قوله: (لا حيض مع حمل) لا تحيض الحامل؛ لأن الدم ينصرف غذاءً للجنين، فيتغدى به الحمل ما دام في بطن أمه عن طريق سرته، فهذا الدم الذي هو دم الحيض إذا علقت المرأة بالحمل توقف خروجه، وانصرف غذاءً للجنين، فإذا ولدت خرج الدم المتبقي الزائد عن غذاء الجنين، وسُمي دم نفاس، والدم الزائد يحتبس في الرحم، فإذا انقطع دم النفاس توقف الدم، وإذا كانت ترضع ينقلب لبناً؛ ولهذا فإن المرضع لا تحيض إلا قليلاً، فبعض النساء تكون بنيتها قوية، ويكون جسدها وبدنها قوياً، وخلقتها قوية كبيرة، ودمها كثير، فتحيض ولو كانت ترضع، والغالب أنها إذا كانت ترضع من صدرها طفلها أنها لا تحيض، بل ينقلب الحيض الذي هو هذا الدم لبناً يتغذى به الولد، فإذا لم تكن حاملاً ولا مرضعاً فإن هذا الدم يجتمع في الرحم، ولا يكون له مصرف فيخرج في أوقات معينة، فإذا اجتمع في الرحم إلى حد محدد خرج بعد ذلك في أيام متتابعة، وله أحكام لابد من معرفتها.
وأول سن تحيض فيه المرأة وهي بنت تسع سنين، وإن كان نادراً، وسبب تبكير الحيض إلى الفتاة هو قوة البنية، فإذا كانت المرأة قوية كبيرة البدن تحيض مبكرة، وعادة أنه في الأزمنة التي تكثر فيها الخيرات، وتكثر فيها النعم، أن تشب الطفلة شباباً سريعاً، وتراها بنت تسع سنين وتعتقدها بنت خمس عشرة أو ثلاث عشرة سنة، فتحيض في سن مبكر.
ويحرم وطؤها في الفرج؛ وذلك لقوله تعالى: فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222] والمحيض: يراد به مجرى الدم (الفرج).
ومن وطأ وأولج في الفرج وهي حائض فعليه كفارة دينار أو نصفه، ولم يثبت في ذلك حديث صحيح، والحديث المروي في ذلك يصحح العلماء أنه موقوف على ابن عباس، فلأجل ذلك ذهب بعضهم كـشيخ الإسلام إلى أنه لا يلزمه كفارة؛ وذلك لأنه لم يثبت فيها حديث مرفوع، ولكن كونه صحيحاً ثابتاً موقوفاً عن ابن عباس ، فـابن عباس لا يقوله برأيه ولا يتخرص، لذلك يُلزمون من وطأها في الحيض أن يكفر، وقالوا: إن كان في أول الحيض فدينار، وإن كان في آخره فنصفه، والدينار قطعة من الذهب يتعامل بها، ويقدر بأنه أربعة أسباع الجنيه السعودي، فإذا وطأ في أول الحيض تصدق بأربعة أسباع الجنيه، وإذا كان صرف الجنيه سبعمائة تصدق بأربع مائة، وإن كان في آخره تصدق بنصفه أي: مائتين.
ويجوز أن يباشرها فيما دون الفرج، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حاضت المرأة من نسائه يأمرها أن تلبس إزاراً أو تجعل إزاراً فوق بطنها من السرة إلى الركبة، ويباشرها فوق ذلك، ويجوز أن يباشرها فيما دون الفرج، وإنما الممنوع هو الإيلاج في الفرج؛ لأنه محل النجاسة، قال تعالى: فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222].
قال بعضهم: تجلس أقله ثم تغتسل وتصلي، ولو كان الدم جارياً، وأقله يوم وليله؛ مخافة أن الدم الزائد دم عرق.
ثم إذا انقطع قبل خمسة عشرة يوماً اغتسلت مرة ثانية، وتفعل ذلك في ثلاثة أشهر، مثلاً: في الشهر الأول تغتسل بعد يوم، فإذا انقطع بعد خمسة أيام اغتسلت مرة ثانية، وفي الشهر الثاني كذلك تغتسل بعد يوم، ثم إذا انقطع بعد خمسة أيام مع اليوم -يعني: ستة- اغتسلت ثانية، وهكذا في الثالث، ففي الرابع تجلس الستة؛ لأنها تكررت ثلاثة أشهر، فدل على أن هذه كلها حيض.
القول الثاني: أنه لا يشترط أن تتكرر، بل حكمها حكم غيرها، فإذا رأت الدم الذي يصلح أن يكون دم حيض فلا تصلي حتى ينقطع، إلا إذا تعدى خمسة عشر يوماً؛ وذلك لأن الأصل أنه دم الحيض، وأنه لا فرق بين المبتدئة وغيرها.
وذكروا أن المبتدئة إذا أيست قبله أو لم يعد فلا قضاء عليها، مثاله: إذا اغتسلت بعد يوم، وقلنا لها: الخمسة الأيام الأخرى صلي فيها وصومي، فصامت نذراً أو قضاءً، ثم تكرر منها أنها تغتسل بعد يوم وينقطع الدم بعد ستة أيام، فتبينا أن هذا كله حيض -الستة الأيام-، وتبينا أنها صامت النذر أو صامت القضاء وهي حائض، فماذا نفعل؟
نأمرها أن تقضي ما صامته؛ لأننا تحققنا أنها صامته في أيام حيض، إلا إذا أيست، وبلغت سن الإياس، أو انقطع الدم ولم يعد، وهذا لو كانت صغيرة، فلا قضاء عليها؛ لأنها صامته وهي طاهرة، فلا يلزمها أن تصومه مرة ثانية.
الحالة الأولى: أن تكون لها عادة، فإذا استمر الحيض معها عشر سنين، يأتيها من أول الشهر وينقطع في اليوم السابع، ثم استحاضت واختلط عليها الأمر بعد عشر سنين، فنقول: هذه تقدم عادتها، فتجلس من أول الشهر إلى اليوم السابع لكل شهر، حتى تشفى من هذا الاختلاط.
الحالة الثانية: إذا لم يكن لها عادة، تارة يكون حيضها خمسة، وتارة يكون عشرة، وتارة ثمانية، وتارة يكون في أول الشهر، وتارة يكون في آخر الشهر، وتارة في وسطه، فماذا تفعل؟
تعمل بالتمييز، والتمييز هو: أن تفرق بين دم الحيض ودم الاستحاضة، والغالب أن دم الحيض يكون غليظاً، ودم الاستحاضة يكون رقيقاً، ودم الحيض يكون أسود، ودم الاستحاضة يكون أحمر، وقد تميز بغير ذلك، والنساء يعرفن ذلك، فتعمل بالتمييز الصالح.
الحالة الثالثة: إذا لم يكن لها تمييز بأن امتزج الدم وليس لها عادة، وهذه تُسمى (المتحيرة)، فهذه تجلس عادة نسائها من كل شهر ستة أو سبعة أيام كعادة أمها وأختها وأخواتها ونحوهن.
فمن كانت مستحاضة جلست أقل الشهر الذي هو يوم وليلة حتى تتكرر استحاضتها، فإذا تكررت استحاضتها ولم تميز وأطبق عليها الدم -وقد يطبق عليها سنة أو سنتين أو ثلاثاً أو أكثر- فهذه إذا لم يكن لها تمييز ولم يكن لها عادة تجلس غالبه، وغالب الحيض ستة أيام أو سبعة أيام، والمستحاضة المعتادة تقدم عادتها، وعرفنا أنها تقدم العادة على التمييز، فإن لم يكن لها عادة فالتمييز، فإن لم يكن لها عادة ولا تمييز فغالب الحيض من كل شهر.
والمستحاضة إذا أرادت أن تصلي تغسل المحل، فتغسل فرجها وتعصبه، وتتوضأ لكل صلاة، إلا إذا لم يخرج بين الصلاتين شيء.
وتنوي بالوضوء استباحة الصلاة.
ويحرم على زوجها وطؤها؛ إلا إذا خاف الزنا، فإذا لم يستطع أن يملك نفسه وخشي على نفسه العنت، ففي هذه الحال يجوز وطؤها، وأكثر العلماء قالوا: يجوز وطؤها للضرورة.
وإذا طهرت قبل الأربعين فبعض النساء قد تطهر بعد نصف شهر من الولادة، وبعضهن قد تبقى خمسين يوماً وهي ما طهرت، فمتى كان الدم مستمراً وهو مثل دم النفاس فإنها تجلس ولو زاد على الأربعين، وأما إذا لم يبق معها إلا صفرة بعد الأربعين أو كدرة أو نجاسة مياه أو نحو ذلك فإنها تصلي.
وأما الوطء فالصحيح أنه يكره وطؤها قبل الأربعين ولو طهرت، هكذا ذكروا، ولعل الصواب: أنه يجوز إذا طهرت طهراً شاملاً ورأت النقاء وصلت وصامت، فلا مانع من وطئها.
قوله: (النقاء زمنه طهر) مثلاً: من طهرت بعد عشرين يوماً فهذا الزمان الذي بعد العشرين طهر؛ لأنه يكره الوطء فيه، وإن فعل فلا بأس.
والنفاس مثل الحيض في أحكامه، يعني: أنها لا تصلي، ولا تصوم، ولا تقرأ، ولا تمس المصحف، ولا تدخل المسجد، ولا تطوف بالبيت، ولا يجوز وطؤها إلخ، إلا العدة، فالعدة تكون بالحيض، وأما النفاس فلا يُعد من القروء، وكذلك يعرف بلوغ المرأة بالحيض، ولا يكون النفاس علامة على البلوغ؛ ولذلك تكون قد بلغت فبمجرد الحمل، فمجرد ما حملت حُكم ببلوغها، فهذا ما يتعلق بالحيض على وجه الاختصار، وتطالع له المبسوطات، وقد تكلم العلماء وتوسعوا فيه، والله أعلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر