بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين, حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى, وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد البشير النذير، والسراج المنير, وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
إخوتي وأخواتي! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته, ومرحباً بكم في ديوان الافتاء, أسأل الله عز وجل أن يجمعنا على الخير مرةً بعد مرة, وأن يعلمنا علماً نافعاً ويرزقنا عملاً صالحاً، ويوفقنا لما يحب ويرضى, ويستعملنا جميعاً في طاعته إنه خير المسئولين، وخير المعطين، وأرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين.
إخوتي وأخواتي بداية أقول: مطلوب منا جميعاً أن نشكر الله عز وجل على نعمه التي لا تعد ولا تحصى, كما قال جل جلاله: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ[إبراهيم:34], كل منا لو فكر في نعم الله السابغة، التي آتاه إياها لوجد أنه مقصر في الشكر، كما قال ربنا جل جلاله: وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ[سبأ:13].
يا أيها الإخوة الكرام! الشكر كما قال أهل العلم: هو ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده ثناءً واعترافاً, وعلى قلبه شهوداً ومحبة, وعلى جوارحه انقياداً وطاعة، هذا الشكر يقوم على قواعد خمس وهي:
خضوع الشاكر للمشكور, إذ لا بد أن تخضع لله عز وجل وتنقاد إليه وتعمل بطاعته, ولا بد من حب العبد له وثنائه عليه واعترافه بنعمته, وألا يستعملها فيما يكره, هذه قواعد خمس تتمثل فيها حقيقة الشكر, لا بد أن يجري الثناء على لسانك على الله عز وجل على لسانك, لا بد أن تحمده وتشكره، ( إن الله تعالى يحب من العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها, ويشرب الشربة فيحمده عليها ), ( من طعم طعاماً فقال: الحمد الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة, غفرت له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر ), ومن شكر نعمة الله عز وجل أن تتحدث بها، فإذا سُئلت: كيف حالك يا فلان, قلت: الحمد لله أنا في عافية ونعمة وستر, أنا في صحة وسلامة، أنا في سعة رزق، ( الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا ), ولو شئت لقلت: الحمد لله الذي علمنا وهدانا، الحمد لله الذي شفانا وعافانا, الحمد لله الذي أكرمنا وأعطانا, الحمد لله الذي علمنا وفقهنا, نعم الله عز وجل على العباد كثيرة لا يستطيعون لها إحصاءً, ولا يستطيعون أن يحيطوا بها شكراً وحمداً.
إخوتي وأخواتي! من صفات ربنا جل جلاله: أنه شاكر شكور, كما قال سبحانه عن نفسه: مَا يَفْعَلُ اللهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللهُ شَاكِرًا عَلِيمًا[النساء:147], وقال جل جلاله عن نفسه: وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ[البقرة:158], وسمى نفسه شكوراً حين قال: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ[فاطر:29-30], هو جل جلاله شاكر شكور كما قال أهل العلم؛ لأنه يجازي بكثير الحسنات على يسير الطاعات؛ فالطاعات التي نباشرها قليلة يسيرة, ثم بعد ذلك الحسنات التي يعطينا إياها ربنا جل جلاله عظيمة كثيرة, مثل هذه الصلاة الإنسان ينقل خطواته إلى المسجد، كل خطوة يرفعه الله بها درجة ويحط عنه خطيئة, فإذا دخل المسجد كان في صلاة ما دامت الصلاة هي التي تحبسه؛ فإذا رتل القرآن وهو في صلاته كان له بكل حرف حسنة والحسنة بعشر أمثالها, ثم بعد ذلك الصلاة كفارة لما بينها وبين الصلاة التي تليها, ثم بعد ذلك ( إذا فرغ من صلاته وبقي في مجلسه الذي صلى فيه فالملائكة يستغفرون له ويترحمون عليه ويقولون: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما دام في مجلسه الذي صلى فيه )، كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالله شاكر والله شكور.
وكذلك أنبياؤه صلوات الله وسلامه عليهم, يقول الله عز وجل عن نوح: ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا[الإسراء:3], ويقولك عن إبراهيم: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا للهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ المُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ[النحل:120-121], وصفة الشكر هي التي دعا إبراهيم ربه أن يرزقها ذريته فقال: رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَهمْ يَشْكُرُونَ[إبراهيم:37], على رجاء منهم أن يكونوا من الشاكرين الذاكرين, وكان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اللهم اجعلني لك ذكاراً، لك شكاراً، لك مطواعاً، لك مخبتاً، إليك أواهاً منيباً ), وكان يقول: ( اللهم تقبل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعوتي، وثبت حجتي, وسدد لساني، واهد قلبي، واسلل سخيمة صدري ).
كان يدعو صلوات ربي وسلامه عليه بأن يجعله الله شكوراً, وقد أمره ربه جل جلاله بأن يشكر فقال: بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ[الزمر:66], مثلما قال لـموسى عليه السلام: قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ[الأعراف:144], ومثلما قال لداود وذريته: اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ[سبأ:13], وكان من دعاء داود وسليمان عليهما السلام: رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ[النمل:19], هكذا كان دعاؤهما صلوات الله وسلامه عليهما.
يا إخوتاه! الشكر كما قال علماؤنا أصله الظهور, ويقال: دابة شكور إذا ظهر عليها من السمن فوق ما تعطى من العلف, يعني: ربما تعطى علفاً قليلاً، ثم بعد ذلك يظهر عليها من السمن شيء عظيم, فيقال: هذه دابة شكور.
مطلوب منا أن نشكر الله عز وجل ونحمده, إذا طعمنا, إذا شربنا, إذا نمنا, إذا قمنا, إذا وفقنا لطاعة من الطاعات لعبادة من العبادات, الله عز وجل لما أمرنا بالصيام قال: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَهمْ يَرْشُدُونَ[البقرة:186], قبل ذلك قال: يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ[البقرة:185], وبين أن الشكر هي الغاية التي من أجلها شرعت العبادات؛ ولذلك ربنا جل جلاله حين يحدثنا عن الطهارة في تلك الآية المفصلة: إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ[المائدة:6], ثم قال: مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ[المائدة:6], وفي الأحكام كذلك الله عز وجل لما بين كفارة اليمين: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ[المائدة:89], قال: ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ[المائدة:89].
كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أشكر الناس لله عز وجل, وقد عرض عليه ربه أن يحول له بطحاء مكة ذهباً, فقال: ( لا يا رب! بل أجوع يوماً فأصبر, وأشبع يوماً فأشكر ), ولما ( قام من الليل حتى تورمت قدماه قالت له عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله! لم تصنع ذلك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال عليه الصلاة والسلام: أفلا أكون عبداً شكوراً ), كان يشكر الله عز وجل على نعمته ويثني عليه بما هو أهله جل جلاله.
لو تأملنا في نعم الله عز وجل نجد أن ربنا سبحانه قد أمرنا بالشكر فقال تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ * وَلَهمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ[يس:71-73], هذه الأنعام التي ذللها الله عز وجل لنا، عليها نركب ومنها نأكل، ومن صوفها ووبرها وشعرها نلبس ونتدفأ, هذه كلها مطلوب منا أن نشكر نعمة الله علينا فيها, والحمد مطلوب والشكر مطلوب.
هذا الكلام أسوقه وقد يسر الله لي أن أطعم مع بعض عباد الله الطيبين, فكان كلما أكل شيئاً من طعام يقول: الحمد لله, لربما حمد الله في تلك الأكلة التي أكلناها أكثر من عشرين مرة, وتشعر بأن هذه الكلمة تخرج من قلبه لا من لسانه, يشعر بأن هذا الطعام الذي آتاه الله إياه، وسهل له أن يطعمه وأن يمضغه وأن يبتلعه وأن يتلذذ به, تجد بأنه يشكر الله عز وجل لربما مع كل لقمة فيقول: الحمد لله، الحمد لله، يكررها مراراً, وهي كلمة طيبة مباركة، قال النبي عليه الصلاة السلام: ( لو أن الدنيا بحذافيرها كانت بيد رجل من عباد الله فقال: الحمد لله لكانت الحمد الله أفضل من ذلك )؛ لأن الدنيا فانية والحمد لله من الباقيات الصالحات، والله عز وجل يقول: وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا[الكهف:46].
يا إخوتاه! ما أطيب هذه الكلمة وما أعظمها, ما أعظم أجرها وثوابها عند الله عز وجل, كان نبينا عليه الصلاة والسلام يصلي بالناس فقال: ( سمع الله لمن حمده، فرفع أحد الصحابة صوته قائلاً: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه, فلما انتهت الصلاة قال عليه الصلاة والسلام: أيكم قائل تلك المقالة، قال: أنا يا رسول الله! قال: والذي نفسي بيده لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدرونها -يتزاحمون عليها- أيهم يرفعها إلى الله, وإن عبداً قال: يا رب! لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، فعضلت بالملكين كيف يكتبانها, فصعدا إلى الله عز وجل وهو أعلم قالا: يا ربنا! إن عبدك قال كلمة لم ندر كيف نكتبها, قال وهو أعلم: وما قال عبدي؟ قال الملكان: قال عبدك: يا رب! لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك, قال الله عز وجل: اكتباها كما قالها عبدي حتى يلقاني فأجزيه بها ), اكتبا هذه الكلمة: ( يا رب! لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك, حتى يلقاني فأجزيه بها).
ما أحرانا إذا أصبحنا أن نقول: ( الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور ), ما أحرانا أن نقول: (اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك؛ فلك الحمد ولك الشكر, من قالها فقد أدى شكر يومه, ومن قالها إذا أمسى فقد أدى شكر ليلته ), ما أحرانا أن نكثر من كلمة الحمد من أجل أن ندخل في تلك البشارة النبوية، قال الله عز وجل: ( يا عيسى! إني باعث أمةً من بعدك أرزقهم الحمد والشكر ولا حلم ولا علم, قال: يا رب! وكيف ذلك ولا حلم ولا علم؟ قال: أعطيهم من حلمي وعلمي )؛ فهذا الذي يكثر من حمد الله وشكره إنسان عليم بقدر ربه جل جلاله، قد سلم من الظلم والكفر, وكذلك هو إنسان حليم, ليس كذاك الأحمق الذي يقال له: كيف حالك؟ فيشكو ربه جل جلاله, ويتسخط أقداره ويزدري نعمته, ولربما قال قائل: كيف حالك يا فلان؟ فيقول: الحمد لله ويشيح بيده هكذا وكأنه يستكثر هذه الكلمة على الله عز وجل, ولو فكر المسكين في أن الله عز وجل قد أصح له بدنه, وقد كان قادراً على أن يشغله بضرسه.. برأسه.. بعينه.. بأنفه, وكان قادراً على أن يشغله بجوفه, وكان قادراً على أن يشغله بأي عضو من أعضائه, وكما قال ربنا: وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا[النساء:28], أي أن الإنسان لا يتحمل شيئاً, حتى الشوكة يشاكها ما يتحملها, ولذلك واجب علينا أن نجري على ألسنتا مجرى النفس كلمة: الحمد لله, فإذا سُئلت يا عبد الله: كيف الحال؟ فقل: الحمد لله، ولو كنت مريضاً، قل: الحمد لله، ولو كنت فقيراً, قل: الحمد لله، ولو كنت في ضيق في هم في غم, قال ربنا جل جلاله: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ[إبراهيم:7].
اللهم اجعلنا لك ذاكرين, لك شاكرين, لك مخبتين, لك مطواعين, إليك أواهين منيبين, اللهم يسر أمورنا واشرح صدورنا واغفر ذنوبنا وطهر قلوبنا واستر عيوبنا.
والحمد لله رب العالمين.
المتصل: عندي ثلاثة أسئلة.
السؤال الأول: أنا شغالة في السلك الصحي في صيدلية، يأتي دكتور معنا في المركز ويأخذ العلاجات من الصيدلية بالكمية بربع القيمة؛ لأن معنا تأميناً، ويبيعها بمبلغ كبير، ويأخذها بغير وجه حق، وأنا أقوم بتضريب الحسابات فقط؛ لكن لا آخذ مقابل هذا التضريب, وهو يأخذها ويستفيد منها؛ فهل هذا التضريب فيه حرمة؟
السؤال الثاني: أنا ولدت ثلاثة من الأولاد، ولد وبنت وولد، كان هذا قبل ثلاث عشرة سنة، كنت أتعب في الولادة فربطت العرق, وحددنا وقلنا: يكفي، يعني: لا نريد أن ننجب، فأولادي الثلاثة كبروا ودخلوا الجامعات، والآن قالوا لي: لماذا حددت النسل، وأنا بفعلي هذا راعيت الصحة لا أكثر من ذلك, وزوجي كان موافقاً على هذا الفعل، فما الحكم؟
السؤال الثالث: أنا أجمع بوضوء واحد بين المغرب والعشاء, يعني: أصلي المغرب ثم بعد ساعة أقوم وأصلي العشاء مباشرة، فما الحكم؟
الشيخ: طيب شكراً, أكرمكم الله.
المتصل: لدي سؤالان:
السؤال الأول: يا شيخ! هناك في السعودية الشغل بالعملة الصعبة, حيث تأخذ من الناس أموالاً ويكون معك واحد في السودان يعطيها لأصحابها بمقابل عملة سودانية، فما حكمها من الناحية الشرعية؟
السؤال الثاني: نريد منك نصيحة خاصة في زمن المتغيرات؛ لأن الواحد في اليوم يجد تقلبات عجيبة جداً مع الشهوات، ومن الطاعة إلى المعصية, ومن المعصية إلى الطاعة.
الشيخ: بارك الله فيك, شكر الله لك.
المتصل: يا شيخ! دخل المسجد جماعة للصلاة والإمام في الجلوس الأخير؛ فهل الأولى أن يدخلوا مع الإمام ويتموا صلاتهم بعد ذلك أم يصلوا جماعة لوحدهم؟
المتصل: عندي سؤالان:
السؤال الأول: خمسة أشخاص مشتركون في بقر فكيف تكون زكاتها؟
السؤال الثاني: ما حكم افتتاح المسجد بالنوبات وبالطارات؟
الشيخ: أبشر جزاك الله خيراً.
المتصل: أنا أم عمر من الخرطوم, أقول بعض الدعاء، إن شاء الله ربنا يتقبل وأريد أعرف صحته وحكمه، مثلاً أقول: اللهم إني أشهدك وأشهد ملائكتك وأشهد جميع خلقك أني قد عفوت عن كل من أساء إلي في الدنيا وفي الآخرة, لا أبتغي منهم أجراً ولا شكوراً، فهل في هذا الدعاء شيء؟
السؤال الثاني: أسأل عن ختمة القرآن، فنحن نساء الحي نجتمع في بيت ونكمل قراءة المصحف في كل خمسة عشر يوماً، وذلك بأن كل واحدة تمسك جزءاً ونقرأ كل واحدة على حدة سراً، ثم نأتي بالدعاء، ثم نتفرق، فهل في هذا العمل شيء؟
الشيخ: طيب، بارك الله فيك.
السؤال: الأخت منى من الخرطوم ذكرت بأنها تتوضأ فتصلي بوضوئها المغرب ثم تصلي العشاء، فما الحكم؟
الجواب: أقول: لا مانع أن يصلي الإنسان بالوضوء الواحد أكثر من صلاة ما دام أنه لم يحصل ناقض؛ لأن ( نبينا صلى الله عليه وسلم يوم الفتح صلى خمس صلوات بوضوء واحد ), يعني: صلى صلوات ربي وسلامه عليه يوماً كاملاً بوضوء واحد, ( ولما قال له عمر : يا رسول الله! صنعت شيئاً ما كنت تصنعه من قبل، قال له صلى الله عليه وسلم: وعمداً فعلته ), يعني: فعل من أجل أن يبين للناس بأنه لا مانع من أن يصلي الإنسان صلاتين بوضوء واحد, وهذا يحصل في كل يوم خاصةً إذا بقي الإنسان في المسجد بين المغرب والعشاء في مجلس ذكر، أو في حلقة علم، أو في قراءة قرآن أو في غير ذلك, فالغالب أنه يصلي العشاء بوضوء المغرب، ولا حرج في ذلك إن شاء الله.
الشيخ: أما قولها بأنها قد ولدت من الأولاد ثلاثة, ثم بعد ذلك ربطت العرق؛ فنقول: بأن قطع النسل لا يجوز, يعني: مسألة ربط العرق والتوقف عن الولادة لا تجوز إلا بقرار طبي يقوم على تحقق الضرر على حياة الأم, يعني: إذا تحقق الطبيب الحاذق الموثوق من أن ضرراً سيصيب الأم, ويؤثر على حياتها, وأنه سيصيب الأم من جراء الحمل، ففي هذه الحالة يمكن وقفه ومنعه, أما أن واحدة تقول: أنا وضعت ثلاثة يكفي, والأخرى تقول: أنا وضعت أربعة يكفي, وتلك تقول: وضعت اثنين يكفي، وأخرى تقول: وضعت واحداً يكفي, فهذا لا يجوز؛ لأن من الأغراض الأساسية والمقاصد المهمة من النكاح هو التناسل, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( تناكحوا تناسلوا فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة ), وفي اللفظ الآخر: ( فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة ), وأخبرنا صلى الله عليه وسلم: ( أن النبي يأتي يوم القيامة ومعه الرهط، والنبي يأتي ومعه الرهيط, والنبي يأتي ومعه الرجل والرجلان, ويأتي النبي وليس معه أحد، قال: وإني لأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة ), فهذا الذي صنعته لا يجوز، وأولادك محقون في الإنكار عليك, لكن يلزمك أن تستغفري الله عز وجل مما كان, وأسأل الله أن يتوب علينا جميعاً.
الشيخ: وأما سؤالك عن ذلك الرجل الذي يأخذ الأدوية التي هي بسعر التأمين بربع القيمة, ثم بعد ذلك يقوم ببيعها في السوق ويتربح من هذه التجارة المحرمة ويأكل سحتاً, وأنتِ تقومين بتضريب الأسعار له فلا شك أن هذا تعاون على الإثم والعدوان, والله عز وجل قال: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ[المائدة:2], فلو أن اللص أنكرنا عليه، حذرنا منه، وأعرضنا عنه ولم نساعده، فلعله يرعوي, أما أني أعرف أنه لص فأضرب له, والآخر يأتيه بالأكياس، والثالث يحمل معه؛ فإنه لا يشعر بأنه يأتي منكراً أو أنه يفعل زوراً, هذه من المصائب العظام التي ابتلينا بها في المجتمع؛ لأنه ما عاد أكل السحت شيئاً مستقبحاً ولا مستنكراً؛ بل أمر معتاد, والناس يهشون ويبشون في وجه من يرتشي ومن يسرق ومن يختلس ومن يرابي؛ ولذلك ما عاد المنكر منكراً, أسأل الله العافية, فما يجوز لك أن تعيني هذا الإنسان على هذا الشيء.
الشيخ: أما أخونا صديق من السعودية، فقد سأل سؤالاً يطرح في اليوم مراراً: قضية تجارة العملة، وبدايةً نقول: بأن الاتجار في العملة تحفه مخاطر؛ لأن الإنسان لا يكاد يسلم فيه من الربا، وقد قال بعض العلماء: لو خير أهل النار أن يتجروا لاتجروا في الصرف, يعني: لاتجروا في العملة, ولو خير أهل الجنة أن يتجروا لاتجروا في الخز, أي: في الأقمشة, فالمقصود بأن تجارة العملة هذه كثير من الناس لا يتقيد فيها بالضابط الشرعي.
يا صديق ! اعلم بأن بيع الريالات بالجنيهات لا حرج فيه بشرط التقابض في مجلس العقد, بمعنى: أنه لا يجوز النسأ, ولا يجوز التأخير؛ يعني: أن تأخذ الريالات في السعودية، ثم تقوم بتسليم الجنيهات السودانية لأهل ذلك الرجل غداً أو بعد غد, هذا لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ولا تبيعوا غائباً منها بناجز ), في الثمنيات والمطعومات، وقال صلى الله عليه وسلم: ( إذا كان يداً بيد هاء وهاء )؛ ولذلك عندك واحد من حلول، وللخروج من هذا الإشكال هناك عدة طرق:
الطريقة الأولى: أن تسلم الريالات في السعودية وفي غيرها من بلاد الله, وفي الوقت نفسه يكون أهلك عند وكيل ذلك المستلم, فيأخذون الجنيهات السودانية في نفس الوقت, هذه طريقة.
الطريقة الثانية: أن تسلم الريالات لصاحبك في السعودية, من أجل أنه يسلمها لأهلك ريالات كما هي، بعد ذلك هم يصرفونها متى شاءوا لمن شاءوا, ويكون له أجر النقل أو أجر المناولة كما يقال.
الطريقة الثالثة: أن تكون ديناً في ذمته, يعني: تعطيه الريالات يأخذها ديناً، أخذ ألفاً, ثم بعد ذلك في اليوم الذي يسلمها تتم المصارفة بينه وبين أهلك هاهنا بسعر يوم التسليم وليس بسعر اليوم الذي استلم فيه الريالات.
فهذه طرق ثلاث نسلم بها من الوقوع في الربا, أما ما جرت عليه عادة كثير من الناس أنه يعطي الريالات أو الدولارات أو الإسترليني أو اليورو, ثم بعد ذلك يسلم بعد يوم أو يومين أو كذا, هذا ما في شك بأنه من الربا الذي حرمه الله عز وجل.
الشيخ: أما قولك: بأن الإنسان في هذه الدنيا بين معصية وطاعة، وإقبال وإدبار, واستقامة وانحراف، فلا شك أن البشر كذلك, والمطلوب منا أيها الصديق أن نستعين الله عز وجل، وأن نجاهد أنفسنا وقد قال سبحانه: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ[العنكبوت:69], والمحذور أمران اثنان:
الأول: الأمن من مكر الله.
الثاني: القنوط من رحمة الله.
فالأمن من مكر الله تجد بعض الناس واقعاً في الذنوب، غارقاً في المعاصي، ثم بعد ذلك لا يرى نفسه قد أتى شيئاً منكراً، ولا فعل معصية، ويرى نفسه من الآمنين؛ بل ربما يرى نفسه من الضامنين لجنات النعيم, وهذا قد غره بالله الغرور, وبالمقابل آخر قد وقع في شيء من المعاصي فتجده غارقاً في همه وغمه، ومكباً على المعاصي بدعوى أنه قد أيس, وأنه لا فائدة، وأنه إنسان عاصٍ ومذنب ومخطئ وما إلى ذلك, فهذا أيضاً ممنوع، قال تعالى: إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ[يوسف:87], وقال في أمن المكر: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ[الأعراف:99].
الشيخ: أخونا عوض الكريم من الدمازين يقول: إن ناساً دخلوا المسجد فوجدوا الإمام في الجلوس الأخير؛ فأقول: الأطيب والأقرب للسنة أن يدخلوا معه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا دخل أحدكم المسجد والإمام على هيئة فليصنع كما يصنع الإمام ) يعني: مباشرة نكبر ونجلس, كذلك إذا وجدناه ساجداً نكبر ونسجد, ما ننتظر هل سيجلس أم أنه سيقوم، كما يفعل بعض الناس.
وأحذر من التأخير عن الجماعة، قال صلى الله عليه وسلم: ( ما يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله عز وجل ), وقال: ( ولو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ), وقال: ( ولو يعلمون ما في التهجير -التهجير أي: السعي لصلاة الظهر في الهاجرة, في شدة الحر- ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا )؛ ولذك نسعى دائماً لصلاة الصبح وصلاة العشاء، قال صلى الله عليه وسلم: ( بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة ), ونسعى إلى صلاة الظهر والعصر كذلك في شدة الحر, ونسعى إلى صلاة المغرب؛ لأنه وتر النهار, ونبكر إلى المسجد، وكذلك يوم الجمعة، قال صلى الله عليه وسلم: ( من غسل واغتسل، وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فأنصت, كان له بكل خطوة يخطوها أجر صيام سنة وقيامها, وذلك على الله يسير ).
الشيخ: وأما بالنسبة للبقر يا عوض الكريم ، فالزكاة فيها واجبة بإجماع المسلمين؛ لأن نبينا صلى الله عليه وسلم أخبر أن ( في السائمة زكاةً ), والسائمة يعني: غير المعلوفة؛ لأن المعلوفة ليس فيها زكاة, طيب هذه البقر يقول: بأنها لخمسة أشخاص, نقول: نعم إذا كانت لخمسة أشخاص, يعني: أن يكون كل واحد عنده ستة أبقار، فتكون ستة وستة وستة وستة وستة, المجموع ثلاثون بقرةً، يرعاها راع واحد ومرعاها واحد, فهذه فيها زكاة، يعني: لا نحسب هذه ستة وهذه ستة وهذه ستة منفردة، لا, وإنما تسمى زكاة الخلطة, وقد ( نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يفرق بين المختلط, خشية الزكاة ), يعني: طالما أن مرعاها واحد وراعيها واحد، فإنها تعامل كأنها لمالك واحد.
الشيخ: وأما افتتاح المسجد، فالمسجد من نعم الله على العباد, ونفتتحه بذكر الله وتلاوة القرآن وإقام الصلاة, ما نفتتحه بالطبول ولا بالنوبات ولا بالطارات؛ فليس هذا من هدي المسلمين, ولم يفعله نبينا الأمين، ولا أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين؛ وأول من بنى المسجد هو النبي عليه الصلاة والسلام، وكان هو وأصحابه ينقلون الحجارة على أكتافهم، وكان عليه الصلاة والسلام يردد معهم: ( اللهم إن العيش عيش الآخرة, فاغفر للأنصار والمهاجرة ), وكان الصحابة يقولون:
لئن قعدنا والنبي يعمل لذاك منا العمل المضلل
ونحو ذلك من الكلمات الطيبات التي تعين وتنشط على العمل, أما مسألة الضرب بالطبول وما إلى ذلك فما هكذا تشكر نعمة الله عز وجل.
السؤال: أما أم عمر أحسن الله إليها فقد ذكرت بأنها في كل ليلة تقول: اللهم إني أشهدك وملائكتك وجميع خلقك أني قد عفوت عن كل من أساء إلي في الدنيا والآخرة، وهذه هي درجة من الإيمان طيبة، وأنت إن شاء الله مبشرة بقول ربنا: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ[آل عمران:134], وأنت مقتدية بالنبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه، الذي كان عفواً صفوحاً حليماً, وقد آذاه الناس من أهل مكة وغيرهم فما زاد على أن قال يوم الفتح: ( لا أقول إلا كما قال يوسف: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ[يوسف:92], اذهبوا فأنتم الطلقاء ), وكذلك لما ( جاءه أعرابي فجذبه من ردائه حتى أثر الرداء في صفحة عنقه، قال: يا محمد! قم أعطني، ليس المال مالك ولا مال أمك ولا مال أبيك, ما زاد عليه الصلاة والسلام على أن تبسم ) وكذلك ( لما اخترط رجل سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نائم تحت سمرة فقال له: يا محمد! من يمنعك مني؟ قال: الله، فسقط السيف من يد الرجل, فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: من يمنعك مني؟ قال: الله، فسقط السيف من يد الرجل, فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: من يمنعك مني؟ قال: يا محمد! كن خير آخذ, فعفا عنه صلى الله عليه وسلم ), وعفا عن هبار بن الأسود رغم أنه كان سبباً في قتل ابنته زينب , لما جاء فاستفز البعير وهي راكبة عليه وهي حامل متم، يعني: في شهرها التاسع مهاجرة من مكة رضي الله عنها, هذا الرجل ما زال يشاغل ذلك البعير حتى نفر فطرح زينب وسقطت على الأرض ونزفت دماً كثيراً، وما زالت ضبنة حتى ماتت رضي الله عنها, ومع ذلك النبي عليه الصلاة والسلام عفا عن ذلك الرجل يوم الفتح، وعفا عن هند بنت عتبة التي بقرت بطن حمزة ولاكت كبده ثم لفظتها، فعفا عنها صلى الله عليه وسلم وعن غيرها من الناس.
لذلك أنت على خير إن شاء الله, والنبي عليه الصلاة والسلام قال: ( ليكن أحدكم كـأبي ضمضم ), وذكر بأن هذا الرجل كان لا ينام ليلة حتى يعفو عن كل من أساء إليه, ونسأل الله أن يرزقنا حسن الخلق.
المتصل: الله يجزيك خيراً يا شيخ! بالنسبة للدية في القتل الخطأ محددة تقريباً بثلاثين مليوناً، فلو أن أهل الدم طلبوا مثلاً مائتي مليون؛ فهل هذا المبلغ الزائد يكون حلالاً لهم؟
الشيخ: طيب أبشر, أكرمك الله.
المتصل: نحن اشتركنا في شركة استنس للدعاية، الواحد أول ما يدخل يقال له: أعطنا ثمانين ألفاً، فيدفع ثمانين ألفاً، ويعطونه عقداً مكوناً من ثلاث نسخ؛ نسخة للشركة، ونسخة له, ونسخة للشخص الذي أتى بي، ثم يقولون: اشتر منتجاً بثمانية آلاف؛ إن شاء الله تشتريه بجنيه لمدة سنة، إن شاء الله تكمل الثمانمائة وأنت مطلوب منك مثلاً أن تأتي بخمسة آخرين، هؤلاء الخمسة الأنفار أيضاً يعملون نفس العمل الذي عملته أنا في الأول، بعد هذا أشتري المنتج هذا وأكون قد حصلت على النجمة الثالثة، وهؤلاء الخمسة الذين أتيت بهم أنا إذا اشتروا فيهم ثلاثة سأحصل النجمة الرابعة, وبعد ذلك يعطونني تذكرة تبع الشركة إلى واحدة من مائة وتسعين دولة, هم يحددونها، يعطونني نسبة من الربح أربعة وعشرين في المائة, وهذه النسبة تتضاعف مباشرة كلما أتى الخمسة الذين ورائي بخمسة آخرين، فإذا جاء كل خمسة بخمسة وصاروا خمسة وعشرين, سأحصل في الشهر على مبلغ كبير من النسب، وهو ما يقارب اثنين وأربعين في المائة، ثم بعد ذلك أحصل على النجمة السادسة أو الثامنة ويعطونني سيارة قيمتها ثمانين مليوناً، أنا ما أعرف هل هذا العمل صحيح أو ليس بصحيح؟
الشيخ: طيب أبشر إن شاء الله، شكراً.
المتصل: لدي سؤالان:
السؤال الأول: زوجي شغال في مؤسسة تقتطع من راتبه شهرياً مبلغاً للعلاج؛ ثم بعد ذلك يكون التعامل بالبطاقة في عدة مستشفيات متعاقد معها، يدفعون لنا قيمة العلاج حتى ولو فاضت على المستقطعات التي يستقطعونها من الموظف، فأنا أسأل هل هذا تعامل صحيح أم لا؟
السؤال الثاني: بالنسبة للمرأة الحامل، ما يخرج منها قبل الولادة؛ مثل أن تكون ظهرت ما يسمى بإشارة الوضع, وحانت الصلاة تلو الصلاة ولم تضع بعد، فما حكم الصلوات التي كانت وقت ظهور تلك الإشارة؟ علماً بأن إشارة الولادة هي المخاط المختلط بدم.
الشيخ: طيب، أبشري.
السؤال: سؤال أم عمر بأن النساء في حيها اعتدن أن يجتمعن في كل خمسة عشر يوماً في بيت إحداهن، ثم توزع الأجزاء الثلاثون عليهن، وتقرأ كل واحدة جزءاً، قراءة صامتة في سرها من غير صوت, ثم بعد ذلك يختمن بالدعاء وينصرفن، أقول: لا شك بأن اجتماع الناس على القرآن هو في ذاته خير, ولا شك أن تعاون النساء على مثل هذا خير, لكن لا بد من تعديل هذه الطريقة, بمعنى: أن هذه لا تعد ختمةً, إذا كانت كل واحدة تأخذ جزءاً فتقرأ الثلاثون جزءاً فهذه ليست ختمة, وإنما الختمة أن يقرأ الناس حتى يختموا القرآن، بمعنى: أن يكون هناك قراءة تدوير, أقرأ أنا صفحة وهذا صفحةً وهذا صفحةً وهذا صفحةً، نقرأ جزءاً.. جزأين.. ثلاثة.. ما ييسره الله عز وجل، ثم إذا التقينا في المرة الثانية نبدأ من حيث انتهينا، هؤلاء ينطبق عليهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم الرحمة، وغشيتهم السكينة، وحفتهم الملائكة ), وكما قال النووي : قوله: ( في بيت من بيوت الله ), أي: المساجد، وليس هذا الحكم قاصراً عليها, وإنما خرج مخرج الغالب, وإلا لو اجتمعنا في أي مكان، كأن نكون اجتمعنا في بيت أحدنا، أو اجتمعنا في مدرسة، أو اجتمعنا في قاعة, فقرأنا كتاب الله وتدارسناه؛ فإن هذه البشارة النبوية نحن داخلون فيها إن شاء الله, فيا أم عمر أصلحوا هذه الطريقة بما ذكرت من أجل أن تنالوا هذا الأجر والثواب و اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ[التوبة:120].
السؤال: أخونا رحمة من الحاج يوسف, قد سأل عن دية القتيل, وأنها مثلاً حددت في القانون الجنائي بثلاثين ألفاً, فلو أن إنساناً طلب مائتي ألف فما الحكم؟
الجواب: ما ينبغي له ذلك, فإن القتل الخطأ فيه حقان: حق لأولياء الدم بالدية, وتسقط الدية بالعفو, وحق الله عز جل بالكفارة قال تعالى: َتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللهِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا[النساء:92], وهذه الدية حددتها الشريعة بأنها مائة من الإبل، وإذا كانت الدية مغلظة لسبب من الأسباب، يعني: لكون القتل كان فيه شيء من استهتار أو لأنه وقع في الأشهر الحرم, فقد حكم النبي عليه الصلاة والسلام بالتغليظ، مائة من الإبل أربعون منها في بطونها أولادها؛ فتكون دية مغلظة, أما إنسان يقول: لا، أنا ما أرضى إلا بمائتي ألف، فلا يعطى، وليس له حق إلا فيما حدده الشرع، اللهم إلا إذا رغب القاتل في أن يزيد من عنده من غير اشتراط من أولياء الدم؛ فلا حرج في ذلك إن شاء الله.
السؤال: أما سؤال الجمري الذي أطال في ذكره أن هناك شركةً للدعاية والإعلان، هذه الشركة تبيعك بطاقةً بثمانمائة جنيه ثم بعد ذلك بثمانين جنيهاً، ثم بعد ذلك تلزمك بأن تشتري منتجاً بثمانمائة جنيه -يعني: البطاقة بثمانين والمنتج بثمانمائة- ثم بعد ذلك إذا أتيت بخمسة أشخاص حصلت على النجمة الثالثة, ثم هؤلاء الأشخاص إذا حصل منهم شراء تحصل على النجمة السادسة، ثم بعد ذلك يتاح لك زيارة واحدة من مائة وتسعين دولة يحددونها هم، ثم بعد ذلك إذا وصلت إلى النجمة كذا تحصل على سيارة قيمتها ثمانون ألفاً، ثم يقول: هل هذا العمل صحيح أو ليس بصحيح؟
الجواب: هذه معاملة لا تجوز, وهي عين التسويق الشبكي التي حكم جمهور العلماء المعاصرين بمنعه وحظره؛ لأنه من أكل أموال الناس بالباطل، وهذه المعاملة قد اجتمعت فيها بيعتان في بيعة واحدة, اجتمع فيها بيع وإجارة، وأحدهما شرط للآخر -يعني: ما تستأجر مروجاً إلا بشرط أن تشتري هذا المنتج وقد لا تكون قيمته الفعلية ثمانمائة جنيه، في الغالب, فهذه المعاملة اجتمعت فيها بيعتان في بيعة، واجتمع فيها بيع وشرط, وبعد ذلك فيها أكل أموال الناس بالباطل؛ لأن من كانوا في قمة الهرم يتربحون على حساب من كانوا في السفح أو من كانوا في القاع, وينال هذا الذي في القمة أجراً وينال ربحاً بغير جهد، هو جالس باعتبار أنه أتى بهم أولاً, وهذا الذي هو أسفل منه قد يأتي بشخصين، قد يأتي بثلاثة، قد يأتي بأربعة فما يأخذ شيئاً في مقابل جهده؛ إذ لا بد أن يأتي بخمسة؛ ولذلك أقول: هذه المعاملة تحيط بها أسباب الحرمة، وقد صدر بذلك قرار من مجمع الفقه الإسلامي عندنا ونشر في الجرائد.
الشيخ: سؤال أم عبد الله عما يخرج قبل الولادة، فنقول: ما يخرج قبل الولادة هو الذي يقال له: الهادي أو الهادية, والماء الذي يخرج قبل الولادة هو ماء نجس, لكنه لا يمنع الصلاة، يعني: نفرق بين خروج النجاسة ومنع الصلاة, فالإنسان تخرج منه النجاسة، ربما يخرج منه البول أو الغائط وهما نجسان باتفاق أهل العلم, لكنهما لا يمنعان الصلاة؛ فهذه المرأة تتوضأ وتصلي، وإذا كانت لا تستطيع أن تتوضأ فتتيمم وتصلي، وإذا كانت مجهودةً في لحظات الولادة وهي كذلك فعلاً؛ فلا بأس أن تجمع بين الصلاتين, أقصد بأن الدم الذي يترتب عليه الامتناع من الصلاة هو الذي يكون عقيب الولادة, وسماه الشرع دم النفاس؛ لأن الرحم يتنفس بعد خروج الجنين، ولذلك يسمى دم نفاس، وأيضاً يقال للحائض: بأنها قد نفست, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة : ( علك نفستِ )؛ لأن الرحم بخروج دم الحيض يتنفس.
الشيخ: أما الاستقطاع للعلاج ثم بعد ذلك يحصل علاج في المستشفيات ولو زاد، فهذا هو التأمين الصحي وقد حكم أهل العلم بجوازه.
السؤال: هل يجوز تخصيص الإثنين لقضاء رمضان؟
الجواب: نعم, يجوز قضاء رمضان في أي يوم سوى الأيام التي منع منها الشرع، وهي يوم الفطر ويوم النحر وأيام التشريق الثلاثة.
السؤال: ما حكم المناكير في الأظافر؟
الجواب: لو فعلت تزيناً للزوج فأنت مأجورة, لكن لا بد قبل الطهارة أن يزال هذا المناكير؛ لأنه يشكل مانعاً يحول دون وصول الماء إلى البشرة.
السؤال: ما هو السحت؟
الجواب: السحت هو الحرام, سواء كان غشاً أو رشوةً أو رباً أو غصباً أو اختلاساً أو سرقةً؛ فكلمة السحت تشمل كل هذه الأنواع, وقد ذكرها ربنا في وصف اليهود قبحهم الله بأنهم: سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ[المائدة:42].
السؤال: هل لبس البنطلون تحت العباءة حرام؟
الجواب: لا، ليس بحرام؛ بل هو مزيد من التستر, إذا كان بنطالاً خاصاً بالمرأة فلا مانع.
السؤال: ما حكم تركيب الشعر كزينة للزوج وعلاج, علماً بأن شعري يشبه شعر الرجال، ومنظره قبيح, وأصبح زوجي يتضايق منه؟
الجواب: أسأل الله عز وجل أن يجمل شعركِ ويحسن منظرك، وأن يسر زوجك, وإذا كان ما عندك شعر أو شعرك مثل شعر الرجال فركبي شعراً، فقد فرق كثير من العلماء, منهم المالكية وأجازوا الوضع, فالشيء الذي يوضع غير ما يأخذ حكم الوصل الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم.
أسأل الله عز وجل أن يعلمنا علماً نافعاً، وأن يرزقنا عملاً صالحاً، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى, والحمد لله في البدء والختام, وصلى الله وسلم وبارك على خير الأنام, وعلى آله وصحبه الأعلام.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر