أيها المسلمون والمسلمات! إن السعادة الحقيقية في البيوت لا يمكن ألبتة أن تتحقق إلا في ظلال منهج الله، وفي رحاب هدي الحبيب رسول الله صلى الله عليه وآله ومن والاه، مع الفهم الدقيق، والوعي العميق للحقوق والواجبات من كلا الزوجين، ولن أتحدث الليلة عن الزواج كآية ربانية، وسنة نبوية، وفطرة إنسانية، وضرورة اجتماعية، وسكن للغريزة الجسدية، بل ولن أتحدث أيضاً عن الزواج وعن حقوقه الظاهرة المعروفة الجلية، فكل هذه الموضوعات قد غطاها إخواننا من الدعاة جزاهم الله خيراً، ولكنني أود الليلة أن أتطرق إلى بعض القضايا المهمة وبعض اللمسات الخفية التي هي في غاية الأهمية، بل إنني أؤكد لحضراتكم بأن هذه اللمسات، وتلك القضايا هي المقومات الحقيقية للسعادة الزوجية، وأستهل هذه المقومات بمخاطبة الزوجة المسلمة الزكية التقية: كيف تسعد زوجك؟ وكيف تتملك مفاتيح قلبه؟
وهذا هو عنصرنا الثاني بإيجاز وهو لب الموضوع.
حسن الخلق
أولاً: حسن الخلق: فإن سفينة الحياة الزوجية التي تخوض بحر الحياة بهدوء واتزان وسط هذه الرياح الهوجاء والأمواج المتلاطمة، يقودها حتماً قائد مسلم تقي ألمعي ذكي، وتعينه على القيادة وتوجيه الدفة كلما انحرفت السفينة زوجة تقية زكية ألمعية نقية، بل إنني أؤكد للإخوة والأخوات أن النجاح والاستمرار، والسكن والاستقرار، وهدوء النفس وراحة البال، وراءه زوجة صالحة تقية زكية عرفت كيف تسعد زوجها، واستطاعت أن تمتلك مفاتيح قلبه، بل ونجحت في أن تحول البيت إلى جنة خضراء، يسعد الزوج حينما يأوي إلى ظلاله الوارفة، وتتبدد كل همومه وأحزانه وآلامه وهو في ظلال هذه الجنة، وإلى جواره زوجة طيبة تضمد جراحه، وتسكن آلامه بحسن خلقها، وعظيم ورفيع أدبها.
أيها الأحبة! إن حسن الخلق من أجمل الزينة التي تتحلى به المرأة لزوجها، وإن حسن الخلق هو أقصر طريق لتأسر فيه الزوجة قلب زوجها، فالمرأة التي تتخذ حسن الخلق والأدب الرفيع العالي منهجاً في التعامل والخطاب، والحوار بينها وبين زوجها امرأة صالحة ذكية ألمعية، استطاعت بحسن خلقها أن تأسر قلب الزوج بلا نزاع.
يا إخوة! ويا أخوات! إن المرأة لو كانت ذات نقص في الجمال أو في المال أو في الحسب أو النسب أو في العلم فإنها تستطيع أن تعوض كل ذلك بحسن الخلق والأدب الرفيع العالي، وإلا ما قيمة الجمال عند المرأة؟ وما قيمة المال؟ وما قيمة حسبها ونسبها؟! وما قيمة شهاداتها وعلمها إن كانت بذيئة اللسان سيئة الخلق، لا تحسن أن تتكلم مع زوجها بالكلمات الرنانة، أو بالكلمات الرقراقة الرقيقة الطيبة؟!
إن الكلمة الطيبة، والخلق العالي، والأدب الرفيع هو البلسم الشافي -أيتها الزوجة المسلمة!- وهو الضمادة العظيمة الأكيدة التي تضمدين بها كل جرح ينبت أو يظهر من آن لآخر على جسد العلاقة الزوجية.
وفي الحديث الصحيح الذي رواه
الترمذي و
ابن حبان من حديث
أبي الدرداء : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (
ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق).
وفي الحديث الصحيح الذي رواه
الترمذي و
ابن حبان و
أحمد وغيرهم من حديث
أبي هريرة رضي الله عنه: (
أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: تقوى الله وحسن الخلق)، (
وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار؟ فقال عليه الصلاة والسلام: الفم والفرج).
وفي الحديث الصحيح الذي رواه
أبو داود و
ابن حبان من حديث
عائشة رضي الله عنها قالت: (
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم).
فأنا أؤكد لأخواتي المسلمات المتزوجات بأن أول مفتاح تفتح به الزوجة المسلمة قلب زوجها في كل لحظة وحين، إنما هو حسن الخلق والأدب الرفيع العالي! والكلمة الطيبة الرقيقة الرقراقة!
الرضا بما قسم الله جل وعلا
ثانياً: الرضا بما قسم الله جل وعلا، فإن الرضا بما قسم الله كنز ثمين يجعل من بيت الزوجية جنة ولو كان فقيراً، ويجعل من بيت الزوجية سعة ورخاء ولو كان ضيقاً، فقد يكون الزوج المسلم من متوسطي الحال في المال.. في الجمال.. في الشهادات العلمية.. في الحسب والنسب والجاه.. إلى غير ذلك من حظوظ الدنيا، ولا يتمكن الزوج المسلم من أن يحقق لزوجته كل ما تصبو إليه نفسها، فإن رأى الزوج زوجته راضية بما قسم الله لها لا تتضجر ولا تتسخط على قدر الله، ولا تشكو زوجها لأهلها بل تستر عليه عيبه، وتعيش في أمن وأمان، ورضاً واطمئنان.
إن رأى الزوج زوجته على هذه الحال وعلى هذه الصفة يسعد قلبه، وينشرح صدره، ويعيش في غاية السعادة والطمأنينة مع هذه الزوجة الطيبة التقية التي ترضى بما قسم الله جل وعلا لها، وهذا والله يا أختاه! هو الغنى الحقيقي، ففي الحديث الصحيح الذي رواه
البخاري و
مسلم من حديث
أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (
ليس الغنى عن كثرة العرض -أي عن كثرة المال- ولكن الغنى غنى النفس).
وفي صحيح
مسلم من حديث
عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (
قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً، وقنّعه الله بما آتاه)، فالزوجة المسلمة الربانية هي التي ترضى بما قسم لها رب البرية، ولا تنظر إلى من فاقها من الأخوات في أمر الدنيا، بل تنظر إلى من فاقها من الأخوات في أمر الدين.. تنظر إلى أهل الطاعة.. تنظر إلى أهل السبق في الالتزام.. تنظر إلى أخواتها من أهل القرآن، تمتثل الزوجة المسلمة الربانية الراضية بما قسم لها رب البرية أمر سيد البشرية، ففي الصحيحين من حديث
أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (
انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فإنه أجدر ألا تزدروا نعمة الله جل وعلا).
فيا أختاه! لا تنظري إلى أختك التي من الله على زوجها بالثراء.. التي من الله عليها بسيارة فارهة، وبأثاث فاخر، وإنما انظري إلى أهل العاهات، انظري إلى أصحاب الأمراض والأعذار، انظري إلى الفقراء والمساكين والمشردين، والمطرودين والمحرومين!
انظري إلى من أقعدهم المرض في الفراش، فاحمدي الله على التوحيد، واحمدي الله على الإسلام، واحمدي الله على العافية، احمدي الله أن من عليك بزوج صالح، واحمدي الله على أن من عليك بأولاد طيبين، وجعل الله لك بيتاً يأويك، وطعاماً يكفيك، ولباساً وثياباً تسترك، فاحمدي الله.
اعلمي أختي المسلمة أن المال إلى زوال، وأن متاع الدنيا إلى فناء:
النفـس تجـزع أن تكون فقيـرة والفقـر خير من غنى يطغيهـا
وغنى النفوس هو الكفاف فإن أبت فجميع ما في الأرض لا يكفيهـا
هي القناعـة فالزمها تكن ملكـاً لو لم تكن لك إلا راحـة البـدن
وانظر لمـن ملك الدنيا بأجمعهـا هل راح منها بغير الطيب والكفـن
إن نظرتك -أختي المسلمة- إلى أختك ممن من الله عليها بالدنيا سيملأ قلبك بالأحزان، وسيملأ بيتك بالمشكلات والأزمات، فاحمدي الله وارضي بما قسم الله عز وجل لك، ولا تنظري إلى أهل الدنيا، واعلمي أن من أعظم مفاتيح الزوج أن ترضى الزوجة بما قسم الله لها، وألا تشتكي وتتسخط، وألا تنتقص من قدر زوجها فيحرم عليها ثم يحرم عليها ثم يحرم عليها أن تعير زوجها لفقره أو لنسبه، أو لقلة جاهه، أو لقلة علمه، أو لقلة شهاداته، يحرم عليها ذلك، بل إنها بذلك تتسخط على قدر الله، ولا ترضى بما قسم الله لها.
فلا ينبغي ألبتة لزوجة مسلمة تتقي الله جل وعلا أن تقول لزوجها من آن لآخر: إن فلانة تعيش في رخاء وتعيش في سعادة.. إن زوجها قد أتى لها بثلاجة كذا.. وبفيديو كذا.. وبذهب كذا وكذا.. وإنني أعيش فقيرة، ما أشقاني! ما أتعسني! أسأل الله أن يخرب بيوت من زوجوني عليك.
لقد كان يوماً تعيساً يوم أن دخلت بيتي، يوم أن نظرت إلى وجهك.. إلى آخر هذه الكلمات الخطيرة التي تتسخط فيها المرأة على قدر الله جل وعلا، ولا ترضى من خلالها عن قدر الله وقضائه سبحانه وتعالى.
واعلمي يقيناً -أيتها الزوجة المسلمة- أن هذه الكلمات تمزق أواصر المودة والرحمة بين الزوج وزوجه.
إذاً: من أعظم مفاتيح قلب الزوج: أن ترضى الزوجة بما قدر الله لها، وهو اللطيف الخبير، فإن الله قد قسم الأرزاق بين عباده بحكمته ورحمته، قال جل وعلا:
أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14].
الوفاء
ثالثاً: الوفاء: وما أحلاها ورب الكعبة من كلمة! وما أرقها من خصلة! وما أسماها من صفة! إنها الوفاء!!
فالوفاء خلق جميل، وكنز ثمين، فالأيام دول، فكم من غني أصبح فقيراً؟ وكم من عزيز أصبح ذليلاً؟ وكم من قوي أصبح ضعيفاً؟!
فالزوج قد تنزل به المحن والمصائب، فتتحول صحته إلى مرض، ويتحول غناه إلى فقر، وتتحول قوته إلى ضعف، وهنا يظهر معدن الزوجة الصالحة الوفية التي تقف إلى جوار زوجها في كل ضيق ومصيبة، وتخفي عيوب الزوج وتستر ذنوبه، ولا تنسى أيام الغنى، وأيام القوة والصحة والسعة، وتردد دوماً قول الله جل وعلا:
وَلا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ [البقرة:237]، وتنظر إلى زوجها نظرة رحمة وأدب، ونظرة حنان وتواضع، وهي تقول له: أبشر أيها الزوج الحبيب! أنا لا أنسى أنك فعلت كذا وكذا.. وقدمت لي كذا وكذا.. ثم تذكره بقول ربها:
هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ [الرحمن:60].
فوالله إن الزوجة الوفية تأسر بوفائها قلب زوجها، وتحول بوفائها الفقر في البيت إلى غنى، والمرض إلى صحة، بل والضيق إلى سعة، بل والأزمات والمشكلات إلى لحظات طيبة ندية.
ما أحلى الوفاء! وما أقبح الجحود! وما أقبح المرأة الجاحدة! التي تجحد فضل زوجها وكرمه!!
جاء في الصحيحين من حديث
زينب رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (
إني رأيت النار، ورأيت أكثر أهلها النساء)، فلتحذر كل أخت مسلمة تستمع إليّ الآن أو تستمع إلي عبر شريط الكاسيت بعد هذه المحاضرة، فإنني لا أخاطب الإخوة والأخوات بين يدي، وإنما أخاطب المسلمين والمسلمات على وجه الأرض، وأسأل الله أن يجعل لهذا الشريط سبيلاً إلى كل بيت، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أقول: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (
إن رأيت النار ورأيت أكثر أهلها النساء، قالوا: لم يا رسول الله؟ قال: لكفرهن، قالوا: أيكفرن بالله؟ قال: يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ورأت منك شيئاً قالت: ما رأيت منك خيراً قط).
فهل تقبل الزوجة المسلمة التقية الصالحة لنفسها هذه الخصلة الذميمة، وهذا الخلق اللئيم الذي يودي بأصحابه إلى نار الجحيم والعياذ بالله؟!
أختاه! إن من أعظم مفاتيح قلب الزوج، ومن أعظم وسائل السعادة التي تسعدين بها قلب زوجك: الوفاء، وأسأل الله أن يرزق نساءنا وزوجاتنا الوفاء، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
الطاعة
رابعاً: طاعة الزوج المطلقة في غير إثم ولا معصية:
من أعظم مفاتيح قلب الزوج: أن تطيع المرأة زوجها في كل شيء، إلا إن أمرها زوجها بمعصية لله، فحينئذ فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
إن أمرها زوجها بأن تظهر على إخوانه الذكور فترفض، وإن أمرها زوجها بأن تتبرج ترفض، وإن أمرها أن تتخفف في الثياب إن خرجت معه فتعصي الزوجة زوجها، وإن أمرها زوجها أن تضع قليلاً من (المكياج) وهي غير منتقبة إذا ما خرجت معه إلى الشارع فلا طاعة له، وهذه المعصية طاعة لله جل وعلا، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
أما إن أمرها الزوج بعد ذلك بأي أمر مادام هذا الأمر في غير معصية لله فيجب على الزوجة المسلمة وجوباً أن تمتثل أمر الزوج، وأن تقف عند الحدود التي حدها لها زوجها، من كتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم.
وأحذر الزوجة المسلمة من العصيان والجدال والمراء، وطول الحوار وكثرة الكلام، لاسيما إن كان زوجها مغضباً، ولاينبغي أن تستغل الزوجة لين الزوج أو دينه، بل يجب عليها -أي على الزوجة الصالحة الطيبة- أن تطيع زوجها، ففي الحديث الصحيح الذي رواه
أحمد و
الطبراني و
البزار من حديث
أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (
إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي من أي أبواب الجنة شئت).
ومن أعظم الحقوق على الزوجة لزوجها، والتي يجب على المرأة أن تطيعه فيه فوراً، وفي أي وقت يشاؤه: حق الفراش، ففي الصحيحين من حديث
أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (
إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته؛ فبات غضبان عليها، باتت الملائكة تلعنها حتى تصبح).
وفي الصحيحين من حديث
أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (
ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها زوجها).
وفي الصحيحين من حديث
أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (
لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد -أي: حاضر- إلا بإذنه، ولا تأذن لأحد في بيت زوجها إلا بإذنه).
أختي المسلمة! اعلمي أيتها الفاضلة! بأن امتناع المرأة عن فراش زوجها إن دعاها إلى ذلك بغير عذر شرعي وبغير سبب صحي كبيرة من أعظم الكبائر، فلتتق الله الزوجة الصالحة.
ولتعلم الزوجة أن من طاعة الزوج أيضاً: أن ترضيه إذا غضب، فالزوجة المسلمة لا تنام وهي تعلم يقيناً أن زوجها غضبان، ولو كان الزوج غاضباً بسبب خطئها فلتبادر الزوجة المسلمة بالتأسف والندم بأسلوب طيب، فإن من النساء من إذا أغضبت زوجها وأرادت أن تعتذر زادت في غضبه؛ لأنها تعتذر إليه بكبر واستعلاء، وكأنها تمتن عليه بأسفها وندمها، فيتسيط الزوج غضباً بعد غضب، ويزداد قلبه ألماً بعد ألم، ويزداد جرحه جرحاً بعد جرح، فلتذهب المرأة فوراً لتتأسف بأسلوب مهذب يستشعر فيه الرجل ندمها وخلقها وأدبها.
ومن أدب الزوج -كما سأبين- أن يعجل هو الآخر بقبول الأسف والندم، ولا ينبغي أن يتسلط وأن ينتفخ وينتفش، وأن يتكبر كما سأبين الآن في مفاتيح قلب الزوجة إن شاء الله تعالى.
فمن طاعة الزوج أن ترضيه زوجته إن غضب، أما إن كان الغضب -أيتها الأخت- بسبب الزوج نفسه، ومع ذلك فهو غاضب عليك، فأنا أنصحك ألا تلحي في معرفة سبب الغضب، وألا تكثري الجدال، وألا تكثري المراء، بل اتركي الزوج في هذه اللحظات حتى تهدأ نفسه، ويستقر بدنه، وإن اقتربت منه بعد ذلك للحوار والنقاش، فإن النقاش والحوار سيكون جميلاً مهذباً، يعيد البسمة والمودة والرحمة إلى مجرى الحياة الزوجية من جديد، أما الذي أحذر منه أن يكون النقاش والحوار في وقت الانفعال والغضب.
أسأل الله عز وجل أن يرزقنا الحلم، وأن يرزق نساءنا الحكمة؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
الأنوثة والزينة
إكرام أهل الزوج
الاهتمام بنظافة وجمال البيت
سابعاً: من أعظم مفاتيح قلب الزوج: الاهتمام بنظافة وجمال البيت، فالمنزل مملكة الحياة الزوجية، وأميرة المنزل هي الزوجة، ووالله ليست العبرة بكثرة الحجرات، ولا بضخامة البيت، فقد يكون البيت واسعاً، وقد يحتوي البيت على أثاث ثمين وفرش وثيرة، ولكن إن أهملت المرأة نظافة البيت هجر الزوج هذا البيت، وشعر بأن أنفاسه تختنق إن دخله؛ لأن الرائحة الكريهة تنبعث من هنا وهناك، ولأن الثياب والفراش والأثاث غير منظم، فتتوتر أعصابه، وتهيج نفسه.
أختي! قد يسعد زوج مع زوجة نظيفة زكية في بيت لا يزيد عن حجرتين، يرى الزوج النظام، بل ويرى الرائحة الزكية العطرة ولو عن طريق البخور العادي البسيط التي تنبعث رائحته في كل وقت وآن من أرجاء هاتين الحجرتين، فيسعد الزوج، ويشعر بالأنس والسعادة، فليست العبرة بسعة البيوت، ولا بضخامتها، فكم من بيوت متسعة متسخة تؤلم القلب! وينفر منها صاحب النفس الزكية! وكم من بيوت ضيقة والله تدخلها فينشرح صدرك، وتعلم يقيناً أن في هذا البيت امرأة مسلمة نظيفة، لا أقول لك من مجرد أن تلقي النظرة على الفراش والأثاث، بل من مجرد كوب الماء الذي يقدم إليك في البيت، تشعر بنظافة المرأة، وجمالها ورقتها ورجاحة عقلها.
إذاً: يجب على المرأة أن تهتم بنظافة وجمال بيتها، فإن هذا من أعظم مفاتيح قلب الزوج، ومن الأسباب التي تجعل الزوج يحن دائماً إلى أن يجلس في البيت أطول فترة.
وهل هجر الأزواج البيوت إلا من أجل هذه الأسباب!
فمن أسوأ ما ينغص على الزوج راحته في بيته أن يرى البيت غير نظيف، وأن تنبعث من بيته الروائح الكريهة، والله جل وعلا جميل يحب الجمال، وأنا أظن أن أختي المسلمة جميلة هي الأخرى تحب الجمال، وتحب الطهر والنظافة، كيف لا ودينها دين الجمال، ودين الطهر والنظافة؟! كيف لا وربها يحب الجمال؟! كيف لا ونبيها الجميل يحب كل جمال؟!
الاهتمام بتربية الأولاد
ثامناً: الاهتمام بتربية الأولاد:
فإن مما يؤلم القلب أن المرأة الآن قد انشغلت بالأسواق، أو بالوظيفة مع عدم حاجتها للوظيفة، فقد من الله عليها بزوج أنعم الله عليه وأكرمها، وهي ليست بحاجة إلى الخروج، ولكنها تتألم غاية الألم إن لم تخرج من البيت، كيف تحبس بين هذه الجدران الأربعة؟! كيف لا تعيش فقط إلا لزوجها وأولادها؟!
نفخ أهل الباطل في رأسها وفي عقلها، وتأثرت، وأصيب قلبها بهذه السهام القاتلة، فخرجت المرأة من بيتها ومن مملكتها الإيمانية، وهجرت أشرف وأغلى وأعظم وظيفة، ألا وهي وظيفة التربية، هجرت تربية الأبناء، وتركت الأبناء إلى التلفاز، والشوارع وإلى الطرقات، وأصحاب السوء، والمجلات الخليعة الماجنة، فراح الأولاد يبحثون عن قوتهم التربوي من هذه المصادر العفنة الخبيثة، فشعر الأبناء في البيت باليتم التربوي.
ليس اليتيم من انتهى أبواه من هم الحياة وخلّفاه ذليلاً
إن اليتيـم من تلقى له أماً تخلت أو أباً مشغولاً
وفي الصحيحين من حديث
ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (
..والمرأة راعية في بيت زوجها، ومسئولة عن رعيتها)، وقال الله جل وعلا:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6]، فيجب على الزوجة المسلمة أن تعلم أن البيت قلعة حصينة، ولبنة عظيمة في هذا المجتمع المسلم، فيجب عليها أن تخّرج من هذه القلعة لدين ربها الأبطال والعلماء والقادة والفاتحين.
كيف تخرج المسلمة هذا الجيل الرباني إن هجرت بيتها، وراحت لتضرب بأرجلها وأقدامها في الأسواق، تلهث وراء أحدث الموضات وأرقى الموديلات وأرقى الملابس لتهجر بيتها ولتهجر تربية أبنائها؟!
أختي المسلمة! إن من أعظم مفاتيح قلب الزوج: أن يرى امرأته مهتمة بتحفيظ أولاده القرآن، وبتعليم بناته فضائل الإسلام، فتأمر الزوجة ابنتها بالخمار وبالحجاب، وتعلمها القرآن، وتصطحبها إلى بيت الله جل وعلا، وتصطحب الأولاد إلى بيت الله إن كان الزوج مشغولاً فتعلم الزوجة أبناءه دين الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبعد هذه الجولة الطويلة التي تسعد الرجال يقيناً، وتسعد الأزواج بصفة خاصة، يبقى السؤال: كيف يسعد الرجل زوجته؟!
وأنا أعلم أن أخواتي الآن ينتظرن هذا السؤال بلهف وشوق، فإن كثيراً من الزوجات يشتكين، وهذا هو عنصرنا الثالث من عناصر المحاضرة: مفاتيح قلب الزوجة:
حسن الخلق والعشرة
المعاونة على طاعة الله والنصح والتعليم
ثانياً: من أعظم مفاتيح قلب الزوجة: العون على طاعة الله والنصح والتعليم:
ذكرت أن سر الضنك في البيوت هو ابتعاد البيوت عن طاعة الله، وعن منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، والغفلة عن الغاية التي من أجلها أقيمت البيوت ابتداءً، بل وعن الغاية التي من أجلها خلقت البشرية كلها
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، والزوج المسلم الصالح التقي هو الذي يعين زوجته على طاعة الرب العلي.. هو الذي يحثها على الصدقة ولو من ماله.. وهو الذي يذكّرها بقراءة القرآن.. وهو الذي يسألها دوماً عن الصلوات.. وهو الذي يسألها دوماً عن قراءة الكتب الشرعية.. عن سماع الأشرطة العلمية للمشايخ والدعاة.. هو الذي يتابعها ويقوّم عوجها بالأسلوب اللطيف الحسن والكلمة الحانية.
إن الزوج الصالح المسلم لا ينظر إلى البيت على أنه مكان للطعام والشراب، والتناكح والتكاثر فحسب، فليست هذه هي الغاية من إقامة البيوت في الإسلام، فإن الغاية من إقامة البيوت أن نبذر في حقل الإسلام وأرضه بذرة صالحة للعبودية والتوحيد، فالزوج المسلم هو الذي يعين زوجته على طاعة الله، وهو الذي يبين لها أن البيت ليس مكاناً للطعام والشراب والذهب والزينة والفسحة والأولاد فحسب، لا، بل إن البيت مكان للطاعة، فيحث الزوج زوجته على قيام الليل، وما أحلى وأرق وأجمل قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في الحديث الصحيح الذي رواه
أبو داود و
ابن ماجة وغيرهما، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (
رحم الله رجلاً قام من الليل، فصلى وأيقظ امرأته، فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء).
فالزوج يفتح قلب امرأته بأن يكون عوناً لها على الطاعة، وأنا أحذرك -أيها الزوج- من أن يكون بيتك دوماً وكراً للمعاصي والشيطان، فأنا أعلم يقيناً ما أقول.
أعلم أن كثيراً من بيوت المسلمين الآن لا تعرف للإيمان طعماً، ولا لليقين حلاوة، ولا للصلاة سبيلاً، ولا للقرآن طريقاً.
أعلم أن كثيراً من بيوت المسلمين الآن -ورب الكعبة- لا يصلي فيها رجل أو امرأة، ولا شاب ولا فتاة، بل تسمع في هذه البيوت في الليل والنهار مزمار الشيطان.
لا ترى في هذا البيت قرآناً ولا قياماً، ولا ذكراً ولا تسبيحاً ولا صلاة، فما الذي ينتظر من نبات ينبت في أرض هذه البيئة؟! هل ينبت الورد؟! هل ينبت الفل؟! هل ينبت الياسمين؟! لا والله، بل لن ينبت في هذه الأرض إلا الشوك، فمحال أن تزرع زرعاً وأن تجني ثمرة، بل إن زرعت شوكاً لا بد أن تجني شوكاً، فيخرج الولد منحلاً، وستخرج الفتاة متبرجة عارية، ومحال بعد فترة أن يسيطر الوالدان على هؤلاء الأولاد. فلذلك أخي: ازرع من أول لحظة في هذا البيت الطاعة والعبودية لله جل وعلا، لتستطيع بعد ذلك أن تسيطر على هذا البيت بأمر الله وأمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله ومن والاه.
فالبيت ليس مكاناً للطعام والشراب والزينة فحسب، بل هو مكان للطاعة.. مكان للعبادة، فلا ينبغي أن يكون البيت المسلم مقبرة لا يصلى فيه، ولا يذكر أهل البيت فيه ربهم جل وعلا، ولا يقيمون فيه الليل، بل لا ينبغي أن يكون البيت المسلم في كل لحظات الليل والنهار لا تسمع فيه إلا غناء الشيطان، لا تسمع فيه صوت القرآن، فهذا بيت كالمقبرة، أهله أموات وإن تحركوا بين الأحياء.
والله إن بيتاً يقوم أهله الليل لله، ويقرأ أهله القرآن لله، ويقيم أهله الصلاة لله، ويمتثل فيه الزوج أمر الله، ويأمر امرأته بطاعة الله وبطاعة رسول الله، والله إنه لبيت قريب من الله، حبيب إلى الله، حبيب إلى رسول الله، تتمنى أية زوجة مسلمة أن تقر وتعيش فيه، وأن تسعد به، وإن بيتاً لا يعرف الله لا يستحق أن تعيش فيه امرأة تعرف الله جل وعلا.
الإنفاق وعدم البخل
حق الفراش
رابعاً: حق الفراش، وهذا من أوجب واجبات الزوج، كما ذهب إلى ذلك جمهور أهل العلم، قال الإمام
ابن حزم طيب الله ثراه وغفر له: فرض على الرجل أن يجامع امرأته، وأقل ذلك أن يجامعها في كل طهر مرة، ومن أهل العلم من قال: بأن أقل ذلك أن يجامع الرجل زوجته في كل أربعة أيام مرة، ومنهم من قال: في كل أربعة أشهر مرة، ومنهم من قال: في كل ستة أشهر مرة، والذي أود أن أؤكد عليه الآن، وأبينه لأخواتي وإخواني، أن لقاء الرجل بامرأته ما هو إلا خلوة في لحظات كريمة طيبة في الحلال، يستمتع فيها كل زوج بالآخر؛ للإحصان والعفاف، فإن تم اللقاء في ظلال الهدي النبوي بآداب الحبيب المصطفى كان اللقاء من أعظم أسباب المودة والمحبة، وتدعيم أواصر العلاقة بين الرجل وامرأته، وشتان شتان بين رجل مسلم ذكي ألمعي أوصل امرأته إلى أن تنتظر منه هذه اللحظات، التي يذوب فيها كل زوج في الآخر، ويسكن فيها كل زوج للآخر، ويصبح فيها كل زوج لباساً للآخر.
فرق بين زوج أوصل امرأته إلى أن تنتظر منه هذه اللحظات، وإلى أن تنتظر منه هذا اللقاء، وبين رجل أوصل امرأته إلى أن تنفر من هذه اللحظات، وأن تكره هذا اللقاء؛ لأنها تشعر أنها تقبل على جولة من جولات المصارعة الحرة، تستجير الله جل وعلا ألا تختنق في هذه الجولة أنفاسها، وألا تحطم فيها عظامها.
فلنتأدب بأدب النبي صلى الله عليه وسلم، ولنتخلق بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، فلا تعجب أخي الكريم! فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين لنا آداب الفراش واللقاء، بأبي هو وأمي، فورب الكعبة ما ترك خيراً إلا ودلنا عليه، وما ترك شراً إلا وحذرنا منه، فإن تم اللقاء في ظلال الهدي النبوي والخلق النبوي الرفيع العالي كان اللقاء سبباً رئيساً من أسباب المحبة والمودة، والسعادة التي تظلل سماء البيت بين الزوجين.
أسأل الله أن يرزقنا وإياكم الحكمة والرحمة.
التطيب والتجمل
خامساً: التطيب والتجمل: قد يظن بعض الأزواج أن الزينة والتطيب والتجمل واجب على الزوجة فقط، أما هو فلا يعنيه ذلك، وهذا وهم، بل ومعصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكم من بيوت فسدت ودمرت بسبب إهمال الرجل لرائحته.. لرائحة فمه.. لرائحة عرقه.. لرائحة ثيابه! وكم من شكاوى ورسائل من النساء بخصوص هذا!
فما الذي يكلف الرجل إن أراد أن يقبل على امرأته أن يطيب فمه بالسواك أو بالفرشاة، وأن يضع قليلاً من العطر والطيب، فإن العطر من ألطف وسائل المخاطرة بين الرجل والمرأة، وهذا هدي صحابة النبي رضوان الله عليهم وصلى الله على أستاذهم ومعلمهم، فلقد كان الصحابة يحبون أن يتزينوا لزوجاتهم، كما يحب أحدهم أن تتزين له زوجته وامرأته.
كما روى
ابن أبي حاتم و
ابن جرير بسند صحيح عن
ابن عباس رضي الله عنهما: (
إني لأحب أن أتزين لامرأتي، كما أحب أن تتزين لي امرأتي)، ومهما كان الزوج قوياً فإن المرأة بلا نزاع تنفر نفوراً شديداً من رائحته الكريهة، وعرقه وعدم نظافته وتطيبه.
فمن مفاتيح قلب الزوجة أن يكون الزوج دائماً نظيفاً طيباً جميلاً، فإن الطيب كما ذكرت من ألطف وسائل المخاطرة وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرد الطيب، ويكثر من وضع الطيب، كما في الحديث الصحيح الذي رواه
أحمد و
النسائي من حديث
أنس أنه صلى الله عليه وسلم قال: (
حبب إلي من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة).
الأمانة وحفظ الأسرار
سادساً: الأمانة وحفظ الأسرار: فمن مفاتيح قلب الزوجة -أيها الأزواج- أن يكون الزوج أميناً، حافظاً لأسرار امرأته، لاسيما ما يجري بينهما في الفراش، فهناك صنف من الأزواج يتباهى بإفشاء أسرار زوجته، وهذا مما لا شك فيه أنه يفسد العلاقة الزوجية بين الزوجين، ففي صحيح
مسلم وسنن
أبي داود واللفظ لـ
أبي داود من حديث
أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (
إن من شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه امرأته، ثم يكشف سرها، ثم ينشر أحدهما سر صاحبه).
وقد يحدث بين الزوج وامرأته مشاكل، وفي لحظات الغضب قد تنفلت من المرأة بعض الكلمات، وقد تنفلت من الرجل بعض الكلمات، فالزوج الأمين العاقل هو الذي لا يفشي السر، والزوجة العاقلة هي التي لا تهتك السر، ولا تخرج هذا الخلاف خارج حدود الدار، فإن خرج الخلاف خارج حدود الدار ولو لأهل الزوجة لأبيها أو لأمها فإن المشكلة قد يصعب بعد ذلك حلها، لكن مهما كانت ضخامة المشكلة ما دامت محصورة في حدود الدار وفي حدود البيت بين الرجل وامرأته، فإن لحظة عتاب حانية وديعة يزول ويذوب هذا الجليد بين الزوجين، وأما إن خرجت خارج البيت، وتدخلت أم الزوجة أو أم الزوج أو والد الزوجة أو والد الزوج تفاقمت المشكلة، وقد يصعب الحل، ونسأل الله أن يرزقنا الحكمة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ومن أجمل وأرق ما قرأت في حياتي: أن رجلاً من السلف أغضبته امرأته، وفشل المصلحون من الوسطاء العقلاء في الصلح بينهما، وقد أحل الله الطلاق، فصمم الزوج على أن يطلق امرأته، فلما سمع المصلحون ذلك قالوا له: ما الذي يريبك منها؟!
أي: ما هي الأسباب التي جعلتك تتخذ هذا القرار في طلاقها؟
اسمع ماذا قال هذا الرجل العاقل.
لما طلقت المرأة ذهب إليه أصحابه في بيته وقالوا له: ما الذي كان يريبك منها؟! لماذا طلقتها؟! فقال الرجل المسلم التقي: (ما لي ولامرأة غيري، لم تعد زوجة لي) أي: فكلامي الآن في حقها غيبة.
أين هذه الأخلاق السامية الرقراقة الراقية؟! أين من يتقي الله في امرأته؟! لا أقول حتى بعد طلاقها، بل وهي معه في بيته.
فاعلم أخي: أن الأمانة وحفظ الأسرار من أعظم مفاتيح قلب الزوجة.
إكرام أهل الزوجة
سابعاً: إكرام أهلها: فالزوج المسلم الكريم يكرم زوجته بإكرامه لأهلها، فكما تحب من زوجتك أن تكرم أهلك فواجب عليك أن تكرم زوجتك بإكرامك لأهلها، ففي الصحيحين من حديث
أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (
لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).
بل وستعجب إذا علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكرم أهل نسائه بل وأصدقاء نسائه، ففي الصحيحين من حديث
عائشة رضي الله عنها قالت: (
ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم مثلما غرت من خديجة -مع أنها لم ترها- تقول: من كثرة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكرها، حتى كان النبي صلى الله عليه وسلم يذبح الشاة ويقطعها ثم يقول: أرسلوا بها إلى أصدقاء
خديجة) يكرم النبي صلى الله عليه وسلم أهل نسائه وصديقات نسائه بعد الموت! فكيف بإكرامه لهن في حياتهن رضوان الله عليهن؟!
إذاً: من مفاتيح قلب الزوجة -أيها الزوج- أن تكرم أهلها، وأن تحسن إلى والديها، وألا تسب أباها وأمها وألا تسب أهلها، فليس هذا من أخلاق الإسلام ولا من أخلاق النبي عليه الصلاة والسلام.
الغيرة المحمودة
الحلم والعفو
تاسعاً: الحلم والعفو: فمحال أن تعيش البيوت من غير مشاكل على طول الخط، فلقد وقعت المشاكل في بيوت النبي المصطفى، بل من أعجب ما قرأت: ما ثبت في صحيح
البخاري أنه حدث بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين
عائشة كلام، فغضبت
عائشة فقال لها المصطفى صلى الله عليه وسلم: (
هل تقبلين أبا بكر حكماً بيننا؟! قالت: نعم، فجاء
أبو بكر رضي الله عنه، فلما جلس
الصديق قال النبي لـ
عائشة : تتكلمي أم أتكلم أنا؟ فقالت
عائشة : تكلم ولا تقل إلا حقاً؛ فانتفض
الصديق رضي الله عنه لهذه الكلمة، ولطم
عائشة على وجهها لطمة أدمت فمها -نزف الدم من فمها- فقامت
عائشة تجري وتختبئ خلف رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما لهذا دعوناك وما بهذا أمرناك يا
أبا بكر !).
هذا بيت من بيوت النبي صلى الله عليه وسلم.
فيا من يعيش في أحلام وخيال ويعتقد أن الحياة الزوجية لا يمكن أن تتعكر أبداً، ولا يمكن أن تنتابها من آن لآخر رياح سموم، هذا زوج يعيش في الأوهام والأحلام، لكن إن اعتقدنا أن البيت ربما يعكر من آن لآخر بمشكلة خارجية أو مشكلة داخلية، فالذي يجب على الزوج في هذه الحالة أن يكون حليماً عفواً، فإن أخطأت الزوجة في حقه، وجاءت لتعتذر ولتندم على ما بدر منها فيجب عليه أن يعفو عن امرأته فوراً، ولا ينبغي أن يستكبر وأن يستعلي، وأن ينتفش وينتفخ، وأن يتمرد ولا يترك الزوجة تتودد إليه وهو مكابر عنيد.
وأحياناً -كما أقرأ في الرسائل والمكالمات- تقول المرأة لزوجها: أنا مستعدة أن أقبل قدمك، وهو يستعلي وينتفخ وينتفش، وكلما سمع كلمات الندم والأسف انتفخ، وظن أنه كالبالونة ينبغي أن يطير في الهواء، ولاينبغي أن يساكن هذه المرأة الضعيفة في هذا البيت، وهذا ظلم وكبر! وهذا زوج مملوء بالكبر وهو لا يدري، (
فالكبر بطر الحق، وغمط الناس)، أي: ازدراء الناس، وأقرب الناس إليك هي امرأتك، فإن وقعت المشكلة وجاءت المرأة لتتأسف ولتندم، فيجب على الزوج وجوباً أن يكون حليماً عفواً، فإن الكمال لله وحده، وإن العصمة لنبيه صلى الله عليه وسلم.
وفي صحيح
مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ
أشج عبد القيس : (
إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة)، وفي صحيح
مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: (
ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع الرفق من شيء إلا شانه)، وما أحلى وأجمل قول الله تعالى:
وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:134].
المشاركة في تحمل مسئولية تربية الأبناء
وأختم مفاتيح قلب الزوجة: بوجوب تحمل الزوج مسئوليته في تربية الأبناء: فإن وظيفة الزوج لا تتمثل في أن يكون الزوج ممثلاً لوزارة المالية فحسب، وأن يعتقد أن وظيفته أن يقدم الأموال والطعام والشراب، وأن يهمل تربية الأبناء والبنات، وألا يسأل عن أولاده، ولا عن بناته بحجة أنه مشغول إلى شيشته أو إلى رأسه في العمل، فهذا لا يجوز، فإن هذا تملص من مسئولية كبيرة سيسأل عنها بين يدي الله جل وعلا، قال تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6]، وكما في الصحيحين من حديث
ابن عمر : (
كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته -ثم قال: والرجل راعٍ في أهل بيته ومسئول عن رعيته).
وأنا أقول: إن جلوس الرجل في بيته بين أولاده، ولو كان صامتاً لا يتكلم فيه من عمق التربية ما فيه، فكيف لو تكلم، فذكّر بالله، وذكّر برسول الله؟!
إن عجز الزوج عن أن ينصح وأن يربي الأولاد لأنه لم يتعلم، ولم يقف على الدليل من كتاب الله وسنة رسوله، فمرحباً بالزوج مع امرأته وأولاده في الأحضان التربوية الطاهرة في بيوت الله، ليجلس الزوج مع امرأته وأولاده بين يدي أهل العلم المتحققين بالعلم الشرعي، ليسمع الزوج وامرأته قال الله قال رسوله صلى الله عليه وسلم.
وأخيراً: هذا هو الطريق، فلا سعادة للبيوت إلا إذا عادت من جديد إلى منهج الله، وإلى هدي رسول الله.
وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وجزاكم الله خيراً.