إسلام ويب

تفسير سورة الصافات [133- 138]للشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يخبر الله سبحانه أن لوطاً عليه السلام من الرسل الذين أرسلهم إلى الناس فدعا قومه إلى توحيد الله وترك الفاحشة التي كانوا يرتكبونها، فأبوا وهموا بقتله، فأنجاه الله والمؤمنين معه إلا امرأته فإنها كانت كافرة فأبقاها الله مع قومها في العذاب، ودمرهم ودمر معهم قريتهم وجعل مكانها بحيرة ليعتبر الناس، وقد كان كفار قريش يمرون على تلك القرية في الصباح وفي الليل حين يذهبون إلى الشام للتجارة فحذرهم الله أن يصيبهم ما أصاب قوم لوط.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وإن لوطاً لمن المرسلين)

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته أجمعين.

    أما بعد:

    قال الله عز وجل في سورة الصافات: وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ * ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ * وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ * وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الصافات:133-144].

    ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه السورة قصصاً للأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام مختصرة، والمقصد من هذه القصص التي ساقها أن يثبت الله عز وجل قلوب المؤمنين، ويعلموا أنه ناصرهم وأنه معهم، وأنهم إذا ابتلاهم الله عز وجل في هذه الدنيا فليس المعنى أنه يدوم عليهم البلاء حتى يلقوا الله سبحانه وتعالى، ولكن يبتليهم ويرفع عنهم البلاء سبحانه وتعالى، ثم يبتليهم ثم يرفع عنهم البلاء، وهكذا حتى يميز الخبيث من الطيب: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ [العنكبوت:2].

    والإنسان حين يسمع قصص الصالحين، وأحوالهم ونصر الله عز وجل للمؤمنين، ولأنبيائه عليهم الصلاة والسلام؛ يصبر ويتصبر، فقد ذكر الله عز وجل قصة إبراهيم وما صنعه سبحانه بإبراهيم الخليل، إذ ابتلاه الله سبحانه ابتلاءات كثيرة فصبر عليها، فمدحه في كتابه وقال: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً [النحل:120] عليه الصلاة والسلام، فقد كان وحده أمة من الأمم.

    وذكر الله عز وجل في هذه السورة، قصة أخرى لإسماعيل أشار فيها عز وجل أنه وهب لإبراهيم عليه الصلاة والسلام غلاماً حليماً ثم ابتلاه فأمره أن يذبحه برؤيا منامية رآها، فلما كاد يفعل ذلك رفع الله عنه ذلك البلاء، وفداه بذبح عظيم.

    ثم ذكر الله سبحانه وتعالى قصة موسى وهارون باختصار، وكيف أنه سبحانه وتعالى آتاهما الكتاب المستبين: وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الصافات:118]، وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ [الصافات:116].

    فكان من فضل الله عز وجل عليهما أن ابتلاهما ثم رفع عنهما البلاء ونصرهم بفضله سبحانه وتعالى.

    وذكر قصة إلياس على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وكيف أن الله سبحانه أرسله إلى قومه، فكذبوه، فذكر الله عز وجل أنهم من المحضرين إلى عذابه، والمقصد هو بيان أنه ما من نبي يبعثه الله، إلا ويبتليه الله ويبتلي قومه، ثم ينصر المؤمنين، ويهلك الظالمين، وهذه قصة لوط ساقها الله هنا باختصار، وإن كان قد فصلها في غير هذا الموضع من كتابه.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إذ نجيناه وأهله أجمعين)

    قال سبحانه: وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [الصافات:133].

    هذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام هو لوط بن فاران ، وهو ابن أخي إبراهيم على نبينا وعليهم الصلاة والسلام، وإبراهيم هو عم لوط عليه الصلاة السلام، وإبراهيم نبي من أولي العزم من الرسل عليهم الصلاة والسلام، ولوط نبي من أنبياء الله عز وجل، هاجر مع إبراهيم وكان موطنه بالعراق، فهاجر معه إلى بلاد الشام، وهنالك ذهب لوط بأمر الله عز وجل إلى قرى سدوم وعمورية يدعوهم إلى الله سبحانه، فوجد القوم يعبدون غير الله ويأتون الفاحشة، يأتي الرجال الرجال، ويتركون النساء! قال الله عز وجل: وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ * ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ * وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ [الصافات:133-138].

    آيات يذكرها الله عز وجل هنا، وهي آيات قصيرة فيها بيان كيف أرسل الله عز وجل لوطاً إلى قومه، فالله عز وجل أثبت له الرسالة في كتابه سبحانه، فلوط نبي أرسله الله عز وجل إلى قومه، يدعوهم إلى توحيد الله، فهو من أنبياء الله عليه الصلاة والسلام، ومن جملة رسل الله عليهم الصلاة والسلام، وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ [الصافات:133-134].

    فقد كان في كرب قبل ذلك وهذا من تفنن القرآن العظيم، فإنه في كل موضع من المواضع يذكر ما يليق به، فهذه السورة آياتها قصيرة، فيناسب ذكر القصص باختصار، فهو يذكر أموراً من كل قصة، والغرض هو بيان أن الله عز وجل أوحى إلى المرسلين: إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات:172-173].

    فيبين الله عز وجل كيف نصرهم، وجعلهم الغالبين.

    فقد نجاه الله وأهلك غيره، فإن القرى التي كان فيها، كانت تعبد غير الله، فدعاهم إلى عبادة الله فلم يستجيبوا له، وكانوا يأتون الفاحشة فيأتي الرجال الرجال، فمنعهم وحذرهم من عقوبة الله سبحانه فأبوا إلا أن يقتلوه عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، فأتى إليه قومه، وقد ابتلاهم الله ببلاء عظيم، حيث أرسل إلى هذه القرية ثلاثة من الملائكة على هيئة الشباب الحسان الملوك، فإذا بامرأة لوط تخبر قومها، وكانت كافرة، وقد ضرب الله عز وجل بها المثل في القرآن للكفر الذي يضر أصحابه، وإن كانوا مع الصالحين، ولكن الله سبحانه وتعالى فرق بينها وبين هذا الرجل الصالح ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ [التحريم:10].

    فامرأة نوح كانت كافرة، والعدل أن تكون مع قومها في العقوبة، ولا تكون مع نوح النبي على نبينا وعليه الصلاة والسلام، فأهلكها الله عز وجل وأغرقها مع من أغرق، وامرأة لوط كانت كافرة، فقد دلت قومها على ضيوف لوط عليه الصلاة والسلام، فابتلاهم الله سبحانه وتعالى وجعل في قلوبهم القسوة، وأعمى أعينهم فلا يبصرون، وأخذهم إلى دار لوط، ويصرون على إخراج الضيوف وأخذ هؤلاء الضيوف، فإذا بلوط النبي عليه الصلاة السلام يقول: هَؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ * وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ * قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ [الحجر:68-70].

    أي: ألم نأمرك أن لا تدخل أحداً بيتك؟!

    يقول الله عز وجل: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [الحجر:72].

    يقسم الله للنبي صلى الله عليه وسلم بحياته وعمره عليه الصلاة والسلام إنهم لفي سكرة وغفلة وغباوة حيث إنهم يريدون أضياف لوط عليه الصلاة والسلام، فقالت الملائكة للوط: لا تخف ولا تحزن، وبشره الله عز وجل بعد ما ضاقت به نفسه، وضاق به بيته، وضاق به الأمر حتى قال: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ [هود:80]، أي: لو أني أقدر عليكم، فهو ينظر إلى القوة التي حوله من الناس وما معه إلا ابنتان في البيت، فقد كان لا يجد من الناس أحداً يدافعهم معه فكأنه يقول: لو كان معي جيش لحاربتكم به.

    يقول النبي صلوات الله وسلامه عليه: (رحم الله أخي لوطاً حيث قال: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ [هود:80]).

    كأنه نسي في هذه اللحظات الصعبة الشديدة -حيث كان قومه يدفعون عليه الباب، يريدون الدخول، وهو يدفع الباب من الداخل يمنعهم من الدخول، وهم يهددونه بالقتل- أن الله عز وجل ناصره سبحانه وتعالى، فقال: هذه الكلمة لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ [هود:80].

    فإذا بالضيوف يظهرون حقيقة الأمر: قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ [هود:81].

    أي: لا تخف نحن معك والله عز وجل هو الذي أرسلنا ويبشره الله عز وجل: إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ [هود:81].

    ويخرج الضيوف فيلقون على وجوههم التراب فتعمى أبصارهم، فيرجعون عن لوط وهم يتوعدونه ويقولون: في الصباح سترى ما نفعل بك، ويأمر الله سبحانه لوطاً ان أخرج أنت وأهلك ولا تلتفت ولا تنظر إلى خلفك أنت ومن معك، قال: إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ [هود:81].

    ويخرج لوط ومعه ابنتاه وتخرج معه امرأته، والله عز وجل لا ينجي إلا المؤمنين، وهذه امرأة كافرة، تتبع لوطاً النبي عليه الصلاة والسلام، وتريد أن تنجو، فكان لوط يحذر من معه ألا أحد يلتفت وراءه، فإن الله سيهلك هذه القرية، ولا ينظر أحد إلى خلفه، ويتبعون لوطاً عليه الصلاة والسلام ويأتي عذاب الله عز وجل على القرية قال سبحانه: وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى * فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى [النجم:53-55].

    أي: بأي نعم ربك تجادل أو تشك؟! فهؤلاء جاءهم العذاب، فقد نزل عليهم ملك من ملائكة الله قلب عليهم قريتهم، وأمطر الله عز وجل عليهم حجارة من سجيل، فإذا بلوط وابنتاه يخرجون كما أمر الله سبحانه وتعالى، وامرأته تنظر خلفها، وتندب حظها، وتبكي قومها، فيأتيها حجر من السماء فيهلكها مع قومها.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إلا عجوزاً في الغابرين)

    قال الله سبحانه: إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ [الصافات:135].

    هذه المرأة العجوز المشئومة، أهلكها الله سبحانه مع من أهلك، وغبر الشيء بمعنى بقي، فقد أبقاها الله مع قومها للعذاب.

    ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ [الشعراء:172] أي: سحقناهم حيث جاء العذاب المفزع من رب العالمين سبحانه، فأهلك جميع من في هذه القرية.

    وانظروا إلى صيغة التدمير فقد دمرهم ودمر ديارهم وما هم فيه تدميراً عظيماً.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وإنكم لتمرون عليهم مصبحين)

    قال الله تعالى: وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ [الصافات:137].

    أي: أنتم تسافرون إلى بلاد الشام ذاهبين آيبين، فترون البحيرات وتقولون عن البحر الميت: هذا المكان كان فيه قوم لوط، وجعل الله ماء هذه البحيرة شديد الملوحة والمرارة، حتى يعتبر الناس.

    وقوله: مُصْبِحِينَ يعني: في أسفاركم، وبالليل أيضاً تمرون فتقولون: هنا أهلك الله عز وجل قوم لوط: وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ [الصافات:138] أفلا تعقلون كيف نزل العذاب بهؤلاء؟!

    فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ [الحشر:2].

    فهم لم يتفكروا فتفكروا أنتم في مصيرهم، واحذروا أن تقلدوهم فيأتيكم عذاب الله كما أتى هؤلاء الأقوام.

    نسأل الله العفو والعافية في الدين والدين والآخرة.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

    وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصبحه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755947757