إسلام ويب

تفسير سورة الزخرف [46 - 56]للشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ذكر الله تعالى في هذه الآيات أنه أرسل موسى بالآيات والمعجزات الدالة على صدق رسالته، فلما رأى فرعون ذلك إذا به وقومه يضحكون من هذه البينات، ويتهمون موسى بأنه ساحر، وقد تكبر فرعون وادعى أنه الذي أجرى الماء من تحتهم فأجراه الله من فوقه، وأنه خير من موسى عليه السلام فانتقم الله منه وأغرقه وجنوده في البحر، وجعلهم الله تعالى عبرة ومثلاً لمن أتى بعدهم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: ( ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه ...)

    أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

    قال الله عز وجل في سورة الزخرف: وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ * فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ * فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ * فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ * فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلآخِرِينَ [الزخرف:51-56].

    يذكر الله عز وجل لنا في هذه الآيات وما قبلها أنه قد أرسل موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام بالآيات إلى فرعون وملئه، قال الله تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ [الزخرف:46]، وذكر في آية غيرها وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ [هود:96-97] فأرسله الله عز وجل إليهم ليدعوهم إلى عبادة الله عز وجل وحده وأن يتركوا ما هم فيه، وقد طلب موسى من ربه سبحانه أن يجعل معه أخاه هارون وزيراً ليعينه على ذلك، وكان موسى في لسانه لكنة من إصابة أصابته وهو صغير في بيت فرعون لما أراد أن يقتله ودافعت عنه امرأة فرعون وقالت له إنه صغير لا يفهم ولا يعقل، فقرب إليه جمرة من نار فلمسها بلسانه لأمر يريده الله سبحانه فأصابته لكنة من ذلك الوقت، ولذلك كان فرعون يعيره بأنه لا يكاد يبين، أي: ما يستطيع أن يتكلم وهذا كان قبل أن يوحى إليه بالرسالة، فلما جعله الله عز وجل نبياً قال تعالى: اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى [طه:43] فدعا ربه، فاستجاب له ربه سبحانه تبارك وتعالى فيما سأله، قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا [يونس:89] أي: دعوة موسى وهارون، فدعا موسى ربه سبحانه رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا * قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى [طه:25-36].

    فكل ما سأل موسى ربه قد أجابه الله، فكشف عنه ما كان فيه من كرب بسبب خوفه من فرعون ومن معه وبسبب اللكنة أو الثقل الذي كان في لسانه فالله رفع عنه هذا فصار قوياً بإيمانه بعصمة الله عز وجل له وأيضاً جعل له أخاه معه وزيراً يعينه على دعوته إلى الله سبحانه تبارك وتعالى، وأرسله ربه بتسع آيات بينات إلى فرعون وملئه.

    ألقاب بعض ملوك الأرض

    وفرعون لقب لكل من يملك مصر ويسمى بأي اسم من الأسماء، كما يقال لمن يملك الروم الـقيصر ، ومن يملك الفرس فهو كسرى ، ومن يملك الحبشة فهو النجاشي .

    تعريف الملأ

    وأرسل الله عز وجل موسى ومعه هارون إلى فرعون وملئه، والملأ: الكبراء والسادة من القوم، فذهب موسى ليدعو هؤلاء إلى دين الله عز وجل، فكان الجواب من فرعون لـموسى أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ [الزخرف:52] أي: أنا خير أم هذا الرجل الذي لا يبين الكلام؟

    فلم ينظر إلى الآيات وإلى ما آتاه الله عز وجل من حجة قوية بالغة تثبت أنه رسول رب العالمين، وفرعون قال لقومه أنه ربهم الأعلى، فلما قال له موسى: أنا رسول رب العالمين، طلب منه فرعون الآيات، فلما رأى اليد والعصا بهت، فجادل بالباطل واتهم موسى بأنه ساحر، فقال: فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى [طه:58] فرد عليه موسى قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى [طه:59].

    والذي يريد أن يهرب حقيقة هو فرعون وليس موسى، وفرعون يقول لـموسى: لا تخلف هذا الموعد، واحضر من أجل أن نهزمك في هذا الشيء الذي لا تقدر على صنعه وهو السحر.

    فاغتر فرعون بهؤلاء السحرة، ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً، ليظهر كذب فرعون ويؤمن من شاء الله عز وجل له أن يؤمن من هؤلاء السحرة الذين جاؤوا لنصرة فرعون من كل مكان، فاعتزوا عليه، قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ [الشعراء:41-42] لو أنكم انتصرتم على موسى.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: ( فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون )

    يقول الله عز وجل فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ [الزخرف:47] أي: ضحك فرعون وملؤه من الآيات التي جاء بها موسى، وقالوا إنها سحر.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: ( وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها ...)

    قال تعالى: وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الزخرف:48] فأخذهم الله عز وجل بالسنين ونقص من الثمرات، قال تعالى: فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ[الأعراف:133].

    1.   

    تفسير قوله تعالى: ( يا أيها الساحر ادع لنا ربك ...)

    وذكر اليد والعصا أنهما من التسعة الآيات البينات، ثم قالوا لـموسى يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ [الزخرف:49] ولما رأوا آيتين من آيات العذاب وهما: اليد والعصا أحضروا لذلك السحرة، لكن لما أخذهم الله عز وجل بشيء من العذاب وهو إرسال الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم قالوا: يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ أي: إذا كشفت عنا العذاب سندخل في الإيمان ونتابعك كعادة كل إنسان جبار أصابه الله عز وجل بعذاب في الدنيا فإنه يقول سأتبعك بشرط أن ترفع عني هذا العذاب فيقوله بلسانه، ويريد الله عز وجل أن يقيم عليه الحجة فهم الذين قالوا إننا لمهتدون، والمعنى سنهتدي وندخل في دينك بشرط أن تكشف عنا العذاب.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: ( فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون )

    قال تعالى: فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ [الزخرف:50] أي: يغدرون وينقضون ولا يوفون بما وعدوا فيه.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: ( ونادى فرعون في قومه ... أفلا تبصرون )

    قال تعالى: وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ [الزخرف:51] هذا منطق فرعون فهو يتكلم بالعجرفة وبالقوة وبالاستكبار وبالتحقير لغيره فهو يحقر كل من حوله من الوزراء والكبراء والأمراء، وينظر إليهم أنهم جهلة أغبياء.

    وقوله تعالى: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ هذه الحجة التي يزعمها أنه يملك مصر وهو الملك عليها، وأن نهر النيل يجري في أرضه، فهذا الملعون يزعم أنه هو الذي أجرى هذا النهر وهو الذي خلق هذه البلاد وهو صاحب كل شيء كعادة المتكبرين والمجرمين حين ينسبون الفضل إلى أنفسهم، ويمنون على شعوبهم بأنهم هم الذين عملوا لهم كذا ورقوهم وحرروهم فهم يزعمون ذلك، وهذا فرعون يتكبر كعادة هؤلاء المتكبرين فيقول: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي [الزخرف:51] وكأنه الذي خلقها وقد قال لقومه قبل ذلك أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى [النازعات:24] ولما قال لهم ذلك قال أفلا تبصرون أي: من أجل أن تعرفوا من الذي يستحق أن يعبد أنا أو إله موسى.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: ( أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين )

    قال الله تعالى: أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ [الزخرف:52] فحقر قومه فقال: أَفَلا تُبْصِرُونَ أي: ألستم تعرفون أني أستحق هذا كله؟ لأن لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي .

    وحقر موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام فقال مخبراً: بل أنا خير من هذا، أو كأنه استفهام أم أنا خير من هذا الحقير الذي ربيته في قصري ولا يكاد يبين؟ أي: يتكلم وهو يتعتع، كأنه يزعم أنه ما زال على ذلك وقد شفاه ربه سبحانه تبارك وتعالى وما أرسله إلى فرعون إلا وكان ينطق فلا ثلغ ولا ثقل في لسانه فنطق وتكلم ومع ذلك فرعون ما زال يعيره بالماضي بأنه لا يستطيع أن يتكلم ويزعم أنه رسول.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: ( فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب ...)

    قال الله تعالى: فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ [الزخرف:53] كان عادة هؤلاء الملاعين أن الملك يلبس سوارين من ذهب في يديه، ويضع قلادة من ذهب في عنقه، فلجهله نظر إلى أن موسى يدعي أنه رسول من الرب وليس عنده دليل على ذلك كأن الدليل عنده ليس كل الآيات التي جاء بها موسى وإنما بأن يلبس أسورة من ذهب في يديه ليدل على أنه ملك من الملوك أو جاء من عند الملك.

    القراءات في قوله تعالى ( أسورة من ذهب )

    وقوله تعالى: (( فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ )) هذه قراءة حفص ويعقوب ، وباقي القراء يقرءونها أساورة من ذهب على الجمع فيها، وكأن أسورة جمع سوار وأساورة جمع جمعه، أي: جمع أسورة.

    وقوله تعالى: (( أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ )) أي: من أجل أن نعرف أنه رسول من رب العالمين يأتي بـالملائكة مربوطين بعضهم ببعض أو نصافح الملائكة أو يكونون معه ذهاباً وأياباً.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوماً فاسقين )

    ولما قال ذلك قال الله سبحانه فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ [الزخرف:54] استخفهم يعني: حملهم على الخفة كأنه هز المشاعر الباطلة التي فيهم فضيع أحلامهم وضيع صبرهم على الأمر.

    واستخف فلان فلانا: جعله طائشاً وأخرج الخفة التي فيه، والإنسان عنده صبر وحلم، ولما يأتي إنسان ينفذه أو يغيره أو يحمسه فإنه يخرج عن دائرة الصبر والحلم، فيخف عقله فتراه يهرج ويستخف بمن حوله فصاروا خفاف العقول بهذه الحالة وليس عندهم عقول يفكرون بها، فصدقوا فرعون فيما قاله لهم وأطاعوه فيما طلبه.

    معنى الفسق

    قوله تعالى: إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ [الزخرف:54] الفسق: الخروج من دين رب العالمين سبحانه، والفسق الأصغر: معصية رب العالمين، فهم خارجون عن طاعة رب العالمين سبحانه، والفسق الأكبر: الخروج من دين رب العالمين سبحانه، فلما آسفونا أخذناهم بالعذاب ونصرنا موسى على فرعون ومن معه من السحرة فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ * فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ [الشعراء:44-46] فالسحرة الذين جاءوا لينصروا فرعون سجدوا لله وقالوا: آمنا برب العالمين، وفرعون لم يتعظ من هؤلاء الذين يعرفون السحر ويفرقون بين السحر وبين الحقيقة، فيلقون حبالهم وعصيهم وهم يعرفون أن الذي يصنعونه يخيل لأعين الناس أنه يسعى، لكن العصا التي ألقاها موسى تحولت حقيقة إلى ثعبان مبين فأكل ولقف كل ما ألقاه هؤلاء فعرفوا أنه رسول من رب العالمين فآمن السحرة وسجدوا لله رب العالمين، فكانوا في الصباح كفاراً فأمسوا مؤمنين أبراراً رضي الله تبارك وتعالى عنهم، وتمسكوا بدين رب العالمين حتى وإن قتلهم فرعون أو هددهم فقال: إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ *قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ [طه:71-72] فرعون هو الذي جمع السحرة من أقصى الأرض ثم بعد ذلك يقول: إن موسى هو الذي علمهم السحر، ومن حوله يعرفون كذب فرعون ، فإن موسى لم يذهب إلى السحرة ويتعلم منهم السحر، ولكن فرعون لا يستحيي أن يكذب على هؤلاء الناس وهو ملك، وإن من أشد الناس عذاباً عند رب العالمين الملك الكذاب، ففرعون يكذب ويقول للسحرة: إن موسى هو كبيركم الذي علمكم السحر فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ [الشعراء:49] فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى * قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا [طه:71-72].

    1.   

    تفسير قوله تعالى: ( فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين )

    فلما وصل فرعون إلى قمة الطغيان والفساد قال الله عز وجل فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ [الزخرف:55] فجاءهم العذاب من عند رب العالمين سبحانه تبارك وتعالى، وذلك لما خرج فرعون وقومه إلى بني إسرائيل ليستحييهم ويعذبهم ويبقيهم في الخدمة، وكان هذا الغرور من فرعون سبب لهلاكه وهلاك جنوده، فلما وصل بهم إلى شاطئ البحر الأحمر وإذا بـموسى هنالك عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وإذا بقومه لا يعرفون إلى أين يذهبون؟ فلما وقفوا مع موسى أمره الله عز وجل أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ [الشعراء:63-64] وإذا برب العالمين سبحانه يفلق لـموسى البحر بهذه العصا التي كانت ثعبان فيستجيب البحر ويصير فيه ممر لـموسى ومن معه، فلما توسط موسى ومن معه البحر إذا بفرعون ومن معه ينظرون أمامهم آية عظيمة من آيات رب العالمين وهي انفلاق البحر، فلا يصدق فرعون أن هذا رسول بعد ما رأى ذلك، فيدخل فرعون ومن معه البحر ويخرج موسى من الناحية الأخرى، وينطبق البحر على فرعون ومن معه، فلما غرق وانتقم الله منه قال: آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يونس:90] أي: أنا مسلم ومؤمن بالذي آمنت به بنو إسرائيل، قال له ربه آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً [يونس:91-92] أي: نخرجك ببدنك عارياً من هذا البحر حتى يراك الناس مرمياً على شاطئ البحر مثل البهائم النافقة، قال جبريل للنبي صلوات الله وسلامه عليه فلو رأيتني وأنا أضع في فيه من وحل البحر خشية أن يتوب الله عز وجل عليه، لأنه قال: آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل، فإن رحمة الله عظيمة واسعة.

    والله تعالى إذا أنزل العذاب على قوم ما كان لينجيهم منه، إلا ما كان من قوم موسى فقط فإنه كل ما أنجاهم من عذاب أتاهم بعذاب آخر في الدنيا ويكون نهايتهم إلى النار والعياذ بالله.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: ( فجلعناهم سلفاً ومثلاً للآخرين )

    قال سبحانه وتعالى: فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلآخِرِينَ [الزخرف:56] فجعلناهم سلفاً بقراءة الجمهور، وقراءة حمزة والكسائي فجعلناهم سلفاً.

    والسلف القدوة المتقدمون، فصار فرعون متقدماً لقومه ويتبعونه في الباطل فهو يقودهم إلى طريق النار، وكل من يحب فرعون أو يفتخر به فإنه قدوته وإمامه إلى نار جهنم وبئس المصير، لعنة الله على فرعون وعلى أتباعه وعلى من افتخر به وعلى من تشبه به قال تعالى: فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلآخِرِينَ أي: تضرب بهم الأمثال، فمن تكبر مثل فرعون حصل له ما حصل لفرعون، فصاروا مثلاً وسلفاً لهؤلاء الظلمة المجرمين.

    نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756014684