أما بعــد:-
رأى بعض الإخوة الكرام -أثابهم الله- أن نحدثهم عن موضوع مهم وعظيم، وهو مقومات المجتمع المسلم، وليس بإمكاننا أن نحيط بهذه القضية ولا بهذا العنوان من جميع جوانبه، ولكن نظراً لما تعيشه هذه الأمة اليوم من فقدانٍ لمقومات اجتماعها وذهابٍ لشخصيتها وذاتيتها التي تميزها بين الأمم، فنحن في حاجة بلا ريب إلى أن نعرف مقومات مجتمعنا -ولو على سبيل الإجمال- التي يفترق بها عن غيره من مجتمعات الكفر والضلالة، فإن الدنيا اليوم قد تقاربت، تقارب الزمان والمكان، نتيجة وسائل الإعلام ووسائل الاتصال والنقل، حتى أصبحت -كما يسمونها- قرية إعلامية، فأصبحت الأمة الإسلامية أحوج من ذي قبل إلى معرفة مقومات اجتماعها، مع ما اعتراها من ضعفٍ وتراخٍ وتحللٍ وافتراقٍ وغير ذلك؛ من دواعي ضرورة معرفة مقومات هذا المجتمع المؤمن الذي ميزنا الله -تبارك وتعالى- وشرفنا به .
إن مقومات المجتمع المسلم هي القضية الأولى التي لا يمكن أن نتجاوزها في الحديث أبداً.
إننا عندما نتحدث عن المقومات، فإننا نتحدث عن أول الواجبات، وعن أول ما فرض الله -تبارك وتعالى-، مما جاءت به رسل الله الكرام، وإن مما يجب علينا أن نصرف همنا في الدعوة إليه هو توحيد الله وحده لا شريك له، فهذه أعظم ميزة وأعظم مقوم، وأول منازل الطريق التي لا يجوز ولا ينبغي بحالٍ من الأحوال أن نتجاوزها أبداً.
إن الإسلام إنما أُخِذَ من الاستسلام لله تبارك وتعالى بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك، وأهله، وهذه دعوة الله تبارك وتعالى بعث بها أنبياءه جميعاً، فما من نبي بعثه الله تبارك وتعالى إلا قال لقومه: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [المؤمنون:23] كما قص الله -تبارك وتعالى- علينا من كلام أنبيائه فقال: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25]، وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36] أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ [هود:2]، وغير ذلك من الآيات، وكذلك لما بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رسوله معاذ بن جبل الصحابي الجليل والداعية العظيم إلى اليمن قال له: (فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله) وفي رواية: (إلى عبادة الله) وفي رواية (إلى توحيد الله) وكلها روايات صحيحة تدل على أن المعنى واحد كما سمعنا في الآيات .
إن أساس القضايا وأولها جميعاً هو الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله، أي: إلى توحيد الله، وأن لا يعبد إلا الله -تبارك وتعالى- والتي عليها جاهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعليها أُسِسَ هذا البيت الذي شرفت به هذه المدينة، بل شرفت به الدنيا كلها، كما قال تعالى: وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً [الحج:26] فالأساس هو ترك الشرك، والبراءة منه ومن أهله.
وهذه البلدة الطاهرة -والحمد لله- قامت على ذلك وستظل كذلك بإذن الله، فلقد انتشر نور الإيمان والتوحيد حتى عم ما شاء الله تبارك وتعالى أن يعم مما زوى الله تبارك وتعالى من الأرض لنبيه محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأراه كيف سيبلغ ملك أمته، وأين تبلغ دعوته، كما بشَّر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن هذا الدين سيبلغ ما بلغ الليل والنهار، وهذا الدين هو التوحيد.
إن التحاكم إلى ما أنزل الله، ونبذ كل شرعةٍ تخالف شريعة الله، هو جزءٌ من توحيد الله -تبارك وتعالى- ومن عبادته وحده، ففي سورة الأنعام ذكر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هذه القضايا وفَّصل فيها، فجعل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى اتخاذ الولي والحَكَم من دونه، كل ذلك لا يجوز ولا يليق، وإنما الولي والرب والإله والحَكَم هو الله وحده لا شريك له، فقال تعالى: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10]، وقال: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21]، وقال: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً [النساء:60]، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44]، وفي الآية الأخرى: فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة:45]، وفي الثالثة: فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [المائدة:47]، وغير ذلك من الآيات التي تدل على أن من أهم مقومات المجتمع المسلم وتحقيقه لتوحيد الله أن يكون الحكم لله تبارك وتعالى بالرد إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
إذا اتفقنا على منهج الاستدلال، ومنهج الاستمداد والتلقي من الله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لم نقدم عليه قول أحد كائناً من كان، لا شيخ طريقة كما يفعل الضلال من الصوفية وأمثالهم، ولا رأي متكلم كما يفعل أهل الكلام من المعتزلة والأشعرية وأشباههم، ولا كلام الأئمة المزعومون أنهم معصومون -كما يفعل الروافض والباطنية وأشباههم-، ولا المذاهب الوضعية الباطلة التي انتسب إليها كثير من المسلمين في هذا الزمان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
إن المجتمع المسلم هو المجتمع الذي يحكمه شرع الله، ودين الله، وتقام فيه حدود الله، كما شرع الله، ولن يقوم هذا المجتمع أبداً إذا لم تقم فيه حدود الله -كما شرع الله- على الشريف والضعيف وعلى الرفيع والوضيع، وأن تقام لوجه الله تبارك وتعالى لا من أجل رياءٍ ولا سمعة، ولا لمجرد الحفاظ على الأمن والحياة -وإن كانت مطلوبة- ولكن الأساس من ذلك هو عبادة الله تبارك وتعالى ولا يصح إيمان المجتمع إلا بتحقيق هذه العبادة، كما قال تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء:65] .
ولو نظرنا إلى مجتمعاتنا التي انحرفت عن شرع الله وأتت بالقوانين الوضعية، كيف حالها؟
وكيف مآلها من التفسخ والتفكك؟!
حتى أصبحت كلمة الإسلام إذا أطلقت غريبة عندهم، ومن يدعو إلى الإسلام أصبح غريباً في بعض المجتمعات التي تدَّعي أنها إسلامية والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فالواجب على جميع المسلمين أن يتحاكموا إلى ما أنزل الله -تبارك وتعالى- وقد أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن ترك التحاكم إلى الشرع من أسباب هلاك الأمم فقال: {إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق - وهذا ينطبق على غير السرقة - فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد} فإذا كانت إقامة الحدود على بعض الناس دون بعض، والمحاباة فيها والمجاملة فيها سبباً للهلاك، فما بالكم إذا نُحيِّ شرع الله تبارك وتعالى بالكلية، واحتكم إلى الدساتير الوضعية التي يضعها البشر، كما عبَّر عنها سماحة الإمام الشيخ الداعية محمد بن إبراهيم رحمة الله تعالى عليه المتوفى عام (1389م) -مفتي هذه الديار قبل سماحة الوالد الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله والذي سمى هذه القوانين: ''زبالة الأذهان، وحثالة الأفكار''
فهم يضعون ويغيرون ويبدلون كما يشاءون، ويأمرون الناس أن يحتكموا إليها، ويطلبون منهم ذلك، ويلزمونهم بها إلزاماً، ولذلك فإنه -رحمه الله- جعل فتح المحاكم الوضعية وتهيئتها للناس، وأن يكون لها سجلات ومراجع ومستمدات كما للمحاكم الشرعية، نوعاً من أنواع الكفر الأكبر، ذكر ذلك في رسالته القيمة على صغر حجمها رسالة تحكيم القوانين.
والعبد المؤمن يقول في كل ركعة: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7] فبعد أن وحدنا الله -تبارك وتعالى- وأفردناه بالربوبية والألوهية وآمنا به وحده إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] نطلبه وندعوه أن يثبتنا على الصراط المستقيم، وهو السنة، وما ورد فيه من أقوالٍ أخرى فهي لا تخرج عن ذلك، فالقرآن، أو السنة، أو طريق الشيخين، أو طريق الصحابة؛ المقصود بها كلها كلمة السنة بمعناها العام، التي تعني هدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كل شأن وفي كل أمر ابتداءً من التوحيد، وانتهاءً بأقل درجات المندوبات بل المباحات.
فالاتباع يكون لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة} ولهذا أوصى الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بها، وأوصى بها رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما قال تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103].
وهذه وإن كانت تشمل كل أنواع التفرق، إلا أن أعظم وأشد أنواع التفرق جرماً هو التفرق في الدين، وهذا ما حذَّرنا الله -تبارك وتعالى- منه حتى لا نشابه المشركين الذين قال عنهم: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْء [الأنعام:159] فالأمم قبلنا جميعاً، من اليهود والنصارى وغيرهم قد وقعوا في الشرك جميعاً، وفرقوا دينهم، وكانوا شيعاً، أما نحن فأمرنا باتباع سنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التي أوصى ووعظ بها صلوات الله وسلامه عليه، ونهى عن البدع والمحدثات، وقال: {عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار} .
لما رأيت الأمـر أمراً منكرا أججت ناري ودعوت قنبرا |
وقال شاعرهم:
لترميني بنا المصائب حيث شاءت إذا لم ترم بي في الحفرتين |
وهي الحفر التي أوقدها من النار لما قالوا: أنت هو! قال: ومن هو؟
قالوا: الله، تعالى الله عما يشركون.
والطائفة الأخرى التي خرجت في زمن الخلفاء الراشدين هي: الخوارج، وهؤلاء أيضاً قاتلهم عليٌ رضي الله تعالى عنه، وفرح وسر هو والصحابة الكرام بقتالهم، وابتهجوا بذلك، وجعلوا ذلك من آيات الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الدالة على صدق رسالة نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما في حديث ذي الثدية، وجعلوه دليلاً على صحة إمامة علي رضي الله تعالى عنه وأن ذلك من كراماته؛ لأنه وُفقَ إلى قتل هؤلاء الذين قال فيهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لو أدركتهم لقتلتهم قتل عاد} فكانت معركة النهروان وغيرها ممن قتل فيها هؤلاء.
فعقوبة أهل البدع -وإن لم يدعوا إلى الشرك الصريح- كعقوبة الخوارج، أما إذا دعو إلى الشرك كما دعا إليه الروافض الأولون والمتأخرون، وكما يدعوا إليه المتصوفون في هذا الزمان، وفي كل الأزمان، الذين اتبعوا الطرق والسبل التي نهى الله -تبارك وتعالى- عن اتباعها وأصبحوا ينعقون بالشرك الأكبر، ويزعمون أن مع الله إلهاً آخر، فهؤلاء خرجوا عن حد الابتداع ودخلوا في حد الشرك، حيث يقولون: إن هناك من يعلم الغيب غير الله، وإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الأول والآخر والظاهر والباطن، تعالى الله عما يشركون، فأعطوه خصائص الألوهية، وأسماء الله تعالى وصفاته وغير ذلك.
فلو كان المُشرَك به مع الله -تبارك وتعالى- أفضل خلقه وأحبهم إليه وهو محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو أفضل الملائكة وهو جبريل عليه السلام، فإن الله تبارك وتعالى لا يرضى ذلك أبداً، فكيف بعبادة من دونهم من الأولياء أو الصالحين، فكيف بضلالات وبدع وشركيات وخرافات عند من ليس لهم حظٌ من الولاية، وإنما هم مفترون، وإن كثيراً من الأضرحة التي تزار وتعبد في أنحاء العالم الإسلامي اليوم ليس فيها أحد أصلاً، بل ربما يوجد فيها من ليس له في الإسلام حظ من الولاية، فإذا كنا ننكر على من يأتِ بالشرك عند قبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو قبر أحد من الصحابة، أو أي أحد من الأنبياء، فكيف بمن يفعله عند من لا حظ له من الولاية أصلاً، فكله شركٌ وباطل نسأل الله -تبارك وتعالى- أن يحمي هذه الأمة منه إنه سميع مجيب.
وانظروا إلى حال المجتمعات المسلمة التي تركت هذه الشعيرة، ألم يصل بهم الأمر إلى هذه الحالة، لقد أصبح الرجل يدَّعي أي مذهب، وينتحل ما شاء من النحل، وجاهر اليهود والنصارى بمذاهبهم، وأصبحت لهم المناصب الكبيرة في الدولة، وجاهر أهل البدع ببدعهم، وكل من لديه نحلة ضالة أعلن بها وجاهر لفقد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ولهذا يسعى أعداء الله والمجرمون إلى أن يطمسوه بالكلية، وخاصةً في هذه البلاد، ولكنها والحمد لله لم تترك ذلك أبداً.
إن الناس -والحمد لله- لا يمكن أن يتخلوا عن دينهم في هذه البلاد خاصة ً، بل والحمد لله قد عادت الصحوة وعمت كل مكان، فلا يمكن للمسلمين أن يتخلوا عن دينهم، ويتخلوا عن هذه الشعيرة العظيمة .
وتجد بعض الناس يرتكب المنكر وهو لا يزال في بدايته في أول الطريق، ولو وجد من يقول له: لِمَ تفعل كذا؟
لرجع، وبعضهم قد بدأ قليلاً، ولو وجد من قال: لِمَ، وزاد عليها: كيف تفعل كذا وكذا لرجع، وبعضهم أيضاً لو وجد كتاباً أو شريطاً أو حديثاً حسناً لرجع، وبعضهم قد غاص في البدع والضلالات أو في المنكر والفسق فهذا أمرٌ آخر، لكن كثيراً من الناس قريبون من الخير أو هم على حافة الخير، فإذا حركتهم ولو قليلاً يبتعدون عن الشر بإذن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، فهذه من أعظم مقومات المجتمع المسلم التي يحفظه الله تبارك وتعالى بها.
ولذلك كان من سنة الخلفاء الراشدين ما أمر به عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه حين جعل مكان بعض العبارات التي لا تليق في خطب الجمعة هذه الآية الكريمة العظيمة الجامعة إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ [النحل:90].
فالعدل مطلوب من هذه الأمة بالذات، بل من كل أحد، وهو محببٌ إلى النفوس جميعاً، وتطلبه كل الفطر والعقول في المجتمعات كافة، الكافر منها والمؤمن، فكلها تريد العدل، وكلها تدَّعيه، وتحبه وتنشده، ولكن الأمة التي تعرف الحق وهديت إلى الحق وبه يعدلون هي هذه الأمة والحمد لله، التي أعطاها الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- العدل لا مبادئ عامة -كما يزعمون- ولكن حقائق وأحكاماً تفصيلية، مفصل لك كيف تعدل في بيتك وكيف تعدل في عملك وكيف تعدل في ولايتك إذا كنت قاضياً أو أميراً؟ فالحكم واضح أمامك.
كل الأحكام فصَّلها الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- تفصيلاً في كتابه أو في سنة نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومن سيرة الخلفاء الراشدين، فهي الأمة التي تستطيع وحدها أن تقوم بالعدل في هذا العالم الظالم المظلم الذي أحدقت به الظلمات والمظالم من كل مكان.
و أي أمة في الدنيا الآن تملك العدل أو تستطيع أن تعدل بين أفرادها فضلاً عن العدل بين الناس؟!
إن أفضل ما لدى الغرب: هو ما يزعمونه من الديمقراطيات، وأي عدلٍ في الديمقراطيات؟!
إننا نأسف أسفاً شديداً أن تصبح هذه الديمقراطيات هي الهدف الذي يتطلع إليه بعض المسلمين! الذين أعطاهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كل هذا العلم والحقائق، وأنزل إليهم الكتاب مفصلاً، فكيف تطلبونها؟!
إن الرجل الذي لا يملك المال، لا يملك النفقة الانتخابية، وبالتالي لا يمكن أن يرشح، وبالتالي لن يصل إلى شيء في هذا العالم، فبقدر رأس مال الإنسان في الدول الديمقراطية الغربية، تكون مكانته وقيمته، فأين العدل إذاً؟
إن الضعفاء من العمال ومن طبقة صغار الموظفين مسحوقون مظلومون لا يؤبه لهم بشيء، نعم هناك مبادئ وضعوها وأجمعوا عليها ويحاولون أن يصلوا إلى شيء من العدل وأنَّى لهم ذلك.
إن هذا العدل يجب أن نحييه في هذه الأمة في بيوتنا لنكون من المقسطين كما قال صلى الله عليه وسلم: (إن المقسطين على منابر من نور، عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين وهم الذين يعدلون في أهليهم وما ولوا) هكذا يجب أن نكون، وهذا عدلٌُ تغنَّى به الناس قديماً وحديثاً.
إن ما يعيشه العالم اليوم فهو جاهلية، وإن شئت فقل هذه مثل تلك سواء، من لم يعرف الله أو من جهل الله -عز وجل- فهو في جاهلية في أي عصرٍ كان وفي أي مصرٍ عاش .
كان العرب في الجاهلية يتغنون في أشعارهم بعدل كسرى الذي لم يشملهم يوماً واحداً من حياتهم بعدله، مثلما نجد اليوم العالم الإسلامي والدول العربية تتغنى بعدل الديمقراطية وتفرح بها مع أنه لم يشملها شيء من خيرها إن كان فيها خير، ويقولون لما قتل:
همُ قتلوه كي يكونوا مكانه كما غدرت يوماً بكسرى مرازبه |
إلى آخر ما تغنوا به، حتى جاء الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بهذا الدين، فعرف الناس حقيقة العدل، ورحم الله من قال:
أتى عمر فأنسى عدل كسرى كذلك كان عهد الراشدين |
نسي الناس عدل كسرى، فما هو عدله بالنسبة إلى عدل عمر رضي الله تعالى عنه وإلى عدل من بعده؟ والقضية ليست قضية عمر، إنها قضية الدين والإسلام الذي حول أولئك الجاهليين من جفاة غلاظ الأكباد إلى أمة رحيمة مشفقة عادلة .
وجاء حفيده عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه، وحدث ما حدث من فتح بعض المدن التي هي اليوم ضمن ما يسمونه الاتحاد السوفيتي، ودخل الجيش المسلم بقيادة قتيبة بن مسلم، واقتحم المدينة بعد أن صالح أهلها لكثرة ما غدروا به، فعلم أهلها أن المسلمين أمة العدل وأنهم لا يقرون الظلم، فأتوا إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه، وقالوا: بلغنا عنكم العدل، وقد صالحنا قائدكم ثم غدر بنا وفتحها، فلما تبين عمر رضي الله تعالى عنه ذلك؛ أمر الجيش المسلم أن يخرج من المدينة بعد أن فتحها، وقد غدروا به ولم يقل هذا جزاء غدرتكم، فلما خرجوا ورأى أهل المدينة ذلك عياناً، عجبوا لهذا العدل، فقالوا : نشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله ودخلوا في الإسلام وما زالت بلاد إسلام، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يفك أسرها.
كان الناس يرون عدل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، كما رأت الدنيا كلها هذا العدل الذي هو أحوج ما تكون إليه الأمة اليوم، وظل العدل -ولله الحمد- شيمة هذه الأمة وإن قل عمَّا كان في الصدر الأول.
ولا يزال تاريخ الصليبيين الأوائل عندما اجتمعت أوروبا الصليبية أول مرة -ولا زالت تجتمع في كل مرة- ينطق بعدل صلاح الدين,ونور الدين وقد عجبوا من هذه الأمة كيف تعيش هذه الحياة الكريمة؟
وكيف تعدل هذا العدل الذي هو من شيم الأنبياء لا من شيم ملوك الدنيا كما عبَّروا هم بذلك، وكثيرٌ منهم بقي في بلاد العالم الإسلامي، وأسلم لما رأى تلك الحياة الكريمة، وتلك العدالة التي تنشدها النفوس ولم تجدها إلا في ظل هذا الدين .
ومنها قصة صلة بن أشيم رضي الله تعالى عنه -وهو من التابعين-، لما كان يذهب إلى الصحراء في الليل ويمر بشباب يلهون ويعبثون -مثل ما نرى الشباب هذه الأيام في الكازينوهات والملاعب- في الليل، فقال: [[إن قوماً -يضرب لهم مثلاً وهو يمشي- كانوا مسافرين قضوا الليل في اللعب وغفلوا في النهار فأنى يدركون الطريق أو فأنى يصلون]] يضرب لهم المثل أول الليل ويمشي، وفي اليوم الثاني قال أحدهم: والله إنه ليريدنا ويعنينا، ويقول لنا: نحن أمامنا طريق، وأمامنا سفر وهو الانتقال إلى الدار الآخرة، ومع ذلك نضيع هذه الأوقات، فأفاقوا من غفلتهم، وكانوا قرابة العشرين شاباً فأصبحوا من خيار شباب الإسلام.
لقد استيقظوا بحسن الخلق في الدعوة، وبحسن التعامل وبالرفق، وبعض المحدثين كما يُذكر عن شعبة رضي الله تعالى عنه، وهو الإمام المحدث المشهور الثقة، الذي قال عنه الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله : ''كان أمةً وحده في هذا العلم''، كان ماراً في طريق مجتازاً يحيط به طلاب العلم من كل جهة ويحتفون به، فخرج رجلٌ من شرار الناس، من الفساق -كما هم في كل زمان ومكان- فقال: من هذا؟
احتقاراً له، قالوا: هذا شعبة المحدث، قال: محدث! قالوا: نعم، فأمسك بتلابيبه، وقال: حدثني استهزاءً وسخريةً .
فأراد طلابه أن يبطشوا به؛ وكان موقفاً حرجاً، رجل عليه أمارات الفسق وليس به من سمات الخير شيء، وبكل هذه الوقاحة ويعرض له في الطريق ويقبض عليه، حدثني حدثني، فأراد أن ينفلت منه، فقال: لست من أهل هذا العلم، فقال: لا إلا أن تحدثني، فقال : حدثنا فلان عن فلان عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: (إذا لم تستح فاصنع ما شئت) فوقع في قلب الرجل موقعاً عظيماً، وعرف أنها موعظة له، وليس مجرد تحديث.
فعاد إلى بيته وبدأ يغير حاله، فقال: والله لا بد أن أغير حالي، والله لقد حدثني حديثاً عظيماً، والله لأستحين من الله، ثم عقد العزم وتاب واستغفر الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وأناب ورحل إلى مالك رضي الله تعالى عنه، وأصبح من كبار المحدثين، ثم كان يقول ما رويت عن شعبة إلا هذا الحديث، وبقيت روايته عن مالك وأصحابه رضي الله تعالى عنهم.
أقول: إن هناك نماذج لحسن الخلق في الدعوة والصبر، والتحمل، ونجد -والحمد لله- حسن الخلق بين الشباب المسلم، وإن كان بحاجة إلى أن نحث عليه، لكن قد نفتقده مع غيرهم، فأحسنوا وارفقوا حتى بأهل الفسق والفجور، واصبروا وتحملوا، وأبشروا بالعاقبة بإذن الله -تبارك وتعالى-، قال تعالى: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف:35]، ولهذا قال عباد الله المرسلون لأممهم وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا [إبراهيم:12] توعدوهم بالأذى فوعدوهم بالصبر .
فحسن الخلق -أيها الإخوة- من أعظم المقومات كما قال الشاعر:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا |
ومن أعظم ذلك حسن الخلق مع المدعوين، ومقابلة إساءتهم بالإحسان، ومقابلة أذاهم بالصبر والتحمل كما أوصى العبد الحكيم ابنه يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [لقمان:17].
والحمد لله رب العالمين.
نريد حلاً لهذه القضية المؤلمة التي بدأت تكثر في هذه الأوقات، ولماذا لا يتعاقد مع جهاز طبي نسائي كامل يخصص للنساء؟
الجواب: الأمم بإرادتها، وتلك سنة من سنن الله تبارك وتعالى، حيث جعل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في الإنسان -فضلاً عن الأمة- من الطاقات ما لا نظير له في أي مخلوق، فمن الممكن أن يحقق الفرد أو الأمة أشياء عجيبة جداً لا تخطر على البال، ولهذا يوجد من الأفراد من هو أمة بذاته مما يحقق من الأعمال، وأصل ذلك كله الإرادة التي تعني: العزيمة الصادقة ولا سيما على الرشد وعلى أمر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .
إن أمة لديها إرادة أن تعبد الله وحده لا شريك له، ولديها إرادة أن تكون أمة متميزة مستغنية عن غيرها، وتكون أمة قائمة على أمر الله كما شرع الله تستطيع ذلك بإذن الله، ولا نقول: لا يوجد كوادر، فمهما قلنا ذلك إذا وجدت الإرادة وجد كل شيء، ليس في هذه المسألة فحسب؛ بل إن صدقنا مع الله وإن أردنا حقاً أن نقضي على الربا، والله لنقضين عليه قضاءً مبرماً، ونعيش بعد ذلك عيشةً سعيدةً هنيئةً فيها البركة والنماء لا المحق والخسارة .
إن أردنا الحجاب والعفاف والصون والله نستطيع ذلك، وما الذي يمنعنا؟
ماذا علينا لو آمنا بالله واليوم الآخر حق الإيمان، ماذا علينا لو تمسكنا بما كان عليه السلف الصالح؟
والله ليس علينا شيء .
لكننا لا نريد! وهنا المشكلة يعتذرون بقلة الطاقات، أو ليست المستشفيات مختلطة؟ افصلوا هذا عن هذا، ويعتذرون أحياناً بالمال، أوَلسنا نسخِّر المال في لهوٍ ولعب؟
فخير وأوجب وأولى ما يسخر فيه المال في حفظ العرض وصون الشرف، والعفاف والفضيلة والطهارة، حتى لو كانت نساء ذميات كتابيات في ظل الدولة الإسلامية وجب أن ينفق المسلمون من بيت المال ما يحفظون به عفافهن، وحرمتهن، حتى لا ينتشر الفساد في الأرض، فكيف بالمؤمنات الحرائر العفيفات الطاهرات، اللواتي يكتبن رسائل تدمي القلب.
إحداهن تقول: والله إنني لا أذهب إلى السوق أو إلى أي مكان -إذا اضطررت أن أخرج من البيت- إلّا متغطية متحجبة حجاباً كاملاً لا يرى مني ظفر، فإذا جاءت الولادة فإنه يأتي الطبيب الأجنبي -وقد يكون كافراً أو ملحداً- فيرى مني كل شيء حتى عورتي، أين غيرتكم يا دعاة ويا علماء ويا طلبة علم؟!
إلى هذا الحد حتى عامل النظافة يدخل، سبحان الله العظيم!
لماذا لا نعين من يقوم بهذا العمل؟
فكل من يفتح مستوصفاً أو مستشفىً نسائياً متخصصاً نعينه، ونمده بالمال والطاقات وبكل جهد، فإن هذا من إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا من أوجب الواجبات، والحمد لله فليس هذا بغريبٍ علينا، وانظروا تعليم البنات عندما قام ووضعت له ضوابط، كان فيه خير كثير والحمد لله، رغم ما دخله من خلل، لكن فيه خير كثير، فلِمَ لا يكون الحال في المستشفيات كذلك؟
عجيبٌ جداً أنه إذا قبض على الرجل والمرأة مختليين، -وكان هذا الرجل مدرساً -مثلاً- وهي مدرسة- فإنه ينكر عليهما لأنهما اختليا، أما إذا كانا طبيباً وطبيبة، أو طبيباً وممرضة، فنحن الذين نهيئ لهم الغرفة والخلوة، ونهيئ لهم كيف يختليان، فكيف يقع هذا التناقض؟
من الذي حرَّم هذا وأحلَّ هذا؟
أليست الخلوة حراماً على كل أحد وكيفما كان؟!
المدِّرسة لا تأتي إلا بمحرم، والممرضة تأتي بغير محرم هذا أمر عجيب، قانونان ونظامان في بلد واحد، وفي أمة واحدة، لماذا هذا؟
أليست هذه الممرضات أقرب إلى الفسق من المدِّرسات؟
وخاصة أن كثيراً من معاهد المعلمات وكليات البنات منفصلة حتى في خارج المملكة، فسبحان الله! هذه بحجاب وصون وأوامر مشددة، وتلك منفلتة لا يماثلها إلا ما يسمونه بالمضيفات خادمات الطائرات.
يجب علينا أن نتق الله، فلا عذر لنا في معصية الله ونحن أمة تملك أعظم الموارد المالية، وتملك أكبر الطاقات البشرية، والله لو أردنا أن نشتري أكبر العقول في الغرب -ليس في الشرق فقط- التي تصنع القنابل النووية لاشتريناها؛ وجاءتنا راغمة.
فالمال موجود، والغيرة موجودة -إن شاء الله- لكن علينا أن نغير بقدر الاستطاعة، فهذا يطالب وهذا يخاطب، وهذا يخطب الجمعة، وهذا يكتب في الجريدة، وسيأتي الخير بإذن الله، وما ضاع حق وراءه مطالب، وهذه قضية حافظ عليها العرب في جاهليتهم، وحافظ عليها أجدادنا قبل أن تبلغهم دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وقبل أن يروا نور التوحيد، إنهم كانوا يسمون المرأة وإلى اليوم بالعار، وكلمة العار تطلق على المرأة وهذا من المجاز في اللغة؛ لأن أي شيء يمسها فهو العار.
والآن أصبحنا نتهاون بهذه القضية، بعض الأزواج أو المحارم -أياً كان- يرمي بها عند باب المستشفى ويذهب ولا يعلم ماذا يُصنَع بها، عجيب! إلى هذا الحد، فإذا رخصت عندك امرأتك أو عرضك إلى هذا الحد، فما الذي تعظم؟
وما هو أغلى شيء عندك؟
وأعني بعد إيمانك؛ لكن نتكلم عن هذا الأمر الظاهر الذي تغار له القلوب، فالمسلم لا يرضى بذلك، وإن المؤمن لا يرضى لكافرٍ أن يرى عورة كافرة لا تحل له، وليست من محارمه، فكيف نرضى أن ترى عورة المرأة المسلمة من فجار أو فساق أياً ما كانت العلل في ذلك، ما عدا الضرورات القصوى التي يجب أن يوضع لها ضوابط، ولا تنفلت هكذا، والله أعلم.
الجواب: من قال هذا؟
ما حرم الله فهو الحرام، في خارج الحرم وفي جدة، وفي جزيرة العرب بالذات ثم في كل مكان، ومن ذلك استقدام الكفار، فلا يجتمع في جزيرة العرب دينان أبداً، هذه وصية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد انعقد عليها إجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم في زمن عمر رضي الله تعالى عنه، فأصبحت إجماعاً لا يجوز أن يخرق، وعليها والحمد لله فتاوى علمائنا.
وقد قرأتم الفتوى الطويلة لسماحة الشيخ عبد العزيز رحمه الله له في فتاواه المنشورة مؤخراً عن استقدام العمال الكفرة في الجزيرة كلها وهي من نهر الفرات ونهر العاصي، وأطراف الشام إلى قعر عدن، ومن الخليج أو بحر البصرة -كما يسمى قديماً- إلى البحر الأحمر، هذه جزيرة العرب فلا يجوز أن يدخلها نصراني ولا يجتمع فيها دينان.
فكيف يكون كما قال السائل: ممرض ورئيسة قسم التمريض في المستشفى كله -وليس في القسم فقط- امرأة فلبينية نصرانية صليبية متعصبة جداً -هذا كلامه- ويكفي أنها كافرة حتى لو لم تكن متعصبة، المهم أنها نجس ورجس وتعمل رئيسة للتمريض، فكيف نتوقع أن يكون التمريض؟
المسلم الفاسق لا يجوز أن يتولى إمامة الصلاة مع وجود الأخيار إلا إذا كانوا كلهم فساقاً فيؤم أمثلهم، ولا يولى الأب على ابنه إذا كان فاسقاً، وتنتقل الحضانة إلى الخيِّر الصالح، فكيف بالكافرة تُولى على التمريض كله في مستشفى في بلد الله الحرام؟ الله المستعان، هذا من المنكرات.
ويقول السائل: إنها ترأسني وتتحكم فيّ.
أقول: ما دام أنها رئيسة فلا بد أن تتحكم، وهذه من المنكرات التي يجب أن نتعاون على إنكارها، وأنا إن شاء الله سأحتفظ بهذه الورقة وأتأكد من الموضوع، ونحاول ما نستطيع في إنكار هذا المنكر.
الجواب: يجب علينا جميعاً أن ننكر المنكرات، ولا نقول: العلماء، أو الدعاة، أو الجهة الفلانية! لا، فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، ربما يأتي أمر شديد اللهجة من وزارة الداخلية بعدم التبرج، وإقفال الملاهي الساعة الحادية عشرة ليلاً أو الكازينوهات، ولا يعمل به في بعض المناطق أو بعض المدن، وربما تذهب أنت الشاب طالب العلم في مقتبل العمر، وتعظ وتنصح صاحب الكازينو ومن فيه، فيفتح الله على يديك فيقبل وربما يهتدي ويقفله بالكلية، فلا نجعل الأمور كلها دائماً من فوق وبأوامر وبعلماء وبوسائل ضغط، لِمَ لا نبذل نحن وسيلة الدعوة؟ بالزيارات، والمناصحة، والكتابة، والشريط، والهاتف.
وكثير من المنكرات تغير بالهاتف، ماذا عليك لو اتصلت بصاحب محل، وقلت له: لماذا كذا وكذا؟
يا أخي! اتق الله أنا أخوك في الله مسلم أنصحك فقط، فإن صاح أو كشر، فضع السماعة ولم يضرك شيء، ولا يستطيع أن يضربك، فأنت بعيد عنه، وإن سمع منك فالحمد لله، فعلينا بتقوى الله، فالله تعالى يقول لنا يوم القيامة: ما منعك أن تنكر ذلك المنكر؟
فتقول: يا رب! خوف الناس -أعوذ بالله- ماذا يقول لك الله عز وجل تخاف الناس ولا تخافني، إلى هذا الحد، ابذلوا جهدكم بما تستطيعون، فكم من صاحب منكر سمع وقبل النصيحة بالدعوة إلى الله.
ثم -أيضاً- يكتب العلماء إلى كل من له سلطة وتقام عليه الحجة في إنكار هذه المنكرات ولا سيما في هذا البلد الحرام الذي جعل الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- له من المنزلة والمكانة حيث قال: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الحج:25] .
الجواب: هو طريق طلب العلم والدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والعمل بكتاب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقد اشتملت على هذه المقومات وعلى ما هو أعم منها.
الجواب: أحب من الأخ الفاضل أن يصور الورقة أو الصفحة التي فيها هذا الكلام ويصور غلاف الكتاب ويأتيني به إن شاء الله حتى تكون العبارة أكثر دقة، وأنا لا أستبعد أنها موجودة، ولا أتهم الأخ، لكن حتى إذا تكلمنا -إن شاء الله- نتكلم عن بينة، وإلا فحقاً هناك دعوى عريضة قائمة في الدنيا اليوم أن التمسك بالقديم من أسباب التخلف، والقديم يعنون به (القرآن والسنة) وعمل الصحابة، وحتى التقاليد والعادات الطيبة المأثورة عن الآباء والأمهات والأجداد؛ كل ذلك يجعلونه قديماً، لكن ما دام أنه في منهج، فيجب أن ينكر عليه بلجنة إدارة التطوير التربوي في الوزارة، فعلى الأخ أن يصور الغلاف ويطبع هذه الصفحة، ويأتيني بها، وإن شاء الله نكتب عليها بإذن الله أو نتخذ ما نراه إن شاء الله تعالى .
الجواب: يكفي أن أنقل هذه النصيحة للرجال أن يتقوا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فإن الله سائلٌ كل راعٍ عما استرعاه، وقد استرعاكم على هؤلاء النساء، وأمركم بحفظهن وصونهن.
الجواب: إذا أردت أن تكون شجاعاً في قول كلمة الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فعليك بشيء واحد فقط هين ولكنه عظيم، اعرف الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وتذكر الله، وعظمته، وتذكر أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو الذي يملك الضر والنفع وإليه المنتهى، وبيده خزائن كل شيء، وأن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه لك، ولو اجتمعت على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه عليك، واقدر ربك حق قدره.
ثم تفكر في نعمته عليك، وأن هذه النعم لو أعطاك أحد من الناس عشر معشارها؛ وطلب منك أن تضرب أحداً، أو تأمر أحداً، أو تتكلم عمن تكلم فيه؛ لفعلت ذلك إكراماً لعطيته، والله تعالى قد أعطاك هذه النعم جميعاً، وأمرك أن تقول كلمة الحق من كتابه ومن سنة نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ثم انظر إلى المدعوين أنهم مثلك بشر، لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، ولا يملكون موتاً ولا حياةً ولا نشوراً، كلهم مفتقرٌ إلى الله، وكلهم بحاجة إليه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- في كل أمر من الأمور، ولا يملك أن يضرك أحد بشيء.
فأنكر عليهم بالأسلوب الحسن والحكمة كما أمر الله، والحكمة وضع الشيء في موضعه، فالقوة تكون في موضع القوة، والقول في موضع القول، والصمت في موضع الصمت، والشدة في موضع الشدة، وهكذا فإذا عرفت ربك وقدَّرته حق قدره، وعرفت نعمته عليك، وعرفت ضعف المخلوقين وافتقارهم إليه وأنهم كلهم عبيده، وأن أمرهم ونواصيهم بيده، فما يمنعك أن تنكر عليهم، والله لا يمنعك حينئذٍ شيء بإذن الله، وهذا يحتاج إلى ممارسة وإلى تمرين، نسأل الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أن يعيننا عليه لنبلغه.
الجواب: الشفاعة نوعان: شفاعة حسنة ومن يشفعها يكن له نصيب منها، وشفاعة سيئة ومن يشفعها يكن عليه كفلٌ منها، والإنسان قد يحتاج للإنسان، والكل يحتاجون إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولكن المشكلة أنه خرج الأمر من طور طلب المساعدة أو الحاجة إلى طور الواسطة -كما تسمى- التي تسقط الحقوق أو تجلب ما ليس للإنسان من الحقوق، وتفشت هذه الظاهرة، فكانت في أول الأمر نادرة، وبالذات عند المسئولين، ثم أصبح الأمر عادياً جداً، فكل من يأتي لمعاملة فأول ما يسلِّم على المدير يعطيه الورقة، ثم بعد ذلك يحدثه عن الموضوع، وربما بعض الأمور تخبر بالتلفون وهي تحتاج إلى ملفات وأوراق -من أجل الواسطة- ويتعطل من لا شفيع له، وإن كان مستوفياً أو مستكملاً لكل الإجراءات النظامية.
هذه إحدى العلل التي ابتلي بها المسلمون عندما فقدوا التمسك بالإيمان بالله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، والعدل والإنصاف، وهذا داء يجب أن يعالج من الجميع.
أما منافاته للتوكل، فنعم قد ينافي التوكل؛ لأن منافاة التوكل قد تكون مما ينافي أصله، فهذا شرك، كمن يتوكل على غير الله -تبارك وتعالى- أو يدعوه أو يستغيث به، وقد ينافي كمال التوكل، وأقل ما في هذا أنه ينافي كمال التوكل وربما ينافي الكمال الواجب لا الكمال المستحب، فيقع الإنسان في كبيرة، نسأل الله العفو والعافية.
الجواب: نسأل الله -تبارك وتعالى- أن يحفظ لأمتنا ومجتمعنا تماسكه، وإيمانه، ووحدته في ظل كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا شك أن ترك صلاة الجماعة من أعظم المنكرات، لكن الاقتصار عليه وحده واعتبار أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خاص فقط بالصلاة، هذا نتيجة انحراف منا، وخلل في التطبيق، انحصرت دعوتنا وإنكارنا قليلاً قليلاً حتى أصبح هذا حالنا.
أول ما كانت الهيئات قبل حوالي عشرين سنة، كانت تفتش المطارات، والجمارك وكانت تقوم بما تقوم به البلديات اليوم، من الكشف في الأسواق عن الغش والتحايل والتلاعب -وهذا من عمل المحتسب الذي ورد في أعمال المحتسب التي نص عليها الفقهاء-، وكانت تقوم بأعمال الشُرط وأعمال المحاكم وغيرها، من الأعمال التي كانت أقرب إلى ديوان الاحتساب المعروف في التاريخ الإسلامي.
ثم تقلص العمل شيئاً فشيئاً، فبعد ذلك تقلص المبدأ، وأصبح المبدأ هو أن الإنكار فقط على ترك الصلاة، وإن كان ترك صلاة الجماعة لا شك أنه منكر، لكن كل منكر يجب أن ينكر، المنكر ما أنكره الله وأعظمه الشرك، والمعروف هو ما جعله الله -تبارك وتعالى- معروفاً وأعظمه توحيد الله عز وجل.
الجواب: المسلمون كما قال الشاعر:
ويقضى الأمر حين تغيب تيمٌ ولا يستأمرون وهم شهود |
ما دخل المسلمين في الموضوع؟
المسلمون فرحوا وهللوا بعودة جورباتشوف والحمد لله وأيدنا. هذه القضية، وفرحنا أن دول البلطيق ستستقل إن شاء الله، ولكن ماذا عندنا؟ هذا الذي يهمنا، أما مائة مليون مسلم، وبلاد إسلامية مساحتها أكثر من مساحة الدول العربية، اثنا عشر مليون كيلو متر مربع، احتلها هؤلاء المجرمون؛ ولا يستطيعون أن يقيموا من شعائر دينهم شيئاً، اضطهاد، وعذاب، وفتنة، ودمار، دمروا اللغة العربية، والحرف العربي، يدرسوهم الإلحاد مكان الدين.
فلما جاء جورباتشوف والبروستريكا ماذا غير؟
حول أو أراد التحول -إلى الآن ما تحول تحولاً كاملاً- من الشيوعية إلى الصليبية، فهو صليبي ينادي ويصرخ بصرخات صليبية، منها الصرخة التي أطلقها مع بداية البروستريكا وهي أنه يجب على حكومة الولايات المتحدة أن تضع يدها في يد الاتحاد السوفيتي لضرب الحركة الأصولية في العالم الإسلامي، وضرب الدعوة.
هذا جورباتشوف الذي بعث الكاثوليكية وذهب يتذلل إلى البابا ليكسب ولاءه، ماذا فعل مع المسلمين؟
سحقت الدبابات المناطق الإسلامية في أذربيجان وفي غيرها، أما لتوانيا وأخواتها فالتذليل والتبشير ووعد الاستقلال، وكل ما تريدون.
حتى المساعدات التي تقدم للاتحاد السوفيتي والهبات والعطايا من الغرب أو من غيره، إنما تنفق بالدرجة الأولى على الشعوب الأوروبية، أما الشعوب الآسيوية وإن كانت غير مسلمة، فهي على درجة ثانية، أما المسلمين فإن كان لهم شيء فهو أتفه نصيب، ولكن نحن أمة أصبحنا، كأننا ليس لنا ذات مستقلة، ولا شخصية، وإنما لما رأينا هذه الدولة تسقط وتتفكك، هرعنا وهلعنا، ولماذا يتفكك؟
سبحان الله العظيم!
ما كأننا سقطت منا أمم، ذهبت الأندلس ونسيناها، ثم ذهبت الهند بأكملها، وقد كانت تحت حكمنا، بل موسكو دفعت الجزية للمسلمين أكثر من قرنين، وكانت تحت حكم المسلمين، وضيعنا إفريقيا ووضيعنا دولاً كثيرة يحكمها الصليبيون، ثم نقول: كيف يتفكك الاتحاد السوفيتي؟
ثم تسدي جرائدنا النصيحة الفاضلة القيمة لـجورباتشوف يجب عليك أن تعمل كذا، وانتبه من كذا، نصح عجيب جداً لهم، فبعض الجرائد ثمان صفحات تكتب عن جورباتشوف، وما كتبوا عن القضية الأفغانية ربما ولا سطر أو سطرين.
وبالمناسبة فإننا نطلب منكم التبرع لإخوانكم المجاهدين الذين تكالبت عليهم قوى الكفر فلو أننا أمة تعرف الله وتعرف دينه، وتعرف من توالي ومن تعادي، لكان موقفنا من هذه الأحداث غير هذا الموقف تماماً.
الجواب: بعد عودة جورباتشوف لم يتغير شيء، لكن لو لم يعد، لربما كان هناك شيء من التغير، نقول: ربما لكسبت بعض الشعوب المضطهدة أو المستضعفة، لكن ما كان ذلك، وقدر الله ولعل في ذلك خير على أية حال، فالقضية هي قضية أمريكية باسم النظام العالمي الجديد، والقوى الصليبية كلها اليوم تقف ضد المسلمين في أفغانستان والفلبين، والحبشة وأرتيريا والصومال وفي كل مكان.
وقد توعدوا -ونسأل الله أن يخلف وعدهم وظنهم- بأن المرحلة القادمة بعد إحلال السلام فيما يسمى في بالشرق الأوسط، وإخضاع المنطقة لهم سينقلون الميدان إلى القارة الهندية وإلى إندونيسيا؛ ليقضوا على القوة البشرية للمسلمين في هذه المناطق والقوة العلمية، العالم الصليبي اليوم هو الذي يتحكم في العالم الإسلامي بهذا التحكم، فـالاتحاد السوفيتي جزء الآن مما يسمى بالنظام الدولي الجديد؛ والخطة بالأساس تضعها أمريكا، ثم تتبعها المجموعة الأوروبية، ثم بالدرجة الثالثة الاتحاد السوفيتي.
الجواب: أشرنا إلى بعضها، وأنبهكم إلى قراءتها وإلى قراءة تفسيرها، وهناك من كتب فيها موضوعاً مستقلاً.
وفي الأخير أسأل الله الكريم، رب العرش العظيم، أن يرزقني وإياكم الإخلاص في القول والعمل، وأن ينفعنا بما نسمع وما نقول، إنه سميعٌ مجيب.
والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر