الحمد لله رب العالمين، وبأسانيدكم إليه رحمه الله تعالى قال: [باب في إفراد الحج
حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي قال: حدثنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج ).
حدثنا سليمان بن حرب قال: حدثنا حماد بن زيد، ح وحدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد يعني: ابن سلمة، ح وحدثنا موسى قال: حدثنا وهيب عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت: ( خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم موافين هلال ذي الحجة، فلما كان بذي الحليفة قال: من شاء أن يهل بحج فليهل، ومن شاء أن يهل بعمرة فليهل بعمرة -قال موسى في حديث وهيب: فإني لولا أنى أهديت لأهللت بعمرة، وقال في حديث حماد بن سلمة: وأما أنا فأهل بالحج فإن معي الهدى، ثم اتفقوا- فكنت فيمن أهل بعمرة، فلما كان في بعض الطريق حضت فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقال: ما يبكيك؟ قلت: وددت أني لم أكن خرجت العام، قال: ارفضي عمرتك وانقضي رأسك وامتشطي -قال موسى: وأهلي بالحج، وقال سليمان: واصنعي ما يصنع المسلمون في حجهم- فلما كان ليلة الصدر أمر - يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم - عبد الرحمن فذهب بها إلى التنعيم ).
زاد موسى: (فأهلت بعمرة مكان عمرتها، وطافت بالبيت فقضى الله عمرتها وحجها).
قال هشام: ولم يكن في شيء من ذلك هدي.
زاد موسى في حديث حماد بن سلمة: (فلما كانت ليلة البطحاء طهرت عائشة).
حدثنا القعنبي عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: ( خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع، فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج وعمرة، ومنا من أهل بالحج، وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج، فأما من أهل بالحج أو جمع الحج والعمرة فلم يحلوا حتى كان يوم النحر ).
حدثنا ابن السرح قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني مالك عن أبي الأسود بإسناده مثله، زاد: (فأما من أهل بعمرة فأحل).
حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: ( خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فأهللنا بعمرة، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعاً، فقدمت مكة وأنا حائض ولم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة، فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: انقضي رأسك وامتشطي وأهلي بالحج ودعي العمرة، قالت: ففعلت، فلما قضينا الحج أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت فقال: هذه مكان عمرتك، قالت: فطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة ثم حلوا ثم طافوا طوافاً آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم، وأما الذين كانوا جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافاً واحداً ).
قال أبو داود: رواه إبراهيم بن سعد ومعمر عن ابن شهاب نحوه لم يذكروا طواف الذين أهلوا بعمرة، وطواف الذين جمعوا الحج والعمرة.
حدثنا أبو سلمة موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنها قالت: ( لبينا بالحج حتى إذا كنا بسرف حضت فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقال: ما يبكيك يا عائشة؟ فقلت: حضت ليتني لم أكن حججت! فقال: سبحان الله إنما ذلك شيء كتبه الله على بنات آدم، فقال: انسكي المناسك كلها غير ألا تطوفي بالبيت، فلما دخلنا مكة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شاء أن يجعلها عمرة فليجعلها عمرة إلا من كان معه الهدي، قالت: وذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه البقر يوم النحر، فلما كانت ليلة البطحاء وطهرت عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله أترجع صواحبي بحج وعمرة وأرجع أنا بالحج، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن أبي بكر فذهب بها إلى التنعيم فلبت بالعمرة ).
حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: ( خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نرى إلا أنه الحج، فلما قدمنا تطوفنا بالبيت، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن ساق الهدي أن يحل، فأحل من لم يكن ساق الهدي ).
حدثنا محمد بن يحيى بن فارس قال: حدثنا عثمان بن عمر قال: أخبرنا يونس عن الزهري عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي، قال محمد: أحسبه قال: ولحللت مع الذين أحلوا من العمرة، قال: أراد أن يكون أمر الناس واحداً )].
وفي هذا أنه لا حرج على الإنسان أن يقول: (لو) في تمني الخير وتحقق حصوله، بخلاف ما يفوت الإنسان من أمر الدنيا أو ما يلحق بالإنسان من عمل المصائب التي لو قال تلك الكلمة فربما عارض قدر الله جل وعلا، وفي هذه الأحاديث أيضاً دليل على أن الهدي يكون في مال الولي إذا كان الحاج صبياً أو امرأة ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام نحر وضحى عن نسائه بالبقر.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا الليث عن أبي الزبير عن جابر قال: ( أقبلنا مهلين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج مفرداً، وأقبلت عائشة مهلة بعمرة، حتى إذا كانت بسرف عركت، حتى إذا قدمنا طفنا بالكعبة وبالصفا والمروة فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحل منا من لم يكن معه هدي قال: فقلنا: حل ماذا؟ فقال: الحل كله، فواقعنا النساء وتطيبنا بالطيب ولبسنا ثيابنا، وليس بيننا وبين عرفة إلا أربع ليال، ثم أهللنا يوم التروية، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة فوجدها تبكي فقال: ما شأنك؟ قالت: شأني أني قد حضت وقد حل الناس ولم أحلل ولم أطف بالبيت والناس يذهبون إلى الحج الآن، قال: إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم فاغتسلي ثم أهلي بالحج، ففعلت ووقفت المواقف، حتى إذا طهرت طافت بالبيت وبالصفا والمروة ثم قال: قد حللت من حجك وعمرتك جميعاً، قالت: يا رسول الله إني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حين حججت، قال: فاذهب بها يا عبد الرحمن فأعمرها من التنعيم، وذلك ليلة الحصبة ).
حدثنا أحمد بن حنبل قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابراً قال: ( دخل النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة -ببعض هذه القصة قال عند قوله: وأهلي بالحج- ثم حجي واصنعي ما يصنع الحاج غير ألا تطوفي بالبيت ولا تصلي ).
حدثنا العباس بن الوليد بن مزيد قال: أخبرني أبي قال: حدثني الأوزاعي قال: حدثني من سمع عطاء بن أبي رباح قال: حدثني جابر بن عبد الله قال: ( أهللنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج خالصاً لا يخالطه شيء، فقدمنا مكة لأربع ليال خلون من ذي الحجة فطفنا وسعينا، ثم أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحل وقال: لولا هديي لحللت، ثم قام سراقة بن مالك فقال: يا رسول الله! أرأيت متعتنا هذه ألعامنا هذا أم للأبد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل هي للأبد ).
قال الأوزاعي: سمعت عطاء بن أبي رباح يحدث بهذا فلم أحفظه حتى لقيت ابن جريج فأثبته لي ].
وإنما سأل سراقة؛ لأن العمرة في أشهر الحج كانت من الكبائر في الجاهلية، فلما جاء النبي عليه الصلاة والسلام بالعمرة ظنوا أنها استثناء، فسأله هل هذا دائم أم لا، فبين النبي عليه الصلاة والسلام أن هذا للأبد.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد عن قيس بن سعد عن عطاء بن أبي رباح عن جابر قال: ( قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لأربع ليال خلون من ذي الحجة، فلما طافوا بالبيت وبالصفا والمروة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعلوها عمرة إلا من كان معه الهدي فلما كان يوم التروية أهلوا بالحج، فلما كان يوم النحر قدموا فطافوا بالبيت ولم يطوفوا بين الصفا والمروة ).
حدثنا أحمد بن حنبل قال: حدثنا عبد الوهاب الثقفي قال: حدثنا حبيب -يعني: المعلم- عن عطاء قال: حدثني جابر بن عبد الله ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل هو وأصحابه بالحج وليس مع أحد منهم يومئذ هدي إلا النبي صلى الله عليه وسلم وطلحة، وكان علي رضي الله عنه قدم من اليمن ومعه الهدي فقال: أهللت بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يجعلوها عمرة يطوفوا ثم يقصروا ويحلوا إلا من كان معه الهدي فقالوا: أننطلق إلى منى وذكورنا تقطر؟ فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت ولولا أن معي الهدي لأحللت ).
حدثنا عثمان بن أبي شيبة أن محمد بن جعفر حدثهم عن شعبة عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( هذه عمرة استمتعنا بها، فمن لم يكن عنده هدي فليحل الحل كله، وقد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ).
قال أبو داود: هذا منكر إنما هو قول ابن عباس .
حدثنا عبيد الله بن معاذ قال: حدثني أبي قال: حدثنا النهاس عن عطاء عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إذا أهل الرجل بالحج ثم قدم مكة فطاف بالبيت وبالصفا والمروة فقد حل، وهى عمرة ).
قال أبو داود: رواه ابن جريج عن رجل عن عطاء: ( دخل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مهلين بالحج خالصا فجعلها النبي صلى الله عليه وسلم عمرة ).
حدثنا الحسن بن شوكر و أحمد بن منيع قالا: حدثنا هشيم عن يزيد بن أبي زياد -قال ابن منيع: أخبرنا يزيد بن أبي زياد المعنى- عن مجاهد عن ابن عباس قال: ( أهل النبي صلى الله عليه وسلم بالحج، فلما قدم طاف بالبيت وبين الصفا والمروة - وقال ابن شوكر: ولم يقصر ثم اتفقا - ولم يحل من أجل الهدي، وأمر من لم يكن ساق الهدى أن يطوف وأن يسعى ويقصر ثم يحل، زاد ابن منيع في حديثه أو يحلق ثم يحل ).
حدثنا أحمد بن صالح قال: حدثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني حيوة وقال: أخبرني أبو عيسى الخراساني عن عبد الله بن القاسم عن سعيد بن المسيب ( أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فشهد عنده أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي قبض فيه ينهى عن العمرة قبل الحج ).
حدثنا موسى أبو سلمة قال: حدثنا حماد عن قتادة عن أبي شيخ الهنائي خيوان بن خلدة ممن قرأ على أبي موسى الأشعري من أهل البصرة أن معاوية بن أبي سفيان قال لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: ( هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كذا وكذا وعن ركوب جلود النمور؟ قالوا: نعم، قال: فتعلمون أنه نهى أن يقرن بين الحج والعمرة! فقالوا: أما هذا فلا، فقال: أما إنها معهن ولكنكم نسيتم )].
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الإقران
حدثنا أحمد بن حنبل قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا يحيى بن أبي إسحاق و عبد العزيز بن صهيب و حميد الطويل عن أنس بن مالك أنهم سمعوه يقول: ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي بالحج والعمرة جميعاً يقول: لبيك عمرة وحجاً، لبيك عمرة وحجاً ).
حدثنا أبو سلمة موسى بن إسماعيل قال: حدثنا وهيب قال: حدثنا أيوب عن أبي قلابة عن أنس ( أن النبي صلى الله عليه وسلم بات بها -يعني: بذي الحليفة- حتى أصبح، ثم ركب حتى إذا استوت به على البيداء حمد الله وسبح وكبر ثم أهل بحج وعمرة وأهل الناس بهما، فلما قدمنا أمر الناس فحلوا، حتى إذا كان يوم التروية أهلوا بالحج، ونحر رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع بدنات بيده قياماً ).
قال أبو داود: الذي تفرد به -يعني: أنساً- من هذا الحديث أنه بدأ بالحمد والتسبيح والتكبير ثم أهل بالحج].
وفي هذا الحديث سنية التحميد والتكبير والتهليل عند الإحرام وهذا من السنن المهجورة عند التلبية، وما يفعله أكثر الناس أنهم يلبون فيقول: لبيك اللهم لبيك، ولا يهللون ولا يكبرون ولا يحمدون الله عز وجل، وهذا ثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام وهو في الصحيح، وقد ترجم عليه البخاري رحمه الله، وهو يتخلل التلبية.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يحيى بن معين قال: حدثنا حجاج قال: حدثنا يونس عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال: ( كنت مع علي حين أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليمن قال: فأصبت معه أواق فلما قدم علي من اليمن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد فاطمة رضي الله عنها قد لبست ثياباً صبيغاً، وقد نضحت البيت بنضوح فقالت: ما لك! فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أصحابه فأحلوا، قال: قلت لها: إني أهللت بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف صنعت؟ قال: قلت: أهللت بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فإني قد سقت الهدي وقرنت، قال: فقال لي: انحر من البدن سبعاً وستين، أو ستاً وستين، وأمسك لنفسك ثلاثاً وثلاثين، أو أربعاً وثلاثين، وأمسك لي من كل بدنة منها بضعة ).
حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا جرير بن عبد الحميد عن منصور عن أبي وائل قال: قال الصبي بن معبد: ( أهللت بهما معاً، فقال عمر: هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم ).
حدثنا محمد بن قدامة بن أعين وعثمان بن أبي شيبة قالا: حدثنا جرير بن عبد الحميد عن منصور عن أبي وائل قال: قال الصبي بن معبد: ( كنت رجلاً أعرابياً نصرانياً، فأسلمت فأتيت رجلاً من عشيرتي يقال له: هذيم بن ثرملة فقلت له: يا هناه إني حريص على الجهاد، وإني وجدت الحج والعمرة مكتوبين علي فكيف لي بأن أجمعهما؟ قال: اجمعهما واذبح ما استيسر من الهدي، فأهللت بهما معاً، فلما أتيت العذيب لقيني سلمان بن ربيعة وزيد بن صوحان وأنا أهل بهما جميعاً فقال أحدهما للآخر: ما هذا بأفقه من بعيره! قال: فكأنما ألقي علي جبل، حتى أتيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقلت له: يا أمير المؤمنين إني كنت رجلاً أعرابياً نصرانياً وإني أسلمت وأنا حريص على الجهاد، وإني وجدت الحج والعمرة مكتوبين علي فأتيت رجلاً من قومي فقال لي: اجمعهما واذبح ما استيسر من الهدي، وإني أهللت بهما معاً، فقال عمر رضي الله عنه: هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم ) ].
قد استدل به من قال بوجوب العمرة، وذلك أن عمر بن الخطاب قال له: هديت لسنة نبيك مع قوله: إني وجدت الحج والعمرة مكتوبين علي، فأيده عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى على هذا، لكن المرفوعات عن النبي عليه الصلاة والسلام بالإلزام ضعيفة وإنما هي موقوفات، جاء عن جابر بن عبد الله و عبد الله بن عباس وغيرهم، وجاء أيضاً عن ابن سيرين.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا النفيلي قال: حدثنا مسكين عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة قال: ( سمعت ابن عباس يقول: حدثني عمر بن الخطاب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أتاني الليلة آت من عند ربى عز وجل، قال: وهو بالعقيق: وقال: صل في هذا الوادي المبارك، وقال عمرة في حجة ).
قال أبو داود: رواه الوليد بن مسلم و عمر بن عبد الواحد في هذا الحديث عن الأوزاعي: ( وقل عمرة في حجة ).
قال أبو داود: وكذا رواه علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير في هذا الحديث وقال: ( وقل عمرة في حجة ) ].
هذا بالنسبة للقارن يقول: لبيك اللهم عمرة في حجة، وأما بالنسبة للمفرد فيقول: لبيك حجاً، وبالنسبة للمتمتع يقول: لبيك عمرة، وأما ما يقوله البعض: لبيك عمرةً متمتعاً بها إلى الحج فهذا لا أصل له، وإنما يقول: لبيك عمرة، فإذا انتهى من العمرة يقول: لبيك حجاً، في يوم التروية بالحج يلبي.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا ابن أبي زائدة قال: حدثنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال: حدثني الربيع بن سبرة عن أبيه قال: ( خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بعسفان قال له سراقة بن مالك المدلجي: يا رسول الله! اقض لنا قضاء قوم كأنما ولدوا اليوم، فقال: إن الله تعالى قد أدخل عليكم في حجكم هذا عمرة، فإذا قدمتم فمن تطوف بالبيت وبين الصفا والمروة فقد حل إلا من كان معه هدي ).
حدثنا عبد الوهاب بن نجدة قال: حدثنا شعيب بن إسحاق عن ابن جريج، ح حدثنا أبو بكر بن خلاد قال: حدثنا يحيى -المعنى- عن ابن جريج قال: أخبرني الحسن بن مسلم عن طاوس عن ابن عباس أن معاوية بن أبي سفيان أخبره قال: ( قصرت عن النبي صلى الله عليه وسلم بمشقص على المروة، أو رأيته يقصر عنه على المروة بمشقص ).
قال ابن خلاد: إن معاوية لم يذكر أخبره.
حدثنا الحسن بن علي و مخلد بن خالد و محمد بن يحيى -المعنى- قالوا: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس أن معاوية قال له: ( أما علمت أني قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص أعرابي على المروة - زاد الحسن في حديثه - لحجته ).
حدثنا عبيد الله بن معاذ قال: أخبرنا أبي قال: حدثنا شعبة عن مسلم القري أنه سمع ابن عباس يقول: ( أهل النبي صلى الله عليه وسلم بعمرة، وأهل أصحابه بحج ).
حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث حدثني أبي عن جدي عن عقيل عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر قال: ( تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج فأهدى وساق معه الهدي من ذي الحليفة، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج، وتمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج، فكان من الناس من أهدى وساق الهدي ومنهم من لم يهد، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قال للناس: من كان منكم أهدى فإنه لا يحل له من شيء حرم منه حتى يقضي حجه، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحلل ثم ليهل بالحج وليهد، فمن لم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، وطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة فاستلم الركن أول شيء ثم خب ثلاثة أطواف من السبعة ومشى أربعة أطواف، ثم ركع حين قضى طوافه بالبيت عند المقام ركعتين، ثم سلم، فانصرف فأتى الصفا فطاف بالصفا والمروة سبعة أطواف ثم لم يحلل من شيء حرم منه حتى قضى حجه ونحر هديه يوم النحر، وأفاض فطاف بالبيت ثم حل من كل شيء حرم منه، وفعل الناس مثل ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهدى وساق الهدي من الناس ).
حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: ( يا رسول الله ما شأن الناس قد حلوا ولم تحلل أنت من عمرتك؟ فقال: إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر الهدي ) ].
الرمل آكد من الاضطباع، وحديث الرمل أصح من الاضطباع، وحديث الاضطباع فيه كلام، تكلم فيه غير واحد ولا يحفظ عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه اضطبع، وأما الرمل فمعروف مشهور.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الرجل يهل بالحج ثم يجعلها عمرة
حدثنا هناد -يعني: ابن السري- عن ابن أبي زائدة أخبرنا محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن سليم بن الأسود: ( أن أبا ذر كان يقول فيمن حج ثم فسخها بعمرة: لم يكن ذلك إلا للركب الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ).
حدثنا النفيلي قال: حدثنا عبد العزيز -يعني: ابن محمد- قال: أخبرنا ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن الحارث بن بلال بن الحارث عن أبيه قال: قلت: ( يا رسول الله! فسخ الحج لنا خاصة أو لمن بعدنا؟ قال: بل لكم خاصة ) ].
وكل هذه المناسك الثلاثة: الإفراد، والقران، والتمتع كلها باقية إلى قيام الساعة، وهي أنساك ثلاثة، وأما من جهة تفضيلها فتختلف بحسب حال الإنسان، فمن ساق الهدي فالأفضل له القران، ومن لم يسق الهدي فهو على حالين: إما أن يكون لم يحج ولم يعتمر قبل ذلك فالسنة أن يأتي بالعمرة مفرداً والحج مفرداً كل واحد في سفرة مستقلة، وهذا الذي اتفق عليه الأئمة الأربعة، وإذا كان بعد ذلك قد أدى عمرة وأدى حجاً مفرداً كل واحد بسفرة فإنه يأتي بعد ذلك بالتمتع فهو الأفضل له.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الرجل يحج عن غيره
حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عباس قال: ( كان الفضل بن عباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فقالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبى شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: نعم، وذلك في حجة الوداع ) ].
وفي قوله: فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه استدل به البعض على أن هذه المرأة كاشفةً وجهها وهي جارية، وقد جاء عند الإمام أحمد في المسند وعند أبي يعلى في كتابه المسند أيضاً من حديث سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس أن هذا الرجل أراد أن يعرض ابنته على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخطبها، ومعلوم حكم النظر لو قدر أنها كاشفة فأراد عرضها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإسناد هذا صحيح عند الإمام أحمد وعند أبي يعلى، ثم إن الفضل لم يكن بذاك الكبير وهو قد قارب الاحتلام، ولهذا نقول: إن مثل هذا الدليل لا حجة فيه.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حفص بن عمر و مسلم بن إبراهيم - بمعناه - قالا: حدثنا شعبة عن النعمان بن سالم عن عمرو بن أوس عن أبي رزين قال حفص في حديثه رجل من بني عامر أنه قال: ( يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن؟ قال: احجج عن أبيك واعتمر ).
حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني وحدثنا هناد بن السري -المعنى واحد- قال إسحاق: حدثنا عبدة بن سليمان عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن عزرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ( أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة، قال: من شبرمة؟ قال: أخ لي أو قريب لي، قال: حججت عن نفسك؟ قال: لا، قال: حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة ) ].
وهذا لا يصح مرفوعاً، والصواب فيه الوقف .
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب كيف التلبية
حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر قال: ( إن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، قال: وكان عبد الله بن عمر يزيد في تلبيته: لبيك لبيك لبيك وسعديك، والخير بيديك، والرغباء إليك والعمل ).
حدثنا أحمد بن حنبل قال: حدثنا يحيى بن سعيد قال: حدثنا جعفر قال: حدثنا أبي عن جابر بن عبد الله قال: ( أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم -فذكر التلبية مثل حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم- قال: والناس يزيدون ذا المعارج ونحوه من الكلام، والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع فلا يقول لهم شيئا ).
حدثنا القعنبي عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن خلاد بن السائب الأنصاري عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( أتاني جبريل صلى الله عليه وسلم فأمرني أن آمر أصحابي ومن معي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال - أو قال - بالتلبية، يريد أحدهما ) ].
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر