إسلام ويب

تفسير سورة الزمر (7)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن تكذيب الرسل والإعراض عن دين الله وخيم العاقبة سيء المنتهى، فقد توعد الله عز وجل المكذبين بوعيد شديد، وأول ذلك الخزي والذلة في الدنيا، ثم أخذهم بعذاب قريب من خسف أو وباء أو قارعة، فإذا كان يوم القيامة أدخلهم الله الجحيم، وتعرضوا فيها لعذاب السعير، ليس لهم فيها إلا الزقوم والحميم والغساق، وذلك لزمن لا يعلمه إلا الله، ولأمد لا يحيط به إلا مولاه.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة...)

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ * كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ * فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [الزمر:24-26].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ [الزمر:24]؟ أي: شدته وألمه وحره، فإنهم يسحبون في النار على وجوههم، وأيديهم مغلولة في أعناقهم.

    فهل يكون من هذا حاله كمن أمن وسلم ونجا ودخل الجنة دار الأبرار؟ هل يستويان؟ الجواب: لا يستويان، والذين يتقون بوجوههم النار هم: الفجار الكفار، المشركون الآثمون، والآمنون السعداء الذين لا يذوقون العذاب ولا ينالهم هم: أهل الإيمان وصالح الأعمال، وقد حكم الله فينا فقال: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]. فأفلح وفاز ونجا ودخل الجنة دار الأبرار، من زكى نفسه وطيبها وطهرها، ونقاها، ونظفها فليس فيها إثمً، فهي مستنيرة مشرقة طيبة طاهرة.

    وخاب من دسّى نفسه فخبثها ولوثها وأنتنها وعفنها؛ بما صب عليها من أوضار الذنوب والآثام، ومصير مثل هذا إلى جهنم وهو الخسران المبين.

    إذاً: فلا يستوي أهل الجنة وأهل النار، كما لا يستوي المريض والصحيح، والغني والفقير، والعزيز والذليل، فهيا بنا نؤمن بالله وبلقائه، ونعمل صالحاً، ونتجنب الشرك والذنوب والآثام؛ فنسعد ونكمل وتزكو نفوسنا وندخل الجنة.

    أنواع الظلم

    قوله تعالى: وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ [الزمر:24]. والظالمون هم: الذين وقع منهم الظلم وهو أنواع

    أولاً: ظلم الشرك بالله عز وجل، ومن أشرك بالله عز وجل في عبادته أو صفاته أو ذاته فقد أتى بأفظع أنواع الظلم وأسوأها، وحسبنا قول ربنا تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]. فأنت تظلم ربك حين تأخذ حقه وتعطيه لمخلوقاته، ولا ظلم أفظع من هذا الظلم! فحق الله الذي من أجله خلقك وخلق الحياة كلها، وهو عبادته إذا صرفتها لغيره فقد أتيت أعظم الظلم، والله هو الذي وهبك حياتك، وسمعك وبصرك، وقواك كاملة؛ من أجل أن تذكره وتشكره وحين تعرض عنه وتذكر غيره وتشكره فقد أتيت بأفظع أنواع الظلم، وقاعدة الظلم هي: أنه وضع الشيء في غير موضعه، والعبادة لا يستحقها إلا الله الذي خلق ورزق وأعطى، فلا ينبغي أن تصرف إلى غيره، فإن صرفت لغيره كان ذلك ظلماً، وهذا الظلم هو أقبح أنواع الظلم وأسوأها وأفظعها،

    ثانياً: ظلم الغير من الناس أبيضهم وأسودهم، ذكرهم وأنثاهم، وأخذ حقوقهم المالية، وانتهاك أعراضهم، وإهانتهم والتكبر عليهم، ولاعتداء عليهم بالسب والشتم والضرب، وهذا الظلم من أفظع أنواع الظلم، وقد حرمه الله في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وتوعد الظالمين بمُر العذاب وأشده وآلمه.

    ثالثاً:ظلم النفس ويكون بالذنوب التي هي دون الكفر والشرك، فما من ذنب يذنبه العبد إلا ويعود أثره على النفس، حتى النظرة المحرمة فإن أثرها ة يعود على نفس الناظر.

    إذاً: فارتكاب العبد أي ذنب من الذنوب هو ظلم لنفسه، وتقبيح لها، فلهذا يجب أن نفيق من غفوتنا وغفلتنا، وأن نرجع إلى هدايتنا.

    إذا: فالظلم ثلاثة أنواع: ظلم لله وهو: حين يأخذ الإنسان حق الله ويعطيه للمخلوق، فالذي يدعو غير الله، ويحلف بغير الله، والذي يذبح لغير الله، والذي ينذر لغير الله.. هؤلاء ظالمون لربهم، لأنهم أشركوا في عبادته غيره.

    والذي يركع ويسجد وينحني، ويعبد غير الله قد أشرك في عبادة الله ذاك الذي انحنى له، أو سجد وركع بين يديه..

    ومن العامة من هم واقعون في هذه المظالم الشركية ولا يشعرون أنهم يشركون، وأنهم ظالمون لربهم، وعلة ذلك الجهل، فما علموا، ولا علمناهم الطريق إلى الله.

    فالذي يحلف بغير الله ويقول: وحق فلان، ورأس فلان وغيرها فقد ظلم، لأنه عظم مخلوقاً كتعظيم الله؛ إذ الحلف تعظيم للمحلوف به وإجلال وإكبار له، فسلبه من الله، وبدل أن يقول: والله أو بالله أو تالله، قال: وحق فلان أو ورأس فلان، أو وكذا وهذا ظلم.

    والذي يدعو غير الله ويقول: يا سيدي فلان! يا مولاي فلان! يا صالحي كذا وكذا! وينادي غير الله ويستغيث به قد ظلم ربه، فهذا الذي تناديه من دون الله قد مات من قبل ألف سنة، والله ما يسمع نداءك ولا يمد يده إليك، ولا يقضي حاجتك، والشيطان هو من زين لك هذا؛ ليصرفك عن دعاء الله عز وجل، الذي يسمعك ويراك ويقدر على أن يعطيك أو يمنعك.

    وقوله تعالى: وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا [الزمر:24]. أي: مرارة العذاب وأشده وآلمه بسبب ما كنتم تكسبون من الذنوب والآثام، ولا يخفى علينا بعد الآن أبداً، أن نتحاشى الظلم ونبتعد عنه، ونحذر أن يرانا الله من الظالمين، سوءاً لله بعبادة غيره، أو لأنفسنا بارتكاب الذنوب والآثام، أو لغيرنا بالسب والشتم، أو السلب وانتهاك العرض، حتى يعيش أحدنا ستين أو سبعين سنة لا يضرب مؤمناً ولا يسبه ولا يشتمه.فإن زبانية جهنم يقولون لظالمين: ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ [الزمر:24]. والزبانية: هم تسعة عشر زابناً، وهم ملائكة خلقهم الله في النار، مهمتهم: أن يعذبوا أهل النار ويسحبوهم ويقودوهم لألوان العذاب، كما قال تعالى: عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ * وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا [المدثر:30-31]؛ لأن أحد الكفار قال: تسعة عشر فقط! أنا أكفيكم ثمانية عشر واكفوني أنتم واحد فقط، يقول هذا متبجحاً، كـأبي جهل وعقبة بن أبي معيط وغيرهم من كفار مكة.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (كذب الذين من قبلهم فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون)

    قال تعالى: كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [الزمر:25]. أي: كذب الذين من قبل مشركي أهل مكة، كعاد، التي كانت تسكن في جنوب الجزيرة، في حضرموت وما حولها، وكانت أعظم دولة في ذلك الزمان، ولا يوجد لها نظير لا في أوروبا ولا في غيرها؛ إذ قال تعالى في وصفها في سورة الفجر: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ [الفجر:6-7]. وكانت عاصمتهم إرم ذات العماد، والعمود في طوله ستون ذراعاً، ولقد بعث الله إليهم هوداً صلى الله عليه وعلى نبينا وسلم، فدعاهم إلى أن يعبدوا الله وحده ويتخلوا عن عبادة غيره، فتكبروا ورفعوا رءوسهم وسخروا واستهزئوا، وما استجابوا فانتقم الله منهم، فأرسل عليهم ريحاً سبع ليال وثمانية أيام، ما تركت شجرة إلا اقتلعتها ولا بناءً إلى هدمته، وآخر عجوز هلكت، كانت قد دخلت في جحر في جبل، فجاءت العاصفة في اليوم الثامن ودخلت إلى الغار واستخرجتها وأهلكتها، وما زال العرب يسمون ذاك اليوم بقرة العجوز أي: برد العجوز، والقرّ هو: البرد. فلم ينفعهم ذلك التكبر والطغيان والعتو، ورد الدعوة وحرب داود عليه السلام ، فهلكوا وذهبوا.

    وفي مدائن صالح أمة طغت وتجبرت وتكبرت بعد عاد، كان لهم قصور وعمارات فخمة، وقد اتخذوا في الجبال قصوراً لهم، وكانت المياه تجري بين أيديهم، وكان لهم أشجار وزروع وغيرها، فبعث الله إليهم صالحاً عليه السلام عبد الله ورسوله، فاستهزءوا منه وسخروا، فلما أصروا على الشرك والكفر ومحاربة رسول الله والمؤمنين، ما هي إلا ثلاثة أيام انتظروها،كما قال تعالى: تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ [هود:65]، في اليوم الأول اصفرت وجوههم، وفي اليوم الثاني احمرت، وفي اليوم الثالث اسودت، ثم أخذتهم صيحة واحدة أخرجت قلوبهم، فماتوا عن آخرهم، فعجيب ألا يستجيب أهل مكة وهم يعلمون هذا!

    وكذلك أهلك الله قوم لوط في البحر الميت وهو ما بين فلسطين والأردن، فقد أبيدوا، وعذبوا شر عذاب وهم يتكبرون ويتطاولون ويسخرون، فما أغناهم ذلك أبداً ولا دفع عنهم العذاب، بل أهلكهم الله، وأغرقهم في الماء وأرسل عليهم الحجارة من السماء، فرعون الجبار الكبير الذي تكبر وتجبر وآذى وذبّح الأطفال أهلكه الله ودمره.

    وهكذا يعظ الله أهل مكة ويذكرهم فكأنه يقول: يا أهل مكة أما تخافون أن يأتيكم العذاب من حيث لا تشعرون؟ فأنتم لا تعرفون العذاب ولا من أين يأتي، فلو أراده الله عز وجل لأتاكم من حيث لا تشعرون.

    وبالفعل هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وفي السنة الثانية كانت وقعت بدر العظمى، فأهلك الله فيها الطغاة والجبارين عن آخرهم، فقتل منهم سبعون صنديداً من المتجبرين المتكبرين، فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون، فهم ما كانوا يشعرون أن محمداً يستطيع أن يقتل واحداً منهم، أو يؤثر فيه.

    قال تعالى: فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [الزمر:26] تلك الأمم التي أهلكها الله أذاقها طعم الخزي الذل والهون والدون والعياذ بالله تعالى في الدنيا، أيما أمة ينزل بها العذاب تهين وتذل أو لا؟ نعم تذل وتخسر وتخزى.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (فأذاقهم الله الخزي في الحياة الدنيا ...)

    قال تعالى: فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ [الزمر:26]. وعذاب الدنيا سواء كان خسفاً، أو زلزالاً، أو غرقاً، أو وباءً، أو قتلاً أو غيره، بالنسبة إلى عذاب الآخرة ليس بشيء، فعذاب الآخرة أكبر وأعظم وأجل، حيث يعيش المرء في جهنم ملايين السنين لا يخرج منها أبداً، يأكل الزقوم ويشرب الحميم،

    وهكذا حكم الله أن يعيشوا في ذلك العالم المظلم، والذي خلق هذا الوجود هو الذي خلق ذلك الوجود، والذي خلقنا في هذا الوجود سيخلقنا في الوجود الثاني، فيكون أهل الإيمان وصالح الأعمال أصحاب النفوس الزكية الطيبة الطاهرة في النعيم المقيم فوق السماء السابعة في الجنة دار السلام، تلك الجنة التي وطئها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدميه الشريفتين، وشاهد بعينيه حورها وقصورها وأنهارها، وشاهد الملائكة فيها، وكان قائده جبريل عليه السلام، يرفعنا الله تعالى إليها.

    وقوله تعالى: لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [الزمر:26]. فيه تنديد بالجهل والعياذ بالله تعالى، فلو علموا ما في الآخرة من عذاب وآمنوا به، ما استطاعوا أن يعصوا الله وأن يخرجوا عن طاعته، وما من عبد عرف عذاب الله وأيقن به وآمن يستطيع أن يستمر على ذنوبه وآثامه، لا يقدر أبداً، فالجهل هو سبب الشر والفساد، والكفر والشرك، والعلم هو سبب المعرفة والكمال والطهر والصفاء، والسعادة في الدارين.

    فهيا نطلب العلم، إن المدارس الموجودة في كل دياركم ما نفع الله بها؛ لأننا ما أسسناها من أجل أن نعبد الله، وما بنيناها من أجل أن نتق الله، وإنما بنيناها وأسسناها للعلم من أجل العمل والوظيفة فقط، فيأخذ الرجل ولده ويقول له: تعلم لتكون كذا وكذا، ولا يقول له: لتعرف كيف تعبد الله.

    فالطريق للعلم النافع هو: طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن ننادي به صباح مساء، فعلى أهل القرية وهي المدينة الصغيرة، التي يكون عدد السكان فيها مائة أو مائتين أو ثلاثمائة إلى ألف نسمة، عليهم أن يجتمعوا في مسجدهم كل يوم من غروب الشمس إلى صلاة العشاء، ولا يوجد أي مانع يمنعهم من ذلك، فإذا غابت الشمس وقف العمل، الفلاح يلق المسحاة، والنجار يلق المنجرة، والتاجر يغلق باب متجره، ثم يتوضئون ويأخذون نساءهم وأطفالهم إلى المسجد، وهذا شيء عظيم، والله لو عرفنا قدره لبكينا، ثم يجتمعون النساء من وراء الستارة، والأطفال صفوفاً بين الرجال وبين أمهاتهم، ثم يجلس لهم عالم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، يعلمهم ليلة آية وليلة حديث فقط، طوال العام، فستجتمع كلمتهم، ويستقيم حالهم، وتصلح عقيدتهم، ويسودهم الطهر والصفاء، والمودة والإخاء، والحب والولاء.. ووالله لن تمضي عليهم إلا سنة حتى كأنهم أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلن يسب بعضهم بعضاً، ولن يشتمه، ولن يأخذ حقه، ولن يزني ولن يفجر، ولن يفعل المعاصي الكبار أبداً؛ لأن الزنا والفجور والربا والكذب والخيانة كلها ناتجة عن الجهل.

    وأهل المدن كذلك، فكل مدينة فيها أحياء، وأهل الحي لهم جامع كبير يجتمعون فيه كل ليلة، ويكون هذا نظامهم؛ لأننا نتطلع إلى ما فوق السماء، فلن يلومنا أحد، وهذا هو الإعداد والاستعداد لذلك.

    فيجلسون كما قدمنا يتعلمون ليلة آية وليلة حديثاً، وهكذا لن تمضي سنة إلا وقد طهروا وصفوا، وكملوا وسادهم المودة والمحبة والإخاء والولاء، ولن يجوع جائع بينهم إلا أطعموه، ولن يعرى عار إلا كسوه، ولن يمرض مريض إلا داووه، ولن تجد فيهم ظلم ولا فجور ولا اعتداء ولا غيرها، بل قلوبهم على قلب رجل واحد لا فرقة ولاختلاف ولا عنصرية ولا حزبية ولا غيرها من النقائص أبداً، ولا يوجد طريق إلا هذا، وأنت مخير أن تعمل به أو لا، ونحن قد جربنا المدارس من إندونيسيا إلى موريتانيا حتى مدارس النساء، فلم تتحد الكلمة، ولم تستوي العقول والقلوب، ولم تطب النفوس وتطهر، وها نحن نشكو الآلام كل يوم، فالذنوب الكبيرة والصغيرة سببها الجهل، والإيمان سببه العلم، ولو دخلنا مدينة من مدن المسلمين، أو قرية من قرى المؤمنين وقلنا لهم: دلونا على أصلح رجل بينكم، ما ظلم ولا سرق ولا فجر ولا كذب ولا رابا ولا صنع غير ذلك من المنكرات، لن يدلونا إلا على عالم، ولن يكون إلا عالم بربه، وبمحابه وبمساخطه، ولن يكون جاهلاً أبداً، ولو قلنا لهم: دلونا على أفجر شخص والله لن يكون إلا أجهل شخص، والعلم المراد به هنا: العلم بالله ومحابه ومكارهه، وبما أعده وهيأه لأوليائه، والعلم بما أعده وهيأه لأعدائه، هذا هو العلم وهذه هي المعرفة التي تنفع صاحبها،و مصدر هذا العلم شيئان: قال الله، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم.

    والله أسأل أن يتوب علينا، وأن يهدينا إلى الصراط المستقيم، وأن يجمعنا في المساجد؛ لتزكو نفوسنا وتطيب وتطهر ونكمل ونسعد في الدنيا والآخرة.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    هداية الآيات

    قال: [ هداية الآيات ] ولآن مع هداية الآيات.

    [ من هداية هذه الآيات:

    أولاً: تقرير البعث والجزاء بذكر شيء من أحوال يوم القيامة ] وهذا من أعظم أركان الإيمان، فالذي لا يؤمن بأنه سيسأل بعد موته ويعذب أو يسعد، شر الخلق، ولا يوجد شر منه أبداً، وإذا فرغ القلب من اعتقاد أنه سيبعث حياً، ويسأل ويستجوب، ثم إما الجنة وإما النار، لا خير في أبداً، ولا يعول عليه في شيء وهو شر البرية، وهذه الآيات الثلاث كلها تقرير لهذا المبدأ.

    [ ثانياً: تهديد قريش على إصرارها على التكذيب للرسول صلى الله عليه وسلم وما جاءها به من الإسلام ] وقد آمنوا ودخلوا في الإسلام، وما هلك منهم إلا القليل.

    [ ثالثاً: العذاب على التكذيب والمعاصي منه الدنيوي، ومنه الأخروي ] والعذاب الدنيوي يكون بالذل والفقر والبلاء والقتل وسفك الدماء، والعذاب الأخروي يكون بالنار دار الجحيم، وعذاب الدنيا أخف ولا منافاة بينه وبين عذاب الآخرة، ولكنه عذاب نبرأ إلى الله منه.

    [ رابعاً: لو علم الناس عذاب الآخرة علماً يقينياً ما كذبوا ولا كفروا ولا ظلموا، فالجهل هو سبب الهلاك والشقاء دائماً ] فلهذا ندعو إلى تعلم العلم في بيوت الرب عز وجل.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756017935