أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة؛ وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ) .
وها نحن مع سورة طه المكية، فهيا بنا نصغي لنستمع تلاوة هذه الآيات المباركة، ثم نتدارسها والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس.
قال تعالى: وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى * قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى * فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى * قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى * فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى * قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى * فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى * قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى * فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى * قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى * قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى [طه:56-66].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! مازال السياق الكريم في الحوار الدائر بين موسى وهارون من جهة، وبين فرعون وملئه من جهة أخرى.
فيا بنا نواصل سماعنا لحوارهم وما جرى فيه وما تم فيه.
من أعطانا هذا العطاء؟ أمهاتنا؟ آباؤنا؟ هذا فضل الله علينا.
هل عايشنا موسى منذ أربعة آلاف سنة؟ لا. فكيف عرفنا هذا؟ كيف وصلنا خبر موسى؟ الحمد لله على نعمة الإسلام، الحمد على نعمة الكتاب الكريم والسنة النبوية.
قال تعالى: مخبراً عما جرى من الحوار: وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا [طه:56]. من القائل هذا؟ الله عز وجل.
أي: ولقد أرينا فرعون آياتنا وحججنا وبراهيننا ومعجزاتنا كالعصا واليد وما إلى ذلك: فَكَذَّبَ وَأَبَى [طه:56]، إذ موسى ما قصر أبداً في دعوة فرعون إلى الإيمان بالله وحده وإلى التنازل عن ادعاء الربوبية والألوهية وعلى أن يتنازل عن بني إسرائيل ويرسلهم مع موسى إلى أرض المعاد، فبذل كل جهده، فأخبر تعالى بذلك في قوله: وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ [طه:56] أي: فرعون آيَاتِنَا [طه:56] العلامة الدالة على صدق ما يدعو موسى إليه فَكَذَّبَ وَأَبَى [طه:56] أبى أن ينقاد ويقبل ويسمع، هذا شأن فرعون، كذب وأبى ورفض.
قَالَ [طه:57] أي: فرعون أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى [طه:57].
وهذه هي السياسة الممقوتة: أجئتنا يا موسى لتخرجنا من أرضنا وتملك البلاد وتبقى فيها ملكاً وسلطاناً؟!
هذه مهمتك؟ وهذا كذب، فوالله ما أراد موسى هذا أبداً، بل أراد موسى أن يعبدوا الله ويوحدوه وأن يرسلوا معه بني إسرائيل إلى أرض المعاد. هذه رسالته وذي مهمته، وما أراد ملكاً ولا دولة ولا سلطاناً.
وهذا قول الساسة، قالوا: قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى * فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ [طه:57-58].
فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ [طه:58] بمثل سحرك الذي جئت به.
وهل موسى كان ساحراً؟ كذبوا ورب الكعبة، ولكن السياسة كما قلنا: يسمعوا المواطنين بأن موسى ساحر، ومهمته أن يزيل الدولة والملك والسلطان و.. و.. كما تعرفون الإعلام، وقد سبقهم القرآن فعراهم وفضحهم.
فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ [طه:58]، يا موسى اجعل لنا موعداً نلتقي فيه، نأتي بسحرتنا وتأتي أنت بسحرك، موعد محدد، لا نخلفه نحن ولا نتخلف عنه ولا أنت.
مَكَانًا سُوًى [طه:58]. بيننا وبينك، مكان واسع، أرض مباراة بحيث يجلس الناس ويشاهدونك ويشاهدون سحرتنا، فلا تلال ولا جبال ولا انخفاضات، بل مكان سوي.
هذه مباراة أو لا؟ أعظم مباراة وقعت في العالم فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى [طه:58]، بمعنى: سواء بيننا وبينك.
قال: موعدنا ومودعكم يوم الزينة.. يوم العيد، يخرجون في الميدان بالجميل وكذا والأكل.. الأعياد المعروفة.
وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى [طه:59]، وأن يجمع الناس كلهم في الضحى ما في ظلام ولا.. حتى يشاهدون بأعينهم عصا موسى وما تفعل وسحرة فرعون وما ينتجون.
هكذا قال لهم موسى عليه السلام قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى [طه:59] في ساحة المباراة بحيث من كان قريباً بعيداً الكل يشاهد فليس هناك مكان مرتفع أو منخفض بل سواء.
والآن السحر من يعلمه؟ بنو عمنا اليهود، ما عندهم مدارس معلن عنها، لكن هم الذين يعلمون السحر، أما على عهد فرعون فكان للسحرة مدارس يدرسون فيها ويتخرجون ويحسنون السحر، قال تعالى حاكياً قولهم: فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى * قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى * فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ [طه:58-60] عاد من المجلس.. مجلس الحوار، وأخذ يجمع في مكره وكيده رجاله: ثُمَّ أَتَى [طه:60] يوم الموعد، بعد يوم أسبوع شهر.. ليرى فرعون من سيربح.
وَيْلَكُمْ [طه:61] أي: نزل بكم العذاب والويل والدمار لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا [طه:61].
وهل الساحر صادق؟ لا. بل كذاب، كل مظاهر السحر كذب وتخيلات فقط، فليس هناك سحر حقيقة أبداً، كلها تخيلات يسحرون بها العيون والقلوب.
فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ [طه:61] ويزيل وجودكم وَقَدْ خَابَ [طه:61] وخسر مَنِ افْتَرَى [طه:61] وكذب على الله وادعى أنه على الحق وهو على الباطل.
هذه كلمة موسى تزن الدار وما فيه: وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى [طه:61].
فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ [طه:62] السحرة، منهم من قال: هذا ما يكون ساحر هذا، هذا رسول.
كيف يقول هذا الكلام وهو ساحر؟! ما عندنا هذا؟ وآخر قال: كذا.. اختلفوا.
وَأَسَرُّوا النَّجْوَى [طه:62] الذي اتفقوا عليه، وهو أن يبارزوه ويقاتلوه.
(إنْ هذا) قراءة سبعية. وقراءة ورش : (إنّ هذان لساحران)، وهذا يعود إلى لغة العرب، إما أن تكون (إن) بمعنى ما هذان إلا ساحران نافية، وإما (إنّ) بالتشديد وجعل لغة العرب أن اسمها يبقى مرفوعاً في التثنية: (إنًَّ هذان لساحران) ولا حرج، وله شواهد في لغة العرب.
قلنا: إِنْ هَذَانِ [طه:63] ليس فيه خلاف، لكن قراءة: (إنّ هذان لساحران)، ما قال: إن هذين لساحرين يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ [طه:63]، هذه كلمة فرعون ورجاله.
يريدان ماذا؟ أن يجلوكم عن الديار المصرية ويبعدوكم عنها ويشردوكم.
يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى [طه:63]، بجمالكم وكمالكم وعلمكم ودولتكم. هذه مهمة موسى وهارون، رجلان فقط يستطيعان أن يملكا مصر بكاملها، لكن بهرتهم آيات الله. ماذا يصنعون؟ فصرحوا بما سمعتم. ماذا قالوا؟ إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ [طه:63] مصر بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى [طه:63] في الدولة والنظام والسياسة والشرف.. وما إلى ذلك.
إذاً: قالوا: فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ [طه:64] من القائل؟ فرعون ورجاله. (أجمعوا كيدكم) أي: قواكم وما عندكم.
ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا [طه:64] ثم تعالوا صفاً واحداً.
وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى [طه:64] وفاز وعلا وقهر.
العجب هذا! فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ [طه:64] مكركم وما لديكم من قوى وطاقات، والسحر هو كيدهم.
فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا [طه:64] واحداً، وكانوا كذا مائة واحد؛ لأن الساحة على مد البصر.
فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا [طه:64] تعالوا صفاً واحداً وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى [طه:64]، أي: فاز وظفر إذا قهر وغلب وعلا واستعلى.
قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى [طه:65]، إما أن تلقي أنت، وإما أن نكون أول من يلقي.
يلقون هم ماذا؟ حبالهم وعصيهم، هذه الحبال والعصي يدهنونها بالزئبق، وإذا ارتفع النهار واشتدت حرارة الشمس ترى تلك الحبال والعصا كلها هائجة تتحرك.
مادة الزئبق معروفة.. يطلون بها حبالهم وعصيهم وإذا بالساحة كاملة تتحرك!
وضعوها لما ارتفعت الشمس واشتدت الحرارة وقالوا: هيا بنا نلقي فإذا بالحبال ترتفع وتتحرك والعصي.
فماذا قال له الرب تبارك وتعالى؟ قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى [طه:68-69].
هذه تحفظ: وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى [طه:69] والله ما يفلح الساحر حيث جاء وكان، لو كان يفلح السحرة لملكوا الدنيا.
الآن يتعاطون السحر في المدينة فهل ملكوا شيئاً؟ هل أفلحوا؟ هذا في العالم بأسره وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى [طه:69].
ما زال السياق الكريم في الحوار بين موسى وهارون من جهة، وفرعون وملئه من جهة أخرى، فقال تعالى: وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ [طه:56] أي: أرينا فرعون: آيَاتِنَا كُلَّهَا [طه:56]، أي: أدلتنا وحججنا على أن موسى وهارون رسولان من قبلنا؛ أرسلناهما إليه، فَكَذَّبَ [طه:56] برسالتهما وَأَبَى [طه:56] الاعتراف بهما، وقال ما أخبر تعالى به عنه: قَالَ أَجِئْتَنَا [طه:57] يا موسى لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا [طه:57] من منازلنا وديارنا ومملكتنا بِسِحْرِكَ [طه:57] الذي انقلبت به عصاك حية تسعى؟ فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا [طه:58] نتقابل فيه، لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى [طه:58] عدلاً بيننا وبينك يكون من الاعتدال والاتساع بحيث كل من ينظر إليه يرى ما يجرى فيه من المباراة بيننا وبينك.
فأجاب موسى بما أخبر به تعالى عنه فقال: مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ [طه:59]، وهو يوم عيد للأقباط يتجملون فيه ويقعدون عن العمل ] موسى هو الذي رأى هذا، هو الذي اختاره [ ويقعدون فيه عن العمل وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى [طه:59] أي: في يوم يجمع فيه الناس ضحى للتفرج في المباراة من كل أنحاء المملكة، وهنا تولى فرعون، بمعنى: انصرف من مجلسه المحاور أي: للحوار، وكله كبر وعناد فجمع قوته من السحرة لإنفاذ كيده في موسى وهارون، وفي الآيات التالية تظهر الحقيقة، وهي قوله تعالى: وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا [طه:61] أي: لا تقولوا على الله فتنسبوا إليه ما هو كذب، هذه كلمة موسى وهارون، فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ [طه:61] أي: يهلككم بعذاب إبادة واستئصال، وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى [طه:61]، أي: خسر من كذب على الله أو على الناس، ولما سمعوا كلام موسى هذا اختلفوا فيما بينهم: هل صاحب هذا الكلام ساحر أو كلام رسول من في السماء؟ وهو ما أخبر به عنه في قوله: فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ [طه:62]، وقوله: وَأَسَرُّوا النَّجْوَى [طه:62] أي: أخفوا ما تناجوا به بينهم، وهو ما أخبر به في قوله: (إنّ هذان لساحران) أي: موسى وهارون، يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ [طه:63]، أي: من دياركم المصرية، وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى [طه:63] أي: بأشرافكم وساداتكم من بني إسرائيل وغيرهم، فيتابعوهما على ما جاءا به، ويدينون بدينهما، وعليه فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ [يونس:71] حتى لا تختلفوا فيما بينكم، ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا [طه:64] واحداً متراصاً، وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى [طه:64] أي: غلب، وهذا بعد أن اتفقوا على أسلوب المباراة، قالوا بأمر فرعون: يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ [طه:65] عصاك، وإما أن نلقي نحن فنكون أول من ألقى، فقال لهم موسى: بَلْ أَلْقُوا [طه:66]، فالقوا عندئذ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ [طه:66]، وكانت ألوفاً فغطت الساحة؛ وهي تتحرك وتضطرب لأنها مطلية بالزئبق، فلما سخنت بحر الشمس صارت تتحرك وتضطرب، الأمر الذي خيل فيه لموسى أنها تسعى ]. ويأتي بقية الحديث في الآيات الآتية إن شاء الله غداً.
أولاً: بيان كبر فرعون وصلفه وطغيانه ] وقد تجلى لنا في الحوار الذي دار بينه وبين موسى وهارون عليهما السلام.
[ ثانياً: للسحر آثار وله مدارس يتعلم فيها، ورجال يحذقونه ويعلمونه ]. للسحر آثار تظهر للناس ويتأثر بها الناس، وقد يتأذون بها، وقد كان عند فرعون مدارس خاصة لتعليم السحر، واليوم يوجد السحر عند اليهود، إلا أننا لا ندري كيف يعلمون الناس الآن.
[ ثالثاً: مشروعية المبارزة والمباراة لإظهار الحق وإبطال الباطل ].
مشروعية ماذا؟ المباراة. والمبارزة من أجل الكرة والانتصار فيها؟ أو من أجل انتصار الحق؟
نحن نبارز الكفار لنغلبهم وليدخلوا في الإسلام، فالمباراة بيننا وبين الكفار من أجل إظهار الحق ولنقهرهم ولنذلهم وليدخلوا في الإسلام. هذا هو الهدف، من أجل أن نظهر الحق وأننا على حق، وغيرنا على الباطل.
[ رابعاً: مشروعية اختيار المكان والزمان اللائق للقتال والمباراة ونحوهما ]. مشروعية اختيار المكان اللائق بالمباراة والمبارزة واختيار مكان صالح لذلك. هذا دلت عليه الآية الكريمة.
قال: [ ومن هداية الآيات أيضاً:
أولاً: حرمة الكذب على الله تعالى، وأنه ذنب عظيم يسبب دمار الكاذب وخسرانه ]. قال تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا [الأنعام:21]، الكذب على الناس محرم، فكيف بالكذب على الله؟ يقول: قال الله والله ما قال، أو أباح الله والله ما أباح، أو شرع الله والله ما شرع، فهذا الكذب ليس فوقه كذب وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى [طه:61] وخسر.
[ ثانيا:ً من مكر الإنسان] الذي لا يؤمن بالله ولقائه [ من مكر الإنسان وخداعه أن يحول القضية الدينية البحتة إلى سياسة؛ خوفاً من التأثير على النفوس فتؤمن وتهتدي إلى الحق ] ليصرف الناس عن الإسلام، حتى لا يهتدوا ولا يسعدوا.
[ ثالثاً:] وأخيراً [ معية الله تعالى لموسى وهارون تجلت في تصرفات موسى، إذ الإذن لهم بالإلقاء أولاً من الحكمة؛ وذلك أن الذي يبقى في نفوس المتفرجين والنظارة هو المشهد الأخير والكلمة الأخيرة التي تقال، لاسيما في موقف كهذا ].
هذه الولاية وهذه المعية بأي شيء نحصل عليها؟ كيف نجدها؟ كيف نظفر بها؟
كيف نصبح أولياء الله؟ لو رفعنا أكفنا إليه ما ردها خائبة، لو ناديناه أن يفعل بنا لأجاب.
أولاً: هذه الولاية معاشر الأبناء هي متوقفة على الإيمان الصحيح، فلنصحح إيماننا حتى يكون إيمان يوافق القرآن عليه، ويصدق الرسول صلى الله عليه وسلم عليه، إيمان الرسول وأصحابه والمؤمنين.
ثانياً: تقوى الله عز وجل، والخوف من الله الذي يحمل الخائف على أن لا يعصي الله ولا رسوله، لا بترك واجب من الواجبات، ولا بفعل حرام من المحرمات، بهذا نظفر بولاية الله عز وجل ونكون أولياؤه وأولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
من هم أولياؤه؟ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [يونس:63-64]، والتقوى خوف يحملك على أن تطيع الله ورسوله.
وهنا يجب أن نتعلم وأن نعرف وأن نعلم ما أوجب الله فعله أو اعتقاده، وما حرم من ذلك الاعتقاد والقول، فلابد من طلب العلم.
والله لن يكون جاهل ولي لله، والقاعدة عندنا تكررت: ما اتخذ الله ولياً جاهلاً إلا علمه، ما اتخذ الله ولياً جاهلاً حتى يعلمه.
مثلاً: يمر بالحلقة يوماً من الأيام وهو جاهل فيسمع كلمة فتستأنس نفسه بها فيجلس في الحلقة، ويأخذ يتعلم يوماً بعد يوم حتى يصبح عالماً، ومن ثم تتحقق ولاية الله له؛ لأنه عرف ما يحب الله ففعله، وما يكره الله فتركه فتمت له الولاية.
أما أن جاهلاً ما يعرف ما يحب الله لا من القول ولا العمل ولا الصفة ولا الاعتقاد، فكيف يحب ما أحب الله؟ كيف يفعله؟
جاهل ما يعرف ما يكره الله من قول واعتقاد وعمل وصفة يفعلها وهو لا يدري فكيف يكون ولياً لله؟
وكيف تتم المعية له؟ والله لن تكون إلا بعد أن يعلمه الله فما اتخذ الله ولياً جاهلاً إلا علمه.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر