إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. مساعد الطيار
  5. عرض كتاب الإتقان
  6. عرض كتاب الإتقان (72) - النوع السبعون في المبهمات - النوع الحادي والسبعون في أسماء من نزل فيهم القرآن

عرض كتاب الإتقان (72) - النوع السبعون في المبهمات - النوع الحادي والسبعون في أسماء من نزل فيهم القرآنللشيخ : مساعد الطيار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد اعتنى العلماء قديماً وحديثاً بالقرآن الكريم عناية خاصة، ومن عنايتهم به الاهتمام بمبهماته، وهي المواطن التي ورد ذكرها في القرآن أو الأعلام ولم ينص على اسمها، ثم ذكروا أسباب هذا الإبهام، وتأثيره على فهم المعنى.

    1.   

    علم المبهمات في القرآن

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين.

    أما بعد:

    فنبتدئ بكتاب "الإتقان في علوم القرآن" للإمام السيوطي ، نستعرض نوعين من أنواع علوم القرآن، وهما النوع السبعون، والنوع الحادي والسبعون.

    من ألف في المبهمات

    أما هذا النوع وهو النوع السبعون؛ فيقول في المبهمات، وذكر من أفرد هذا الموضوع بالتأليف، وأول من ذكر أنه أفرده بالتأليف السهيلي ثم ذكر ابن عسكر ، ثم ذكر القاضي بدر الدين بن جماعة ، وهناك كتب أخرى جاءت بعد السيوطي في نفس العلم، الذي هو المبهمات.

    المراد بمبهمات القرآن وعلاقة ذلك بالتفسير

    والمراد بالمبهم هو: ما يذكر من علم أو من موطن أو غيره دون أن ينص على اسمه، وقد ذكر السيوطي أمثلة لذلك، وذكر أسباب الإبهام. وقد يقول قائل: هل هناك حاجة لهذا العلم من جهة التفسير؟ فنقول: أحياناً، وإن كانت قليلة قد يكون هناك حاجة لمعرفة هذا العلم في التفسير، وإن كان الذي يغلب على علم المبهمات أنه مما لا يحتاج إليه في التفسير، فتعيين المبهم لا يؤثر في فهم المعنى هذا في الغالب، لكن قد يكون لتعيين مبهم أثر في المعنى ولكنه قليل جداً.

    وقد أشار الشاطبي رحمه الله تعالى في الموافقات، خصوصاً في المقدمة إلى مسألة لطيفة، وهي: أن العلم الذي كان للسلف به عناية فإنه من العلوم المرغوب فيها، ويضاف إلى ذلك ما أشار إليه السلف، ومنها هذا العلم؛ فهو من العلوم التي أشار إليها السلف، وكذلك من العلوم التي عني بها السلف في تطبيقات التفسير.

    ذكر عن عكرمة قال: طلبت الذي خرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم أدركه الموت أربع عشرة سنة، وقبله شيخ ابن عباس كما في صحيح البخاري وغيره أنه كان يتحين الفرصة ليسأل عمر بن الخطاب عن المتظاهرتين، وهذا يدل على أن السلف كان لهم عناية بالمبهمات، ولكن لا يعني هذا أن العناية بالمبهمات لا يلزم منها أن يكون لها أثر في فهم المعنى، ولكنها نوع من أنواع علوم القرآن؛ ولهذا تجد الكلام عن المبهمات منثوراً في تفسيرات السلف، وكل ما سنراه أو أغلب ما سنراه هو منقول عن الصحابة أو التابعين أو أتباع التابعين بما يتعلق بالمبهمات من الأشخاص بالذات؛ لأنها لا ارتباط لها أحياناً بأسباب النزول أو بأحوال النزول، كما سيأتي.

    مناقشة أسباب الإبهام في القرآن التي ذكرها الشاطبي

    وما ذكره السيوطي رحمه الله تعالى من أسباب الإبهام بعضها دقيق، وبعضها يمكن أن يستعاض عنه بأمثلة أخرى، مثال ذلك الإبهام قال: أحدها الاستغناء ببيانه في موضع آخر كقوله: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7]، يقول: إنه استغني عنه بأنه بين في قوله: فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ [النساء:69]، وتفسير هذه الآية بتلك يكاد أن يقوم الإجماع عليه، فهذه الآية تفسر هذه الآية، ولكن مع ذلك نقول: إن هذا من باب النظر والرأي، وليس من باب التوقيف، ولولا تكاثر كلام المفسرين حول هذه الآية في أنها تفسر هذه الآية لأمكننا القول: بأن بيانه في موضع آخر مما يكون من باب الرأي، وقد يقع الخلاف فيه، وهذا أمثلته كثيرة.

    السبب الثاني: قال: [أن يتعين لاشتهاره..] وذكر مثالاً له في قوله: اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ [البقرة:35]، في أن زوج آدم كما هو مشهور ومعلوم أنها حواء، وهذا مما تواتر بين الناس أن اسم زوجة آدم حواء .

    السبب الثالث الذي ذكره: [قصد الستر عليه؛ ليكون أبلغ في استعطافه] وذكر مثالاً في قوله: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [البقرة:204]، وهذا ليس بدقيق، والسبب: أن الأصل في مثل هذه الخطابات هو ذكر الأوصاف وليس ذكر الأسماء، ولا يأتي ذكر الأسماء إلا في أحوال معينة مثل ما حصل مع فرعون، فأغلب من ذكر باسمه من الأقوام الكافرة هو فرعون، لكن الغالب في استعمال القرآن في مثل هذه المواطن هو ذكر الأوصاف أو الأحوال وليس ذكر الأسماء؛ فعندما يقول السيوطي رحمه الله تعالى: [ قصد الستر عليه ] كأنه يقول: إنه كان مقصوداً أن يذكر اسمه ولكنه ترك فهذا لازم قوله، ولازم القول لا يلزم أن يكون قولاً له، لكن إذا تبين في اللازم شيء من الخلل في القول فإنه يعين على تضعيف القول، وهذه قاعدة ينتبه لها، فلما نقول: لازم هذا الأمر كذا، لو ذكرته لمن قال بهذا القول قد لا يلتزم به ولا يقول به، لكن بالنسبة لنا نقول: هذا اللازم يدل على ضعف القول، فكونه رحمه الله تعالى يقول: إن المراد أنه قصد الستر عليه، كأنه يقول: الأصل أنه سيذكر باسمه، فترك ذكر اسمه لأجل أن يستر عليه، نقول: لا، الأصل ذكر مثل هذه الأمور بالأوصاف والأحوال وليست بالأسماء.

    وقد ذكر الأخنس بن شريق وأنه أسلم وحسن إسلامه، فقد يكون هو القائل وقد يكون غيره هو القائل؛ ولهذا هذا ما زال ضمن الاحتمال، فاحتمال أن تكون الآية نزلت في الأخنس بن شريق واحتمال أن تكون نزلت في غيره.

    السبب الرابع: قال: [ألا يكون في تعيينه كبير فائدة] وهذا الذي عليه أغلب المبهمات، ولهذا نجد عند قوله سبحانه وتعالى: وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ [البقرة:35]، أن بعض السلف قصد إلى تعيينها، فبعضهم قال: إنها العنب، التي هي: الكرم، وبعضهم قال: إنها القمح، وبعضهم قال بأقوال أخرى، أما الطبري فيقف عند مثل هذه، إذ لو كان في تعيينها فائدة ومزيد علم لبينه الله سبحانه وتعالى، وما دام أبهمه فدل على أنه لا حاجة لنا إلى تعيينه، وهذه القاعدة العامة في المبهمات.

    السبب الخامس قال: [التنبيه على العموم] وهذا جيد، ولو ذهب في الذي نقدته قبل قليل أو جعل ذلك في هذا المكان لكان صحيحاً، لأنه لما يذكر الوصف فإنه يعمم كل من دخل تحت هذا الوصف، فإنه يكون مقصوداً، وذكر مثالاً قوله تعالى: وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا [النساء:100]، وهي نفس الخطاب في قوله: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [البقرة:204].

    السبب السادس قال: [تعظيمه بالوصف الكامل دون الاسم] وهذا ذكر له أمثلة من الآيات التي نزلت في أبي بكر الصديق : وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ [النور:22]، والآية الأخرى: وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ [الزمر:33]، والآية الأخرى: إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ [التوبة:40]، والمراد بها - كما هو مشهور في كتب التفسير - أبو بكر الصديق ؛ فكأنه ترك تعيينه من أجل ذكره بهذا الوصف الذي يدل على الكمال.

    السبب السابع كما قال: [ التحقير بالوصف نحو: إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ [الكوثر:3] ]. وهذه التي ذكرها بعضها محل القبول وبعضها، يمكن أن يؤخذ ويعطى مع السيوطي وغيره ممن ذكر أسباب الإبهام، لكن أهم سبب عندنا هو السبب الرابع: [ ألا يكون في تعيينه كبير فائدة ] وهذا الذي يجري على كثير من المبهمات.

    استدراك الشاطبي على الزركشي عند قوله: إنها قريظة أو من الجن

    ثم ذكر استدراكاً جميلاً على الزركشي حيث قال: [لا يبحث عن مبهم أخبر الله باستئثاره بعلمه..] قاعدة، يذكرها الزركشي ، أنه لا يبحث عن مبهم أخبر الله باستئثاره بعلمه، وذكر: وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ [الأنفال:60]، حيث يقول الزركشي : [والعجب ممن تجرأ وقال: إنهم قريظة أو من الجن]، لكن السيوطي يعترض عليه ويقول: [ ليس في الآية ما يدل على أن جنسهم لا يعلم، وإنما المنفى علم أعيانهم.. ]. وهذا توجيه لطيف، فإذا ذهب إلى أعيانهم فلا يعلمهم إلا الله، وإذا ذهب إلى جنسهم فيمكن أن يكونوا من هذا الجنس أو من ذاك الجنس، وهذا استدراك لطيف، وذكر له مثالاً آخر.

    بعض الأسماء المبهمة في القرآن

    ثم بعد ذلك أشار إلى كتابه الحافل في المبهمات، الذي هو "مفحمات الأقران" وقد ذكر من الطائف ما ذكره هنا أنه ذكر شرطه في هذا الكتاب، وهو كتاب "مفحمات الأقران" حيث قال: [ مبيناً فيه ما صح سنده وما ضعف؛ فجاء لذلك كتاباً حافلاً.. ]، وكأنه يريد أن يقول: أبين الصحيح من الضعيف، أي: في كتاب "مفحمات الأقران"، ولكنه لم يلتزم بهذا الشرط الذي ذكره هنا، ولم يذكر هذا الشرط أصلاً في كتابه كما أشار إلى ذلك محققو نسخة مجمع الملك فهد ؛ فهذه الفائدة تنقل إلى كتاب السيوطي الآخر الذي هو "مفحمات الأقران".

    ثم ذكر بعد ذلك مجموعة مما أبهم وذكرها على أقسام، لا يحتاج أن نقف عند هذه الأقسام التي ذكرها ولا حتى نستعرضها، لكن نكتفي ببعض ما ذكره من باب الفائدة.

    ذكر في القسم الأول: فيما أبهم من رجل أو امرأة أو ملك أو جني أو مثنىً أو مجموع، فعرف الأسماء كلهم، أي: أن المراد بهم كذا، أي: بالأسماء؛ وقد جعل هذا قسمين.

    وهناك فائدة ننتبه لها وهي: أنه يذكر فيها أسماء أعلام وأشخاص، وهؤلاء الأعلام والأشخاص الذين يذكرهم إما أن يكونوا في عصر النبوة وإما أن يكونوا قبل عصر النبوة، فالأسماء التي قبل عصر النبوة تفيدنا في جانب سبق أن ذكرته، وهو ما يتعلق باللغة الاشتقاقية، التي هي قبل نزول القرآن والتي بقيت في لغة القرآن، وأذكر مثالاً: الذي حاج إبراهيم في ربه قال: اسمه نمرود بن كنعان و نمرود بن كنعان إذا أدخلته على لغة العرب فستجد أنه له علاقة بلغة العرب، خصوصاً اسم كنعان؛ فهذا اسم عربي صرف.

    ومن الأسماء التي ذكرها ونشير إليها سريعاً، ذكر في سورة الكهف أمثلة أو أسماء، لكن من الأسماء التي ذكرها أسماء أصحاب الكهف، ولو تأملتم بعض الأسماء التي ذكرها فيها أسماء يونانية، أي: أسماء تنطق باللغة اليونانية أو اللهجة اليونانية، مكتوبة عنده مثل: أويونوس وأويوسطانس وشلططيوس، وفي هذه الأسماء فائدة وهي: إذا رأيتم اسماً مختوم بالسين من الأسماء القديمة فالغالب أنه من اللغة اليونانية، والسين عندهم -في اللغة اليونانية- إما أن تكون علامة للتذكير وإما أن تكون علامة للرفع، فمقابل المذكر المؤنث، فمثلاً: أنطونيوس كأنها إشارة إلى التذكير، أي: لما ترى السين معناه أن هذا اسم رجل، فهذا يتبين به اسم الرجل من اسم المرأة؛ مثل تاء التأنيث في لغة العرب أنها تشير إلى المؤنث مثلاً، بغض النظر عن التأنيث المجازي والحقيقي، لكن المقصد أن تاء التأنيث تشير إلى المؤنث؛ فالسين عندهم تشير إلى المذكر، أي: إنه اسم رجل.

    وفي الحاشية ذكروا اختلافاً في بعض الأسماء وذكر منها على سبيل المثال يوحنس، وهذا لو أردنا أن نعرف أصله فيما عندنا، سيوافق يحيى، الذي هو يوحنى بالآرامية، والآرامية أحد اللهجات العروبية المرتبطة بلغة الاشتقاق التي نتكلم عنها؛ فيطلق باللغة الآرمية يوحنى ويطلق في لغة أهل الجزيرة يحيى، ولما نطق باليونانية صار يوحنس.

    1.   

    طريقة دراسة المستشرقين التراث الإسلامي

    فهذه قد تفيد فقط في البحث التاريخي اللغوي لهذه الأسماء، ولا يقال في مثل هذه الأسماء: من أين جاءت؟ وكيف نثبتها؟ لأن لها مسألة أخرى في كيفية النقل، لعلنا إن شاء الله نتطرق إليها لأهميتها وعلاقتها بلغة القرآن.

    سنجد عندنا أيضاً بعض الأعلام الذين ذكروا مثل امرأة فرعون، اسمها آسية بنت مزاحم ، وهذا اسم عربي، وعند مؤرخي العرب أن فرعون اسمه مصعب بن الريان أو الوليد بن الريان على خلاف عندهم في الاسم مما يدل على عروبة مثل هذه الأسماء، لكن مع الأسف ممكن أن نقول: إن من يبحث في تاريخنا حتى من بني قومنا ليس عندهم ثقة بالتاريخ المنقول عن المتقدمين من علمائنا أو حتى التاريخ المنقول عن الجاهلية؛ وكأنهم يعتبرونه أساطير لا يعتمد عليها، وهذا ليس بصحيح، فنحن نحتاج إلى إعادة النظر في كيفية دراسة هذا التاريخ الموجود، ولا شك أن النقد التاريخي غير النقد اللغوي، غير النقد الحديثي، فكل له مجاله.

    ولم أجد إلا كتابات قليلة جداً تعتمد على مثل هذا التاريخ وتعتبره مصدراً مهماً لمعرفة تاريخ هذه المنطقة، وأسماء رجالاتها وأسماء قبائلها وأسماء أماكنها أيضاً، وتحليلها من خلال لغة العرب؛ لأنه قد تسلط علينا المستشرقون والتوراتيون فحرفوا كل ما يتعلق بتاريخ هذه المنطقة، إما عن قصد وإما عن غير قصد؛ لأنهم لا يستطيعون أن ينطقوا بعض الحروف العربية؛ فلما يقرءونها بالحروف، بلغة ناقصة عن حروف العربية قطعاً سيكون هناك خلل كبير جداً في معرفة أسماء تلك المناطق أو أسماء هؤلاء الأشخاص، وهذا ظاهر في دراسات المستشرقين.

    على سبيل المثال من باب الفائدة: الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر كما في الصحيح عن: فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا [الكهف:65]، أنه الخضر ، والخضر اسم عربي، وفي سورة الكهف ذي القرنين أنه وصفه بأنه ذو القرنين ، على اختلاف في المسألة لكن (ذو) قل أن تستخدم إلا عند عرب الجنوب، الذين هم عرب اليمن الجنوب، هم الذين يستخدمون ذو، مثل ذو نواس وغيره؛ فهذه إشارات تدل على مثل هذه الأمور وإن كان لا يمكن الجزم بها جزماً مطلقاً، لكنها إشارات.

    ولو كانت هذه الإشارات عند المستشرقين لجعلوها من عين اليقين وعلم اليقين وحق اليقين، لكنها من تاريخنا وتراثنا فإننا لا نجد هذه العناية الكبيرة جداً بمثل هذه الأسماء وتوثيقها.

    ومن قرأ في كتابات المستشرقين والتوراتيين يجد أنهم يستندون على أدلة ضعيفة جداً جداً جداً، وفجأة تكون هذه الأدلة الضعيفة حقائق علمية، كيف انقلبت حقيقة علمية؟! لا نعلم، لكنها سلطة وقوة البحث العلمي الذي عندهم والتسلط الذي عندهم، ثم يتلقفه أذناب هؤلاء المستشرقين والتوراتيين من أبناء جلدتنا، ويجعلون ما يقول هؤلاء حقاً وما عندنا إنما هو خزعبلات وأساطير، مع الأسف! ولا يدرس كتابات هؤلاء المستشرقين بالنقد والتحليل عند هؤلاء مثلما يدرسون تراثنا ويدرسون كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، ولو سلطوا طريقة دراساتهم على دراسات المستشرقين أسيادهم لأسقطوا كثيراً من علومهم وكثيراً من معلوماتهم.

    فينبغي أن يكون عندنا نوع من الاعتزاز بمصادرنا، سواءً كانت مصادر إسلامية صرفة مثل القرآن والسنة، وما عندنا من أقوال المفسرين وغيرها، أو كانت قبل الإسلام؛ فهذه تعتبر من المصادر التي نعتمد عليها ونرجع إليها؛ لإثبات قضايا كثيرة، لكن كما قلت مع الأسف: عندنا نوع من الخور والضعف العلمي في هذا المجال وفي غيره مما جعلنا نقتات مما يقوله نولدكه و جولدتسيهر وغيرهم، وصارت أقوال هؤلاء هي الحجة وهي المعتمد عند بعض الناس، ولا نستطيع أن نناقش أو نرد؛ لأننا قد جبهنا مثل هذه الأخبار أو هذه الكتب التي سلطت علينا من حيث ندري أو لا ندري.

    فنحتاج إلى أن نعيد النظر في تاريخنا الكبير الممتد إلى عصور متقدمة جداً أو موغلة في القدم جداً، وأنتم تعلمون وقد ذكرت سابقاً أن صالحاً وهوداً وهؤلاء قبل إبراهيم عليه الصلاة والسلام بقرون، هم عرب وأن نوحاً عليه الصلاة والسلام وبينه وبين آدم عليه الصلاة والسلام كما أخبر ابن عباس عشرة قرون، وإن كانت القرون تختلف، لا شك؛ لأن الأعمار تختلف، فبينه وبين آدم عشرة قرون، لو قلنا: عشرة أجيال، والجيل بعد آدم أنقص عن الجيل الذي عاشه، والجيل الذي بعده أنقص عن الجيل الذي بعده؛ فستكون ألوف، لكنها إذا نظرنا إلى عهد نوح فسنجد أن الله سبحانه وتعالى لما قص لنا خبر نوح، وذكر أصنام قوم نوح فنجد أنها أسماء عربية واضحة جداً؛ وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا [نوح:23]، وهذه أسماء عربية صرفة، كما استخدمت في عهد نوح هي موجودة كأسماء إلى يومنا ونحن ننطق بها؛ مما يدل على قدم هذه اللغة الشريفة التي نتكلم بها، وإن كان ذلك ليس بنفس اللغة المعيارية التي نزل بها القرآن، لكن على الأقل هذا الاشتقاق الموجود في اللغة موجود في تلك اللغة الأم.

    أما مصطلح السامية فهو نوع من التضليل، سواء كان مقصوداً أو غير مقصود، فهو نوع من التضليل في دراسة تاريخ المنطقة ولغات المنطقة، ولا زال مع الأسف هذا المصطلح قوي جداً وله سلطته، ولو كان هناك مجال لتكلمنا عن سلطة بعض المصطلحات وكيف أن هذه المصطلحات هي مثل الحجاب الذي يحجز عنك صحة المعلومة، ولما نتكلم عن مثل هذه تستغرب وتقول: كأنها حقيقة، كأنها مثل الآية القرآنية، وحي منزل، لا تشك فيه طرفة عين، فلما تبحث يتبين لك أن هذا إنما هو في الحقيقة نوع من الحجب التي وضعت، وهو افتراض افترض وليس له أي حقيقة واقعة أبداً، وموضوعه طويل جداً.

    1.   

    من المبهمات: أسماء من نزل فيهم القرآن

    النوع الحادي والعشرين الذي ذكره قال: [ في اسماء من نزل فيهم القرآن ] ولم يطل في هذا؛ لأنه كما قال مرتبط بأسباب النزول وبالمبهمات وقال: يغنيان عنه، أي: يغنيان عن هذا العلم، لكنه ذكره كنوع من أنواع علوم القرآن في أسماء من نزل فيهم القرآن، وذكر مثالاً لذلك في قوله: وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا [العنكبوت:8] وأنها نزلت في سعد بن أبي وقاص ، وكذلك الآية: إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا [آل عمران:122]؛ فذكر مثل هذا هو نوع من أسباب النزول، هو مرتبط أيضاً بأسباب النزول.

    أصل علم المبهمات

    وهذا المبحث كما ذكر الإمام نلاحظ أنه لو أردنا أنا نعرف هذا العلم الذي هو علم المبهمات وفي من نزل القرآن، فسنجد أن هذا مبحث نقلي وليس من المباحث العقلية، وقد أشار الإمام السيوطي رحمه الله تعالى في كلامه إلى هذا لما قال: [واعلم أن علم المبهمات مرجعه النقل المحض، لا مجال للرأي فيه] وهذه قاعدة في علم المبهمات، والنوع الذي بعده قائم على النقل المحض.

    علاقة علم المبهمات بعلوم القرآن

    وكذلك لو أردنا أن نربط بين هذا العلم وغيره من أنواع علوم القرآن، فسنجد أن السيوطي قد أشار وهو يتكلم عن النوع الثاني أن له علاقة بأسباب النزول وبالمبهمات، التي هي فيمن نزل فيه الخطاب، كذلك له علاقة بأسباب النزول، ولو حاولنا أن نجمع الأطراف المرتبطة بالمبهمات فقد نجد مجموعة من العلاقات بين أنواع علوم القرآن.

    وكما لاحظنا أنه من علوم القرآن ولكن ليس له أثر في التفسير دائماً، فقد يكون أحياناً له أثر في التفسير، لكن الغالب عليه أنه ليس له أثر في التفسير.

    ومن باب الفائدة: من المفسرين الذين اعتنوا بالمبهمات في تفسيرهم مقاتل بن سليمان في تفسيره، وكان إذا ذكر علماً من هؤلاء الأعلام خاصة إذا كان من العرب فإنه ينسبه؛ فتجد فيه فائدتين: تعيين المبهم، وأيضاً النسب، أي: من هو هذا الرجل، فتجده ينسبه إلى قبيلته نسباً يوصله إلى قبيلته.

    وهذا الكتاب أعده من كتب التفسير النفيسة جداً، مع ما قيل فيه، إلا أنه كتاب نفيس جداً، ويكفي فيه شهادة الإمام الشافعي لما قال: (الناس عيال على ثلاثة)، وذكر منهم مقاتلاً .

    ولا يعرف قدر هذا الكتاب أي: كتاب مقاتل بن سليمان إلا من عرف علم التفسير، ومن قرأ في هذا الكتاب سيجد ما فيه من الفوائد والنفائس.

    أما الفائدة الأخرى في كتاب مقاتل بن سليمان فهي عنايته الخاصة بالنظائر القرآنية، وله كتاب "الوجوه والنظائر"، أما آيات الأحكام فلم يعتني بها في كتابه.

    سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756683404