إسلام ويب

شرح زاد المستقنع باب الطلاق في الماضي والمستقبل [2]للشيخ : محمد مختار الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تعليق الطلاق قد يكون بصفة، سواء كانت ممكنة أو مستحيلة، وقد يكون بزمان سواء كان ماضياً أو حاضراً أو مستقبلاً، وللعلماء تفاصيل في أحكام هذه التعاليق كلها.

    1.   

    تعليق الطلاق على المستحيل بالنفي أو الإثبات

    باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه.

    أما بعد:

    فقد تقدم معنا أن من تلفظ بالطلاق له حالتان:

    الحالة الأولى: أن ينجز الطلاق، فيقول لامرأته: أنت طالق، فإنها تطلق عليه في الحال، وذكرنا أن هذا محل إجماع بين العلماء -رحمهم الله- وأن هذا النوع من التطليق يعتبر أصلاً في الطلاق.

    فالأصل في الطلاق أن يقول لامرأته: أنت طالق، طلاقاً منجزاً، ولكن إذا علق الطلاق، فإما أن يكون معلقاً على مستحيل، أو على شيء غير مستحيل، فإن كان على أمر مستحيل، فقد ذكرنا أن نصوص الشريعة دلت على أن تعليق الطلاق على الشيء المستحيل يمنع وقوعه، ويدل على أن ذلك الشيء المعلق لا يقع قوله تعالى: وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ [الأعراف:40] فعلق الله تبارك وتعالى دخول الكفار للجنة على دخول وولوج الجمل في سم الخياط، ولا يمكن للجمل -سواء قلنا: هو الحبل الذي تشد به السفن، أو قلنا: إنه الحيوان المعروف- أن يدخل في سم الخياط، وسم الخياط هو: ثقب الإبرة، فعلَّق الله دخول الكفار للجنة على هذا المستحيل، ففهمنا أنه قصد أن دخولهم إلى الجنة مستحيل.

    وبناءً على هذه الصيغة الواردة في كتاب الله عز وجل، تبين أن من علق طلاقه على مستحيل، فإن الطلاق لا يقع، وبذلك يكون قوله لغواً وضرباً من العبث، ولا يعتد به، ولذلك قلنا: ضرب العلماء أمثلة على ذلك المستحيل، أو على الصيغة التي يُعلق فيها على المستحيل، ومما ذكره المصنف-رحمه الله- قوله: أنت طالق إن طرت، أو قلبت الحجر ذهباً، فإن المرأة من المستحيل أن تطير، وكذلك الرجل من المستحيل أن يطير، وأيضاً من المستحيل أن تقلب الحجر ذهباً، أو تقلب الخشب حديداً، أو نحو ذلك.

    فمن علق طلاقه بمثل هذه الألفاظ، على مثل هذا الوجه الدال على أنه قصد المستحيل؛ فإنه لا يعتد بطلاقه، ولا يقع، إلا إذا نوى أنها طالق، بمعنى: نوى أن يبت الطلاق، توضيح ذلك:

    أنه إذا قال لها: أنت طالق، ثم قال: إن طرت، فيكون قوله: أنت طالق، إذا قصد به الطلاق قدراً كافياً لإيقاع الطلاق، ويكون قوله بعد ذلك: إن طرت، واقعاً في غير موقعه، كما لو قال لها: أنت طالق، وسكت، فهذا الذي جعل العلماء يستثنون حالة إذا قصد إيقاع الطلاق، لأنه عند قصد إيقاع الطلاق نأخذ الجملة الأولى (أنت طالق) ويكون قوله بعد ذلك: إن طرت، أو إن قلبت الحجر ذهباً، أو إن قلبت الخشب حديداً، أو العكس، يعتبر ضرباً من اللغو، وكذلك إذا أراد إلحاق هذا اللفظ بعد إيقاع الطلاق، فبالإجماع لو أن رجلاً نوى تطليق زوجته وتلفظ بلفظ الطلاق للبت في الحال، فقال لها: أنت طالق، ثم مباشرة طرأ له-بعد قوله: أنت طالق- أن يأتي بصفة وقيد، فقال لها: إن طرت في السماء، فتكون جملة: إن طرت، قد وافقت وقوع الطلاق، وكأنه أدخلها وأقحمها بعد وقوع الطلاق.

    قالوا: كما لو قال: أنت طالق، وسكت سكوتاً، وفصل بفاصل مؤثر لا يدل على التعليق، ولا قصد التعليق، وكما لو أدخل كلاماً أجنبياً يدل على الفصل، فإنه لا تطلق عليه امرأته.

    إذاً: بالنسبة للأفكار التي معنا:

    أولاً: الطلاق؛ إما معلق، وإما منجز، ثم المعلق له حالتان:

    إما معلق على مستحيل: فلا يقع، وإما أن يكون معلقاً على غير مستحيل.

    فإذا كان معلقاً على المستحيل، فتارة يكون بالنفي، وتارة يكون بالإثبات، فهو تارة يقول لها: إن طرت فأنت طالق، وتارة يقول لها: إن لم تطيري فأنت طالق، فقوله: إن طرت فأنت طالق، يوقف الطلاق حتى تطير، والطيران مستحيل؛ فلا طلاق، وإن قال لها: إن لم تطيري فأنت طالق، فهذا مستحيل منها أصلاً أن تطير، فقال لها:إن لم تطيري فأنت طالق، فإنها في الحال لا تستطيع أن تطير فيقع الطلاق، فاختلف الحكم ما بين صيغة النفي وصيغة الإثبات، فإن جاء بمستحيل وعلق الطلاق على إثباته؛ لم تطلق، وإن جاء بمستحيل وعلق الطلاق على نفيه؛ طلقت، وكان طلاقها واقعاً حالاً.

    تعليق الطلاق على المستحيل بالإثبات

    قال رحمه الله: [ونحوه من المستحيل لم تطلق]

    أي: نحوه من الألفاظ التي تشتمل على الأوصاف المستحيلة، وهذا يختلف باختلاف الأعراف والأزمنة، فلكل عرف كلمته، قالوا: لأنه إذا قال لها أنت طالق إن طرت في السماء، وأنت طالق إن قلبت الحجر ذهباً، فهمنا أنه لا يريد الطلاق، ولا يقصد الطلاق، إنما هو ضرب من العبث.

    تعليق الطلاق على المستحيل بالنفي

    قال رحمه الله: [وتطلق في عكسه فوراً]

    يعني: إن علق الطلاق على نفي المستحيل، وإثبات المستحيل مستحيل، لكن نفي المستحيل هو الثابت، وقد بينا أن المستحيل عقلاً: هو الذي لا يمكن إثباته، ومعلوم أن الأحكام العقلية ثلاثة:

    الواجب العقلي، الجائز العقلي، المستحيل العقلي، واختصاراً هي الوجوب والاستحالة والجواز، قال الناظم:

    فواجب لا يقبل النفي بحال وما أبى الثبوت عقلاً المحال

    وجائز ما قبل الأمرين تم للضروي والنظري كلاً قُسم

    فقوله: ما أبى الثبوت عقلاً المحال، كما ذكرنا: أن المحال هو الشيء الذي يحكم العقل بعدم ثبوته، وعدم وجوبه، وقد يأتي النفي والاستحالة بأسباب أخرى؛ شرطية، أو عرفية، كما هو معلوم.

    وقوله: (وتطلق في عكسه فوراً، وهو النفي بالمستحيل) عندنا عدة فوائد:

    الفائدة الأولى: أن نفي المستحيل يدل على الثبوت، وهو إذا قال لها: إن لم تطيري فأنت طالق، فإنها تطلق، ونحكم بوجوب الطلاق؛ لأنها لا تطير، وقد علق طلاقه فيما بينه وبين الله على أنها إذا لم تطر فهي طالق، فنقول: يقع طلاقه بثبوت عدم طيرانها.

    الفائدة الثانية: أن ذلك الحكم يحكم به مباشرة، وتطلق فوراً، وهناك أشياء نحكم فيها بأن الطلاق لا يقع، ويبقى، أي: نحكم بوجوب الطلاق، لكن لا يكون فوراً، وننتظر مدة، ثم نقول: بفوات المدة يقع الطلاق، كما في أزمنة الإمكان، كما لو قال لها: إن دخلتُ الدار فأنت طالق، فنعلق الطلاق، والطلاق ثابت، لأنه يريد أن يطلق زوجته، لكن عند وجود الدخول، فيبقى الطلاق معلقاً إلى وجود صفة الدخول، لكن هنا لو قال لها: إن لم تطيري في الهواء فأنت طالق، نحكم بطلاقها فوراً؛ لأن نفي طيرانها ثابت، ولا إشكال أنها لا تستطيع الطيران، فلا نحتاج إلى مدة نختبرها: هل تستطيع أن تطير أو لا، ولا نعلق الحكم بالطلاق على مضي زمن الإمكان، كما مر معنا في بعض المسائل من أنه يعطى زمن لإمكان وقوع الطلاق، أو زمن لحدوث الصفة، أو لإمكان الصفة، ثم بعد ذلك نطلق إذا كان الأمر معلقاً على نفيها.

    فإذا قال لها: إن لم تطيري فأنت طالق، إن لم تقلبي الحجر ذهباً فأنت طالق، فإنها تطلق حالاً.

    قال رحمه الله: [مثل: لأقتلن الميت]

    لماذا نقول: إن الميت لا يقتل؟ الجواب: لأن الله سبحانه وتعالى جعل للحي حياة واحدة بالنسبة لحياة الدنيا، فإن فاتته فلا رجعة إليها، وقد دل على ذلك صريح قوله عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه عز وجل، وذلك حينما قتل شهداء أحد، فسأل جابر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان والده عبد الله بن حرام من شهداء أحد-كما هو معلوم- وكان جابر يحب والده محبة شديدة، حتى إنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتلهف أن يعرف ما هي عاقبته؟ فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: (إن كان في الجنة؛ سلوت، وتعزيت، وصبرت. فقال: يا جابر ! إنها جنان، وإن أباك قد أصاب الفردوس الأعلى من الجنة).

    وفي هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله كلمه كفاحاً) وقال تعالى: (تمنوا) -يعني شهداء أحد- وفي رواية: (أنه كلم عبد الله بن حرام كفاحاً وقال: تمنّ عبدي)، ورواية الترمذي : أنه سألهم، قال: (تمنوا)، فتمنوا أن يعودوا، فقال الله تعالى-وهذا موضع الشاهد-: (أما إنه قد كان العهد مني- أو مضى العهد مني-؛ أن من مات لا يرجع إليها)، وهذا نص صريح؛ على أنه لا عود بعد الموت، وهنا ننبه على مسألة عقدية عند بعض الطوائف الزائغة، كما هو واقع في طائفة التيجانية؛ الذين يعتقدون أن أحمد التيجاني قد تلقى الصلوات عن النبي صلى الله عليه وسلم من فمه مباشرة، كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا [الكهف:5]، وبلغت الجرأة بهم أن يقول قائلهم: إن دلائل الخيرات ختمة منه تعدل عشر ختمات من القرآن -والعياذ بالله- إلى هذه الجرأة!! لأنه تلقاها مباشرة من النبي صلى الله عليه وسلم!، وعندهم عقيدة أن من بلغ في الصلوات إلى حد معين يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم يقظة! فهذا أشبه بالرجعة-والعياذ بالله- ومذهب أهل السنة والجماعة على أنه لا يعود الميت، وأنه إذا مات فهو في البرزخ، كما قال تعالى: وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:100] وقال تعالى: رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ [غافر:11]، فهذا راجع إلى أنه لا ميتة ثالثة، وبناءً على ذلك قال العلماء: إنه لا يمكن أن يقتل الميت؛ لأن الميت إذا فاتت حياته، فليست هناك حياة ثانية يمكن أن يقتل فيها، ونحكم بكونه قد قتل الميت، فالميت لا يقتل، وإنما نصف الشيء بكونه قتلاً إذا كان فيه إزهاق الروح، والروح لا يمكن إعادتها إلى هذا الجسد الذي فارقته في حال الحياة الدنيا، أما في البرزخ فلا إشكال، لكن نحن نتكلم على أنه يقتله في الحياة الدنيا، فإذا قال: لأقتلن الميت، فإن قتل الميت مستحيل، فإن نفى المستحيل، أو علق على نفي المستحيل، فإنه يقع، كما بينا في مسألة: إذا قال لها: إن لم تقلبي الحجر ذهباً، ونحوه.

    قال رحمه الله: [ولأصعدن السماء ونحوها] في الحقيقة، السماء إن قصد بها السماء المعروفة، تكون (أل) هنا عهدية، ولا يمكن أن يصعد إلى السماء، وإذا قال: لأصعدن السماء، فإنه علق الطلاق على مستحيل، فإن نفى ذلك المستحيل، ثبت الطلاق، وينتفي الطلاق إن علقه على ثبوت المستحيل.

    1.   

    أحكام تعليق الطلاق على الزمان

    تعليق الطلاق على زمن مستحيل

    قال رحمه الله تعالى: [وأنت طالق اليوم إذا جاء غد؛ لغو]

    الغد لا يمكن أن يأتي بنفسه، وهو يقول لها: أنت طالق، بشرط أن يأتي غد في هذا اليوم، (أنت طالق اليوم إذا جاء غد) ولا يمكن أن يأتي في هذا اليوم، فحينئذ يكون من اللغو، ولا يقع الطلاق.

    وهذا من دقة المصنف رحمه الله، ولماذا ذكر كلمة: أنت طالق اليوم إذا جاء غد؟ نبهنا غير مرة أن العبرة بفهم القاعدة والضابط؛ حتى نستطيع أن نفهم كيف استخرج العلماء مثل هذه الصور العجيبة الدقيقة.

    حينما قلنا: إن تعليق الطلاق على المستحيل مستحيل، ويوجب الحكم بعدم وقوع الطلاق، قد يكون المستحيل بالصفات، فهو إذا قال لها: أنت طالق إن طرت، فلا يمكن أن تطير، وأنت طالق إن قلبت الحجر ذهباً؛ لا يمكن، فكما أن المستحيل يكون في الأعيان والذوات، كذلك يكون في الأزمنة، فجاء بالمستحيل في الزمان، كأن يقول: أنت طالق اليوم إن جاء غد، وأنت طالق الشهر -مثلاً- ربيع إن جاء جمادى، وما يمكن أن يأتي جمادى في ربيع، وإدخال الزمان على الزمان مستحيل، فكما أن الاستحالة في الصفات، والذوات، والأحوال، والأشخاص، فكذلك ربما تقع في الأزمنة، ولذلك جاء بصيغة مركبة على وجه يُفهم منه الاستحالة, ولا يمكن أن يقع هذا الشيء على هذه الصورة: أنت طالق اليوم إن جاء غد، فإنه لا يمكن أن يكون الغد إلا بزوال اليوم، وعلى هذا فلو علق الطلاق بمجيء الغد قبل زوال اليوم، فقد علق على مستحيل، والتعليق على المستحيل مستحيل.

    تعليق الطلاق على الزمن الحاضر

    قال رحمه الله تعالى: [وإذا قال: أنتِ طالق في هذا الشهر أو اليوم؛ طلقت في الحال]

    أي: إذا كان كلامه -مثلاً- في شهر ربيع، فإنه حينما قال لها: أنت طالق في هذا الشهر، فقد أسند الطلاق إلى شهر ربيع؛ فتطلق عليه في شهر ربيع، فإذا كان الشهر شهر ربيع، فمعنى ذلك أنها طالق، وكذلك إذا قال لها: أنت طالق اليوم، أنت طالق الساعة، وهذه المسألة ذكرها المصنف في الأجزاء المتعددة التي تشمل الساعة واليوم، وتشمل الأسبوع والجمعة، كما يقال للأسبوع: أو السبت، وتشمل أيضاً الشهر والسنة.

    فهو إذا قال لها: أنت طالق الساعة، الساعة -كما هو معلوم- ستون دقيقة، فهو إذا قال لها: أنت طالق الساعة، يرد السؤال: هل نطلقها بمجرد كلامه؛ لأن وقت الكلام الذي تلفظ به هو من الساعة؛ فتطلق حالاً، أم ننتظر إلى آخر الساعة، ففي آخر دقيقة وآخر ثواني الساعة نحكم بالتطليق فيها؟ قالوا: العبرة بالوقت الذي تلفظ به، ما دام أن الوصف يصدق عليه، فإذا قال لها: أنت طالق الساعة، طلقنا مباشرة، فصح في الوصف أنه طلق الساعة، ولا نحتاج أن ننتظر إلى نهاية الساعة؛ لأنه بت الطلاق، وإذا بت الطلاق على وجه يقع به منجزاً، فلا يمكن لنا أن نجعله معلقاً، ولذلك إذا تعارض التنجيز والتعليق، وكان للتنجيز قوة، وللتعليق قوة، فإننا نقدم المنجز؛ لأن اللفظ إذا كان دالاً على الوقوع؛ فإنه يقع، فهو يقول لها: أنت طالق الساعة، نقول: تطلق عليه، فإذا حكمنا بالطلاق، فقد صدق قوله: إنها طلقت الساعة، فلا نحتاج إلى الانتظار إلى آخره ما لم ينو آخر الساعة.

    وكذلك أيضاً إذا قال لها: أنت طالق اليوم، فإنه إذا كان في الساعة الأولى من اليوم؛ طلقناها من حين تكلم، ولا نقول: يُنتظر إلى نهاية اليوم، فتطلق عليه في نهاية أجزائه؛ لأننا إذا حكمنا بالطلاق في أول ساعة من ذلك اليوم، فإنه يصدق أنه طلق امرأته في ذلك اليوم.

    كذلك أيضاً في الأسبوع؛ إذا قال لها: أنت طالق الأسبوع -يعني: في هذا الأسبوع- فإن اليوم الذي تلفظ به هو من الأسبوع، فتطلق عليه، فلما طلقنا، صدق عليه أنها طلقت في الأسبوع، وعلى هذا لا ينتظر آخر الأسبوع، ولا ينتظر آخر الشهر، ولا ينتظر آخر اليوم، ولا ينتظر آخر الساعة، إلا إذا نوى أو قيد، فقال: أنت طالق آخر الأسبوع، وأنت طالق آخر اليوم، أو في آخر هذا اليوم، أو في آخر هذا الأسبوع، أو في آخر هذا الشهر، ونحو ذلك، فيحمل على الأخير.

    تعليق الطلاق على ما يستقبل من الزمان

    قال رحمه الله: [وإن قال: في غد، أو السبت، أو رمضان؛ طلقت في أوله]

    المسألة السابقة: إذا قال لها: أنت طالق اليوم، أنت طالق الأسبوع، ضابطها في الظرفية، أي: يأتي بوصف يكون وقت التلفظ داخلاً في ذلك الزمان، فإن قال: الساعة؛ فإنه وقت تكلمه هو في الساعة، وإن قال: الأسبوع؛ فإن اليوم الذي تكلم فيه هو من الأسبوع؛ لأنه قال: هذا الأسبوع، فقد قيد بالزمان الذي تلفظ به، وجعله يوماً، أو أسبوعاً، أو شهراً.

    لكن إذا قال لها: أنت طالق غداً، أو في غد، تارة يأتي غداً-على الظرفية-، وفي غد-صيغة الجر-، فإن قال لها: أنت طالق في غد، يرد السؤال -وقد عرفنا أنه إذا أسند إلى يوم الكلام، أو ظرف الكلام؛ طلقت حالاً- فإذا أسند إلى غد، قال لها: أنت طالق غداً، هل تطلق بأول اليوم، أي: بمجرد ما تطلع الشمس على الغد نقول: طلقت، أو ننتظر إلى آخر اليوم، ونطلقها عند آخر ساعة من الغد؟ أو نطلقها في نصف الغد؟ وجهان للعلماء، قال بعض العلماء: إذا أسند الطلاق للمستقبل؛ طلقت، ووقع الطلاق في أوله، فإذا قال لها: أنت طالق غداً؛ فإنها زوجته، ويستمتع بها، ويحل له ما يحل منها، ما لم تطلع الشمس، فإذا طلعت الشمس؛ فحينئذ تحرم عليه، ويكون الاعتبار بابتداء اليوم، مالم ينو آخره كما ذكرنا في الأوصاف المعتبرة، والقيود المؤثرة.

    قوله: (أو السبت)

    إما أن يسند إلى الغد المباشر، أو يسند إلى يوم بعده، كقوله: في السبت؛ يعني: في يوم السبت القادم، فالعبرة بمغيب الشمس من آخر اليوم الذي قبله، فينتهي يوم الجمعة بمغيب شمسه، ويبدأ السبت بذلك المغيب، فنحكم بكونها طالقاً بغروب شمس يوم الجمعة، ولا ننتظر إلى طلوع شمس يوم السبت، والإسناد في هذه المسائل يكون إلى العرف لكن إذا قيل: اليوم؛ فابتداؤه من ابتداء عشيّه من الليل، ولذلك قال: لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا [النازعات:46] فأسند الضحى إلى العشي، فدل على أن عشية كل يوم قبله، ولذلك قال تعالى: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ [البقرة:185]، فقالوا: يشرع التكبير ليلة العيد؛ لأن العدة قد كملت بمغيب شمس آخر يوم من رمضان، فلما قال الله تعالى: لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا [النازعات:46] دل على أن عشية كل يوم قبله إلا يوم عرفة؛ فإن عشيته بعده، وهذا هو المستثنى، واختُلف في أيام التشريق؛ هل ينسحب الحكم عليها، ويتفرع عليها جواز الرمي بعد غروب الشمس؟ وتقدمت معنا هذه المسألة في المناسك، وذكرنا أن بعض العلماء قال: ينسحب العشي في حكم الجمار، ويرمي ما لم يطلع فجر اليوم الذي بعده، ويجوز رميه في يوم العيد، مالم يطلع فجر الحادي عشر، ويرمي الحادي عشر، ما لم يطلع فجر الثاني عشر، وقس على ذلك.

    قوله: (أو رمضان؛ طلقت في أوله)

    أي: إذا قال لها: أنت طالق في رمضان؛ فهي تقتضي الظرفية، أي: في شهر رمضان، فإذا دخل رمضان -في أول دخول رمضان، وثبوت رمضان بمغيب شمس آخر يوم من شعبان- حُكم بطلاقها، كما ذكرنا في الأيام، وكذلك في الأسابيع؛ يكون الحكم واحداً.

    تعليق الطلاق بزمن مع نية آخره

    قال رحمه الله تعالى: [وإن قال: أردت آخر الكل؛ دُيِّن، وقُبِل]

    هنا مسألة: إذا قال لها: أنت طالق اليوم، أنت طالق غداً، أنت طالق السبت، رمضان، إلى آخره، وفي هذه نوى آخر الكل، وقال: أنا قصدت أنها في آخر رمضان تطلق، وقصدت في آخر الغد تطلق، وقصدت آخر اليوم تطلق، فإن ظاهر اللفظ محتمِل، فالأصل أن رمضان يشمل جميع رمضان، والظرف شامل للكل؛ لكن لما كان الوصف يصدق على إيقاع الطلاق مباشرة؛ حكمنا بتنفيذه؛ لكن إذا نوى إلى آخر رمضان، أو إلى آخر الغد، فإنه ونيته، وتبقى زوجة له طيلة شهر رمضان، ما لم يصل إلى آخره الذي نواه؛ لكن هل نقبل منه قوله مجرداً؟ أم أنه يلزم بيمين التهمة؟ وهذه اليمين تعرف في القضاء بيمين التهم، ويمين التهم: أن يسند الحكم، أو الوصف، أو الشيء الذي يختلف فيه، أو يستفتى فيه -إذا كان في الفتوى- إلى أمر محتمِل، ويكون إما غير ظاهر، أو يكون متردداً مع غيره، فهو حينما قال لها: أنت طالق اليوم، فظاهر اللفظ على أن المقصود اليوم كله، سواء في أوله أو آخره، هذا ظاهر كلامه؛ لكن حينما قال: أردت آخره، فقد خصص عموم اليوم، فخرج عن الظاهر إلى أمر خلاف الظاهر، إذ لو كان في الحقيقة قاصداً الآخر، لكان قال لها: أنت طالق آخر اليوم، ولصرح وقال: أنت طالق آخر رمضان، لكن كونه يطلق، ويجعل الصيغة بهذا الوجه، قالوا: هذا من خلاف الظاهر أن يسند إلى الآخر، وحينئذ قالوا: نحكم بقبول يمينه، فإذا قال: أردت الآخر، نقبل منه ذلك بشرط أن يحلف اليمين -يمين التهمة- ولذلك قال: دُيِّن، أي: حلف اليمين، ويديَّن، والدين فيما بين العبد وربه؛ لأنه متعلق بالاعتقاد، فيقول له القاضي: احلف، وهذه اليمين بينه وبين الله، إن كان كاذباً فاجراً فيها -والعياذ بالله- فهي يمين غموس، تغمس صاحبها في النار؛ لأن الأيمان في مجالس القضاء تعتبر من الأيمان الغموس -والعياذ بالله-، وكذلك أيمان الحكومة التي تكون في المحاكمة بين الطرفين، حتى ولو كانت عند حَكَم غير القاضي، فإنه إذا حلف اليمين -والعياذ بالله- فإنها يمين غموس، فالشاهد: أنه يحلف اليمين؛ فإن كان صادقاً فيها، فإنها لا تطلق إلا في آخر اليوم، أو آخر الشهر -على ما ذكر-؛ لأنه لو طلق مسنداً الطلاق إلى زمن هو آخر اليوم، أو آخر الشهر؛ فيبقى الطلاق معلقاً إلى وقوع ذلك الآخر؛ لكن لو كان كاذباً في هذه اليمين؛ فإننا نقبل منه في الظاهر، وأما في الباطن فإنه لا يقبل منه ذلك.

    فائدة المسألة: أننا لو فرضنا أنه قال: أردت الآخر، وكانت زوجته ممن تعتد بالأشهر، ثم إن هذه الزوجة طلقها، وقلنا: إن الرجعية يرثها، وترثه، وبقيت ثلاثة أشهر، فتوفيت في أول يوم السبت، فحينئذ إن كان الطلاق مسنداً إلى آخر السبت؛ فقد توفيت وهي في حكم زوجته؛ لأن الرجعية تورث، وإن توفيت في آخر السبت؛ فإنه لا يرثها، فإن كان قد كذب في يمينه، وحكم القضاء أنها زوجته، وتوفيت في أول السبت، وكذب وقال: قصدت الآخر، فإن ميراثها لا يحل له فيما بينه وبين الله، وإن كان قضاءً في الظاهر أنه يرثها، وتأخذ حكم المطلقة الرجعية على القول الذي يقول بتوريثها.

    قوله: (وقُبل) أي: وقبل منه الإسناد إلى آخر اليوم؛ لأنه في بعض الأحيان يحلف اليمين، ولا يقبل منه قضاءً، لكن يقبل منه ديانة فيما بينه وبين الله عز وجل.

    حكم قول الرجل: أنت طالق إلى شهر أو سنة

    قال رحمه الله تعالى: [وأنت طالق إلى شهر]

    يعني: معك شهر كامل أنت فيه زوجة لي، فإذا مضى الشهر؛ فأنت طالق، فحينئذ نقول له: قصدت التعليق أو التنجيز؟ فلو قال: قصدت التعليق. نقول: تطلق بعد تمام شهر من تلفظه بالطلاق. فلو تلفظ بالطلاق في السبت، حسبنا شهراً من ذلك السبت، فإذا مضى طلقت، وأما إذا قال: قصدت الحال طلقت، لكن كيف نرتب القضية؟ وكيف نحكم بكونها طالقاً مع أنه قال لها: أنت طالق إلى شهر؟ فكيف طلقناها منجزة؟ قالوا: تكون نيته أنها طالق حالاً، فيكون قوله: أنت طالق، موجباً للطلاق حالاً، وقوله: إلى شهر؛ تعليقاً لاغياً؛ لأنه ما نواه، فنعتد بقوة اللفظ، مع وجود النية المعتبرة، ونلغي التعليق إلى الشهر، وتطلق عليه حالاً، وهذا معنى قوله: (إلا أن ينوي في الحال فيقع).

    قال رحمه الله: [طلقت عند انقضائه]

    أي: طلقت عند انقضاء الشهر وتمامه، فإذا قال: أنت طالق إلى يوم، وأنت طالق إلى أسبوع، وأنت طالق إلى سنة؛ احتسبت المدة كاملة.

    قال رحمه الله: [إلا أن ينوي في الحال؛ فيقع]

    إلا أن ينوي أنها تطلق في الحال، فيقع عليه الطلاق حالاً -كما ذكرنا-.

    وفي قوله: (أنت طالق إلى شهر) اختلف العلماء: الجمهور على أنه إذا قال لها: أنت طالق إلى شهر؛ فإنها تطلق -سواء في مسألة اليوم التي ذكرناها أو في الشهر، أو اليوم، أو الأسبوع- بعد تمام المدة؛ لأنه أسند إلى الشهر، وعند الإمام أبي حنيفة : أنها تطلق حالاً، والصحيح مذهب الجمهور؛ لأن فيه فتوى ابن عباس رضي الله عنهما، وكذلك أبي ذر رضي الله عن الجميع.

    إذا قال لها: أنت طالق إلى شهر، فالواقع هناك تفصيل، فنحن بين حالتين:

    إما أن يكون في أول الشهر، بحيث يمكننا أن نحتسب الشهر هلالاً، فحينئذ ننتظر إلى هلال الشهر الداخل.

    وإما أن يكون قد قال الكلام أثناء الشهر؛ فإن قال الكلام أثناء الشهر؛ بحيث لا يمكننا أن نسنده إلى الأهلة؛ فإنها تطلق بمضي ثلاثين يوماً، والفرق بين المسألتين: أنه إذا قال لها: أنت طالق إلى شهر، وكان زمن الإمكان -الذي هو الشهر- يتم بظهور هلال الشهر الذي سيدخل، فننظر: إن أهل الشهر ودخل، احتسبنا الشهر بالهلال؛ لأنه بعد زمن الطلاق مباشرة، فإذا ظهر الهلال بعد تسع وعشرين يوماً؛ طلقت بعد تسع وعشرين، لكن إذا كان الاحتساب بالعدد فلا تطلق إلا بعد مضي ثلاثين يوماً، فبعد أن يمضي على ذلك اللفظ ثلاثون يوماً تطلق.

    قال رحمه الله: [وطالق إلى سنة؛ تطلق باثني عشر شهراً]

    قوله: (طالق إلى سنة) كأنه أنهى طلاقها وعلق طلاقها بمضي السنة، فننتظر اثني عشر شهراً؛ لأن الله جل وعلا جعل السنة اثني عشر شهراً: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ [التوبة:36]، وهذا نص بأن السنة اثنا عشر شهراً، فإذا أسند إلى السنة، فقال: (أنت طالق إلى سنة) يعني: إلى مضي سنة، اعتبرت اثني عشر شهراً.

    حكم قول الرجل: أنت طالق إلى الشهر أو السنة

    قال رحمه الله: [وإن عرفها باللام؛ طلقت بانتهاء ذي الحجة]

    أي: إذا جاء وقال: (أنت طالق إلى السنة) يعني بعد مضي السنة؛ فإنها تطلق بعد انسلاخ شهر ذي الحجة من السنة نفسها.

    إذاً عندنا ثلاثة ألفاظ: أنت طالق السنة؛ فتطلق حالاً، مثل قوله: أنت طالق اليوم، ما لم ينو آخر السنة، وأما إذا قال: أنت طالق إلى سنة، فجاء بإلى التي تفيد الغاية، وإذا قال لها: أنت طالق إلى السنة؛ ففُرق في الحكم بين التعريف والتنكير، فإن قال لها: أنت طالق السنة-وأسقط حرف الجر- فإنها تطلق حالاً، كما لو قال: أنت طالق اليوم، أنت طالق الشهر، فإننا نحتسبها طالقة منذ تكلم وتفوه، ما لم يسند إلى آخره-على التفصيل الذي ذكرناه-، لكن إذا قال: أنت طالق إلى سنة، فلا بد من مضي سنة كاملة، مثل قوله: أنت طالق إلى شهر، وأما إذا قال: أنت طالق إلى السنة، يعني: إلى انتهاء هذه السنة-بالتعريف- وعلى هذا: فإنه إذا انتهى شهر ذي الحجة، وانسلخ شهر ذي الحجة من السنة نفسها؛ طلقت عليه، ولو كان ذلك بعد يوم، فلو قال لها: أنت طالق إلى السنة، فإننا ننتظر إلى انتهاء السنة التي تكلم فيها، ولو كان كلامه قبل انتهائها بساعة، ولو بلحظة، فإنها تطلق عليه مباشرة بانتهائها، لكن إذا قال: أنت طالق إلى سنة-بالتنكير-، إلى شهر-بالتنكير-؛ فإن الحكم ما ذكرناه من كونه ينتظر مدة السنة ومدة الشهر.

    1.   

    الأسئلة

    الفرق بين قول الزوج لزوجته بعد العقد: أنت طالق إلى شهر، وبين زواج المتعة

    السؤال: إذا عقد على امرأة وقال: أنت طالق إلى شهر، ألا يشكل عليه أنه من نكاح المتعة، ولو لم يكتب في صلب العقد؟

    الجواب: باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد:

    فينبغي التفريق بين صيغة العقد، وبين الصفة أو الحال التي يقع بها الطلاق بعد العقد.

    فإذا جئت تقول: إن هذا نكاح متعة، فينبغي أن يكون العقد عقد متعة، وهنا أحب أن أنبه على فائدة: ما الذي جعل العلماء يتكلمون على المصطلحات المتعلقة بأبواب الفقه؟ ما الذي جعلهم يعرفون صيغة العقد؟ يعرفون العقد؟ لأنك إذا قلت: هذا عقد شغار، فلا بد أن تكون الصيغة التي يتركب منها العقد-الإيجاب والقبول- مبنية على الشغار، إذا قلت: هذا نكاح متعة، عقد متعة، زواج متعة، ينبغي أن يكون الإيجاب والقبول مبنياً على هذه الصيغة المعتبرة للمتعة، لكن إذا كان الإيجاب والقبول خالياً من ذلك، والعقد تركب بأركانه وشروطه سالماً من ذلك؛ تقول: هذا عقد شرعي، وكونه بعد ذلك يعلق طلاقاً، أو يوقع طلاقاً بساعة أو بلحظة، أو يقول لها: أنت طالق الآن، لا نقول: إنه نكاح متعة، فهناك فرق، لأنك إذا قلت: إنه نكاح متعة؛ فمعنى ذلك: أن المرأة لا تستحق المهر، ومعنى ذلك: أن المرأة لا تستحق شطر المهر إذا كان لم يدخل بها، ولا تستحق المهر كاملاً إذا كان قد دخل بها، ولا يترتب عليه أحكام العدة كالطلاق، والحداد، فالرجل عقد على المرأة عقداً شرعياً، مستوفياً للأركان والشروط، ثم بعد أن أتم العقد قال لها: أنت طالق إلى شهر، فليس بنكاح متعة، بل هذا تطليق واقع بعد تمام الصيغة التامة الكاملة المعتبرة في الشرع، ولا يجوز أن نصفه بالمتعة فنسقط حقوق المرأة، ونسقط حقوق الطلاق، وينبغي على طالب العلم أن يكون عنده دقة، إذا كان العقد مبنياً على صيغة صحيحة؛ فالله أمرنا أن نحكم بصحته، ولماذا تجد العلماء يقولون: الأحكام الوضعية هي العلامات والأمارات التي نصبها الشرع ووضعها للحكم بصحة العبادة، وبطلانها، ووجوبها، ولزومها، وغير ذلك مما هو معروف في الأحكام الوضعية؟

    فما وضعه الشرع علامة على صحة العقد؛ حكمنا بصحته، وما وضعه علامة على فساده؛ حكمنا بفساده، بشرط وجوده أثناء العقد، لكن كونه يحصل شيء بعد العقد فهذا لا يؤثر، مثلاً: الرجل -ولي المرأة- قال له: زوجتك ابنتي فلانة، قال: قبلت، بعشرة آلاف، وتم العقد، وتم الإيجاب والقبول، ثم بعد أن تم العقد مباشرة قال لها: أنت طالق إلى شهر، نقول: ننتظر إلى شهر، وهي زوجته، يجوز له أن يستمتع بها، وله حقوقه ولها حقوقها الزوجية لمدة شهر، ثم إذا مضى الشهر؛ حكمنا بالطلاق، فهذا ليس بنكاح متعة، ولا يأخذ حكم المتعة؛ لأن العقد ما قام على متعة، ولم يقم على التحديد أصلاً، وهذا الذي جعل بعض العلماء يقول: إنه إذا تزوج المرأة وفي نيته أن يطلقها، فإنه عقد، والشرع يحكم على الظاهر، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما أمرت أن آخذ بظواهر الناس) فنأخذ بالظاهر أنه إيجاب وقبول، وشروطه مستوفية وعقده مستوفٍ، فلو نوى الطلاق بعد شهر، أو بعد شهرين، فلا تأثير لهذا في صلب العقد، ولا تأثير له في الأركان والواجبات، لأن المعتبر الحكم بصحة العقد، فنحكم بكون العقد صحيحاً، وقد يموت قبل أن يطلقها، فلا يمكن أن نحكم بأنه زواج متعة، ولذلك يقولون: ينبغي أن يفرق بين الظاهر وصيغة العقد، وترتب العقد على الوصف الموجب لصحته، وبين كونه ترتب على وصف أو رُتب على وصف يقتضي بطلانه وعدم صحته، وعلى هذا فالعقد صحيح، ولا يُحكم بكونه متعة.

    ويرد الإشكال: ما الفرق بين هذه الصيغة وبين المتعة؟

    الفرق واضح: أن النكاح بالمتعة مقيد بهذا الذي ذكرناه، فبمجرد مضي الشهر لا هي زوجته ولا هو زوجها، هذا نكاح المتعة، إذا مضت المدة مباشرة ينفسخ النكاح، ولا يحتاج إلى طلاق ولا غيره، وأما بالنسبة للنكاح الذي معنا؛ فإن هذا النكاح لا ينفسخ مباشرة، حتى لو وقع الطلاق، إلا إذا كانت غير مدخول بها، فتكون طلقة بائنة، لكن إذا كانت مدخولاً بها، مثلاً: تزوجها ودخل عليها، ثم مباشرة قال لها: أنت طالق إلى شهر، فإن لها عدة، وتعتبر مدخولاً بها، وتبقى بعد مضي مدة الطلاق، فهناك فرق واضح، والفرق يظهر أكثر إذا دخل بها فيما بين العقد وبين تلفظه بالطلاق. والله تعالى أعلم.

    حكم المراجعة للمرأة قبل وقوع الطلاق المعلق بصفة

    السؤال: هل له أن يراجع قبل وقوع الطلاق؛ إذا قال: أنت طالق غداً؟

    الجواب: هذا سيأتي: أن من علق الطلاق على صفة لم يملك الإسقاط إلا في بعض الأحوال التي استثناها بعض العلماء، وفيها خلاف، يعني: كما لو فُهم منه التحديد، وقصد التحديد، وجاء بحرف شرط لا يقتضي الدوام والاستمرار، ولذلك قالوا في هذه الحالة: يمكن أن يُحكم برفعه، كما لو كان في نيته أن يقيد منعها من دخول بيت أبيها مدة الخصومة، ومدة النزاع، ونحو ذلك، قالوا: يرتفع بارتفاع السبب الموجب. والله تعالى أعلم.

    حكم قول الرجل لزوجته: أنت طالق قبل موتي بساعة، ناوياً حرمانها من الميراث

    السؤال: رجل قال لزوجته: أنت طالق قبل موتي بساعة، ينوي حرمانها الميراث، فما حكم ذلك؟

    الجواب: إذا قال: أنت طالق قبل أن أموت بساعة، فإنه إذا مات فإنها مطلقة رجعية، والمطلقة الرجعية ترثه، وعلى هذا ما يؤثر هذا فيه، ولو قصد حرمانها من الميراث؛ فإنه يأثم بنيته، حتى قال بعض العلماء: إنه من خاتمة السوء -والعياذ بالله- أن يوصي الرجل بوصية جائرة، فيكون آخر ما يُكْتَب في عمله -والعياذ بالله- عمل السوء.

    وقد جاء عن عثمان رضي الله عنه، وعن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أنهم لم يمضوا طلاق مريض الموت لشبهته، وجماهير العلماء على العمل بهذه الفتوى، وقالوا: إنها من باب المعاملة بنقيض القصد، إلا إذا كانت الزوجة هي التي سألت طلاقها، فإن كانت هي التي سألت الطلاق، وطلقت عليه في مرض موته؛ فمذهب طائفة من العلماء: أنها لا ترثه، ولا يرثها، على تفصيل سيأتي -إن شاء الله- في كتاب الميراث. والله تعالى أعلم.

    شرح قول المصنف: [وإن قال: أنت طالق ثلاثاً إلا واحدة فطلقتان]

    السؤال: مر معنا سابقاً قول المصنف -رحمه الله-: [وإن قال: أنت طالق ثلاثاً إلا واحدة فطلقتان] يقول السائل: لم أفهم قول المصنف في كيفية وقوع الطلاق طلقتين. نرجو إعادة توضيحها؟

    الجواب: هو يقول لها: أنت طالق ثلاثاً إلا واحدة؛ فمعنى ذلك: أنت طالق طلقتين؛ لأن الاستثناء نص القرآن ونصت السنة على أنه مؤثر، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (إلا الإذخر)، وقال تعالى: إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ [المائدة:3]، فالاستثناء مؤثر، فهو يقول: أنت طالق ثلاثاً إلا واحدة، فلما قال الله عز وجل: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ ... [المائدة:3]، ثم قال: إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ [المائدة:3]، فهمنا: أبيح لكم ما ذكيتم.

    نسأل الله العظيم أن يرزقنا العلم النافع، والعمل الصالح، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755935686