فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل القرآن العظيم؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). اللهم حقق لنا هذا الخير واجعلنا من أهله يا رب العالمين!
وها نحن مع سورة المائدة المدنية المباركة الميمونة، وها نحن مع هذه الآيات الأربع، فهيا نتلوها ثم نتدبرها ثم نضع أيدينا على المطلوب منا فيها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ * وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ [المائدة:51-53]. هذه الآيات نزلت هنا في المدينة والنفاق له صولة، فتأملوا كيف تجري هذه الأحداث.
أما الكافر فهو ميت لا يسمع نداء ولا يجيب، عاجز عن أن يصوم يوماً أو أن يتصدق بفلس، وذلك لموته، والدليل على هذه الحقيقة التي كررناها أن الدولة المسلمة لا تكلف أهل الذمة من اليهود والنصارى بصيام رمضان ولا بإعطاء زكاة ولا بحج ولا بجهاد ولا تكلفهم بصلاة أبداً، لماذا؟ لأنهم أموات، ويوم تنفخ فيه روح الإيمان فيشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ساعتها مره يفعل، قل له: اغتسل الآن فيقوم ويغتسل، قل له: نودي للصلاة وسمعت النداء فأجب فيجيب.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [المائدة:51] نادانا هنا لينهانا عن هذه القضية: لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ [المائدة:51]، لا تجعلوا اليهود والنصارى أولياء لكم، اتخذه: جعله، لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء أي: لكم.
ولا يحل لمؤمن أن يحب كافراً وينصره على إخوانه المؤمنين، ومن فعل ذلك انسلخ من ثوب الإسلام وانقطعت صلته به، فقد نهانا ربنا تعالى بقوله: لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ [المائدة:51] لكم، يعني: تحبونهم وتنصرونهم على المؤمنين، فالذي ينصر يهودياً على مؤمن هل يبقى في جماعة المسلمين؟! الذي يحب من يبغض الإسلام وأهله ويحبهم بقلبه أهذا مؤمن؟ ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه، إما أن تحب الله والرسول والمؤمنين أو تحب الشيطان والكافرين، أما أن تجمع بين حبين فلا.
إذاً: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ [المائدة:51] ما معنى أولياء؟ أي: تحبونهم كالمؤمنين وتنصرونهم على المؤمنين، فهل هذا صعب، كل من لا يحب ربك ولا يرغب فيما عنده ولا يؤمن به كيف تحبه أنت؟ كل من يضرب أخاك المؤمن ويكسر ظهره تنصره أنت عليه؟ إذاً: انسلخت من الإيمان فما أنت بمؤمن.
فمن الخير -إذاً- أن نأخذ بتوجيه الرب تعالى ونتخذهم أعداء، لا حب ولا نصرة، لا نحبهم ولا ننصرهم على إخواننا المؤمنين.
امرأة أرادت أن تتشبه بعاهرة فتتشبه بها في منطقها حين تنطق، في لباسها، في مشيتها، في حركاتها، لا تزال تتكلف ذلك حتى تكون مثلها، رجل رأى شجاعاً فأحبه فأراد أن يكون مثله فأخذ يتشبه به في حمله السلاح وفي إلقائه وفي الوقوف فلا يبرح أن يكون مثله.
فمن تشبه بقوم فهو منهم، والتشبه أن يقصد ويريد ويرغب في أن يكون مثله، ومثل هذا قوله صلى الله عليه وسلم: ( المرء مع من أحب )، فمن ينقض هذه؟ المرء -أي: الإنسان- مع من أحب، فإن أحب فاسقاً فهو معه لأنه سيعمل الفسق مثله، من أحب عبداً صالحاً حباً حقيقياً فهو معه لأنه سيعمل بعمله حتى يكون مثله، وهكذا.
( المرء مع من أحب ) و( من تشبه بقوم فهو منهم )، والله تعالى هنا يقول: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ [المائدة:51] يا معشر المؤمنين فهو منهم، الذي يتولى اليهود والنصارى ويحبهم وينصرهم على الإسلام والمسلمين فهو والله منهم.
وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51] تعليل، فكونه منهم لماذا؟ لأن الله لا يهدي القوم الظالمين، أحب الكافرين ونصرهم، أليس هذا هو الظلم؟ الظلم وضع الشيء في غير موضعه، بدل أن يحب المؤمنين وينصرهم أحب الكافرين ونصرهم فهو ظالم أم لا؟ والظالم هل يهديه الله إلى ما فيه سعادته وكماله؟ والجواب: لا، فهذا تعليل: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51].
فهذا رئيس المنافقين كان حليفاً لبعض اليهود، وعبادة بن الصامت كان حليفاً أيضاً لبعضهم، فاختلفا: فـعبادة بن الصامت تبرأ من أولئك اليهود، ولجأ إلى الله وركن إليه، وأما ابن أبي -وهو المريض- فسارع في موالاتهم ونصرتهم والتملق إليهم والاختلاء بهم والتحدث معهم، ويعلل ذلك فيقول: نخشى أن تصيبنا دائرة. يقول: لو أن الرسول مات أو الإسلام انكسر وانهزم فإلى من نفزع إذا لم نتخذ إخواناً لنا وأصدقاء من اليهود؟ وهذا التعليل واضح ويعلله كل إنسان.
يقولون: يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ [المائدة:52] من الدوائر: فقر أو حرب تأتينا فينكسر الإسلام والمسلمون فماذا نصنع؟ لا بد أن يكون لنا يد عند هؤلاء الجيران من إخواننا اليهود! هذه كلمته وهي كلمة كل من فيه مرض النفاق إلى يوم القيامة، الذي يواد الكافر وينصره ويقف إلى جنبه يقول: نخشى أن نصبح في يوم من الأيام في حاجة إليهم.
فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم [المائدة:52]، ما قال: يسارعون إليهم؛ لأنهم ما خرجوا عنهم، يقولون معللين ذلك: نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ [المائدة:52] قال الله تعالى: فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ [المائدة:52] و(عسى) من الله تفيد التحقيق.
فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ [المائدة:52] فتح خيبر وما دونها وفتح مكة، أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ [المائدة:52] بأن يكشف أسماءهم في القرآن فتنزل آيات تفضحهم؛ فيصبحوا حينئذ على ما أسروا في أنفسهم من النفاق نادمين.
يحسنون التعبير ومنطقهم سليم ويضللون بهذا المؤمنين، وها هو ذا عز وجل يكشف الستار عنهم ويفضحهم، يقول تعالى: وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ [المائدة:53] انظر كيف حبطت أعمالهم فاصبحوا من الخاسرين.
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:
[ ورد في سبب نزول هذه الآية أن عبادة بن الصامت الأنصاري وعبد الله بن أبي كان لكل منهما حلفاء من يهود المدينة ]، الحلفاء جمع حليف، من يقف إلى جنبك وتقف إلى جنبه تنصره وينصرك، كان هذا في الجاهلية، كان العرب يغزو بعضهم بعضاً والقبائل يأكل بعضها بعضاً، فكانوا يتعاونون بعضهم مع بعض.
فعبادة بن الصامت كان حليفاً وابن أبي كان أيضاً حليفاً لجماعة من اليهود في الجاهلية، [ ولما انتصر رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون في بدر ] وكانت في السنة الثانية في رمضان [ اغتاظ اليهود ] أصابهم غيظ شديد؛ لأنه لاحت لوائح النصر، فكيف لا يكربون ولا يحزنون؟
قال: [ وأعلنوا سوء نياتهم ]، وأعلنوا عن قبح نياتهم فيما بينهم وبين المؤمنين، ما أطاقوا أن ينتصر رسول الله والمؤمنون في السنة الثانية من هجرته، إذاً: فتكلموا علناً لأن الإسلام ما زال لم ينتصر بعد، فأخذوا يذكرون المؤمنين بسوء.
قال: [ فتبرأ عبادة بن الصامت من حلفائه ]، أعلن لحلفائه من اليهود فلان وفلان أنني بريء منكم لأنكم قلتم في رسول الله والمؤمنين السوء، وأنا رضيت بموالاة الله ورسوله والمؤمنين.
ذلك أنه لما انتصر الرسول والمؤمنون في بدر حصل في المدينة ضجة، فالمؤمنون فرحون والمنافقون والمرضى حزينون كئيبون وتبجحوا وقالوا الباطل، وعبادة بن الصامت من خيرة الأصحاب والأنصار، قال: إذاً: أنا بريء منكم يا حلفائي من اليهود، ورضيت بولاية الله ورسوله والمؤمنين. وهذا هو الموقف المطلوب.
قال: [ وأبى ابن أبي ذلك ] عبد الله بن أبي عليه لعائن الله، أبى ذلك ورفضه، أبى أن يعلن عن براءته من حلفائه اليهود، اليهود على دينهم والمنافقون على الجاهلية، لكن ادعى أنه أسلم ودخل في الإسلام، فـابن أبي أبى أن يعلن عن نقضه للحلف الذي كان بينه وبين اليهود وقال بعض ما جاء في هذه الآية، ماذا قال؟ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ [المائدة:52] هذه كلمته، لماذا لا تعلن عن عدائك لهؤلاء وتقطع الحلف معهم؟ قال: نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ [المائدة:52] من دوائر الزمان فنحتاج إليهم، فمن نلجأ إليه أو ينصرنا غيرهم؟
قال: [ فأنزل الله تعالى قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ [المائدة:51] أي: لكم من دون المؤمنين ]، تتركون المؤمنين لا تحالفونهم ولا تناصرونهم ولا تحبونهم، وتوالون غير المؤمنين من اليهود والنصارى والمشركين.
[ وقوله تعالى: بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [المائدة:51] تعليل لتحريم موالاتهم ]، لماذا لا نواليهم؟ علل وبين الحكمة فقال: لأن بعضهم أولياء بعض.
قال: [ لأن اليهودي ولي لليهودي، والنصراني ولي للنصراني على المسلمين، فكيف تجوز -إذاً- موالاتهم؟ وكيف يصدقون أيضاً فيها؟ فهل من المعقول أن يحبك النصراني ويكره أخاه؟ وهل ينصرك على أخيه؟ ] الجواب: لا والله.
[ وقوله تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ [المائدة:51] أي: أيها المؤمنون فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51]؛ لأنه بحكم موالاتهم سيكون حرباً على الله ورسوله والمؤمنين، وبذلك يصبح منهم قطعاً ] وبدون شك.
[ وقوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51] جملة تعليلية تفيد أن من والى اليهود والنصارى من المؤمنين أصبح مثلهم فيحرم هداية الله تعالى؛ لأن الله لا يهدي القوم الظالمين، والظلم: وضع الشيء في غير محله، وهذا الموالي لليهود ] والنصارى [ قد ظلم بوضع الموالاة في غير محلها حيث عادى الله ورسوله والمؤمنين، ووالى اليهود والنصارى أعداء الله ورسوله والمؤمنين. هذا ما دلت عليه الآية الأولى.
أما الآية الثانية فقد تضمنت بعض ما قال ابن أبي مبرراً موقفه المخزي وهو الإبقاء على موالاته لليهود، إذ قال تعالى لرسوله وهو يخبره بحالهم: فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ [المائدة:52] كـابن أبي ، والمرض مرض النفاق يُسَارِعُونَ فِيهِم [المائدة:52] أي: في موالاتهم. ولم يقل: يسارعون إليهم لأنهم ما خرجوا من دائرة موالاتهم حتى يعودوا إليها، بل هم في داخلها يسارعون، يقولون كالمعتذرين: نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ [المائدة:52] من تقلب الأحوال فنجد أنفسنا مع أحلافنا ننتفع بهم.
وقوله تعالى: فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ [المائدة:52] و(عسى) من الله تفيد تحقيق الوقوع، فهي بشرى لرسول الله والمؤمنين بقرب النصر والفتح ]، وما هي إلا ست سنوات بعد ذلك.
[ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا [المائدة:52] أي: أولئك الموالون لليهود عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ [المائدة:52] من النفاق وبغض المؤمنين وحب الكافرين ] يصبحون [ نَادِمِينَ [المائدة:52] حيث لا ينفعهم ندم. هذا ما تضمنته الآية الثانية.
أما الآية الثالثة وهي قوله تعالى: وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا [المائدة:53] عندما يأتي الله بالفتح أو أمر من عنده فيه نصرة المؤمنين وهزيمة الكافرين، ويصبح المنافقون نادمين، يقول المؤمنون ] حينئذ [ مشيرين إلى المنافقين: أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ [المائدة:53] أغلظ الإيمان إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ [المائدة:53] لأنها لم تكن لله ]، وما كان لغير الله فهو باطل ولا يثاب عليه، [ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ [المائدة:53] ].
مرة ثانية اسمعوا الآيات:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ [المائدة:51] لماذا؟ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [المائدة:51] واعلموا وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51] لم؟ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ [المائدة:51-52] معتذرين نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ [المائدة:52]، قال تعالى: فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ * وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ [المائدة:52-53] انظروا حالهم حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ [المائدة:53].
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:
[ هداية الآيات:
من هداية الآيات:
أولاً: حرمة موالاة اليهود والنصارى وسائر الكافرين ].
الموالاة: الحب والنصرة، أما أن تتعامل معه، أما أن تتجر معه، أما أن تستخدمه، أما أن يستخدمك، أما أن تحالفه على حرب معينة؛ فهذا أمره واسع، والممنوع الذي لا يصح لا في اليوم الحاضر ولا الآتي، ولا أيام الرسول صلى الله عليه وسلم هو حبك لهم من قلبك ونصرتهم على إخوانك، لو أعلن اليهود الحرب -مثلاً- على الأردن، هل يجوز للمؤمنين أن يقاتلوا معهم؟ مستحيل، لا يمكن أبداً، مثلاً: دولة أوروبية غزت بلداً إسلامياً، هل يجوز للمسلمين أن يقاتلوا معهم؟ لا يجوز، وإن كان بينهم حلف فإنهم لا يقاتلون معهم المؤمنين، يقاتلون معهم الكافرين ولا بأس، حين نعقد الحلف نقول: إذا قاتلتم إخواننا المؤمنين فلن نقاتلهم معكم، وإن قاتلتم كافرين غير مؤمنين فسننصركم، وبهذا تجري الاتفاقيات.
إذاً: حرمة موالاة اليهود والنصارى وسائر الكافرين، من أين أخذنا هذه؟ من قوله تعالى: لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ [المائدة:51].
[ ثانياً: موالاة الكافر على المؤمن تعتبر ردة عن الإسلام ]، الكافر يؤذي المؤمنين ويحقرهم وأنت تقف إلى جنبه وتنصره! هذا يسلخ عبد الله من الإيمان، لا يبقى مؤمناً أبداً، لو نصره على كافر فلا بأس إذا كان بينهم اتفاقية، أما أن ينصر الكافر على المؤمن فموالاة الكافر على المؤمن تعتبر ردة عن الإسلام.
[ ثالثاً: موالاة الكافرين ناجمة عن ضعف الإيمان، فلذا تؤدي إلى الكفر ].
موالاة الكافرين سببها ماذا؟ ناتجة من أين؟ ناتجة عن ضعف الإيمان، لو قوي إيمان العبد ما والى كافراً، تكفيه ولاية الله والمؤمنين، لكن إذا ضعف إيمانه فقد يوالي الكافرين، فموالاة الكافرين ناجمة عن ضعف الإيمان، فلذا تؤدي إلى الكفر شيئاً فشيئاً.
[ رابعاً: عاقبة النفاق سيئة ونهاية الكفر مريرة ].
النفاق -معاشر المؤمنين طهر الله منه قلوبنا وقلوبكم- هو أن يؤمن بالباطل بقلبه ويدعي الإيمان بلسانه أنه يؤمن بالله وبلقائه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر