إسلام ويب

شرح زاد المستقنع باب قتال أهل البغي [1]للشيخ : محمد مختار الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من المعلوم لدينا أننا في زمن الفتن التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم، ومما يميز هذه الفتن كثرة ظهور أهل البغي، الذين يتكلمون في العلماء والسلف، وقد يؤدي بهم هذا إلى فعل الخوارج، لذا لزم معرفة من هم الذين يحكم أنهم أهل بغي وما هي شروطهم، ومتى كان أول ظهور لهم في أمة الإسلام.

    1.   

    قتال أهل البغي

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

    صور الخروج على الإمام وجماعة المسلمين

    فيقول المصنف رحمه الله: [باب: قتال أهل البغي].

    تقدم تعريف القتال، أما البغي فأصله الاعتداء، ومجاوزة الحد والعلو والاستطالة، هذه كلها معانٍ ذكرها أئمة اللغة رحمهم الله، يقال: (بغى) إذا طغى وجاوز الحد في أذية الناس وأذية الغير، وبغى على فلان إذا استطال عليه.

    وقوله رحمه الله: [باب قتال أهل البغي] البغاة هم الخارجون عن إمام المسلمين وجماعته، ويوصف هذا الباب بباب قتال أهل البغي، أو باب أهل البغي، كما يعبر بذلك بعض العلماء رحمهم الله، وظاهر صنيع المصنف رحمه الله أنه ربط بين باب الحرابة وباب قتال أهل البغي، وحينئذ تكون المناسبة كالآتي: وهو أن الخروج على الإمام وجماعة المسلمين له صورتان:

    الصورة الأولى: أن يكون الخروج بدون تأويل سائغ، بمعنى أنه لا يكون هناك شبهة ولا تأويل، كما سيأتي تفصيله إن شاء الله.

    والصورة الثانية: أن يكون الخروج بتأويل وشبهة.

    فأما ما كان بدون تأويل وشبهة فهو خروج المحاربين، وقد بينه رحمه الله وانتهى من أحكامه التي فصلناها فيما مضى.

    وأما الخروج بشبهة وتأويل فهو الذي يعتني العلماء رحمهم الله ببيانه في باب قتال أهل البغي، فلما انتهى من بيان حكم الحرابة شرع في بيان قتال أهل البغي، والمناسبة من هذا الوجه واضحة، حيث يجتمع البابان في حكم الخروج، فينفرد الباب الأول بأنه خروج من دون تأويل، والباب الثاني بأنه خروج بتأويل وشبهة.

    ومن أهل العلم رحمهم الله من فصل بين البابين، وجعل قتال أهل البغي منفرداً عن باب الحرابة، ولكن يلاحظ أن العلماء رحمهم الله ذكروا باب قتال أهل البغي في كتاب الجنايات، وجعلوه متصلاً بالحدود والجنايات.

    والسبب في هذا أن البغاة والخارجين عن جماعة المسلمين قد جنوا جناية شرعية توجب عقوبتهم بالقتل، كما سيأتي إن شاء الله تفصيله؛ وذلك لورود النصوص في الكتاب والسنة بمعاقبتهم بذلك، قطعاً لدابرهم واستئصالاً لشأفتهم، ودفعاً لمفاسدهم وشرورهم عن الإسلام والمسلمين؛ فهذه العقوبة تتصل بباب الجنايات من جهة المؤاخذة على الفعل في كل منهما، ومن هنا يعتني العلماء رحمهم الله بذكر قتال أهل البغي في كتاب الجنايات من هذا الوجه.

    فمنهم من يقدمه كما يفعل بعض أئمة الشافعية، ومنهم من يؤخره كما يفعل أئمة الحنابلة رحمة الله على الجميع.

    ومما ينبغي التنبيه عليه: أن الخروج على الأئمة من حيث الأصل فيه جانبان:

    الجانب الأول: التقعيد والتأصيل لمسألة الإمامة وشروط الإمام والإمام العدل، والطائفة المتعلقة به وهم الذي يسمون بأهل العدل.

    الجانب الثاني: ما يتعلق بعقوبة الخروج عن هذه الجماعة.

    فأما بالنسبة للفقهاء والمحدثين رحمهم الله فقد تناولوا جانب العقوبة وهذا هو المتصل بكتاب الجنايات، وهو محل حديثنا.

    وأما الإمامة فهذا من شأن أئمة العقيدة، يبحثونه في مسائل العقيدة تقريراً لمنهج أهل السنة والجماعة رحمهم الله في وجوب لزوم جماعة المسلمين، وعدم الخروج على الأئمة، وتقعيد ذلك وتأصيله بنصوص الكتاب والسنة.

    ومن هنا نجد الفقهاء رحمهم الله يبحثون في هذا الباب عن: متى تكون العقوبة؟ وما هي الشروط التي ينبغي توفرها لمعاقبة أهل البغي؟ وماذا يجب على الإمام أن يصنع؟ وكيف تتم محاورتهم؟ ونحو ذلك من الأمور المتعلقة بمواجهة هذا البلاء، ولكن لا يبحثون في باب الإمامة لاتصاله بالعقيدة أكثر من اتصاله بالفقه.

    ومن هنا سيكون الحديث عن موجب وسبب الجناية، ثم بعد ذلك العقوبة المتعلقة بالخروج، وهذا شأنه شأن بقية الجنايات التي ذكرناها في الحدود والقصاص.

    معالم أهل البغي

    يقول رحمه الله: [باب: قتال أهل البغي] سيذكر المصنف رحمه الله ضابط البغي، وهذا يتعلق بالتعريف الاصطلاحي، وسنؤخره إلى أن يذكره رحمة الله عليه.

    فالبغاة لهم ضوابط ذكرها العلماء أشبه بالتعريف لأهل البغي من جهة الاصطلاح: وهم القوم الخارجون على الإمام وجماعة المسلمين، ولهم شوكة ومنعة بتأويل وشبهة.

    هذه أهم المعالم التي ينبغي توفرها للحكم على من خرج بكونهم بغاة وآخذين حكم أهل البغي.

    قوله: [إذا خرج قوم لهم شوكة ومنعة على الإمام بتأويل سائغ فهم بغاة]

    ذكر أربعة شروط:

    الشرط الأول: الخروج على الإمام وجماعة المسلمين.

    الشرط الثاني: أن يكونوا قوماً وجماعة ذات عدد على تفصيل عند العلماء رحمهم الله في هذا الموضع.

    الشرط الثالث: أن تكون لهم شوكة ومنعة.

    الشرط الرابع: أن يكون عندهم تأويل سائغ، أو كما يقول بعض العلماء: عندهم شبهة.

    فهذه أربعة شروط لابد من توفرها للحكم بكونهم بغاة.

    وهناك من العلماء أو الأئمة -مذهب الشافعية وغيرهم- من ذكر اشتراط أن يبايعوا إماماً لهم، أي: ينفردوا بإمام، وهذا اختلفت فيه أنظار العلماء، فمنهم من اشترط ذلك لمقاتلتهم، ومنهم من قال: إنه ليس بشرط أصلاً، فإن مجرد خروجهم وانعزالهم عن جماعة المسلمين، وكونهم لهم شوكة ومنعة، يكفي للحكم بأنهم أهل بغي، ولا يشترط أن يكون لهم إمام، وهذا أقوى في الحقيقة.

    1.   

    تاريخ الإمام علي مع الخوارج

    قوله رحمه الله: [إذا خرج قوم]:

    الخروج معتبر للحكم بكونهم بغاة، والأصل في ذلك أن الخوارج خرجوا على علي رضي الله عنه وجماعة المسلمين، ومن هنا ذكر العلماء رحمهم الله أن حد الحرابة وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بالعرنيين، والبغي وقع في زمان علي رضي الله عنه بخروج الخوارج عليه، وإن كان من أهل العلم من يذكر بعض النماذج في حرب الردة تتعلق بطوائف كانوا في حكم أهل البغي، ولذلك يرون أن الخروج أول ما حدث في عهد أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه.

    ولكن خروج الخوارج على علي رضي الله عنه، ووصف النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الطائفة -طائفة الخوارج- بأنها مارقة، وأنها باغية، يقتضي أنهم أول من خرج.

    ويعتبر هذا الأمر من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أخبر عن هذه الجماعة قبل خروجها بأكثر من عشرين سنة، أو ما يقارب ربع قرن، ووصفهم بصفات وجدها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كاملة غير ناقصة، واضحة غير ملتبسة، حتى وصف منهم ذا الثدية ، وقصة علي في الصحيحين معه واضحة، وأنه وجده بين القتلى، فكبر وحمد الله عز وجل.

    صفات الخوارج كما جاءت بها الأحاديث

    وقد صحت النصوص في وصفهم كما في الصحيحين من حديث علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (سيخرج في آخر الزمان...) قوله: (في آخر الزمان) فسره علي رضي الله عنه بالخوارج، وقال بعض العلماء رحمهم الله: إن هذا لا يختص بزمان علي ، فإن علياً رضي الله عنه كانت عنده نصوص أخرى غير هذا الحديث.

    لكن لا ينبغي لطالب العلم أن يجعل هذه الصفة نصب عينيه، وأن يعلم الزمان الذي هو فيه، قال: (سيخرج في آخر الزمان أقوام حداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون بقول خير البرية، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية) حداث الأسنان: صغار السن.

    سفهاء الأحلام: في عقولهم ونظرهم سفه وخفة.

    يقولون بقول خير البرية: أي كلهم يدعي أنه صاحب سنة وأنه صاحب حق وأنه أولى بالكتاب والسنة.

    يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية: في اللفظ الآخر: (يقرءون القرآن) وفي لفظ آخر: (لا يجاوز الدين حناجرهم) أي: تجده يقول لك: أنا مسلم، أنا مؤمن، أنا على مذهب أهل السنة والجماعة؛ لكن لم يدخل الإيمان في قلبه، ولا يرقب لمؤمن حرمة، ولا يرعى فيه ذمة؛ لأنه لو كان في القلب إيمان، لكان أخوف ما يخاف من حدود الله عز وجل، وأبعد ما يكون من محارم الله؛ لأنه لا يعصم الإنسان -بعد توفيق الله عز وجل- شيء مثل الإيمان، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) فبين عظيم أثر الإيمان في القلوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن إيمانهم في ألسنتهم ولكن لم يستقر في قلوبهم.

    واليوم -ما شاء الله- في الإنترنت -ولا نسمي أشخاصاً معينين- تجد الطفل الصغير عمره 17سنة يمسك عالماً من أئمة السلف لكي يرمي به في جهنم وبئس المصير: (حداث الأسنان، سفهاء الأحلام) لأن مثل هذا لو نظر من هذا العالم الذي يكفره أو يبدعه أو يضلله، وماذا وضع الله له من القبول، وما نفع الله به أمة محمد صلى الله عليه وسلم لردعه عقله، لكن لا دين ولا عقل -نسأل الله السلامة والعافية-.

    هذه من صفاتهم وهذا أمر بسيط، لكن أعظم من ذلك ما كانوا عليه من الجد والاجتهاد في العبادة، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول كما في الصحيحين من حديث علي : (تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وقراءتكم مع قراءتهم) فكان الخوارج من أعبد الناس، وهم من أضل خلق الله، إذا جن عليهم الليل فما ترى منهم إلا قائماً، وإذا جاء النهار لا ترى فيهم إلا صائماً، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم كما في حديث علي : (تحقرون) وفي اللفظ الآخر : (ليست قراءتكم مع قراءتهم بشيء، ولا صلاتكم مع صلاتهم بشيء، ولا صيامكم مع صيامهم بشيء) نسأل الله السلامة.

    فلما سفهوا علياً رضي الله عنه، وأعرضوا عن علماء الصحابة، وتركوا الرجوع إلى أهل العلم، وأصبحوا يفهمون الدين بفهمهم وبأهوائهم وآرائهم؛ عندها زلت القدم، وعندها تكون العواقب الوخيمة؛ لأنه لا يمكن للإنسان أن يصل إلى الحق بدون عالم له بصيرة ونور.

    فالخوارج وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصفة، مع أنهم كانوا أعبد الناس، يقول ابن عباس -وهو الصحابي الجليل العابد الذي نام على فراش النبي صلى الله عليه وسلم-: لما دخلت عليهم هالني ما رأيت، رأيت وجوهاً مقرحة من كثرة السجود، وأيدي قد ذهبت من كثرة الجثية عليها في السجود، والركب تكاد تنمحي.

    ويقول أبو حمزة الشاري: في خطبته بقديد حينما أتى إلى مكة، وكان من الشراة وهم من أشد الخوارج، وكان يقال لهم: الشراة؛ لأنهم اشتروا الآخرة كما يزعمون، وقيل: اشتروا الجنة بقتل أنفسهم والجهاد، وقيل: لأنهم شراة من الشري بمعنى البيع؛ لأنه من الأضداد، كأنهم باعوا أنفسهم لله عز وجل؛ وكان الخوارج لا يعرفون الكذب، ويرونه كفراً؛ لأنه من الكبائر وهم يكفرون بالكبائر، فيصف أصحابه هذا الوصف العجيب الغريب، يقول: يا أهل الحجاز أتعيرونني بأصحابي، وتزعمون أنهم شباب؛ شباب مكتهلون في شبابهم، غضيضة عن الشر أعينهم، ثقيلة عن الباطل أرجلهم، أنضاء عبادة وأطلاح، قد نظر الله إليهم في جوف الليل منحنية أصلابهم على أجزاء القرآن، إذا مر أحدهم بآية فيها ذكر الجنة طار شوقاً إليها، وإذا مر بآية فيها ذكر النار شهق شهقة كأن زفير جهنم بين أذنيه، موصول كلالهم بكلالهم، كلال الليل بكلال النهار؛ حتى إذا رأوا السهام قد فوقت، والرماح قد أشرعت، والسيوف قد انتضيت؛ أقبل الشاب منهم قدماً حتى اختلفت رجلاه على عنق فرسه، وتخضبت بالدماء محاسن وجه، فيالله، كم من عين في منقار طائر طالما بكى صاحبها في جوف الليل من خشية الله، وكم من كف زالت عن معصمها طالما اعتمد عليها صاحبها في السجود بين يدي الله. اهـ.

    لقد كانوا أشد الناس عبادة وقرباً إلى الله عز وجل، وأمرهم في ذلك عجب، ومع ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية) إذاً: لا بد من العلم والبصيرة؛ كما نبه العلماء والأئمة رحمهم الله أن الفتن لا يعصم منها إلا الإيمان بالله عز وجل، والرعاية لحرمات الله سبحانه وتعالى، ورعاية حرمة المسلم وذمته والخوف من الله عز وجل، وتأدية حقوق العباد، ولا يكون ذلك إلا بالعلم والبصيرة.

    هذه الثلاث إذا جمعها الله للعبد سلم واستقام له دينه، خاصة في الفتن، نسأل الله بعزته وجلاله أن يعيذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

    نقمة الخوارج على علي بن أبي طالب

    أول ما ظهرت هذه الطائفة خرجت على علي رضي الله عنه، ونقمت عليه أموراً كفروه بها.

    وكان علي رضي الله عنه وأرضاه من السابقين للإسلام، ومن علماء الصحابة وفقهائهم، وهو أحد العشرة السابقين للإسلام، لقد تربى في بيت النبوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو تحت يده، وشهد المشاهد كلها، ومن العشرة المبشرين بالجنة، ومع ذلك يأتي من يقول له: أنت كافر.

    فانظروا كيف انطماس البصيرة، وتتبع الأهواء -نسأل الله السلامة والعافية- ولذلك كان أعظم شيء في الإنسان بصيرته، فإذا انطمست البصيرة صار كما أخبر الله : صُمٌّ بُكْمٌ [البقرة:18]، عَمُوا وَصَمُّوا [المائدة:71] ولذلك لما سئل علي رضي الله عنه عن كفرهم قال: (لا، ولكنهم قوم أصابتهم الفتنة فعموا وصموا)؛ تأتي للشخص تقول له: لماذا تتكلم في هذا العالم الجليل من أئمة السلف ومن دواوين العلم، فلا تجد عنده أذن صاغية، ولا بصيرة واعية، نسأل الله السلامة والعافية.

    من يستطيع أن يملك لأحد شيئاً! فإذاً ينبغي لكل إنسان أن يحذر هذه الفتن التي تقصم ظهور الناس، وتأخذ الإنسان أخذ عزيز مقتدر، ومن هنا قال الحكماء والعلماء: إن الفتن فيها حصاد المنافقين، ومن صفاتهم: فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ [الأحزاب:19]، فهذه البصيرة تنطمس والعياذ بالله في الفتن، ومن هنا قيل لـعلي : أكفارٌ هم؟ قال: (لا، ولكنهم قوم أصابتهم فتنة فعموا وصموا) أي: أصابهم العمى عن السبيل والصمم عن قبول الحق، نسأل الله السلامة والعافية.

    علي رضي الله عنه وأرضاه كان في منزلة عظيمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال فيه لما استخلفه على المدينة: (أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى) أي: في هذه الواقعة تكون كما استخلف موسى أخاه هارون على قومه، وليس المراد به إلغاء خلافة أبي بكر كما يقول بعض أهل البدع، إنما المراد بيان منزلته رضي الله عنه ومكانته.

    ومع هذا كله يقال له: إنه كافر، وهنا وقفة لكل طالب علم، ولكل مؤمن يؤمن باليوم الآخر؛ أن أهل الفضل لا ينالون الفضل إلا بالله ثم بهذه الألسنة الحداد، ومن الأمور العجيبة الغريبة أن الله ما زاد أهل الحق إلا قوة مع ضعفهم بين الناس، ولا زادهم إلا عزة في إذلال الناس لهم، ولا زادهم إلا كرامة في امتهان الناس لهم، حتى كان بعض العلماء يقول: أتمنى دائماً أن يخرج من يتكلم فينا؛ لأننا ما وجدنا أحداً يتكلم فينا إلا رفعنا الله، فأصبح يحب أن يستكثر من هذا الشيء، من عظيم ما وجد؛ لأنه ما وجد في السلف الصالح ولا الأنبياء ولا المرسلين إلا من بدع وضلل، وكفر أخرج من الملة، وكأن مفاتيح الجنة بأيدي هؤلاء.

    يقال لـعلي رضي الله عنه إنه كافر؟ ألا شاهت الوجوه! يدخل عليه الرجل وهو يصلي في المسجد واقف بين يدي الله، فيتلو قول الله عز وجل: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65] قاتله الله، كأنه يقول له: تصلي أو لا تصلي فعملك قد حبط، أعوذ بالله! بكل جرأة وبكل سفه ووقاحة؛ لأن هذا هو سبيل الشيطان.

    والذي لا تجد فيه أدباً، ولا رعاية لحقوق الله وحدوده، فاعلم أنه على سبيل الشيطان ولذلك قصد ذلك الخارجي علياً بقوله: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65] يخاطب علياً رضي الله عنه وأرضاه وهو الذي سال دمه في سبيل الله عز وجل، وهو الذي فدى رسول الله صلى الله عليه وسلم بروحه، وهو المبشر بالجنة رضي الله عنه وأرضاه، وهذا لنعلم مدى خطورة الهوى على أهله، فنسأل الله بعزته وجلاله أن يعيذنا من هذه الفتن.

    وفي هذا سلوة لكل طالب علم، ولكل داعية،ولكل خطيب، ولكل إمام مسجد حينما يسمع أهل حيه يتكلمون فيه أو ينتقصون، فلا يبالي بهذا، بل يستبشر؛ لأن وجود الصفات التي تبوئ الإنسان مبوأ صدق، قد تكون إن شاء الله من بشائر القبول أو من علامات القبول : لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ [الأنفال:42] جعلني الله وإياكم هداة مهتدين، وأعاذنا من فتن المفتونين وإرجاف المرجفين.

    إرسال ابن عباس لمناظرة الخوارج

    إذاً: هم آذوا علياً وكفروه ونقموا عليه أموراً، فأرسل إليهم حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنه وأرضاه، وناظرهم ابن عباس رضي الله عنه كما في الرواية الصحيحة فسألهم: ما ينقمون عليه؟ قالوا: حكم الرجال والله يقول: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ [الأنعام:57].

    وقالوا: إنه لم يسب أهل الجمل في وقعة الجمل، فإن كانوا على حق فلم قاتلهم؟ وإن كانوا على غير حق، فلم يمنع من حق الله فيهم من سبي نسائهم وذراريهم؟

    وأما الأمر الثالث قالوا له: إنه محا نفسه عن إمرة المؤمنين، فهو إما أمير المؤمنين أو أمير الكافرين. قاتلهم الله!

    هذه ثلاثة أمور جادلهم فيها عبد الله بن عباس رضي الله عنه! ورد عليهم فقال: أما ما قلتم من تحكيم الرجال، فإن الله تعالى يقول: فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا [النساء:35] أكان هذا كفراً؟! الله عز وجل رضي بتحكيم الرجال، فهل تحكيم الرجال على مذهبكم كفر؟! إذاً كيف يأمر الله عز وجل به.

    ورضي بحكم العدلين في جزاء صيد أرنبة فقال : يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ [المائدة:95] قال: أكان هذا كفراً؟! فما بقي على قولهم إلا أن يكفروا رب العالمين -ونعوذ بالله-! فأفحمهم بهذا ورد الأولى.

    أما الثانية فقال لهم: أنتم تقولون إنه كفر لأنه محا نفسه عن إمرة المؤمنين، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية قال لـعلي: (اكتب: هذا ما عاهد عليه محمد رسول الله، قال سهيل: لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك، فأمر بأن تمحى من الكتاب، وامتنع علي من محوها، فمحاها النبي صلى الله عليه وسلم بيده) أكان هذا شكاً في الرسالة؟! إذا كانت محيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يطعن ذلك في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف بما هو دون ذلك، فإن ذلك لا يستلزم أن الإنسان على ضلال.

    وأما الثالثة: وهي قولهم: قاتل ولم يسب، فقال لهم: إن الله تعالى يقول: وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ [الأحزاب:6] فهذه أمكم بنص القرآن، إن سبيتموها فلن تكون أماً، بل تكون سرية وحينئذ تكفرون، وإن لم تسبوها؛ فهذا ما فعله علي رضي الله عنه. فألقمهم حجراً.

    بعد أن ناظرهم عبد الله بن عباس رضي الله عنه رجع منهم ألفان، وكان ذلك من قوة حجته رضي الله عنه وعلمه بكتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم.

    وهنا وقفة أنه ينبغي على طالب العلم وعلى كل مسلم، أن يعلم أن الفتن تأتي بأمور ملتبسة، قد تسمع الدليل والحجة، وقد تسمع من يتكلم بإيراد الشبه والأدلة، ولكن لا يكشف عوار هذه الأدلة وهذه الحجج إلا أهل البصيرة كما قال الإمام ابن القيم حينما بين أسباب الهدى:

    نص من كتاب وسنة وطبيب ذاك العالم الرباني

    إذاً: الكتاب والسنة تحتاج إلى طبيب، وليس كل من يحتج بالكتاب والسنة يقبل احتجاجه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول عنهم: (يقولون بقول خير البرية، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية) فتبين أنه ليس كل من يحتج يقبل احتجاجه، ولا يمكن أن يكشف عوار النقص والهوى إلا أهل العلم والبصيرة، ولا يقبل الاحتجاج إلا ممن عرف منه سداد منهجه واستقامة دينه في فهم كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وعدم فهم نصوص الكتاب والسنة على وفق هواه؛ لأن الاحتجاج بالكتاب والسنة لن يصيب أحدٌ فيه الحق إلا بالأمانة، والأمانة أن يكون تقياً نقياً ناصحاً لأمة محمد صلى الله عليه وسلم فيما يستدل به.

    مقاتلة علي بن أبي طالب للخوارج

    عندما خرج الخوارج عن جماعة المسلمين وإمامهم، وكانت لهم شوكة ومنعة، وحدث فيهم أنهم قتلوا وتعرضوا لحرمات المسلمين، فإن علياً رضي الله عنه استحل قتالهم وأمر بقتالهم؛ من ذلك أنهم قتلوا عبد الله بن خباب بن الأرت ابن الصحابي الجليل، وكان قد ولاه علي على النهروان، فجاءوا إلى عبد الله وسألوه عن رأيه في الشيخين، فأثنى خيراً، ثم سألوه عن رأيه في عثمان ، فأثنى خيراً، ثم سألوه عن علي رضي الله عنه فأثنى عليه خيراً.

    ففي بعض الروايات أنهم قتلوه بعد ثنائه على علي رضي الله عنه؛ لأنهم يرون أنه كافر، وبعض الروايات أنهم قتلوه حينما مروا على خراج ظاهر النهروان، فوجدوا تمرة لمعاهد، فأراد أحدهم أن يأكلها، فقال قائل: هذه تمرة معاهد، أي: كيف تأكل تمر معاهد، والمعاهد له حرمة، فقال: ويحكم! لدمي أعظم عند الله من هذه التمرة، تتورعون عن تمرة ولا تتورعون عن دمي -نسأل الله السلامة والعافية- فغضبوا عليه وقتلوه، وهذه الرواية لـابن أبي شيبة في مصنفه.

    فالشاهد من هذا أنهم لما قتلوه آذنهم علي رضي الله عنه بحرب، وخرج لهم رضي الله عنه وأرضاه وقاتلهم، وما زال العلماء وأئمة السلف رحمهم الله على إنكار بدعتهم وخروجهم، وهذا أصل هذا الباب، وكثير من أحكام قتال أهل البغي أخذت من السنة الراشدة عن علي رضي الله عنه وأرضاه، في تعامله معهم وحكمه عليهم.

    1.   

    الأسئلة

    كيفية التعامل مع كل ما يزعزع وحدة المسلمين

    السؤال: لقد حرص الإسلام على وحدة الصف، وعدم تفرق الجماعة، ولذلك شرع قتال أهل البغي، فكيف يتأتى للمسلم أن يحافظ على جماعة المسلمين، وكيف يتعامل مع كل ما يزعزع ذلك أثابكم الله؟

    الجواب: باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد:

    فالنصوص في الكتاب والسنة واضحة في لزوم جماعة المسلمين، والسمع والطاعة لإمامهم، وجاءت النصوص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي من معجزاته التي تضمنت الخبر والإنشاء، حيث أخبر صلى الله عليه وسلم عما يكون بين يدي الساعة من فتن الأئمة، ومن حدوث الجور والظلم، وهضم الحقوق، ولكن أمر بالصبر ولزوم جماعة المسلمين وعدم الخروج عليهم، وهذا هو الأصل عند أهل السنة والجماعة.

    وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (على المرء المسلم السمع والطاعة) وقال الصحابي كما في أكثر من حديث: (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، وألا ننازع الأمر أهله)، وقال صلى الله عليه وسلم: (اسمعوا وأطيعوا وإن تأمَّر عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة) ولما ذكر صلى الله عليه وسلم أئمة الجور والظلم؛ قالوا: (يا رسول الله! أفلا نناجزهم بالسيوف؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة) وهذا نص صريح واضح في عدم الخروج.

    ومن نظر إلى حال السلف الصالح من الصحابة رضوان الله عليهم، والتابعين لهم بإحسان، يجد هذا جلياً واضحاً، ولا أظن أن هذا يخفى على أحد من طلبة العلم، ولكن ينبغي على طالب العلم مع هذا كله أن ينصح وأن يبين الحق، سواء كان لمن يخطئ، أو لمن يخرج عن جماعة المسلمين، فيحرص على بيان مذهب أهل السنة والجماعة له وتوضيحه.

    والواجب على الناس أن يلتزموا هذا الأصل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به، وبين أن صلاح الأمة موقوف عليه، ومن نظر في تاريخ الأمة وجد أن كثيراً من الحوادث والمصائب والفتن التي وقعت كانت عواقبها وخيمة، والناس ينبغي عليهم أن يلتزموا هذا الأصل الذي أجمع عليه سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين رحمهم الله أجمعين وألحقنا بهم غير خزايا ولا مفتونين، ولا مغيرين ولا مبدلين.

    أما الواجب على المسلم فهو أن يثبت على الحق، وعليه أن يدرك أن إرضاء الناس غاية لا تدرك، فإذا عرف الحق عمل به ولا عليه من أحد، وعليه أن يثبت وألا يضعف ولا يصيبه الخور، ولا ينتظر أن الناس تجتمع عليه، أو يكثر سواده، فالحق لا يكثر سواده، الحق يستمد قوته من نفسه، وعلينا أن ندرك أن هذا الكتاب المنزل على رسول الهدى صلى الله عليه وسلم كان فيه رجل واحد، كان في كهف مظلم، وأشرقت به دياجير الظُلْمِ والظُلَم من مشارق الأرض إلى مغاربها.

    نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار حراء وهو وحده صلوات الله وسلامه عليه، فابتدأ بواحد وانتهى بأمم لا يحصيها إلا الله جل جلاله، فالحق لا ينصره كثرة الناس أو كثرة الأتباع والأشياع؛ لأنه يستمد قوته من ذاته، وكل من قال بالحق فقد صدق، وكل من قال به وحكم به فقد عدل، وكل من لزم سبيله فقد استقام له دينه، وعليه أن يدرك أنه ما دام على هذا الأصل الذي دل عليه نص الكتاب والسنة، وسار عليه السلف الصالح لهذه الأمة، فليس عليه بعد ذلك من شيء، بمعنى أن الفتن التي تقع والإرجاف والتشكيك والتخذيل لا يلتفت إليه، ومن المعروف دائماً أن أهل الحق لا يمكن أن يخلو لهم زمان من فتن ومحن، فإن هذه الأمة ممتحنة.

    فعجب والله! خليفة راشد من العشرة المبشرين بالجنة هو عثمان رضي الله عنه يقتل في الشهر الحرام، في البلد الحرام، بجوار قبر النبي صلى الله عليه وسلم، صائماً، وهو ابن ثمانين سنة، على كتاب الله! أمة ممتحنة لكنها والله قوية، ومن ظن أنها ضعيفة فهو الضعيف، ومن ظن أنها مخذولة فهو المخذول، الحق لا يقوى بالناس ولا يقوى بالشعبية ولا يقوى بالكثرة، الحق يستمد قوته من ذاته: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ [الأنبياء:18] ما قال بأهل الحق: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ [الأنبياء:18].

    فعلى كل طالب علم وعلى كل إنسان إذا علم مذهب أهل السنة والجماعة في لزوم جماعة المسلمين ألا يلتفت إلى إرجاف المرجفين، ولا إلى تثبيط المثبطين، عليه أن يثبت وألا يبالي بأحد، وسيأتي اليوم الذي يرى فيه عاقبة ما ألهمه الله من صواب، وما حرمه من غيره.

    كذلك أيضاً على المسلم أن يبذل ما عنده، إذا رأى إنساناً يحتاج إلى النصيحة نصحه، كم من شباب من أبناء المسلمين ينتظرون من يبين لهم الحق والصواب والرشد، فإذا وجد أحداً يحتاج إلى التوجيه وجه ولا يشتغل بأهل الفتن، ولا يضيع وقته معهم؛ لأن مناظرة هؤلاء وكثرة مناظرتهم إذا لم يكن عند الإنسان علم لا يأمن أن يقع في قلبه شيء، وكان السلف الصالح رحمهم الله يحذرون من أهل الأهواء والجلوس معهم وكثرة مناظرتهم؛ لأنه لا يأمن الإنسان أن يقذف في قلبه شيء.

    إذا عرفت الحق فتمسك به، وهذا الذي تعبدك الله به، ولا يمنعك هذا أن تنصح من يستنصح، أو تقيم الحجة على من يجهل، أو تهدي من ضل، وأهم من ذلك كله هو أن تتمسك بالحق، وألا تلتفت إلى من يخذلك أو يثبطك عنه، نسأل الله بعزته وجلاله أن يثبتنا على ذلك، وأن يلهمنا الرشد.

    جماعة المسلمين أمرها عظيم، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من فارق الجماعة وترك الطاعة فمات؛ فميتته ميتة جاهلية) فعلى الإنسان أن يسأل جماعة المسلمين وإمامهم، وقال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح من حديث أبي هريرة في الأئمة والحكام: (يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم) أي: هم يتحملون الأخطاء ويسألون أمام الله عز وجل، ويحاسبون عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن على الإنسان أن يؤدي الحق الذي عليه.

    ومن هنا فالواجب على طالب العلم أن يتمسك بمذهب أهل السنة والجماعة، وأن يلزم هذا الأصل، وألا يبالي بمن يشككه أو يوهنه، فالحق يعلو ولا يعلى عليه، نسأل الله بعزته وجلاله أن يعيذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، والله تعالى أعلم.

    حكم الصلاة على بقية الأنبياء عليهم السلام

    السؤال: إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم يصلى عليه، فهل الأنبياء المتقدمون كذلك، أثابكم الله؟

    الجواب: مذهب العلماء وأئمة السلف رحمهم الله: الصلاة والتسليم على الأنبياء جميعاً، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ولذلك يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ويصلى على الأنبياء والرسل ويسلم عليهم، كما قال تعالى: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الصافات:181-182].

    فيسلم عليهم ويصلي عليهم، فصلوات الله وسلامه وبركاته عليهم أجمعين، ومن صلى على النبي صلى الله عليه وسلم وصلى على الأنبياء كتب له الأجر المضاعف؛ لأن صلاته على النبي صلى الله عليه وسلم بعشر، وكذلك إذا صلى على الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم كتب له الأجر الذي جعله الله لمن صلى على الأنبياء، صلوات الله وسلامه وبركاته عليهم أجمعين، والله تعالى أعلم.

    حكم إعادة الأذان إذا نسي المؤذن أحد ألفاظه

    السؤال: إذا نسي المؤذن قول: (الصلاة خير من النوم) في أذان الفجر، هل يلزمه إعادة الأذان؟

    الجواب: يرجع إلى هذا الموضع ويقول: (الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله) بشرط ألا يطول الفاصل، طولاً متفاحشاً، أما لو أنه أذن ونسي (الصلاة خير من النوم)، ثم أطفأ المكرفون ثم تذكر مباشرة، فعليه أن يشغل المكرفون ويرجع ويعيد العبارة.

    وهكذا لو أنه أذن وانتهى، ثم مضى أو جلس، وتذكر بعد عشر دقائق أو سبع دقائق؛ فإنه يقوم ويقول القدر الذي نسيه سواء في الشهادتين أو الحيعلة، أو الصلاة خير من النوم، يقولها تامة كاملة، ويستدرك ما فاته، وهذا مذهب البناء، وهو مذهب الجمهور رحمهم الله.

    ولو احتاط بإعادة الأذان فهذا أفضل، لكن المنصوص عليه في مذهب جمهور العلماء رحمهم الله أنه يعيد الجملة التي نسيها ما دام أنه لم يقع الفاصل المؤثر، والله تعالى أعلم.

    حكم الطلاق قبل الدخول

    السؤال: يقول السائل: طلقت زوجتي قبل الدخول، فهل تعتبر هذه الطلقة الأولى أم هي الأخيرة، وماذا علي إذا أردت الرجوع إليها؟

    الجواب: إذا طلقت المرأة قبل الدخول فهذه طلقة بائنة، والطلاق ينقسم إلى قسمين:

    طلاق بائن، وطلاق رجعي.

    الطلاق الرجعي: هو الذي يملك فيه الزوج ارتجاع زوجته بدون عقد بل وبدون رضاها، وهو الطلقة الأولى والطلقة الثانية بشرط أن تكون المرأة مدخولاً بها.

    فإذا طلقها الطلقة الأولى، أو طلقها الطلقة الثانية، ولم تخرج من عدتها، وكان قد دخل بها؛ فإنه يحق له أن يراجعها ما دامت في العدة، وهذا يسمى الطلاق الرجعي، والأصل في ذلك قوله تعالى : وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا [البقرة:228].

    وأما الطلاق البائن فينقسم إلى قسمين: البائن بينونة صغرى، والبائن بينونة كبرى.

    البائن بينونة صغرى: هو الذي لا يملك الزوج فيه ارتجاع زوجته إلا بعقد جديد، وهو الطلاق قبل الدخول، وطلاق الخلع على الصحيح من أقوال العلماء، لقول النبي عليه الصلاة والسلام في قصة المخالعة: (اقبل الحديقة، وطلقها تطليقة)، فإذا عقد على امرأة ولم يدخل بها ثم حصل ما حصل فطلقها، فإنها تبين منه، ولا يجب عليها أن تعتد؛ لأنه ما دخل بها، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ [الأحزاب:49] هذا طلاق قبل الدخول: فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا [الأحزاب:49] وهذا يسمى بالطلاق البائن بينونة صغرى.

    والبائن بينونة كبرى: هو الذي يطلق الطلقة الثالثة، فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره.

    فإذا طلقت قبل الدخول فلا ترجع إليك إلا بعقد جديد وبمهر جديد، وكأنها أجنبية منك.

    ولكن إذا وقعت هذه الطلقة فإنها تحتسب طلقة واحدة ولا تحتسب ثلاث طلقات، وهذا بإجماع العلماء رحمهم الله، فقد أجمعوا على أن الطلاق قبل الدخول إذا كانت طلقة واحدة لم يطلق قبلها أنه لا يوجب الثلاث، وإنما هي طلقة واحدة تبين بها المرأة، ويجب عليه أن يعقد عليها من جديد إذا أراد أن ينكحها، والله تعالى أعلم.

    حكم طاعة الوالد في تأخير زواج الولد مع حاجة الولد للزواج

    السؤال: إذا كان الشاب في حاجة ماسة إلى الزواج، وقال والده: اصبر بعد سنة أو سنتين، فهل يطيعه أم أنه يقدم على الزواج؟

    الجواب: بالنسبة لهذه المسألة فيها جانبان:

    الجانب الأول: إذا كان يخشى الفتنة، وغلب على ظنه أنه قد يقع في الحرام؛ وجب عليه أن يقنع والده، ولا يجب عليه أن يسمع ويطيع لوالده، وليس هذا بمؤثر في البر إذا غلب على ظنه أنه سيقع في الحرام، ففي هذه الحالة يتزوج، ولكن يحرص على إقناع والده، وعلى رضا والديه؛ حتى يبارك الله له في زواجه.

    وإذا أصر الوالد على موقفه، فعليه أن يشرح له بكل تفصيل، وإذا عجز عن إقناع والده؛ فليكلم أعقل الناس في أسرته، وأكثرهم تأثيراً على والده كإمام المسجد -مثلاً- أو يكلم رجلاً صالحاً يأتي إلى والده ويشرح له ظروفه، وأنه يخاف الفتنة، فإذا بذل كل هذا وأصر الوالد على موقفه، فإنه حينئذ يجوز له أن يتزوج.

    وأما الجانب الثاني: أن يمكنه الصبر وأن يتحمل، فحينئذ يصبر، وإذا كان والده طلب منه الصبر، فلعل في تأخير الزواج خيراً له من الله عز وجل، فيرضى برأي والده ووالدته، فيصبر ويتصبر.

    وهنا تنبيه: بالنسبة للزواج هو سنة، ولكن لو أن كل طالب علم يأتي ويقول لوالده: أخاف الفتن، فإن الوالدين لهما هدف بتأخير الزواج، خاصة وأن الوالدين هما اللذان سيتحملان مسئولية الزواج، ففي بعض الأحيان قد تقع ظروف مالية فيخشى الإحراج فيها ويخشى أن يتحمل الدين، فإذا أمكن الابن أن يرفق بوالديه، وأن يتقبل من والديه تصبيره فليصبر، وهذه الفتن التي يخاف منها ما تأتي إلا لمن يشتغل بها.

    طالب العلم أو الإنسان في دراسته، إذا أقبل على العلم واشتغل بالعلم وأعطى العلم كليته بارك الله له، وصرف الله همته حتى يأتي الوقت المناسب لزواجه ما دام أن والديه يريدان منه أن يؤخر الزواج، فحينئذ ينال العلم، وينال رضا والديه.

    وأما أن يقول دائماً: أنا في فتن، أنا في فتن ويكبر الأمر، فمن كبر الفتنة كبرت عليه، وعلى طالب العلم أن يشتغل بما يفيده قدر المستطاع، وطالب العلم إذا حرص على أن يكون في نهاره مراجعاً للعلم مذاكراً له، وفي ليله أن يكون له قسط من قيام الليل، ويستعين بعد الله بالصيام؛ كصيام الإثنين والخميس، وثلاثة أيام من كل شهر؛ فلن تبقى أمامه فتنة، وهذه الأمور إذا أعرض عنها تعرض عنه، ولكن إذا ذهب يشتغل بها ثم يقول: عندي فتن عندي فتن، أنا لا أستطيع أن أصلي، وقد يكون في المسجد الحرام..!

    أخي اذهب وغض بصرك، واشتغل بما يفيدك، جرب واخرج من بيتك وأنت تتلو القرآن واشتغل بمعاني القرآن، وانظر هل تجد فتنة أو لا، إذا كان هذا الطريق فيه فتن فهناك طريق آخر ليس فيه فتن.

    والإشكال أن البعض يضخم هذا الأمر ويحاول أن يدخل أو يقحم على نفسه الفتنة، فمن المجرب أن من اشتغل بما ينفعه وبما يفيده وانصرفت كليته لله، لا يجد ألم ولا ضرر هذه الفتن، وهل تجد نفساً زاكية راضية مطمئنة لكلام الله وكلام رسوله مشتغلة بذكر الله عز وجل تصيبها فتنة، حتى لو أصابته فتنة فعليه أن يستغفر فيحفظه الله عز وجل، وأن يستعيذ فيعيذه الله عز وجل.

    فعلى طالب العلم أن يكون كما ينبغي أن يكون عليه طالب العلم، ولا يعني هذا التقليل من أمر الزواج أو صرف الناس عن الزواج، فالزواج خير وبركة وسنة، ولا يلتفت لمن تركه ولو كان من أعلم الناس، وعليه أن يتبع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وكما قال الإمام مالك : ليس كل الناس يستطيع أن يبدي عذره، فالإنسان يبحث عن السنة ويبحث عن العفة ويبحث عما يصونه، ويحصن فرجه، ولكن لا يبالغ في قضية الفتن، فالفتن حصاد لمن اشتغل بها، ومن قرب منها.

    نسأل الله بعزته وجلاله أن يصرفنا عنها وأن يسلمنا منها ومن أهلها، والله تعالى أعلم.

    نصيحة في كيفية استغلال العطل والإجازات

    السؤال: كيف يستغل المسلم على وجه العموم، وطالب العلم على وجه الخصوص وقته في العطل والإجازات؟

    الجواب: أفضل ما تستغل به العطل طاعة الله عز وجل، وبالاختصار يكون له ورد من طاعة الله عز وجل يتبع فيه سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

    بمعنى أنه إذا جاءت العطلة فليحرص الإنسان على عدم ترك أذكار الصباح والمساء؛ لأنه ما عنده شغل، فيحرص على ذكر الله عز وجل في صباحه ومسائه بجميع ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحرص على صيام الإثنين والخميس، ويحرص على صيام الأيام البيض، والثلاثة الأيام من كل شهر.

    يحرص بعد هذا على كثرة تلاوة القرآن، وعلى أداء الفرائض في أفضل أحواله، بمعنى أنه أيام الشغل تفوته الركعة والركعتان، ولربما تفوته الصلاة -نسأل الله السلامة والعافية- لكن عيب عليه في العطلة أن تفوته الصلاة، فمن الناس من لا يؤذن المؤذن إلا وهو في المسجد، ومنهم من يحرص على الصلوات الخمس في الصفوف الأول.

    وقد يقال: ما فائدة الحرص على الطاعة أثناء الفراغ؟

    ونقول: الفائدة أنك إذا فعلت الطاعة أثناء الفراغ ثم شغلت؛ كتب لك الأجر كاملاً؛ أي أنك إذا كنت أثناء العطلة، تري الله من نفسك قيام الليل وصيام النهار والحرص على الطاعات على أكمل وجوهها، فأنت تعلم أن الصف الأول أفضل، وأن تكبيرة الإحرام أفضل، وأن الخشوع عند قراءة القرآن أكمل وأعظم أجراً، والآن أنت في فراغ، فأثناء عملك ودراستك قد تقول: عندي شغل، وإن كان والله لا ينبغي أن يشغل عبد عن طاعة الله، ولا ينبغي أن يحجب المرء عن ذكر الله عز وجل، وألا تشغله الدنيا عن الآخرة.. لكن نقول لك: في أثناء فراغك إذا حرصت على هذه الأعمال الصالحة، ثم جاءك شغل عنها؛ كتب لك الأجر كاملاً.

    ولذلك يجلس طالب العلم أو المشغول طيلة شغله وهو يتألم ويتأوه، حينما تفوته الركعة من الصلاة، بل يتأوه ويتألم إذا فاتته تكبيرة الإحرام، فإذا بالله يبلغه الأجر كاملاً.

    ولو أن الشاب في عُطَلِه حرص على إتمام الطاعة، ثم لا قدر الله صار له حادث، فأصابه شلل؛ كتب له الأجر مدة عمره كله، من كان في صحته على طاعة واستقامة ثم مرض؛ كتب له الأجر كاملا،ً ومن كان في شبابه على استقامة وطاعة ومداومة على الخير، ثم هرم وكبر؛ كتب له الأجر كاملاً: ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ [التين:5-6] قال بعض أئمة العلم: هو الرجل يشيب ويكبر وقد كان في شبابه حريصاً على طاعة الله، ومعنى (غَيْرُ مَمْنُونٍ): غير مقطوع، فيكتب له أجر شبابه كاملاً؛ لأن الله علم منه لما جاءته القوة والصحة أنه ما فرط، ما ذهب يعبث بها في الفساد، إنما ذهب يستغلها في طاعة الله ومحبة الله.

    فالأصل العام أنه يجب أن يكون الإنسان كاملاً أو قريباً من الكمال في الاستقامة والطاعة والخير والذكر، والبر، ومحبة الله سبحانه وتعالى.

    وأيضاً أن يحذر من إضاعة العطل في معاصي الله عز وجل، فكما أننا ننبه على هذا الجانب من الخير ننبه على ضده من الشر، كالسفر إلى الخارج، وأعظم من ذلك أخذ الأبناء والبنات وتعويدهم على السفر إلى بلاد فيها فساد، وتعويدهم على التكشف والعري، هذا أمره خطير وشأنه عظيم، ولذلك يحمل فيه الوالد المسئولية أمام الله عز وجل، فكل خائنة عين وكل زلة قدم، وكل طيش يكتب عليه وزر ذلك: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ [العنكبوت:13]. إذا ضيعوا حق الذرية في النصيحة.

    فحرام على الرجل أن يجر ذريته إلى الهلاك، وأن يجر عرضه وأهله إلى الفساد والدمار، فعليه أن يتقي الله عز وجل، ولذلك لا تجد العواقب الحميدة لمن أضاع وقته وفراغه في غير مرضاة الله عز وجل، وليأتين يوم يبكي فيه على هذا، حتى إن بعضهم عود أبناءه السفر في العطلة إلى الخارج، فلما كبر وشاخ أصبحوا يتركونه في البيت وحده، ثم يسافرون ولا يبالون به: جَزَاءً وِفَاقًا [النبأ:26] هذه ثمرة غرسه ونتاج فعله.

    فإذاً: ينبغي على الإنسان أن يحرص على المحافظة على أوقات العطلة في طاعة الله عز وجل والبعد عن محارم الله عز وجل.

    ومن الأمور التي يوصى بها عموماً أيضاً: أن يبارك هذه العطلة بالعمل الصالح، السفر لزيارة الوالدين، السفر إلى الأعمام والعمات والأخوال والخالات والقرابات، تجلس بينهم وتسلم عليهم، وتصل رحمك، تسأل عن أحوالهم، حتى إذا وجدت ابن عم لك مديوناً؛ تسدد دينه، أو محتاجاً تسد حاجته، أو ذا فاقه تعينه وتواسيه، ونحو ذلك من الأمور الطيبة الصالحة التي تعود عليك بالخير في دينك ودنياك وآخرتك.

    كذلك أشغل العطلة بالسفر إلى العمرة، ونحو ذلك من الأعمال الصالحة التي يستحب للإنسان أن يعمر وقته وعمره بها.

    أما بالنسبة لطلاب العلم -باختصار- فليس هناك أفضل من مراجعة العلم ومذاكرته، يحاول طالب العلم أن يضع له جدولاً يراجع فيه هذا العلم، ويضبطه قدر المستطاع ليكون حافظاً للعلم.

    الأمر الثاني: أن يحرص على أن يشوب هذا العلم بشيء من العبادة، فطالب العلم أثناء السنة قد يكون مضغوطاً، لكن إذا جاءت العطلة فيحرص على أن يختم القرآن كل ثلاث ليال، يقرأ القرآن ويجعل له ورداً في أول النهار، أو في آخر النهار أو في وسط النهار، ويجعل له ورداً في الليل، ولأنه لا يستطيع أن يقوم في السحر في غير العطل، فيعزم وينفذ ذلك في العطل، فيقوم السحر ويحاول أن يستكثر من الخير، وأن يعود نفسه على بكاء واستغفار الأسحار، وتلاوة القرآن في جوف الليل، ونحو ذلك من الأعمال الصالحة، فإذا وفق الله طالب العلم للعلم والعبادة بورك له في عطلته، ولا نستطيع أن نضع للناس منهجاً معيناً؛ لأن الناس تختلف، والقرآن والسنة فيهما الأمر بالقواعد العامة، ولم يفصل فيهما؛ لأن الناس تختلف أحوالهم وتختلف ظروفهم.

    وعلى طالب العلم أن يبحث عن شيء يصل به إلى هدف ضبط العلم، وأن يستشعر أنه مؤتمن على دين أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى علمه، فعليه أن يري الله من نفسه خيراً، فيراجع حفظ القرآن، ويحاول كل ثلاث ليال أن يختم، ويحاول أن يقرأ قراءة المتدبر المتأمل؛ لأنه خلال السنة لا يجد وقتاً لتدبر القرآن، فيقتطع وقتاً من يومه أو من أسبوعه لمراجعة القرآن، وإذا راجعه يراجعه ببكاء وحزن ورقة، ويقف مع القرآن، ويأخذ شيئاً من تفسير القرآن أثناء العطلة، ويضع له برنامجاً يقرأ فيه شيئاً من التفسير ليستفيد منه لنفسه، ويفيد به غيره، ويأخذ شيئاً من السنة من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، المهم أن يعمر الوقت بما يتجانس مع العلم؛ لأن هذا يقويه في العلم.

    وآخر شيء أوصي به طالب العلم: أن يبذل ما عنده، فإذا سافر إلى قريته وإلى جماعته واحتاجوا أن يعلمهم علمهم، إذا احتاجوا إلى نصيحة نصحهم، وإذا احتاجوا إلى توجيه وجههم، ويحرص على أن يكون على أكمل حال في هذا كله، نسأل الله بعزته وجلاله وعظمته وكماله أن يبارك لنا في أعمارنا وأعمالنا.

    اللهم اجعل خير أعمارنا خواتمها، وخير أعمالنا أواخرها، وخير أيامنا يوم نلقاك يا أرحم الراحمين، يا سميع الدعاء!

    سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756336860