إسلام ويب

يا مسلم بأي عيد تفرحللشيخ : محمد حسان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد شرع لنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عيدين نفرح بهما، ويهنئ بعضنا بعضاً، ويدعو بعضنا لبعض بقبول العمل الصالح، وبحلول الخير والبركة من الله. وشتان بين زمان مضى يفرح المؤمنون فيه بعيد الله وبنصره لهم على الأعداء، وبين زمان مريض متبعثر، أذلاء أهله، يفرحون بالأعياد، ويكثرون من الإسراف، ويرتكبون فيها ما حرم الله، وفي الوقت نفسه يشاهدون إخواناً لهم من المسلمين: تسفك دماؤهم، وتنتهك أعراضهم، وتسلب أرضهم، فأي فرح هذا؟! وأي عيد هذا؟!

    1.   

    العيد فرح.. وآلام

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فاللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فحياكم الله جميعاً أيها الأطهار الأخيار الكرام، حيا الله هذه الوجوه الطيبة المشرقة، وزكى الله هذه الأنفس، وشرح الله هذه الصدور، وأسأل الله جل وعلا أن يتقبل مني وإياكم صالح الأعمال، وأن يجمعني في الدنيا وإياكم دائماً وأبداً على طاعته، وفي الآخرة مع سيد الدعاة وإمام النبيين في جنته ومستقر رحمته. واسمحوا لي أن أخص في هذا اليوم العظيم الكريم المبارك صانعة الأجيال ومربية الرجال، التي تربعت طيلة القرون الماضية على عرش حيائها، تهز المهد بيمينها، وتزلزل عروش الكفر بشمالها، اسمحوا لي أن أخصها بالتحية اليوم في عهد غربة الإسلام الثانية. يا درة حفظت بالأمس غالية واليوم يبغونها للهو واللعب يا حرة قد أرادوا جعلها أمة غريبة العقل غريبة النسب هل يستوي من رسول الله قائده دوماً وآخر هاديه أبو لهب وأين من كانت الزهراء أسوتها ممن تقفت خطى حمالة الحطب فلا تبالي يا أختاه!! فلا تبالي بما يلقون من شبه وعندك الشرع إن تدعيه يستجب سليه من أنا من أهلي لمن نسبي للغرب أم أنا للإسلام والعرب لمن ولائي لمن حبي لمن عملي لله أم لدعاة الإثم والكذب وما مكاني في دنيا تموج بنا في موضع الرأس أم في موضع الذنب هما سبيلان يا أختاه ما لهما من ثالث فاكسبي خيراً أو اكتسبي فدين ربك والقرآن منهجه نور من الله لم يحجب ولم يغب فاستمسكي بعرى الإيمان واعتزي وصابري واصبري لله واحتسبي حياكم الله جميعاً أيها الأحباب الكرام! وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلاً. اليوم عيد فحق لنا أن نفرح، ولقلوبنا أن تسعد؛ ولكن بأي عيد نفرح؟ وبأي قلب نسعد؟ وفي كل دار على الإسلام دائرة ينهد من هولها رضوى وثهلان ذبح وصلب وتقتيل بإخوتنا كما أعدت لتشفي الحقد نيران يستصرخون ذوي الإيمان إخوتهم فلم يغثهم بيوم الروع أعوان هل هذه غيرة أم هذه ضعة للكفر ذكر وللإسلام نسيان بأي عيد نفرح؟ وبأي قلب نسعد؟ يا من تحمل بين أضلعك قلباً حياً ينبض بذكر الله.. ينبض بحب الله.. ينبض بحب رسول الله.. ينبض بحب الإسلام.. بأي قلب تسعد وطفلك وولدك في البوسنة قد شوي على النيران أمام أمه وعلى مرأى ومسمع من أبيه، وبعد ما انتهى الصرب من شيه قطعوه إرباً إرباً، وأجبروا والده المسكين تحت التهديد والتعذيب أن يأكل من لحم ولده.. أن يأكل من فلذة كبده.. أن يأكل من ثمرة فؤاده، ثم بعد ذلك أطلقوا عليه النيران فقتلوه؟! بأي عيد تفرح وبأي قلب تسعد أيها المؤمن وأخوك المسلم قد شرد أهله، وهدم بيته، وسفك دمه، ومزقت أشلاؤه؟ وبأي قلب تسعد يا من تحمل بين أضلعك قلباً حياً ينبض بالحياة.. ينبض بحب الله.. ينبض بحب رسول الله، وأختك في البوسنة قد انتهك عرضها، وضاع شرفها، وها هي الآن تصرخ وترجوكم رجاءها الأخير؟ أتدرون ما هو رجاؤها؟ رجاؤها يا أولاد الإسلام! ويا شباب الإسلام! أن اقتلوني، واقتلوا العار الذي أحمله بين أحشائي، اقتلوا ولدي الذي حملته من السفاح والزنا، هذا هو رجاؤها الأخير منك يا ابن الإسلام. يا من تلذذتم بالفراش! يا من تلذذتم بالطعام! يا من أكلتم ملء بطونكم! ونمتم ملء عيونكم، وضحكتم ملء أفواهكم، هذا هو رجاء أختكم الأخير، تنادي عليكم وتقول: اقتلوني واقتلوا العار بين أحشائي.. اقتلوا ولدي من الزنا! اقتلوا ولدي من السفاح! هذا هو رجاؤها الأخير منكم يا أحفاد محمد! يا أحفاد صلاح الدين ! يا أحفاد خالد بن الوليد ! هذا هو رجاؤها الأخير بعد ما صرخت علينا طويلاً، حتى انقطع صوتها وهي تنادي وتقول: وا إسلاماه!! وا إسلاماه!! وا معتصماه!! ولكن أين المعتصم؟ ما ثم معتصم يغيث مـ ـن استغاث به وصاح ذبحوا الصبي وأمه وفتاتها ذات الوشاح وعدوا على الأعراض في انتشاء وانشراح يا ألف مليون وأين هم إذا دعت الجراح ما ثم معتصم يغيث مـ ـن استغاث به وصاح بأي عيد تفرح؟ وبأي قلب تسعد أيها المسلم وبرك الدماء، وأكوام الأشلاء تجسد الفجيعة وتحكي المأساة في كل مكان.. في البوسنة والصومال، في الهند وكشمير، في بورما.. في تركستان.. في طاجكستان.. في أفغانستان.. في الفلبين.. في الجزائر.. في الصومال.. وأخيراً في اليمن؟ وما زال المشاهدون من جميع أنحاء العالم قابعين في مقاعدهم يشاهدون فصول هذه المسرحية الهزلية المحرقة. ما زال الجميع قابعاً في مقعده يرى آخر فصول هذه المسرحية، منهم من يبارك هذه التصفية، ومنهم من يبارك هذه الإبادة الوحشية ومنهم من جلس يمسح عينيه بمنديل حريري ولكنه ما زال قابعاً في مقعده؛ لأنه قد أصر على أن يصاحب آخر فصول هذه المسرحية الهزلية: آه يا مسلمون متم قروناً والمحاق الأعمى يليه محاق أي شيء في عالم الغاب نحن آدميون أم نعاج تساق يا قطيعاً من ألف مليون رأس ........ يجري عليها السباق نحن لحم للوحش والطير منا الجثث الحمر والدم الدفاق وعلى المحصنات تبكي البواكي يا لعرض الإسلام كيف يراق قد هوينا لما هوت (وأعدوا) (وأعدوا) من الردى ترياق واقتلعنا الإيمان فاسودت الدنيا علينا واسودت الأعماق وإذا الجذر مات في باطن الأر ض تموت الأغصان والأوراق ما الذي جرى؟! ما الذي حدث؟! ما الذي جرى لأمة دستورها القرآن؟! ما الذي جرى لأمة قائدها محمد عليه الصلاة والسلام؟ ما الذي غيرها؟ ما الذي بدلها؟! ذلت بعد عزة، وجهلت بعد علم، وضعفت بعد قوة، وأصبحت في ذيل قافلة الإنسانية بعد أن كانت في الأمس القريب تقود القافلة بجدارة واقتدار. أصبحت أمة القرآن تتسول على موائد الفكر الإنساني بعد أن كانت منارة تهدي الحيارى والتائهين الذين أحرقهم لفح الهاجرة القاتل، وأرهقهم طول المشي في التيه والظلم، وأصبحت أمة القرآن تتأرجح في سيرها لا تعرف طريقها التي يجب عليها أن تسير فيه، وهي التي كانت بالأمس القريب الدليل الحاذق الأرب الذي يسير في الصحراء المتشابكة، وفي الدروب المهلكة التي لا يجيد أن يسير فيها إلا المجربون. أهذه هي الأمة التي قال الله عنها في القرآن: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]؟ أهذه هي الأمة التي وصفها الله بالوسطية، فقال جل وعلا: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [البقرة:143]؟ أهذه هي الأمة التي وصفها الله في القرآن بالوحدة فقال جل وعلا: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:92]؟ والجواب بحق وصدق: إن البون شاسع، وإن الفرق كبير بين الأمة التي زكاها الله في القرآن هذه التزكية وبين الأمة التي نراها الآن في واقعنا المعاصر. يا أبناء الأمة! إننا نرى الآن أمة قد عطلت جميع طاقاتها العقلية، والعلمية، والعددية، والاقتصادية، بل والروحية. أصبحت أمة القرآن في الوحل والطين، وتركت ذروة سنام الإسلام، ورضيت بالزرع، وتبعت أذناب البقر؛ فأذلها الله لمن كتب عليهم الذلة من إخوان القردة والخنازير من أبناء يهود. لماذا أذل الله الأمة؟ لأن الأمة -أيها الأحباب- تخلت عن أصل عزها، ونبع شرفها، ومصدر كرامتها وبقائها ووجودها، فأصابها الله بهذا الذل وهذا الهوان، وهذا الضعف وهذه الفرقة، وهذا الشتات؛ لأنها تخلت عن أصل عزها، ونبع شرفها، ومعين كرامتها وبقائها ووجودها.

    1.   

    بداية الصحوة ودور الشباب في التغيير

    أيها الأحبة! هنا تساءل خطير وهام، يصرخ به كل شباب الأمة في كل بقاع الدنيا: ما الذي غير الأمة إلى هذا الحال؟ ما الذي حول الأمة إلى هذه الحالة المزرية من هذا الضعف والذل والهوان والعار؟ والجواب في كلمات حاسمة قاطعة، من قول ربنا جل وعلا: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11] ورب الكعبة لقد غيرت الأمة وبدلت -أيها الأحباب- وحرفت منهج ربها في جانب العقيدة.. في جانب العبادة.. في جانب الأخلاق.. في جانب التشريع.. في جانب الاتباع.. في جانب المعاملات والسلوك. غيرت الأمة كثيراً كثيراً، وابتعدت عن كتاب ربها وعن سنة نبيها صلى الله عليه وآله وسلم، حتى وصلت إلى هذه الحال المزرية التي نراها عليها الآن. ولكن.. لا أريد أن أسكب القنوط واليأس في قلوبكم، وإنما أريد أن أشخص الداء حتى وإن كان مراً بطعم الحنظل؛ لنستطيع بعد ذلك أن نحدد الدواء النافع لأمراض هذه الأمة التي استشرت. أقول: بالرغم من كل هذا شاء الله جل وعلا وهو الحليم الكريم اللطيف الخبير.. شاء الله عز وجل في هذه الأيام التي تجمعت فيها الأحزاب وكل جاهليات الأرض مرة أخرى، للقضاء على الإسلام واستئصال شأفة المسلمين، شاء الله جل وعلا أن يبزغ في الأفق نور يشرق، وأمل يتجدد، أضحى حقيقة كبيرة لا تنكر، بل وأفزعت هذه الحقيقة المشرقة العالم بأسره، وكيف لا وهي أكبر حدث إنساني في السنوات الأخيرة من القرن العشرين؟! ها نحن نرى يا شباب الإسلام! صحوة عالمية مباركة لا في مصر وحدها، ولا في البلاد الإسلامية وحدها، بل في جميع بقاع الدنيا، في جميع أنحاء العالم. رأينا هذه الصحوة في قلب قلعة الكفر أمريكا. رأينا هذه الصحوة في كندا وفي أقصى الدنيا. رأينا هذه الصحوة في فرنسا، وها نحن نرى بحمد الله جل وعلا كوكبة كريمة وثلة مباركة عظيمة من شباب في ريعان الصبا، وفتيان في عمر الورود، تلكم الكوكبة التي بدأت تتنزل بحمد الله في كل بقاع الدنيا كتنزل حبات الندى على الزهرة الظمأى، والأرض العطشى، أو كنسمات ربيع باردة عطرتها وطيبتها أنفاس الزهور، تلكم الكوكبة التي جاءت بعد بدر والقادسية واليرموك وحطين، جاءت في كهولة من الزمن لتعيد الإسلام غضاً طرياً، ولتمضي على تاريخ الدعوة الطويل الضارب في شعاب الزمان، من لدن نوح على نبينا وعليه الصلاة والسلام. جاءت لتمضي على ذات الطريق مستقيمة الخطى، ثابتة الأقدام، تجتاز الصخور والأشواك والحجارة، تجول هنا وتتمزق هنا ولكن الركب الكريم في طريقه لا ينحني ولا ينثني ولا يحيد؛ لأنه على ثقة مطلقة بنهاية الطريق، وبأن المستقبل لهذا الدين رغم كيد الكائدين. أيها الأحباب! أقول بقلب يملؤه اليقين، وبلغة يحدوها الأمل: بدأت الأمة تصحو من جديد، وليس معنى ذلك أن الأمة بجميع أفرادها صحت. أيها الأحباب! إن كان شيوخنا وعلماؤنا هم عقول الأمة التي تفكر فإن شبابنا وأبناءنا هم سواعد الأمة التي تبني وتعمر، ولا يمكن على الإطلاق لعقل أن يأتي مجرداً دون أن يمشي على قدميه، ودون أن يتقوى بساعديه. أقول: إن البداية الصحيحة أننا نرى كثيراً من شباب الأمة وفتيات الأمة قد عادوا إلى الله جل وعلا، فسمعنا آهات التائبين العائدين إلى الله جل وعلا تردد: آيبون تائبون عابدون، لربنا حامدون. ها نحن نرى ونسمع الأصوات قد ارتفعت مرة أخرى، نسمع أصوات أبناء الطائفة المنصورة التي لا يخلو منها زمان ولا مكان بموعود حديث رسول الله، كما في حديث في صحيح مسلم من حديث معاوية أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس) نسمع الآن أصوات الشباب لا في مصر وحدها بل في جميع أنحاء الدنيا، هذا الشباب الذي بدأ يصرخ ويقول: أين الحل.. أين طريق الخلاص؟ والجواب يا شباب الصحوة في كلمات قليلة حاسمة، طريق الخلاص أن تعود الأمة من جديد إلى ربها.. إلى الإسلام بكماله وشموله.. بفروعه وأصوله، فهو مصدر عزنا الذي قال عنه فاروق الأمة عمر : (لقد كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله). هذه هو طريق الخلاص الذي يجب أن يكون محفوراً في القلوب والعقول إلى درجة اليقين -وأعداء الأمة يعلمون هذا- الطريق، فلا بد أن نعلم أن طريق الخلاص هو أن تعود الأمة بكليتها إلى الإسلام بكماله وشموله، بفروعه وأصوله، وأن تحول الأمة من جديد هذا الإسلام إلى منهج حياة كما حوله الرعيل الأول إلى منهج حياة، فحولهم الله بذلك من رعاة للغنم إلى سادة وقادة لجميع الأمم.

    1.   

    طرق إصلاح الأمة

    أيها الأحباب الكرام! هذا هو الطريق، ولكن المشكلة الحقيقية الآن التي تعترض المصلحين الصادقين الذين يفكرون في حال الأمة، ويفكرون في العلاج -وانتبهوا معي جيداً لهذا العنصر المهم- ويشخصون الداء، ويصرفون الدواء. إن المشكلة هي: كيف نعيد بناء الأمة من هذا الفتات المتناثر؟! والحق أن ما هدم في سنوات لا يمكن على الإطلاق أن يبنى في أيام، وإن هذا العمل يحتاج إلى جهد كبير.. وصبر جميل.. وتجرد في جميع مراحل هذا البناء.. وأود أن يعلم الجميع بصفة عامة والدعاة وأهل التربية بصفة خاصة أنه لا يمكن على الإطلاق أن نربي الأمة دفعة واحدة، كما أنه لا يمكن على الإطلاق أن نربي كل فرد من أفراد الأمة بصورة مباشرة؛ لأن أعظم مرب عرفته الدنيا لم يفعل ذلك. إذاً: ماذا فعل الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي بنى أمة من فتات متناثر، وأقام للإسلام دولة أذلت الأكاسرة، وأهانت القياصرة، وغيرت مجرى التاريخ في فترة لا تساوي في حساب الزمن شيئاً؟! أقول: لقد ربى رسول الله صلى الله عليه وسلم القاعدة القوية الصادقة الأمينة، ثم انطلقت هذه القاعدة لتربي بقية الأمة، فكانت القدوة الصالحة، وانطلقت لتحول المنهج الرباني إلى واقع عملي يتحرك في دنيا الناس. أيها الأحباب! كيف يمكننا أن نزيل غربة الإسلام الثانية؟ أستطيع -حتى لا أطيل أكثر من ذلك- أن أضع بين أيدي حضراتكم في عجالة سريعة بعض بنود المنهج العملي ليعي كل فرد منا دوره، وليعلم كل واحد منا مسئوليته. أقول: أيها الحبيب! أستطيع أن أضع بين أيدي حضراتكم بعض بنود المنهج العملي الذي أراه من وجهة نظري القاصرة صالحاً للارتقاء بالأمة إلى مكانتها مرة أخرى:

    نبذ الفرقة وتوحيد الصف

    أولاً: من بنود هذا المنهج: نبذ الفرقة وتوحيد الصف -وضعوا هذه في قلوبكم يا أبناء الصحوة- فإن الفرقة والشتات سبب لذهاب الريح وتوهين القوة، قال الله جل وعلا: وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [الأنفال:46] ، وقال الله جل وعلا: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [آل عمران:105]. ونحن إذ ننادي بالوحدة فإننا لا نريدها وحدة على غير أصول ثابتة، كلا، فنحن لا نريدها وحدة تجمع شتاتاً متناثراً، وأفكاراً متناقضة على غير حق واتباع وهدى، كلا، فإن هذا الكلام لا يقول به عاقل على الإطلاق، وإنما ننادي بالوحدة التي ترتكز على أصلين لا ثالث لهما، ألا وهما: الأصل الأول: الانتماء للإسلام دون سواه، فلننبذ كل العصبيات والقوميات والنعرات، وليكن ولاؤنا للإسلام فقط، وليكن نسبنا هو الإسلام، ولنردد مع سلمان قولته الجميلة: أبي الإسلام لا أب لي سواه إن افتخروا بقيس أو تميم أما الأصل الثاني لهذه الوحدة فهو: توحيد مصدر الهداية والتشريع، ومصدر الهداية والتشريع هو القرآن والسنة، بفهم سلف الأمة، وحينئذٍ فقط توحد العقيدة وتصفى، وتوحد الشريعة وتنقى.

    إعداد الكوادر الإسلامية المتخصصة

    ثانياً: من بنود المنهج العملي: إعداد الكوادر الإسلامية المتخصصة وهذه المسئولية تلقى على عواتق وأكتاف الشباب فهم عماد الأمة! أيها الآباء الكرام! يا من حملكم الله أمانة المسئولية وأمانة التربية! أقول: إننا الآن في أمس الحاجة إلى إعداد الكوادر الإسلامية المتخصصة في كل مجالات الحياة: في علم الذرة، في علم الطب، في علم الهندسة، في علم الفلك، في علم الجيولوجيا، في علم الكيمياء، في علم الصناعة، في علم الزراعة، في علم التجارة، في كل مجالات الحياة، نريد الكوادر الإسلامية المتخصصة التي تنطلق من فهم دقيق، ووعي عميق للإسلام بكماله وشموله لتسير جميع شئون الحياة من منظور إسلامي، من قال الله قال رسوله، ولا يمكن على الإطلاق أن نسير شئون الحياة مرة أخرى إلا على أيدي هذه الكوادر الإسلامية المتخصصة التي تنطلق وهي تفهم الإسلام، ولتشهد للإسلام شهادة عملية بعدما شهدت له من قبل شهادة قولية.

    بناء صرح الأخلاق الإسلامية

    ثالثاً: من بنود هذا المنهج العملي الذي أراه من وجهة نظري القاصرة صالحاً للارتقاء بالأمة إلى مكانتها مرة أخرى: السعي الجاد لبناء صرح الأخلاق الإسلامية. قد يقول بعض الأحبة الآن: إنك تناقض نفسك، بقولك: نريد الآن العلم، والتكنولوجيا، ونريد الرقي، ونريد الخبرة، ونريد رءوس المال. وأنا أقر هذا ولا أنكره على الإطلاق، ولكنني أقول: إن كل هذه المقومات بدون بناء أخلاقي لن تفيدنا، بل ستحول بيننا وبين العلم الدنيوي والأخروي. فيا أيها الموحد! ضم العالم كله إلى صدرك، وأسمعه خفقات قلبك الذي وحد الله جل وعلا.. هيا ضم العالم كله إلى صدرك وأسمعه خفقات قلبك الذي وحد الله جل وعلا وامتلأ بمعرفته. هيا قم أيها الموحد! واسق الدنيا كأس الفطرة، لتروى بعد ظمأ، ولتحيا بعد موت، ولتهدى بعد ضلال. قم أيها الموحد! قم يا حفيد صلاح الدين ! تحرك بهذا الدين.. بدعوة الله، فإن أهل الباطل تحركوا على جميع المستويات لباطلهم، وما زال أهل الحق متفرقين. يا أبناء الصحوة: كونوا على قدر هذه المسئولية، كونوا على قدر هذه المؤامرات الموتورة التي تكاد للأمة في الليل والنهار. ألم تفكروا إلى الآن في حسم هذه المؤامرات؟! فلتتوحد الصفوف، ولتلتق القلوب، لا أقول تلتقي الجماعات في جماعة واحدة، فربما يكون هذا من ضرب الخيال، ولكن فلتلتق القلوب، وليحب بعضنا بعضاً، وليعذر بعضنا بعضاً، وليلتق الجميع على الحق، وإذا وجدت أخاك على خطأ فاقترب منه بحكمة ورحمة وقل له: يا حبيبي في الله! هذا خطأ. إنك في حاجة إلى جهد أخيك، وأخوك في حاجة إلى جهدك! أيها الحبيب! فلتكن الرحمة شعارنا، ولتكن الحكمة منهجنا، ولتكن العدالة سبيلنا، فهيا لنتحرك لتلتقي القلوب على منهج الحق، فإننا الآن في أمس الحاجة إلى كل جهد مخلص صادق يبذل لدين الله جل وعلا. أيها الشباب! أيها الأحباب! تحركوا بدين الله، تحركوا بدعوة الله! أخاطبك أيها المسلم، وأخاطبك أيتها المسلمة. فإن الدعوة إلى الله مسئولية الجميع، وسنُسأل عنها بين يدي الله، وفي صحيح البخاري من حديث عبد الله بن عمرو أنه صلى الله عليه وسلم قال: (بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)

    1.   

    المستقبل لهذا الدين

    وأخيراً: أقول بقلب يملؤه اليقين، وبلغة يحدوها الأمل: إن المستقبل لهذا الدين رغم كيد الكائدين، ولا نقول ذلك من باب الأحلام الوردية، ولا من باب تسكين الآلام أو تضميد الجراح، ولكنه القرآن الكريم، وكلام النبي الصادق الأمين، يقول الله جل وعلا: يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [الصف:8]، ويقول الله جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ [الأنفال:36]، ويقول الله جل وعلا: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات:171-173]. أيها الأحباب! اعلموا بأن المستقبل لهذا الدين، وبأن الإسلام قادم كقدوم الليل والنهار، وبأن هذا الوعد هو وعد الله جل وعلا، ووعد الله لا يخلف، فاسألوا الله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى وتضرعوا إليه في هذه اللحظات -عسى أن يتقبل الله دعوة صادق فينا- أن ينصر الإسلام والمسلمين. اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم وأعل بفضلك كلمة الحق والدين! اللهم أقر أعيننا بنصرة الإسلام وعز الموحدين، اللهم احمل المسلمين الحفاة، واكس المسلمين العراة، وأطعم المسلمين الجياع. اللهم فك سجن المسجونين، وأسرى المأسورين، واربط على قلوبنا وقلوبهم يا أرحم الرحمين! اللهم لا تدع لأحد منا في هذا الجمع المبارك ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ديناً إلا أديته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا عاصياً إلا هديته، ولا طائعاً إلا سددته، ولا حاجة فيها لك رضاً ولنا فيها صلاح إلا قضيتها ويسرتها يا رب العالمين! اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل اللهم فينا شقياً ولا محروماً! اللهم اجعل مصر واحة للأمن والأمان، اللهم اجعل مصر واحة للأمن والأمان، اللهم اجعل مصر سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين! اللهم اجعل مصر سخاء رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم ارفع عن مصرنا الغلاء والوباء والفتن والبلاء برحمتك يا أرحم الرحمين! أيها الأحبة في الله! كل عام وأنتم بعافية وصحة وخير، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756346471