أيتها المستمعات المسلمات: السلام عليكن ورحمة الله وبركاته.
نحن في هذا اللقاء من وراء حجاب مع موضوع بعنوان "عبادة المرأة المسلمة في رمضان" وقبل أن نتكلم عن جوانب هذه العبادة في رمضان، أود أن أقول في بداية هذا الكلام: إن شهر رمضان لهذه السنة قد جاء بعد ظروف عصيبة، وأيام شديدة مرت علينا، وإن مجيء هذا الشهر بعد هذه المحنة مباشرة، وبعد انقضاء هذه الأيام العصيبة له مدلولات معينة، وإن طعم شهر الصوم بعد هذه الفتنة يختلف عن الرمضانات الماضية.
أيتها المسلمات: ينبغي أن نتعلم من مجيء هذا الشهر مباشرة بعد الأزمة شكر الله سبحانه وتعالى على ما منَّ به علينا من السلامة، وعلى ما من به علينا من زوال الخوف الذي سلَّطه علينا في الأيام الماضية، ونتعلم بأن نعم الله يجب أن تشكر، وأن كفران النعم يؤدي إلى مثلما أدت إليه الأحداث الماضية، وما حل بأقوام من حولنا من المصائب العظيمة لهي دليل على أن نقمة الله تحل بالمكذبين والكافرين بنعمته عز وجل: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ [النحل:112].
وهذا الشهر الكريم، شهر تضرع إلى الله ورغبة إليه، فكيف إذا كان بالإضافة إلى الصوم، وبالإضافة لما ينبغي أن يكون في هذا الشهر من التبرع، كيف إذا كان الأمر يوجب تضرعاً خاصاً آخر مما حصل ومن نتيجة ما جرى: فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا [الأنعام:43] فينبغي أن تكون العبادة في هذا الشهر وشكر النعمة فيه أعلى بكثير من الأشهر الماضية؛ لأن الله قد هزَّ القلوب، ولأن الله قد ابتلى، ولأن الله قد أحل بأقوام من الكافرين والظالمين أنواعاً من نقمته، ونحن ينبغي أن نخاف الله عز وجل في أن يصيبنا مثلما أصابهم أو أشد.
أيتها المسلمات: إن موسم العبادة عندما يأت في هذا الوقت بعد هذه المصيبة التي حصلت والتي لا زالت آثارها تتتابع حتى الآن، إننا نتعلم من خلال هذا أن الله سبحانه وتعالى يبتلينا بالشر كما يبتلينا بالخير، فينظر كيف نعمل، فلذلك إذا كنا نتوب إلى الله في الرمضانات الماضية فإن توبتنا في هذا الشهر ينبغي أن تكون أكثر، وإذا كنا نعبد الله في الرمضانات الماضية ونقوم فإن قيامنا وعبادتنا ينبغي أن تكون أكثر.. وهكذا.
وكذلك فإن تعلم هذا الإخلاص من شهر الصوم وشهر الصبر ينعكس على الأعمال الأخرى التي لا بد أن يبتغى فيها وجه الله، سواءً كانت هذه الأعمال دعوة أو طلب علم أو أعمالٍ خيرية.. أو نحو ذلك.
وينبغي عليها أن تعلم أحكام النية، من تبييت نية الصيام من الليل ولو قبل الفجر بلحظة، فإذا طهرت قبل الفجر عليها أن تنوي لكي تأتي للصوم عبادة صحيحة، وتبدأ به كما أمر الله، قال عليه الصلاة والسلام: (لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل).
وكذلك فإنه ينبغي عليها أن تتعلم -مثلاً- ماذا يجب عليها أن تفعل إذا حاضت أو طهرت أثناء اليوم في رمضان.
وكذلك لا بد أن تعلم أنها لو كانت تتوقع الحيض في اليوم القادم فلا يجوز لها أن تنوي الإفطار غداً؛ لأن الحيض قد يتأخر، فتكون لم تبيت النية فتقع في إشكال كبير، فينبغي لها ألا تقطع نية الصوم حتى ترى الدم، فتعلم أن الصيام قد بطل وأنها الآن يجب عليها أن تفطر، وقد ذكرنا طائفة كثيرة من أحكام الصيام في محاضرة بعنوان "خلاصات لأحكام الصيام" يمكن الرجوع إليها إذا شاءت المرأة المزيد.
فنقول: إن من أنواع الرضا بالقضاء: الرضا بالقضاء الشرعي، والله سبحانه وتعالى قد قدَّر على المرأة أن تحيض، وأوجب عليها أن تفطر، وتقضي بعد ذلك، ورضي لها بهذا ديناً، فينبغي أن ترضى بما رضيه الله لها، وما دامت لم تفعل محرماً فلماذا تلوم نفسها، ولماذا تندب حظها، ولماذا تعنف هذه الخواطر التي تأتيها في نفسها؟
فنقول: ينبغي أن ترضى بما رضي الله لها، وهذه قسمة الله ومشيئته، وله في ذلك حكمة عظيمة سبحانه وتعالى.
وكذلك أن تستحي فتصوم في وقت العادة أمامهم؛ كي لا يشعروا أن العادة قد جاءتها، فتصوم من حيث يجب عليها أن تفطر؛ فتكون مخالفة لأمر الله سبحانه وتعالى، فالواجب عليها إذاً ألا تتحرج من هذا الأمر؛ لأنه شيء كتبه الله على بنات آدم (وإن حيضتك ليست في يدك).
ولذلك نقول لكثير من السائلات اللاتي يسألن عما مضى من الصيام ويقلن: إن الإحراج قد أدى بنا إلى أن نصوم أوقات العادة، ولم نقض فيما مضى من حياتنا المبكرة في فترة البلوغ؟
فنقول: إن هذا ذنب يحتاج إلى استغفار، ويجب المبادرة إلى قضاء ما مضى من أيام العادة التي لم تقض، وإذا مرَّ رمضان الذي بعده ولم تقض فإن عليها بالإضافة إلى قضاء ما مضى كفارة إطعام مسكين عن كل يوم لم تقضه من أيام الرمضانات الماضية التي جاء بعدها شهر رمضان ولم تقض.
ومن الأمور المتعلقة بالحيض: أن بعض النساء يعمدن إلى أخذ الحبوب التي تؤخر الدورة لكي يتسنى لهن الصيام، ولكي يشعرن أنه لم يفتهن شيءٌ من شهر الصوم.
فنقول: إن هذه الحبوب التي أفتى أهل العلم بأن أخذها جائز إذا لم تكن تضر، وإنني أشك بأنها تضر، والأمر عند الأطباء على العموم .. أقول: بأن عدم أخذها هو الأولى والأكثر أجراً، وهو اللائق برضى المرأة بحالها، وهذا حال أمهات المؤمنين، ونساء الصحابة والتابعين، فإنهن لم يأخذن شيئاً من الأدوية التي تؤخر الحيض أو تمنعه، وإنما كانت إحداهن إذا طهرت صامت، وإذا حاضت أفطرت، وترضى بذلك وتقضي بعده، والحمد لله رب العالمين.
ومن وجوه عبودية المرأة في شهر رمضان ما يحدث من مقاومتها لنفسها لامتناعها عن الطعام والشراب والنكاح، فيكون لهذا منعاً للنفس عن مألوفاتها، وهو تعويد وترويض لكف النفس عن الشهوات المحرمة في ليالي رمضان وأيام الشهور في غير رمضان، وذلك أنها إذا تعودت على الامتناع عن الطعام والشراب والنكاح في نهار رمضان فإنه يجب عليها بالتالي أن تمتنع عن المحرمات الأخرى كالغيبة، والنميمة، والغناء، وأنواع الفسق والفجور، والتكشف، ونزع الحجاب أو التقصير فيه، وسائر المحرمات، فهذا شهر تتعود فيه النفوس، ويسهل فيه ترك ما كان مألوفاً في السابق.
كذلك يتسنى للمرأة من أنواع العبودية حضور مجالس الذكر في المساجد، فإن كثيراً من المساجد قد يكون فيها أنواع من الدروس التي يكون فيها تعليماً لأمورٍ من الشريعة ما تستنير به في أمور العبادة، وتتعلم به من أحكام الدين، فينبغي أن تحضر تلك المجالس بوعي، وتفتح ذهنٍ، واستعداد للتقبل، حضوراً شرعياً خالياً من الزينة المحرمة، والأطياب المحرمة، وأي مظهر من المظاهر التي لا يرضى الله للمرأة أن تظهر بها أمام الرجال، خصوصاً وأننا نرى من ذلك أموراً كثيرة من حضور بعضهن مع السائق بمفردها، أو أن تكون غير محتشمة معه، فإذا نزلت من السيارة فإنها تلبس وتستكمل حجابها لتدخل المسجد.
واعجباً لها! إذا جاءت إلى المسجد فإنها تستكمل الحجاب، وفيما عدا ذلك تراها مقصرة فيه، إضافة لما كان يبدو منها من الزينة والمكياج أو العطورات وهي تسير، خصوصاً وأنه يحصل عند دخول المسجد وعند الخروج منه بالذات نوع من اختلاط النساء بالرجال، فينبغي الحذر من ذلك؛ لأن هذا يسبب فتنة، وقد أخبر عليه الصلاة والسلام أن من أشد أنواع الفتن فتنة الرجال بالنساء.
وتتمكن في حضور مجالس الذكر من السؤال: فينبغي عليها أن تهتم به وتوجه ما يدور في ذهنها من الأسئلة إلى الموثوق بهم من أهل العلم وطلبة العلم؛ حتى يجاب عن سؤالها، وتزول حيرتها، وتستطيع كذلك من مجالس الذكر الالتقاء بالأخوات المسلمات الطيبات اللاتي هن زينة في الرخاء، وعدة في البلاء، التقاءً طيباً مفيداً قائماً على التعاون في تلخيص الأشياء المفيدة، وتبادل المنافع الشرعية، وإنني أنبه على ما يحصل في بعض المساجد من التشويش الدائم من قبل النساء في أقسام النساء في المساجد عند التقاء بعضهن ببعض، وكأن المسجد قد جعل مجلساً عاماً تحصل فيه هذه الجلسات التي يدور فيها الكلام بصوت عالٍ يصل إلى الرجال، فأقول: إن هذا الأمر ينافي العبادة المطلوبة من المرأة في رمضان.
الخلاصة: أنها إذا كانت لا تستطيع الصوم أبداً كما قرر الأطباء وعلم من حالها ذلك، فإن الآية في حقها تنطبق كما انطبقت في حق المريض الذي لا يرجى برؤه، والكبير في السن، فالكبير في السن العاجز يطعم عن كل يومٍ مسكيناً، كما قال الله: فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة:184].
وأما المريض الذي يرجى برؤه والحامل والمرضع التي يتوقع زوال عذرها فليس عليهم إلا القضاء فقط، بشرط ألا يتعدى رمضان الذي بعده إلا لعذر، كأن تكون المرأة حاملاً ثم تضع في رمضان وتصبح نفاساً، ثم ترضع وقد تحبل مرة أخرى مباشرة في رضاعها فيكون عذرها مستمراً لأكثر من سنة، فلا تستطيع أن تقضي ما عليها من رمضان الفائت قبل رمضان الآتي، فتكون معذورة في تأخير القضاء من رمضان الماضي إلى ما بعد رمضان الآتي؛ لأن الحمل استمر مرة أخرى، والرضاع الذي بعده قد استمر، وهذا من رحمة الله بها، فتحمد الله عليها.
وكذلك فإن هذا التأخير في القضاء الذي وسع لها إلى رمضان القادم يراعى فيه أمر آخر وهو حق الزوج، وحق الزوج عظيم أوصت به الشريعة، وحث على أدائه الله ورسوله، كما حثَّ الله ورسوله على أداء الرجل حق زوجته عليه، ولذلك فإن عائشة رضي الله عنها كانت تؤخر قضاءه إلى شعبان من أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمنعها من القضاء إلا الشغل برسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا يبين الحق العظيم للزوج، فمن مراعاة المرأة لزوجها أن تحرص على خدمته، وعلى تهيئة جو العبادة الطيب في بيته، وأن تعينه على العبادة في ذلك؛ من إيقاظه للسحور، وصنع طعام السحور له، وكذلك تجنيبه نفسها، فإنه يجب عليها أن تمتنع عن زوجها، وأن تحرص على سلامة صومه، ولذلك فإن بعض الرجال يتمادون في الاستمتاع بالزوجات في نهار رمضان، بحيث يؤدي إلى إفساد الصوم من حدوث الإنزال أو الجماع ونحوه، وتكون الكارثة العظيمة والكفارة الشديدة لمن وقع في الجماع، والمرأة عليها من كفارة الجماع مثلما على زوجها إذا كانت مطاوعة له ومختارة، فأما إذا كانت مكرهة أو مهددة تهديداً تعلم أنه سينفذه فيها، فإن الإثم والكفارة عليه، وليس عليها إثم ولا كفارة، ولكنها مسئولة عن التحرز من الأحوال التي يقترب فيها منها زوجها أثناء اليوم من رمضان، ولذلك كان لزاماً عليها أن تتجنب التزين له مثلاً، والاقتراب منه إذا كانت تعلم أن زوجها لا يملك نفسه، وأن تهرب منه إذا حاول إفساد صومه بواسطتها.
ولتعلمي -أيتها المرأة المسلمة- أن خدمتك في بيتك أمر عظيم، له أجر جليل، وإنني أعلم أن كثيراً من النساء يتعبن في هذا الشهر كثيراً بسبب حصول العمل الشاق في البيت، فالولد يحتاج إلى خدمة، والبيت يحتاج إلى تنظيف، والأكل والطعام يحتاج إلى طبخ، والزوج يحتاج إلى خدمة أيضاً، ووقت الإفطار قد يحين بسرعة، وهي مسئولة عن تجهيز الطعام للإفطار أو السحور ونحو ذلك.
ولذلك فإن المرأة تتعب في شهر الصوم ربما أكثر من غيره من الشهور؛ لكثرة الأعمال المتزاحمة فيه، والمشقة الزائدة والتعب الناتج عن ترك الطعام والشراب، ولذلك: "فإن المعونة تنـزل على قدر المئونة" وإن الله يساعد المرأة المسلمة ويعينها سبحانه وتعالى إذا كانت طائعة له في القيام بهذه الواجبات كلها.
إن تحمل انفعالات الزوج في رمضان التي تنتج من سوء خلقه وضيق نفسه نتيجة التعب والعمل والصيام، مع أنه يجب عليه أن يضبط نفسه.. إن تحمل هذه الأمور التي تصدر عنه من العصبية الزائدة مثلاً إنه أمر -فعلاً- محل تقدير، ومحل تسجيل من الملائكة الحفظة لأجر هذه المرأة التي تتحمل كل ذلك.
ونقول أيضاً بالنسبة لإطعام الطعام: بعض الناس يطبخون طعاماً فيرسلونه إلى أناس عندهم طعام كثير، ولا يتحرون في إرسال الطعام إلى الفقراء حقاً أو المساكين، أو العزاب الذين لا زوجات يطبخن لهم من الجيران، بعضهم قد يكون أعزباً لا زوجة له، فينبغي أن يتفقد أحوال هؤلاء كالطلاب والموظفين العزاب وغيرهم، هذا أولى من تبادل الأطعمة مع الجارات، وكل واحدة تعرف من ألوان الطبخ ما تعرف، وأنا لا أقول: إن تبادل المطعومات مع الجارات شيء محرم! كلا. إنه أمر ولكن انتبهن إلى إيصال الطعام لمن يستحقه ويحتاج إليه أكثر، بدلاً من إعطائه لأشخاص هم أغنياء عنه، وحرمان الناس الذين يحتاجون إليه حقاً.
وكذلك أنبهك -أيتها الأخت المسلمة- بأن حديث: (من فطر صائماً فله مثل أجره) أي: أشبعه، فمن أشبع صائماً فله مثل أجره، أقول: قد تتخيل بعض النساء أن الزوج الذي اشترى الطعام بنقوده هو الذي أخذ الأجر، وأنها مجرد طباخة، فأقول: كلا .. ألست تعلمين أن الله يدخل في السهم الواحد ثلاثة نفر في الجنة؟ الذي يبريه ويناوله ويرمي به كلهم مأجورون، وأنت تساهمين في تفطير الصائم عندما يحضر لدى زوجك عددٌ من الضيوف، أو يرسل الزوج طعاماً لبعض الفقراء أو المساكين أو الذين ضاقت أمورهم، فتكونين أنت داخلة في هذا الحديث إن شاء الله من جهة عملك وخدمتك في إعداد طعام الإفطار: (من فطر صائماً فله مثل أجره).
وكذلك فإنني أقول: إنه لا بد من مراعاة إيقاظه للصلوات، خصوصاً صلاة الظهر وصلاة العصر، وكذلك الفجر لمن ينام متأخراً، وفي رمضان يفوت الناس صلاة العصر أكثر من أي صلاة أخرى، فينبغي عليك -أيتها المسلمة- أن تراعي أهل بيتك من الرجال الذين تجب عليهم صلاة الجماعة في المسجد، أن يخرجوا إلى الصلاة، وأنك راعية في بيت زوجك ومسئولة عن رعيتك، ومن المسئولية حثهم على الصلاة وإيقاظهم لها، وإنني أعلم أن بعض الأزواج من الذين لا يخافون الله تماماً يمنع زوجته من إيقاظه، ويقول لها: اتركيني حتى أستيقظ ولا تقتربي مني أو تزعجيني.. ونحو ذلك، فنقول: عليكِ بالنصيحة والتلطف، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا تفعلين شيئاً فيه مفسدة أكبر من المصلحة، لكن عليك باستمرار النصيحة، وحثَّ الرجال على العبادة ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.
وأشدد وأكرر أيضاً على مسألة الإكثار من الطعام، ووضعه ورفعه، طوال الليل والمائدة موضوعة مثل البوفيه، الذي يأتي إليه الناس ويأكلون عدة مرات، كما قال ذلك الرجل معاتباً قومه الذين يكثرون الأكل في رمضان: إنكم تأكلون الأرطال، وتشربون الأسطال، وتنامون الليل ولو طال، وتزعمون أنكم أبطال؟!! كلا، كلا، فليست هذه ببطولة.
فأقول إذاً: تحركي بما تستطيعين أو تجودين به من الصدقات في أنواع البر المختلفة، والذي حصل من النساء -ولله الحمد- الآن تفتح كبيرٌ لها، وإسهامات عظيمة في التجميع والإيصال والحمد لله، وأنبه في هذه المناسبة إلى أن على النساء تمحيص جمعيات البر؛ لأن بعضها جمعيات سوء، وبعضها جمعيات صلاح وتقوى.. بعضها أسس على تقوى من الله ورضوان، وبعضها أسس على شفا جرف هار، فعليك بتمييز الجمعيات الطيبة وإشهارها والإعلان عنها، والنصيحة بالتبرع لها، والمساعدة فيها، والتحذير من الجمعيات السيئة، وعدم إعانتهم بشيء إذا كانوا يريدون قصداً سيئاً، أو يخفون أهدافاً سيئة، واحذري من القيل والقال .. وعليك من التأكد والتثبت .. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [الحجرات:6].
أيتها الأخت المسلمة! إن زكاة مالك مهم، فإن الناس كثيراً لا يعتادون إخراج الزكاة في رمضان، فعليك بإخراج الأموال الزائدة عندك، وإذا كانت لديك أراضٍ معدة للبيع فأخرجي زكاتها، وإذا كان لك تجارة أو حصة في دكان أو عروض تجارة، فتقوم عروض التجارة عند حلول الحول، ويخرج (2.5%) من قيمتها الحالية في السوق، وما لديك من الحلي الملبوس والمدخر والمعار وغيره، فأخرجي زكاته على القول الراجح من أقوال أهل العلم المستند للدليل، وهو قوله عليه الصلاة والسلام للمرأة لما قال لها: (أتؤدين زكاة هذا؟ قالت: لا. قال لها: أيسرك أن يسورك الله سوارين من نار يوم القيامة؟) فعليك معرفة ثمن الحلي عند حلول الحول بالتقريب، فأكثر، وكذلك إذا كان عندك حلي للبنات تخرجين زكاة كل بنت على حدة، تعامل كل بنت بنصاب منفصل، فلو كانت البنت عندها أربعين غراماً لا يجب عليها، والبنت الثانية عندها خمسون غراماً لا يجب عليها، لكن لو أن البنت الواحدة عندها تسعين غراماً مثلاً أو مائة يجب عليها، وأنت تلاحظين زكاة ذهب بناتك أنت، وتخرجينها بالنقود أو من نفس الذهب، أو ببيع قطعة منه، أو يتبـرع الزوج عنك بعلمك، كل ذلك جائز والحمد لله.
وبعض النساء اعتدن على إعطاء أسر قد أغناها الله، كانوا قبل ذلك أيتاماً وأرامل لكن الآن أغناهم الله، فلا يجوز الاستمرار في إعطائهم وقد أعطاهم الله، ولم يصبحوا من أهل الآية الكريمة، إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ [التوبة:60]، فينبغي البحث عن المستحقين الآخرين.
وأقول أيضاً: إنه يجب انتهاز فرصة رمضان لإصلاح البيوت، فاستعيني بالله على إخراج وسائل المنكر من البيت، والحث على إخراجها، ومنع دخولها إلى البيت، لكي تكتمل العبادة، لأنه ما معنى أن يطاع الله في النهار ويعصى في الليل وهو رب الليل والنهار؟! ولذلك بما أن النفوس مشحونة بالعبادة وبالإيمان.. مشحونة بالزاد الأخروي الآن فانتهزي الفرصة في القضاء على وسائل الإفساد في البيت، وعلى تطهير البيت من جميع المحرمات، خصوصاً أن نفس الزوج قد تكون مهيئة، ونفوس الأقارب تكون مهيئة، فانتهزي هذه الفرصة لكي تحافظي على بيتك، وتخرجي ما يمكن إخراجه، أو كل ما هو من أدوات المنكر، وتدخلي فيه كل شيء طيب من الأشياء التي تزيد في إيمان أهل البيت، وتسبب الفقه في الدين، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قال: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين).
وأقول كذلك: إن المرأة المسلمة قد تسأل مثلاً عن حكم ذوق الطعام أثناء طبخه في رمضان.
أقول: إن ذلك جائز ولكن لا أجيز لك أن تبتلعيه، بمجرد ما تذوقين بطرف اللسان فإنك تلفظيه إلى الخارج.
أكتفي بهذه النصائح من بيان بعض أوجه عبادة المرأة المسلمة في رمضان، على أن نتابع الكلام في أمور أخرى تتصل بمواضيع النساء في مرة قادمة إن شاء الله، أسأل الله لي ولكن التوفيق والسداد والإخلاص، والأجر العظيم، والمغفرة والرحمة، والسلام عليكن ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر