إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. مساعد الطيار
  5. عرض كتاب الإتقان
  6. عرض كتاب الإتقان (65) - النوع الرابع والستون في إعجاز القرآن [2]

عرض كتاب الإتقان (65) - النوع الرابع والستون في إعجاز القرآن [2]للشيخ : مساعد الطيار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد أيّد الله الأنبياء بالمعجزات، فمنها الحسية، ومنها العقلية، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم المعجزة الخالدة في قوله تعالى: (وإنما الذي أوتيته وحي أوحاه الله إلي...)، وحقيقة الأمر المعجز في القرآن والذي تحداهم القرآن به هو نظمه وترتيبه وبلاغته وما يتعلق بوجوه العربية، وأما إعجازه العلمي والطبي والرياضي والإخبار بالماضي والمستقبل فهذه كلها تعتبر دلائل صدق وإثبات حق، وليست مما تحدى الله به العرب.

    1.   

    تابع إعجاز القرآن الكريم

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى صحبه وآله والتابعين إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فنكمل ما ابتدأنا به من النوع الرابع والستين في إعجاز القرآن.

    أنواع المعجزات

    ذكر السيوطي رحمه الله تعالى أن المعجزات إما حسية وإما عقلية، قال:

    [ وأكثر معجزات بني إسرائيل كانت حسية؛ لبلادتهم وقلة بصيرتهم، وأكثر معجزات هذه الأمة عقلية؛ لفرط ذكائهم وكمال أفهامهم، ولأن هذه الشريعة لما كانت باقية على صفحات الدهر إلى يوم القيامة خصت بالمعجزة العقلية الباقية؛ ليراها ذوو البصائر ] ثم ذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم المشهور: [ ( ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر.. ) ]، الحديث، هذا الكلام كلام إنشائي، وفيه نظر من جهة، وهو كون المعجزات إما حسية وإما عقلية، وهذا لا إشكال فيه، ولكن ليس هناك عقلي محض، فلا بد من وجود شيء محسوس، ولكن القضية في بقاء هذا الشيء وليس في كونه معقولاً أو محسوساً فقط.

    ثم كونه يقول: (أكثر معجزات بني إسرائيل كانت حسية)؛ فهذا فيه غرابة؛ لأن معجزات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أكثر مما ذكر من معجزات الأنبياء، وكثير من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم كانت حسية؛ فهذا التقرير فيه نظر من هذه الجهة.

    كذلك كونه يصف أمة بالبلادة وقلة البصيرة هذا يحتاج أيضاً إلى استقراء وثبوت هذا الاستقراء، وأمة بني إسرائيل إذا كان المراد بهم اليهود فقط؛ فلم يكن عندهم بلادة، لأن البلادة مرادفة للغباء، وإن كان المراد بالبلادة شيء آخر؛ فهذه قضية أخرى.

    ولهذا مثل هذه التقريرات العامة والإنشائية يقع فيها الإشكال من هذه الجهة، ومن كونها تذكر على جهة التعميم التي يوجد ما ينقضها في الواقع، ولو كانوا ذوي بلادة لما استطاعوا أن يبقوا أبد الدهر، وهم في مجتمعات يحمون أنفسهم ألا يدخل معهم أحد، ولا زالوا إلى اليوم هكذا؛ فمثل هذه التعبيرات تحتاج حقيقة منا إلى ألا نتعجل في أن نطلق هذه الألفاظ حتى لو كانت على الأعداء؛ فإن الله سبحانه وتعالى يأمر بالعدل والإحسان حتى مع الأعداء.

    فإذاً نقول: إن المؤلف رحمه الله تعالى لم يذكر لنا من المعجزات العقلية للنبي صلى الله عليه وسلم إلا المعجزة الوحيدة التي ذكرها؛ ولهذا قال: خصت بالمعجزة العقلية الباقية، والمعجزة العقلية الباقية هي القرآن فقط، وهي ليست معجزة عقلية بحتة، وإنما فيها جزء محسوس وبقاء هذا الكلام خالداً إلى اليوم، وجزء منها معقول، فالجانب المحسوس كوننا نجد هذا الكلام يتلى آناء الليل وأطراف النهار، ويكتب في المصاحف وفي غيرها، فهذا جانب محسوس، الجانب العقلي قضية أخرى فيه.

    فإذاً لا يلزم أن تخلوا كل معجزة حسية من الجانب العقلي، وإنما المقصود في الحسية: النظر إلى أصلها كالعصا واليد فهذه يسمونها معجزات حسية، وإذا دخلنا في مثل هذا دخلنا في قضية المصطلحات، وسبق أن تحدثت عن إشكالية المصطلحات، وأنا نحتاج في كثير من الأحيان إلى ضبط مثل هذه المصطلحات.

    شرح حديث: (ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر ...)

    وهذا الحديث الذي ذكره السيوطي رحمه الله مما يحتاج إلى أن يشرح، وهو صالح لأن يكتب به مقالة؛ لأن الحديث كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر )، فهذا المقطع يدل على أن كل نبي له آية تدل على صدق نبوته، وأيضاً هذه الآية تجعل من يراه من البشر ممن يوفقه الله للإيمان أن يؤمن بهذا النبي، ولكن الواقع أن كل آية لهؤلاء الأنبياء لم تحك لنا، فإذاً نحن نثبت من خلال هذا المقطع أنه ما من نبي إلا وله آية، ونثبت من خلال الواقع أن آيات الأنبياء لم تذكر لنا كلها؛ ولهذا ما هي آية إسماعيل عليه السلام؟ وما هي آية إسحاق عليه السلام؟ وما هي آية يعقوب عليه السلام؟ فكثير من الأنبياء لم تذكر لهم آيات، ولا نحتاج إلى أن نتكلف هذه الآيات.

    ثم قال صلى الله عليه وسلم بعد ذلك: ( وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً.. )، وهذا إشارة إلى المعجزة الخالدة والآية الخالدة التي هي القرآن، وإلا فالنبي صلى الله عليه وسلم قد أوتي غير القرآن من المعجزات الشيء الكثير، سواء كانت معجزات أمام الكفار أو كانت معجزات أمام المؤمنين، وكما سبق أن ذكرنا أنه لا فرق بين المعجزة والكرامة إلا مجرد الاصطلاح إذا كانت في حق النبي، أما في حق الولي فلا، فما يظهر على يد النبي فهو يعتبر آية، سواء كانت أمام قوم مؤمنين أو كانت أمام قوم كافرين؛ فعصا موسى استخدمها أمام فرعون وهي آية، واستخدمها أيضاً أمام قومه الذين آمنوا به، وهي أيضاً آية.

    أعظم آية للنبي صلى الله عليه وسلم، والدليل على وقوع التحدي بها

    ثم ذكر أيضاً في تفسير هذا الحديث وشرحه كلاماً لبعض العلماء، وبدأ يتكلم السيوطي رحمه الله تعالى عن الإعجاز أو التحدي بالقرآن، وهنا نقف عند مسألة مهمة جداً ويجب أن ننتبه لها؛ لأنها تفك عندنا إشكالاً كبيراً جداً؛ وهو: هل كل معجزة من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم تحدى بها قومه؟ الجواب: لا، ولكن ما هي المعجزة التي وقع بها التحدي إجماعاً؟ هي القرآن؛ إذاً ليس كل معجزة متحدى بها، وإنما وقع التحدي في القرآن، والتحدي بالقرآن منصوص عليه، مثل قوله: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ [يونس:38]، أو مثل قوله سبحانه: وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [البقرة:23]، والآيات الواردة في التحدي معروفة.

    ماهية الإعجاز في القرآن الكريم

    وهذا التحدي تحدي لجميع المكلفين من الجن والإنس، يقول في هذا الفصل: [ لما ثبت كون القرآن معجزة نبينا ] وليس هو المعجزة الوحيدة، وهذه إشكالية سنأتي إليها بعد قليل، قال: [ وجب الاهتمام بمعرفة وجه الإعجاز ] ما هو وجهه الإعجاز؟ ثم قال: [ وقد خاض الناس في ذلك كثيراً فبين محسن ومسيء ]، وهذه سنأتي إليه ولا نريد أن ندخل بعضها ببعض، ولكن بعضهم قال:

    الإعجاز يتعلق بالنظم العربي من كل وجوهه، سواء لغة وبلاغة، أو رصفاً وبناءً، كل ما يتعلق بهذا النظم العربي من لغته وبناءه ورصفه؛ فهذا يعتبر هو المعجز.

    وآخرون وعلى رأسهم النظام قالوا: إن الإعجاز بالصرفة؛ وهو أن الله سبحانه وتعالى صرف العرب عن معارضة هذا القرآن، ومعنى كلام النظام ومن سار على مذهبه: أن العرب عندهم القدرة التامة في معارضة القرآن، ولكن الله سبحانه وتعالى سلبهم هذه القدرة، فإذاً يسمى إعجازاً بالصرفة، بفتح الصاد على الصحيح، أي: أن الله صرف العرب أن يعارضوا القرآن وإلا فإنهم يقدرون على ذلك، وهذا لا شك أنه مذهب رديء ويكاد يقع الإجماع على رده.

    وبعضهم قال: إن الإعجاز بما تضمنه من الإخبار عن قصص الأولين، وهذا نوع من الإخبار بالغيب، وبعضهم قال: إن وجه الإعجاز بإخباره عن الغيب المستقبل، وعما سيقع، كقوله تعالى: الم * غُلِبَتِ الرُّومُ [الروم:1-2].

    وهذه الأوجه التي ذكرها المتقدمون، والمعاصرون زادوا أوجهاً، حتى إن بعضهم انفتحت عنده الشهية بأن يذكر مجموعات من الإعجاز، حتى كاد القرآن يكون مجالاً لكل فن من فنون الدنيا بأن يوضع فيه نوع من الإعجاز، ولا نريد أن ندخل في هذا لكن أشير إلى أن ننتبه إلى أنه لا يلزم أن نتكثر بقضية الإعجاز؛ لأننا أمام مقامات علمية، فيحسن بنا أن يكون كلامنا علمياً محرراً مدققاً خاصة عندما نتكلم عن قضية مهمة جداً تشغل بال كثير من العلماء، وهي متعلقة بكتاب ربنا سبحانه وتعالى.

    ولو تأملنا هذه الأنواع من الإعجاز التي ذكرها السابقون أو ذكرها بعض المعاصرين أو زادوا عليها.

    القضية المهمة: أن نعرف هل كل ما ذكر من أنواع الإعجاز يتحدى به؟ الجواب: لا، والدليل على ذلك أنه لا تنتظم جميع سور القرآن في نوع من الإعجاز إلا نوعاً واحداً، وهو ما يتعلق بالنظم العربي من جهة ترتيبه ورصفه ولغته وبلاغته، وهذا هو الوجه الوحيد الذي ينتظم، بمعنى: أن هذا الوجه لا يمكن أن تخلو منه آية من آيات كتاب الله، وبناءً عليه لن تخلوا منه سورة من السور، فإذا جئنا إلى قوله تعالى: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ [النصر:1]، فالسورة بتمامها معجزة، ولا يستطيع أحد أن يأتي بمثلها، وهي مما تحدي به من مبدأها إلى منتهاها، لكن لو سألنا في قوله تعالى: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا [النصر:1-2]، هل فيها إخبار بالغيوب الماضية؟ وهل فيها إخبار بالغيوب المستقبلية؟

    الجواب: نعم، فيها إخباري مستقبلي، وإذا جئنا إلى قوله: قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ * اللهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:1-4]، هل فيها غيب مستقبلي؟ ليس فيها غيب مستقبلي، فهنا وجدنا الغيب المستقبلي في سورة ولم نجده في سورة، فهنا اختل أن يوجد الإعجاز الغيبي في أحد السور، وقس على ذلك جميع أنواع الإعجازات التي حكاها المتقدمون والمعاصرون، وعلى كثرتها عند المعاصرين، ونريد أن نصل إلى هذه النتيجة، بمعنى أن الذي وقع به التحدي هو ما كانت العرب تقدر عليه وتتقنه، وهو الجانب المتعلق بعربية القرآن، وبناءً على هذا نقول: يجب أن نفرق بين ما تحدي به وهو معجز، وأنواع الإعجازات الأخرى التي يحكيها العلماء ولكنه لم يتحد بها.

    ونأتي الآن إلى مسألة مرتبطة بهذا، وهو كلامنا عن القرآن بأنه معجز وإعجاز ومعجزة، وسبق أن تكلمنا أن لفظة (الإعجاز) اصطلاح خرج من بطون الاعتزال، ومصطلح القرآن إنما هو: آية وبرهان وسلطان وغيرها من الألفاظ التي نص الله سبحانه وتعالى عليها في معنى المعجزة التي صارت هي المسيطرة على هذا الموضوع، ولا أريد أن نغير ما سارت عليه الأمة قروناً ولكن ننتبه إلى هذه الإشكالية.

    الغرض والمقصد من آيات التحدي في القرآن وآيات الإعجاز

    والذي يرد الآن سواء ما كان في المتحدى به، أو في أنواع الإعجاز الأخرى: المقصد أو الهدف الأساس في حكاية هذا الموضوع هو إثبات أن القرآن من عند الله، وأن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم صدق، مثلاً: إن الله سبحانه وتعالى يقول: وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ [الجمعة:3]، وهذا لم يكن عنده أيام ما كان يقول هذا الكلام إلا ثلة ممن آمن به من أهل المدينة، فوقع هذا الإخبار، وهو دليل صدق.

    أيضاً الله سبحانه وتعالى في سورة مكية متقدمة يقول: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [المسد:1]وقد تب، يعني دعاء عليه بالتباب، ومعنى ذلك أنه لن يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، ومات وهو غير مؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، إنما مات وهو كافر؛ فهذا أيضاً نوع من الإعجاز.

    وقوله تعالى: سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ [البقرة:142]. وهي أمثلة كثيرة جداً من هذه الأنواع التي أخبر بها القرآن ووقعت كما أخبر، ولم يتخلف مثال واحد مطلقاً، فعدم تخلف مثال واحد دلالة على الصدق؛ فإذاً بحثنا كله في الإعجاز؛ لإثبات أن هذا القرآن كلام الله سبحانه وتعالى، وأن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم صدق وحق، فإذاً هذا هو المدار كله.

    فإذاً: الحديث عن المعجزة هو في الحقيقة حديث عن دلالة من دلائل صدق النبوة، وما دُمنا نتكلم عن دلالة من دلائل صدق النبوة فيحتاج أن نفهم هذا، وأن نفرق بين مقام التحدي ومقام الدلالة على الصدق، وإلى اليوم نقول لجميع الناس: إنا نتحداكم أن تأتوا بسورة من مثله، وهذا منطوق القرآن، وهذا عندنا حق وصدق؛ لأنه قد عاش الناس قروناً متطاولة وما نقض هذا التحدي ولن ينقض قطعاً، فهذا دلالة صدق قوية جداً، أيضاً حينما نتكلم عن دلائل الصدق الأخرى فإنا نجعلها دلالة صدق على القرآن، وليست تحدياً.

    وبعض المعاصرين -وكما يقال: من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب- جعل الإعجاز العلمي مقام تحد، وهو نفسه يقول: إنه مقام تحدي لهؤلاء الكفار، وهذا خطأ محض؛ لأنه لم يفرق بين ما هو مقام تحد وما هو دلالة على الصدق، فما دام أنه دلالة على الصدق؛ فالأمر أيسر من أن يقول: مقام تحد، ومن الذي خولك في أن تجعل هذا مقام تحد؟! وكيف جعلت هذا مقام تحد؟ هذا خلل في الأصل، وحينما يكون في الأصول خلل فالنتائج -في الغالب- يكون فيها خلل، فنحتاج إلى أن نضبط مسار هذا الأمر، ولا يكون عندنا نوع من العجلة في إبراز هذه القضايا، ثم نضطر إلى أن يرد بعضنا على بعض، ولو أرجع الأمر إلى أهله ما حدثت مثل هذه الإشكالات؛ ولمشى الأمر هويناً شيئاً فشيئاً، وهذا سببه عدم التفريق بين ما هو متحدى به وما هو من دلائل الصدق الأخرى، مع أن المتحدى به أصلاً في النهاية هو دليل صدق، وهذا الدليل دليل صدق نقف ونجاهر به عياناً بياناً، ولا نخشى فيه إطلاقاً أي شيء، ولكن حينما نقول: إن القرآن دل على هذه القضية العلمية وهذه دونها خرط قتاد طويل، يحتاج لكي نثبت أن هذه الآية بالفعل تدل على قضية ما؛ لأنها دلالة ظنية، ولا يمكن لأحد أن يقول في مثل قوله تعالى: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ [الذاريات:47] أنها تدل دلالة قطعية على أن الكون يتمدد، بمعنى أن من قال: إن هذه الآية تدل على تمدد الكون وهو الذي اكتشفه العلماء حديثاً، نقول: هذه الدلالة ظنية، وصحيح أن قضية إثبات دلائل النبوة فيها اليقيني والظني، ولكن حينما نجعل المقام مقام تحد لا نجعله على دلائل ظنية.

    أقول العلماء في حقيقة الإعجاز القرآني

    السيوطي رحمه الله تعالى يقول: [ فزعم قوم أن التحدي وقع بالكلام القديم ].

    والكلام القديم الذي هو صفة الذات وهذا قول الأشاعرة، فالأشاعرة يقولون بالكلام القديم، وأن الذي بين يدينا هو عبارة عن الكلام القديم، ويلزم من ذلك أن ما تكلم به جبريل ليس هو كلام الله سبحانه وتعالى سمعه منه، وهذا معروف المذهب ولا نحتاج إلى أن ندخل فيه ونناقش، لكن الذي قال بالإعجاز بالكلام القديم هو الإمام أبو الحسن الأشعري رحمه الله تعالى ونسب إليه هذا القول؛ لأنه كان يقول بالكلام القديم.

    ولكن يقع الإشكال في ما ذكره السيوطي من الرد؛ وهذا لا يمكن الوقوف عليه، ولو كنا نعتقد وجود الكلام القديم فلا يمكن الوقوف عليه، ولا يتصور التحدي به؛ فإذاً هذا الرد وضح جداً، وهو كيف يتحدى بما لا يمكن الوقوف عليه وهو الكلام القديم لو كنا نثبت الكلام القديم؟! ولكن رأي أهل السنة والجماعة من الصحابة والتابعين وأتباعهم ومن تبعهم من الأمة أن المتحدى به هو كلام الله ذاته؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة:6]، وما قال: عبارة كلام الله، ولو كان عبارة كلام الله لجاءت في أي موطن إشارة إلى مثل هذا الحذف؛ فيقال: إن هذا هو عبارة عن كلام الله وليس كلام الله.

    فإذاً: هذا هو كلام الله سبحانه وتعالى، وعلينا نحن أن نتلوا كلامه سبحانه وتعالى، ونردد ما سمعه جبريل عليه الصلاة والسلام من ربه، ونزل به جبريل كما سمعه على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، وتلاه محمد صلى الله عليه وسلم كما سمعه عن جبريل، ثم تلاه الرسول صلى الله عليه وسلم على الصحابة، ووصل إلينا اليوم، ولا يمكن أن يزاد فيه حرف ولا أن ينقص منه حرف ألبتة.

    ولهذا من لطائف القراء أنهم إذا ختموا السند قالوا: عن محمد صلى الله عليه وسلم عن جبريل عن رب العالمين، نعم، فإذاً: هذا سند متصل إلى الله سبحانه وتعالى الذي هو القرآن؛ لأنه ليس فيه لا نقص ولا زيادة كما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم وهو موجود اليوم، وهذا لا شك أنه من دلائل صحة نقل هذا القرآن، ولا يوجد كتاب يمكن أن يقال: إن فيه هذه الخاصية مثل القرآن أبداً.

    ثم ذكر السيوطي رحمه الله بعد ذلك كلام النظام في الصرفة، والصرفة فيها كلام طويل وكثير، وبعض الباحثين تكلموا عن أنواع الصرفة المذكورة عند العلماء منها: صرفة النظام المعروفة، وأخونا الدكتور عبد الرحمن الشهري كتب بحثاً محكماً في هذه ولعله يخرج قريباً ويستفاد منه، ومن أراد أن يستفيد منه يرجع إليه.

    وعندنا أيضاً مما يتعلق بهذا المقطع في قضية الإعجاز ذكر مجموعة من الأمور ترجع في النهاية إلى شيء واحد، وهو من قول القاضي أبي بكر : أن وجه الإعجاز ما فيه من النظم والتأليف والتنصيف، وأيضاً قول الزملكاني : وجه الإعجاز راجع إلى التأليف الخاص به لا مطلق التأليف.. إلى آخر كلامه، وكذلك ما ذكره بعد ذلك عن ابن عطية رحمه الله تعالى وهذا في مقدمة تفسيره، كل هذا يرجع في النهاية إلى النظم العربي بالوجوه المرتبطة به.

    كلام ابن عطية رحمه الله في إعجاز القرآن

    ولـابن عطية رحمه الله تعالى كلمة لطيفة وهي موجودة في بداية تفسيره يقول: وكتاب الله سبحانه لو نزعت منه لفظة ثم أدير لسان العرب على لفظة أحسن منها لم يوجد، قال: ونحن يتبين لنا البراعة في أكثره، ويخفى علينا وجهها في مواضع؛ لقصورنا عن مرتبة العرب يومئذ في سلامة الذوق وجودة القريحة، ثم قال: وقامت الحجة على العالم بالعرب إذ كانوا على أرباب الفصاحة ومظنة المعارضة يعني: قاموا بالحجة على العالم بالعرب أنهم لم يتحدوا بهذا القرآن، فقامت الحجة على الجميع، قال: كما قامت الحجة في معجزة موسى بالسحرة، وفي معجزة عيسى بالأطباء.. إلى آخر الكلام الذي ذكره.

    من الغرائب أيضاً فيما يتعلق بهذا تقييدة فقط، قال: (وكذلك الطب في زمن عيسى عليه الصلاة والسلام) أنا إلى الآن لم أجد من خلال ما قرأت في تاريخ عيسى عليه السلام أو الفترة التي حوله، والمنطقة التي كان يعيش فيها أن أهلها كانوا يشتهرون بالطب، فلم يكن الطب مما اشتهر به قوم عيسى، فقوم عيسى هم في النهاية بنوا إسرائيل ولم يكن عندهم هذه الشهرة بالطب؛ فهذا يقيد، وهي مسألة تبحث، وأنا في نظري أن فيها إشكالاً، وأول من رأيته ذكرها الجاحظ ، ويبدو أن سبب ذكرها هو سوق بعض المعجزات التي لها علاقة بما برع به بعض الأقوام، فـموسى عليه السلام بالفعل كان فرعون عنده سحرة وبرعوا في السحر، ومحمد صلى الله عليه وسلم قومه كانوا فصحاء؛ فجاءهم القرآن فيما برعوا به، ولكن عندهم معجزات أخرى لا علاقة لها بما برع به قومه، وكل نبي عنده من المعجزات مما لا علاقة له بما برع به قومه؛ فإبراهيم عليه السلام كان من معجزاته خروجه من النار، وليس لها علاقة بما برع بها قومه، وكذلك صالح آيته الناقة.. وقس على ذلك، بمعنى: أنه لا يلزم أن تأتي المعجزة من جنس ما برع به القوم، وإنما يلزم أن تأتي المعجزة دالة على صدق النبي فقط، أما أن تكون من شرطها أنها مما برع به القوم؛ فهذا ليس من شرطها إطلاقاً؛ لأنها إذا رجعنا إلى معجزات الأنبياء لا نجد هذه لازمة في جميع معجزات الأنبياء ولا حتى في كبرى معجزات الأنبياء؛ فدل على أن هذا القيد الذي ذكره في عيسى عليه السلام أن قومه برعوا في الطب هذا الكلام فيه نظر، لعلنا نقف عند هذا الحد ونكمل إن شاء الله لاحقاً.

    1.   

    الأسئلة

    اعتبار الإخبار بالماضي تحدياً

    السؤال: [هل يعتبر الإخبار بالماضي من التحدي؟]

    الجواب: لا، هذه مسألة أيضاً مهم جداً أن ننتبه لها، هل نقول: إن الأشياء السابقة تدخل في الإعجاز، هذه ما قلنا فيها شيئاً، لكن هل تدخل في التحدي؟ هذا السؤال، والجواب: لا، فالقرآن إنما تحداهما بأن يأتوا بسورة، فهو متحد بلفظها أما معناها الذي فيها مما لا يمكن للعرب أن يأتوا به فلا، وهذا هو الإشكال هنا، ولو فهمنا أن نزيل هذا عن هذا؛ لاتضح عندنا أن هذا له قضية وهذا له قضية، فلم يطلب من العرب أن يأتوا بأخبار مستقبلية أو أخبار سابقة، وما طلب من العرب أن يأتوا بتفاصيل كونية مثلما جاء في القرآن، وإنما طلب أن يأتوا بما يستطيعونه من لغتهم، وهو أن يأتوا بهذا النظم العجيب والرصف الغريب.

    ما برع به قوم صالح وعلاقته بالناقة

    السؤال: [هل برع قوم صالح عليه السلام بنحت الجبال، فأتتهم الآية من داخل الصخرة؟]

    الجواب: نعم، هم ينحتون من الجبال بيوتاً، لكنهم لا يخرجون من الجبال أشياء حية، فكونها تخرج من صخرة أو من غيرها هذا ليس له علاقة بالمهنة التي برعوا فيها، فليست من جنس ما برعوا فيه، وحتى لو كانت من جنس ما برعوا فيه فليست دائماً لازمة لجميع آيات الأنبياء، فموسى عليه السلام من جنس ما برع به فرعون وقومه السحر؛ ومحمد صلى الله عليه وسلم الفصاحة والشعر؛ ولكن ليست لازمة لجميع آيات..

    سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    757129724