الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً, وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة, وهو اللطيف الخبير.
اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله، أنت رب الطيبين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين ورازقهم، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [هود:6].
وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله, أرسله الله رحمة للعالمين, فشرح به الصدور وأنار به العقول, وفتح به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوب غلفاً, فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته, ورضي الله عن أصحابه الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد: معشر الإخوة المؤمنين! إن أفضل البقاع وأحبها إلى الله جل وعلا المساجد؛ فهي بيوته, وفيها هداه ونوره، يأوي إليها الموحدون الطيبون، ويجتمع فيها المسلمون المؤمنون، فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ [النور:36-37].
عباد الله! وفي قول الله جل وعلا: (رجال) دلالتان معتبرتان:
الدلالة الأولى: هؤلاء الرجال هم العقلاء المهتدون الذين يتصفون بكل خلق كريم، ومن عداهم سفيه في عداد المجانين.
والدلالة الثانية: هؤلاء الرجال هم الذكور، فعليهم فرضت الجمعة والجماعة، والنساء لسن كذلك في هذا الحكم.
إخوتي الكرام! أما الدلالة الثانية فقد تدارسناها سابقاً، وبينا أن الله جل وعلا أوجب الجمعة والجماعة على الرجال، والنساء لسن كذلك في هذا الحكم, وغاية ما في شأنهن أنه يجوز لهن الحضور إلى بيت الله, وصلاتهن في بيتهن خير لهن، نعم.. إن حضورهن جائز، لا سيما إذا كان في حضورهن مصلحة في تعلمهن وشهود مواسم الخير والبركة من اجتماع المسلمين وتناصح الأخوات فيما بينهن في الدين.
إخوتي الكرام! لقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم للنساء في حضور المساجد، وأمرنا أن نأذن لهن إذا طلبن الإذن منا، والحديث وارد في المسند والكتب الستة باستثناء سنن النسائي من رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تمنعوا إماء الله بيوت الله ). أي: إذا استأذنكم نساؤكم إلى المساجد فأذنوا لهن.
وجاء في بعض روايات الإمام البخاري : ( كانت زوجة
إخوتي الكرام! وعاتكة زوجة عمر كانت تصلي الصلوات في عهد النبي عليه الصلاة والسلام وفي عهد أبي بكر وفي عهد عمر رضي الله عنهم أجمعين في المسجد، حتى إن زوجها عمر رضي الله عنه وأرضاه عندما طعن في صلاة الفجر كانت حاضرة في المسجد, تصلي مع المسلمين.
نعم.. لا يستطيع أحد أن يمنع النساء من حقهن في الذهاب إلى بيوت رب الأرض والسماء، وقد ثبت في المسند والصحيحين والسنن الأربع، والحديث في موطأ الإمام مالك, وهو في أعلى درجات الصحة عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: ( كان نساء يشهدن الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم, فيحضرن صلاة الفجر ثم يعدن إلى بيوتهن إذا انتهت الصلاة, وهن متلفعات في مروطهن, ما يعرفن من الغلس ). وفي بعض روايات الإمام البخاري : ( لا يعرف بعضهن بعضاً ).
فاجتمع ساتران وحاجزان في النساء اللاتي يشهدن صلاة الفجر مع النبي صلى الله عليه وسلم:
الساتر أو الحاجز الأول: التلفع بالمروط والتستر من جميع الجهات.
الساتر أو الحاجز الثاني: ساتر الغلس، وهو: الظلمة, فلا يرى من المرأة إلا شبحها، لا يعلم هل هي امرأة أو رجل، والمرأة عندما تكون المرأة بجوارها لا تميزها هل هي زينب أو فاطمة, فلا يعرف بعضهن بعضاً, ولا يعرفهن الناظر إذا نظر إليهن هل هن رجال أو هن نساء من الظلمة، ثم بعد ذلك من هذا التستر (متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس).
أما اللباس: وهو أول ما ينبغي أن تعتني به المرأة إذا أرادت أن تخرج من بيتها لبيت الله أو إلى غير ذلك، ويجب أن يكون لباسها حاوياً لستة شروط، فإذا خالفت شرطاً من ذلك فهي عاصية آثمة، وكل من يقرها على ذلك من زوج أو محرم فهو عاص آثم.
تعلموا هذا إخوتي الكرام! وبلغوه للنساء من الزوجات ومن المحارم، فكل واحد منا لا يخلو من صلة بامرأة إما زوجة أو محرم أم أو بنت أو أخت أو غير ذلك.
وهذا الأثر الذي أخرجه الإمام البخاري في صحيحه وكذلك أبو داود عن أمَّنا عائشة رضي الله عنها هو وصف النساء المهاجرات، فما وصف نساء الأنصار؟ هن كذلك, وهذا هو وصف نساء المؤمنين من مهاجرات وأنصار ومن يأتي بعدهن إلى يوم الدين, تقول أمنا عائشة رضي الله عنها كما في المستدرك وتفسير ابن أبي حاتم وإسناد الأثر صحيح: (أن صفية رضي الله عن أمهاتنا أجمعين أثنت على نساء المهاجرين أمام أمنا عائشة , فقالت رضي الله عنها: في نساء المهاجرين خير، وفي نساء قريش خير, ولكن والله ما رأيت مثل نساء الأنصار أشد إيماناً بالله وأشد تصديقاً بالتنزيل؛ لما نزل قول الله جل وعلا: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [النور:31] انقلب رجال الأنصار إلى نسائهم يتلون عليهن هذه الآية، فوالله ما هو إلا أن قامت كل امرأة إلى أكثف مرطها -أي: هذا الذي يؤتزر به ويلبس- فشقته فاختمرت به, فخرجن وهن معتجرات -أي: كل واحدة تلف رأسها بهذا الثوب الثخين, تعتجر به وتستر به بدنها وجسمها ووجهها- كأن على رءوسهن الغربان من الأكثية).
إخوتي الكرام! فهذا الأمر لا بد من ملاحظته عند خروج المرأة من بيتها لبيت ربها أو إلى غير ذلك من البيوت, ألا وهو ستر جميع البدن. وما يترخص به بعض الناس في هذه الأيام من كشف الوجه بتعللات باطلة فكل هذا مردود مردود.
وإليكم -إخوتي الكرام- بعض الآثار التي تبين شيمة النساء الصالحات وكيفية حجابهن في العصر الأول, وعليه تسير كل امرأة صالحة إلى قيام الساعة.
ثبت في سنن أبي داود وسنن ابن ماجه ، والحديث في مسند الإمام أحمد وسنن الإمام البيهقي عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: ( كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج ونحن محرمات, فإذا حاذانا الركبان ) أي: صار الرجال بجوارنا واقتربوا منا ( سدلنا على وجوهنا, فإذا جاوزونا كشفنا وجوهنا ).
فالنساء مع بعضهن وهن محرمات يكشفن وجوههن، وإذا اقترب رجل منهن سدلن وأرخين هذا الخمار من الرأس على الوجه، والمرأة عندما تحرم لا يجوز لها أن تلبس البرقع الذي يحيط بالوجه ويتصل, لكنه يجب عليها أن تغطي وجهها بشيءٍ تسدله وتنزله من رأسها على وجهها إذا اقترب رجل منها وأمكن أن يراها، وهذا فعل من؟ فعل أمنا عائشة رضي الله عنها مع الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، وهو فعل النساء الصالحات مع الصحابة الكرام.
وهذا الأثر يشهد له أثران ثابتان صحيحان:
أولهما: في المستدرك بسند صحيح كالشمس عن أسماء بنت أبي بكر وهي زوجة الزبير رضي الله عنهم أجمعين قالت: ( كنا نغطي وجوهنا ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ). سبحان الله! زوجة الزبير بنت أبي بكر رضي الله عنهم أجمعين تخبر عن هذا الأمر، وأن النساء الصالحات هذا وصفهن إذا التقين بالرجال، كل واحدة تغطي وجهها.
وفي سنن البيهقي بإسناد صحيح عن فاطمة بنت المنذر -وهي تابعية أخرج حديثها أهل الكتب الستة، وهي ثقة إمامة صالحة فاضلة- تقول: كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات ونحن مع أسماء بنت أبي بكر رضي الله عن الصحابة أجمعين رجالاً ونساء.
فهذا الأمر -إخوتي الكرام- لا بد من العناية به ومراعاته؛ وهو أن يكون الثوب ساتراً لجميع البدن، فـ(المرأة عورة) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم, ولا يجوز أن يُرى منها شيء من بشرتها ولا من أظفارها ولا من شعرها، وهذا ما ينبغي أن تحافظ عليه المرأة إذا خرجت من بيتها.
إذاً: هذا الأمر ينبغي أن تعتني به المرأة؛ أن الثياب ينبغي أن تكون سميكة غليظة ثخينة بحيث تكون عليها كالخيمة لا تبدي شيئاً, لا تشف عن ملابسها الداخلية ولا تظهر شيئاً من أعضائها وجسمها.
وقوله: (ومن تشبه بقوم فهو منهم) التشبه له حالتان:
حالة يقصدها الإنسان إعجاباً بمن غضب عليهم ذو الجلال والإكرام، فالتشبه بهم في هذه الحالة في طعام أو لباس أو مركوب أو غير ذلك كفر مخرج من الملة؛ لأنه فعل هذا تعظيماً لهم واقتداء بهم واستحساناً لأحوالهم.
وحالة تقع فيها مشابهة من غير قصد يفعلها الإنسان, وفعله يشابه بعد ذلك فعل الكفرة، فهنا لا يقصد التشبه، إنما المشابهة التي حصلت لا قيمة لها, فنرجع إلى حكم الفعل بعد ذلك في شريعة الله المطهرة.
فإن كان مباحاً فهو مباح، مثلاً: ركب سيارة وهم يركبون سيارات، وإن كان مكروهاً فهو مكروه، وإن كان حراماً فهو حرام، فإذا لم يقصد التشبه وفعل هذا الفعل بغض النظر عن التشبه ووافقهم في هذا الأمر فهذه الموافقة لا قيمة لها, ونرجع إلى حكم الفعل في شريعة الله المطهرة. أما من قصد التشبه واستحسن أحوالهم واقتدى بهم فهو معهم، والله جل وعلا يحشر الظالمين يوم القيامة وأزواجهم, أي: أصنافهم وأشكالهم معهم في نار الجحيم.
هذا الشرط الخامس الذي ينبغي أن تعتني به المرأة في لباسها.
وفي مسند الإمام أحمد من رواية عبد الله بن عمرو رضي الله عنهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ليس منا من تشبه من النساء بالرجال, ولا من تشبه من الرجال بالنساء ).
وثبت في مسند الإمام أحمد وصحيح البخاري والسنن الأربع عدا سنن النسائي من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء, والمتشبهات من النساء بالرجال ).
هذه أمور ستة في ثياب المرأة ينبغي على المرأة أن تعتني بها: أن يكون اللباس ساتراً، وأن يكون هادئاً ليس ملوناً وليس فيه زخرفة، وأن يكون سميكاً ثخيناً غليظاً، وأن يكون واسعاً فضفاضاً، وألا يشبه لباس المرأة المسلمة لباس المرأة الكافرة، وألا يشبه لباس المرأة المسلمة لباس الرجل مطلقاً.
هذا الأدب الأول الذي ينبغي أن تعتني به المرأة إذا خرجت من بيتها في لباسها.
فالطيب تنهى عنه المرأة إذا خرجت من بيتها, ثبت في المسند وسنن أبي داود وصحيح ابن خزيمة والحديث قال عنه الإمام النووي في المجموع عليه وعليهم جميعاً رحمة الله: إسناده صحيح على شرط مسلم، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله, وليخرجن وهن تفلات ), أي: تاركات للطيب والزينة، فإذا خرجت إلى بيت الله فلتكن تفلة, أي: ليس عليها شيء من الطيب أو الزينة.
وثبت في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم ، والحديث رواه أبو داود والإمام النسائي وهو صحيح من رواية أبي هريرة أيضاً رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا صلاة العشاء الآخرة ). وقوله: (أيما امرأة أصابت بخوراً), أي: تطيبت وصار لها رائحة تعبق (فلا تشهد معنا صلاة العشاء الآخرة).
وثبت في مسند الإمام أحمد والسنن الأربع باستثناء سنن ابن ماجه , فهو في سنن الترمذي والنسائي وأبي داود ، والحديث رواه ابن حبان في صحيحه وابن خزيمة في صحيحه والحاكم في المستدرك والبيهقي في شعب الإيمان, وهو صحيح عن نبينا عليه الصلاة والسلام من رواية أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( أيما امرأة استعطرت في بيتها ثم خرجت فمرت بقوم -وفي رواية: بمجلس- ليجدوا ريحها فهي زانية, وكل عين تراها فهي زانية ).
فإذاً: ينبغي أن تحافظ المرأة على هذا الأدب الشرعي عندما تخرج من بيتها لبيت ربها أو لغير ذلك من البيوت ألا يكون عليها شيء من الطيب ولا من البخور.
ثبت في مستدرك الحاكم وحلية الأولياء، والحديث رواه الإمام البيهقي في شعب الإيمان بإسناد صحيح من رواية عبد الله بن عمر ورواه الطبراني من رواية عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الحياء والإيمان قرنا جميعاً، فإذا نزع أحدهما نزع الآخر ).
وعليه ينبغي أن تكون المرأة حيية عند خروجها، وهذا الحياء يتمثل في عدة أمور، معظم هذه الأمور أمران بارزان:
فقوله: (يا معشر النساء! استأخرن, ليس لكن أن تحققن الطريق), أي: أن تسرن في حقه وفي وسطه.
كما ثبت في صحيح ابن حبان وشعب الإيمان للإمام البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ليس للنساء وسط الطريق ).
هذا الأمر الأول الذي هو عنوان حياء المرأة إذا خرجت من بيتها: أن تمشي في جانب الطريق الأيمن أو في جانبه الأيسر، وألا تمشي في وسط الطريق كما يمشي الرجال، وهم الذين لهم هذه الصفة.
وقد ثبت في المسند وسنن أبي داود ، والحديث رواه الإمام الترمذي في سننه وبوب عليه: باب احتجاب النساء من الرجال، ورواه ابن حبان في صحيحه، وإسناد الحديث صحيح عن أمنا أم سلمة رضي الله عنها قالت: ( كنت عند
وفي سنن أبي داود عن نافع أن عمر رضي الله عنه كان ينهى أن يدخل إلى المسجد من باب النساء.
فالمرأة يجب أن تذهب إلى الباب الخاص بها فتدخل إلى المسجد الذي جاءت إليه من أجل مصلحة شرعية.
هذه الأمور الخمسة ينبغي أن تعتني بها المرأة إذا خرجت من بيتها, وهي: ما يتعلق بلباسها، ما يتعلق بطيبها، ما يتعلق بحال مشيتها، ما يتعلق بدخولها إلى بيت ربها، ما يتعلق بصلاتها عند أدائها في بيت ربها جل وعلا.
أسأل الله برحمته التي وسعت كل شيء أن يسترنا, وأن يستر أعراضنا وأعراض المسلمين والمسلمات، إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.
أقول هذا القول, وأستغفر الله.
عباد الله! إذا كان يباح للمرأة - كما تقدم معنا - أن تخرج إلى المسجد، فيباح لها أن تخرج بمفردها، ويستحسن لزوجها أو لأحد محارمها أن يصحبها إلى بيت الله أو إلى المكان الذي ستذهب إليه ورخص لها فيه، والرجل حقيقة حارس للمرأة، وإذا مشى الرجل مع المرأة تنقطع نحوها أطماع الطامعين.
تعدو الذئاب على من لا كلاب له وتتقي صولة المستأسد الضاري
كان أئمتنا يقولون: نتمنى ألا يوجد فتاة على وجه الأرض إلا وتسمع هذا البيت، فإن لم تكن مزوجة فلتتزوج, وإن كانت مزوجة أو غير مزوجة وأرادت أن تخرج فلتخرج مع رجل، فالرجل بالنسبة للمرأة كالكلب الأمين الوفي، وهذا من الصفات المحمودة في الكلاب التي يشبه بها وفاء الرجال, كما قال العبد الصالح الإمام الشاطبي في حرز الأماني ووجه التهاني:
وقد قيل كن كالكلب يقصيه أهله وما يأتل في نصحهم متبذلاً
إن صدق الكلب ووفاءه مع أهله ومع من يكون عندهم يضرب به المثل، وهكذا الرجل حميته وغيرته .. شهامته ورجولته .. حفظه وحراسته للمرأة تعدل حراسة الكلب لمن يكون عندهم.
فالمرأة إذا خرجت مع رجل فإنها تنقطع نحوها أطماع الطامعين، وإذا خرجت بمفردها فإنه يتعرض لها هذا وذاك.
وهو الذي فعل هذا مع أهله, لكن يريد أن يبين لها أنها قد تقع في مشكلة من مثل هذا أو أكثر.
إذاً: ينبغي أن تكون المرأة مع حارس ومع حافظ إذا ذهبت؛ من أجل ألا تتعرض لمشكلة تعض بعد ذلك أنامل يديها وأصابع رجليها.
إن الإسلام هو الذي أمرنا بالمحافظة على العرض بدافع الغيرة، وهذا الدافع - أي: دافع الغيرة - يستمد قوته -كما قال أئمتنا- من الروح البشرية التي يتميز بها الإنسان على سائر الحيوانات البهيمية, وإن الاختلاط والتحلل والمجون والفسوق تستمد قوتها من الشهوات الغريزية البهيمية، فالإسلام أمرنا أن نصرف الشهوة الغريزية البهيمية في مصرف شرعي، وأمرنا بعد ذلك أن نحافظ على الأعراض, وأن نمتنع وأن نمنع الفساد، وأما الحياة الغربية الرديئة ضحت بالروح الإنسانية وبكل فضيلة كريمة علية من أجل الشهوات الخسيسة البهيمية، والرجل الغربي الرديء منطقه في هذه الأيام يقول: إذا ضحيت بزوجتي أو ببناتي أو بمحارمي فغاية ما أضحي به عشر نسوة أو مائة امرأة, لكنني أتمتع بآلاف النساء, فالمربح أكثر من الخسارة. وهذا ما يقوله كل غربي عفن رديء.
وهذا الأمر الذي انتشر في بلاد الغرب باسم الدعوة إلى الحب والسلام، وكأن المراد من الحب والسلام حب ووئام بين الجنسين على الدوام، وما الحفلات العامة الراقصة الماجنة التي تقام هذه الأيام في بلاد الغرب وفي غيرها إلا حفلات قران عام، وهذا الذي يفعله الغربيون عليهم لعنات الحي القيوم.
فهذا الذي فعلوه ويفعلونه لو لم يكن عند الغرب ما يستر سوآتهم من قوة مادية في هذه الأيام لعد هذا الاختلاط المشين وهذا الاختلاط القبيح وهذا السفور والتحلل سواد وجه في من يفعله فيهم وفي غيرهم، وإذا كان الغربيون فعلوا هذه السوأة وهذا الدنس وستر سوآتهم قوتهم، فأي قوة لنا؟ جئنا قلدناهم فخسرنا الدنيا والآخرة.
إخوتي الكرام! إن أعظم ما يميز المسلمين عن غيرهم موضوع المرأة؛ لأنها عرض يصان، جوهرة مكنونة، درة مصونة.
إن الأمة الإسلامية في هذه الأيام بحاجة إلى أن تعيد البحث عن عرضها, وأن تصون أعراضها, إننا نريد امرأة مقصورة، إننا نريد امرأة تقصر طرفها إلا على زوجها، إننا نريد زوجاً يقصر طرفه إلا على زوجه، فبهذا تصلح الحياة، ووالله إذا ضاع الحياء من الحياة فلا خير في الحياة.
فلا والله ما في العيش خير ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
يعيش المرء ما استحيا بخير ويبقى العود ما بقي اللحاء
اللهم ألهمنا رشدنا، واغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، وأصلح أحوالنا، واجعل الجنة دارنا، ولا تجعل إلى النار مصيرنا، يا أرحم الراحمين!
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات, وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا، وإذا أردت فتنة بعبادك فاقبضنا إليك غير مفتونين.
اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201].
اللهم زدنا ولا تنقصنا, وأعطنا ولا تحرمنا, وأكرمنا ولا تهنا, وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وارض عنا يا رب العالمين!
اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وارحمهم كما ربونا صغاراً, واجزهم عنا خير الجزاء فضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين!
اللهم اغفر لشيوخنا ولمن علمنا وتعلم منا, وأحسن إلى من أحسن إلينا.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات, الأحياء منهم والأموات؛ إنك سميع قريب مجيب الدعوات.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:1-4].
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر