وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن ما زلنا مع سورة الأعراف المكية المباركة الميمونة، تلكم السورة كغيرها من المكيات، تعالج العقيدة:
أولاً: تقرير وحدانية الله بأنه لا يعبد إلا الله، لا في الأرض ولا في السماء؛ لأنه الخالق الرازق المدبر، الحكيم العليم.
ثانياً: تقرير نبوة محمد خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم، وأنه رسول الله حقاً وصدقاً.
ثالثاً: مبدأ البعث الآخر والحياة الآخرة، وما يجري فيها وما يتم من حساب وجزاء إما بالنعيم المقيم أو بالعذاب الأليم.
ورابعاً: تقرير أن التشريع حق الله ليس لأحد من الخلق أن يشرع ولو كلمة، وعرفنا هذا معرفة علمية يقينية، فالذي خلقنا هو الذي يقنن لنا ويشرع؛ إذ هو أعلم بمستقبلنا وماضينا وحالنا، إذ هو أحكم وأعلم منا، إذاً: فمن شرع سواه فقد ظلم نفسه واعتدى على حق الله، فالتشريع حق الله، هو الذي يضع القواعد والقوانين والعبادات والأحكام رحمة بعباده وتفضلاً منه عليهم، أما غير الله فلا حق له أبداً أن يشرع ولو كلمة، يقول: من قالها كان له من الأجر كذا.
وها نحن ما زلنا أيضاً مع موسى عليه السلام وبني إسرائيل في قصص عجب، والله لا يعرفه إلا رسول الله، كيف يعرف هذا عربي أمي لا يقرأ ولا يكتب؟ من أين يأتيه هذا؟ أعاصر موسى وعاش معه مع بني إسرائيل؟ هذه وحدها تقول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلنستمع إلى هذه الآيات الخمس مجودة مرتلة من أحد الأبناء ثم نتدارسها سوياً، والله أسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ * وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف:155-157]. اللهم اجعلنا منهم.
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هيا نتدارس هذه الآيات، أحضروا مشاعركم وأحاسيسكم، وتأملوا وتفكروا واحفظوا.
قول ربنا جل ذكره: وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا [الأعراف:155]، لما حدثت تلك الحادثة العظيمة، وهي أن عدداً كبيراً من بني إسرائيل عبدوا العجل، بل أكثرهم عبد العجل مع الله لما غاب موسى وذهب إلى جبل الطور لمناجاة ربه؛ ليأتي بالدستور الإسلامي ليحكمهم، زين لهم لشيطان عبادة العجل فعبدوه، فجاء موسى في كرب عظيم وحزن وألم وأسف، وأمره ربه بعد أن عاتبهم وبين لهم الطريق أن يأتيه بسبعين رجلاً منهم إلى جبل الطور؛ ليتوب الله عز وجل عليهم، ويقبل توبة إخوانهم الذين تابوا، فاختار موسى من قومه سبعين رجلاً، اختار أصلحهم وأتقاهم؛ لأنهم يرادون لمقابلة الرب جل جلاله وعظم سلطانه.
وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ [الأعراف:155]، أي: من قومه، سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا [الأعراف:155]، للموعد الذي ضربه الله تعالى له.
فغضب الجبار عز وجل فأخذتهم الرجفة فماتوا، فبكى موسى، قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ [الأعراف:155]، أي: لو شئت لأهلكتنا في بني إسرائيل الذين ظلموا وفسقوا وخرجوا عن طاعتك، أهلكتهم وإياي، أما اليوم فكيف يكون موقفي مع بني إسرائيل؟ يقولون: قتل سبعين رجلاً منا، رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا [الأعراف:155]، من هم السفهاء؟
الذين فقدوا عقولهم ورشدهم وصوابهم وكذبوا بآيات الله وكفروا بكلام الله الذي سمعوه وقالوا: كيف تسمع كلام الله يا موسى؟ هذا سفه وعدم رشد أم لا؟
إذاً: أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا [الأعراف:155]، سواء الذين عبدوا العجل في تلك القرية أو الذين أنكروا أن موسى كلم الله وأن الله كلمه.
أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ [الأعراف:155]، هذه كلمة موسى فيها ضرب من التوسل: وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ [الأعراف:155]، فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا [الأعراف:155]، اغفر ذنبنا واستره ولا تؤاخذنا به وارحمنا بعد ذلك، وتوسل إلى الله بقوله: وَأَنْتَ خَيْرُ [الأعراف:155] من يغفر، وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ [الأعراف:155]، والغفران: ستر الذنب وعدم المؤاخذة به.
وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ [الأعراف:156] أيضاً كذلك، وعلل فقال: إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ [الأعراف:156]، أي: تبنا ورجعنا إليك، يتكلم على لسان بني إسرائيل والسبعين الذين صعقوا وعادت إليهم أرواحهم وتابوا، إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ [الأعراف:156]، هذه توسل؛ إذ قال: وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَة [الأعراف:156] حسنة؛ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ [الأعراف:156]، أي: تبنا ورجعنا فاكتب لنا ما طلبنا من حسنة الدنيا وحسنة الآخرة، فبم أجابه الله عز وجل؟
المراد بالتقوى: تقوى الله عز وجل، يخافونه يرهبونه فلا يقدرون على معصيته، إذا أمر فعلوا وإذا نهى تركوا، أولئك المتقون، وفي نفس الوقت ضمانة إلهية أن من آمن واتقى تولاه الله ووقاه كل مكروه ونجاه من كل الأتعاب والآلام في الدنيا، إذ قال: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62].
أما أن تسلك طريق الكفر بالله والشرك به والفسق عن أوامره ونواهيه، ثم تتقي الحر والبرد والفقر والجوع؛ فما تستطيع ولا ينفعك ذلك، فَسَأَكْتُبُهَا [الأعراف:156] لمن؟ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ [الأعراف:156]، وكيف يتقون الله؟ هل يدخلون في السراديب؟ هل يبنون أسواراً عالية؟ يكثرون الجيوش الجرارة فلا يصل الله إليهم؟ هراء هذا وباطل، والله! ما يتقى الله جل جلاله والعالم كله في قبضته وبين يديه إلا بطاعته فيما أمر به ونهى عنه.
ثانياً: وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ [الأعراف:156]، أي: يعطون الزكاة فيزكون أرواحهم بهذه العبادات المقننة الموضوعة لتزكية النفس، ويزكون أيضاً أموالهم ولا يتركونها خبيثة منتنة عليها أكوام الذنوب والآثام، يزكون أموالهم بعد أن يزكوا أنفسهم، وتزكية المال تزكية للنفس.
ثالثاً: وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ [الأعراف:156]، وآيات الله هنا: القرآن الكريم، والتوراة، والإنجيل، وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا [الأعراف:156]، التي ننزلها على من نصطفي من نشاء من عبادنا ورسلنا، يؤمنون بها سواء كانت معجزات أم كانت أحكاماً وشرائع وقوانين.
وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ [الأعراف:156]، يصدقون تصديقاً جازماً فلا يكذبون بآية ولا ببعضها، لا في حكم ولا في آخر، لا في خبر مهما كان جليلاً عظيماً ولا في أقل شيء، بل قول أحدهم: آمنت بالله وبما أنزل الله.
بينه بقوله تعالى: النَّبِيَّ الأُمِّيَّ [الأعراف:157]، الذي لا يقرأ ولا يكتب، كأنه ما زال في حجر أمه لا يعرف ألفاً ولا باء، ولا همزة ولا ياء، هذه من أكبر الآيات، أمي لا يقرأ ولا يكتب يتفوق في العلم والمعرفة فيعجز البشرية كلها في قول يقوله!
والله! إن أحدنا على فراش الموت يقال له: كيف حالك يا شيخ؟ يقول: الحمد لله، الجوع يمزق مصارينه وأمعاءه ويقال: كيف حالك؟ فيقول: الحمد لله، فلهذا صفتكم أيها المسلمون: (الحمّادون الذين يحمدون الله على كل حال... إلى أن قال: يصلون حيث أدركتهم الصلاة)، فهذا في التوراة، يصلون حيثما أدركتهم ما ينتظرون الكنيسة أو البيعة أو المسجد، حيث أدركتهم الصلاة يصلون، هذا ما كان لأمة من الأمم إلا لهذه فقط، (يصلون حيث أدركتهم الصلاة، صفهم في الصلاة كصفهم في القتال)، صفوفهم في القتال كصفوفهم في الصلاة، تشاهدون الصفوف هكذا، كذلك في القتال أيام كان السيف والرمح، أما الآن فتغيرت الأحوال، الآن أجبن الجبناء يستطيع أن ينسف بصاروخ، لكن المواجهة كانت في الدهر الماضي.
ثم أوجد الله هذه الدولة على يد عبد العزيز رحمه الله ورضي عنه، دعونا الله أن يرضى عنهم، وبعضهم يقول: قل: غفر الله له فقط، ولكن نقول: رضي الله عنه لأن هذا دعاء.
فوضع في كل قرية من قرى هذه المملكة المتناهية المتباعدة وفي كل مدينة هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن أراد أن ينظر إلى آثارها إذا أذن المؤذن هل يجد دكاناً مفتوحاً، تشاهدون هذا أم لا؟ كيف هذا؟ لأن الهيئة إذا ثبت لديها أن هذا يفتح دكانه وقت الصلاة يعاقب، قد يغلق دكانه أبداً، والشاهد عندنا: يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ [الأعراف:157]، أمة محمد أمة الجنة، هي التي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، أما أن نشاهد المناكر في قرانا في مدننا والأباطيل والترهات والشركيات والخرافات والزنا والربا والجرائم كلها ونحن مسلمون؛ فهل ينتظم هذا اللفظ معنا؟ هل ندخل فيه؟ أصبحنا كاليهود والنصارى سواء بسواء، ما دمنا لا نأمر بمعروف ولا ننهى عن منكر أصبحنا مثلهم.
وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ [الأعراف:157]، فكل طيب حرموه أحله الله لهم، وكل خبيث أحلوه حرمه الله تعالى عليهم، هذه رحمات الله عز وجل، حرم علينا من الخبائث اللواط الزنا الربا الخداع الغش الخمر الحشيشة، كل هذه الأباطيل محرمة، وأحل لنا الطيبات: السمن والعسل، واللحم الطيب، وحرم علينا أشياء: كالميتة وكالدم المسفوح وما إلى ذلك، هذه رحمة الله عز وجل سببها هذا النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم.
قال: وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ [الأعراف:157]، والإصر: هو العهد الثقيل كالحمل الثقيل ما يستطيع صاحبه أن يتحرك، وَالأَغْلالَ [الأعراف:157]، كالتي في العنق كالسلاسل، الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ [الأعراف:157]، أي: في عهد بني إسرائيل وفي عهد المسيح، في اليهود والنصارى.
قال: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ [الأعراف:157]، أي: بمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً. وَعَزَّرُوهُ [الأعراف:157]، والتعزير تعرفونه، الهيئة تعزر الشخص أو الشرطة إذا فجر أو كذا، وليس المراد هذا التعزير، فالتعزير هنا: القوة والنصرة، عزروه: نصروه وأيدوه ووقفوا إلى جنبه تأييداً له.
أقول: حين تكون في الظلام ماشياً وفي يدك مصباح أو شمعة قل ما شئت، فإنك تستطيع أن تصل إلى بيتك بدون أذى، فإذا كانت هناك حية ما تطأها، إذا كان هناك ثعبان تبتعد منه، تشاهد الطريق حتى تصل إلى بيتك والنور في يدك، وإذا لم يكن عندك نور فكيف تمشي؟ قد تطأ الشوك ويلصق فيك، قد يهاجمك عدو ما تدري عنه، قد تقع في حفرة، وهكذا، والله العظيم! إن الحياة كلها ظلام ولا نور إلا هذا القرآن، فمن آمن بالله ورسوله وكتابه وقرأ القرآن وآمن بما فيه، وأخذ يطبقه في حياته أصبح كحامل النور بين يديه يمشي في الظلمات، الناس يتهوكون ويتساقطون وهو مستقيم ماش إلى سعادته.
ومن الأمثلة: القرون الثلاثة الذهبية التي قال فيها الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم )، والله! ما اكتحل عين الوجود على سطح الأرض منذ أن كانت بأمة أطهر ولا أصفى ولا أحكم ولا أتقى ولا أبر من تلك القرون الثلاثة، والله الذي لا إله غيره، وإن شوهوا تاريخها، أعماهم الله، لما عدلوا عن هذا النور ورموه وراء ظهورهم تخبطوا وأصبحوا أذل الخلق وأهونهم، أليس كذلك؟
وجاء الله بآية، وقد يقول قائل: يا شيخ! أنت تتملق الحكومة السعودية! يحدثكم إبليس بهذا، نعم أنا أعرف طباع البشر، وأنا أعرف ما أقول، لتقوم الحجة لله على المسلمين جاء بهذا البدوي واستطاع أن ينشىء هذه الدولة وتتجلى فيها أنوار العدل والرحمة، فوالله! ما عرفت الدنيا بلداً أطهر من هذا ولا أأمن من أيام حياته وإلى اليوم، بسبب ماذا؟ بالجيوش؟ بالمال؟ كانوا فقراء، كيف ساد الأمن الذي ما عرفت الدنيا نظيره إلا هنا، يبيت الناس هكذا بلا أبواب، يمشي إنسان من شرق المملكة إلى غربها لا يخاف إلا الله؛ حكّم القرآن في قضاياه وأحكامه وأمر الناس به.
وهنا طريق نندب إليها نحن طول العام وما نفذت وما طبقت: كل جماعة في قرية يبعث لهم من يجمعهم بعد صلاة الصبح؛ ليتعلموا الهدى، في كل مكان، في المدن في القرى، لا بد من المعرفة، وبذلك عرفت الأمة واهتدت، هل استقل إقليم من أقاليمنا من إندونيسيا إلى المغرب وقال: لم لا نكون مثل السعودية؟ أنا قلت -وسوف يسألون هذا السؤال يوم القيامة-: لم حين استقللتم ما جئتم إلى عبد العزيز أو ولده وقلتم له: أعطنا دستوراً وقانوناً حكمتم به بلادكم؟ أو تقدمون المفاتيح: هذا الإقليم استقل من بلاد المسلمين فهو تابع لدولة الإسلام، لولا الكبرياء والجهل والعمى والضلال لكانت أمة الإسلام الآن أمة واحدة فقط، دستورها واحد نظامها واحد، درهمها واحد، كلها واحدة؛ لأنه كلما يستقل إقليم يقدم المفتاح لخليفة المسلمين، لكن لما كان كل واحد يعتز بماله وسلطانه قسمونا؛ لنذل ونهون، حتى هذه الدويلات القريبة في الجزيرة.
نقول وليسخطوه وليبكوا: والله! لا يحل لهم أن يبقوا مستقلين عن المملكة، ويجب على كل واحد أن يقدم مفاتحه، لماذا يبقون بعيدين عن إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتحريم ما حرم الله، أم الله غافل عن هذا؟ إنهم تحت النظارة: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر:14]، سمعتم هذا الكلام أم لا؟ أنا أتحمل مسئوليته.
اسمع صفات الحبيب صلى الله عليه وسلم: الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ [الأعراف:157].
وقال عز وجل: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران:185]، من يقول: إلا بني تميم، إلا أنا وأمي؟ هل هناك من ينقض هذا الحكم؟ إذاً: كل أحكام الله لا تنقض، كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ [آل عمران:185] أيها العمال يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:185]، هذه الدار ما هي دار جزاء أبداً، هي دار عمل، وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران:185]، فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ [آل عمران:185] هكذا، وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ [آل عمران:185] هكذا، فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185].
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:
[ هداية الآيات:
من هداية الآيات:
أولاً: وجوب التوبة من كل ذنب، ومشروعية صلاة ركعتين وسؤال الله تعالى عقبها أن يقبل توبة التائب ويغفر ذنبه ]، من أين عرفنا وجوب التوبة؟ من قول موسى عليه السلام: إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ [الأعراف:156]، موسى الكليم أعلن عن توبته، ونحن ما نعلنها، وخاصة التوبة النصوح الصادقة: توضأ وصل ركعتين وعاهد ربك ألا تعود للذنب.
[ ثانياً: كل سلوك ينافي الشرع فهو من السفه المذموم، وصاحبه قد يوصف بأنه سفيه ].
كل سلوك -قول عمل بيع شراء أخذ عطاء- يتنافى مع الشرع فهو من السفه وصاحبه مذموم، من أين أخذنا هذا؟ من قوله: أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا [الأعراف:155].
[ ثالثاً: الهداية والإضلال كلاهما بيد الله تعالى، فعلى العبد ] إذاً [ أن يطلب الهداية من الله تعالى ويسأله ألا يضله ]، الليل والنهار لا يفارق لسانك: اللهم اهدني فيمن هديت.
[ رابعاً: رحمة الله تعالى بأمة محمد صلى الله عليه وسلم لا تنال اليهود ولا النصارى ولا غيرهم ]، هناك شرط، فقوله تعالى: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [الأعراف:156]، اليهود والنصارى والشياطين كلهم دخلوا فيه، فأخرجهم الله بقوله تعالى: فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ [الأعراف:156]، إلى آخر الآية، فهل يدخل في هذا اليهود والنصارى والمشركون؟ ما يدخلون.
قال: [ رحمة الله تعالى بأمة محمد صلى الله عليه وسلم خاصة، فلا تنال اليهود ولا النصارى ولا غيرهم.
خامساً: بيان شرف النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأمته ]، من أين أخذناها؟ من قوله تعالى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا [الأعراف:157]، مكتوب في التوراة والإنجيل، هذا شرف أم لا؟ إذا كتب اسمك في جريدة تنتفخ، فكيف بالتوراة والإنجيل؟ الله أكبر!
[ سادساً: بيان فضل تزكية النفس ]، يا عباد الله! كيف تزكون أنفسكم؟ بالماء والصابون؟ بعطورات خاصة؟ بحمامات ممتازة؟ بم تزكى النفس؟
بالإيمان والعمل الصالح، صلاة ركعتين تفعل العجب في نفسك تحيلها إلى كتلة من النور، صدقة من قلب مؤمن ويد طاهرة تحيل نفسك إلى كتلة من النور، اجتنابك لمعصية بعدما أقبلت عليها وتركتها لله تحول نفسك إلى كتلة من النور.
قال: [ بيان فضل تزكية النفس بعمل الصالحات وإبعادها عن المدسيات من الذنوب والآثام.
سابعاً: بيان فضل التقوى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ]، لقوله تعالى: فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ [الأعراف:156] الآية.
[ ثامناً: وجوب توقير النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه ونصرته واتباع الكتاب الذي جاء به والسنن التي سنها لأمته ].
أعيد القول فهذا بيت القصيد: وجوب توقير النبي صلى الله عليه وسلم، ما معنى التوقير؟ الإكبار والإجلال والتعظيم، ووجوب نصرته في دينه وأمته، ووجوب اتباع الكتاب الذي جاء به وهو القرآن العظيم، والسنة التي سنها صلى الله عليه وسلم، وإخوانكم لا يعرفون إلا المدائح والقصائد، الأناشيد والرقص والبقلاوة والشاي، هؤلاء أحباء الرسول! وهم بعيدون عن منهجه ومسلكه الذي سلكه ودعا إليه، إلا من رحم الله، فبم يكون حب الرسول؟ يكون في القلب حتى تفضله على نفسك ومالك وولدك، أي: إذا قال افعل وقالت نفسك: لا تفعل فلا تطعها، قال الرسول: لا تفعل هذا وقالت الدنيا كلها:كيف تترك هذا؟ فإنك تتركه؛ لأجل الرسول صلى الله عليه وسلم، هذه هي المحبة والطاعة.
والله تعالى نسأل أن يجعلنا من أحبائه المطيعين له، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر