إسلام ويب

الشيطان وجنودهللشيخ : أحمد القطان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • خلق الله الشيطان وجعله أعدى عدو لنا، وأمرنا بمجاهدته والحذر من وساوسه، ومبيناً أنه يسعى جاهداً أن يجعلنا نعصي الله عز وجل، ونتمادى في المعاصي والجرأة على الله عز وجل، حتى يحرمنا من الجنة كما أخرج أبوينا منها، وإبليس له عدة طرق ووسائل لإضلال العباد وصدهم عن الصراط المستقيم.

    1.   

    التحذير من الشيطان واتباعه

    إن الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه, كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه, وكما يحب ربنا أن يحمد وينبغي له في الدنيا والآخرة, حمداً خالداً مع خلوده, لا منتهى له دون علمه, ولا منتهى له دون مشيئته, ولا أجر لقائله إلا رضاه, والنظر إلى وجهه الكريم في جنات النعيم, حمداً لا ينقطع أوله, ولا ينفد آخره, أبد الأبد, يتضاعف أضعافاً مضاعفة, كما ينبغي لأسمائه الحسنى ما علمنا منها وما لم نعلم, وصفاته العلى ووحدانيته كما يحمد نفسه بنفسه، ليس كمثله شيء في حمده وهو الولي الحميد, وكما يحمده حملة عرشه والملائكة المقربون، ومن حول العرش يسبح بحمده, وكما يحمده النبيون والمرسلون والصديقون والمحدثون والشهداء والصالحون, وله الحمد عدد ما أحاط به علمه وخط به قلمه, وأحصاه كتابه، وبلغ فيه لطفه، وأدركه بصره وقهره وملكه, ووسعته رحمته، ورضيته نفسه, أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا مضل لمن هديت، ولا هادي لمن أضللت، ولا رافع لما خفضت، ولا خافض لما رفعت, ولا مباعد لما أدنيت, ولا مدني لما باعدت, ولا قابض لما بسطت, ولا باسط لما قبضت, ولا ينفع ذا الجد منك الجد.

    سبحانك ملك الملوك, استوى على العرش فحكم على كل العروش بالتدمير, واستوت قدمه على الكرسي فوسع السماوات والأرض, أنت الأول والآخر والظاهر والباطن, لا إله إلا الله, لا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون, لك الحمد، تتابع برك, واتصل خيرك, وكمل عطاؤك, وعمت فواضلك, وتمت نوافلك, وبر قسمك, وصدق وعدك, وحق على أعدائك وعيدك, ولم تبق حاجة لنا إلا قضيتها برحمتك يا أرحم الراحمين!

    اللهم إنه ليس عندي شيء، ولست بشيء، ولا أملك شيئاً، وإنما هو فضلك وحدك لا شريك لك, نحن عبيدك وبنو عبيدك وبنو إمائك، نواصينا بيدك, ماضٍ فينا حكمك, عدل فينا قضاؤك، لا إله إلا أنت, وأصلي وأسلم على قدوتي وقائدي وقرة عيني ومعلمي محمد النبي الرسول, عبد الله ورسوله, وارض اللهم عن الصحابة أجمعين والتابعين.

    اللهم ألف على الخير قلوبنا, وأصلح ذات بيننا, واهدنا سبل السلام, ونجنا من الظلمات إلى النور, اللهم إنا نسألك تحرير فلسطين والمسجد الأقصى, اللهم إنا نسألك تحرير المسجد الأقصى, اللهم ارزقنا فيه صلاة طيبة مباركة, اللهم انصر أولياءك المجاهدين, وفك سجن المسجونين, وأسرى المأسورين في سجون الطواغيت يا رب العالمين!

    اللهم اكفف همهم, وادفع غمهم, ونفِّس كربهم، واحفظ دينهم, واحقن دماءهم, واملك أموالهم, واحفظ عقيدتهم, واستر أعراضهم, وحقق بالصالحات آمالنا وآمالهم, واختم بالطاعات أعمالنا وأعمالهم.

    اللهم نسألك بعزتك وذلنا بين يديك إلا رحمتنا، وبقوتك وضعفنا وغناك عنا وفقرنا إليك إلا أغنيتنا, هذه نواصينا بين يديك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك, عبيدك سوانا كثير, وليس لنا رب سواك, نسألك مسألة المسكين, ونبتهل إليك ابتهال الخاضع الذليل, وندعوك دعاء الخائف الضرير, سؤال من خضعت لك رقبته, ورغم لك أنفه, وفاضت لك عيناه, وذل لك قلبه, يا أرحم الراحمين! يا من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء اكشف ما بأمتنا من سوء, اكشف ما بأمتنا من سوء, اللهم من أراد بنا سوءاً فأشغله في نفسه, ومن كادنا فكده, واجعل تدميره تدبيره, اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام, واحفظنا بركنك الذي لا يرام, وارحمنا بقدرتك علينا, ولا نهلك وأنت رجاؤنا يا أرحم الراحمين!

    عباد الله: أوصيكم ونفسي المقصرة الذليلة الفقيرة بتقوى الله.

    أحبتي في الله! يخبرنا الله عن أعدى عدو لنا: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً [فاطر:6] ولنستمع ماذا يقول الله عن هذا العدو, أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً * قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُوراً * وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ [الإسراء:62-64] إذاعات الطواغيت؛ صوت إبليس: وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ [الإسراء:64] الجيوش العربية التي تسحق الشعوب المسلمة, خيل إبليس: وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ [الإسراء:64] المباحث والمخابرات, زوار الفجر, الذين ملئوا البيوت حزناً وبكاءً ويتامى وأرامل هم رجال إبليس: وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً [الإسراء:64] الأولاد الذين يحبون جاكسون المغني, والذين يتتبعون أخبار بيوتات الأزياء, وما تنتجه محطات الغناء, لا شك أنهم من أبناء إبليس إن لم يرحمهم الله: وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ [الإسراء:64] سوق البورصة والمناخ, والمعاناة التي تعانيها أكثر من ستين ألف أسرة في الكويت، شارك إبليس فيها بالربا, وأصبحت الآن آلاف المحلات والدكاكين عاطلة محق: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ [البقرة:276] كل ذلك بسبب طاعة الشيطان: وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ [الإسراء:64] قال صلى الله عليه وسلم: (إذا جاء الرجل أهله- أي: زوجته- ولم يقل: باسم الله, اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا, أتى الشيطان معه) ويخرج ابنه نزغة إبليس, وكم يغفل الإنسان عن هذا: وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ [الإسراء:64] عدهم، البيت الأبيض هو رمز العزة، البيت الأحمر هو الذي سوف يحرر فلسطين، قال ريجن، قال بيجن، قال مونتقمري، قال نابليون. ويستحون أن يقولون: قال محمد صلى الله عليه وسلم, أخذوا عهود الشياطين ووعودها, ولجئوا إلى البيتين الضالين المنحرفين, ألا إن الطواف حولهما من محدثات الأمور: (وكل محدثةٍ بدعة, وكل بدعةٍ ضلالة, وكل ضلالةٍ في النار)... وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً [الإسراء:64].

    ويقول رب العزة: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً [الإسراء:65] إذاً الذي يدفع الشيطان هو التوكل على الله: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [التوبة:51] .. إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [هود:54-56] ولاية من الله، ولي الصالحين: قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ * إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ [الأعراف:195-196] تفويض: فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ [غافر:44-45] توكلوا على الله عباد الله: عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [يونس:85-86].

    1.   

    تدرج الشيطان في إضلال العباد

    ويقول الله سبحانه مخبراً عنه: قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ * قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ [الأعراف:16-18] وانطلق الشيطان إلى الأرض، وأخذ يطوف ويدور بالإنسان من جميع الجهات, من فوق ومن تحت، وعن يمين وشمال, يؤزه, فإذا بلغ سن التكليف ظل يحاول به وهو على الفطرة فلم يطق.

    إيقاع العبد في الشرك

    يخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن سبب بكاء الطفل ساعة ولادته أنه من وخز الشيطان ونخسه, فإن الشيطان يغتاظ إذا ولد المولود على الفطرة فينخسه فيصيح الطفل عند الولادة, فإذا عجز الشيطان عنه جاء إلى أبويه فيهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه, وإذا كان مسلماً موحداً من أبوين مسلمين، جاءه وقال له عند سن التكليف: أنكر وجود الله, وأخذ يسول إلى أهله أن يرسلوه إلى الدول الشيوعية يدرس هناك ويتخرج دكتوراً أو مهندساً, وإذا ما أرسلوه عاد لهم علمانياً أو شيوعياً يرفع شعار ماركس : لا إله والحياة مادة، وما يهلكنا إلا الدهر!

    فإذا اجتاز الإنسان هذه العقبة التي صرخت بها جميع الرسل لجميع الأمم: أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [إبراهيم:10] انتقل معه إلى عقبة ثانية أن يجعله يعترف بوجود الله، لكن يشرك معه إلهاً آخر, ابتداءً من الدرهم والدينار، والقطيفة والخميصة والزوجة إلى هواه، وإلى الأنداد والآلهة من الشجر والبقر والحجر والبشر, وإذا فعل ذلك خرج من رحمة الله ولا يغفر الله له أبداً: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48].

    من طرق الشيطان في إضلال العباد جرهم إلى البدعة

    فإذا استنقذه الله بنور الهداية واجتاز هذه العقبة هبط معه الشيطان في محاولة ثالثة وفي عقبة ثالثة, وأزه إلى البدعة, وكل بدعة ضلالة؛ لأنه إما أن يزيد في الدين عما جاء به الحبيب محمد فيعبد الله بخلاف ما جاء به الحبيب, أو أنه ينكر بعض صفات الله وأسمائه وأفعاله ويئولها ويحرفها ويلحد في أسماء الله, وهذا من الصعب شفاؤه؛ لأنه يرى بدعته ديناً.

    من طرق الشيطان في إضلال العباد جرهم إلى ارتكاب الكبائر

    فإذا عجز عنه انتقل معه إلى العقبة الرابعة وهو أن يكون من أصحاب الكبائر: الزنا, الربا, الخمر, عقوق الوالدين, قطيعة الرحم ... إلى آخره من السبع الموبقات, ويأتيه ببيت من الشعر يقول له:

    كن كيف شئت فإن الله ذو كرمٍ     وانف الهموم فما في الأمر من بأس

    إلا اثنتين فلا تقربهما أبداً     الشرك بالله والإضرار بالناس

    وهذا شعر شيطاني, يقول له: لا تشرك بالله, لأنه عجز عنه, أول مرة قال له: أشرك بالله ما استطعت, والآن يقول له: لا تشرك, ولا تضر الناس, وافعل ما تشاء غيرهما .. اسكر ..ازن .. افجر, افعل ما تريد فربك غفور رحيم.

    وإذا لم يستنقذه الله بالتوبة النصوح التي يقول الله عنها: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82].. إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:70] إن لم يستنقذه بالتوبة كان من الهالكين, والإدمان على الكبائر طريق الموت على الكفر والعياذ بالله.

    من طرق الشيطان في إضلال العباد تزيين الإصرار على الصغائر

    إذا عجز إبليس في هذه المحاولة، هبط في عقبة أخرى فزيّن له الصغائر وهونها في عينه, ويذكره الشيطان بآيات من كتاب الله يقول: إِلَّا اللَّمَمَ [النجم:32] وهذه من اللمم, واللمم تكفرها الصلاة إلى الصلاة, والعمرة إلى العمرة, والحج إلى الحج, ورمضان إلى رمضان, والجمعة إلى الجمعة, كلها تكفرها فلا تعبأ بها فيصر عليها, والإصرار على الصغيرة قد يجعلها كبيرة, إذ لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع إصرار, وإذا أصر عليها أهلكته، وقد ضرب النبي للمصر على الصغائر مثلاً، فقال: (إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على المرء حتى يهلكنه, ومثلها كمثل قوم في فلاة أرادوا أن يطبخوا، فأتى هذا بعود وذاك بعود حتى أوقدوا ناراً وأنضجوا خبزهم) هذا هو التصوير النبوي, هذا أتى بعود، وهذا أتى بعود حتى أُشعِلت نار هائلة, فاحذر من الشيطان أن يسول لك ويُهوِّن, بل أعقب كل صغيرة بحسنة:وَيَدْرَأُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ [الرعد:22].

    من طرق الشيطان في إضلال العباد ترغيبهم في الأخذ بالمرجوح

    إذا عجز الشيطان ورآه عبداً متيقظاً منتبهاً متبعاً للهدي -الكتاب والسنة- داعياً آمراً, هبط معه بمحاولة أخرى وعقبة أخرى, فأخذ يزين له الأعمال المرجوحة لكي يضيع عليه الراجح, ويحاول به قبل هذه بالمباحات, والمباحات كثيرة, فعلى سبيل المثال يفتنه في الحدائق مثلاً, ويبدأ ليله ونهاره يفكر في هذه اللعبة وهذه الهواية, ومنها هوايات كثيرة ما لا يعلم عددها إلا الله, ويقول: هذا مباح, رَوِّح عن قلبك, ساعة وساعة! ويبدأ يشغله بالمباحات حتى يترك السنن, ويكتفي بالفروض فقط, ثم ينتقل معه بعد ذلك فيقتلعه من فروض المساجد, ثم يحاول معه فيقتلعه من فروض البيت, فيبدأ يصلي فرضاً ويترك فرضاً, وبعدها يقتلعه من فروض البيت ويصلي من الجمعة إلى الجمعة فقط, ثم بعد ذلك ينتزع منه الجمعة, ويقول: الصلاة رياضة وأنا لا أحتاج للرياضة، لأنني بطل رياضي.

    ثم بعد ذلك إذا كان العبد متيقظاً مستعيناً بالله خاضعاً لله، جاءه يرغبه في المرجوح ويضيع عليه الراجح, يرغبه بالمفضول ويضيع عليه الفاضل, ويرغبه في المحبوب ويضيع عليه الأحب, ويرغبه بالمرضي ويضيع عليه الأرضى عند الله رب العالمين, فيعطيه جزئية من جزئيات الإسلام ويتركه يدور حولها كأنها هي الإسلام, فمثلاً يقول له: إن لأهلك عليك حقاً, وإذا أصلحت المرأة أصلحت الولد، وإذا أصلحت الولد أصلحت المجتمع, وإذا أصلحت المجتمع تيسر الدين, فيجعل همه في زوجته وما عنده إلا زوجته, لا يذهب مكاناً إلا وهو خائف على زوجته, لا يذهب إلى جهاد إلا وهو خائف على زوجته, لا يتحرك في الدعوة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنه خائف على بناته, ويحصر الدين عنده في زوجته وبناته فقط, ويفوت عليه عبادات ليس لها حصر, والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (الشيطان قعد في طريق المهاجر, وقعد في طريق المجاهد فقال: أتجاهد فتقتل, فتنكح الزوجة, وتقسم الأموال, وتيتم الأطفال؟! قال النبي صلى الله عليه وسلم: فعصاه فجاهد) لأن الجهاد ذروة سنام الإسلام, الأعمال فيها قاع وفيها ذروة سنام, والأدعية فيها سيد ومسود, سيد الاستغفار: (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت, أبوء لك بنعمتك عليّ وأبوء بذنبي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) فيفوت عليه سيد الاستغفار, وهكذا يجعله يهتم بالمرجوح حتى يذهب عنه الراجح, وإذا جاء يوم التغابن وجد الناس في الدرجات العلى في الجنة وهو يزحف على الصراط.

    فإذا كان العبد بفقهٍ واتباع وعلم ونور أخذ يعرف الفاضل من المفضول من الطاعات فيتحرى الفاضل.

    من طرق الشيطان في إضلال العباد إرسال جنوده

    ثم جاءه عن طريق شياطينه وجنده الأبالسة, وهذه الدرجة لا يكاد ينجو منها أحد حتى الأنبياء والرسل, يسلط عليهم أعوانه من الإنس والجن يتهمونهم فيقولون: هذا رجعي، هذا متأخر, وكلما قوي الإنسان في مراغمة أعداء الله من شياطين الإنس والجن بالجهاد والدعوة والصبر والخوف من الله, كلما شدد الشيطان عليه بجنوده, قال تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً [الفرقان:31] وقال سبحانه: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا [الأنعام:123] وقال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ [الأعراف:201] طائف يطوف لا يتركه, قال: تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ [الأعراف:201] يشع بصر العقيدة والعبادة في قلوبهم؛ لأن الشيطان لا يطوف حولهم إلا في ظلمات المعصية, فإذا شع نور التوحيد انبهرت عينه وولى هارباً: فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ [الأعراف:201].

    1.   

    عبادة المراغمة ونوافذ الشيطان إليها

    أحبتي في الله: وعبادة المراغمة من أحب العبادات إلى الله, لنستمع ماذا يقول الله سبحانه وتعالى عنها في كتابه الكريم: وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً [النساء:100] ويقول: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [التوبة:120].

    اللهم اجعلنا من المحسنين الذين يعبدونك كأنهم يرونك, اللهم اجعلنا من المتقين الذين إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون, اللهم إنا نعوذ بك من الشيطان وجنوده, اللهم إنا نعوذ بك من الشيطان الرجيم, والطاغوت الرجيم, والزعيم الرجيم, اللهم إنا نسألك دوام العافية في الدنيا والآخرة.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

    الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.

    أما بعد..

    عباد الله: يقول الله سبحانه عن مراغمة الشيطان والكفار وهو يصف أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ [الفتح:29] فكل من يتغيظ على أصحاب محمد فهو من الكفار, فالذي يسبهم أو يكفرهم أو يبغضهم, كبعض الفرق، فالله يقول في القرآن: لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ [الفتح:29] وعلى الإنسان أن يختار إما أن يحبهم فيحبه الله، أو يبغضهم فيبغضه الله، ميزان دقيق في عبادة المراغمة.

    والشيطان بالنسبة لهؤلاء المراغمين يحاول أن يدخل عليهم من ثلاث منافذ وهي من أخطر المنافذ:

    فإذا ما اعتدي على الإنسان جاءه من النافذة الغضبية قال: ويحك أتسكت له؟ انتصر لنفسك, اقتص لنفسك, إنك إذا تركته تكبر عليك, رد عليه الصاع صاعين, فإذا كان من أهل المراغمة، صاح صيحة القرآن: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ [آل عمران:134] فاندحر الشيطان.

    فإذا ولى جاء شيطان آخر ودخل من النافذة الانتقامية, والنافذة الانتقامية غير النافذة الغضبية, قال: انتقم لنفسك، وعلى الأقل أن تحمل في قلبك عليه، لا تجعل قلبك يرضى عنه, لا تضربه ولا تقتص منه, لكن لا تسامحه في قلبك, فإذا كان من أهل المراغمة صاح به الصيحة الثانية: وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ [آل عمران:134] فيندحر الشيطان.

    فيأتيه من النافذة الثالثة ويقول: إياك أن تحسن إليه, يكفي أنك ما غضبت عليه, وما انتقمت منه، فإذا احتاجك فلا تحسن إليه واتركه, فإذا كان من أهل المراغمة صاح به الصيحة الثالثة التي رافقت حب الله: وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:134] وهنا يولي الشيطان مجروحاً مكلوماً هزيلاً حقيراً ذليلاً, لا حول له ولا قوة, وهنا العبد ينتفض انتفاضة المنتصر على الشيطان ساجداً بقلبه إلى الله, لا يختار جوار أحد إلا جوار الله، فيصيح صيحة آسية زوجة الطاغوت فرعون: رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [التحريم:11] الجار قبل الدار, حكمة يقولها الناس مذكورة في القرآن: ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً [التحريم:11] أولاً عندك, وبعدها في الجنة: ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً [التحريم:11] الله أكبر! الجار قبل الدار!

    أحبتي الله: فمن جاور الله أعزه الله, ومن خاف الله أخاف الله منه كل شيء, ومن خاف غير الله أخافه الله من كل شيء حتى من نفسه.

    أحبتي في الله: لتكن هذه صيحتكم، كونوا من المقربين إلى الله, ألا يحب أحدكم أن يكون قريباً لله؟

    ألا يحب أحدكم أن يكون السابق لزمانه؟

    وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ [الواقعة:10-14] لأن هذه العبادة نادرة كندرة الخلافة الإسلامية في زماننا هذا.

    فاحرصوا أن تكونوا من مراغمي الشياطين والطواغيت ما استطعتم إلى ذلك سبيلاً, فإن هناك علاقة بين الطاغوت والشيطان: الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً [النساء:76] أضعفوه بمراغمة أعداء الله.

    أحبتي في الله: لا تخافوا إلا الله, اللهم إني أبرأ من الثقة إلا بك, ومن الأمل إلا فيك, ومن التسليم إلا لك, ومن التفويض إلا إليك, ومن التوكل إلا عليك, ومن الرضا إلا عنك, ومن الطلب إلا منك, ومن الصبر إلا على بابك, ومن الذل إلا في طاعتك, ومن الرجاء إلا لما في يديك الكريمتين, ومن الرهبة إلا لجلالك العظيم.

    اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته, ولا هماً إلا فرجته, ولا ديناً إلا قضيته, ولا مريضاً إلا شفيته, ولا ميتاً إلا رحمته, ولا ضالاً إلا هديته, ولا تائباً إلا قبلته, ولا عسيراً إلا يسرته, ولا سوءاً إلا صرفته, ولا عيباً إلا سترته يا أرحم الراحمين وأصلحته, ولا مسافراً إلا حفظته, ولا غائباً إلا رددته, ولا مجاهداً في سبيلك إلا نصرته, ولا عدواً إلا قصمته, اللهم هذا الدعاء ومنك الإجابة, وهذا الجهد وعليك التكلان, ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم, وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

    إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر! والله يعلم ما تصنعون.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755968166