسه دولته، والعاقبة للمتقين، وقد أمر أمير المؤمنين بترك الاستعانه بأحد من أهل الذمة في عمل من الأعمال، فليحذر العمال تجاوز أوامر أمير المؤمنين ونواهيه''.

    أهل الذمة في عهد الراضي بالله والآمر بأمر الله

    وقال ابن القيم: ''وكذلك الراضي بالله، كثرت الشكاية من أهل الذمة في زمانه، فكتب إليه الشعراء في ذلك، فممن كتب إليه مسعود بن الحسين الشريف البياضي -أحد الشعراء الغيورين- يقول:

    يا ابن الخلائف من قريش والألى     طهرت أصـولهمُ من الأدناس

    قلدت أمر المـؤمنين عدوهم     ما هكــذا فعلت بنو العباسِ

    حاشاك من قول الرعية إنه      ناسٍ     لقــاءَ الله أو متنـاسِ

    ما العذر إن قالوا غداً: هذا الذي     ولَّى اليهود على رقـاب الناسِ

    أتقول: كانوا وفروا الأمـوال إذ     خانوا بكفرهم إله الناسِ

    لا تذكرنْ إحصاءهم ما وفروا     ظلماً وتنسى محصي الأنفاسِ

    وخف الإله غداً إذا وُفِّيَت ما     كَسَبَتْ يداك اليوم بالقسطاسِ

    في موقفٍ ما فيه إلا شاخصٌ     أو مهطع أو مُقْنعٌ للراسِ

    أعضاؤهم فيه الشهود وسجنهم     نارٌ وحارسهم شديد الباسِ

    إن تمطل اليومَ الديون َمع الغنى      فغداً تؤديها معَ الإفلاسِ

    لا تعتذر عن صرفهم بتعذر الـ     متصرفين الحذَّقِ الأكياسِ

    ما كنت تفعل بعدهم لو أُهلِكوا     فافعل، وعُدَّ القومَ في الأرماس

    وكأنه تذكر قول عمر رضي الله عنه لمعاوية: اعتبر أنهم ماتوا وأنهم ما وجدوا.

    يقول: وكتب إليه وقد صرف ابن فضلان اليهودي وابن مالك النصراني، يقول:

    أبعد ابن فضلان توليِّ ابن مالكَ     بماذا غداً تحتج عند سؤالك

    خف الله وانظر في صحيفتك التي     حوت كل ماقدمته من فعالك

    وقد خط فيها الكاتبون فأكثروا     ولم يبق إلا أن يقولوا كذلك

    فوالله ماتدري إذا مالقيتها     أتوضع في يمناك أو في شمالك

    يقول: ما بقي إلا أن يقول الملائكة: فذلك، آخر عبارة تقال عادةً في كتب الأقدمين، ولهذا يقال الآن: الفذلكة، والفذلكة هي آخر الجملة ومختصر الكلام.

    يقول: وكذلك الأمر بأيام الآمر بأمر الله، امتدت أيدي النصارى، وبسطوا أيديهم بالجناية، وتفننوا في أذى المسلمين وإيصال المضرة إليهم، واستعمل منهم كاتب يعرف بالراهب، ولقب بالأب القديس، الروحاني النفيس، أبي الآباء، وسيد الرؤساء، مقدم دين النصرانية، وسيد البتركية، صفي الرب ومختاره، ثالث عشر الحواريين.

    فانظر كيف استنكر الناس والعلماء أن النصراني يلقب بلقب تشريف، كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لا تقولوا للمنافق: سيدنا، فإنه إن يكن سيدكم، فقد أسخطتم ربكم عز وجل}.

    يقول: فصادر اللعين عامة مَنْ بالديار المصرية من كاتب وذكر بعض أعماله الخبيثة، وبعض أقواله الشنيعة.

    ولا بأس أن نورد بعضاً من كلام هذا النصراني القبطي، حيث يقول: ''نحن ملاك هذه الديار، حرثاً وخراجاً، ملكها المسلمون منا -هذه دعوى الكفار دائماً- وتغلبوا عليها، وغصبوها، واستملكوها من أيدينا، فنحن مهما فعلنا بالمسلمين فهو قبالة مافعلوا بنا -انظر! ماذا يقول المجرم- ولايكون له نسبة إلى من قتل من رؤسائنا وملوكنا في أيام الفتوح، فجميع مانأخذه من أموال المسلمين وأموال ملوكهم وخلفائهم حلٌ لنا، وبعض مانستحقة عليهم''.

    وصدق الله إذ يقول: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ [آل عمران:75].

    قال: فإذا حملنا لهم مالاً كانت المنة لنا عليهم، واستشهد بأبيات-:

    بنت كرم غصبوها أمها     وأهانوها فديست بالقدم

    ثم عادوا حكَّموها فيهمُ     ولنا هيك بخصمٍ يحتكم

    فضرب مثالهم بالخمر، فالعنب تهان وتداس وتعصر بالأقدام، لكن بعدما تصبح خمراً يحكِّمونها في عقولهم.

    أي: أن الأقباط النصارى أهانهم المسلمون، ثم بعد ذلك أصبحوا هم المتحكمين عليهم.

    ويقول ابن القيم رحمه الله: '' ثم انتبه الآمر من رقدته، وأفاق من سكرته، وأدركته الحمية الإسلامية، والغيرة المحمدية، فغضب لله غضب ناصر للدين وبار بالمسلمين، وألبس الذمة الغيار، وأنزلهم بالمنزلة التي أمر الله أن ينزلوا بها من الذل والصغار، وأمر ألَّا يُولَّوا شيئاً من أعمال الإسلام ''.

    ثم كتب كتاباً فيه عبر آيات أحاديث، ومواعظ، وهو طويل جداً يبلغ عشر صفحات في مثل حجم خطبة الجمعة، وهو كتاب عجيب كتبه هذا الخليفة أو كتبه له أحد العلماء.

    1.   

    عداوة أهل الذمة للمسلمين

    ثم يُعقِّب ابن القيم رحمه الله:

    فصل

    في سياق الآيات الدالة على غش أهل الذمة للمسلمين وعداوتهم، وخيانتهم وتمنيهم السوء لهم، ومعادة الرب تعالى لمن أعزهم أو والاهم أوولاَّهم أمور المسلمين، وذكر آيات كثيرة في أربع صفحات، ثم ذكر بعد ذلك حكم التولية.

    ثم قال: ولو علم ملوك الإسلام بخيانة النصارى الكُتَّاب، ومكاتبتهم الفرنج أعداء الإسلام، وتمنيهم أن يستأصلوا الإسلام وأهله، وسعيهم في ذلك بجهد الإمكان، لثناهم ذلك عن تقريبهم وتقليدهم الأعمال.

    ثم ذكر الأمثلة على ذلك من قصة أحد الملوك الذي كان يُسمى الملك الصالح، فقال: دخل بعض العلماء ليعظه والعلماء كانوا يعظون كلاً بحسب فهمه وعقله، فالخليفة العالم يكتبون إليه آيات وأحاديث وعلم وفقه، وهذا الملك الصالح لم يكد يفهم الآيات والعبر، فوعظه هذا العالم بموعظة تناسب فهمه وهو في مجلس الكُتَّاب والقضاة والعلماء، فقال له: إن النصارى لا يعرفون الحساب ولا يدرونه على الحقيقة؛ لأنهم يجعلون الواحد ثلاثة، والثلاثة واحداً، والله تعالى يقول: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ [المائدة:73] وأولو أمانتهم وعقد دينهم: باسم الأب والابن وروح القدس إله واحد، فأخذ هذا المعنى بعض الشعراء وقال في قصيده له:

    كيف يدري الحساب من جعل الـ     ـواحد رب الورى ثلاثة

    ثم قال: كيف تأمن أن يفعل في معاملة السلطان كما فعل في أصل اعتقاده، ويكون مع هذا أكثر النصارى أمانة؟!

    وكلما استخرج ثلاثة دنانير دفع إلى السلطان ديناراً، وأخذ لنفسه اثنين، ولاسيما وهو يعتقد ذلك قربةً وديانة!!

    فانصرف القوم، واتفق أَنْ كَبَتْ بالنصراني فطنته، وظهرت خيانته، فأريق دمه، وسلط على وجوده عدمه... إلى أن يقول: وفيهم يقول عمارة اليمني وذكر قصيدةً له.

    وعلى كل حال؛ فكتاب أحكام أهل الذمة لـابن القيم رحمه الله موجود، وهذا بعض ما فيه حول تولية اليهود والنصارى واستعمالهم والاستعانة بهم.

    1.   

    الأسئلة

    خبر صفقة كيماوية للمجندات الأمريكيات

    هذا الخبر نقرأه من غير تعليق، نقرأ ترجمته، في عرب نيوز 1411هـ (ص 20).

    صفقة كيماوية لمجمع التسويق كيمار، تتكون هذه الصفقة من خمسة آلاف زجاجة من كريم منعم للجلد، وألفين وأربعمائة علبة لطرد الحشرات والناموس، وخمسة آلاف وخمسمائة أنبوبة مرطب شفايف، وخمسه آلاف وخمسمائة علبة بودرة أقدام، وخمسه آلاف وخمسمائة زجاجة لكريم الجلد ضد الشمس.

    تقول الصحيفة: فهذه صفقة خيالية ماكان يحلموا بها اشتروها في طريقهم إلى الخليج.

    الشباب الصالح ودوره في الأحداث

    السؤال: سمعنا بمقاومة في الكويت من الشباب الصالح فهل هذا صحيح؟

    الجواب: الذي سمعته أن الشباب المسلم ليس له مقاومة عسكرية في الكويت، وإنما قاموا بدور عظيم جداً، وهو الذي تسمعونه في الإذاعة، مع من يتقابلون في الإذاعة أحياناً، وهو أن هؤلاء الشباب قاموا بنوع من التنسيق بين الأسر وبين الناس، وخاطبوا المعتدين، وخاطبوا بعض الناس أنه لابد أن يحتسبوا لإيصال الطعام والماء إلى البيوت التي قطع عنها، ولإيصال المرضى إلى المستشفى، والقيام بأعمال إغاثة، وخدمات ضرورية لحياة الناس، فقاموا بذلك جزاهم الله تعالى خيراً، واحتسبوا ما يلقون من الأذى، بل ربما القتل أو البطش في سبيل ذلك.

    ولكن القيام بهذه الأعمال قامت بفضل الله، ثم بفضل هؤلاء الشباب، وأرجو أن يكون هذا دافعاً -إن شاء الله- لأن يلتف الناس حولهم، وأن يعلموا من الذي يحبهم ومن الذي يشفق عليهم... أهم الراقصون، والراقصات، وأصحاب المجلات وأصحاب الشاليهات وأصحاب الدعارة على الشواطئ، وأصحاب الأشياء التي لا تخفى؟! أم هذا الشباب المتدين المتمسك الذي ربما كان كثير منهم يحتقره في وقت الرخاء، ولا يحب أن ينظر إليه، والآن في وقت الشدة يجد هذه الخدمات منهم، وكما نسمع في برنامج الإذاعة أو التلفزيون أن الناس يقولون: "الإخوان المتدينين أعطونا الماء وأعطونا الطعام، وقدموا لنا الخدمات حتى خرجنا".

    وهذا من فضل الله على هؤلاء الشباب.

    أنا أنصح الإخوة، بألَّا يقوموا بأية مقاومة عسكرية، فهذه ليس لها أية قيمة في الحقيقة، فهي مجرد انتحار؛ لأنهم أفراد قليلون، وأنا أرى أن المقاومة الحقيقية تكون في شكل مقاومة سلبية، وذلك بأن يعيشوا هناك دون أن يقروا بهذا الواقع، وأن يعيشوا معهم عيشة الداعية الذي يدعو الناس إلى الخير عن طريق هذه الخدمات، ويدعو أولئك الجنود أيضاً.

    وقد بلغني عن بعضهم أنهم دعوا بعض الجنود، وقالوا: أنتم مسلمون، وأنتم عرب وأخذوهم بالنخوة، وقالوا لهم: لماذا لا تصلون؟ فأصبحوا يدخلون بعض المساجد ويصلون، وهذا -والله- مكسب كبير، وربما بعض الذين عبروا بدباباتهم إلى الأراضي السعودية وهم عدد كبير، ربما يكون من هذا النوع الذي أوقظت فيه الغيرة الإيمانية.

    ورأى أنه حرام أن يعتدي على إخوانه المسلمين، وحرام أن يهاجمهم، وقال: إذاً أفر بديني ونفسي، فجاءوا بدباباتهم ودخلوا إلى السعودية، كما سمعنا في نشرات الأخبار.

    فالأمة المسلمة فيها خير، حتى وإن كانوا جنوداً للكفرة وجنوداً للبعثيين، أو لمن هو أكثر من البعثيين، فسيظل الخير في هذه الأمة -بإذن الله تعالى- باقياً إلى قيام الساعة، ولهذا لو خوطبوا بالدعوة إلى الله، ولو وُجِّهت إليهم موجات إذاعية معينة أو نشرات أو كتيبات -في الكويت أو خارجها أو في أي مكان، أو أن تبث عليهم برامج تذكرهم بالله، لكان ذلك من أقوى العوامل أن يتركوا هذا المجرم أو ينقلبوا عليه أو -على الأقل- يهربوا ولا ينفذوا أوامره.

    وثبت لديكم أن كثيراً منهم أول ما وصل إلى الكويت يطرق الباب، يريد ثوباً كويتياً، يختفي فيه عن الجند، فيظنوا أنه فقد أو مات, أو شيئاً من هذا فيختفي، فكثير منهم أجبروا، وأكثر الشعوب في العالم مقهورة، مجبورة مظلومة، وإن كانت نتائج الانتخابات تصل إلى (99.99%) فهي ليست ذات معنى.

    والحمد لله، أن المسلمين المؤمنين المتقين ليس من أصلهم الظلم أو الجور أو البغي، وخاصةً أن هذه الحرب فادحة وخسائرها واضحة ومعاركها لا هدف لها، لكن من يذكرهم بالله؟

    فليتنا بدل الأغاني والمسلسلات نُوجه في إذاعتنا نداءات إيمانية إسلامية إلى هؤلاء، ونسلط عليهم موجات معينة، ليلتقطوها كما سلط هذا المجرم وحزبه إذاعات ليلتقطها الناس هنا.

    مصطلح الأمة العربية وعدالة التوزيع

    السؤال: إنسان مسلم ومؤمن وملتزم، لكن يؤمن أن وحدة الأمة العربية خير من الفرقة في ضوء نفاق الدولة، والمشاركة والشورى مطلب الأمة، وعدالة التوزيع بين الأمة واجب ديني؛ فهل هذا يعتبر نقص في إيمانه؟

    الجواب: أخشى أن يكون هذا متستراً، وعلى أية حال لا يوجد شيء اسمه الأمة العربية، أين توجد الأمة العربية؟

    قبل الإسلام كان يقال: العرب أو قبائل العرب، فإذا صح أن نستخدم مصطلحاتنا الحالية، فنقول: إن الأمة العربية ما كان لها هذا الاسم إلا قبل الإسلام، أما بعد أن بعث الله سيدنا محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالنور المبين، وأنزل عليه الذكر الحكيم، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، وأنزل عليه قوله تعالى: هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ [الحج:78] فأصبح اسمنا المسلمين، والعرب جزء من الشعوب المسلمة.

    ولم يوجد في تاريخنا -وهذه كتب التاريخ عندنا وكتب الفرق والفقه والآثار وغيرها- شيء اسمه الأمة العربية إلا لما ظهر ساطع الحصري وميشيل عفلق وفارس النمر ومن قبلهم النصارى وأمثالهم جاءوا بهذه الكلمة، وأكثرهم ليسوا عرباً وليسوا أيضاً مسلمين، فجاءوا بهذا المصطلح، فأصبحنا نقول: الأمة العربية، والقضية العربية، والبيت العربي.

    فمثلاً جامعة الدول العربية من الذي أنشأها؟ ومن الذي أسسها؟ فكما هو معلوم أنه أنطوني أيزن، الذي كان وزير خارجية بريطانيا ثم أصبح رئيساً لوزرائها، فـبريطانيا أنشأتها لتضمن لها الهيمنة مثل: الكومنولث، ثم بعد ذلك سلمت أمر المنطقة إلى أمريكا وريثتها في حماية واستعباد المنطقة، فلا يوجد شيء اسمه (الأمة العربية).

    ونحن دائماً نخطئ في وسائل الإعلام فنقول: (الأمتان: العربية والإسلامية) فهل جعلها الله أمتين أم أمةً واحدة؟!

    كل المؤمنون أمة واحدة من لدن آدم عليه السلام، والمسلمون أمه واحدة كمثل الجسد الواحد -كما لا يخفى علينا- ولازلنا كذلك والحمد لله.

    وأما أن المشاركة والشورى مطالب الأمة، فهذا ليس فيه نقاش، ولكن هل هي على الطريقة الديموقراطية أم على طريقة الشورى الإسلامية؟

    فهذا هو الفرق، فعلينا ألَّا يقودنا الكلام العام إلى الخطأ، ومن خلال ذلك نحتاج إلى تفصيل أكثر فإن كان المطالب بهذا يريد أن تكون عدالة التوزيع والشورى إسلامية، فيوضح ويقول: نريد حكم الله ورسوله، ولا أحد يعترض عليه من المسلمين أبداً، وإن كان يتستر على مطالب الأمة الشورية من أجل الديموقراطية، وإظهار الحزبية التي يريد، يتستر بكلمة عدالة التوزيع من أجل الاشتراكية التي يريد، فنحن برآء منه، وديننا -والحمد لله- واضح ولا يحتاج لهذه الشعارات.

    مقالة

    هذه المقالة لإخواننا من مجلة الحرس، عن الوفاق بين أمريكا وروسيا ويقول فيها: ''لو كان ما جرى من الأمريكان في الخليج قبل سنة من الآن لرأيتم العجب العجاب من روسيا، فتحريك جندي أمريكي واحد كان يثير روسيا أكبر الإثارة، أما الآن فإن روسيا بسفنها وبجنودها تبع للغرب وتبع لـأمريكا، فهذه ثمرة من ثمرات الوفاق''.

    أشكر الأخ الذي أعطانا مجلة الحرس الوطني التي فيها مقال عن هذا الموضوع.

    حكم الاستعانة بالنصارى وإعلان الهدنة معهم

    السؤال: بعض أهل العلم عفا الله عنهم يستدلون بقتال خزاعة مع الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حنين أو في فتح مكة وأنه استعان بقوم كانوا كفاراً مشركين أن يقاتلوا معه، يستدلون بهذا على جواز الاستعانة بالكفار في القتال فهل هذه صحيح؟

    الجواب: لا، الحقيقة أن قبيلة خزاعة كانت عام الحديبية عام الصلح كما في صحيح البخاري عن الزهري كانت خزاعة مؤمنهم ومشركهم في عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

    فدخلوا في حلف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام الحديبية؛ لأن الدولة الإسلامية لم تكن قد شملت المنطقة، فالدولة كانت في المدينة، ويحكمها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما امتدت إلى ما حولها، وبقيت قبائل ومناطق بعيدة غير داخلة في الدولة الإسلامية، وأيضاً ليست داخلة ضمن قيادة قريش، فلما عقد الصلح بين النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبين قريش، تراضوا على بند من بنود الصلح أن من أراد أن يدخل في عقد محمد وعهده فليدخل، ومن أراد أن يدخل في عقد قريش وعهدها، فليدخل فهذا في عام الحديبية.

    ثم كانت قصة الفتح، وسببها نقض قريش للعهد، إذ إنها أعانت حلفاءها بني بكر على خزاعة.. فجاء عمرو بن سالم من خزاعة موفداً إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال قصيدته المعروفة ومن ضمنها:

    وقتلونا ركعاً وسجدا
    ...

    خزاعة كانت مسلمة لأنه يقول: وقتَّلونا ركعاً وسجدا، فمعنى ذلك: أن الصلح قد انتقض، فلما تقدم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودخل مكة كانت معه خزاعة، وكانت قد أسلمت جميعاً، وكما قرأنا في الأحاديث بأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يشترط أنه لايدخل معه إلا من أسلم، وهي أحاديث صحيحة فليس هناك مجال للاحتجاج بهذه القصة.

    وأما حديث الروم فقد سبق وأن تكلمنا عنه، وإن شاء الله تتاح لنا فرصة فنتكلم عن الروم من خلال الأحاديث؛ لأن الملاحم قائمة مع الروم إلى قيام الساعة، وهناك أحاديث كثيرة جداً في الملاحم، وأن الروم يقاتلون المسلمين.

    ففي صحيح البخاري، حديث عوف بن مالك رضي الله عنه: {انتظر ستاً قبل الساعة... ومنها: هدنهٌ تكون بينكم وبين بني الأصفر، ثم يغدرون بكم ويقاتلونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً}.

    هذه الهدنة تكون بيننا وبينهم ثم يغدرون، الرواية التي في مسند أحمد وسنن أبي داوود وغيرها، وذكر فيها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنكم { تصالحون الروم وتقاتلون معهم عدواً فتسلمون وتغنمون -قال في آخره-: فإذا برجل من الروم يقول: غلب الصليب، يرفع شعار الصليب فتقع المعركة فيغدرون بكم } والروايات الأخرى في البخاري وغيره تفسر هذا الحديث، وأنه بعد الهدنة وبعد الصلح يكون الغدر.

    فلو قرأنا الحديث إلى آخره وقرأنا الأحاديث الأخرى معه، فهل نفهم من هذا الثقة في الروم أو الغدر؟ لا. لن نفهم منها إلا الغدر! فإذاً لا يوجد حديث حجة يصلح للاستشهاد به هنا.

    المجلات الداعرة

    السؤال: أطلت علينا بعض المجلات الداعرة وجهاً قبيحاً هذه الأيام مثل مجلة ألوان ومجلة الشراع، وأظن أنها كانت ضمن الممنوع، فماذا حصل في الأمر؟

    الجواب: أظن أن الذي حصل هو أن النهضة واليقظة والمجالس اختفت، فأرادوا أن يعوضوا فجاءت هذه؛ لأن المخطط لابد منه، فعوضوا بإعادة بعض ما منع أو بكثرة الطبعات مما منع، فكانوا يفسدونا عن طريق الصحافة الكويتية، ولما انتهت حاولوا أن يعيدوها، وحاولوا أن يأتوا بصحافة أخرى بديلة ولاحول ولاقوة إلا بالله.

    من إذاعة البعثيين

    حدثني شخص وأرجو ألا يكون واهماً، لكن أقسم بالله بأنه متأكد أنه في إحدى إذاعات البعثيين غير إذاعة بغداد كان يقدم في برنامج الإفطار في رمضان موعظة دينية يلقيها محمد بن عبد الوهاب المطرب وهو يقول: ''هناك علاقة وثيقة بين الدين والفن''، ومن جملة ما يقول: ''إن الغناء أول ما نشأ في أحضان المشايخ مثل الشيخ سلامة حجازي وسيد درويش وزكريا أحمد''.

    فانظر إلى الحرب علينا من هنا ومن هنا، وتكلم حتى عن الشعراوي، وفي الحلقة الثانية يقول: ''الدين حياة كاملة'' في حوار ديني مع موسيقار الأجيال محمد بن عبد الوهاب لتعرفوا منه رأي الشيخ محمد عبد الوهاب في المشايخ، فرأيه في الشيخ الشعراوي أنه يحاور الناس ولا يحاضرهم، ورأيه في الشيخ الغزالي أنه عالم بأحكام الدين في عصر سريع التغيرات، ويرى فتاوى الشيخ الغزالي سريعة التغير، فقال: إن الشيخ عالم بعصر سريع التغيرات، والشيخ عبد الحليم محمود يجمع بين السلفية والعصرية، وشر البلية ما يضحك.

    المجندات الأمريكيات

    وهذه مجلة الجمهورية يتحدث فيها أحدهم أنه رأى امرأة كاشفة عن نحرها وعن شعرها ونصف الذراع وهي مجندة أمريكية ضمن القوات الأمريكية الموجودة في السعودية، وتمسك بندقيتها وهي ترتدي شيرت؛ لأنه قد صدرت تعليمات للمجندات بارتداء ملابس وقورة مراعاة للتقاليد السعودية، فهذه المرأة لم تلبس التي شيرت إلا من أجل التقاليد، وإذا لم تكن هناك أوامر عسكرية فكيف يكون الحال؟ فلا حول ولا قوة إلا بالله.

    معيار العقيدة عند حزب البعث

    العراق يعلن الحرب على التبرج.. هذا عنوان كبير يذكر أن التبرج ممنوع بقرارات رسمية، وممنوع عمل الرجل في كوافير السيدات، ومحظور دخول الشباب دور اللهو.

    وهذا عنوان آخر (حملة لحث طالبات الجامعة على ارتداء الحجاب) حتى إذا قلنا: قال الله وقال رسوله في البعثيين، لم يصدقنا أحد.

    ونقول لكم: إن الرئيس بوش قال: ''إن صدام ملحد فلا تصدقوه إن أعلن الجهاد''.

    فعلينا بعد الآن أن نعتمد رسمياً أن صدام ملحد؛ لأن بوش قد أعلن ذلك! فما ينبغي أن ننقلب عن هذا الرأي!!

    فكل كلام صدام دغدغة ونفاق، وأمة لاتعرف الإسلام ولا معنى الإيمان ولا النفاق، فمن الطبيعي أن يضحك عليها أي واحد ويقول: امنعوا الرجال من الكوافير! فهل هناك امرأة واحدة في بغداد متفرغة الآن للعمل في الكوافير؟

    لكن هذا الكلام من أجل ذر الرماد في العيون، وما هو إلا سخرية بهذه الأمة.

    وربما يصدق بعض الناس فيقول: هذا داعية، أو مصلح على الأقل، ويقول لماذا نقاتله؟! وخاصةً إذا كان المقاتل من الأمريكان، فالواحد في هذه الأيام لا يدري على من يدعو، أعلى صدام أم على أمريكا؟

    سبحان الله! فهذه الفتن لا تحتاج حيرة، ولكن الحيرة لهذه الأمة جاءت من ضعف الولاء والبراء عندها، ومن عدم معرفتها بحقيقة لا إله إلا الله، ومن عدم معرفتها من هو المسلم، ومن هو الكافر؟

    ومتى كان البعثيون مسلمين؟! فأنا لاأخص بعثياً واحداً فالبعثيون في جميع البلاد الإسلامية متى كانوا مسلمين؟! ومتى كانوا مؤمنين؟! ومتى كان في مبادئهم الجهاد؟ أو الإصلاح أومنع الفساد؟! فكيف مشى هذا الأمر علينا؟!

    لأننا سنوات طويلة نخفي هذه الحقيقة ولانتكلم إلا عن بطولاتهم في الجبهة والبوابة الشرقية والقادسية...إلخ.

    أقول: نحن السبب، البيان على العلماء وعلى الدعاة فرض وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ [آل عمران:187] فهذا عهد الله وميثاقه الله، وأما من خُدِعَ بأن حزب صدام من الحركات الإسلامية، فيؤسفني جداً أن يقع منهم هذا الشيء، ولا أخاطبهم خطاب العاطفة أنه أهلك، وسفك،...، لا. فليست هذه هي القضية، فقد يكون المسلم سفاكاً وسفاحاً ولكن افترض أن صداماً لم يرق قطرة دمٍ إلا من دماء اليهود، وافترض أنه دمر إسرائيل، ودمر الروافض، وفعل ما فعل وهو بعثي، أيكون مسلماً؟

    المعيار معيار العقيدة فليست قضية أنه فعل أو لم يفعل، فحتى لو أقام مجد الأمة العربية كما يقولون، من المحيط إلى الخليج، وقضى على اليهود والنصارى، وفعل كل شيء، أيكون مسلماً وهو بعثي؟.

    لا. فالمعيار إذن بالعقيدة، فنحكم على الناس من خلال العقيدة فليس العبرة بأنه قتل وفعل وفجر.

    فالواجب أن نبين عقيدة هؤلاء القوم، وخطرهم وضررهم، وكل من دان بعقيدتهم في أي بلد، فحكمه حكمهم، لا نفرق ولا نجزئ حتى لا نكون قد كتمنا العلم.

    والحمد لله رب العالمين.

    مواد ذات صلة

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755971346