إسلام ويب

سقوط الأندلسللشيخ : سيد حسين العفاني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لما أقام المسلمون على هذا الدين وعزروه ونصروه مكن الله لهم في الأرض، وجعلهم فيها خلائف، ولما تفرقوا وتنازعوا ونسوا حظاً مما ذكروا به تمزقوا إلى فرق وطوائف، وأوضح مثال على ذلك هو سقوط الأندلس في أيدي الصليبيين. إن الصليبيين واليهود سوف يظلون أعداء الإسلام مهما أوهموا المسلمين أنهم يريدون السلام؛ لأن حاضرهم وماضيهم لا يثبت صدق دعواهم.

    1.   

    الجهود المبذولة لمحاربة الإسلام والمسلمين

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وإن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى، إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ [الأنعام:134]، ثم أما بعد:

    يقول الشيخ جلال العالم في كتابه: (قادة الغرب يقولون: دمروا الإسلام أبيدوا أهله): حاول الصليبيون تدمير الإسلام في الحروب الصليبية ففشلت جيوشهم التي هاجمت بلاد الإسلام بالملايين، فعادوا يخططون من جديد لينهضوا، ثم ليعودوا إلينا بجيوش حديثة، وفكر جديد هدفه تدمير الإسلام من جديد.

    كان جنديهم البريطاني حين يلبس بزة الحرب قادماً لاستعمار بلاد الإسلام ليبيا ينشد نشيداً فيقول:

    أماه!

    أتمي صلاتك.. لا تبكي

    بل اضحكي وتأملي

    أنا ذاهب إلى طرابلس

    فرحاً مسروراً

    سأبذل دمي في سبيل سحق الأمة الملعونة

    سأحارب الديانة الإسلامية

    سأقاتل بكل قوتي لمحو القرآن

    أما ما فعلوه في الحروب الصليبية فإنهم لما سألوا بطرس الناسك عند نقص المؤن، أمرهم بأن يأتوا بجثث المسلمين الذين ماتوا في التو، وأن يقوموا بسلخها، ثم شيها، ثم أكلها.

    وهذا ثابت في كل الروايات حتى التي كتبها مفكرو الغرب ومؤرخوهم، فقد كانوا يقومون بأكل جثث المسلمين بعد موتها.

    وأما في الأندلس فمحاكم التفتيش خير شاهد على ما فعلوه في الأندلس، تقول الدكتورة هونكه : في 2 يناير 1492 م رفع الكاردينال مندوزا الصليب على قلعة الحمراء، وهذا القصر كان موجوداً في غرناطة، وكان مكتوب عليه: لا ناصر إلا الله.. لا غالب إلا الله، فذهبوا وعملوا مسرحية: لا غالب إلا الحب.

    وقد وقع آخر خلفاء الأندلس أبو عبد الله الصغير معاهدة مع فرديناند وإيزابيلا ، وهذه إيزابيلا صاحبة القميص العتيق، كانت ملكة الكنائس، وقد عاصرت آخر خليفة أندلسي عربي مسلم، وعلى يدها سقط ملك المسلمين في الأندلس، فقد تزوجت فرديناند وأقسمت للقسيس الذي كان يرعاها ويربيها أن سقوط خلافة المسلمين في الأندلس سيكون على يدها، وهذه يسمونها صاحبة القميص العتيق.

    وفي رواية إسبانية أن إيزابيلا صاحبة القميص العتيق لم تخلع ثوبها الداخلي منذ أقسمت أمام قسيسها حتى سقط ملك المسلمين، وأقسمت أنها لا تخلع ثوبها الداخلي لغسل حتى يسقط ملك المسلمين، وكان لها ما أرادت.

    أبو عبد الله الصغير هو الذي ضيع ملك المسلمين في الأندلس، وأتى ليبكي بعدما دخلوا القصر، فقالت له أمه عائشة: ابك كالنساء ملكاً لم تحافظ عليه مثل الرجال.

    وكان من ضمن الأشياء التي أخذها على فرديناند وإيزابيلا أن تظل الرئاسة الفخرية أو العرش الفخري أو العرش الرئاسي -يملك ولا يحكم- لأول أحفاده من بعده.

    يقول مؤرخ عربي مغربي: فلقد وجدت أحفاده يتسولون الناس بفاس -مدينة المغرب-.

    فقد أضاع ملك المسلمين لكي يظل الملك لأولاده، وأحفاده كانوا يتسولون في بلاد المغرب العربي، وانتهى قبره أن أصبح مزاراً سياحياً على درجة من درجات سلم في مشهد من مشاهد الآثار، فعاش فقيراً، ومات فقيراً.

    تقول الدكتورة هونكه في 2 يناير 1492 م رفع الكاردينال الصليب على الحمراء، وهي القلعة الملكية للأسرة الناصرية، فكان إعلاناً بانتهاء حكم المسلمين على أسبانيا.

    وبانتهاء هذا الحكم ضاعت تلك الحضارة العظيمة التي بسطت سلطانها على أوربا طوال العصور الوسطى، وقد احترمت المسيحية المنتصرة اتفاقاتها مع المسلمين لفترة وجيزة، ثم باشرت عملية القضاء على المسلمين وحضارتهم وثقافتهم.

    ثم تقول: لقد حُرِّم الإسلام على المسلمين، وفرض عليهم تركه، كما حُرِّم عليهم استخدام اللغة العربية، والأسماء العربية، وارتداء اللباس العربي، ومن يخالف ذلك كان يحرق حيًّا بعد أن يعذّب أشد العذاب.

    هكذا انتهى وجود الملايين من المسلمين في الأندلس فلم يبق في أسبانيا مسلم واحد يُظهر دينه.

    تعذيب المسلمين في أسبانيا

    كان المسلمون يعذبون على أيدي ما يسمى بدواوين ومحاكم التفتيش، فبعد مرور أربعة قرون على سقوط الأندلس أرسل نابليون حملته إلى أسبانيا، وأصدر مرسوماً سنة 1808م بإلغاء دواوين التفتيش في المملكة الأسبانية.

    لنرى ماذا حصل عندما ألغيت دواوين التفتيش:

    تحدث أحد الضباط الفرنسيين فقال: أخذنا حملة لتفتيش أحد الأديرة التي سمعنا أن فيها ديوان تفتيش، وكادت جهودنا تذهب سدى ونحن نحاول العثور على قاعات التعذيب، فقد فحصنا الدير وممراته وأقبيته كلها، فلم نجد شيئاً يدل على وجود ديوان للتفتيش، فعزمنا على الخروج من الدير يائسين، كان الرهبان أثناء التفتيش يقسمون ويؤكدون أن ما شاع عن ديرهم ليس إلا تهماً باطلة، وأنشأ زعيمهم يؤكد لنا براءته وبراءة أتباعه بصوت خافت وهو خاشع الرأس، توشك عيناه أن تطفر بالدموع، فأعطيت الأوامر للجنود بالاستعداد لمغادرة الدير، لكن اللفتنانت دي ليل استمهلني قائلاً: أيسمح لي الكولونيل أن أخبره أن مهمتنا لم تنته حتى الآن؟ قلت له: فتشنا الدير كله، ولم نكتشف شيئاً مريباً، فماذا تريد يا لفتنانت ؟ قال: إنني أرغب أن أفحص أرضية هذه الغرفة فإن قلبي يحدثني بأن السر تحتها.

    عند ذلك نظر الرهبان إلينا نظرات قلقة، فأذنت للضابط بالبحث، فأمر الجنود أن يرفعوا السجاجيد الفاخرة عن الأرض، ثم أمرهم أن يصبوا الماء بكثرة في أرض كل غرفة على حدة -وكنا نرقب الماء- فإذا بالأرض قد ابتلعته في إحدى الغرف.

    فصفق الضابط دي ليل من شدة فرحه، وقال: ها هو الباب، انظروا، فنظرنا فإذا بالباب قد انكشف، كان قطعة من أرض الغرفة يُفتح بطريقة ماكرة بواسطة حلقة صغيرة وضعت إلى جانب رجل مكتب رئيس الدير.

    أخذ الجنود يكسرون الباب بقحوف البنادق، فاصفرت وجوه الرهبان، وعلتها الغبرة، وفُتح الباب، فظهر لنا سلم يؤدي إلى باطن الأرض، فأسرعت إلى شمعة كبيرة يزيد طولها على متر، كانت تضيء أمام صورة أحد رؤساء محاكم التفتيش السابقين، ولما هممت بالنزول وضع راهب يسوعي يده على كتفي متلطفاً، وقال لي: يا بني! لا تحمل هذه الشمعة بيدك الملوثة بدم القتال؛ فإنها شمعة مقدسة.

    فقلت له: يا هذا! إنه لا يليق بيدي أن تتنجس بلمس شمعتكم الملطخة بدم الأبرياء، وسترى من النجس منا، ومن القاتل السفاك؟

    وهبطت على درج السلم يتبعني سائر الضباط والجنود شاهرين سيوفهم حتى وصلنا إلى آخر الدرج، فإذا نحن في غرفة كبيرة مربعة، وهي عندهم قاعة المحكمة، وفي وسطها عمود من الرخام به حلقة حديدية ضخمة ربطت بها سلاسل من أجل تقييد المحاكمين بها.

    وأمام هذا العمود كانت المصطبة التي يجلس عليها رئيس ديوان التفتيش والقضاة لمحاكمة الأبرياء، ثم توجهنا إلى غرف التعذيب وتمزيق الأجسام البشرية التي امتدت على مسافات كبيرة تحت الأرض.

    رأيت فيها ما يستنفر نفسي، ويدعوني إلى القشعريرة والتقزز طوال حياتي، رأينا غرفاً صغيرةً في حجم جسم الإنسان، بعضها عمودي وبعضها أفقي، فيبقى سجين الغرف العمودية واقفاً على رجليه مدة سجنه حتى يموت ويبقى سجين الغرفة الأفقية ممدداً بها حتى الموت.

    وتبقى الجثث في السجن الضيق حتى تبلى، ويتساقط اللحم عن العظم، وتأكله الديدان، ولتصريف الروائح الكريهة المنبعثة من جثث الموتى فتحوا نافذة صغيرة إلى الفضاء الخارجي.

    قال: وقد عثرنا في هذه الغرف على هياكل بشرية ما زالت في أغلالها.

    قال: كان السجناء رجالاً ونساءً، تتراوح أعمارهم ما بين الرابعة عشرة والسبعين، وقد استطعنا إنقاذ عدد من السجناء الأحياء، وتحطيم أغلالهم، وهم في الرمق الأخير من الحياة.

    وكان بعضهم قد أصابه الجنون من كثرة ما صبوا عليه من عذاب، وكان السجناء جميعاً عراة، حتى اضطر جنودنا إلى أن يخلعوا أرديتهم ويستروا بها بعض السجناء.

    أخرجنا السجناء إلى النور تدريجياً حتى لا تذهب أبصارهم، فكانوا يبكون فرحاً وهم يقبلون أيدي الجنود وأرجلهم الذين أنقذوهم من العذاب الرهيب، وأعادوهم إلى الحياة، فكان مشهداً يبكي الصخور.

    ثم انتقلنا إلى غرف أخرى، فرأينا فيها ما تقشعر لهوله الأبدان، عثرنا على آلات رهيبة للتعذيب، منها آلات لتكسير العظام، وسحق الجسم البشري، كانوا يبدءون بسحق عظام الأرجل، ثم عظام الصدر والرأس واليدين تدريجياً، حتى يهشم الجسم كله، ويخرج من الجانب الآخر كتلة من العظام المسحوقة، والدماء الممزوجة باللحم المفروم، هكذا كانوا يفعلون بالسجناء الأبرياء المساكين.

    ثم عثرنا على صندوق في حجم رأس الإنسان تماماً، يوضع فيه رأس الذي يريدون تعذيبه بعد أن يربطوا يديه ورجليه بالسلاسل والأغلال؛ حتى لا يستطيع الحركة، وفي أعلى الصندوق ثقب تتقاطر منه نقط الماء البارد على رأس المسكين بانتظام، في كل دقيقة نقطة، وقد جُنّ الكثيرون من هذا اللون من العذاب، ويبقى المعذب على حاله تلك حتى يموت.

    وآلة أخرى للتعذيب على شكل تابوت تثبت فيه سكاكين حادة، كانوا يلقون الشاب المعذب في هذا التابوت، ثم يطبقون بابه بسكاكينه وخناجره، فإذا أغلق مزق جسم المعذب المسكين، وقطعه إرباً إرباً.

    وعثرنا على آلات كالكلاليب تغرز في لسان المعذب ثم تشد فيخرج اللسان معها، ليقص قطعة قطعة، وكلاليب تغرس في أثداء النساء وتسحب بعنف حتى تتقطع الأثداء أو تبتر بالسكاكين.

    وعثرنا على سياط من الحديد الشائك يُضرب بها المعذبون وهم عراة حتى تتفتت عظامهم، وتتناثر لحومهم.

    هذا منقول من كتاب: (محاكم التفتيش) للدكتور علي مظهر ، وكتاب التعقل والتسامح للشيخ محمد الغزالي عليه رحمة الله من صفحة (311 حتى 313).

    هذا العذاب كان موجهاً ضد الطوائف المخالفة من المسيحيين والمسلمين واليهود، وقد كان عذاب المسلمين أشد من ذلك، بل إن دواوين التفتيش هذه انتقلت إلى بقاع العالم الإسلامي، فسلطها حكام مجرمون فجرة على شعوبهم.

    قال الشيخ جلال العالم: وقد ذكر لي شاهد عيان بعض أنواع التعذيب التي كانت تنفذ في أحد البلدان الإسلامية ضد مجموعة من العلماء المجاهدين فقال:

    بعد يوم من التعذيب الشديد ساقنا الزبانية بالسياط إلى زنزاناتنا، وأمرنا الجلادون أن نستعد ليوم آخر شديد.

    وصباح اليوم التالي أمرنا الجلادون أن نخرج فوراً، كنا نستجمع كل قوانا في أقدامنا الواهنة هرباً من السياط التي كانت تنزل علينا من حرس كان عددهم أكبر منا.

    وأخيراً أوقفونا في سهل صحراوي تحت أشعة الشمس اللاهبة، حول كومة من الفحم الجيري، كان يعمل الحرس جاهدين لإشعالها، وقرب النار مصلبة خشبية تستند إلى ثلاثة أرجل.

    ولما اشتعلت كومة الفحم الحجري حتى احمرت، فجأة سمعنا شتائم تأتينا من بعيد، التفتنا فوجدنا خمسة من الرجال يقودون شاباً كان اسمه: جاويد خان إمامي أحد علماء ذلك البلد.

    وامتلأ الأفق بنباح كلاب مجنونة، رأينا عشرة من الحرس يقودون كلبين، ارتفاع كل واحد منهما متراً، علمنا بعد ذلك أنهما قد حرما من الطعام منذ يومين.

    اقترب الحرس بالشاب جاويد من كومة النار الحمراء، وعيناه مغمضة بحزام سميك.

    كنا نتفرج أكثر من مائة سجين، ومعنا أكثر من مائة وخمسين من الحرس معهم البنادق والرشاشات، وفجأة اقترب من الشاب جاويد عشرة من الحراس وأجلسوه على الأرض، ووضعوا في حضنه مثلثاً خشبياً ربطوه إليه ربطاً محكماً بحيث يبقى قاعداً، ولا يستطيع أن يتمدد، ثم حملوه جميعاً، وأجلسوه على الجمر الأحمر، فصرخ صرخة هائلة، ثم أغمى عليه.

    سقط منا أكثر من نصفنا مغمى عليهم، كانوا يصرخون متألمين، وعمت رائحة شواء لحم جاويد المنطقة كلها، ومن حسن حظي أنني بكيت بكاء مراً، لكنني لم أصب بالإغماء.. لأرى بقية القصة التي هي أفظع من أولها.

    حُمل الشاب، وفكت قيوده وهو غائب عن وعيه، وصلب على المصلبة الخشبية، وربط بها بإحكام، واقترب الجلادون بالكلبين الجائعين، وفكوا القيود عن أفواههما، وتركوهما يأكلان لحم ظهر جاويد المشوي، فبدأت أشعر بالانهيار، إنه لازال حياً والكلاب تأكل لحمه فقدت وعيي بعدها.

    لم أفق إلا وأنا أصرخ في زنزانتي كالمجنون دون أن أشعر: جاويد ! جاويد ! أكلتك الكلاب يا جاويد ، كان إخواني في الزنزانة قد ربطوني وأحاطوا رأسي وفمي بالأربطة؛ حتى لا يسمع الجلادون صوتي فيكون مصيري كمصير جاويد ، أو كمصير شاهان خاني الذي أصيب بالهستيريا مثلي، فأصبح يصرخ جاويد ! جاويد ! فأخذه الجلادون ووضعوا فوقه نصف برميل مملوء بالرمل، ثم سحبوه على الأسلاك الشائكة التي ربطوها صفاً أفقياً، فمات بعد أن تقطع لحمه ألف قطعة، وأخيراً أغمي عليّ.

    فتحت عيني ففوجئت أنني في أحد المشافي، وفوجئت أكثر من ذلك بسفير بلدي يقف فوق رأسي، قال لي: كيف حالك، يبدو أنك ستشفى إن شاء الله، لو لم تكن غريباً عن هذه البلاد لما استطعت إخراجك، فاجأني سائلاً: لكن بالله عليك! قل لي: من هو هذا جاويد الذي كنت تصرخ باسمه، فأخبرته بكل شيء، فامتقع لونه حتى خشيت أن يغمى عليه.

    فلم نكمل حديثنا إلا والشرطة تسأل عني، واقترب من سريري ضابط وسلمني أمراً بمغادرة البلاد فوراً، ولم تنجح تدخلات السفير في ضرورة إبقائي حتى الشفاء، حملوني ووضعوني في باخرة أوصلتني إلى ميناء بلدي، كنت بثياب المستشفى، ليس معي أي وثيقة تثبت شخصيتي، فاتصلت بأهلي تليفونياً، فلما حضروا لم يعرفوني لأول وهلة، فحملوني إلى أول مستشفى، بقيت فيه ثلاثة أشهر في بكاء مستمر، ثم شفاني الله.

    ولقد كان مدير السجون يهودياً، والمسئول عن التعذيب خبيراً ألمانياً نازياً، وقد أطلقت تلك الحكومة في ذلك البلد الإسلامي يده يفعل بعلماء المسلمين ما يشاء.

    هذه قصة بسيطة من قصص محاكم التفتيش التي كان من نتيجتها أن كل مسلم كان على أرض الأندلس تنصر.

    وقد رثى الشاعر الأندلسي أبو البقاء الرندي سقوط الحكم الإسلامي على يد النصارى، حيث قال في مطلع قصيدته:

    لكل شيء إذا ما تم نقصان فلا يغر بطيب العيش إنسان

    فجائع الدهر أنواع منوعة وللزمان مسرات وأحزان

    وللحوادث سلوان يهونها وما لما حل بالإسلام سلوان

    دهى الجزيرة أمر لا عزاء له هوى له أحد وانهد ثهلان

    أصابها العين في الإسلام فارتزأت حتى خلت منه أقطار وبلدان

    فاسأل بلنسية ما شأن مرسية وأين قرطبة أم أين جيان

    وأين حمص وما تحويه من نزه ونهرها العذبُ فياض وملآنُ

    كذا طليطلة دار العلوم فكم من عالم قد سما فيها له شان

    وأين غرناطة دار الجهاد وكم أسد بها وهم في الحرب عقبان

    وأين حمراؤها العليا وزخرفها كأنها من جنان الخلد عدنان

    قواعد كن أركان البلاد فما عسى البقاء إذا لم تبق أركان

    والماء يجري بساحات القصور بها قد حط جدولها نهر وريحان

    ونهرها العذب يحكي في تسلسله سيوف عز لها في الكون لمعان

    وأين جامعها المشهور كم تليت في كل وقت به آي وفرقان

    وعالم كان فيهم للجهول هدى مدرس وله في العلم تبيان

    وعابد خاضع لله مبتهل والدمع منه على الخدين طوفان

    وأين مالقة مرسى المراكب كم أرست بساحتها فلك وغربان

    وكم بداخلها من شاعر فطن وذي فنون له حذق وتبيان

    كذا المرية دار الصالحين فكم قطب بها علم بحر له شان

    تبكي الحنيفية البيضاء من أسف كما بكى لفراق الإلف هيمان

    حتى المحاريب تبكي وهي جامدة حتى المنابر تبكي وهي عيدان

    على ديار من الإسلام خالية قد أقفرت ولها بالكفر عمران

    حيث المساجد قد أمست كنائس ما فيهن إلا نواقيس وصلبان

    يا غافلاً وله في الدهر موعظة إن كنت في سنة فالدهر يقظان

    وماشياً مرحاً يلهيه موطنه أبعد حمص تغر المرء أوطان

    تلك المصيبة أنست ما تقدمها وما لها مع طويل الدهر نسيان

    يا راكبين عتاق الخيل ضامرة كأنها في مجال السبق عقبان

    وحاملين سيوف الهند مرهفة كأنها في ظلام الليل نيران

    أعندكم نبأ من أهل أندلس فقد سرى بحديث القوم ركبان

    كم يستغيث صناديد الرجال وهم أسرى وقتلى فلا يهتز إنسان

    ماذا التقاطع في الإسلام بينكم وأنتم يا عباد الله إخوان

    ألا نفوس أبيات لها همم أما على الخير أنصار وأعوان

    يا من لنصرة قوم قسموا فرقاً سطا عليهم بها كفر وطغيان

    بالأمس كانوا ملوكاً في منازلهم واليوم هم في قيود الكفر عبدان

    فلو تراهم حيارى لا دليل لهم عليهم من ثياب الذل ألوان

    ولو رأيت بكاهم عند بيعهم كما تفرق أرواح وأبدان

    وطفلة مثل حسن الشمس إذ طلعت كأنما هي ياقوت ومرجان

    يقودها العلج للمكروه مكرهة والعين باكية والقلب حيران

    هل للجهاد بها من صارم صدقت لزخرفت جنة المأوى لها شان

    هذا ما قاله أبو البقاء الرندي في أشهر قصيدة له في ضياع ملك المسلمين في الأندلس.

    تعذيب المسلمين في الحبشة

    أما في الحبشة فهناك مثال على ما فعله الصليبيون في بلاد المسلمين.

    إريتريا المسلمة بتأييد من فرنسا وإنجلترا، فماذا فعلت الحبشة وحاكمها وإمبراطورها هيلاسيلاسي في المسلمين.

    صادرت معظم أراضيها، وأسلمتها لإقطاعيين من الحبشة، وكان الإقطاعي والكاهن مخولين بقتل أي مسلم دون الرجوع إلى السلطة، فكان الإقطاعي أو الكاهن يشنق فلاحيه من المسلمين أو يعذبهم في الوقت الذي يريد.

    وفُتحت للفلاحين المسلمين سجون جماعية رهيبة، يجلد فيها الفلاحون بسياط تزن أكثر من عشرة كيلو غرامات، وبعد إنزال أفظع أنواع العذاب بهم، كانوا يلقون في زنزانات بعد أن تربط أيديهم بأرجلهم، ويتركون هكذا لعشر سنين أو أكثر، وعندما كانوا يخرجون من السجون كانوا لا يستطيعون الوقوف؛ لأن ظهورهم قد أخذت شكل القوس.

    كل ذلك كان قبل استلام هيلاسيلاسي السلطة في الحبشة، فلما أصبح هيلاسيلاسي إمبراطور الحبشة وضع خطة لإنهاء المسلمين خلال خمسة عشر عاماً، وتباهى بخطته هذه أمام الكونغرس الأمريكي.

    فسن تشريعات لإذلال المسلمين منها: أن عليهم أن يركعوا لموظفي الدولة وإلا يقتلوا، وأمر أن تستباح دماؤهم لأقل سبب، فقد وجد شرطي قتيلاً قرب قرية مسلمة فأرسلت الحكومة كتيبة كاملة قتلت أهل القرية كلهم وأحرقتهم مع قريتهم، ثم تبين أن القاتل هو صديق المقتول الذي اعتدى على زوجته، وحاول أحد العلماء واسمه الشيخ عبد القادر أن يثور على هذه الإبادة فجمع الرجال، واختفى في الغابات، وجمعت الحكومة أطفالهم ونساءهم وشيوخهم في أكواخ من الحشيش والقصب، وسكبت عليهم البنزين وأحرقتهم جميعاً.

    ومن قبضت عليه من الثوار كانت تعذبه عذاباً رهيباً قبل قتله، من ذلك: إطفاء السجائر في عينيه وأذنيه، وهتك عرض بناته وزوجته وأخواته أمام عينيه، ودق خصيتيه بأعقاب البنادق، وجره على الأسلاك الشائكة حتى يتفتت، وإلقاؤه طريحاً قبل أن يموت لتأكله الحيوانات الجارحة، بعد أن تربطه بالسلاسل حتى لا يقاوم.

    وأصدر هيلاسيلاسي أمراً بإغلاق مدارس المسلمين، وأمر بفتح مدارس مسيحية، وأجبر المسلمين على إدخال أبنائهم فيها ليصبحوا مسيحيين.

    وعين حُكاماً فجرة على مقاطعات إرتيريا، منهم واحد عينه على مقاطعة جمة، فابتدأ عمله بأن أصدر أمراً ألا يقطف الفلاحون ثمار أرضهم إلا بعد موافقته، وكان لا يسمح بقطافها إلا بعد أن تتلف، وأخيراً صادر 90% من الأراضي، أخذ هو نصفها وأعطى الإمبراطور نصفها، ونهب جميع ممتلكات الفلاحين المسلمين.

    وأمرهم أن يبنوا كنيسة كبرى في الإقليم فبنوها، ثم أمرهم أن يعمروا كنيسة عند مدخل كل قرية أو بلدة، ولم يكتف بذلك بل بنى دوراً للعاهرات حول المساجد ومعها الحانات التي كان يسكر فيها الجنود، ثم يدخلون إلى المساجد ليبولوا ويتغوطوا فيها، وليراقصوا العاهرات فيها وهم سكارى.

    كما فرض على الفلاحين أن يبيعوا أبقارهم لشركة أنكودا اليهودية، فكافأه الإمبراطور على أعماله هذه بأن عينه وزيراً للداخلية.

    وكانت حكومة الإمبراطور تلاحق كل مثقف مسلم لتزجه في السجن حتى الموت، أو تجبره على مغادرة البلاد حتى يبقى شعب إرتيريا المسلم مستعبداً جاهلاً، وغير ذلك كثير. كما جاء في كتاب: (كفاح دين) للشيخ محمد الغزالي من صفحة (60 إلى صفحة 80).

    ما فعله الصرب في البوسنة والهرسك

    وما فعله الصرب في البوسنة والهرسك بالمسلمين معروف لكل من هب ودب.

    فكان يؤتى بطفلة عمرها خمس سنوات ويهتك عرضها الصربي، ويجبرها على أن تناديه بزوجي، ويهتك عرض المسلمة أمام أولادها وأمام زوجها، ثم يذبح زوجها وأطفالها أمامها، وأقاموا المقابر الجماعية للمسلمين، وأبادوا القرى، وهدموا المساجد، ولعبوا برءوس الأطفال مثل كرة القدم.

    رثاء البوسنة والهرسك للعشماوي

    يقول الدكتور عبد الرحمن العشماوي مصوراً تلك المأساة:

    نناديكم وقد كثر النحيب نناديكم ولكن من يجيب

    نناديكم وآهات الثكالى تحدثكم بما اقترف الصليب

    سراييفوا تقول لكم ثيابي ممزقة وجدراني ثقوب

    محاريبي تأن وقد تهاوى على جدرانها القصف الرهيب

    وأوردتي تقطع لا لأني جنيت ولا لأني لا أتوب

    ولكني رفعت شعار دين يضيق بصدق مبدأه الكذوب

    لأني لا أجامل أو أحابي ولا أرضى الخضوع ولا أذوب

    لهذا مزق الأعداء ثوبي وبين يدي أشعلت الحروب

    يا ليت المسلمين يأكلون ويشربون فقط، بل إن أمير الكويت تطوع بأربعة ملايين دولار لحديقة حيوانات في بريطانيا، وبالمقابل قال لي أخ كان يعمل ضمن أعضاء الرابطة في السعودية: والله العظيم إن الطفل المسلم الصومالي ينصر بشوال من الدقيق، يذهبون به إلى الكنيسة ويعطونه شوالاً من الدقيق فيصبح نصرانياً، وهذا يتطوع بأربعة ملايين دولار، فهو وأمثاله أولى بهم الفقر لكي يعودوا إلى دينهم، ملئوا الحانات والبارات والملاهي في أوروبا، فعلوا ما لا يفعله المجانين من العهر والفسق والرذيلة، وكل ما لا يخطر على بال.

    يقول الدكتور عبد الرحمن العشماوي :

    لكم يا إخوتي أكل وشرب وأكسية لها نسج عجيب

    لكم دار مشيدة وظل يظللكم به غصن رطيب

    لدى أطفالكم لعب وحلوى وعند نسائكم ذهب وطيب

    وما والله نحسدكم ولكن نقول أما لإخوتكم نصيب

    نذير الحرب في أرضي نذير لكم فالليل منشؤه الغروب

    وجدب الأرض يسبقه احتباس وعصف الريح يسبقه هبوب

    لنا في أرضنا نهر وماء وروض في مرابعنا خصوب

    لنا بيت وأطفال ولكن محت آثار منزلنا الخطوب

    بنات المسلمين هنا سبايا وشمس المكرمات هنا تغيب

    تبيت كريمة ليلى وتصحو وقد ألغى بكارتها الغريب

    يقبل وجهها يا ليت شعري بماذا ينطق الوجه الكئيب

    يموت الطفل في أحضان أم تهدهده وقد جف الحليب

    بكت حزناً عليه بغير دمع وأين الدمع والظمأ النصيب

    وكم يرعى خلايا الجسم داء فيهلكه وقد عز الطبيب

    سل الفجر الذي لم يبد فينا لماذا لا يغني العندليب

    بني الإسلام هذي حرب كفر لها في كل ناحية لهيب

    يحركها اليهود مع النصارى فقولوا لي متى يصحوا اللبيب

    أراكم تنظرون وأي جدوى لنظرتكم إذا غفت القلوب

    نشيد أطفال سراييفو

    ويقول الدكتور حسن أمرائي

    وهو من كبار الأدباء المغاربة في نشيد أطفال سراييفو: نحن أطفال سراييفو العتيدة إن حرمنا من حنان الأمهات في الليالي الحالكات فلأنا مسلمون نحن أطفال سراييفو المجيدة إن رمونا للسجون أو سقونا في الصبا كأس المنون فلأنا مسلمون نحن رغم القيد والقهر اللعين سوف نبقى مسلمين نحن أطفال سراييفو الجملية نعشق العصفور والوردة تزهو في الخميلة نعشق الأرجوحة الخضراء في الحقل ونعدو نحو أفق لا يحد نعشق الشمس ولون البحر نلهو بالمحار مثل آلاف الصغار ونحب النهر يشدو والفراشة تملأ الكون حبوراً وبشاشة فلماذا يا إلهي! ضرب الصرب الحصار ولماذا سرقوا منا النهار ولماذا بالدماء لطخوا وجه السماء ولماذا تصبح الأحلام كابوساً ويغدو لبن الأم دماً يا أصدقائي ويطير الأمل الأخضر من قبل الفطام يا أحبائي حطاماً في حطام ولماذا يقتل الورد الرصاص نحن أطفال سراييفو القتيلة قيدونا.. عذبونا.. أحرقوا المسجد والروض وأحلام الطفولة صادروا الآباء منا والبراءة والحكايات الجميلة علمونا في ربيع العمر أن نلعق جرح الكبرياء علمونا أن نغني للردى الزاحف أن نعزف ألحان المنية علمونا أن نصلي ويد تحضن جسم البندقية ما أشد الابتلاء نحن أطفال سراييفو الشهيدة سنصلي.. ونصلي.. ونعيد الضوء باسم الله للشمس الطريدة من بعيد.. من بعيد نحن عدنا من بعيد.. من بساط الموت عدنا نلعق الجرح العتيد نحمل الفجر الوليد يغمر الناس كل الناس بالعدل الرشيد فليمت من مات منا وليهاجر من يهاجر سوف تخضر المنابر من جديد.. من جديد والمحاريب ترى الذكر ندياً من جديد.. من جديد وستزهو الأرض من دفء الأذان ويعم النور يا أحبابنا كل مكان سوف نعلي راية الإسلام في الأرض وإن طال الحصار وسنبني للحضارة هاهنا ألف منارة ومنارة يا سراييفو النبيلة.. يا سراييفو الشهيدة أذن الله بأن ترفع رايات الجهاد نحن أطفالك حراس العقيدة

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756197178