إسلام ويب

المنح الإلهية في ابتلاء العباد [2]للشيخ : أحمد سعيد الفودعي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يعلم الله عباده ويخبرهم بأنه سينزل عليهم البلايا والمصائب والمكروهات، ولله حكم من وراء تقدير كل ذلك، ومنها: استخراج العبادات وقت الضراء، ومعرفة العبد لمقدار العافية التي كان فيها، والزهد في الدنيا، والافتقار والذلة لله، والتوكل على الله واللجأ إليه.

    1.   

    الحكمة من إخبار الله عباده بنزول المصائب عليهم

    الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    لا نزال -أيها الأحباب- في ظلال حديث كعب بن مالك رضي الله عنه الذي رواه الشيخان في الصحيحين، ورواه غيرهما، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ( مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع تفيئها الريح تقلبها مرة وتعدلها أخرى حتى يجيء أجله -أو حتى تهيج-، ومثل المنافق كمثل الأرزة المجذية على الأرض، لا يفيئها شيء حتى يكون انجعافها مرة واحدة ).

    هذا الحديث العظيم فيه بيان سنة من سنن الله تعالى الكونية، وهي إجراء البلايا على عباده وخاصةً المؤمنين.

    في هذا الحديث فائدة عظيمة عزيزة، ينبغي للمؤمن أن يتفطن لها، وهي إخبار الله تعالى وإعلامه لعبده المؤمن بأنه لن يخلو من مصيبة، وإن طابت الأيام والسنون، وتمتعت بالعافية والصحة والرخاء، فما دمت مؤمناً فإنك عرضة للبلاء، لا بد وأن تنزل بساحتك مصيبة، إما بلاء في بدنك، أو مصيبة في مالك، أو فقد حبيب، ذلك هو قدر الله تعالى الذي أجراه على عباده المؤمنين، فكونهم من أهل الإيمان لا يجعلهم في منأى وبعد عن الابتلاء والامتحان، بل هم أجدر الناس وأولى الناس بالبلاء، ولكن من رحمة الله تعالى ولطفه أن سبق إليهم بهذا الإعلام، وأخبرهم قبل نزول المصاب، قال لهم في سورة البقرة: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ [البقرة:155]، وقال لهم في آخر سورة آل عمران: لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا [آل عمران:186]، إعلام بالمصيبة قبل نزولها، حتى يتزود المؤمن من جراب الصبر، وحتى يستعمل صبره في وقته في هدوء بال، وسكينة نفس، وطمأنينة وراحة، فإذا نزلت به المصيبة كان متهيئاً لنزول هذا المصاب، فتسارع لسانه مع نفسه وقلبه إلى تلك المقولة العظيمة: إنا لله وإنا إليه راجعون، هذا الإعلام هو جزء من رحمة الله، هو شيء من لطف الله، هو شيء من فضل الله، أن أخبرنا بأننا عرضة لكل ابتلاء، وإن عشنا منعمين أياماً، فلا بد أن نتوقع المكروه، وكما قال الشاعر العربي وهو يتحدث عن المصائب:

    فلما دهتنا لم تزدنا بها علماً

    هذا حال المؤمن، يعلم أنه عرضة على الدوام للبلايا.

    1.   

    حكم الله في تقدير المصائب على العبد

    سنتحدث هنا في هذه اللحظات عن شيء آخر من حكم الله عز وجل البالغة من وراء تقدير المكروه على عبده المؤمن.

    استخراج العبادات من العبد

    من هذه الحكم البالغة الجليلة: أنه سبحانه وتعالى بالمصائب والأحزان يستخرج من العباد عبادات ما كانت لتخرج منهم لولا المصائب، يستخرج منهم طاعات ما كانوا ليقوموا بها لولا المكروهات، ويتقلب المؤمن بسبب هذا البلاء بين جانبي العبادة التي يرضاها الله عز وجل ويحبها: عبادة السراء، وعبادة الضراء، فلله عز وجل عبادة في كل حين ووقت، فله في حال نعمتك وفرحك عبادة عليك، وهي الشكر لله تعالى، والقيام بحقوق النعمة، وله سبحانه وتعالى عبادة عليك وقت نزول المكروه والمصيبة وهي الصبر على قضاء الله تعالى، والرضا بما قدره سبحانه وتعالى. وهذه العبادات بها تكتمل شخصية المؤمن، ويصير بها الإنسان من عباد الله حقاً، أما أولئك الذين يعبدون الله في الرخاء، وألفوه ولم يألفوا غيره، فإنه يخشى عليهم أنه إذا تغير بهم الحال، وانقلبت عليهم الأوضاع انقلبوا هم معها، كما قال الله جل شأنه في كتابه الكريم: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [الحج:11]، لولا أن الله عز وجل يبتلينا بالمصائب شيئاً فشيئاً، وقليلاً قليلاً، يعودنا من خلالها على عبادة الضراء، ويعودنا من خلالها على التعلق به سبحانه وقت الشدائد، والرضا بأقداره المكروهة، لولا هذا لخيف علينا شر وفساد أعظم منه، وهو الانقلاب على الوجه، والردة عن الدين، وبذلك يحصل خسران الدنيا والآخرة.

    جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن ربي عرض علي أن يجعل لي بطحاء مكة ذهباً )، وهو سبحانه على ذلك قادر وقدير، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكمال معرفته بربه، وكمال معرفته بنفسه، لم يقبل هذا العرض، ( عرض علي ربي أن يجعل لي بطحاء مكة ذهباًّ! فقلت: لا يا رب! لا أحب هذا، لا يا رب! ولكن أجوع يوماً وأشبع يوماً )، لماذا الجوع والشبع؟ ولماذا تتغير الأيام؟

    واختار عليه الصلاة والسلام أن يربط على بطنه الحجر من شدة الجوع في بعض أيامه، وخرج من الدنيا عليه الصلاة والسلام وهو لم يشبع من خبز الشعير مرة، وخرج عليه الصلاة والسلام ودرعه مرهونة عند يهودي بالشعير الذي يأكله ويطعمه زوجاته، رضي عليه الصلاة والسلام بأن تتقلب عليه الأيام، ( ولكن أجوع يوماً، وأشبع يوماً ).

    اسمع الحكمة قال: ( فإذا شبعت حمدتك وشكرتك، وإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك )، وكثير منا لا يعرف حقيقة الاضطرار إلى الله، والرجوع إلى الله إلا عندما تنزل به المصيبة، وتحل به الشدة، كثير منا لا يعرف الدعاء بصدق والإقبال على الله إلا إذا أصيب ببدنه، أو أصيب بولده، ولله عز وجل الحكمة البالغة، فهو سبحانه يدبر أمر عباده باللطف والرحمة: إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:117]. هذا من أعظم حكم الله تعالى في البلايا التي تنزل بعباده المؤمنين، ليستخرج منهم هذه العبادات التي ما كانت لتخرج منهم لولا هذه المقادير.

    معرفة قدر النعمة والعافية

    ومن حكمته سبحانه وتعالى في تقدير البلايا على العبد أيضاً، وهي حكمة جليلة رفيعة القدر: أنه بالمصيبة يعرف قدر العافية، وبالحرمان يعرف قدر النعمة، فبضدها تتبين الأشياء.

    الإنسان عندما يألف النعمة وحدها يتقلب فيها ولا يقدرها حق قدرها، ولا يعرف الإنسان قدر النعمة إلا حين تزول.

    كان من حكمة الله سبحانه البالغة أنه خلق آدم ليعيش في الجنة، وأسكنه الجنة أولاً، وأخبره بأن العوارض التي قد تعرض له في غير هذه الدار لن تعرض له في هذه الدار، قال: إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى [طه:118-119]، هذه دار لا عري فيها، لا حر فيها، لا جوع فيها ولا عطش، أنت تتمتع بكل النعم، من فوقك، ومن تحتك، وعن يمينك وشمالك، ولك فيها ما تشتهي نفسك، ولكنه سبحانه قدر عليه قدراً ليعرفه قدر هذه النعمة، فإذا عرف قدر هذه النعمة رجع إليها، لكنه يوم الرجوع يرجع وهو عارف بقدر تلك النعمة وجلالة مكانتها، أنزله الله إلى الأرض فقاسى فيها أقداراً، وذاق بعض نصبها وتعبها، ولما رجع إلى الجنة رجع معترفاً بقدرها، عارفاً بكمالها وتمامها، وهذا شأن الإنسان لولا المصيبة ما عرف قدر النعمة، ونحن نلمس هذا في حياتنا العملية، كثير من أبناء النعمة الذين ولدوا فيها، وترعرعوا في أحضانها، وشبوا على شربها وأكلها، لم يعرفوا قدرها، لا يعرف قدر النعمة إلا من زالت عنه أياماً، وبضدها تتبين الأشياء.

    الزهد في الدنيا والتقليل منها

    من حكم الله عز وجل البليغة في تقدير المصائب على العبد أنه يزهده في هذه الدنيا، ويبغضها إليها، ويكرهها عنده ليسهل عليه فراقها إذا جاء وقت الفراق. المؤمن الذي يبتلى مهما بسط الله عز وجل عليه من الدنيا، تراه دائماً يتطلع إلى الآخرة، تراه دائماً ينتظر ما عند الله عز وجل من العافية، فلولا أكدار الدنيا، ولولا مصائبها ومضايقها، لألفناها وأحببناها وتعلقنا بها، فشق علينا الخروج منها، ولكن ليسهل الله عز وجل علينا هذا الخروج، وليهون علينا هذا الفراق، حتى نأباها من داخل أنفسنا، وحتى نتمنى الانتقال عنها إلى ما هو خير برغبة صادقة منا، حتى يحصل هذا المقصود العظيم قدر الله عز وجل فيها هذه الأكدار، وهذه المصائب، فلا تحلو أبداً، وهي كما قال الواصف لها: إذا جلت أوجلت، وإذا كست أوكست، لا تعطيك إلا لتأخذ منك، ولا تفرحك إلا لتنغص عليك عيشك، فهذه طبيعتها التي جبلها الله عز وجل عليها، ليقل تعلق المؤمن بها، فلله عز وجل وحده الحكمة البالغة من وراء ما يقدر.

    الاعتراف والتعرف إلى الله

    ومن حكمة الله عز وجل من وراء المصائب التي تصيب العبد، أياً كان نوع هذه المصائب، بعض الناس يصاب في ماله، وآخر يصاب في ولده، وثالث يصاب في بدنه وأن المصائب تورث النفس نوع اعتراف لله، وحاجة إليه، وتعرف عليه، والإنسان لا يشعر بالطغيان إلا حين يشعر بكمال نفسه، حين يشعر بعدم حاجته يتسرب إليه الطغيان من جميع المنافذ وهو لا يشعر، كما قال الله عز وجل: كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق:6-7]، حين يشعر بأنه غني، بأنه قوي، بأنه قادر، بأنه معافى، هنا يصاب بالطغيان فيتجاوز حده، ويتناسى حق العبودية عليه، فلا يزيل عنه هذا الطغيان إلا أن يكسر، وإلا أن يعرف بحقيقة نفسه، ولو في بعض الليالي والأيام، ولو في بعض الساعات، فيزول منه ذلك الطغيان، ويذوب عنه ذلك الكبر، وهنا يرجع إلى حقيقته التي أرادها الله عز وجل له، وهي العبودية له سبحانه وتعالى.

    أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

    الافتقار والذلة لله تعالى

    الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه.

    أما بعد:

    إخوتي في الله! من حكم الله عز وجل في تقدير الهزائم على المسلمين ووقوع النكبات وحلول الملمات في ساحتهم: إكسابهم الذلة لله تعالى والافتقار، وإذا ذل العبد وانكسر ألبسه الله عز وجل لباس النصر والتمكين، وكما يقول العلماء: لباس النصر لا يكساه إلا من تولى منصب الذلة والانكسار. فمن ترقى هذا المنصب، وولي هذه الولاية: الذل لله، والانكسار لله، ألبسه الله عز وجل لباس التمكين والنصر، فهو سبحانه وتعالى- كما جاء في الأثر- عند المنكسرة قلوبهم.

    كنت أسمع ندوة جمع فيها أحد عشر خبيراً من جميع الأقطار تقريباً على اختلاف التوجهات، على اختلاف المصالح، على اختلاف الديانات، جمعوا في ندوة ليتحدثوا عن مستقبل سوريا والأزمة السورية، وكان رأي الجل إن لم يكن الكل، أن الأزمة ليس فيها تباشير توعد بأنها قريباً ستنتهي، وأن مصيبة السوريين ستطول وربما تطول كثيراً، وربما استمر الحال على ما هم عليه قتلى بالعشرات والمئات كل يوم. كان هذا توقع هؤلاء الناس، ولكن للمؤمن نظر آخر، المؤمن ينظر إلى أن الله عز وجل قد ينصر الذليل وقت الذلة، ويقوي الضعيف وقت المسكنة، كيف يأتيهم الله من حيث لا يحتسبون، هذه خارج الحسابات، وخارج المقادير، وهذا لا ينافي الأخذ بالأسباب، لا ينافي الأخذ بالممكن من أقدار الله تعالى، لكن ليس من عقيدة المؤمن التوكل على الأسباب وحدها، نعم يأخذ بالسبب، لكنه يؤمن إيماناً جازماً بأن الأمر كله لله، يصنع بعباده ما يشاء، والله يخبرنا في كتابه الكريم بأنه نصر أولياءه وحزبه في وقتٍ أشد ما كانوا ذلة وقلة وضعفاً، قال في كتابه الكريم: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ[آل عمران:123]، لقد نصرهم ببدر وهم أذلة، وهم قلة، وهم ضعفاء، والناس يحيطون بهم من كل جانب، كيف نصرهم؟ لا تسأل عن كيف، لقد أمدهم سبحانه وتعالى بقوة خارج هذا الحسبان: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ [الأنفال:9]، هؤلاء ألف، ثم جعلهم ثلاثة آلاف، ثم جعلهم خمسة آلاف، مردفين: يتبع بعضهم بعضاً.

    لقد قام صلى الله عليه وسلم، وهو العزيز على ربه، الحبيب إليه، المكرم عنده، قام تحت الشجرة ليلة بدر يدعوه ويرفع يديه ويستغيث حتى الصباح، حتى كاد الرداء أن يسقط عن كتفه، فيرفعه أبو بكر رضي الله تعالى عنه، وهو يشفق على رسول الله من شدة استغاثته بربه، ولكنها الحال التي تستجلب نصر الله سبحانه، وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ[آل عمران:123].

    صدق التوكل واللجأ إلى الله

    إن من حكم الله البليغة من وراء الأحداث التي يجريها على المسلمين أنه يستخرج منهم هذه الذلة، وينتزع منهم هذا التوكل على الله، ولذلك قالها السوريون على اختلاف مشاربهم، وعلى اختلاف مراتبهم في الطاعة والعصيان، الكل يردد في الشارع: ما لنا غيرك يا ألله! هذه العبارة يريد الله أن ينتزعها من القلوب انتزاعاً، وهم إذا صدقوا فيها فإن وعد الله آتٍ لا محالة.

    أخبرنا الله في كتابه عن النبيين من قبلنا فقال: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ [آل عمران:146-148]، لما رجعوا إلى الله بذلة وانكسار، وعرفوا بأن ما أصابهم من الذل والقلة، ما أصابهم من الألم والجروح إنما هو بسبب كسبهم، بسبب ذنوبهم، فاعترفوا لله بذلك: وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ [آل عمران:147-148]، الفاء في لغة العرب تدل على التعقيب، يعني: ليس بشيء بعيد، جاء على إثره وقريب منه نصر الله تعالى العاجل في الدنيا، ثم لحقه بعد ذلك ثواب الله الآجل في الدار الآخرة، هذه موازين الإنسان المؤمن.

    ونحن ينبغي أن نوصل هذه الرسالة بكل ما أوتينا من وسائل البلاغ إلى إخواننا في سوريا، إن عجزنا عن شيء فلا نعجز عن توجيه هذه العصابة التي تقاتل وتدافع عن حقها، توجيهها إلى أسباب نصر الله لها، مع مدها بما نقدر عليه من أسباب المدد، ومن أعظم ذلك ما نذكر به على الدوام الدعاء لهم بصدق واضطرار، فإن الدعاء أعظم أسباب النصر والفلاح.

    نسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه. اللهم يا حي يا قيوم! برحمتك نستغيث أصلح لنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

    اللهم يا ودود يا ودود! يا ذا العرش المجيد! يا فعالاً لما تريد! نسألك اللهم بعزك الذي لا يرام، وبملكك الذي لا يضام، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك، أن تعجل بالفرج للمسلمين في سوريا وفي كل مكان يا رب العالمين! اللهم عجل لهم بالفرج، اللهم عجل لهم بالفرج، اللهم عجل لهم بالفرج، واكشف عنهم الكرب يا أرحم الراحمين! اللهم لا تجعلهم فتنة للقوم الظالمين، اللهم لا تجعلهم فتنة للقوم الظالمين، اللهم لا تجعلهم فتنة للقوم الظالمين، ونجهم برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم أعنهم ولا تعن عليهم، وانصرهم ولا تنصر عليهم، وامكر لهم ولا تمكر عليهم، وكن لهم ولا تكن عليهم، اللهم تول أمرهم، اللهم تول أمرهم، اللهم تول أمرهم، ولا تكلهم إلى أنفسهم ولا إلى أحدٍ سواك يا أرحم الراحمين! اللهم أطعم جائعهم، واشف جريحهم، وارحم ميتهم، وأمن خائفهم، وآو شريدهم، اللهم أنزل عليهم سكينتك، وانشر عليهم فضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

    اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.

    اللهم اغفر لمن حضر هذه الجمعة ولوالديه، وافتح للموعظة قلبه وأذنيه، أنت ولي ذلك والقادر عليه.

    اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم اهزم الكفرة والمشركين أعداءك أعداء الدين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755770621