إسلام ويب

التربية لماذا 5للشيخ : محمد حسان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من أعظم وسائل التربية: التربية بالقدوة الحسنة حين تترجم إلى واقع عملي مشاهد، كما كان حال المعلم الأول والمربي العظيم عليه الصلاة والسلام. ومن وسائل التربية أيضاً: التربية بالقصص القرآني والنبوي؛ لأنه يتسم في كل فصوله بالواقعية مع الحفاظ على عنصر الطهر والعفاف والأخلاق الحميدة، بخلاف القصص المعاصر الذي يروج للشهوة والدعارة، ويحرك الغرائز الكامنة.

    1.   

    أهمية دروس التربية

    بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين. فاللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فحياكم الله جميعاً أيها الأحبة الكرام! وطبتم وطاب ممشاكم، وتبوأتم جميعاً منزلاً من الجنة، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجمعني وإياكم في الدنيا دائماً وأبداً على طاعته، وفي الآخرة مع سيد الدعاة وإمام النبيين في جنته ومستقر رحمته؛ إنه ولي ذلك ومولاه، وهو على كل شيء قدير. أيها الأحبة في الله! إن لقاءنا هذا هو اللقاء الخامس من هذه السلسلة المنهجية التربوية التي عنونا لها بعنوان: التربية لماذا؟ فأعيروني القلوب والأسماع؛ فإن هذا اللقاء من الأهمية بمكان، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منا وإياكم صالح الأعمال، وأن يرزقنا الإخلاص في أقوالنا وأعمالنا؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه. أيها الأحبة في الله! لقد بدأنا الحديث عن هذه السلسلة بأسباب اختياري لهذا الموضوع، وركزت الحديث في الأسباب التالية: أولاً: أن الصحوة الإسلامية في أمس الحاجة إلى منهج تربوي أصيل يصحح سيرها ومسراها، حتى لا تقع الصحوة في أي تعامل خاطئ مع النصوص الخاصة أو العامة بوضعها في غير موضعها، أو بالاستشهاد بها في غير محلها، أو بدون تحقيق المناطات الخاصة أو العامة التي لابد منها للربط بين دلالة النصوص وحركة الواقع ربطاً صحيحاً. السبب الثاني: الذوبان في بوتقة المناهج التربوية الغربية الدخيلة؛ فإننا نرى كثيراً من المسئولين عن وضع المنهج التربوي لأبنائنا وبناتنا طيلة السنوات الماضية قد ضعفوا أمام المناهج التربوية الغربية الدخيلة، ووجدوا أنفسهم ينسابون في هذه الأطر وفي تلك المناهج، ومن ثمَّ وجب علينا أن نبين أننا نملك -وبكل ثقة- المنهج التربوي الأصيل الذي يصلح لكل زمان، ويصلح لكل مكان، ويصلح لجميع مستويات البشر؛ لأن الذي وضعه هو خالق البشر جل وعلا، الذي قال -وهو أصدق القائلين-: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14]. ثالثاً: الانفصام بين المنهج المنير والواقع المرير؛ فإننا نرى انفصاماً كثيراً بين منهجنا المشرق وبين واقع الأمة في جانب العقيدة، وفي جانب العبادة، وفي جانب التشريع، وفي جانب الأخلاق، وفي جانب المعاملات والسلوك، ونرى كثيراً من أخلاق الإسلام قد أعرض كثير من المسلمين عنها في هذه الأيام، ومن ثمَّ وجب على الأمة أن تعود مرة أخرى إلى هذا المنهج التربوي الذي جاء به الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم. ثم تكلمت عن مصادر التربية وقلت: إن أهم المصادر التي يجب على الأمة أن ترجع إليها مرة أخرى لتستقي منها منهجها التربوي هي: - القرآن الكريم. - والسنة. - ومنهج السلف، باعتباره يمثل التطبيق العملي للقرآن والسنة. ثم تكلمت بعد ذلك عن خصائص التربية، وركزت الحديث في الخصائص التالية: أولاً: التكامل والشمول. ثانياً: التوازن والاعتدال. ثالثاً: التميز والمفاصلة، وتحدثت عن هذا بالتفصيل. ثم تكلمت في اللقاء الماضي عن وسائل التربية، وقلت: إنني سوف أركز الحديث عن الوسائل التالية: أولاً: التربية بالقدوة. ثانياً: التربية بالقصص القرآني والنبوي. ثالثاً: التربية بالمثل القرآني والنبوي. رابعاً: التربية بالموعظة. خامساً: التربية بالعادة والأحداث. سادساً: التربية بالعبادة. وأخيراً: التربية بالعقوبة.

    1.   

    التربية بالقدوة الحسنة

    تكلمت في اللقاء الماضي عن أعظم وسائل التربية ألا وهو: التربية بالقدوة، وقلت: يا أحبابي! إن شبابنا الآن يعيش صراعاً نفسياً داخلياً رهيباً؛ لأنه قد فقد القدوة الطيبة الصالحة في جانب التربية، وفي جانب الدعوة، وفي جانب الأبوة. يعيش شبابنا اليوم صراعاً نفسياً رهيباً؛ إذ إنه فقد القدوة الطيبة والمثل الأعلى في هذه الأيام، لاسيما وقد قُدم الفارغون والتافهون ليكونوا القدوة والمثال. أيها الأحبة! من اليسير جداً أن نقدم منهجاً نظرياً في التربية، أمر ميسور أن يجلس مقنن أو مرب أو مبدع أو مفكر ليضع منهجاً تربوياً نظرياً غاية في الإتقان والإبداع، ولكن هذا المنهج يظل حبراً على ورق -لا قيمة له على الإطلاق- ما لم يتحول في حياة الناس إلى واقع يتحرك. فالمنهج النظري ليس له قيمة إلا إذا تحول في حياة الناس إلى منهج عملي، فنحن نتغنى بالصدق، ولكن ندر الصادقون! ونتغنى بالأمانة، ولكن قلَّ أهل الأمانة! ونسعد بالوفاء بالعهد والوعد، ولكن ندر الموفون بوعودهم وعهودهم! وهكذا... فالمنهج النظري حتى وإن كان رائعاً جميلاً يظل حبراً على ورق ما لم يتحول إلى واقع يتحرك في دنيا الناس. ولذلك لما شرع الله جل وعلا هذا المنهج التربوي المعجز علم -وهو العليم الخبير- أنه لابد لكي يتحول هذا المنهج التربوي في حياة الناس إلى واقع أنه لابد للناس من قدوة تتحرك بهذا المنهج في دنيا الناس، فيعي الناس أن هذا المنهج حق؛ لأنهم رأوه بأعينهم واقعاً يتحرك في دنياهم، ومن ثمَّ بعث الله أعظم قدوة وأطهر مثل محمداً صلى الله عليه وآله وسلم؛ لتتحرك هذه القدوة وليتحرك هذا المثل بين الناس، فيعلم الناس علم اليقين أن هذا المنهج حق لا مراء فيه؛ لأنهم يرونه يتجسد في هذه القدوة الطيبة والمثل الأعلى؛ في محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم. وقد زكى الله هذه القدوة تزكية مطلقة -بأبي هو وأمي- زكاة في عقله.. في علمه.. في صدقه.. في فؤاده.. في قلبه.. في صدره.. في حلمه.. وفي كل شيء؛ لتكون هذه القدوة وليكون هذا المثل مستمراً على مدار الأزمان والأيام؛ لأن الإسلام وهو يقدم هذه القدوة لا يقدمها للإعجاب السالف، ولا لنتغنى بقدوته وأخلاقه وصدقه؛ ثم يتوقف حالنا عند هذا الحد، كلا! وإننا نرى كثيراً من أبناء الأمة الآن يتغنون بأخلاق الحبيب المصطفى، بل ويعلنون على مدى الأزمان والأيام أن قدوتهم الطيبة ومثلهم الأعلى هو رسول الله، في الوقت الذي لا نرى فيه اتباعاً عملياً لهذه القدوة الطيبة، ولهذا المثل الأعلى. فالإسلام حينما يجعل قدوته الطيبة ومثله الأعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنه لا يقدم هذه القدوة للإعجاب السالف، أو للتفكير النظري التجريدي، كلا! وإنما يقدم الإسلام هذه القدوة الطيبة ليحول الناس أخلاقها إلى منهج حياة، وإلى واقع يتحرك في دنيا الناس. فالرسول عليه الصلاة والسلام كان آية من آيات الله، وعجيبة من عجائب الكون، ومعجزة من معجزاته، جمع الله في شخصه شخصيات كثيرة؛ فهو رسول من عند الله، يتلقى الوحي من السماء؛ ليربط الأرض بالسماء بأعظم رباط وأشرف صلة. وهو رجل سياسة من الطراز الأول، يقيم دولة من فتات متناثر، فإذا هي بناء لا يطاوله على الإطلاق بناء. وهو رجل حرب، وكأنه لا يجيد إلا فن النزال والقتال، كان يضع الخطط والبرامج، ويكون في مقدمة الصفوف، وإذا حمي الوطيس واشتدت المعركة وخاف الناس؛ وقف الحبيب في المقدمة ينادي بأعلى صوته إذا صمتت الألسنة الطويلة، وخطبت السيوف والرماح على منابر الرقاب، وقف الحبيب يعلن بأعلى صوته: (أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب) عليه الصلاة والسلام. وهو رجل إنساني من طراز فريد، امتلأت نفسه من هموم الناس وآلامهم، فأعطاهم -بالرغم من كل هذه المسئوليات- من وقته ومن عطفه ومن حنانه ومن خلقه، بل ومن ماله، وكأنه رجل إنساني لا يعيش إلا لآلام الناس وآمالهم. وهو زوج وأب ورب أسرة كبيرة تحتاج كثيراً من النفقات؛ من نفقات الوقت، ومن نفقات الفكر، ومن نفقات الشعور، ومن نفقات المسئولية، فضلاً عن نفقات المال؛ فكان الحبيب يقوم بهذا الدور الكبير على أعظم وأتم صورة عرفها التاريخ وشهدتها الأرض. وقبل كل ذلك وبعد كل ذلك، فهو رجل دعوة، أخذت الدعوة منه وقته وروحه وجهده وعرقه، بل ودمه. هذه القدوة الطيبة وهذا المثل الأعلى، ما أحبه أصحابه، وما تعلقت به قلوب أبنائه وطلابه إلا لأنه ما أمرهم بأمر إلا وكان أول المؤتمرين به، وما نهاهم عن شيء إلا وكان أول المنتهين عنه، وما حد لهم حداً إلا وكان أول الوقافين عند هذا الحد؛ ومن هنا تعلقت به القلوب صلى الله عليه وسلم!

    أهمية القدوة الحسنة في التربية

    كيف يتعلق الطالب بأستاذه وهو يرى أستاذه يأمر بأمر ويخالفه؟! كيف يتعلم الولد الصدق وهو يرى أباه يكذب؟! كيف تتعلم البنت الفضيلة وهي ترى أمها مستهترة؟! إن أعظم وسائل التربية هي القدوة، وهي أن يرى الابن والطالب والشاب هذه القدوة العملية تتحرك أمام عينيه وبين يديه. عندما رأى الحسن والحسين رضوان الله عليهما شيخاً كبيراً لا يحسن الوضوء، لم ينتهراه، ولا سخرا منه؛ لأن هؤلاء تربوا في مدرسة النبوة، وتربوا في بستان الأخلاق، وتربوا في حضن المصطفى وكفى! فماذا فعل الحسن والحسين؟ قال الحسين: (هلا أتيت لتحكم بيننا، ولترى من لا يحسن الوضوء؛ فإن الحسن يتهمني أني لا أحسنه، وأنا أقول: بل أنت الذي لا تحسن الوضوء؟! فتوضأ الحسن فأتم وأكمل، وتوضأ الحسين فأتم وأكمل). فهم الرجل هذا الأسلوب التربوي الفريد بالقدوة الطيبة والمثل الأعلى، فنظر إلى الحسن والحسين وقال: كلاكما على صواب، وأنا المخطئ، فجزاكم الله عني خيراً يا آل بيت رسول الله! فهذه هي القدوة الطيبة، والمثل الأعلى. أعظم وسيلة من وسائل التربية: القدوة، أن يرى الشباب قدوته تتحرك أمام عينيه وبين يديه، وتخيل لو أننا في مصلحة من المصالح الحكومية، ورزق الله هذه المصلحة بقائد تقي نقي مؤمن، فإذا ما استمع إلى أذان الظهر قام من مكتبه على الفور ليجدد وضوءه، ثم نزل إلى مكان قد أعده للصلاة ليصلي؛ فماذا ستكون النتيجة؟ بالله عليكم! إذا كان هذا هو رئيس المصلحة فهل سيتخلف عن الصلاة موظف في هذا المكان؟ الجواب: لا يمكن؛ لأن الرجل الأعلى في هذا المكان قام بالقدوة الطيبة؛ ليعلمهم أنه إذا حان وقت الصلاة وجب على الجميع أن يترك كل أعمال الدنيا ليضع أنفه وجبينه في التراب ذلاً لخالقه ورازقه جل وعلا. الرسول عليه الصلاة والسلام لما أمر الصحابة بالإنفاق كان أجود بالخير من الريح المرسلة، جاءه رجل يسأله فقال له: (خذ الغنم الذي بين الجبلين، فساق الرجل الغنم كلها، وذهب إلى قومه ليقول: يا قوم! أسلموا؛ فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفقر). عندما يأتي طالب العلم الصغير فيرى أحد شيوخه يتعامل مع أحد الدعاة بمنتهى التواضع والإجلال والأدب؛ سيتعلم بالقدوة أنه هكذا ينبغي أن يكون التعامل بين أهل العلم وأهل الفضل، وإذا رأى أستاذه وشيخه يجل رجلاً كبيراً ذا لحية بيضاء فسيتعلم بالقدوة كيف يكون الإجلال لأصحاب الشيبة في الإسلام، وهكذا... وأنا والله! أعلم يقيناً أنه لا ينبغي لمثلي أن يتكلم عن القدوة، ولا أقول هذا تواضعاً؛ فإنه لا ينبغي لمثلي على الإطلاق أن يتكلم عن القدوة إلا إذا توافرت فيه شروط الأهلية والعملية، ولكنني أتكلم من منطلق شعوري بالمسئولية لا من منطق شعوري بالأهلية، والقاعدة الأصولية تقول: (من عدم الماء تيمم بالتراب)، فأسأل الله أن يغفر ذنوبنا، وأن يستر عيوبنا، وأن يتجاوز عنا بمنه وكرمه؛ إنه ولي ذلك ومولاه، وهو على كل شيء قدير. أيها الأحبة الكرام! تعمدت أن أطيل بعض الشيء في التربية بالقدوة؛ لأنها أعظم الوسائل في التربية.

    1.   

    التربية بالقصص القرآني

    ثانياً: التربية بالقصص القرآني والنبوي: أيها الحبيب الكريم! إن للقصص القرآني والنبوي وظيفة تربوية بليغة، لا يمكن أن يقوم مكانها أي لون آخر من الأداء اللغوي. وذلك لما للقصص القرآني والنبوي من ميزات نفسية تخاطب أعماق الفطرة، وتحرك الوجدان، وتهز الشعور، مع الحفاظ على كل ملامح الواقعية في كل جزئيات القصة من أولها إلى آخرها. فالقصص القرآني والنبوي يقدم ملامح الواقعية في القصة في كل أشكالها وصورها وجزئياتها، بل في كل شخصياتها، بل في كل كلماتها، بل في كل حروفها، ولم يتخل القصص القرآني والنبوي بالرغم من هذا عن طابعه النظيف الطاهر في موقف واحد، ولم ينشئ القصص القرآن والنبوي ذلك المستنقع الكريه الآثم، ولم يثر الغرائز الكامنة، والشهوات الهاجعة .. كلا! لو قرأت أي قصة من قصص القرآن أو من قصص النبي صلى الله عليه وآله وسلم لوجدت منها كل ملامح الواقعية، بخلاف كتاب القصة الواقعية المعاصرة؛ فإنهم يقولون: من أجل أن يبقى الكاتب واقعياً فإنه يعزف على وتر الجنس، وعلى وتر الدم، وعلى وتر العنف، وعلى وتر الدعارة، وعلى وتر ابتزاز غرائز القراء؛ بحجة الواقعية في القصة، وبحجة الكمال الفني في الأداء. والذين يشاهدون التلفاز يعرفون هذا الكلام، فالكتاب المعاصرون يعزفون على هذه الأوتار بحجة الواقعية، يعني: لابد أن تكون القصة مطابقة للواقع، وعليه فلابد أن يجسد الكاتب هذه الشخصيات، وفي الوقت ذاته يثير الغرائز الهاجعة والشهوات الكامنة، وينشئ هذا المستنقع الآثم من الوحل والرذيلة والعفونة والعار. والله! لا أنسى أبداً وأنا طالب في الكلية حين دخل عليّ شاب من الإسكندرية، وكنت حينئذٍ أصلي بالإخوة إماماً، وكان مقرراً علينا قصة لـنجيب محفوظ، فدخل عليّ هذا الشاب وهو يبكي، فقلت: ما الذي يبكيك؟ فقال: جلست الليلة لأقرأ ما قرر علينا في هذه القصة، فلم أتمالك نفسي فعصيت الله جل وعلا، وأنزلت شهوتي بيدي! فقلت: سبحان الله! ولمَ؟ قال: ألم تقرأ القصة؟ قلت: لا. ما قرأتها بعد، وما دام أنها مقررة علينا مددت يدي إلى الكتاب وفتحت على الباب الذي كان يقرؤه أخونا، فوالله الذي لا إله غيره! لقد قرأت كلاماً يحول النساك العباد إلى فساق فجار. فماذا تريد من شاب تجسد له الفاحشة تجسيداً دقيقاً، بتصوير دقيق رهيب، وهو شاب له نفس بشرية فيها الإقبال والإحجام، وفيها الطاعة والمعصية، وفيها الفجور والتقوى، وفيها الإيمان والكفر؟! قال عز وجل: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:7-10]! فرجل في سن الشباب يرى فتاة جامعية جميلة تجلس إلى جواره، بل وتلصق فخذها بفخذه، ويقرأ هذا الكلام، ماذا تنتظرون منه؟! هل هو ملك مقرب أو نبي مرسل؟ الجواب: لا هذا ولا ذاك، والنفس البشرية ضعيفة، كما قال عز وجل: إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي [يوسف:53] أسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن رحم، وأي إنسان -يا إخوان- قد يزل، بل لقد زل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. بعض الصحابة وقع في الزنا فجاء إلى النبي ليقيم عليه حد الرجم؛ لأنه كان متزوجاً، وجيء برجل من أصحاب النبي شارباً للخمر؛ فالنفس البشرية فيها الطاعة والمعصية، وفيها الإقبال والإحجام، فكتَّاب القصة الواقعية المعاصرة -بحجة الواقعية، وبحجة الكمال الفني في الأداء- لا يعزفون إلا على وتر الجنس والدعارة والدم وابتزاز غرائز القراء، والحجة المزعومة: الإبداع الفني في القصة الواقعية المعاصرة!! وهذا والله! لا ينطلي إلا على أصحاب العقول القاصرة الضعيفة، فإذا كان هؤلاء يعبرون عن تجاربهم الشخصية بكل ما فيها من شذوذ وانحراف فهم صادقون مع أنفسهم على كل حال، لكن السؤال الخطير الذي يفرض نفسه: ما الداعي لتقديم هذه الأعمال الهابطة، وهذه التجارب الساقطة لشباب الأمة؟ نحن الآن في أمس الحاجة إلى أن نربي الشباب على الرجولة، وعلى البذل، وعلى العمل، وعلى الإنتاج, وعلى العطاء؛ لنوفر لكثير من أبناء الأمة رغيف الخبز! يقدم كتَّاب القصة الواقعية المعاصرة هذا اللون دون مراعاة لعقيدة أو لمنهج أو لخلق أو لفضيلة، بل دون رغبة صادقة في صناعة حياة شريفة هادئة !!

    1.   

    الواقعية في القصص القرآني وبيان ذلك في قصة يوسف

    يمتاز القصص القرآني والنبوي بأنه يعرض القصة الواقعية بكل صورها، وبكل ملامح حياتها، مع أنه لم يتخل في موقف واحد من مواقف القصة -من البداية إلى النهاية- عن الأسلوب الجميل النظيف الطاهر، وسأضرب لكم مثالاً واحداً بقصة قرآنية واحدة؛ لأدلل على أن القصة القرآنية ما تخلت في موقف من مواقفها، بل في كلمة من كلماتها، عن الأسلوب النظيف الطاهر الذي يهدف في النهاية إلى تربية القلب والعقل والروح والبدن إنها قصة يوسف. وبالمناسبة فقصة يوسف هي القصة الوحيدة في القرآن الكريم كله التي وردت بكمالها وطولها في سورة واحدة؛ لأن القصص القرآن حتى وإن ورد في سور أخرى بكاملها فإنه يأتي مجملاً، ويأتي مختصراً، ولكن القصة الوحيدة التي وردت بالتفصيل في سورة واحدة هي قصة يوسف، فهي القصة الوحيدة التي تتجسد فيها كل ملامح الواقعية في كل شخصية، وفي كل موقف، بل وفي كل كلمة. وقد عرضت القصة الصورة الشخصية الرئيسية وهي: شخصية يوسف عليه السلام، وبلغة الكتَّاب المعاصرين هو البطل، فعرضت القصة الشخصية الرئيسية بكل واقعية من أول لحظة إلى آخر لحظة، ابتداءً بفتنة الإلقاء في غيابة الجب، قال عز وجل: قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [يوسف:11-12]. وفي الأخير: فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [يوسف:15]. ومروراً بفتنة البيع بثمن بخس: وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ [يوسف:20]. ومروراً بفتنة التربية في بيت الملك: وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [يوسف:21]. ومروراً بأعصف فتنة مرت بهذا البطل ذي الشخصية الطاهرة الكريمة، إنها فتنة الشهوة، وفتنة اجتماع النسوة عليه، وكانت الفتنة في أول الأمر تتمثل في امرأة واحدة، ثم بعد ذلك تضخمت الفتنة فاجتمعت عليه نسوة، فالتجأ إلى الله وقال: وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [يوسف:33-34]. ومروراً بفتنة السجن: ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ * وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ [يوسف:35-36] إلى آخره. ومروراً بفتنة الملك والوزارة مرة أخرى: وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ * قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ [يوسف:54-55]. وبعد ذلك تنهي القصة الحديث عن هذه الشخصية الفذة، وعن هذا العبد الصالح، وكيف نجاه الله من كل هذه الفتن، وكيف نجاه الله من كل هذه المحن، وكيف خرج طاهراً من كل هذه الابتلاءات، وهي تسلط عليه الضوء وهو يضرع إلى الله جل وعلا بهذا الدعاء الخاشع الأواب المنيب: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ [يوسف:101]. ما تخلت القصة عن طابعها النظيف الطاهر في أي موقف من هذه المواقف أبداً، إنها قمة النظافة.. قمة الإبداع.. قمة الجمال التعبيري. وبالإضافة إلى هذه الشخصية الرئيسية هناك شخصية الأب الملهوف، والنبي الموصوف، إنه نبي الله يعقوب على نبينا وعليه الصلاة والسلام، قدمته القصة بكل واقعية منذ اللحظة الأولى حينما قال لولده يوسف: قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ [يوسف:5]، ومروراً بحالة الخوف وهو يقول لبنيه: قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ [يوسف:13]. ومروراً بالحالة القاسية وهو يبكي بالليل والنهار ويقول لبنيه: قَالَ إِنَّمَا أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [يوسف:86]. ويوصي أبناءه بالرجاء وأن ينطلقوا ليبحثوا عن أخيهم وعن ابنه الذي أحبه من كل قلبه: يَا بَنِيَ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ [يوسف:87]. وانتهاءً بهذا المشهد الكريم الذي تجسد فيه القصة فرحة هذا الأب الكريم حينما يأتي البشير ليلقي قميص يوسف على وجه يعقوب عليه السلام، فيرد الله إليه بصره: فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ * قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [يوسف:96-98]؛ إنها قمة الواقعية! وجسدت القصة أيضاً صورة شخصية أخرى رئيسية، ألا وهي شخصية امرأة العزيز، بمنتهى الواقعية، ولم تتخل القصة عن الأسلوب الجميل الطاهر النظيف حتى في لحظات التعري النفسي والجسدي، يوم أن تقدمت المرأة وقد تجردت من كل حياء أنثوي، ومن كل كبرياء نفسي، ومن كل مركز اجتماعي؛ لتعلن عن شهوتها الجامحة بكل قوة وبكل جرأة وهي تقول: وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ [يوسف:32]. وانظر إلى كيد المرأة الرهيب، وكيف فكرت في أن ترد الكيد والتهمة عن نفسها مع حفاظها على أن يبقى حبيبها أمام عينيها وبين يديها، فما أمرت بقتله وإنما أمرت بسجنه؛ ليظل أمام عينيها تراه حينما تريد، قالت: مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا [يوسف:25] فذكرت التهمة وحددت الجزاء: إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [يوسف:25] بكل واقعية تعرض القصة شخصية هذه المرأة، حتى في اللحظات الأخيرة وهي تعترف في تبتل وخشوع وهي تقول: الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ * وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ [يوسف:51-53]. وإلى جانب هذه الشخصيات هناك إخوة يوسف، فقد عرضتهم القصة أيضاً بكل واقعية، وعرضت كيف نما الحقد في قلوبهم، وكيف حجبت الكراهية قلوبهم وضمائرهم عن هذه الجريمة البشعة النكراء، وهم يلقون أخاهم في غيابة الجب ، بل وهم يقولون في وجهه: إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ [يوسف:77] ، بل وهم يصرخون بين يديه ويعترفون بأن الله قد أعزه عليهم، وبأن الله قد رفع درجته عليهم قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ [يوسف:91]، فيرد عليهم يوسف برحمة وشفقة وحنان: قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف:92] إلى آخر كلماتهم في القصة، قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [يوسف:97-98]. وإلى جانب هذه الشخصيات هناك شخصية العزيز، وهناك شخصية الملك، بل وهناك البيئة التي جسدتها القصة تجسيداً دقيقاً حتى بملامحها التاريخية، ذلكم هو الإبداع الرباني والقرآني في القصة القرآنية؛ لأنه كلام الحق جل وعلا.

    1.   

    دروس من قصة يوسف

    وبعد كل ذلك -أيها الأحباب- أقول: إن المربي الناجح -وهذا هو الهدف- هو الذي يعرف كيف يوظف القصة توظيفاً تربوياً؛ فالمربي الناجح هو كالأب في بيته، فإذا كنت تحكي قصة يوسف لابنك فانظر ما هي الدروس التربوية التي يجب عليك أن تقف أمامها لتعزف على وترها، ولتغرس معانيها في قلب ولدك. أيها الأستاذ في جامعتك، وفي فصل مدرستك! احرص على الدروس التربوية التي يجب عليك أن تقف أمامها لتغرسها في قلوب وعقول طلابك وأبنائك إذا ما وقفت يوماً لتقص عليهم قصة قرآنية؛ لأن هذا هو الهدف، والمربي الناجح هو الذي يعرف كيف يوظف القصة القرآنية توظيفاً تربوياً كريماً ليربي عقول وقلوب طلابه وأبنائه، فتدمع عيونهم، وتخشع قلوبهم، وتخضع جوارحهم، ولن يتسع الوقت للوقوف مع كل الدروس التربوية في القصة، وإنما سأقف عند دروس محددة:

    تسلية النبي صلى الله عليه وسلم

    أول درس من الدروس التربوية في قصة يوسف: أن القصة كاملة إنما هي تسلية لقلب المصطفى عليه الصلاة والسلام، لأن سورة يوسف مكية، نزلت على قلب رسول الله وهو في مكة لتثبت فؤاده صلى الله عليه وسلم، وكأن الله جل وعلا أراد أن يقول للمشركين في مكة: إن الله هو الذي نجى يوسف عليه السلام من غيابة الجب، ونجاه من الأسر، ومن العبودية والرق، ورباه في بيت الملك، ونجاه من الشهوات والفتن في بيت العزيز، ومكنه من الأرض يتبوأ منها حيث يشاء، حيث جعله وزيراً للاقتصاد في مصر، ثم رد الله عليه أهله بعد ذلك وجمع شمله بهم، إن الله الذي فعل ذلك قادر على أن ينجي محمداً وأصحابه، وسوف يخرجهم من بين أظهركم، وسوف يعيده مرة أخرى إلى بلدكم ظاهراً ظافراً منتصراً. وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة مطروداً من بيته ومن ماله ومن أهله، وفي سنوات قليلة جداً عاد النبي عليه الصلاة والسلام إلى مكة مرة أخرى في أكثر من عشرة آلاف موحد؛ ليفتح مكة، وليرتقي بلال على سطح الكعبة، بلال ذلك العبد الأسود الذي أغاظ الكفار والمشركين حتى قال أحدهم: ألم يجد محمداً إلا هذا الغراب الأسود ليرتقي على سطح الكعبة؟ يعود النبي عليه الصلاة والسلام في هذه الجموع الموحدة ليأمر بلالاً أن يرتقي على سطح الكعبة؛ ليعلن -ولأول- مرة كلمة التوحيد وكلمة التكبير: الله أكبر، ويعلن الوحدانية لله: أشهد أن لا إله إلا الله، ويعلن النبوة لمحمد بن عبد الله: أشهد أن محمداً رسول الله؛ لتبكي حجارة الكعبة فرحاً وطرباً، بعدما طهرها الحبيب من الشرك، وكان يشير بعود في يده إلى هذه الأصنام التي قبعت على سطح الكعبة وفي جدرانها، وكلما أشار النبي بهذا العود إلى صنم من هذه الأصنام التي كانت تعبد بالأمس القريب يخر هذا الصنم على وجهه، ويتلو الحبيب قول ربه: وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا [الإسراء:81]. من كان يصدق هذا؟ لقد كان رسول الله وحده في مكة يقول: لا إله إلا الله، ولم يجد أحداً ينصره، ولقد خرج على قدميه المتعبتين الداميتين -بأبي هو وأمي- إلى الطائف، ومشى النبي صلى الله عليه وسلم سبعين كيلو يا إخوان -أي: مائة وأربعين كيلو ذهاباً وإياباً- مشى على رجليه، لم يركب سيارة مكيفة ولا طائرة، بل ولا حتى دابة، خرج الحبيب على قدميه وذهب إلى الطائف، والله! ما يريد مالاً، ووالله! ما يريد جاهاً، ووالله! ما يريد منصباً، ووالله! ما يريد كرسياً زائلاً، وإنما أراد أن ينتشلهم من أوحال الكفر والشرك إلى أنوار التوحيد والإيمان. فماذا فعلوا به وهو حبيب الله.. وهو رسول الله.. وهو خليل الله.. وهو الذي كان يحمل في قلبه نور الله، وهو الذي ذهب إليهم يحمل لهم سعادة الدنيا والآخرة؟ رموه بالحجارة، وسلطوا عليه الصبيان والسفهاء، حتى نزف الدم الشريف منه، وأنزل الله إليه ملك الجبال في عودته -والحديث في البخاري - وقال له ملك الجبال: يا رسول الله! لقد أرسلني الله إليك فمرني بما شئت، لو أمرتني أن أطبق عليهم الأخشبين لفعلت. ووالله! لو كان رسول الله ممن ينتقم لذاته، وممن ينتقم لقطرات دم نزفت منه، وممن ينتقم لمكانته، وممن ينتقم لشخصيته؛ لأمر ملك الجبال أن يحطم تلك الرءوس، وأن يهدهد تلك الجماجم؛ لتسيل الدماء من الطائف فيراها أهل مكة بمكة، ولكنه نهر الرحمة وينبوع الحنان، إنه الرحمة المهداة والنعمة المسداة، الذي ما خرج إليهم إلا وهو يعلم يقيناً أن هذه الأصلاب تحمل ربيعاً قادماً، وتحمل أملاً يشرق كالفجر، ويتحرك كالنسيم؛ ولذا قال الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم: (لا، إنما أرجو الله أن يخرج من أصلابهم من يوحد الله عز وجل). واليوم أرى كثيراً من أحبابنا وإخواننا الدعاة قد يثأر لذاته، وقد يثأر لشخصه، وقد يغضب إذا ما تكلم أحد الطلاب أو أحد الدعاة في حقه، يأتي من منطلق أنه يريد أن يبين الحق فيثأر لذاته، وينتقم لشخصه من مدخل شيطاني لا يشعر به. وأذكر نفسي وإياكم أيها الدعاة! وأيها الشباب! أنه يجب علينا أن نجعل أنفسنا وذواتنا في الوحل والتراب والطين نصرة لمنهج رب العالمين، فإذا كنت ممن يريد الحق فبين الحق دون تجريح، وإذا كنت ممن يريد الله ورسوله والدار الآخرة فما الداعي لأن تجرح أخاك، إذا كنت ممن يريد الله ورسوله والدار الآخرة فاحفظ لسانك وبين الحق دون أن تتعرض لتجريح أحد، أما إن كنت ممن يثأر لنفسه، وممن يثأر لذاته، وممن يثأر لشخصه، فقل ما شئت، واجرح من شئت، وعدِّل من شئت، وغداً سنقف بين يدي الله جل وعلا؛ وسنندم على كل كلمة تلفظت بها الألسنة، وعلى كل حركة أدتها الجوارح ولم تكن لمرضاة الله، ولا في مرضاة الله، مصداقاً لقوله: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18]، ومصداقاً لقوله: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:7-8]. رسول الله لم يثأر لذاته قط، ولم يثأر لنفسه قط، وما غضب لنفسه أبداً كما قال أنس، ولكن كان إذا انتهكت حرمة من حرمات الله غضب غضباً شديداً، كما في قصة المرأة المخزومية التي سرقت، وجاء أسامة بن زيد رضي الله عنه الحب ابن الحب ليشفع فيها، ولكن لم يكن هناك محسوبية، ولم يكن في المجتمع النبوي الكريم الطاهر مجاملة لأحد على حساب المنهج أبداً. ولما سمع النبي من أسامة ذلك غضب، وقام على المنبر وقال: (أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة؟! والذي نفس محمد بيده! -وفي لفظ- وايم الله! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)، وبين أن السبب الرئيسي من أسباب هلاك الأمم الماضية أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، فالشريف يبرأ لأن له الواسطة وله المحسوبية، لكن المظلوم الفقير لا يبرأ لأنه لا واسطة له، وهذا سبب من أسباب هلاك الأمم والدول، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. إذاً: الدرس الأول من الدروس التربوية هو: أن القصة بكاملها تسلية وتثبيت لقلب النبي عليه الصلاة والسلام، وللقلة المؤمنة التي آمنت به واتبعته، وأن لله قادر على أن ينصرهم ويعزيهم، وقد تحقق وعد الله، فأعز الله النبي والصحابة، وعادوا بعد سنوات -لا تساوي في حساب الزمن شيئاً- فاتحين لمكة منتصرين موحدين لله رب العالمين.

    وحدة العقيدة

    ثانياً: وحدة العقيدة: وهذا من أعظم الدروس التربوية في قصة يوسف، فما من نبي ولا رسول إلا وقد أرسل بعقيدة واحدة، وكل الأنبياء والمرسلين عقيدتهم واحدة. والدليل من القصة قوله تعالى: يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [يوسف:39-40]، فهذه هي عقيدة يوسف، وعقيدة إبراهيم، وعقيدة نوح، وعقيدة موسى، وعقيدة عيسى، وعقيدة يعقوب، وعقيدة سليمان، وعقيدة لوط، وعقيدة محمد، فهي عقيدة واحدة، قال عز وجل: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25]. أيها الأحباب الكرام! والله إن الله لا يقبل إلا الإسلام، فليس عند الله يهودية، ولا نصرانية، ولا إبراهيمية، ولا موسوية، ولكن الديانة عند الله هي الإسلام، قال جل وعلا: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19]. فالإسلام دين نوح، قال الله حكاية عن نوح: وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ [يونس:72]. والإسلام دين إبراهيم، قال تعالى: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة:127-128]. والإسلام دين يعقوب، قال تعالى: أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [البقرة:133]. والإسلام دين لوط، ودين يوسف، ودين عيسى، قال تعالى: فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:52]. والإسلام دين سليمان، قال تعالى: اذْهَب بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ [النمل:28] فقالت ملكة سبأ حينما أرادت أن تدخل في دين هذا النبي: إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [النمل:44]. والإسلام دين مؤمني الجن، قال تعالى عنهم: وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا [الجن:14]. والإسلام دين سيد النبيين محمد صلى الله عليه وسلم، فقد خاطبه ربه جل وعلا بقوله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3]، فالإسلام دين الله جل وعلا. عقيدة التوحيد هي عقيدة كل نبي ورسول بعثه الله جل وعلا لقومه، فما من نبي ولا رسول إلا ودعا قومه أول ما دعاهم إلى التوحيد، وكل الأنبياء دعوا أقوامهم إلى الإيمان بالله وحده، وإلى عبادته وحده لا شريك له. فعيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام كانت الكلمات الأولى له وهو الصبي الصغير الذي ما زال في لفافته أن قال: إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا * ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ * مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [مريم:30-36]، فاعبدوه أي: وحدوه كما قال ابن عباس، والعبادة هي الخالصة بكل صورها وأشكالها الظاهرة والباطنة. فوحدة العقيدة درس عظيم ينبغي أن نقف أمامه طويلاً؛ ويتجلى ذلك في قولة يوسف يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ [يوسف:39-40]، فهذه الآلهة والأرباب والأنداد والطواغيت إنما هي آلهة باطلة مكذوبة مدعاة، والذي يستحق العبادة إنما هو الإله الحق جل جلاله.

    الابتلاء سنة كونية

    الدرس الثالث من الدروس التربوية في قصة يوسف هو الابتلاء: فها هو نبي من أنبياء الله يبتلى بإخوانه، ويبتلى بالرق والعبودية، ويبتلى بفتنة الشهوة، ويبتلى بفتنة الملك، ويبتلى بالسجن، قال عز وجل: ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ [يوسف:35]. فالابتلاء سنة جارية، ما من نبي ولا رسول على الإطلاق إلا وابتلي أبداً من لدن آدم إلى محمد صلوات الله وسلامه عليهم جميعاً، ونحن من نحن حتى لا نتعرض للمحن ولا نبتلى؟! فهؤلاء رسل الله وأنبياء الله قد تعرضوا للمحن والفتن والابتلاءات، فالابتلاء سنة جارية ثابتة؛ لتمحيص الصف، وتمييز الخبيث من الطيب. أرجو من الشباب أن يفهموا هذا الدرس جيداً، وإياكم وأن تظنوا أن الابتلاء لأهل الحق إنما هو غضب من الله على أهل الحق، فهل غضب الله على حبيبه المصطفى؟! كلا! فليس أحد أغير على الحق وأهله من الملك، ولكن الابتلاء هو كما قال ربنا جل وعلا: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:2-3]، وقال جل وعلا: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [البقرة:214]. فالابتلاء سنة جارية؛ لتمحيص الصف، وتمييز الخبيث من الطيب، فأرجو من أحبابي وإخواني إذا ابتلي الواحد منهم أن يصبر على الابتلاء. نسأل الله جل وعلا أن يستر ذنوبنا، اللهم استر ذنوبنا، اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، وارزقنا الإخلاص والصدق في أقوالنا وأعمالنا، أنت ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755962039