إسلام ويب

شرح الترمذي - باب مفتاح الصلاة الطهور [4]للشيخ : عبد الرحيم الطحان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • وردت أحاديث ثابتة تبين أهمية الصلاة وتنص على أنها مفتاح الجنة، وقد بين أهل العلم أن هذه الأحاديث لا تعارض بينها وبين الأحاديث التي تنص على أن كلمة الشهادة هي مفتاح الجنة؛ لأن الشهادتين والصلاة متلازمتان وتنفصلان، وبهذا جمعوا بين هذه الأحاديث ولم يردوا أياً منها.

    1.   

    إشكال في حديث: (مفتاح الجنة الصلاة)

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً، بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين، سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    تقدم معنا أن هذا الباب عنوانه: باب: ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور، وقد روى الترمذي عليه رحمة الله، في هذا الباب حديثين عن النبي عليه الصلاة والسلام.

    الحديث الأول: من رواية رابع الخلفاء الراشدين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين، وقد ساق الترمذي حديث علي عن أربعةٍ من شيوخه، عن قتيبة بن سعيد ، وهناد بن السري ، ومحمود بن غيلان ، ومحمد بن بشار رحمهم الله جميعاً، عن علي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم)، قال أبو عيسى : هذا الحديث أصح شيءٍ في هذا الباب وأحسنه.

    وأما حديث جابر رضي الله عنه فرواه الإمام الترمذي ، من طريق شيخه أبي بكر محمد بن زنجويه ، وعن غير واحدٍ من شيوخه، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مفتاح الجنة الصلاة، ومفتاح الصلاة الوضوء).

    وقد انتهينا من المبحث الأول المتعلق بإسناد هذين الحديثين، ثم بعد ذلك ذكرنا ثلاثة أمور تتعلق بالمبحث الثاني في فقه الحديث ومعناه:

    الأمر الأول: مضى الكلام عليه وهو أن الطهارة شرطٌ لصحة الصلاة بالاتفاق.

    الأمر الثاني: في التحريمة التي يدخل الإنسان بها في الصلاة، (تحريمها التكبير).

    الأمر الثالث: (وتحليلها التسليم).

    وبقي علينا -كما قلت- أمرٌ رابع ضمن فقه الحديث ومعناه ألا وهو (مفتاح الجنة الصلاة).

    هذه الجملة وردت في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهم أجمعين، وفيه ضعفٌ يسير من حيث الإسناد، وسنذكر الآن معناه من حيث فقه الحديث ودلالة هذا اللفظ؛ ‏لأن في ظاهر اللفظ إشكال؛ لأن المفتاح ما يتوصل به إلى المخبآت، وإلى الأشياء التي أغلق عليها، وهذا ينبغي أن يكون بأعظم شيءٍ في الإسلام؛ ليتوصل به إلى دار السلام، فهناك أعظم من الصلاة بكثير، وهي شهادة التوحيد: لا إله إلا الله، محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام، فينبغي أن يُجعل المفتاح بالشهادتين، وأن يقال: مفتاح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله، محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ لأن ما عدا كلمة الشهادة يكون بمثابة تقوية لأسنان المفتاح، أما المفتاح الذي ستُفتح به الجنة فهو الإيمان بالله، عن طريق النطق بكلمة التوحيد: لا إله إلا الله، محمدٌ رسول الله عليه الصلاة والسلام.

    ففي ظاهر هذا الحديث -كما قلت- إشكال، حيث جعل مفتاح الجنة الصلاة، والأصل أن تكون كلمة التوحيد هي المفتاح، وقد ورد هذا عن نبينا عليه الصلاة والسلام، في قوله: ( مفتاح الجنة لا إله إلا الله )، وثبوته أقوى من ثبوت حديث جابر في قوله: ( مفتاح الجنة الصلاة )، وسأذكر تحقيق الكلام في الرواية الأولى التي تفيد أن (مفتاح الجنة لا إله إلا الله)، ثم أجمع بين الروايتين إن شاء الله، وبذلك نكون قد انتهينا من فقهِ هذين الحديثين وبيان ما يتعلق بمعناهما، ثم ننتقل بعد ذلك إلى تخريج الحديثين، وإلى شرح قول الترمذي : وفي الباب، وتخريج ما ذكره في الباب من حديثين آخرين: حديث جابر وقد رواه الترمذي ، وحديث أبي سعيد الخدري كما سأبين من أخرجه ومن رواه إن شاء الله.

    1.   

    وقفات مع حديث: (مفتاح الجنة لا إله إلا الله..)

    ورد عن نبينا عليه الصلاة والسلام: (أن مفتاح الجنة لا إله إلا الله)، في مسند الإمام أحمد، في الجزء الخامس صفحة اثنتين وأربعين ومائتين، ورواه البزار أيضاً كما في كشف الأستار عن زوائد مسند البزار في الجزء الأول، صفحة تسعٍ، وهو في مجمع الزوائد في الجزء الأول صفحة سبع عشرة، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه وأرضاه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مفتاح الجنة: شهادة أن لا إله إلا الله)، لا تفتح إلا بهذه الكلمة، لا إله إلا الله.

    وقوله: (لا إله إلا الله)، هذه جملةٌ نعنون بها على كلمتي الشهادة: الشهادة لله بالألوهية والوحدانية، والشهادة لنبيه عليه الصلاة والسلام بالرسالة، كما يقال: سورة الحمد عنواناً على سورة الفاتحة بكاملها، وهنا كذلك عندما يقال: كلمة التوحيد، أي: شهادة أن لا إله إلا الله ويدخل فيها: محمدٌ رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا معلومٌ من الدين بالضرورة، فقوله: (مفتاح الجنة: شهادة أن لا إله إلا الله)، أي: وأن محمداً رسول الله عليه الصلاة والسلام، فلا يقبل الله شهادة العبد بأن الله له الألوهية ينبغي أن يعبد، إلا إذا أقر بالنبوة والرسالة لنبيه عليه الصلاة والسلام.

    تخريج حديث (مفتاح الجنة لا إله إلا الله) ودرجته

    وهذا الحديث أيضاً فيه ضعف، لكن سيأتينا له شواهد تقويه فيكون أقوى من حديث جابر ، بأن (مفتاح الجنة الصلاة)، ثم نجمع بين الأثرين إن شاء الله.

    الضعف الذي في حديث معاذ بن جبل من شهر بن حوشب ، وشهر بن حوشب من أئمة التابعين عليهم جميعاً رضوان رب العالمين، لكن لم يسمع من معاذ ، ففي الحديث انقطاع، والانقطاع هذا يسبب ضعفاً في الحديث؛ لأن شروط قبول الحديث صحةً أو حُسناً، خمسة، منها: اتصال السند، وإذا انقطع خرج عن كونه صحيحاً أو حسناً؛ لأنه غير متصل الإسناد وشهر على المعتمد صدوق، وحديثه في درجة الحسن، وأما تضعيف بعض الأئمة له فهذا رأيٌ لهم، إنما المعتمد في أمره ما قاله الحافظ في التقريب: صدوقٌ كثير الإرسال والأوهام، وقد أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم في صحيحه، وأهل السنن الأربعة.

    في الإسناد إسماعيل بن عياش الحمصي، وروايته عن غير أهل بلده فيها ضعفٌ وتخليطٌ، فإذا روى عن غير أهل الشام فإنه يهم ويخطئ، وهنا روايته عن أهل الحجاز؛ ولذلك قال الحافظ في ترجمته: صدوقٌ في أهل بلده إذا روى عنهم، فإذا روى عن غيرهم خلط، ثم رمز إلى أن حديثه أخرجه أهل السنن الأربعة.

    وهذا الأثر الذي رواه الإمام أحمد في المسند، والبزار ، ورواه البيهقي في شعب الإيمان، كما نص على ذلك الحافظ ابن حجر في فتح الباري، في أول كتاب الجنائز من صحيح البخاري في الجزء الثالث صفحة تسعٍ ومائة، وزاد في الرواية: (مفتاح الجنة: شهادة أن لا إله إلا الله، ولكن ليس مفتاح إلا وله أسنان)، فإن جئت بمفتاحٍ له أسنانٍ فتح لك، أي: فتح لك باب الجنة، وإلا لم يفتح لك، قال الحافظ ابن حجر : ويحتمل أن هذه الزيادة مدرجة في الأثر، وأن كلام النبي عليه الصلاة والسلام قد انتهى كما في رواية المسند والبزار : (مفتاح الجنة: لا إله إلا الله).

    قال الحافظ ابن حجر : وقد روى ابن إسحاق في المغازي: أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما أرسل العلاء بن الحضرمي وقال له: (إذا سئلت عن مفتاح الجنة، فقل: مفتاح الجنة لا إله إلا الله)، وهذا الأثر الثابت عن معاذ ، ورواه ابن إسحاق عن العلاء بن الحضرمي، روي أيضاً عن وهب بن منبه موقوفاً عليه من كلامه وهو من أئمة التابعين، وأثره ذكره البخاري في صحيحه، في أول كتاب الجنائز في المكان المشار إليه آنفاً، قال البخاري: وقيل لـوهب : أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله؟ قال: بلى، ولكن ليس مفتاحٌ إلا وله أسنان، فإذا جئت بمفتاحٍ له أسنان فتح لك، وإلا لن يفتح لك.

    وهذا الأثر ساقه البخاري معلقاً في صحيحه، قال الحافظ في الفتح: وقد وصله البخاري في التاريخ الكبير، كما وصله أبو نعيم في الحلية؛ لكن عن وهب بن منبه من كلامه، والأثر إليه ثابت، والإسناد إليه متصل.

    معنى حديث: (مفتاح الجنة لا إله إلا الله)

    وقوله: (مفتاح الجنة: لا إله إلا الله، ولكن لا بد للمفتاح من أسنان)، هذه الجملة: (لا بد للمفتاح من أسنان) في رواية شعب الإيمان للبيهقي من حديث معاذ ، وهل هي مدرجةٌ أو من كلام النبي عليه الصلاة والسلام؟ في ذلك كلام، وهي ثابتة من كلام وهب بن منبه ، ولا تقودنا إلى رأي الخوارج قطعاً وجزماً، الذين قالوا: إذا اشترطتم لكلمة التوحيد الأسنان، وهي فعل المأمورات، وترك المنهيات، وأخل الإنسان بمأمور، أو ارتكب محظوراً، فقد انكسر أحد أسنان المفتاح، وبالتالي فلا يمكن أن يدخل الجنة.

    قال أئمتنا: لا يقال هذا أبداً؛ لأن المراد إذا جئت بمفتاح له أسنان، فتح لك الباب على التمام، أو فتح لك من أول الأمر، وأما إذا كانت بعض الأسنان فيها تآكل، فلا بد الآن من عمل فرك وتعديل عليه ويكون بإدخاله إلى الكير إلى نار السعير، ونسأل الله العافية، من أجل أن يقوّم ويصلح السن الذي حصل فيه خلل.

    إذاً: إذا أتيت بالمفتاح وله الأسنان، لكن قد انكسرت بعض الأسنان فلا يقال: ذهبت مذهب الخوارج الذين يقولون: من ضيع واجباً أو ارتكب منهياً فهو مخلدٌ في نار جهنم، ولا يمكنه أن يدخل الجنة، ولا أن يشم ريحها.

    وهذا هو قول المعتزلة أيضاً، وهو قول فروخ المعتزلة والخوارج وهم الإباضية، وهو: أن من لقي الله بمعصيةٍ فهو مخلدٌ في نار جهنم، هو وإبليس وأبو جهل ، وفرعون، وهامان ، وقارون سواء، فلا يمكن أن يرى الجنة، ولا أن يشم ريحها، وأما جبال الحسنات التي عملها فقد ضاعت كلها بمعصيةٍ واحدة، وهذا لا يستقيم في كرم الرحمن سبحانه وتعالى، وكيف يسوي من وحده بمن جحده؟! وكيف يسوي من عبده بمن تنكب عن عبادته واستكبر عليه سبحانه وتعالى؟! لا يمكن التسوية، بل إذا زل العبد فأمره موكولٌ إلى الله عز وجل، إن شاء أن يعذبه من أجل أن يُعدِّل السن الذي انكسر عنده، وإن شاء أن يرحمه، وهو أرحمن الراحمين وأكرم الأكرمين، ولذلك لا نجزم بوقوع العقوبة على العاصي، إنما نقول: هو تحت المشيئة: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا [النساء:48]، وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:116].

    إذاً الشرك لا يغفر، وما عداه يحتمل شيئين: إن غفر الله له فهذا فضل، وإن عذبه فهذا عدل، لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23]، فإذا عذب لا يخلد في النار؛ لأنه أتى بالمفتاح، وإذا غفر الله له ففضله واسعٌ سبحانه وتعالى.

    إذاً: هذا القول لا يقودنا إلى قول الخوارج؛ ولذلك عندما استشكل بعض أئمتنا كالإمام الداودي عليه رحمة الله، قال: هذا القيد محمولٌ على التشبيه، وكأن قائله لم يبلغه حديث أبي ذر ، الذي سيذكره عما قريب في الصحيحين وغيرهم إن شاء الله، هذا القول من وهب بن منبه ، ومن الزيادة المدرجة في حديث معاذ محمولة على التشديد والتغليظ، وكأنه قالها مستحضراً حديث أبي ذر بأن (من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى وإن سرق)، (وإن شرب الخمر).

    إذاً: كأن الإمام الداودي فهم من هذه الرواية أن الأسنان إذا تآكلت أو انكسرت، فلا يمكن أن يفتح الباب أبداً، وهذا هو قول الخوارج والمعتزلة والإباضية، قول الفرق الضالة الرديئة.

    وهذا الكلام من الإمام الداودي عندما توهم أن الأسنان إذا سقط بعضها لا يمكن الفتح مطلقاً، فقال ما قال.

    قال الحافظ ابن حجر: ونعم ما قال رحمه الله ورضي عنه، قال: والتحقيق أن من أتى بكلمة التوحيد مخلصاً من قلبه فقد أتى بمفتاحٍ له أسنان، فإذا قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام فقد وجد معه المفتاح الذي له أسنان: لأن المفتاح بلا أسنان لا يسمى مفتاحاً، بل هو عود أو حديدة، فمن قال: لا إله إلا الله، محمدٌ رسول الله عليه الصلاة والسلام مخلصاً من قلبه أتى بمفتاحٍ له أسنان، فإذا وقع بعد ذلك في شيءٍ من التفريط، إما بتضييع المأمورات، وإما بارتكاب المحظورات، ومات وهو مصرٌ عليها، فهذا مفتاح أسنانه رخوة وضعيفة؛ لأن كلمة التوحيد تقوى في قلب الإنسان بالعمل، والإيمان يقوى في قلبك، فيزداد إذا عملت، ويضعف إذا ضيعت العمل، فيزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.

    ولذلك كان أئمتنا يقولون: الإيمان في القلب كالشجرة، والشجرة كلما سقيتها ازدادت قوةً ومتانةً وإحساناً، فمهما عصفت الرياح بها بعد ذلك لا تقلعها، وإذا لم تسقها فقد تعتريها أعاصير ورياح، فإن كانت خفيفة هزتها، وإن كانت قوية اقتلعتها من أصلها، وكما يقال: الإيمان عقدة كعقدة الحبل، فأحياناً تكون العقدة متينة، بحيث لا يمكن أن تفكها لا بيديك ولا بأسنانك، وأحياناً تكون رخوة، لكنها تقوى بالعمل، وتقويتها تسترخي وتضعف بترك العمل، والأسنان موجودةٌ بكلمة: لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله عليه الصلاة والسلام، وتقويتها بالعمل الصالح، وضعفها بترك العمل، وعلى هذا التعليل والتفسير والتحليل الذي ذكره هذا الإمام المبارك لا يكون هناك اقتراب لا من قول الخوارج ولا المعتزلة ولا الإباضية.

    شواهد لحديث (مفتاح الجنة لا إله إلا الله..)

    وهذا المعنى الذي دل عليه حديث معاذ ، ورواه كما قلت ابن إسحاق ، عن العلاء بن الحضرمي عليهم جميعاً رضوان الله ورحمته، وقرره الحافظ ابن حجر بما ذكرت ووضحت، تواترت به نصوص الشريعة المطهرة.

    فقد ثبت في المسند، والصحيحين، وسنن الترمذي ، من حديث أبي ذر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة، فقال أبو ذر رضي الله عنه: يا رسول الله! وإن زنى وإن سرق؟ وفي رواية: وإن شرب الخمر؟ قال: وإن زنى، وإن سرق، وإن شرب الخمر)، فاستغرب أبو ذر غاية الاستغراب، فأعاد السؤال مرةً ثانية، فقال: (يا رسول الله! من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى وإن سرق؟ فأعاد النبي عليه الصلاة والسلام مقالته: من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة)، فأعاد أبو ذر السؤال ثالثةً، فأعاد النبي صلى الله عليه وسلم الجواب، فأعاده رابعةً، فقال له في الرابعة: (من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى، وإن سرق، وإن شرب الخمر، على رغم أنفك يا أبا ذر ! )، فكان أبو ذر رضي الله عنه إذا حدث بالحديث يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى، وإن سرق على رغم أنف أبي ذر ).

    ووجه الإشكال: كيف سيدخل الجنة إنسانٌ عاصٍ مفرط مخلط لمجرد أنه قال: لا إله إلا الله؟

    والجواب عن هذا أن يقال: إما أن يدخلها في البداية إن غفر الله له، وإما في المآل والنهاية إذا عذبه، يعني: إذا وحد وصلى وصام وحج واعتمر وزكى وجاهد، وتلبس بمعصية، ثم مات فلا يسوى بإبليس؛ لأن الله لا يسوي بين المؤمنين والكافرين، ولذلك إذا عُذب فلن يعذب في نار الكفار، بل يعذب في طبقةٍ خاصة بالعصاة فقط، أما دركات النار التي للكفار فلن يعذب فيها، وهذا يعني أن من وحد الله جل وعلا، فقد يعذب في النار لكنه يمتاز عن الكفار، فيكون في أخف دركاتها، ثم يزول عنه العذاب بعد ذلك وتبقى النار تلتهم وتتأجج على من فيها، ومن قال من أئمتنا بفناء النار، فإنه يقصد بالفناء فناء دار العصاة، هذه هي التي تفنى، وهذا هو الذي قرره الإمام ابن القيم عليه رحمة الله، في كتابه الوابل الصيب وغيره، وحكي عنه كلامٌ موهِم، توهم عنه بعض الناس أنه يقول: بفناء النار التي للكفار، وتلك النار لا تفنى، والجنة لا تفنى.

    إذاً: التي تفنى هي دار عصاة الموحدين، فبعد أن يعذبوا فيها ثم تفنى، وتصبح النار تتأجج على الكفار ولا يبقى من النار التي هي للعصاة شيء.

    والشاهد من قوله: ( من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة ) فإذا عملت الصالحات صارت الأسنان قوية، وإلا صار فيها ضعفٌ ورخاوة.

    وهذا المعنى ثابتٌ أيضاً من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه، رواه الإمام أحمد في مسنده، والبزار ، والطبراني في معجمه الكبير، والنسائي في السنن الكبرى، عن أبي الدرداء ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى وإن سرق)، بمثل رواية أبي ذر أيضاً، وهو ثابتٌ أيضاً في مسند الإمام أحمد بسندٍ رجاله ثقات، ورواه الطبراني في معجمه الكبير، عن سلمة بن نعيم الأشجعي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة، وإن زنى وإن سرق).

    وثبت هذا المعنى في أحاديث تفيد التواتر ومُنكرها كافرٌ فاسق، منها: ما في مسند الإمام أحمد ، وصحيح مسلم ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الموجبتان: من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئاً دخل النار)، فبين النبي عليه الصلاة والسلام الموجبتين: موجبة الخلود في النار وهي: من مات يشرك بالله شيئاً، وموجبة دخول الجنة وهي: من مات لا يشرك بالله شيئاً.

    وثبت في المسند أيضاً وصحيح البخاري ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة)، وثبت في مسند الإمام أحمد ، ومسند البزار ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة)، بلفظ حديث أنس المتقدم، والحديث رواه البزار ، والطبراني في معجمه الأوسط، والصغير، والبيهقي في شعب الإيمان، ورواه أبو نعيم في الحلية، والخطيب البغدادي عليهم جميعاً رحمة الله، من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قال: لا إله إلا الله نفعته يوماً من دهره يصيبه قبل ذلك ما أصابه) يعني: لا بد من أن تنفعه، وأن يدخل بسببها الجنة، يصيبه قبل ذلك ما أصابه.

    وقوله: (من قال: لا إله إلا الله نفعته يوماً من دهره)، يعني: من عمره، (يصيبه قبل ذلك ما أصابه)، والمعنى: أنه في مدة حياته ستنفعه، وبعد أن يبعث وينشر للحساب ستنفعه، إما مباشرةً والله يعفو عن زلَلهُ وهو أرحم الراحمين، وإما بعد أن يعذب، المهم أنه لا بد من أن ينتفع، ولا يمكن أن يسوى بين هذا الموحد وهذا الجاحد.

    هذه الآثار المتقدمة التي ذكرتها وعرفتها نشهد لحديث معاذ بأن: (مفتاح الجنة لا إله إلا الله)، ولذلك أورد الحافظ ابن حجر حديث معاذ في الفتح، وعزاه البيهقي في شعب الإيمان ولمسند البزار ، ولم يبين ضعفه، وقد اشترط في هدي الساري أنه إذا ذكر حديثاً في فتح الباري ولم يبين ضعفه فلا ينزل عن درجة الاحتجاج به، فهو إما صحيحٌ وإما حسن؛ وعليه فحديث معاذ حسنٌ عند الحافظ لغيره، لوجود شواهد تشهد لمعناه، والمعنى حقيقةً حق لا إشكال فيه، (مفتاح الجنة لا إله إلا الله)، وتقدم معنا في روايات كثيرة ما يدل على هذا، وأن من أتى بكلمة التوحيد، فتح له باب الجنة ودخلها عاجلاً أو آجلاً.

    وحديث معاذ الذي رواه -كما قلت- الإمام أحمد ، والبزار ، والبيهقي في شعب الإيمان، ورواه ابن إسحاق عن العلاء بن الحضرمي : (مفتاح الجنة لا إله إلا الله)، فيه ضعف؛ لأن شهر بن حوشب لم يسمع من معاذ ؛ لكن هذا الضعف انجبر بالروايات الصحيحة الوفيرة الكثيرة المتكاثرة التي تدل على هذا المعنى، وهو أن من أتى بكلمة التوحيد فقد أتى بشيءٍ يُفتح له به باب الجنة، والحافظ سكت على تضعيف حديث معاذ، فعلى حسب شرطه في كتابه أن الحديث في درجة الحسن عنده، والعلم عند الله جل وعلا.

    1.   

    الجمع بين حديث: (مفتاح الجنة الصلاة) وحديث: (مفتاح الجنة لا إله إلا الله)

    إذا كان الأمر كذلك، (مفتاح الجنة لا إله إلا الله)، فكيف جعل في حديث جابر هذا المفتاح لشعيرةٍ أخرى ألا وهي الصلاة؟ والأصل -كما قلت- أن يكون هذا المفتاح لأعظم دعائم الدين، وأمتنها وأقواها وهي كلمة التوحيد، فهذه لا تسقط عن الإنسان في لحظة من لحظاته، وهي أول واجب، وهي آخر واجب، وهي أعظم واجب، بينما الصلاة تسقط عن الإنسان في أحوالٍ كثيرة، كالمرأة إذا حاضت أو نفست سقطت عنها الصلاة، لكن لا تسقط عنها كلمة التوحيد والإقرار بالله جل وعلا، بربوبيته وألوهيته، وأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، سبحانه وتعالى، والإقرار بنبوة النبي عليه الصلاة والسلام، وأنه رسول الله يجب أن نطيعه فيما أمر، وأن نصدقه فيما أخبر، وأن ننتهي عما عنه زجر وحذر عليه صلوات الله وسلامه، فهذا لا يسقط عن الإنسان طرفة عين، وهو أول ما يجب على الإنسان إذا بلغ، وينبغي أن يخرج من الحياة وهو معه، وهو أفضل الواجبات التي أوجبها رب الأرض والسموات، بل ما خلق الله الجنة والنار، ولا خلق الخليقة إلا من أجل هذه الكلمة: لا إله إلا الله، محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكل الدين بعد ذلك شرحٌ لها وتفصيلٌ وإيضاحٌ، وهذه الجملة تقتضي بعد ذلك فعل الأوامر بأسرها، وترك النواهي بأكملها، وتكون كلمة التوحيد هذه أعظم شيءٍ في دين الله، فكيف جعل هذا المفتاح للصلاة في قوله: (مفتاح الجنة الصلاة، ومفتاح الصلاة الوضوء).

    أما: ( مفتاح الصلاة الوضوء ) فلا إشكال فيه وهذا بالاتفاق، ولا تقبل صلاةً بغير طهارة، لكن كيف جُعلت الصلاة هذه مفتاحاً للجنة، والأصل أن يجعل هذا المفتاح -كما قلنا- لأقوى شيءٍ في الإسلام، ألا وهو كلمة التوحيد: لا إله إلا الله، محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام؟!

    الأمور التي جعلت الصلاة مفتاحاً للجنة

    والذي يظهر لي والعلم عند ربي، وما رأيت من وفق بين الحديثين من أئمتنا، فأذكر ما أذكره بناءً على ما فتح الله به علي، فإن كان حقاً فمن فضل الله ورحمته، وإلا فكل بني آدم خطاء، وكلنا نخطئ ونصيب، ونسأل الله أن يتوب علينا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

    فالذي يبدو لي -والعلم عند ربي- أن الصلاة جعلت مفتاحاً للجنة في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما لعدة أمورٍ معتبرة:

    أولها: لأنها أبرز خصال الإيمان، وهي أول ما يحاسب عليه الإنسان، (فرأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة)، كما أخبرنا بذلك نبينا عليه الصلاة والسلام، والحديث ثابتٌ في المسند، وسنن الترمذي ، وابن ماجه ، ورواه الحاكم في المستدرك، والبيهقي في شعب الإيمان، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه وأرضاه، وهو راوي حديث: (مفتاح الجنة لا إله إلا الله)، يقول معاذ : (قلت للنبي عليه الصلاة والسلام: أخبرني بعملٍ يدخلني الجنة، ويباعدني عن النار، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: لقد سألت عن عظيمٍ، وإنه ليسيرٌ على من يسره الله عليه)، نسأل الله أن ييسر علينا هذا الأمر العظيم، إنه أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين، ثم قال له النبي عليه الصلاة والسلام: (تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت)، أي: إن استطعت إليه سبيلاً، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلك على أبواب الخير؟ قلت: بلى، فقال عليه الصلاة والسلام: الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة، وصلاة الرجل في جوف الليل، ثم تلا النبي عليه الصلاة والسلام: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:16-17]، ثم قال له النبي عليه الصلاة والسلام: ألا أخبرك برأس الأمر، وعموده، وذروة سنامه؟ رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله، ثم قال له النبي عليه الصلاة والسلام -وهو آخر ما عرضه عليه-: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟! ) أي: بما يجمع عليك ذلك، ويعينك على تحقيق هذه الأمور، ( فأخذ بلسانه عليه الصلاة والسلام )، أي: بلسان نفسه، صلى الله عليه وسلم ( قال: كف عليك هذا، قلت: يا رسول الله! وإنا مؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: ثكلتك أمك، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال: على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم).

    والشاهد قوله: (رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة ).

    كما بين لنا نبينا عليه الصلاة والسلام أن أول ما يحاسب عليه العبد من أعماله الصلاة، كما ثبت الحديث بذلك في معجم الطبراني الأوسط، بسندٍ لا بأس به، عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: (أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر)، وروي الحديث بذلك في مسند الإمام أحمد ، وسنن أبي داود ، والنسائي ، ورواه الحاكم في المستدرك، من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله الصلاة، فإن كانت تامةً كتبت تامة، وإن انتقص منها شيئاً قال الله للملائكة: انظروا هل لعبدي من تطوع؟)، وغالب ظني أن هذه الأحاديث قد تقدمت عند تكفير الوضوء بالخطايا، وما تكفره الطاعات من المعاصي والسيئات.

    والحديث ثبت أيضاً في المسند، وسنن أبي داود ، وابن ماجه ، ومستدرك الحاكم ، عن تميم الداري رضي الله عنهم أجمعين: (أن أول ما يحاسب به العبد الصلاة).

    وعليه قوله: (مفتاح الجنة الصلاة) يعني: إذا كانت كلمة التوحيد هي مفتاح الجنة، فلابد بعد هذا من شيءٍ تحاسب عليه في عرصات الموقف ليقوى ذلك المفتاح، وتكون أسنانه تامةً كاملة ليفتح لك بسرعة، فلا بد من الصلاة، فكأنه إذا ما حصل منك توحيدٍ فالمفتاح لن يفتح، وليس عندك مفتاح لدخول الجنة، وإذا ما حصلت منك صلاة، كذلك ما بقي عندك مفتاح؛ لأن أول ما ستحاسب عليه الصلاة، فإن صلحت صلح سائر العمل وأفلحت وأنجحت، وإلا خبت وخسرت.

    فإذاً: ذاك المفتاح الذي بكلمة التوحيد، إذا تأثرت أسنانه، فأمرك موكولٌ إلى الله جل وعلا، إذا لم تأت بالصلاة التي هي عمود الإسلام، وأول ما ستحاسب عليه عند الرحمن يوم القيامة، فمن أجل هذا أضيف المفتاح إليها، وجعلت مفتاحاً لدخول الجنة.

    التلازم بين الصلاة وكلمة التوحيد

    وهناك أمرٌ آخر وهو أنه قد وردت أحاديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام تجعل للصلاة من المنزلة ما تجعله لكلمة التوحيد، وهذا ما لم يحصل لغير الصلاة، فما لكلمة التوحيد من أثر جُعل أيضاً للصلاة فكأنهما يتناوبان، ويصح أن يكون كلاً منهما مفتاحاً لدخول الجنة، فهما متلازمان، فإذا وحدت ينبغي أن تصلي، وإذا صليت فأنت موحد، وقد ثبت الحديث بذلك في مسند الإمام أحمد ، وإسناد الحديث جيد، قال الإمام المنذري في الترغيب والترهيب: رجاله محتجٌ بهم في الصحيح، من رواية حنظلة الكاتب رضي الله عنه وأرضاه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حافظ على الصلوات الخمس ركوعهن، وسجودهن، ومواقيتهن، وعلم أنهن حقٌ من الله دخل الجنة)، وفي رواية: (وجبت له الجنة)، وفي روايةٍ: (حرمه الله على النار).

    فجعل هذه الفضيلة التي هي لكلمة التوحيد، ويتسبب عنها دخول الجنة، جعلها للصلوات الخمس، إذا حافظت عليها وعلمت أن هذه الصلوات حقٌ من عند الله يجب أن تقوم بهذا الحق، دخلت الجنة، ووجبت لك الجنة، وحرم الله عليك النار، وحرمك على النار، وقد جعل نبينا عليه الصلاة والسلام، الصلاة مرادفةً للتوحيد وبمنزلته، فهي عنوانٌ على التوحيد، فما يثبت للتوحيد يثبت للصلاة، ففي الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد في المسند، والإمام مسلم في صحيحه، ورواه الدارمي ، عن عوف بن مالك رضي الله عنه وأرضاه، والحديث رواه الترمذي ، عن عمر ، والطبراني في معجمه الأوسط، عن عقبة بن عامر ، ولفظ حديث عوف بن مالك الذي في صحيح مسلم ، ورواية عمر ، وعقبة بن عامر بمعناه رضي الله عنهم أجمعين، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خيار أئمتكم -أي: أمرائكم- الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم، قالوا: يا رسول الله! ألا ننابذهم بالسيف؟ ألا نقاتلهم؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة).

    والمراد من الصلاة هنا إقامة الدين، توحيد الله وما يستلزمه، كما وضح هذا رواية الإمام أحمد في المسند، وهي في صحيح البخاري ، ومسند الدارمي ، عن معاوية رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن هذا الأمر -يعني: الخلافة- في قريش، لا يعاديهم أحدٌ إلا كبه الله على وجهه في نار جهنم، ما أقاموا الدين)، فإذاً: معنى: ما أقاموا الصلاة، أي: ما أقاموا الدين، فجعل النبي عليه الصلاة والسلام هنا إقامة الصلاة دلالةً على إقامة الدين، كما أن قول كلمة التوحيد إذا قلتها يستلزم منك أن تقوم بمقتضياتها ومستلزماتها، من فعل المأمورات وترك المحظورات، فجعل هذا الاستلزام الذي يكون لكلمة التوحيد، جعله للصلاة أيضاً.

    وكذلك يقال هنا في قوله: (مفتاح الجنة الصلاة)؛ لأن لهذه الشعيرة المباركة منزلةٌ عظيمةٌ في شريعة الله المطهرة، فهي عمود الإسلام، فيعبر بها أحياناً عن الدين بكامله، وهي رمز ودلالة على الالتزام بجميع أحكام الإسلام، كما أن كلمة التوحيد رمز ودلالة على الالتزام بجميع أحكام الإسلام، وإذا قلت: لا إله إلا الله، محمدٌ رسول الله عليه الصلاة والسلام، ترتب عليه أمران مباشرةً: عبادة الله وحده لا شريك له، على حسب ما بلغ نبيه عليه الصلاة والسلام، فهذا متبوع وذاك معبود، وهذه كلمة التوحيد، وإذا صليت فهذه الصلاة فيها هذه الدلالة، وهي أنك ستقيم الدين بكامله، وهو ما كان يشير إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كما في الحديث السادس من موطأ الإمام مالك ، في الجزء الأول، صفحة ستة، والأثر فيه انقطاع، لكن معناه صحيحٌ ثابت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه كان يكتب إلى عماله فيقول: إن أهم أمركم عندي الصلاة، فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، وقد قال الله سبحانه: وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت:45].

    وعليه؛ فيجوز أن نعبر عن كلمة التوحيد، بأنها مفتاح الجنة، وعن الصلاة بأنها مفتاح الجنة؛ لما بينهما من ارتباطٍ وثيقٍ كبيرٍ كثير، فالصلاة تذكر ويراد منها الالتزام بالدين، وكلمة التوحيد تذكر ويراد منها الالتزام بالدين، ولذلك جعل في كثيرٍ من الأحاديث ما لكلمة التوحيد من الفضائل للصلاة، والعلم عند الله جل وعلا، فهذا الذي يظهر لي.

    وننتقل بعد ذلك إلى تخريج الحديث.

    1.   

    وقفات مع حديث علي (مفتاح الصلاة الطهور..)

    تخريج حديث علي: (مفتاح الصلاة الطهور...)

    فأما الحديث الأول وهو حديث علي رضي الله عنه وأرضاه: (مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم)، فقد أخرجه الإمام أحمد، وهو في سنن الترمذي، وأبي داود، وابن ماجه، ورواه البزار أيضاً، ورواه الشافعي في مسنده صفحة سبعين ورقم ستٍ ومائتين، ورواه الحاكم في المستدرك، ورواه عبد الرزاق في المصنف، والطبري في تفسيره، والبيهقي في السنن، والدارقطني في السنن، والدارمي في المسند الجزء الأول صفحة خمسٍ وسبعين ومائة، وابن أبي شيبة في المصنف، وإسحاق بن راهويه في مسنده، قال الحافظ في التلخيص الحبير في الجزء الأول صفحة تسعٍ وعشرين ومائتين: وقد صححه الحاكم وابن السكن، وقال البزار: لا نعلمه يروى عن علي رضي الله عنه إلا من هذا الوجه من طريق ولده محمد بن الحنفية بالإسناد الذي تقدم معنا، قال أبو نعيم: تفرد به ابن عقيل عن محمد بن الحنفية عن علي رضي الله عنهم أجمعين.

    وعبد الله بن محمد بن عقيل هو الذي تقدمت معنا ترجمته عند رواية الإسناد، قال العقيلي: إسناده لين، وهو أصلح من حديث جابر، وقوله: إسناده لين؛ لوجود عبد الله بن محمد بن عقيل، قال الحافظ: صدوقٌ في حديثه لين، تغير بآخره، أي: في آخر حياته، من الرابعة بعد الأربعين، وحديثه في الأدب المفرد لـالبخاري، وسنن أبي داود، والترمذي، وابن ماجه، كما تقدم معنا.

    إذاً: هو صدوقٌ في حديثه لين، والإمام العقيلي يقول: إسناده لين؛ لوجود عبد الله بن محمد بن عقيل، يقول: وهو أصلح من حديث جابر الذي فيه: (مفتاح الجنة الصلاة، ومفتاح الصلاة الوضوء)، يقول: حديث علي أصلح وأقوى من حديث جابر.

    اللين اليسير الذي في عبد الله بن محمد بن عقيل قد زال، والأصل أن الحديث في درجة الحسن، بل ارتقى من درجة الحسن إلى الصحة لتعدد طرقه، ولكثرة الشواهد له، وقد نص على تصحيحه كما تقدم معنا الحاكم وابن السكن، ونص على تصحيحه الإمام النووي في المجموع في الجزء الثالث صفحة ستٍ وثمانين ومائتين، ونص على تصحيحه الحافظ في الفتح في الجزء الثاني صفحة اثنتين وعشرين وثلاثمائة، وقال: رواه أهل السنن بإسنادٍ صحيح.

    إذاً: قد نص عدد من الأئمة على تصحيح حديث علي: (مفتاح الصلاة الطهور)، وعلى حسب قواعد الحديث ينبغي أن يكون الحديث حسناً؛ لأن الراوي عبد الله بن محمد بن عقيل صدوق، فهو لم يصل إلى درجة الصحة، لكنه صحح لوجود شواهد كثيرة لهذا الحديث فارتقى إلى درجة الصحة، وهذا الذي ارتضاه عددٌ من أئمتنا الجهابذة الكبار من المحدثين، منهم ابن السكن والحاكم وأقره الذهبي والإمام ابن حجر والنووي.

    أما في المجموع الجزء الثالث صفحة ستٍ وثمانين ومائتين صححه النووي بقوله: إسناده صحيح، وهو المقدم؛ لأن ما في المجموع هو لفظ النووي بالحرف، وليس فيه بواسطة على الإطلاق، ومع ذلك فقوله في الخلاصة: (حديثه حسن)، لا يعارض، فحديثه حسن في الأصل، لكن ارتقى إلى الصحة للمتابعات والشواهد التي له، فهو على انفراده حسن، وبمجموعها صحيح.

    فتصحيح الأئمة على حسب القواعد مشكل، فالأصل أن يكون حسناً، لكن تنصيص هؤلاء على صحته لوجود شواهد له، وإلا فـعبد الله بن محمد بن عقيل لا يصل حديثه إلى درجة الصحة كما سأفسر الكلام.

    قال أبو عيسى: هذا الحديث أصح شيءٍ في هذا الباب وأحسن، يعني: كما أشرت إلى كلامه بعد الانتهاء من فقه الحديث، ثم يقول: وعبد الله بن محمد بن عقيل صدوقٌ، وهذا حكم الحافظ عليه، صدوق فيه لين تغير بآخره، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه، يعني: أن حفظه ليس بتامٍ ولا جيد، وينزل عن درجة الإتقان إلى درجة الحسن إن شاء الله.

    معنى قول أئمة الحديث في عبد الله بن محمد بن عقيل: مقارب الحديث

    ثم قال أبو عيسى : وسمعت محمد بن إسماعيل -يعني البخاري - يقول: كان أحمد بن حنبل ، وإسحاق بن إبراهيم والحميدي يحتجون بحديث عبد الله بن محمد بن عقيل ، قال محمد: هو مقارب الحديث، بكسر الراء وفتحها، فتقول: مقارِب الحديث، ومقارَب الحديث، أما قوله: مقارِب بالكسر، قال الإمام أبو بكر بن العربي في العارضة في الجزء الأول صفحة ست عشرة: بفتح الراء وكسرها، مقارِب الحديث، مقارَب الحديث، فمعناهما شيءٌ واحدٌ في النهاية، لكنه بالكسر اسم مفعول، وبالفتح اسم فاعل، فأما من فتح فأراد أن غيره يقاربه في الحفظ، مقارَب الحديث، يعني: غيره يقاربه في الحفظ، مقارَبٌ من قبل غيره، فالحفاظ يقاربونه، وأما من كسر فقال: مقارِب فهو يقارب الحفاظ في الحفظ يقاربهم، وحديثه يلتحق بحديثهم.

    قال الإمام أبو بكر بن العربي : والمعنى واحد، وقد حقق هذا الإمام السخاوي في فتح المغيث في الجزء الأول صفحة تسعٍ وثلاثين وثلاثمائة، فقال: قولهم: مقارِب الحديث ومقارَب الحديث، أي: أن الراوي وسطٌ لا ينتهي إلى درجة السقوط ولا يعلو إلى درجة الجلالة، أي: لا يصل إلى درجة الإتقان والحفظ فيكون حديثه صحيحاً، ولا يصل إلى درجة السقوط فيكون حديثه ضعيفاً.

    وقال الإمام السخاوي أيضاً: وهو نوع مدحٍ؛ لأن هذا من ألفاظ التوثيق، كما قال شيخ الإسلام الإمام عبد الرحيم الأثري في ألفيته في نظم مقدمة علوم الحديث لـابن الصلاح :

    وصالح الحديث أو مقارِبه جيده حسنه مقاربه

    يعني: أن هذا من ألفاظ التعديل، وهي كلها بمعنىً واحد، فإذا قالوا: صالح الحديث، جيد الحديث، حسن الحديث، مقارَب الحديث، مقارَب مقارِب، باسم الفاعل واسم المفعول فهما بمعنىً واحد.

    ثم نقل ابن العربي عن ابن رصين أنه قال: وهذه الصيغة تقويةٌ لأمر الموقوف بها، فهم عندما يقولون: مقارِب مقارَب، فهو تقوية لأمره، أي: تعديله، قال ابن رصين : فتفهمه فإنه من المهم الخافي الذي أوضحناه، وهذا الذي لا نزاع فيه بين أئمتنا إلا ما خالف فيه الإمام البلقيني فقط غفر الله له ورحمه، وأتى بقولٍ انفرد به ما قاله أحدٌ قبله ولا تبعه عليه أحدٌ بعده، قاله في محاسن الاصطلاح في التعليق على مقدمة ابن الصلاح في صفحة أربعين ومائتين، قال: مقارِب بالكسر تعديل، ومقارَب بالفتح تجريح، وعليه يقول: إذا قيل: مقارَب فالحديث ضعيف، وإذا قيل: مقارِب فالحديث حسن، هذا كلام البلقيني ، واستدل بكلام ثعلب من أئمة اللغة يقول: قال العرب: تبرٌ مقارَب، أي: ذهبٌ رديء، فيه غشٌ وخلط، أما مقارِب يقول: تعديل، وكما قلت: هذا لم يسبقه إليه أحد وما تبعه عليه أحد، بل كل هذا من ألفاظ التعديل، وقد نقل ثلاثةٌ من الأئمة هذا، وتبعهم علماء الحديث بعد ذلك قاطبةً، نقله أبو بكر بن العربي الذي توفي سنة ثلاثٍ وأربعين وخمسمائة كما تقدم معنا ذكره عند ترجمة الإمام ابن حزم، ونقله الإمام والبطليوسي وهو الإمام أبو محمد عبد الله بن محمد ، توفي سنة واحدة وعشرين وخمسمائة، قبل الإمام أبي بكر بن العربي ، له ترجمة في سير أعلام النبلاء في الجزء التاسع عشر صفحة اثنتي وثلاثين وخمسمائة، وألف كتاباً عظيماً سماه الأسباب الموجبة لاختلاف الأئمة، البطليوسي نسبة إلى بطليوس من بلاد المغرب والأندلس.

    ومنهم الإمام ابن رشيد الذي توفي سنة واحد وعشرين وسبعمائة، وهو أبو عبد الله محمد بن عمر السبتي ، نسبة إلى سبتة من بلاد الأندلس، قال أئمتنا: وهو فخر فاس وعالمها وحافظها، انتقل من سبتة إلى فاس فاستقر بها، له ترجمة في ذيل تذكرة الحفاظ، في صفحة سبعٍ وتسعين، وصفحة خمسٍ وخمسين وثلاثمائة، وترجمه أيضاً الحافظ ابن حجر ، في الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، في الجزء الرابع صفحة إحدى عشرة ومائة، وله كتاب في ستة مجلدات، نقل هذا عنه الحافظ السخاوي من هذا الكتاب، والإمام ابن حجر يقول: انتخبت هذا الكتاب ولخصته، وفيه فوائد عظيمة، ومن الفوائد شيءٌ كثير، وقفت عليه وانتخبت منه، والكتاب سماه ملء العيبة، والعيبة هي: الصندوق الخاص الذي يضع الإنسان فيه سره، والشيء النفيس عنده، (ملء العيبة بما جمع في طول الغيبة في الوجهة الوجيهة بمصر والشام ومكة وطنجة والكتاب في ستة مجلدات، ملء العيبة بما جمع في طول الغيبة في الوجهة الوجيهة، يعني: في رحلته الوجيهة التي اتجه بها إلى بلاد المشرق بمصر، والشام، ومكة، وطنجة، وما عندنا عنه خبر، وأئمتنا يقولون: فيه فوائد كثيرة ودرر.

    والإمام ابن رشيد قرر هذا أن مقارب بالفتح ومقارب بالكسر بمعنىً واحد، وانفرد -كما قلت- الإمام البلقيني فقال: هو بصيغة المفعول تجريح، وبصيغة الفاعل تعديل، ولم يسبقه إلى ذلك أحد وما تبعه عليه أحد، والإمام السيوطي في تدريب الراوي صفحة خمسٍ وثلاثين ومائتين نقل هذا عن البلقيني ولم يتعقبه، وإنما ذكره على أنه قول له، ولم ينبه على أن الاصطلاح على خلافه، والعلم عند الله جل وعلا.

    وخلاصة الكلام في عبد الله بن محمد بن عقيل : ما قاله ابن حجر ، وقبله الإمام الذهبي في ترجمته في الميزان في الجزء الثاني صفحة أربعٍ وثمانين وأربعمائة، قالوا: احتج به الإمام أحمد ، وإسحاق وهذا كما في سنن الترمذي ، وقال الترمذي : كان أحمد بن حنبل ، وإسحاق بن إبراهيم ، وإسحاق بن راهويه الحنظلي شيخ الإمام البخاري ، والحميدي يحتجون بحديث عبد الله بن محمد بن عقيل .

    ثم قال الذهبي : احتج به أحمد ، وإسحاق ، وقال الترمذي : صدوقٌ تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه. ثم قال بعد أن ذكر كلام العلماء فيه: قلت: حديثه في مرتبة الحسن، قال البخاري في تاريخه: كان أحمد ، وإسحاق يحتجان به.

    وعليه؛ فحديث عبد الله بن محمد بن عقيل في درجة الحسن، وصححه جمٌ غفير من أئمتنا لوجود الشواهد له، والعلم عند الله جل وعلا.

    هذا فيما يتعلق بتخريج حديث علي رضي الله عنه والحكم عليه.

    نسبة ابن حجر القول بأن حديث جابر أصبح من حديث علي إلى ابن العربي والتعقيب عليه

    وقبل أن ننتقل إلى حديث جابر وتخريجه أقول: ذكرنا حديث علي وهو أصح شيءٍ في هذا الباب وأحسنه، وقول الإمام العقيلي : مع وجود لين في الحديث، لكن هو أصح من حديث جابر ، وأنا أعجب غاية العجب مما ذكره شيخ الإسلام الإمام ابن حجر في التلخيص الحبير، حول هذه المسألة من كلام، وهو إما خفي علي ولم أفهمه، أو وهم، والذي يظهر لي أنه الأمر الثاني، ولا أبرئ نفسي من الأمر الأول، وسأعرض ما ذكره، ثم بعد ذلك تأمل ما سأذكره.

    فبعد أن نقل الإمام ابن حجر في التلخيص الحبير في الجز الأول صفحة تسعٍ وعشرين ومائتين كلام الإمام العقيلي : بأن حديث علي أصح من حديث جابر ، قال: خالفه الإمام أبو بكر بن العربي فقال: حديث جابر أصح من حديث علي ، وهذه تهمة لهذا الإمام هو بريءٌ منها، ما كان يعلمها ولا عنده خبرٌ عنها، إنما تصحف أمرٌ ذكره الإمام أبو بكر بن العربي عند هذا الحديث على الحافظ ابن حجر ، أو وهم، أو قاله من ذاكرته بعد أن كان قرأ هذا من فترةٍ طويلة والتبس عليه كما سأذكر لكم، أما أبو بكر بن العربي فما تعرض لحديث جابر على الإطلاق كما سيأتينا إن شاء الله، ولا قال: إنه أصح من حديث علي ، وسأسوق كلام الحافظ ، ثم أعلق عليه بعد ذكر كلام أبي بكر بن العربي .

    يقول الحافظ في صفحة تسعٍ وعشرين ومائتين: قال ابن عدي : قال العقيلي : في إسناده لين، وهو أصلح من حديث جابر ، وحديث جابر الذي أشار إليه سيأتينا تخريجه رواه أحمد ، والبزار ، والترمذي ، والطبراني ، من رواية سلمان بن قرم كما تقدم معنا عن أبي يحيى القتات ، عن مجاهد ، عنه وأبو يحيى القتات ضعيف، وقال ابن عدي : أحاديثه عندي حسان، وقال ابن العربي : حديث جابر أصح شيءٍ في هذا الباب، كما قال، وقد عكس ذلك العقيلي ، وهو أقعد منه بهذا الفن، يعني: كلام العقيلي يقدم على كلام أبي بكر بن العربي ؛ لأن حديث علي أصح من حديث جابر، وحديث جابر ضعيف كما سيأتينا، فكيف يقول أبو بكر بن العربي عنه: إنه أصح شيءٍ في هذا الباب؟!

    وكلام أبي بكر بن العربي هذا قد التبس على الحافظ عليهم جميعاً رحمة الله، ولا أحد يعلق عليّ بعبارات قاسية؛ لأنني مرةً عندما ذكرت عن بعض العلماء أمراً وقلت: هذا الفعل لا يستقيم على حسب قواعد علم الحديث، (حياتي خيرٌ لكم... ومماتي خيرٌ لكم)، قلت: لأنه روي متصلاً من طريقٍ ضعيفة، ووجد له شاهد مرسل بإسنادٍ على شرط الشيخين، فالأصل أن يصحح الأثر، فلا نقول عنه: منكر أو ضعيف، فالأصل أن يصحح، فلا يستقيم تضعيف هذا على حسب فعل كلام المحدثين وقواعد علم الحديث، فخرج بعض الإخوة يقول: يا شيخ! إذا كان فلان قد خفي عليه هذا، فممن يعلم في الأمة؟ فقلت: والله يا أخي! ما أعلم من يعلم، لو أن إنساناً من القراء الكرام أخطأ في قراءة آية ورددناه، هل تقول: إذا كان فلان قد أخطأ فمن الذي سيصيب؟ إن هذا الكلام لا يصلح يا عبد الله! هل عندك حجة علمية ترد بها الكلام؟ إذا خفي عليه من الذي يستدرك ومن الذي يظهر له؟ قلت: أما هذا الكلام فلا ينبغي أن يقال على الإطلاق.

    يذكر أئمتنا في ترجمة العبد الصالح الكسائي وهو من القراء السبعة، أنهم: كانوا في مجلس هارون الرشيد ، وأقيمت صلاة المغرب، فقدم للصلاة فصلى، فقرأ سورة الكافرين فخلط فيها، وهو من القراء السبعة، واليزيدي حاضر وهو من أئمة القراءة، وهو من القراءة الأربع عشر غير أن القراءات الأربع الزائدة على العشر شاذة لا يجوز القراءة بها، فقال اليزيدي : سبحان الله! إمام القراءة يخطئ في قصار المفصل؟! فلما حانت صلاة العشاء، أراد هارون الرشيد أن يقدم الكسائي وهو أعلم، فقال الكسائي : قدم اليزيدي ، فتقدم اليزيدي فغلط في الفاتحة، قال الكسائي :

    احفظ لسانك لا تقولُ فتبتلى إن البلاء موكلٌ بالمنطق

    يعني: أنت تخطئ في الفاتحة، وهذه لا يخطئ بها إنسان في البادية، وأنت إمام القراءة في العراق ويخطئ في الفاتحة.

    وهنا كذلك إذا أخطأ الإمام وقلنا: هذا الكلام لا يستقيم على حسب قواعد علم الحديث، فلا يقال: إذا كان ما علمه وخفي عليه، فمن الذي سيظهر له إذاً؟! وهنا لا يقولن قائل: هناك فارق بين ذاك المثال وهنا، فالحافظ ابن حجر لا يجوز أن يُذكر أحد معه في هذه الحياة الآن ممن هو على قيد الحياة، لجم علمه في الحديث، والتضلع بالسنة المطهرة، فمن أنا ومن غيري حتى يقال: أننا نستدرك على الحافظ، لكن إذا كان أخطأ أو وهم فماذا يجرى لو بين الوهم؟ فالإنسان يخطئ ويذهل وينسى، ويتصحف عليه، وليس معنى هذا أننا نظهر أننا أعلى منه وهو دوننا، فوالله إن خطأه أقوى من صوابنا، لكن لا مانع أن نقول: ظهر لنا أنه مخطئٌ في هذه المسألة.

    تحقيق المقصود من قول ابن العربي: حديث جابر أصح من حديث علي

    وهنا نعود إلى قول أبي بكر بن العربي: حديث جابر أصح شيءٍ في هذا الباب، وقال: وهذا حديثٌ لم يخرج في الصحيح، حديث علي ما خرجه أحدٌ من صاحبي الصحيحين كما تقدم معنا، وهو في السنن الأربع، إلا سنن النسائي ، وقد رواه أبو داود بسندٍ صحيح، وقال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبي عقيل ، عن محمد بن الحنفية ، وأبي عقيل هو عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن علي فذكره.

    انتبه للملاحظة الأولى في كلام أبي بكر بن العربي حيث يقول: وهذا أصح من سند أبي عيسى ، وهنا أعجب غاية العجب، فالسند واهٍ، فلم صح ولم يتغير معنا إلا شيخ الترمذي عما في سنن أبي داود! ففي صفحة تسعٍ وأربعين في سنن أبي داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، قال: حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن عقيل ، عن محمد بن الحنفية ، عن علي ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مفتاح الصلاة الطهور)، إذاً الذي اختلف هو شيخ الإمام الترمذي وهو: قتيبة وهناد ومحمود بن غيلان ومحمد بن بشار ، وعند أبي داود وعثمان بن أبي شيبة ، وهو عثمان بن محمد بن أبي شيبة لم يخرج له الترمذي على الإطلاق، وليس له عنده رواية، نعم روى له الشيخان، وهو في السنن الثلاث، أما الترمذي فلم يرو عنه، وليس من شيوخه.

    وأما الأربعة المتقدمون من شيوخ الترمذي فكل واحدٍ منهم أعلى منزلةً ورفعةً ومكانةً من عثمان بن أبي شيبة ، مع أن عثمان أيضاً ثقة، فـقتيبة حديثه مخرج في الكتب الستة، ومحمود بن غيلان تقدم معنا وهو مخرج له في الكتب الستة، إلا في سنن أبي داود ، ومحمد بن بشار حديثه مخرج في الكتب الستة، وهناد بن السري حديثه في الكتب الستة إلا في البخاري ، مع أنه روى له في الأدب المفرد ، قال أئمتنا: لم يرو له البخاري في الصحيح اتفاقاً لا اجتناباً، يعني: ما اجتنبه، هناد بن السري شيخ الإسلام في زمانه، إذاً هؤلاء الأربعة ليسوا دون عثمان ، فكيف يكون سند أبي داود أصح من سند الترمذي ؟ هذا الكلام لا يستقيم، فـعبد الله بن محمد بن عقيل موجود في الإسنادين، وابن عقيل قد لقي من الصحابة ابن عمر ، وجابراً ، والطفيل ، وقال فيه البخاري : مقارب الحديث يروى بفتح الراء وكسرها، فمن فتح أراد أن غيره يقاربه في الحفظ، ومن كسر أراد أنه يقارب غيره، وهو في الأول مفعول وفي الثاني فاعل، والمعنى واحد، وإن كان قد طعن فيه بعضهم من قبل حفظه فلا يضر؛ لأن الطعن لا يقبل حتى يتبين وجهه، وقد صحح حديث عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر في قصة سعد بن الربيع في كتاب الفرائض.

    إذاً: حديث جابر الذي صححه الترمذي: (مفتاح الجنة الصلاة، ومفتاح الصلاة الوضوء)، يقول: وقد صحح حديثه -يعني الترمذي - عن جابر ، في قصة سعد بن الربيع في كتاب الفرائض، وهو ليس حديث جابر الذي معنا، بل هو حديثٌ آخر، وكلمة (صحح) أيضاً في تقديري فيها غلط في الطباعة، فلعل العبارة: وقد صح حديثه عن جابر ، في قصة سعد بن الربيع في كتاب الفرائض، فالإمام أبو بكر بن العربي عندما يقول: حديث جابر أصح من حديث علي ، يريد حديث جابر حديثاً آخر، وهو الذي رواه الترمذي ، وأبو داود ، وابن ماجه ، وهو في المسند، وسنده صحيح، وفيه عبد الله بن محمد بن عقيل ، والترمذي قال هناك: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل ، وضبط الطباعة هنا في سنن الترمذي بالضم عُقيل غلط، وقد رواه شريك أيضاً، عن عبد الله بن عقيل بالضم وهو غلط والصواب عقيل بالفتح.

    وحديث قصة ابنتي سعد بن الربيع هو: عندما قتل سعد بن الربيع في أُحدٍ شهيداً، فجاءت زوجته إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقالت: يا رسول الله! إن والدهما -وهو سعد بن الربيع - قتل معك في أُحدٍ شهيداً، وإن عمهما أخذ مالهما، ولم يترك لهما شيئاً، ولا تنكحان إلا بمال، فقال: (يقضي الله فيها)، فلما نزلت آية المواريث دعا النبي عليه الصلاة والسلام عم البنتين وهو أخو سعد بن الربيع ، ثم قال له: (أعط البنتين الثلثين، وأمهما الثمن، وما بقي فهو لك، ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجلٍ ذكر). فهذا الحديث في إسناده عبد الله بن محمد بن عقيل ، وراويه جابر فهو عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر بن عبد الله ، قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع .

    فـأبو بكر بن العربي يقول: صح حديث جابر في قصة سعد بن الربيع ، فاشتبه هذا على الحافظ ، وظن أن أبا بكر بن العربي يقول: إن حديث جابر صحيح، وحديث علي حوله كلام دونه، وهذا الذي يبدو لي والعلم عند الله.

    فهذا كلام الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير، وهذا كلام أبي بكر بن العربي في كتابه عارضة الأحوذي، وهذا تعليقي على ذلك، لكن -كما قلت- العبارة فيها شيءٌ من الإشكال، فإما أني لم أفهمها، وإما أن الحافظ وهم والعلم عند الله جل وعلا.

    إذاً: حديث جابر عند الترمذي هو الحديث الثاني في الباب، وقد سقط من بعض نسخ الترمذي ، وفي العارضة لم يتعرض له، ولم يصلحه، ولم يذكره، وكذلك تحفة الأحوذي الطبعة الهندية الحجرية ما ذكرت هذا الحديث، وأما الطبعة التي طبعت في المدينة المنورة، على نبينا صلوات الله وسلامه في المطابع السلفية، ثم صورت بعد ذلك، فذكرت الحديث، ولكن أُدخل فيه ما يقال عند دخول الخلاء، من باب التلاعب بالطبعات، وأما الطبعة التي ذكر فيها الحديث في موضعه، فهي الطبعة التي عندي بتحقيق الشيخ أحمد شاكر ، وطبع في طبعة حمص في بلاد الشام على أنه في هذا الباب: أن مفتاح الصلاة الطهور، وهذا موجودٌ في بعض النسخ.

    ومما يقوي رواية الترمذي له عزو الأئمة هذا الحديث للترمذي ، منهم الحافظ في التلخيص الحبير، قال: رواه الترمذي ، يعني: حديث جابر ، ولا يقصد في قوله: وفي الباب، وإنما يقصد أن الرواية التي ذكرها: (مفتاح الجنة الصلاة، ومفتاح الصلاة الوضوء) رواها الإمام الترمذي ، إذاً: هذا في بعض النسخ، والمعتمد أن هذا مروي أيضاً.

    فحديث جابر رواه الترمذي في نفس الباب، قال: وفي الباب عن جابر وأبي سعيد ثم روى حديث جابر، وقد نسب الحافظ في التلخيص الحبير، في المكان المشار إليه في الجزء الأول صفحة تسعٍ وعشرين ومائتين الحديث إلى الترمذي ، ورواه الإمام أحمد ، والبزار ، والطبراني ، والبيهقي في شعب الإيمان، ورواه أبو داود الطيالسي في الجزء الأول صفحة تسعٍ وأربعين في منحة المعبود في ترتيب مسند الطيالسي أبي داود ، وهذا الحديث على حسب قواعد علم الحديث ضعيف الإسناد، وهو دون حديث علي رضي الله عنه بكثير، والسبب في ذلك أن فيه سليمان بن قرم ، وتقدم معنا كلام الحافظ فيه وأنه سيئ الحفظ يتشيع.

    وفيه القتات أبو يحيى وقال عنه: لين الحديث، وهذا يدل على أن الحديث ضعيف الإسناد، نعم معناه وهو (أن مفتاح الصلاة الوضوء) ثابت في أحاديث كثيرة، لكن من حيث الإسناد الحديث ضعيف؛ لوجود هذين الراويين: سليمان بن قرم ، والقتات أبي يحيى ؛ وعليه فالحديث في إسناده ضعفٌ والعلم عند الله جل وعلا.

    1.   

    تخريج حديث أبي سعيد: (مفتاح الصلاة الوضوء) والحكم عليه

    وأما حديث أبي سعيد الخدري الذي لم يروه الإمام الترمذي في هذا الباب، فقد رواه الترمذي أيضاً في سننه في مكانٍ آخر في كتاب الصلاة: باب ما جاء في تحريم الصلاة وتحليلها، ورقم الحديث ثمانٍ وثلاثون ومائتان، ورواه ابن ماجه في السنن، والحاكم في المستدرك، في الجزء الأول صفحة مائة واثنتين وثلاثين وذكر في نفس الصفحة رواية علي، ورواه البيهقي أيضاً في سننه في الجزء الثاني، صفحة خمسٍ وثمانين، وصفحة ثمانين وثلاثمائة، والحديث قال عنه الحاكم: إسناده صحيحٌ على شرط مسلم، وأقره عليه الذهبي وليس كذلك، فتوهم الحاكم عليه رحمة الله، وما تنبه لذلك الذهبي، لوجود خطأ في الإسناد، والخطأ هو: أن حسان بن إبراهيم الذي في الإسناد روى الحديث عن أبي سفيان ، فظن أن المراد بـأبي سفيان والد سفيان الثوري ، فقال: عن أبي سفيان سعيد بن مسروق الثوري ، وهو ثقةٌ إمام، ولكن ليس هو أبو سفيان سعيد بن مسروق ، إنما هو أبو سفيان طريف بن شهاب السعدي، وكان واهياً، وهو في التقريب، طَريف بالفتح أو طُريف بالضم، يقول الحافظ عنه: ضعيف، من رجال الترمذي ، وابن ماجه .

    إذاً: هنا في الإسناد أبو سفيان، وهو طريف بن شهاب السعدي ، قال الحافظ في التقريب: ضعيف، وقال في التلخيص: كان واهياً، وعليه فليس أبو سفيان هذا والد سعيد بن مسروق كما ظنه حسان بن إبراهيم ، فوهم فيه، نعم لو كان الإسناد عن والد سفيان الثوري فالحديث صحيح، لكن ليس كذلك، بل الحديث عن أبي سفيان طريف بن شهاب السعدي ، قال الحافظ : وكان واهياً، هذا ذكره في التلخيص، وفي التقريب يقول: إنه ضعيف، يقول: رواه الحاكم في المستدرك من طريق سعيد بن مسروق الثوري ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد ، وهو معلول، قال ابن حبان في كتاب الصلاة: هذا الحديث لا يصح؛ لأن له طريقين:

    إحداهما: عن علي ، وفيه ابن عقيل وهو ضعيف، -كما ظنه ابن حبان-.

    والثاني: عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد ، تفرد به أبو سفيان عنه، ووهم حسان بن إبراهيم ، ورواه عن سعيد بن مسروق عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد ، وذلك أنه توهم أن أبا سفيان هو والد سفيان الثوري ، ولم يعلم أن أبا سفيان آخر، وهو طريف بن شهاب وكان واهياً؛ وعليه فإسناد أبي سعيد أيضاً فيه ضعف، وإن صححه الحاكم وأقره عليه الذهبي ؛ والعلم عند الله جل وعلا.

    لكن لفظ حديث أبي سعيد بإبدال كلمة تحريمها بكلمة إحرامها بالحديث المتقدم، ولفظه: (مفتاح الصلاة الطهور، وإحرامها التكبير، وإحلالها التسليم)، وفي بعض الروايات -وهذه رواية الترمذي زائدة وستأتينا إن شاء الله- فيها زيادة أيضاً بلفظ: (مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وإحلالها التسليم، ولا صلاة لمن لم يقرأ بالحمد وسورة، فريضةٍ أو غيرها).

    يقول الترمذي: وحديث علي أجود إسناداً وأصح من حديث أبي سعيد، وقد تدارسناه في أول كتاب الوضوء، وسيأتينا حديث أبي سعيد في محله، والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فمن بعده، وبه يقول سفيان ، وابن المبارك ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق أن تحريم الصلاة التكبير، ولا يكون داخلاً في الصلاة إلا بالتكبير، سمعت أبا بكر محمد بن أبان ، قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: لو افتتح الرجل الصلاة بتسعين اسماً من أسماء الله ولم يكبر لم يجزه، وهذا على القول بأنه يشترط، وهو قول الجمهور أعني: لفظ التكبير.

    وقوله: وإن أحدث قبل أن يسلم أمرته أن يتوضأ، ثم يرجع إلى مكانه ويتمم، إنما الأمر على وجهه، يعني: هذه رسوم حددها الشارع لا يجوز أن نخالفها، فلا بد من السلام للتحليل، ولا بد من التكبير للتحريم، إنما الأمر على وجهه، وسيأتينا كلام الترمذي في ذلك الباب.

    وهناك رواياتٌ أخرى لم يشر إليها الترمذي، منها: رواية عبد الله بن زيد ، رواها الطبراني في معجمه الأوسط، والدارقطني ، ومنها: رواية عبد الله بن عباس في معجم الطبراني الأوسط، ومنها رواية أنس رواها ابن عدي ومنها: رواية عبد الله بن مسعود رواها الطبراني في معجمه الكبير، وروايات أخرى ذكرها في مجمع الزوائد في الجزء الثاني صفحة أربعٍ ومائة، وفي جمع الجوامع للإمام السيوطي في الجزء الأول صفحة أربعٍ وأربعين وسبعمائة، وفي نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية في الجزء الأول صفحة سبعٍ وثلاثمائة إلى صفحة ثمانٍ وثلاثمائة، وفي التلخيص الحبير في المكان المشار إليه، والعلم عند الله جل وعلا.

    وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755914275