أخبرنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن هانئ بن الشخير عن رجل من بلحريش عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (كنت مسافراً فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنا صائم وهو يأكل، قال: هلم، قلت: إني صائم، قال: تعال، ألم تعلم ما وضع الله عن المسافر؟ قلت: وما وضع عن المسافر؟ قال: الصوم ونصف الصلاة)].
فهذا الحديث وما بعده من الأحاديث التي في معناه ترجع إلى ترجمة الباب، وقد جاء عن عدد من الصحابة أحاديث تدل عليها، وقد مر كذلك ذكر جملة منها، وهو: وضع الصيام عن المسافر، وعرفنا أن وضع الصيام عن المسافر هو عدم إلزامه به في الوقت، أما كونه إذا أفطر يقضي ما أفطره فإن هذا لا بد منه، وقد جاء في القرآن: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184]، إذاً: فالوضع إنما هو عدم الإلزام في الوقت، وأن ذلك من التخفيف والتيسير من الله عز وجل على عباده، فإنه شرع ويسر.
وأورد النسائي حديث عبد الله بن الشخير رضي الله تعالى عنه، وقد كان مسافراً، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يأكل، فقال: [(هلم، قلت: إني صائم، قال: ألم تعلم ما وضع الله عن المسافر؟ وضع الله عن المسافر الصوم وشطر الصلاة أو نصف الصلاة)]، والشطر هو: النصف، والحديث هو مثل ما تقدم من الأحاديث التي وردت في هذا المعنى وفي هذا الموضوع، وأن الله وضع عن المسافر الصيام وشطر الصلاة، أي: الصلاة الرباعية، حيث شرع أن تكون اثنتين بدل الأربع في الحضر، فتكون في السفر اثنتين، فوضع الله عن المسافر ويسر وخفف، فصار غير ملزم بالصيام في الوقت وعليه القضاء، فوضع نصف الصلاة إلى غير بدل، بخلاف الصيام، فإنه وضع إلى بدل وهو القضاء.
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو عوانة].
هو أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي بشر].
هو ابن أبي وحشية، جعفر بن إياس اليشكري الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن هانئ بن الشخير].
هو هانئ بن عبد الله، نسب إلى جده، وجاء في بعض الروايات كما سيأتي نسبته إلى أبيه، هانئ بن عبد الله بن الشخير، وهانئ بن عبد الله بن الشخير مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن رجل من بلحريش].
وبني الحريش يقال لهم: بلحريش، فهذه قبيلة من قبائل العرب، وكلمة: (عن رجل)، سيأتي في بعض الطرق الآتية: أن هانئ بن عبد الله بن الشخير يروي عن أبيه، وليس بينه وبينه واسطة في حديث أبي زرعة عبيد الله بن عبد الكريم الذي سيأتي، فإن الإسناد ليس فيه واسطة بين هانئ وبين عبد الله، وقد قال المزي في تحفة الأشراف: إن الصواب هو ما جاء في حديث عبيد الله بن عبد الكريم، أي: الرازي الذي سيأتي، أن هانئاً يروي عن أبيه عن عبد الله بن الشخير مباشرة بدون واسطة، ولا يروي عن أحد عن أبيه، وأما ما جاء في الطريقين اللذين قبله، وهي التي معنا والتي بعدها طريق قتيبة، وطريق الطرسوسي، فإن (عن) تكون زائدة، وعلى هذا: فيكون الكلام عن هانئ بن الشخير رجل من بلحريش عن أبيه، فتكون (رجل) هذه ترجع إلى هانئ، وليس هانئ يروي عن رجل مبهم، وإنما هو وصف لذلك الرجل، وعلى هذا فتكون زيادة (عن) جاءت في الإسناد قبل رجل وبعد هانئ، وإذا حذفت صار رجل، توضيحاً وبياناً لـهانئ، وتعريفاً بـهانئ، وأنه رجل من بلحريش أو بني الحريش، وهانئ مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن أبيه].
هو عبد الله بن الشخير، صحابي من مسلمة الفتح، وأخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
أورد النسائي حديث عبد الله بن الشخير من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم، من حيث أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو صائم، والرسول يأكل، وطلب منه أن يأكل معه، فقال: إنه صائم، فقال: أحدثك عن الصيام، ثم قال: [(إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة)].
قوله: [أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن سلام].
هو عبد الرحمن بن محمد بن سلام البغدادي ثم الطرسوسي، وقد ذكره المزي عندما ذكره، قال: عبد الرحمن بن محمد بن سلام الطرسوسي، ثم قال: إن (عن) زائدة في طريق الطرسوسي وطريق قتيبة هي الأولى، وطريق الطرسوسي هي الثانية، فتكون (عن) قبل (رجل) زائدة.
عبد الرحمن بن محمد بن سلام البغدادي ثم الطرسوسي، لا بأس به، ولا بأس به تعادل صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
[حدثنا أبو داود].
هو سليمان بن داود الطيالسي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن هانئ بن عبد الله بن الشخير عن رجل من بلجريش عن أبيه].
كلهم مر ذكرهم، وكلمة (عن رجل) مثل الإسناد الذي قبله، و(عن) فيه زائدة، و(رجل) ترجع إلى هانئ الذي هو من بلحريش، يروي عن أبيه عبد الله بن الشخير رضي الله تعالى عنه.
أورد النسائي حديث عبد الله بن الشخير من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم.
قوله: [أخبرنا عبيد الله بن عبد الكريم].
هو أبو زرعة الرازي، الإمام المشهور، المحدث، الناقد، المتكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً، وكثيراً ما يأتي ذكره مع أبي حاتم الرازي، وعبد الرحمن بن أبي حاتم في الجرح والتعديل كثيراً ما ينقل عن أبيه عن أبي زرعة في باب الكلام في الرجال، وهو إمام، حافظ، ثقة، مشهور، أخرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
وأبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم، يأتي ذكره باسمه وبكنيته، ولكنه مشهور بالكنية، وأكثر ما يأتي ذكره في الرجال جرحاً وتعديلاً، قال: أبو زرعة، أو وثقه أبو زرعة، أو قال فيه أبو زرعة: كذا، وأبو زرعة يطلق على عدد، منهم المتقدم ومنهم المتأخر، منهم: أبو زرعة بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي، وهو ثقة من التابعين، يروي عن الصحابة فهم أبو هريرة، ويروي عن أبيه، وعن جماعة، وهو مشهور بكنيته أبي زرعة، ومنهم: أبو زرعة الرازي هذا الذي معنا، وهو من طبقة شيوخ بعض أصحاب الكتب الستة، كـمسلم، والنسائي كما هنا، ومنهم أبو زرعة الدمشقي، وهو بعده، وهناك من المتأخرين بعد ذلك: أبو زرعة العراقي ولي الدين بن عبد الرحيم بن الحسين صاحب الألفية، ابنه يقال له: أبو زرعة، وهو مشهور بـأبي زرعة العراقي، فأبو زرعة، اشتهر بالتكنية هذه عدد من أهل العلم، فيهم المتقدم وفيهم المتأخر، وأقدمهم: أبو زرعة بن عمرو بن جرير الذي هو من التابعين.
[حدثنا سهل بن بكار].
ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.
[حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن هانئ عن أبيه].
وهنا لم يقل: عن رجل؛ ولهذا قال المزي: الصواب ما قاله أبو زرعة، يعني: عن هانئ عن أبيه، والذي في إسناد الطرسوسي شيخ النسائي الطرسوسي: عبد الرحمن بن محمد بن سلام وشيخه قتيبة، إذاً تكون (عن) التي قبل (رجل) زائدة، فيكون الإسنادان مثل إسناد أبي زرعة، إذا حذفت (عن) أو صارت زائدة.
إذاً: هانئ يروي عن أبيه، ولا يروي عن رجل عن أبيه.
ثم أورد النسائي حديث أنس بن مالك القشيري الكعبي الذي سبق أن مر قبل ذلك، والذي يروي عنه أبو قلابة، وهو يتعلق بهذا بالموضوع، وهو أنه: كان في سفر وجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: [(ادن، فقال: إني صائم، فقال له: إن الله وضع عن المسافر كذا)]، فدنا وأكل، والحديث ليس تابعاً للذي قبله، الذي هو حديث: عبد الله بن الشخير، وإنما يرجع إلى ما مر عن أنس بن مالك القشيري الكعبي الذي ليس له إلا هذا الحديث الذي جاء من طرق مختلفة، وهذه الطريق منها، ولكنها جاءت متأخرة بعد طرق حديث عبد الله بن الشخير.
هو أحمد بن سليمان الرهاوي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا عبيد الله].
هو عبيد الله بن موسى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا إسرائيل].
هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن موسى وهو ابن أبي عائشة].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وكلمة: (هو ابن أبي عائشة) الذي أتى بها من دون إسرائيل الذي هو تلميذه، وأما إسرائيل فما زاد في الرواية على ذكر موسى، ومن دون إسرائيل أتى بكلمة ابن أبي عائشة، وأتى قبلها بكلمة (هو)؛ حتى يبين أن هذا الكلام أتى به من دون التلميذ؛ من أجل أن يبين المهمل الذي هو: موسى الذي سمي ولم ينسب، فهو ابن أبي عائشة، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن غيلان].
هو غيلان بن جرير المعولي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي قلابة].
هو أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي، وهو ثقة، يرسل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
قوله: [عن غيلان أنه قال: (خرجت مع
ثم ذكر النسائي المتن، وصورته صورة المرسل؛ لأنه يقول: أبو قلابة قدم طعاماً فقال لصاحبه الذي هو غيلان: ادن، فقال: إني صائم، فقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء إليه رجل وكان صائماً، فقال له: ادن، فقال الرجل: إني صائم، فقال: إن الله وضع عنه كذا، ومن المعلوم: أنه قد مر الحديث موصولاً ومتصلاً، وهنا في آخره ما يدل على الاتصال؛ لأنه قال: (فدنوت فطعمت)، وهذا كلام الصحابي، ومعنى هذا: أن فيه الإشارة إلى أن أبا قلابة أخذ عنه كما سبق أن جاءت الرواية: عن أبي قلابة عن أنس بن مالك.
قوله: [(فدنوت فطعمت)]، يعني: هذا كلام الرجل الذي هو: أنس بن مالك الكعبي القشيري الذي يروي عنه أبو قلابة، لكن أوله صورته صورة المرسل؛ لأن أبا قلابة يقول: كان الرسول في سفر فجاء رجل وكذا وكذا، ما قال: إنه يروي عن رجل أنه فعل كذا وكذا، لكن في آخره كون الرجل قال: (فدنوت فطعمت)، معناه: أنه فيه ما يدل على السماع والاتصال، ولو لم يكن فيه: (فدنوت فطعمت)، فإنه قد عرف بالطرق المتقدمة أن ذلك الرجل هو أنس بن مالك القشيري، وقد روى عنه أبو قلابة كما في الطرق المتقدمة.
أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا أبو معاوية حدثنا عاصم الأحول عن مورق العجلي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في السفر، فمنا الصائم ومنا المفطر، فنزلنا في يوم حار واتخذنا ظلالاً، فسقط الصوام، وقام المفطرون فسقوا الركاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ذهب المفطرون اليوم بالأجر)].
ذكر النسائي هذه الترجمة وهي: فضل الإفطار في السفر على الصيام. والمقصود من هذه الترجمة: أن الإفطار يكون مقدماً على الصيام في بعض الأحوال، كما أن الصيام يكون مقدماً على الإفطار في بعض الأحوال، وقد ذكرت أنه إذا كان فيه مشقة، ويلحق الإنسان به ضرر، فالإفطار مطلوب، وإذا كان لا يلحق الإنسان مشقة، وفيه سهولة ويسر، فالصيام هو الأولى.
والترجمة التي معنا هي: فضل الإفطار في السفر على الصيام، وأورد فيها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فمنا الصائم ومنا المفطر، فنزلنا منزلاً في يوم حار، وكنا في ظل، فنزل الصوام، معناه: أنهم استراحوا، ولم يتمكنوا من الحركة والشغل، فقام المفطرون بما يلزم لرحالهم ورحال الصائمين، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: [(ذهب المفطرون اليوم بالأجر)]، يعني: إن هؤلاء قاموا بأعمال لأنفسهم ولغيرهم، وسبب ذلك أنهم كانوا مفطرين فصار عندهم القدرة التي ليست عند الصائمين، فهو من هذه الحيثية، فكون الصيام شاقاً، وكون اليوم حاراً، وبعض الصحابة صائم، وبعضهم مفطر، والمفطرون خدموا الصائمين، وقاموا بما يلزم لأنفسهم، فحصلوا الأجر والثواب بسبب هذه الأعمال التي قاموا بها، ولا يعني ذلك أن الصائمين لا أجر لهم، وأن أجر الصائمين صار للمفطرين، بل الصائمون لهم أجرهم، ولكن أولئك بأعمالهم التي عملوها لأنفسهم ولغيرهم، صار أجرهم أعظم، وما قاموا به أعظم أجراً مما حصل لألئك من الصيام، وقال عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم: (ذهب المفطرون اليوم بالأجر).
هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي المروزي، هو ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
[حدثنا أبو معاوية].
هو أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عاصم الأحول].
هو عاصم بن سليمان الأحول، والأحول: لقب له، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مورق العجلي].
هو مورق بن مشمرج العجلي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس بن مالك].
هو أنس بن مالك الأنصاري الخزرجي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، خدمه عشر سنين منذ قدم المدينة إلى أن توفاه الله، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فـأنس بن مالك هذا هو الذي له الأحاديث الكثيرة، وأما أنس بن مالك القشيري الكعبي، فهو هذا الذي مر معنا في [وضع الصوم عن المسافر ونصف الصلاة]، ليس له إلا ذلك الحديث الواحد.
أخبرنا محمد بن أبان البلخي حدثنا معن عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه قال: (يقال: الصيام في السفر كالإفطار في الحضر)].
ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي ذكر قول عبد الرحمن بن عوف، أو قول القائل، لكن هنا الأحاديث التي أوردها هي من طرق إلى عبد الرحمن بن عوف من قوله، وموقوف عليه، وليس مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، [(الصوم في السفر كالإفطار في الحضر)]، معناه: أنه لا ينبغي الصيام في السفر، وقد أورد النسائي الأثر عن عبد الرحمن بن عوف، ( يقال: الصيام في السفر كالإفطار في الحضر)، فهو موقوف على عبد الرحمن بن عوف، وقد قال: يقال، وكأنه يتحدث الناس بهذا الشيء، والمقصود من ذلك: أنه إما أن يكون المراد به: أن الصوم في السفر كالإفطار في صوم النفل، فكون الإنسان غير صائم، فكأنه ليس صائماً نفلاً، فيكون خلاف الأولى، وكونه يصوم في السفر فإنه يكون خلاف الأولى، ويحتمل أن يكون كالمفطر في رمضان، ويكون فيه وعيد شديد في حق من يصوم، فيحتمل هذا ويحتمل هذا، ولعل عبد الرحمن بن عوف أو غيره ممن قال ذلك، يعني: بنى هذا الكلام على ما جاء في بعض الأحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم من قوله: (ليس من البر الصيام في السفر)، وقد مر، وكذلك الحديث الذي فيه كان أناس صائمين، وبقوا على صيامهم، وقد أصابهم جهد، فأفطر رسول الله، وأفطر الناس معه، وبقي بعضهم فبلغه فقال: (أولئك العصاة)، فيكون كلام من قال هذا عبد الرحمن بن عوف أو من ذكر أنه يقال عنه: أنه فهمه من بعض الأحاديث التي وردت في عدم الصيام في السفر، (ليس من البر الصيام في السفر، ذهب أولئك العصاة)، وهذا إنما كان لسبب، وكان لحالة خاصة، ومن المعلوم: أنه إذا كان هناك مضرة، فليس من البر، بل على الإنسان أن يفطر، أما مجرد الصوم حيث لا مشقة، فلا يقال: إن صاحبه مذموم، وأنه كالمفطر في الحضر.
ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا معن].
هو معن بن عيسى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن أبي ذئب].
هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلمة بن عبد الرحمن].
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني، وهو ثقة، فقيه، هو أحد فقهاء المدينة السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الرحمن بن عوف].
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العشرة المبشرين بالجنة الذين بشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة في حديث واحد، فقال: (
أورد النسائي الأثر من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، إلا أنه ليس فيه: (يقال)، وإنما أضاف الكلام إلى عبد الرحمن بن عوف أنه قال: (الصائم في السفر كالمفطر في الحضر)، والكلام هو نفس الكلام؛ لأن المتن هو نفس المتن.
قوله: [أخبرنا محمد بن يحيى بن أيوب].
ثقة، أخرج له الترمذي، والنسائي.
[حدثنا حماد بن خياط].
ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[وأبو عامر].
أبو عامر العقدي، هو عبد الملك بن عمرو، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا ابن أبي ذئب عن الزهري عن أبي سلمة عن عبد الرحمن بن عوف].
وقد مر ذكر هؤلاء الأربعة في الإسناد الذي قبل هذا.
أورد النسائي الأثر من طريق أخرى عن عبد الرحمن بن عوف، ولكنه من طريق ابنه حميد بن عبد الرحمن بن عوف: أن عبد الرحمن بن عوف قال هذه المقالة: (الصيام في السفر كالإفطار في الحضر).
قوله: [أخبرنا محمد بن يحيى بن أيوب].
وقد مر ذكره.
[حدثنا أبو معاوية].
وقد مر ذكره، محمد بن خازم.
[حدثنا ابن أبي ذئب عن الزهري].
وقد مر ذكرهم.
[عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف].
ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
هو عبد الرحمن، وقد مر ذكره.
أخبرنا محمد بن حاتم أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن شعبة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج في رمضان، فصام حتى أتى قديداً، ثم أتي بقدح من لبن، فشرب وأفطر هو وأصحابه)].
بعدما أورد النسائي الأبواب المتعلقة بعدم الصيام في السفر، والإرشاد إلى عدم الصيام في السفر، أورد هذه الترجمة التي فيها الصيام في السفر، ومعنى هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء عنه الصيام، وجاء عنه الإفطار، والحكم فيه التفصيل الذي أشرت إليه من قبل، إذا كان فيه مشقة يكون الإفطار، وإذا لم يوجد فيه مشقة يكون الصيام، وعلى هذا: فإن الصيام في السفر سائغ، والإفطار سائغ، ولكن هذا يكون أولى في بعض الأحيان، وهذا يكون أولى في بعض الأحيان، فهذه الترجمة تتعلق بالصيام وحصول الصيام، وهو يبين ما تقدم في الباب الذي قبل هذا، من أن الكلام في أن (الصائم في السفر كالمفطر في الحضر)، أنه ليس بصحيح، اللهم إلا أن يحمل على من صام في السفر، وقد أنهكه الصيام، فإن هذا ألحق بنفسه ضرراً، فيكون من جنس ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس من البر الصيام في السفر)، أما إذا لم يوجد ضرر، فللإنسان أن يصوم، لا سيما في هذا الزمان الذي السفر فيه سهولة وفيه يسر، وأوقات يسيرة ساعة، أو ساعتين، أو أكثر، أو أقل، مثل الذي في الطائرة وفي السيارة، فيمكن للإنسان أن يفطر وله أن يصوم، لكن يكون الصوم أولى في بعض الأحوال، ويكون الإفطار أولى في بعض الأحوال، هنا أورد الأحاديث المتعلقة بالصيام في السفر.
قوله: [(فشرب، وأفطر هو وأصحابه)]، وهذا يدل على الصيام والإفطار؛ لأنه كان من المدينة إلى قديد، كل هذه المسافة والأيام التي مضت وهو يصوم، وبعد قديد أفطر، أفطر في قديد في أثناء النهار، فدل هذا على أن الإنسان له أن يفطر إذا سافر، ولو كان قد بدأ الصيام، فله أن يفطر، وبعد ذلك استمر مفطراً حتى قدم مكة كما جاء في بعض الروايات الأخرى، وعلى هذا فالحديث دال على الصيام والإفطار، وأن النبي صلى الله عليه وسلم صام وأفطر، صام في السفر وأفطر، فدل على أن الصيام سائغ، وأن الإفطار سائغ، لكن يكون الإفطار أولى في بعض الأحوال، ويكون الصيام أولى في بعض الأحوال.
هو محمد بن حاتم بن نعيم المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[أخبرنا سويد].
هو سويد بن نصر المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
[أخبرنا عبد الله].
هو ابن المبارك، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن الحكم].
هو الحكم بن عتيبة الكندي، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مقسم].
هو مقسم مولى عبد الله بن الحارث، ويقال له: مولى ابن عباس للزومه إياه، وإلا فهو مولى عبد الله بن الحارث، وقد اشتهر بـمولى ابن عباس من أجل أنه ملازم له، فهي نسبة إلى غير ما يسبق إلى الذهن؛ لأن الذي يسبق إلى الذهن أنه مولاه من حيث الولاء، وهو مولاه هنا لملازمته إياه فقط، وإلا فهو مولى عبد الله بن الحارث، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن ابن عباس].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وهم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين اشتهروا بهذا اللقب لقب العبادلة الأربعة، أو العبادلة، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أورد النسائي حديث ابن عباس من طريق أخرى، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة إلى مكة، من المدينة إلى قديد وهو صائم، ومن قديد إلى مكة وهو مفطر، وهو في هذا الإسناد أنه صام حتى أتى قديداً، ثم أفطر حتى قدم مكة، فدل على الصيام والإفطار، ومحل الشاهد للترجمة وهي الصيام في السفر؛ لما جاء في أوله، وأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج وصام حتى وصل قديداً، وأكثر الطريق من المدينة إلى قديد، لأن القديد الآن عند نهاية الجبال، إذا ذهب الإنسان مع الطريق الجديد، فإذا انتهت الجبال وأقبل على المفرق الذي يذهب إلى جدة، هناك الوادي، وهو آخر موضع قبل الوادي، قبل الجسر الذي يكون عنده المفرق إلى جدة، فهو المسافة من المدينة إلى قديد هي الأطول، ومن قديد إلى مكة أقل، فالصيام أكثر من الإفطار، ومحل الشاهد أن الرسول صام في سفره هذا وأفطر، صام من المدينة إلى قديد، وأفطر من قديد إلى مكة.
ثقة، أخرج له مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
[حدثنا سعيد بن عمرو].
هو سعيد بن عمرو الأشعثي، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، والنسائي.
[حدثنا عبثر].
هو عبثر بن القاسم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن العلاء بن المسيب].
ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن الحكم بن عتيبة].
وقد مر ذكره.
[عن مجاهد].
هو مجاهد بن جبر المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
وقد مر ذكره.
أورد النسائي الحديث من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم، (صام حتى وصل قديداً، ثم دعا بقدح فشرب وأفطر هو وأصحابه)، ومعنى هذا: أنه صام في السفر، وهذا هو محل الشاهد للترجمة [الصيام في السفر].
قوله: [أخبرنا زكريا بن يحيى].
هو زكريا بن يحيى السجزي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا الحسن بن عيسى].
ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي.
[أخبرنا ابن المبارك].
هو عبد الله بن المبارك، وقد مر ذكره.
[أخبرنا شعبة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس].
وقد مر ذكرهم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر