ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم.
ويفضلون من أنفق من قبل الفتح -وهو صلح الحديبية- وقاتل على من أنفق من بعد وقاتل.
ويفضلون المهاجرين على الأنصار.
ويؤمنون بأن الله قال لأهل بدر -وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر-: (اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) ].
ينتقل المصنف رحمه الله إلى أصل آخر، فيقول: (ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم).
ويطلق في اصطلاح العلماء على أمور:
الأول: الدليل، كما يقولون: الأصل في هذه المسألة الكتاب أو السنة أو الحديث الفلاني.
الثاني: يطلقون الأصل على الراجح من أحد الأمرين، كقولهم: الأصل في الكلام الحقيقة.
الثالث: يطلقون الأصل على القاعدة المستمرة، كقولهم: جواز أكل الميتة على خلاف الأصل.
الرابع: يستعمل في القياس الذي يكون له أصل وفرع.
فهذه الاستعمالات الأربعة مشهورة في استعمال العلماء، سواء في الفقه أو في الأصول، ولكن المقصود هنا هو: الأصل الذي تبنى عليه العقيدة.
أما سلامة القلوب فمعناها: أن تسلم القلوب من الغل والحقد والبغضاء، فلا يبغضونهم، ولا يحقدون عليهم، وليس في قلوبهم لهم غل، بل لابد أن القلوب تكون على عكس ذلك، فيتسلم من هذه الأمور، ويكون فيها حبهم، وموالاتهم، واعتقاد فضلهم، ومعرفة مقاماتهم، وتقدمهم، وأنهم أفضل الخلق بعد الرسل والأنبياء، وألسنتهم كذلك تسلم من سبهم، ولعنهم، وإيذائهم، وثلبهم، وذكر ما يمكن أن يكون فيه تنقص لهم.
فمن أصول أهل السنة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما وصفهم الله بذلك في قوله: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10]، هذه صفة كل من يأتي بعد الصحابة إلى يوم القيامة من أهل الإيمان، فإن كان بهذه الصفة فهو منهم، وإلا لم يدخل فيهم.
وقوله تعالى: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا [الحشر:10] يعني: أنهم يدعون لهم ويستغفرون لهم لأمور:
الأول: أنهم سبقوهم بالإيمان، وأنهم هم الذين نقلوا إليهم الإيمان والشرع، فهم الذين بلغوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم الدين، وهم الواسطة بيننا وبين رسولنا صلى الله عليه وسلم في نقل ما جاء به صلوات الله وسلامه عليه عن ربه جل وعلا.
الثاني: قيامهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجهادهم معه، وإنفاقهم ونصرتهم له.
الثالث: تعلمهم من الرسول صلى الله عليه وسلم العلم والإيمان بلا واسطة.
وهذه أمور تميزوا بها لا يمكن أن يشاركهم فيها غيرهم إلا في التبليغ والدعوة، فكل من قام بالدعوة والتبليغ فله نصيب مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ونصيب من قوله جل وعلا: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف:108].
وقوله: وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا [الحشر:10]، الذي يكون عنده الغل يشتمل على الحسد، وعلى البغضاء والكراهية والحقد، وعلى كل ما يمكن أن يكون مؤدياً إلى الأذى وعدم المحبة والرضا. وقوله: لِلَّذِينَ آمَنُوا [الحشر:10]، هذا مطلق، وأولى من يدخل فيه هم صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم.
وهذه الآية استدل بها ابن حزم على أن الصحابة كلهم في الجنة، فقال: هذه الآية دليل على أنه لو شهدنا للصحابة كلهم بالجنة لما كنا قلنا إلا بالحق، لأنه سبحانه قال: وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى [الحديد:10]، والحسنى: دخول الجنة.
والمقصود: أنه إذا كان هذا الكلام الذي صدر من رسول الله صلى الله عليه وسلم موجهاً لأحد الصحابة، فكيف يقال في غيرهم ممن يتكلم في الصحابة أو يفاضل بينهم وبين غيرهم؟!
وقوله: (لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً) معلوم أن مثل هذا لا يتأتى، بل غير ممكن أن أحداً ينفق مثل أحد، ولكن هذا على سبيل الفرض الذي لا يوجد، فلو قدر أن هذا الجبل العظيم يكون مثله ذهباً بالقدر، ثم أنفقه إنسان في سبيل الله مخلصاً في نفقته ما يريد في ذلك إلا وجه الله؛ فإنه لا يبلغ من الأجر به مثل مد واحد من الصحابة أنفقه قبل الفتح.
والمد: مكيال معروف صغير يصل إلى قرابة الكيلو جرام.
ثم هذا القول يقال لمثل خالد بن الوليد ، ليس لأناس جاءوا بعد الصحابة، وبهذا يتبين الفضل العظيم الذي اختص به الصحابة رضوان الله عليهم.
وقد جاءت آيات كثيرة في فضل الصحابة، كما قال جل وعلا: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ [التوبة:100]، وقال جل وعلا: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح:18]، وقال سبحانه: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ [الفتح:29].
روى ابن بطة في (الإبانة) عن الإمام مالك أنه قال في هذه الجملة من الآية: كل من غاظه شأن الصحابة فليس من أهل الإيمان، لقوله: لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ [الفتح:29].
وروى ابن بطة أيضاً وغيره عن الإمام مالك أنه قال في آية سورة الحشر: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ ... [الحشر:10] الآية؛ كل من سب الصحابة أو أبغضهم فإنه ليس له نصيب في الفيء؛ لأن الآية في الفيء: مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى [الحشر:7] إلى أن قال: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ [الحشر:10].
والآيات في فضل الصحابة كثيرة كما أن الأحاديث كثيرة، وقد روى الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الله الله! لا تسبوا أصحابي، ولا تتخذوهم غرضاً، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم)، وجاء فيه أيضاً أن: (من أبغض الصحابة فقد آذى رسول الله، ومن آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه).
وقد أفردت فضائل الصحابة في كتب مستقلة، وينبغي للإنسان أن يعود إليها وأن يقرأها ولاسيما في هذا الوقت الذي صدق فيه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تقوم الساعة حتى يلعن آخر هذه الأمة أولها، وإذا وقع ذلك فمن كان عنده علم فليخرجه -أو قال: فليظهره- ومن لم يفعل ألجمه الله لجاماً من نار).
والذين يرمونهم طوائف أهلها كلهم ضالون، فقسم منهم غلوا فضلوا، وقسم منهم جفوا فضلوا، فالخوارج يسبونهم ويكفرون كثيراً منهم، وقصتهم وسبب خروجهم على جماعة المسلمين معروفة، وقد قاتلهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقتلهم.
وكذلك الروافض أصلهم منافق أو زنديق جاء لإفساد الدين فدخل فيه تستراً وليس مؤمناً، فبدأ بإفساده حتى أغرى أوباشاً من العراق ومن مصر وغيرها فتجمعوا وقتلوا أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه، حاصروه في داره ثم اقتحموا عليه بيته وقتلوه في بيته مظلوماً، وكل هذا بسبب هذا الزنديق، ثم بعد ذلك صار ينشر دعوته المسمومة الفاسدة في أنه ما مات نبي إلا وله وصي، وأن الصحابة رضوان الله عليهم تمالئوا على الكفر والكذب والظلم إلى آخره، ومن تتبع دعوته وكلامه وما نتج عنه من الفساد علم ما وقع في المسلمين بسببه، بل لا تزال آثار ذلك باقية إلى اليوم.
وأما مراتبهم التي أنزلهم الله جل وعلا إياها فهي تختلف، وفيهم من هو مقدم ومفضل، وفيهم من هو متوسط في الفضل، وفيهم من هو دون المتوسط، ولكن ليس فيهم دني، فكلهم له الفضل والخير والجزاء عند الله، ولهذا قيل لأحد العلماء الأئمة من السلف: أيهما أفضل معاوية بن أبي سفيان أو عمر بن عبد العزيز ؟ فقال: غبار في منخر معاوية بن أبي سفيان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من عمر بن عبد العزيز ؛ لأنه لا يجوز أن يفضل أحد من التابعين وأتباع التابعين على الصحابة.
أما ما يذكره بعض الناس من الحديث الذي فيه الأمر بالصبر والقبض على الدين، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أمامكم أيام الصبر، القابض فيها على دينه كالقابض على الجمر، له فيها أجر خمسين، قالوا: أجر خمسين منا أو منهم؟ فقال: منكم)، فهذا لا يلزم منه أن يكون العامل هذا أفضل منهم وإن كان له هذا الأجر؛ لأن الصحابة الذين أسلموا بعد الفتح الذي ينفق منهم مثل أحد ذهباً في سبيل الله لا يبلغ نصف مد واحدٍ ممن أسلم قبل الفتح، فكيف يكون ذلك فيمن يأتي بعد الصحابة مطلقاً؟!
وفي الصحيحين من حديث عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونه).
وسبب الصلح -كما هو معروف- أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذهب في السنة السادسة من الهجرة ليؤدي العمرة ولا يريد قتالاً، ولما وصل إلى قرب مكة صده الكفار ومنعوه، ولما قارب دخول مكة بركت ناقته، فقالوا: خلأت القصواء، فقال: (ما خلأت، وليس ذلك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل)، وهذا لأن الله جل وعلا علم أن الكفار لن يأذنوا له بالدخول ولن يتركوه، وأنه لو بغتهم لحصل القتال، فعدل إلى جهة الحديبية فطلب من عمر بن الخطاب أن يذهب إلى قريش ويفاوضهم، ويخبرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم ما جاء إلا لأداء العمرة ولينحر الهدي الذي معه ويتركهم، فقال له عمر رضي الله عنه: إن ذهبت تقاتلت معهم وقتلوني، وليس هناك من يحميني، ولكن أدلك على رجل هو أمنع مني عثمان بن عفان رضي الله عنه، فأرسله صلى الله عليه وسلم.
فلما أرسله فشا الخبر بأنه قد قتل، فطلب الرسول صلى الله عليه وسلم من الصحابة المبايعة، فقال: (لا نبرح حتى نناجزهم) فبايعوه، وكان عددهم ألفاً وأربعمائة وزيادة، فقد جاء في حديث جابر الذي في الصحيح أنه قال: كنا ألفاً وأربعمائة، وجاء في حديث البراء أنهم كانوا ألفاً وخمسمائة، وجمع العلماء بين هذا وهذا بأنهم ألف وأربعمائة وكسر، فالذي قال: خمسمائة جبر الكسر والذي قال: أربعمائة ترك الكسر، وفي اللغة العربية يسوغ أن يترك الكسر في المئات.
والبيعة كانت على ألا يفروا، وبعضهم قال: على أن يقاتلوا حتى يموتوا أو يكون لهم النصر، والنتيجة واحدة؛ فإذا كانوا لن يفروا فلابد إما أن يقتلوا أو أن ينتصروا، وأما أن يبايعوا على أن يموتوا على كل حال فهذا غير مقصود، وإنما المقصود القتال، فإما أن تكون لهم الشهادة أو يكون لهم النصر.
ثم تبين أن خبر قتل عثمان غير صحيح، وإنما طلبوا منه أن يطوف بالبيت فأبى، وقال: كيف أطوف والرسول صلى الله عليه وسلم ممنوع؟! فلم تسفر سفارته أو وساطته عن الصلح، ولكن صار عندهم تردد وأخذ واختلاف، فبعضهم يقول نتصالح، وبعضهم يقول: لا نتصالح، فصاروا يرسلون الرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أرسلوا أخيراً سهيل بن عمرو ، فلما رآه الرسول صلى الله عليه وسلم عرف أنهم يريدون الصلح، فقال: (سهل الأمر)، فكتب الصلح بينه وبينهم على أن توضع الحرب عشر سنين، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم من يأتيه منهم يرده إليهم، ومن يأتيهم من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم لا يردونه إليه، وعلى أن من أراد أن يدخل في عهد قريش دخل، ومن أراد أن يدخل في عهد محمد صلى الله عليه وسلم دخل.
وكانت خزاعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت بنو بكر في عهد قريش، وصار نقض العهد بسبب هاتين القبيلتين كما هو معروف، فإن بني بكر أغاروا على خزاعة وأعانتهم قريش، فصار في ذلك نقض العهد.
فلما كان وقت كتابة الصلح أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب أن يكتب الصلح، فقال: (اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، فقال
والمقصود: أن هذا الصلح لما انتهى نزل قول الله جل وعلا: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا [الفتح:1] إلى آخرها، وفيها: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا * وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا [الفتح:18-19] إلى آخر السورة، نزلت بعد صلح الحديبية مباشرة، فرأى الرسول صلى الله عليه وسلم عمر فقرأها عليه، فقال: أوفتح هو؟ قال: نعم. فهذا الصلح صار فيه فتح عظيم، حيث اتصل الناس بعضهم ببعض، ودخل العرب في دين الله أفواجاً بعد ذلك.
ثم في السنة الثامنة نقضت قريش العهد الذي كان بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فغزاهم صلى الله عليه وسلم وفتح مكة، ولاشك أن فتح مكة أيضا فتح، وهو الذي جاء فيه قوله صلى الله عليه وسلم ({لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية).
والهجرة في اللغة هي: الترك، يقال: هجره إذا تركه، والمقصود بها في الشرع: ترك بلاد الشرك انتقالاً منه إلى بلاد الإسلام،أو ترك البلاد التي تفشو فيها البدع وتكثر إلى البلد الذي فيه السنة، والهجرة باقية إلى أن تطلع الشمس من مغربها؛ كما جاء في الحديث: (الهجرة باقية ما قوتل العدو)، والعدو جاء أنه يقاتل، وأن هذه الأمة يبقى فيها طائفة على الحق منصورة إلى قيام الساعة.
أما قوله صلى الله عليه وسلم: (لا هجرة بعد الفتح) فمعنى ذلك: من مكة؛ لأن مكة صارت دار إسلام، وبهذا استدل بعض العلماء على أنها تبقى دار إسلام إلى قيام الساعة؛ لقوله: (لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية)، وهذا استنباط من الحديث.
أما عدد الصحابة كلهم فقد اختلف فيه؛ فمنهم من قال: هم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً. ومنهم من قال: أكثر من ذلك، والذي وصل إلينا من أسمائهم قليل جداً؛ لأن الأسماء التي وصلت إلينا من أسماء الصحابة هم الذين لهم رواية، أو لهم ذكر في رواية، وأكثرهم ليس له رواية، ومن أجمع الكتب التي جمعت أسماءهم (الإصابة) لـابن حجر، وقد أكثر فيها، حتى إنه جعل لهم عدة طبقات: منها الطبقة التي قيل إنهم صحابة ولم يثبت ذلك، ورقمت أسماؤهم فلم يتجاوزوا اثني عشر ألفاً، فهذا العدد قليل جداً، وقد قال أبو زرعة : إن الذين حضروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدوا معه حجة الوداع أكثر من مائة ألف، ومعروف أن هناك أيضاً غيرهم من الصحابة.
وتعريف الصحابي هو: من لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على ذلك. وهناك من يزيدون في التعريف ويقولون: وإن تخلل ذلك ردة، يعني: لو قدر ذلك ثم رجع فالمهم أنه يموت مؤمناً، أما البخاري فهو يقول في صحيحه: الصحابي من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على ذلك. احترازاً من أن الذي لو قدر أنه ارتد فإنه لا يكون منهم، وما عُرف أن أحداً من الصحابة ارتد ما عدا عبد الله بن سعد بن أبي سرح فإنه ذكر أنه ارتد ثم رجع، والآخر الذي كان يكتب الوحي فارتد فمات فلفظته الأرض ثم دفن فلفظته الأرض. وهناك من ذكر في خبر آخر في قصة، لكن فيها كلام لا تثبت.
قوله: (يؤمنون بأن الله جل وعلا قال لهم: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، وهذا ليس من القرآن، ولكن هذا حديث قدسي رواه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه جل وعلا، كما في قصة حاطب بن أبي بلتعة ، وهي في الصحيحين، فإنه كتب إلى قريش يخبرهم بمسير رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد دعا ربه جل وعلا أن يعمي على قريش خبره، حتى يبغتهم في بلدهم، فلما جيء بالكتاب وقرئ دعا حاطباً رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (ما هذا يا
والحديث القدسي القول الصحيح فيه: أنه قول الله لفظاً ومعنى، فهو يضاف إلى الله لفظاً ومعنى، ولكن ليس فيه تحد، وليس فيه تعبد بتلاوته، ولا تصح الصلاة به، إلى غير ذلك من الفروق، هذا هو القول الصحيح في تعريف الحديث القدسي، ومعنى قوله: (اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)، أي: أنه إذا وقع منهم أعمال ومخالفات فإنها مغفورة بسبب شهودهم بدراً، وهذا هو الذي دل عليه قوله: (وما يدريك أن الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم؟).
الجواب: من يسب الصحابة لاشك أنه ضال، وأنه يجب أن يؤدب الأدب الذي يرتدع به أمثاله، ولكن التأديب يقوم به ولي الأمر.
الجواب: هذا فيه خلاف بين العلماء: فمنهم من كفره، ومنهم من لم يكفره، وعلى الإنسان أن يرجع إلى المسألة في كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية (الصارم المسلول) في آخره فإنه ذكر خلاف العلماء في ذلك، وذكر القول الصحيح.
الجواب: نعم، إذا رأى النبي صلى الله عليه وسلم وكان مؤمناً وإن كان في حالة الصغر تثبت له الصحبة، ولهذا أُثبتت صحبة طارق بن شهاب ؛ لأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير، وكذلك محمود بن الربيع الذي قال: عقلت مجة مجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهي، وكان صغيراً، فمثل هذا يثبت أنه من الصحابة.
الجواب: نعم، هي صفة فعل، والأفعال قد يطلق عليها أنها صفات، لكن الأفعال تتعلق بمشيئته جل وعلا، وهو يفعلها إذا شاء، وهناك فرق بين صفات الأفعال وبين صفات الذات، والفعل يصح أن يقال: إنه صفة، وعلى هذا يجوز أن نقول: إن النزول صفة، ولكن يقيد بصفة الفعل المتعلق بمشيئته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر