إسلام ويب

أهمية الخوف من الله تعالىللشيخ : أحمد سعيد الفودعي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من علم بالله عز وجل وعلم عظمته وما يستحقه من العبادة خاف منه وخشي ألا يقبل عمله لما يعتريه من تقصير، فأهل العلم هم أهل الخشية. وقد حث الله عز وجل العباد على أن يدعوه رغباً ورهباً فيجمعوا بين الخوف منه والطمع فيما عنده، فالخوف والرجاء كجناحي الطائر لا ينجو المرء إلا بهما. وأهل الرجاء هم أهل العمل قال تعالى: (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً).

    1.   

    أهل العلم بالله هم أهل الخوف منه

    الحمد لله رب العالمين, نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18].

    أما بعد:

    فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة.

    إخوتي في الله! يقول الله جل شأنه في سورة المؤمنون: إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ [المؤمنون:57-61].

    في هذه الآيات الشريفة يبين الله سبحانه وتعالى أهل السبق الذين يسبقون إلى الخيرات، وصفهم سبحانه وتعالى بجملة صفات، آخرها قوله جل شأنه: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ [المؤمنون:60-61], أي: هم سابقون للناس بسبب هذه الخيرات.

    وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ [المؤمنون:60], أي: يقدمون ما يقدمون من الأعمال الصالحة من العبادات البدنية أو العبادات المالية أو العبادات المركبة منهما, وقلوبهم خائفة وجلة، لماذا توجل القلوب؟

    لإيقانهم بأنهم قادمون على الله، وأنه سبحانه وتعالى سائلهم عما كلفهم وأمرهم, أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ [المؤمنون:60]، هذا الخوف منشؤه علمهم بالله تعالى, يعرفون ربهم, ويعرفون أنفسهم، عرفوا ربهم تمام المعرفة فأوجبت هذه المعرفة خوفاً, وعدم اتكال على العمل الذي قدموه.

    قالت عائشة تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا الصنف من الناس: ( يا رسول لله! أهو الرجل يسرق ويزني ويشرب الخمر وهو يخاف الله تعالى؟ قال: لا, يا ابنة الصديق ، ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف الله تعالى )، وفي رواية الترمذي : ( ويخاف ألا يتقبل الله عز وجل منه ) .

    1.   

    أهمية الجمع بين الخوف والرجاء

    هذا الخوف منشؤه العلم بالله والعلم بعدل الله تعالى، فإن الإنسان الموفق السعيد من ينظر إلى عمله نظرين, ينظر إلى عمله ونفسه وما فيها من الجهل والظلم والتقصير، وينظر إلى عمله وما فيه من الآفات, فربما دخله الرياء، وربما شابه النقص والتقصير، هذا نظر يوجب له، ويفتح أمامه باب الخوف, فيخشى ألا يتقبل الله عز وجل منه العمل، ويخشى أن يرد الله عز وجل عليه عمله في وجهه, لما فيه من أنواع التقصير والظلم والجور.

    وهناك نظر آخر ينظر الإنسان إلى الله, فينظر إلى سعة عفو الله، وسعة رحمة الله وفضله, وعموم وشمول رحمته، فيفتح له ذلك باب الرجاء والطمع في محض فضل الله، وفي ثواب الله عز وجل وعفوه فيطمع في ثواب الله وجنته.

    وهذان الأمران هما تمام التوحيد, وهما للمؤمن كالجناحين للطائر, إذا كان له جناحان طار, وإلا أقعد وصار عرضة لكل صائد ولكل مبذر مسرف.

    هكذا أراد الله عز وجل من العباد أن يسيروا إليه, جامعين بين الخوف من عقابه, الخوف من عدله سبحانه وتعالى, فإنه إذا عاقب لا يعاقب إلا بعدل، ولو أقام العدل على العباد لهلك الناس، فمن الذي يستطيع أن يوفي العبودية حقها، ويقوم لله تعالى بما أوجب عليه.

    من الذي يقدر على أن يكافئ نعمة من نعم الله عز وجل عليه؟ فلو أقيم ميزان العدل على العبد هلك، ولكنه الطمع في رحمة الله تعالى؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: ( واعلموا أنه لن يدخل أحداً الجنة عمله, قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه ).

    إذا أقيم علينا عدل الله هلكنا، والواجب على العبد أن ينظر إلى هذا العدل الإلهي، وأنه عرضة لهذا العدل يوم تنصب الموازين بالقسط, فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء:47] .

    فإذا نظر الإنسان إلى عمله وإلى نفسه وتذكر عدل الله تعالى والموازين حين تنصب بالقسط، فإنه يخاف على نفسه ويخشى عليها، فيدفعه هذا الخوف إلى مزيد من العمل، إلى الإكثار من الصالحات، إلى التعلق برحمة الله عز وجل وفضله، فيكون هذا الخوف نافعاً له مشمراً به إلى مزيد من الطاعات، والاجتهاد في أنواع الخيرات. وفي المقابل يطمع في رحمة الله عز وجل وعفوه.

    1.   

    التحذير من الأمن من مكر الله

    وفي مقابل هذا المسلك مسلك آخر: هو مسلك الأمن من مكر الله، مسلك الأمن من عدل الله، الأمن من عقاب الله، أن يعيش الإنسان سادراً ساهياً غافلاً ممنياً نفسه أنه من أهل الجنة، وأنه من الذين حل عليهم رضوان الله فلا يسخط عليه أبداً.

    ومكر الله معناه: إيقاع العقوبة بالمجرم من حيث لا يشعر, وكلنا أهل إجرام، كلنا أهل تقصير,كلنا أهل ذنوب, فمن الذي يأمن بعد ذلك أن ينزل الله عز وجل به عقابه وهو لا يشعر، بكى الحسن رحمه الله تعالى، فقيل له: ما يبكيك؟ وأنتم تعلمون من الحسن , فقال رحمه الله ورضي عنه: الذي أمر بقطع يدي في الدنيا بربع دينار, الذي شرع هذا الشرع فأمر بأن تقطع يدي اليمنى وهي عمدة جسدي، إذا سرقت وتجاوزت حدود الله في ربع دينار، كيف آمن أن يقذف بي يوم القيامة في نار جهنم ولا يبالي؟

    كيف يأمن الإنسان أن يقيم الله عز وجل عليه عدله فيأخذه بذنبه ويعاقبه بجريرته وينزل عليه عدله وميزانه, كيف يأمن العبد بعد ذلك؟

    وهكذا كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم, التفت علي رضي الله عنه أيام خلافته وهو في الكوفة من صلاة الفجر فبكى حين نظر إلى وجوه القوم, فقال رضي الله تعالى عنه وأرضاه: لقد رأيت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً لم أره اليوم، لقد رأيتهم وهم يصبحون شعثاً غبراً صفراً في جباههم أمثال ركب المعزى, قد باتوا لله سجداً وقياماً, يراوحون بين جباههم وأقدامهم، يعني: مرة قياماً ومرة سجوداً، أصبحوا لطول قيامهم وطول سهرهم صفراً، وبين أعينهم أمثال ركب المعزى, قال: فإذا أصبحوا في الصباح فذكروا الله مادوا كما تميد الشجر في الريح، وبكوا حتى تبل دموعهم ثيابهم.

    هكذا كان أصحاب رسول لله يبيتون ركعاً سجداً, وهم مع ذلك يخشون الله عز وجل أشد خشية، يجمعون بين الإحسان والخوف، والناس في كثير من أحوالهم يجمعون بين الإساءة والأمن.

    1.   

    الموازنة بين الخوف والرجاء

    واجب على الإنسان المؤمن أن يكون خائفاً راجياً جامعاً بين الطمع في فضل الله عز وجل ورحمته، وبين الخوف من عقابه وعدله, فيدعوه هذا إلى إحسان العمل والتعلق برحمة الله تعالى، وإذا اختل أحد الميزانين على العبد هلك, وقد حثنا الله في كتابه كما نطقت بذلك أحاديث رسوله على ضرورة الجمع بين هذين المسلكين لتنجو أيها المسكين، قال الله جل شأنه في كتابه الكريم: نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ [الحجر:49-50] .

    نبئهم أن الله واسع المغفرة, وأن رحمته وسعت كل شيء, وأن رحمته سبقت غضبه, لكن حتى لا يسترسلوا مع الرجاء, وحتى لا يتمادوا في الطمع نبئهم بعدل الله, وأنه سبحانه وتعالى شديد العقاب, غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ [غافر:3]، اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:98].

    قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم :( لو علم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع في جنته أحد، ولو علم الكافر ما عند الله من الرحمة ما يئس من جنة الله أحد ).

    كيف تطمع في الجنان على ما أنت فيه من التقصير من غير خوف ولا وجل؟ هذا الخوف هو نفسه عبادة محبوبة إلى الله, كما قال الله: فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:175], الخشية عبادة محبوبة إلى الله؛ لأنها سوط يزجر الله عز وجل بها الإنسان عن الإسراف, ويزجره عن الإساءة والذنب, يدفعه بهذا الخوف إلى الطاعة دفعاً، فإذا جاء الموت وانقطع زمن العمل انتهى الخوف ونزلت الملائكة بالبشرى: لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ [الزخرف:68]، العبادة بالخوف والرجاء من أجل العبادات التي يجب على الإنسان أن يحييها في قلبه.

    1.   

    أسباب التفريط في الخوف من الله ورجائه

    ولتفريط العبد بأحد هذين المسلكين أسباب.

    أما الخوف والتفريط فيه فله سببان:

    السبب الأول: جهل الإنسان بدين الله وإعراضه عن تعلم شرع الله, فيعيش غافلاً ساهياً لاهياً, ويتناقص الخوف من الله من قلبه شيئاً فشيئاً حتى ينعدم بالكلية والعياذ بالله، بخلاف من عاش حياته مع شرع الله متذكراً لأوامر الله ونواهيه فإن هذا يدعوه إلى محاسبة نفسه بين الفينة والأخرى.

    والسبب الثاني من أسباب انعدام الخوف: اتكال بعض الجهلة من العباد على عفو الله عز وجل ورحمته, فيكون عابداً لكنه جاهل, جاهل بحقيقة نفسه, وجاهل بما لله عز وجل عليه, فيرى أن عمله كثير, ويرى أنه قد فاز بما لم يفز به السابقون قبله، لجهله بحقيقة عمله، ولجهله بما يريده الله عز وجل منه, فتراه عابداً لكنه جاهل فيأمن مكر الله، وإذا أمن مكر الله نزل به هذا المكر من حيث لا يحتسب.

    وأما الإفراط في الطمع، الإفراط في الرجاء فله أسباب أيضاً.

    ومن أهم هذه الأسباب: جهل الإنسان أيضاً بحقيقة ما يريده الله عز وجل منه، ونظره إلى رحمة الله تعالى مع إغفاله النظر عن عقاب الله، والموفق من نظر هذين النظرين وبهما تصلح الدنيا والآخرة: النظر إلى آفات عمله وما فيه من التقصير, والنظر إلى سعة رحمة الله تعالى وعفوه، فيدفعك الأول إلى الاستزادة من الأعمال الصالحة، ويدفعك الثاني إلى إحسان الظن بالله، وقد قال سبحانه في الحديث القدسي: ( أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء ).

    أقول ما تسمعون, وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه, إنه هو الغفور الرحيم.

    1.   

    أقسام الناس تجاه الرجاء

    الحمد لله رب العالمين, والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه.

    إخوتي في الله! ليس معنى هذا الكلام تيئيس الناس من رحمة الله وعفوه, ولكن المراد القضاء على الرجاء المذموم, وإبطال الرجاء الفاسد, فرجاء الناس لرحمة ربهم على أقسام ثلاثة:

    الأول: رجل أحسن وأدى ما عليه لله تعالى وتقرب إليه بما يقدر عليه من النوافل, فهو بعد هذا العمل يرجو من الله عز وجل القبول والإثابة, ويطمع في أن يعامله الله عز وجل بعفوه وصفحه, وأن يتجاوز عما في عمله من الخلل, فهذا رجاء محمود, وصاحبه على خير, وطريقه إلى الجنة مسلوك إن شاء الله.

    الثاني: رجل آخر أذنب ذنباً فدفعه خوفه من الله إلى التوبة، ولكنه مع ذلك يأمل في عفو الله, ويرجو الله تعالى أن يتجاوز عما كان من ذنبه, وأن يتقبل توبته، فهذا أيضاً على الجادة.

    الثالث: رجل بطال متكاسل، منهمك في التقصير بما عليه، مؤد لله عز وجل كل ما يكره, وهو مع ذلك يمني نفسه ويطمعها بعفو الله عز وجل، وأن الله غفور رحيم, فهذا رجاء الكسالى, الرجاء الذي حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم, وحذرت منه نصوص القرآن قبل ذلك.

    هذا الرجاء هو الذي ينبغي للعبد أن يحذر على نفسه من الوقوع فيه، ولذلك قال العلماء: الرجاء مع العمل, الرجاء إنما يصح إذا كان مقروناً بالعمل الصالح، كما قال الله عز وجل: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:110]، هذا هو الرجاء النافع, كما قال الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:218]، بذلوا ما قدروا عليه, آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله، هؤلاء هم الذين يرجون الله رجاءً صحيحاً, رجاءً حقيقياً, رجاءً نافعاً, أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:218]، ما داموا أنهم قد عملوا ما يقدرون عليه, ثم فوضوا أمورهم إلى الله, فإن الله لن يردهم خائبين.

    1.   

    آيات تزلزل القلوب

    هناك آيتان في كتاب الله تنخلع لها القلوب خوفاً إذا كان الإنسان عاقلاً ليقيس بعد ذلك رجاءه وطمعه بهاتين الآيتين.

    أما الآية الأولى: ففي سورة النحل يقول الله عز وجل عن أصحاب رسوله بعدما قدموا ما قدموا وذكر ثوابهم, قال سبحانه: والَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا [النحل:110]، هذه أعمالهم آمنوا بالله وهاجروا بعدما فتنوا, بعدما تعرضوا لما تعرضوا له من أنواع العذاب في مكة، وضحوا بكل غال ونفيس من أجل دينهم وإيمانهم، لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا [النحل:110] بعدها قال الله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [الأعراف:153]، بعد هذا كله الله غفور رحيم.

    وليقس الإنسان نفسه بهذا الميزان, ما هي أعماله في مقابل أعمال الصحابة، حتى يطمع بمغفرة الله عز وجل ورحمته؟

    وأما الآية الثانية: ففي طه يقول الله سبحانه وتعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ [طه:82], لكن لمن؟ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82] , من جمع هذه الصفات فهو أهل لأن تشمله رحمة الله, وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82] , فأين نحن من هذه الخصال؟ وأين أعمالنا نحن من هذه الصفات؟

    1.   

    أهمية أعمال القلوب والتحذير من الغفلة

    من العجب يا إخوان! أن يعيش الإنسان غافلاً في دنياه مرتكباً لأنواع محارم الله, ثم بعد ذلك يمنيه الشيطان ويغره الغرور بأنواع الأماني, وأنه من أهل رضوان الله, جدير بالعاقل أن يستفيق وأن ينتبه قبل أن يباغته ما يكره, وقبل أن يبدو له من الله ما لم يكن يحتسب, كما قال الله عز وجل في كتابه في وصف يوم القيامة: وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ [الزمر:47].

    نريد بهذا أيها الأخوة! أن نصحح في قلوبنا أعمال القلوب, الرجاء الصحيح والخوف الصحيح؛ ليكون دافعاً لمزيد من العمل, وإحسان هذا العمل وإتقانه, كما قال الحسن : المؤمن يجمع إحساناً وخشية, والمنافق يجمع إساءةً وأمناً, كن من أهل الأيمان الذي يجمع بين الإحسان وبين الخوف من الله تعالى, وستسلم لا محالة, ولا تخشى من هذا الخطاب, ولا تتأفف منه, فقد شكي إلى الحسن رحمه الله أقواماً يخوفون الناس، فقال: لأن تجالس أقواماً يخوفونك حتى يدركك الأمن، خير لك من أن تجالس أقواماً يؤمنونك حتى يدركك الخوف.

    أنت في حال الدنيا ما دمت صحيحاً تقدر على العمل بحاجة إلى أن تجمع بين الخوف والرجاء, وأن تغلب جانب الخوف, وأن تنسى ما قدمت من أعمال صالحة, فإنك لا تدري ما فيها من الشوائب, وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ [المؤمنون:60-61].

    هذه هي الثمرة يا إخوان! ثمرة الخوف والرجاء المسارعة إلى الخيرات, وما دام الإنسان يسارع، فإنه من السابقين بإذن الله, أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ [المؤمنون:61].

    نريد بهذا أيها الإخوة! ألا نتكل على ما كان منا من أعمال حسنة قدمناها في مواسم الخيرات في أيام رمضان ولياليه، ونتكل على ما فعلناه من ركيعات في ليالي رمضان, أو صيام في نهار رمضان, ثم نتكاسل بعد ذلك عن أداء حقوق الله الواجبة من فعل الفرائض أو ارتكاب المحرمات، والحسنات يدفع بعضها بعضاً, كما أن السيئات يهلك بعضها بعضاً.

    فهذه سنة الله عز وجل في عباده، الموفق من رجا وخاف وبادر وسارع إلى الله تعالى حتى يأتيه الأجل وهو على ذلك، فإذا جاءه المرض وحان فراق هذه الدنيا, فهناك يؤمل الإنسان بعفو الله ورحمته, وينسى ما كان منه من تقصير وذنوب, ويموت وهو يحسن الظن بالله, كما قال عليه الصلاة والسلام: ( لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن بالله الظن ), وجاء في سنن الترمذي : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على شاب يعوده وهو مريض مرض الموت, فقال له: كيف تجدك؟ قال: أجدني خائفاً من ذنوبي, راجياً رحمة ربي، فقال: ما اجتمعا في قلب عبد في مثل هذا الحال إلا أدخله الله الجنة ).

    نسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى أن يجعلنا من أهل الجنة، وأن يرزقنا صحة الاعتقاد, وصحة القول والعمل.

    يا حي يا قيوم! برحمتك نستغيث، أصلح لنا شأننا كله, ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.

    رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201].

    اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها برحمتك يا أرحم الراحمين.

    ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

    اللهم اهدنا لأحسن الأعمال لا يهدي لأحسنها إلا أنت, واصرف عنا سيئ الأعمال والأخلاق لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.

    اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات, الأحياء منهم والأموات, إنك سميع قريب مجيب الدعوات.

    اللهم اغفر لمن حضر هذه الجمعة ولوالديه, وافتح للموعظة قلبه وأذنيه, أنت ولي ذلك والقادر عليه.

    اللهم انصر عبادك المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين!

    اللهم أعنهم ولا تعن عليهم، وانصرهم ولا تنصر عليهم, وكن لهم ولا تكن عليهم يا قوي يا عزيز!

    اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحين.

    اللهم عليك بأعداء دينك فإنهم لا يعجزونك, يا قوي يا عزيز.

    اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755975510