-
تفسير قوله تعالى: (عمّ يتساءلون)
سورة النبأ السورة الثامنة والسبعون من سور القرآن الكريم، وتسمى: سورة عم يتساءلون، وهي مكية بالإجماع، وآيها أربعون.
يقول
ابن عطية : ليس فيها نسخ ولا حكم، إلا ما قاله بعض الناس في قوله تعالى:
لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً [النبأ:23] إنها منسوخة.
يقول
مقاتل بن حيان : الحقب: سبعة عشر ألف سنة، وهي منسوخة بقوله تعالى
فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً [النبأ:30]
ونحن نقول: قوله تعالى: (( لابثين فيها أحقاباً )) خبر، والخبر لا يقبل النسخ؛ لأن خبر الله سبحانه وتعالى لا يمكن أن يخلف، ولا يكون غير مطابق للحقيقة حتى ينسخ، فالأخبار لا يدخلها النسخ، فهذا القول إنما يحكى تنبيهاً على أنه خلاف غير معتبر، فيحكى لينبه على فساده، فهذا قول لا يصح بحال؛ لأن الأخبار لا تنسخ.
قوله: (( عم )) أصلها: عن ما، ثم أدغمت النون في الميم فصارت ((عما)) في الخبر والاستفهام، ثم حذف الألف في الاستفهام فرقاً بينه وبين الخبر، وقرئ ((عم))، وقرئ (عمه) بالهاء، وهذا إنما يكون عند الوقف على ((عم))، ثم يبتدئ بقوله: ((يتساءلون))
عَنْ النَّبَإِ الْعَظِيمِ [النبأ:2] وجمع يتساءلون لأن ما بعده جملة صلة.
وقوله تعالى: ((عم يتساءلون)) أي: هؤلاء المشركون عن أي شيء يتساءلون؟ لأن بعضهم كذب، وبعضهم قال: سحر وكهانة وجنون وغير ذلك، فكثر تساؤلهم عن حقيقة هذا القرآن.
قال
ابن جرير : وذلك أن قريشاً جعلت فيما ذكر عنها تختصم وتتجادل في الذي دعاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإقرار بنبوته، والتصديق بما جاء به من عند الله تعالى، والإيمان بالبعث، فقال الله سبحانه وتعالى لنبيه: ((عم يتساءلون)) أي: فيم يتساءل هؤلاء القوم ويختصمون؟ و(في) و(عن) في هذا الموضع بمعنى واحد.
والتفاعل في قوله: (يتساءلون) إما على بابه أي: يسأل بعضهم بعضاً، أو أنه بمعنى: فعل يعني: سأل، وعلى الأول فالمعنى: يتساءلون فيما بينهم، وعلى الثاني فالمعنى أنهم يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم.
-
تفسير قوله تعالى: (عن النبأ العظيم ... ثم كلا سيعلمون)
-
تفسير قوله تعالى: (ألم نجعل الأرض مهاداً ... وجعلنا نومكم سباتاً)
أَلَمْ نَجْعَلْ الأَرْضَ مِهَاداً *
وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً *
وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً *
وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً [النبأ:6-9].
ذكرهم تعالى بدلائل قدرته وآيات رحمته فقال عز وجل:
أَلَمْ نَجْعَلْ الأَرْضَ مِهَاداً ، أي: فراشاً وموطئاً تفترشونها فالمهاد هو الفراش الممهد كالمهد للصبي، وكذلك الأرض، وقرئ: (مهداً).
وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا أي: أرسينا الأرض بالجبال كما يرسى البيت بالأوتاد، حتى لا تميد بأهلها، وتكون الأرض مهاداً بسبب ذلك، فإنما كانت الجبال أوتاداً؛ لأن جذورها في الأرض مغروسة، ولأنها تمنع الأرض من الاضطراب كالأوتاد التي تربط بها السفن لتثبيتها.
وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً أي: ذكوراً وإناثاً.
أو: (وخلقناكم أزواجاً) أي: أنواعاً في ألوانكم وصوركم وألسنتكم، فيدخل في هذا كل زوج من قبيح وحسن، وطويل وقصير لتختلف الأحوال، فيقع الاعتبار فيشكر الفاضل، ويصبر المفضول.
قوله تعالى:
وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً أي: وصيرنا نومكم راحة ودعة، ليريح القوى من تعبها ويعيد إليها ما فقد منها؛ إطلاقاً للملزوم وهو السبات (الموت)، وإرادة اللازم وهو الاستراحة.
وقيل: السبات هو الليل الممتد الطويل السكون، ولهذا يقال فيمن وصف بسكرة الموت: إنه مسبوت أو به سبات، فوجه الامتنان بذلك ظاهر لما فيه من المنفعة والراحة؛ لأن النوم يكسب شيئاً من الراحة.
-
تفسير قوله تعالى: (وجعلنا الليل لباساً ... سراجاً وهاجاً)
قال تعالى:
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً *
وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً *
وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً *
وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً [النبأ:10-13].
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً أي: كاللباس لإحاطة ظلمته بكل أحد وستره لهم، ووجه النعمة في ذلك أن ظلمة الليل تستر الإنسان عن العيون إذا أراد هرباً من عدو أو بياتاً له، أو إخفاء ما لا يحب الإنسان اطلاع غيره عليه.
قال
المتنبي :
وكم لظلام الليل عندي من يد تخبر أن المانوية تكذب
فالسياق في قوله الله تعالى:
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً سياق امتنان على الناس بهذه النعمة.
ووجه النعمة هنا أن ظلام الليل ليس شراً كله كما تزعم المانوية، الذين يجعلون الظلام إله الشر، والنور إله الخير.
فمن فوائد الليل أيضاً: راحة العين والبدن واستعادة القوى وغير ذلك.
فقول
المتنبي :
(وكم لظلام الليل عندي من يد) أي: من نعمة وفضل ومنة
(تخبر أن المانوية تكذب) أي: حين ينسبون كل شر إلى الليل، فهو يقول: كم لظلام الليل عندي من يد وإحسان، وهذه اليد وهذا الإحسان تخبران أن المانوية تكذب في نسبة الشر المطلق إلى الظلام.
وأيضاً فكما أن الإنسان بسبب اللباس يزداد جماله، وتتكامل قوته، ويندفع عنه أذى الحر والبرد، فكذلك لباس الليل بسبب ما يحصل فيه من النوم الذي يزيد في جمال الإنسان، وفي طراوة أعضائه، وفي تكامل قواه الحسية والحركية، ويندفع عنه أذى التعب الجسماني، وأذى الأفكار.
وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً أي: وقت معاش إذ فيه يتقلب الخلق في حوائجهم ومشاكلهم.
وقوله:
وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً هي على حذف مضاف، أي: وقت معاش.
والمقصود بقوله: (معاشاً) أي: متصرفاً لطلب ما يعاش به من المطعم والمشرب، وغير ذلك.
وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً أي: سبع سماوات (شداداً) جمع شديدة، أي: أن السماء عظيمة الخلق لا يؤثر فيها مرور الزمان.
وقال بعض المفسرين: السبع الشداد الطرائق السبع، وهي ما فيها من الكواكب السبعة السيارة. وهذا الكلام فيه نظر، الكواكب السبعة تحت السماوات السبع، والله أعلم أين تنتهي السماء الدنيا.
وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً أي متلألئاً وقاداً، يعني به الشمس.
-
تفسير قوله تعالى: (وأنزلنا من المعصرات ماءً ثجاجاً ... وجنات ألفافاً)
قال تعالى:
وَأَنزَلْنَا مِنْ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً *
لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً *
وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً [النبأ:14-16].
وَأَنزَلْنَا مِنْ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً المعصرات هي السحائب شارفت أن تعصر بالمطر.
وقيل: المعصرات هي الرياح التي تأتي بالمطر.
وقيل: المراد بالمعصرات السماء.
فكلمة (المعصرات) تطلق على الرياح، وعلى السحب، وعلى السماء، لكن أقربها هنا أن المراد بالمعصرات السحاب.
((مَاءً ثَجَّاجاً)) أي: منصباً متتابعاً، والثجاج: هو السريع الاندفاع كما يندفع الدم من عروق الذبيحة، وفي الحديث: (
أفضل الحج العج والثج) العج: رفع الأصوات بالتلبية، والثج: هو إراقة الدماء تقرباً إلى الله سبحانه وتعالى.
قوله تعالى:
لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً قال
ابن جرير : الحب كل ما تضمنه كمام الزرع التي تحصد، والنبات الكلأ الذي يرعى من الحشيش والزروع.
يقول
الزمخشري : يريد ما يتقوت من نحو الحنطة والشعير، وما يعتلف من التبن والحشيش كما قال تعالى:
كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ [طه:54].
وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً أي: حدائق ملتفة الشجر مجتمعة الأغصان.
قال
الرازي : قدم الحب؛ لأنه الأصل في الغذاء، وثنى بالنبات لاحتياج الحيوانات إليه، وأخر الجنات؛ لأن الحاجة إلى الفواكه ليست بضرورية.
ثم قال: وكان
الكعبي من القائلين بالطبائع، فاحتج بقوله تعالى: (لنخرج به حباً ونباتاً) على بطلان قول من قال: إنه تعالى لا يفعل شيئاً بواسطة شيء آخر، أي أن ارتباط المسببات بالأسباب مما بنى عليه سبحانه بحكمته الباهرة نظام العمران.
على أي الأحوال هذا منهج
الرازي المفسر المعروف حينما يذكر الشبهات، وهذه من عيوبه الساذجة في تفسيره أنه يذكر استدلال أهل البدع بشتى مذاهبهم وفرقهم في القرآن الكريم، حتى إذا ما بدأ يرد عليها يكون قد أنهكت قواه.
إننا نحذر من القراءة في تفسير
الرازي بسبب انحرافه في العقيدة، إلا لمن عنده علم ويستطيع أن يمحص هذا الفهم.
عموماً
الرازي من آفات تفسيره كثرة حكاية الشبهات وأقوال المنحرفين في عقائدهم وأهل البدع، وضعف الردود عليهم أحياناً.
-
تفسير قوله تعالى: (إن يوم الفصل كان ميقاتاً ... فتأتون أفواجاً)
-
تفسير قوله تعالى: (وفتحت السماء ... فكانت سراباً)
-
تفسير قوله تعالى: (إن جهنم كانت مرصاداً ... جزاء وفاقاً)
-
تفسير قوله تعالى: (إنهم كانوا لا يرجون ... إلا عذاباً)
-
تفسير قوله تعالى: (إن للمتقين مفازاً ... عطاء حساباً)
-
تفسير قوله تعالى: (رب السموات والأرض وما بينهما الرحمن ...)
قال تعالى:
رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً [النبأ:37].
قال
ابن جرير : لا يملكون أن يخاطبوا الله، قال: والمخاطب المخاصم الذي يخاصم صاحبه.
وقال غيره: أي: لا يملكهم الله منه خطاباً في شأن الثواب والعقاب، بل هو المتصرف فيه وحده، وهذا كما تقول: ملكت منه درهماً، فـ (من) ابتدائية متعلقة بملكت وذكر
ابن جرير أنهم لا يمكن أن يخاطبوه بشيء من نقص العذاب.
وقيل: (لا يملكون منه خطاباً) أي: لا يملكون من إخباره إن خاطبوه بمعذرة ولا غيرها، وهذا في موطن خاص.
وقرئ: (رب) و(الرحمن) بالجر والرفع، وقرئ بكسر الأول ورفع الثاني.
-
تفسير قوله تعالى: (يومَ يقوم الروح والملائكة صفاً...)
-
تفسير قوله تعالى: (ذلك اليوم الحق ... كنت تراباً)