إسلام ويب

شرح زاد المستقنع باب الحيض [1]للشيخ : محمد مختار الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • جاء الإسلام مبيناً لأحكام كثيرة مما يتعلق بالمرأة، ومن هذه الأحكام: أحكام الحيض، فقد جاء الشرع ببيانها، وذكر تفاصيلها، كبداية سن الحيض ونهايته، وأقل مدة الحيض وأكثرها، وأقل مدة الطهر وأكثره، والأشياء التي يحرم على الحائض القيام بها.. وغيرها من المسائل الكثيرة المتعلقة بهذا الباب.

    1.   

    أهمية دراسة باب الحيض

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعد:

    قال المصنف رحمه الله: [باب الحيض].

    الحيض باب عظيم، وتتفرع عليه مسائل عظيمة تتعلق بعبادات الناس ومعاملاتهم، ولذلك اعتنى المحدثون والفقهاء رحمة الله عليهم بهذا الباب، وما من كتاب يتكلم على أحكام الشريعة في العبادات إلا وعقد لهذا المبحث موضعاً خاصاً أورد فيه الأحاديث والأحكام الخاصة به، وهو باب عظيم، وإتقانه ليس من السهولة بمكان بل هو عسير إلا على من يسره الله عليه، ولذلك قال الإمام النووي رحمه الله: إنه من عويص المسائل ومن عويص الأبواب، يعني: من أشدها وأعظمها، ولا شك أن الذي يتقنه يسد ثغرة من ثغور الإسلام، والسبب في ذلك: أن المرأة تلتبس عليها صلاتها، وصيامها، وعمرتها، وحجها، وغير ذلك من عباداتها التي تشترط لها الطهارة، ويلتبس على الرجل حل طلاقه وكذلك إباحة إصابته لامرأته، واستمتاعه بها، وجواز تطليقه وعدم جوازه، وانقضاء العدة وعدم انقضائها، وكل هذه المسائل تتفرع على إتقان باب الحيض، ولذلك لاشك أن طالب العلم ينبغي عليه أن يعتني به، وأن يوليه من العناية والرعاية ما هو خليق به.

    وقد ألف العلماء رحمة الله عليهم فيه تآليف مفيدة، وجمعها الإمام الدارمي في كتاب مستقل، وجمعها الإمام النووي رحمه الله فيما لا يقل عن مائتي صفحة، وقال: إنه لم يستوعب شتاتها مع هذا كله، وكتب فيها بعض العلماء خمسمائة ورقة، أي: قرابة ألف صفحة في هذه المسائل، وهو أمر دقيق.

    وقد يقول قائل: كيف يكون عسيراً والأحاديث فيه قليلة، وربما أن الإنسان إذا تفرغ له وأتقن أصوله أَلَمَّ به؟ نقول: الواقع بخلاف ذلك، وأحب أن أنبه على مسألة: وهي أن الحيض حينما يبحث فإنه يبحث من وجهين:

    الوجه الأول: أصول باب الحيض.

    والوجه الثاني: الفروع المتعلقة بهذه الأصول فأما الأصول فهي منحصرة ومحدودة، ويمكن للإنسان أن يضبط أحاديثها ولا إشكال فيها، ولكن الإشكال في الفروع، وقد يقول قائل: من أين جاءتنا هذه الفروع التي عُقِّد بها باب الحيض أو وُسّع فيه؟

    الجواب: أنه ينبغي على طالب العلم أن يتنبه إلى أن الحوادث والنوازل والفروع لا تتقيد، ولذلك قد تكون المسائل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة منحصرة، ثم إذا جاءت من بعد ذلك القرون تعددت المسائل؛ لأن مسائل الحيض في القديم -على عهد النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة إلى قرابة عصور الخلفاء الراشدين- تجدها على بيئة واحدة، وهي بيئة الجزيرة، فتجدها منحصرة، لكن لما اختلفت البيئات وفتحت الفتوح ووجدت الأجناس، أصبحت مسائل الحيض واسعة، حتى إن بعض أئمة الحديث يقول: في الحيض ما يقرب من مائة حديث، ولهذه الأحاديث ما يقرب من مائة وخمسين طريقاً، وقد جمَعتُ فيها ما لا يقل عن خمسمائة ورقة، ولذلك قال الإمام ابن العربي المالكي رحمة الله عليه: وهي مسائل تأكل الكبد، وتنهض الكتد، ولا يتقنها منكم أحد، فباب الحيض باب عظيم، يقول الإمام أحمد رحمة الله عليه عن هذا الباب: إنه جلس فيه تسع سنوات حتى فهمه.

    التحذير من الاستهزاء بالعلماء لاهتمامهم بباب الحيض

    وللأسف نجد من يُثَرّب على العلماء ويقول: إنهم علماء الحيض والنفاس، ووالله الذي لا إله إلا هو، لو أمست امرأته حائضاً وهو لا يعرف أحكام الحيض والنفاس لما أحسن جوابها، ولعرف قدر علماء الحيض والنفاس، ولذلك لا يجوز لأحد أن يستخفّ بهذا الباب، والاستخفاف به يدل على هوى صاحبه.

    فلو أن إنساناً استخف بالعلماء وقال: علماء الحيض والنفاس! فقد يخشى عليه الكفر؛ لأنه يستهزئ بعلماء الدين، وهذه كلمة كما قال تعالى: وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ [النور:15]، ولذلك ما جاء الأمة البلاء إلا من الغلو، فتجد العابد الصائم القائم يحتقر طلاب العلم ويحس أن الدين هو الصيام والقيام، وتجد طالب العلم يحتقر العابد ويقول: هذا جالس يصلي ويصوم ويحتقر عبادته؛ وذلك لأن طالب العلم يغلو في طلب العلم، والعابد يغلو في العبادة، وهذا لا يجوز؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما أهلك من كان قبلكم الغلو) فلا يجوز الغلو في الدين. والإنسان إذا أراد أن يمسك باباً فلا يحتقر غيره، فكلٌ على ثغرة، والله يقول: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ [البقرة:148] فأنبه على هذا؛ لأنها مسألة عارضة، وهي خطيرة جداً أن يستهزأ بالعلماء، ومسألة الاستهزاء بالفقهاء -أي: الاستخفاف بالفقه- وذكر مسائل الحيض والنفاس قديمة وليست وليدة اليوم، ولكن ينبغي على طلاب العلم أن يتنبهوا لهذه الآفة من آفات اللسان، نسأل الله أن يعصمنا وإياكم من الهوى والردى، والمقصود: أن هذا الباب باب عظيم وينبغي على طالب العلم أن ينتبه له.

    1.   

    حالات المرأة في الحيض

    الإشكال في هذا الباب أن المرأة لا تخلو من أن تكون مبتدأة، أو معتادة، أو مميزة، أو متحيرة. أربع حالات:

    إما أن تكون مبتدأة: والمبتدأة هي التي ابتدأها الحيض، أي: جاءها لأول مرة.

    وإما أن تكون معتادة: وهي التي عاودها الحيض ثلاث مرات فأكثر على وتيرة واحدة.

    أو تكون مميزة: وهي المرأة التي تعرف دم الحيض، وتميزه بلونه، ورائحته، وغلظه، ورقته، والألم وعدمه.

    أو تكون متحيرة، والمتحيرة والمحيرة قالوا: متحيرة: في نفسها لا تستطيع أن تميز، ومحيرة: لأنها حيرت العلماء؛ لأن مسائلها تتداخل، فتارة ينظر إلى التمييز، وقد لا تستطيع أن تميز، وتارة ينظر إلى الأمد والزمان فتردها إلى أقل الحيض، وتارة ترد إلى أكثر الحيض، فاحتار العلماء فيها.

    فأكثر مسائل الحيض وإشكالاته في المميزة والمتحيرة، وأعقدها في المتحيرة، وقد تكون هناك مسائل متداخلة في الحيض، كأن يدخل الحيض على النفاس، فتكون المرأة نفساء ثم لا تشعر إلا وقد طهرت، فتطهر يوماً كاملاً وترى النقاء، ثم يدخل الحيض على النفاس.

    المقصود: أن باب الحيض باب دقيق، وهذه الفروع ينبغي أن لا تحتقر، بمعنى: إذا مرت علينا مسائل أو فروع للعلماء فينبغي على طالب العلم أن ينتبه لها، وكان بعض طلاب العلم إبان الطلب يستخفون بهذه المسائل ويقولون: هذه التفريعات ما أنزل الله بها من سلطان، والواقع أننا لما قرأناها وجدناها من ألذ ما يكون في دراستها وضبطها وينفع الله بك المسلمين خيراً كثيراً، فكم من إشكالات وعويص مسائل تزال بإتقان هذا الباب، وهي بسيطة -إن شاء الله- إذا يسر الله على طالب العلم بحيث يعرف أصول كل نوع من النساء وضابطه، أي: يعرف أصل كل حكم يريد أن يقرره، فيستطيع أن يعرف ما تفرع عنه.

    ويحتاج كتاب الحيض إلى إلمام وإتقان، ولا تزال الأمة بحاجة إلى الإتقان من طلاب العلم، بل إن الإمام النووي في القرن السابع يقول: وقد غلط فيه العلماء.

    وهذا في القرن السابع، واليوم قلَّ -إلا من رحم الله- من يتقن مسائل الحيض، فقد تجد الواحد يقول: الأمر يسير! ويقفل الباب من بدايته، وقد يرد المرأة إلى عادة أمثالها أو أضرابها، ويقول: تنظر عادة أمها أو أختها وتعمل على ذلك وينتهي الإشكال، لكن لا يستطيع أن يعطيك أصلاً أو حجة تدل على أنه قد فهم هذا الباب وأَلَمّ بأصوله، ولذلك ينبغي على طلاب العلم أن ينتبهوا، وأنبه هنا على أنه لو ترجح عندنا -مثلاً- أن المرأة تبني على الغالب فنقول لها: تحيّضي خمساً أو ستاً أو سبعاً في علم الله عز وجل وينتهي الإشكال، فهذا راجح بالنسبة لظننا، والحديث في هذا حسن ولا يقتضي أن غيره مرجوح من كل وجه، وأنه هو الحق الذي لا مرية فيه، فقد تكون التفريعات التي ذكرها العلماء فيها الصواب وفيها ما يوافق الحق في بعض الصور وهي خارجة عن هذا الحديث، فلذلك نقول: ينبغي على طالب العلم أن يتقن هذا الباب ويلمّ به ويوليه من العناية ما هو خليق به.

    والكتاب الذي معنا مباحث الحيض فيه مختصرة، ولكن لا شك أن فيها إلماماً بأصول جيدة في باب الحيض، وقد ننبه على بعض الفروع، ونسأل الله عز وجل التوفيق والرعاية.

    1.   

    تعريف الحيض لغة وأحكامه

    الحيض في اللغة: السيلان. يقال: حاض الوادي إذا سال ماؤه، وحاضت السمرة -وهي نوع من الشجر- إذا سال منها سائل كالصمغ، فيقولون لها: حاضت. ويقال: المرأة حائض وحائضة، ونُوزع في الثاني؛ لأن الذي لا يشترك فيه الذكر والأنثى لا يؤنث. قالوا: فيقال: امرأة حائض، كما يقال: امرأة طالق؛ لأن الرجل لا يَطْلُق، وكذلك الرجل لا يحيض، ولا يقال: امرأة طالقة أو حاملة؛ لأن هذا مما يختص به الإناث فلا حاجة للتأنيث؛ لأن الأصل في التأنيث أن يكون فيما يفصل فيه بين الذكر والأنثى مما يدخله الاشتراك.

    وأما بالنسبة للاصطلاح فاختلفت تعاريف العلماء للحيض اصطلاحاً، لكن عند النظر فيها تستطيع أن تستجمع منها قولهم: دم يرخيه رحم المرأة عادة، وبعضهم يقول: دم يرخيه رحم المرأة لغير مرض أو ولادة.

    فقولهم: (يرخيه) أي: يسيل منه، وقولهم: (رحم المرأة) قال بعضهم: فرج المرأة، ولكن التعبير بالرحم أدق.

    وقولهم: (رحم المرأة) وخرج من هذا الرجل، وقولهم: (رحم المرأة) على التغليب، ولذلك يقولون: يشترط فيه ألا يكون لمرض أو لولادة، فإن كان لمرض: فهو استحاضة، وإن كان لولادة: فهو نفاس.

    فإذا كان لمرض فهو استحاضة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما ذلك عرق)؛ وسميت الاستحاضة استحاضة؛ لأن الأصل الحيض، فإذا استمر الدم معها فوق أمد الحيض قالوا: استحاضة، وزيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، أي: زاد عن قدره المألوف المعروف.

    وأما قولهم: (لغير ولادة) فهو إخراج لدم النفاس.

    وبعض العلماء يقول: دم جبلة وطبيعة يرخيه رحم المرأة لغير ولادة، وهذا أيضاً تعبير دقيق.

    فقولهم: (دم طبيعة وجِبِلة) يُخْرج دم الاستحاضة؛ لأنه لغير طبيعة وهو عارض.

    وقولهم: (لغير ولادة) يُخْرج دم النفاس والمعنى كله متقارب.

    أما بالنسبة للحيض فذكره المصنف رحمه الله في هذا الموضع لتعلقه بمباحث الطهارة؛ حيث يحكم بكون المرأة طاهراً، وبكونها يحل وطؤها ويحل طلاقها كما سيأتي -إن شاء الله- في الفروع المتعلقة بالحيض.

    وأما بالنسبة لمناسبة ذكره بعد إزالة النجاسة: فدم الحيض دم نجس بالإجماع، وهو نوع من أنواع النجاسات، ويُحَبّب لطالب العلم -لو أمكنه- أن يقرأ بعض كلام الأطباء في هذا الدم الذي يرخيه الرحم، وينظر إلى بديع صنع الله عز وجل وعظيم حكمته، وجليل علمه سبحانه وتعالى، فلو قرأت عن الحِكَم التي توجد في هذا الدم.

    في كيفية خروجه، وكيفية إرخاء الرحم له، وكيف يتهيأ ذلك الرحم لإخراجه وإفرازه، ثم كيف ينقبض بإذن الله عز وجل عند الخروج؛ لأن هذا الدم يتهيأ الرحم بعده للحمل، وتفرز الهرمونات التي تعين على الحمل، حتى إذا شعر المبيض أنه ليست هناك ولادة امتنع من إفراز هرمون الحمل، فأخذت الأوعية تتقلص، ثم أخذت تفرز ذلك الدم، فإذا به يتجلط في ذلك الموضع، ثم يرسل الله عز وجل له كالخميرة تفكك هذا التجلط، فلو مكث سنوات فإنه لا يتجلط في ذلك المكان -سبحان الله!- وهذا من عظمة الله جل جلاله.

    ويوجد كلام جيد في الموسوعة الطبية التي ألفها مجموعة من الأطباء، وأيضاً للدكتور محمد بن علي البار كلام طيب في دورة الأرحام، وينبغي على طالب العلم أن يُّلم بهذه الأشياء، وبعضها قد تنبني عليه أحكام فقهية، وأرى أن طالب العلم ينبغي أن يجمع بين الفقه وفهم بعض الحِكَم والأسرار حتى يكون الفقه معيناً له على العبادة، ولذلك أخبر الله عز وجل أنه لا أحسن منه حُكماً لقوم يوقنون، أي: عندهم اليقين وعندهم الإيمان؛ لأن الإنسان إذا تأمل الأحكام الشرعية ونظر فيها أدرك عظمة الله جل جلاله وحكمته، ولو جاء بعكسها لعلم عظمة هذا الحُكم، وأنه ليس أسلم منه ولا أحسن منه ولا أكمل، وكذلك عندما تقرأ بعض الحِكم الموجودة في خلق دم الحيض وتكوينه، وكيف يخرج، وصفة خروجه، ربما أنك تستعين بها في بعض المواضع للتدليل على عظمة الله وعلى قدرته سبحانه وتعالى.

    فالفقيه ينبغي أن يجمع بين مادة الفقه والحِكم والمعاني المستفادة من الفقه، ففي هذين الموضعين -في الموسوعة الطبية ودورة الأرحام- كلام جيد حبذا لطالب العلم أن يقرأه ويلمّ به، ويقولون: إن السائل الذي يفرز مع دم الحيض يقتل الجراثيم، أي: فيه من القوة على قتل الجراثيم والمكروبات الشيء العجيب، ولو نظر الإنسان إلى أن الله عز وجل لو ترك هذا الموضع دون وجود مثل هذا الشيء لربما أصيبت المرأة بكثير من الأمراض، بل إن الرجل بحكم ما يحصل من الاتصال بينهما ربما يصاب بهذه الأمراض، فالحمد لله على لطفه ورحمته بالعباد.

    وهذا الباب كما قلنا باب من أبواب الطهارة، ووردت نصوص في الكتاب ونصوص في السُّنة تبين بعض مسائله والأحكام المتعلقة به، ولذلك سنبين بعضها -إن شاء الله- عند ذكر العبارات التي يذكرها المصنف، وقد نتوسع في هذه العبارات، فيحبذ لطالب العلم أن يلم بالأصل الذي نذكره، والفروع التي تنبني على ذلك الأصل.

    أسماء الحيض

    الحيض له أسماء ومنها: النفاس، والإكبار، والإعصار، والطمث، والضحك، فكل هذه أسماء للحيض.

    فالحيض: اسمه في الكتاب والسُّنة، والنفاس: جاء فيه حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها في حجة الوداع لما حاضت: (مالك أنفست؟ ذاك شيء كتبه الله على بنات آدم) (أنفست؟) أي: أصابك الدم، فسمى الحيض نفاساً، ويسمى أيضاً الحيض بالضحك؛ ومنه قوله تعالى: وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ [هود:71] فقول طائفة من المفسرين أن قوله تعالى: وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ [هود:71] أي: أصابها الحيض حتى تتأهل به للحمل، وإن كان بعض العلماء ينازع في هذا الإطلاق، ولكن في لغة العرب يوجد هذا المعنى وفيها ما يدل عليه.

    بداية زمن الحيض

    قال رحمه الله: [لا حيض قبل تسع سنين ولا بعد خمسين]:

    يقول المصنف رحمه الله: (لا حيض قبل تسع سنين) أي: لا حيض للمرأة إذا كان عمرها دون تسع سنين، وهذه المسألة تُعرف عند العلماء ببداية زمن الحيض، ونظيرها: نهاية زمن الحيض.

    والعلماء يبحثون مسألة بداية الحيض ونهاية الحيض؛ لأن المرأة ربما يصيبها الدم وهي بنت ثمان سنوات -فرضاً- فهل نحكم بكونها حائضاً، أو نقول: إن الدم دم استحاضة؟ فإن جعلت للحيض زماناً يُبتدأ فيه الحكم بكون المرأة حائضاً فتقول: ما قبله استحاضة، وأي دم يصيب المرأة قبل هذا الأمد تحكم بكونه استحاضة، ولا تحكم بكونه حيضاً، فلو أن المرأة أصابها الدم وهي بنت ثمان سنوات ثم سألت، فإن قلت: الحيض يأتي قبل التاسعة وكان على أمد الحيض وجاوز إلى أمد الحيض فتقول: إنها بالغة وحكمها حكم الحائض.

    أما لو قلت: التسع سنوات أمد؛ فإنك تحكم بكونها مستحاضة ولم تبلغ بعد، وهي في حكم الطفلة، والدم الذي معها دم عارض وليس بدم طبيعة ولا جبلة.

    ومسألة أقل زمان الحيض فيها أقوال:

    قال بعض العلماء: أقله تسع سنوات، ويكاد يكون هذا القول للجمهور.

    والقول الثاني: أن أقل زمن تحيض فيه المرأة ست سنوات.

    والقول الثالث: أنه اثنتا عشرة سنة، هذه ثلاثة أقوال.

    القول الرابع: أنه سبع سنوات.

    فالقول الست هو لبعض فقهاء الحنفية، والسبع أيضاً مثلها، والاثنا عشر لبعض فقهاء الشافعية، ولكن الجمهور على التسع وهو الصحيح والأقوى، والسبب في صحته وقوته: أن النبي صلى الله عليه وسلم عقد على عائشة وهي بنت ست سنوات، ونكحها ودخل بها وهي بنت تسع سنوات، فدل على أن التاسعة تتأهل بها المرأة للحيض، وأيضاً دلالة العرف، ولذلك قالوا: قلّ أن تحيض المرأة قبل التسع، وأُثر عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (إذا بلغت الجارية تسع سنوات فهي امرأة)، أي: أنها بالتسع السنوات تتهيأ لكونها امرأة، وأعجل النساء حيضاً اللاتي يكن في المناطق الحارة، ولذلك قال الإمام الشافعي : أعجل من رأيت من النساء في الحيض نساء تهامة، وجدت جدة ابنة تسع عشرة سنة. أي: تزوجت وهي بنت تسع سنوات، فأنجبت حملها وهي بنت عشر، ثم هذه البنت في التسع سنوات أيضاً تزوجت مثل أمها، وأنجبت وهي على آخر التسع، فتكون أمها على أواخر التسع عشرة سنة، ولذلك يقولون: هذا من أغرب ما يكون في النساء، فالتسع تكاد تكون هي الغالب، والقاعدة: أن النادر لا حكم له، وأن الحكم للغالب، هذا بالنسبة لأقل زمان يمكن للمرأة أن تحيض فيه.

    نهاية الحيض

    وأما بالنسبة لأكثره: فقال الله تعالى: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ [الطلاق:4]، وهو نهاية الحيض، ولذلك قال العلماء: (آخر سنّ ينقطع فيه دم الحيض هو خمسون عاماً) على ما ذكر المصنف، وقال بعض أهل العلم: ستون، وقال بعضهم -وهو القول الثالث والأقوى والأقرب للصواب إن شاء الله- أن هذا يختلف باختلاف البيئات والنساء، وطبيعة الأرض التي فيها المرأة، فالبلاد الحارّة تختلف عن البلاد الباردة في طبائع النساء، ولذلك يرد إلى العرف، ويضبط بضابطه.

    فإذا تقرر أن آخر أو أكثر الحيض أو نهاية سن الحيض هي الخمسون -بناءً على ما ذكر المصنف- فينبني على هذا أن المرأة لو بلغت الخمسين ودخلت -مثلاً- في إحدى وخمسين ورئي معـها الدم فيعتبر استحاضة، ولا يعطى حكم دم الحيض، وينبني عليه أيضاً أنها تعتد بالأشهر ولا تعتد بالحيض؛ لأن الدم الذي معها أُلغي، فهذه فائدة معرفة آخر زمن للحيض، فإنك إذا أثبت أنه يتأقّت، فببلوغ المرأة لهذا الأمد المؤقت يحكم بكونها منقطعة من الحيض آيسة منه فتعتد بالأشهر.

    اختلاف العلماء في اجتماع الحيض والحمل

    قال رحمه الله: [ولا مع حمل].

    لأن الله جعل عدة الحوامل إلقاء الحمل، فإذا ولدت خرجت من عدتها: وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:4]، فلو كانت الحامل تحيض لجعل عدتها بالأقراء إعمالاً للأصل ، ولذلك قال الإمام أحمد رحمة الله عليه: كان الحمل يعرف بانقطاع الدم. أي: أن الحمل من طبيعته ومن شأنه أنه يعرف بانقطاع دم الحيض، فدلّ على أنه لا يجتمع الحيض والحمل، وقال طائفة من العلماء: إنه يجتمع الحيض والحمل، وهو مذهب بعض أهل العلم، منهم المالكية، وعندهم تفصيل في ضوابط الحيض في الحمل، لكن الذي يقويه الطب: أن الحامل لا تحيض.

    فائدة الخلاف: أنه لو حملت المرأة وجرى معها دم، فإن قلنا: إن الحامل تحيض وجاء في أمد الحيض حكم بكونه دم حيض، ومنعت من الصلاة والصيام، وإن قلنا: إن الحامل لا تحيض، ففي هذه الحالة يحكم بكونه دم فساد وعلة على الصحيح الذي ذكرناه.

    أقل مدة الحيض

    قال المصنف رحمه الله: [وأقلّه يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يوماً].

    بعد أن بين لك -رحمه الله- من هي المرأة التي تحيض -وهذا تسلسل في الأفكار- وبين لك أن أقل سن تحيض فيه تسع سنوات، وأن أقصى أمد الحيض هو الخمسون، وأن هذا الحيض شرطه أو محله أن لا تكون المرأة حاملاً، إذا ثبت هذا وعرفت من هي المرأة التي تحيض، يرد السؤال الآتي: ما هو أقل أمد للحيض؟ وما هو أكثره؟ لأنك إذا عرفت المحل الذي هو للحيض، يرد السؤال عن نفس الحيض، فتتدرج في الأفكار: فتعرف أول شيء من هي المرأة التي يمكن أن يحكم بكونها من أهل الحيض، والتي يمكن أن يحكم بأنها ليست من أهل الحيض، فإذا عرفت المرأة التي هي من أهل الحيض يرد السؤال: ما هي الضوابط المعتبرة لهذا الدم؟ ومتى نحكم بكونه دم حيض؟ وما هو أقل أمده، وما هو أكثره؟

    فقال رحمه الله: (وأقله) أي: أقل الحيض (يوم وليلة) هذه المسألة للعلماء فيها ثلاثة أقوال:

    القول الأول: قال بعض العلماء: لا حد لأقل الحيض، كما هو مذهب المالكية واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله على الجميع.

    القول الثاني: أن أقله يوم وليلة، وهو مذهب الشافعية والحنابلة، كما درج عليه المصنف رحمة الله على الجميع.

    القول الثالث: أن أقله ثلاثة أيام، وهو مذهب الحنفية.

    هذه ثلاثة أقوال، والأقوى والأصح: أن أنه لا حدّ لأقله.

    فائدة هذا الخلاف كالآتي:

    الذي يقول: إنه لا حد لأقل الحيض يقول: إذا رأت المرأة دم الحيض في زمان الحيض وإمكانه، واستمر ولو ساعة من نهار فإنه يحكم بكونها حائضاً، والذي يقول: إن أقله يوم وليلة، يقول: إن جرى الدم من المرأة واستمر يوماً كاملاً -أربعاً وعشرين ساعة- فهو دم حيض، وإن استمر ثلاثاً وعشرين ساعة، ولم يتم الأربع والعشرين فهو دم استحاضة، لا يمنع صوماً ولا صلاةً.ومن قال: وأن أقله ثلاثة أيام فكاليوم والليلة.

    فإذاً: عندنا ثلاثة أقوال؛ قول يقول: الحيض لا أقل له، حتى إنه بالإمكان أن يحكم بكونها حائضاً ولو للحظة من نهار، ولو بدفعة واحدة، ويسمونها: دفعة الدم، فإذا دفعت دفعة واحدة من الدم في وقتها أو في ما يعتبر إمكاناً للحيض فيقولون: هذا حيض.

    أما أصحاب القول الثاني فيقولون: العبرة باليوم والليلة، فلو أنها دفعت دماً لأقل من يوم وليلة فهو دم استحاضة وليس بدم حيض، فلا يمنع صوماً ولا صلاة، ولا يأخذ حكم دم الحيض.

    والذين يقولون بالثلاثة الأيام، يقولون: إن قل عن الثلاثة الأيام ولو ساعة واحدة؛ فهو دم استحاضة وليس بحيض.

    وأصح هذه الأقوال -والعلم عند الله-: أن أقله لا حدّ له؛ وذلك لأنه لم يثبت دليل صحيح باعتبار التحديد، ولاشك أن البلاد مختلفة والبيئات مختلفة؛ ولذلك ما دام أن الزمان زمان حيض، فالأصل في هذا الدم -ما دام أنه يمكن أن يكون دم حيض- أنه دم حيض، وليس في الشرع دليل يدل على إلغائه، فنبقى على الأصل الموجب لاعتبار هذا الدم ما دام أنه في زمنه. هذا بالنسبة لأقل الحيض.

    أكثر مدة الحيض

    قوله: (وأكثره خمسة عشر يوماً).

    إذا عرفنا من هي المرأة التي تحيض، وعرفنا ما هو أقل الدم الذي يمكن أن نحكم بكونه حيضاً، وأنّ الصحيح أنه لا حدّ له؛ يرد السؤال:

    فيقول لك قائل: هب أن هذه المرأة عمرها تسع سنوات، وجرى معها الدم، سواءً قلنا بمذهب من يقول: إن جرى معها الدم ولو دفعة فهو حيض، أو قلنا بمذهب من يقول: أقله يوم وليلة؛ فهو دم حيض على الأقوال كلها إذا استمر أكثر من ثلاثة أيام، فهل إذا استمر هذا الدم حتى بلغ أياماً، هل نقول: إنها تبقى حائضاً ما جرى معها دم الحيض، أم أن دم الحيض مؤقّت؟

    الجواب: أن دم الحيض بالإجماع مؤّقت؛ بدليل قوله عليه الصلاة والسلام: (لتنظر الأيام التي كانت تحيضها) ، وأخبر الله عز وجل في كتابه عن دم الحيض أنه منقطع : وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ [البقرة:222]، فأخبر أن للحيض غاية، فإذا ثبت أن للحيض نهاية وغاية، فيرد السؤال: ما هي هذه الغاية التي إذا بلغها الدم وجاوزها حكمنا بكونها مستحاضة؟ وما هي هذه الغاية التي يمكن -في حالة ما لو استمر الدم وانقطع لأقلها وعاودها- أن نثبت لها بها العادة؟ هذا سؤال وارد، ولذلك هذه المسألة تعرف بضدّ المسألة الأولى، المسألة الأولى: أقل الحيض، وهذه المسألة: أكثر الحيض. ما هو أكثر الحيض؟

    فالمرأة قد يجري منها دم الحيض ويستمر، وتكون أحياناً مبتدأة صغيرة يجري منها دم الحيض لأول مرة، فتفاجأ، ففوجئت بدم الحيض وقد استمر معها عشرين يوماً أو ثلاثين يوماً أو شهراً، فلا بد أن تحدد ما هي الحيض، وما هو الاستحاضة، وقد يستمر عشرة أيام، أو ثمانية أيام، أو تسعة أيام، وهكذا ..

    فإذًا: تحتاج إلى تأقيت أكثر الحيض، فقال لك: (خمسة عشر يوماً) وهذا على قول الجمهور، وفيه حديث: (تمكث إحداكن شطر عمرها لا تصلّي) ، ولكنه متكلّم في سنده، لكن العمل عليه عند أهل العلم رحمة الله عليهم. وهذا أكثر الحيض.

    وفائدة معرفة أكثر الحيض: أنه إذا نزف معها الدم واستمر وجاوز أكثر الحيض، علمت أنها مستحاضة.

    أغلب عادة النساء في الحيض

    قال المصنف رحمه الله: [وغالبه ست أو سبع].

    النساء إذا حضن لا بد أن تعرف القليل والكثير، وبيناه. لكن يرد السؤال: نحن علمنا أن أقل الحيض لا حد له، وأن أكثره خمسة عشر يوماً، فما هو غالب النساء؟

    فقال: (غالبه ست أو سبع)، والدليل على ذلك: قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الحسن: (تحيّضي في علم الله ستاً أو سبعاً)، أي: أن الغالب في النساء أن يستمر دم الحيض وتكون عادتها إما ستة أيام أو سبعة أيام، وللعلماء في قوله: (تحيّضي في علم الله ستّاً أو سبعاً) وجهان:

    قيل: التخيير؛ يعني: إن شئت أضفت اليوم السابع وإن شئت ألغيتيه.

    وقيل -وهو الصحيح والأقوى-: إنه للجمع أي: (ستاً وسبعاً)؛ لأن (أو) تطلق في لغة العرب بمعنى الجمع، ومنه قوله تعالى: وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ [الصافات:147] أي: ويزيدون؛ لأن الله لا يشك، وكقوله تعالى: فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى [النجم:9] أي: وأدنى؛ لأن الله لا يشك.

    وفي لغة العرب: كانوا ثمانين أو زادوا ثمانية؛ أي: كانوا ثمانين وزادوا ثمانية.

    فالمقصود أن قوله: (أو سبعاً) المراد به: الجمع.

    فغالب الحيض ستة أيام أو سبعة أيام، ولكنه قد يختل هذا الغالب، فتكون المرأة عادتها خمسة أيام، وقد يختل بما هو أكثر وتكون عادتها تسعة أيام أو عشرة أيام، هذا بالنسبة لغالب الحيض.

    أقل الطهر بين حيضتين

    قال المصنف رحمه الله: [وأقلّ طهر بين حيضتين ثلاثة عشر يوماً].

    عندنا شيئان: شيء يسمى: الحيض، وشيء يسمى: استحاضة، وهناك شيء يسمى: الطهر، والطهر هو: النقاء، وأصل الطهر: النظافة؛ طهر الشيء إذا نظف، فمن حكمة الله جل وعلا في خلقه أن المرأة يجري معها دم الحيض، وينقطع عند أمد معيّن، وهذا في الغالب، فإذا انقطع تكون هناك علامتان على الانقطاع:

    العلامة الأولى: القَصّة البيضاء، وهي ماء كالجير يخرج من الموضع، ويعرفه النساء. وهذه القَصّة البيضاء، هي التي عنتها أم المؤمنين رضي الله عنها بقولها كما في صحيح البخاري: (انتظرن، لا تعجلِنّ حتى ترين القصة البيضاء).

    العلامة الثانية: الجفوف، والجفوف: أن تضع المرأة القطن في الموضع فيخرج نقياً لا دم فيه، أي: يجف الموضع، وهذه مختلف فيها: هل هي علامة طهر، أو لا؟

    فمن حكمة الله جل وعلا أن المرأة يجري معها الدم، ثم ينقطع بعلامة تدل على الطهر، فتبقى طاهراً أمداً، وهذا الأمد يقـل ويكثر، ولذلك يحتاج العالم والفقيه وطالب العلم أن يعرف ما هو أقل هذا الطهر بين الحيضة والحيضة؛ لأن المرأة إذا انتهت حيضتها الأولى دخلت في الطهر، ثم أتبعت الطهر بحيضة ثانية، فما بين الحيضتين يسمى: طهراً ونقاءً، وهذا الطهر والنقاء مهم جداً لمعرفة بعض الأحكام الشرعية، خاصة في المرأة المتحيرة، أي: التي ليست عندها عادة، ولا تستطيع أن تميز حينما يجري معها الدم دائماً؛ فحينئذٍ: عندما تعرف أكثر الحيض، وأقل الطهر بين الحيضتين، تحكم بأقل الحيض وأقل الطهر، وتحكم بدخولها في الحيضة الثانية بعد مجاوزة أقل الطهر.

    توضيح ذلك: مثلاً: لو قلنا بقول المصنف: إن أقل الحيض يوم وليلة، فلو أن امرأة استمر معها دم الحيض يوماً وليلةً، واستمر معها وجاوز أكثر الحيض، فبمجاوزة الدم لأكثر الحيض -وهي لم يأتها الحيض قبل وليست عندها عادة- يحصل الإشكال خاصة في المبتدأة والمتحيرة، فالمرأة التي ابتدأها الحيض -كالصغيرة التي يأتيها الحيض لأول مرة- نحكم بكون اليوم والليلة حيض -على قول المصنف ومن وافقه من الشافعية- فإذا جاوزت أكثر الحيض حُكم برجوعها إلى أقل الحيض، وتقول: هذه المرأة لما جاوزت أكثر الحيض تعتبر مستحاضة، إلا في اليقين الذي هو اليوم والليلة، فأعتبرها حائضاً يوماً وليلة، وما بعد اليوم والليلة تعتبر مستحاضة، فتصوم وتصلي، وتقضي صلواتها وصيامها، ثم إذا استمر الدم بها ستسأل وتقول: عرفت أن اليوم والليلة من الشهر الفلاني عليَّ فيه قضاء الصوم، لكن الدم استمر معي، فهل أبقى مستحاضة إلى الأبد، أم أني سأدخل في حيضة ثانية؟ فالجواب: أنها -طبعاً- ستدخل في حيضة ثانية، فكيف تحكم بدخولها في الحيضة الثانية؟ تنظر إلى أقلّ الطهر الذي ذكرناه، الذي هو -مثلاً- ثلاثة عشر يوماً أو خمسة عشر يوماً على القول الثاني، فتضيف الثلاثة عشر يوماً إلى اليوم والليلة، فيكون اليوم الرابع عشر هو يوم دخولها في الحيضة الثانية حكماً، هذا إذا لم تكن لها عادة ولم يكن لها تمييز.

    إذًا: معرفة أقل الطهر يستعان به في معرفة دخولها في الحيضة الثانية إذا اختلط عليها الأمر، كأن تكون متحيرة أو تكون مبتدأة لا عادة لها ولا تمييز. هذا بالنسبة لمسألة أقلّ الطهر.

    إذًا: عندنا أقل الحيض، وأكثر الحيض، فأقل الحيض نستفيد منه في الحكم بكون المرأة حائضاً أو ليست بحائض، فمن يؤقت يقول: ما دونه ليس بحيض، وما كان مثله وزاد فهو حيض، وأكثر الحيض قلنا: نستفيد منه في أنه إذا جاوزه الدم حكمنا بكونه استحاضة، ثم يبقى النظر: هل تردها إلى اليقين من أنها حائض يوماً وليلة عند من يقول بالتأقيت، أو تردها إلى أكثر الحيض أو إلى غالب الحيض؟ كلها أوجه للعلماء سنبينها إن شاء الله.

    أكثر مدة للحيض

    قال المصنف رحمه الله: [ولا حدّ لأكثره].

    عرفنا أن أقل الحيض لا حد له، وأن أكثره خمسة عشر يوماً، وأن أقل الطهر ثلاثة عشر يوماً.

    فيرد السؤال: ما هو الحد الأكثر للطهر؟ قال: لا حد لأكثره. فالمرأة بالإمكان أنها تحيض ثم تطهر وتبقى طاهراً شهوراً، وقد تبقى طاهرا أمداً بعيداً؛ فلا حد لأكثر الطهر.

    فلو سئلت: ما الفرق بين الطهر والحيض بالنسبة للتقدير؟ تقول: إن الحيض لا حد لأقله، وله حد لأكثره على الصحيح، والطهر لا حد لأكثره وله حد لأقله، فهو عكس للحيض تماماً.

    1.   

    ما يحرم على الحائض

    قال المصنف رحمه الله: [وتقضي الحائض الصوم لا الصلاة].

    بعد أن بيَّن مقدمات كتاب الحيض، شرع رحمه الله في بيان مسألة مهمة وهي: الأشياء التي يمنع منها الحيض، والحيض يمنع عشرة أمور، ذكر المصنف رحمه الله أشهرها وأهمها.

    منع الحائض من الصوم والصلاة

    فقال رحمه الله: (وتقضي الصوم لا الصلاة) أي: هذه المرأة التي أصابها الحيض يحكم بمنعها من الصيام ومن الصلاة، فإذا انتهى الحيض وجب عليها قضاء الصوم دون الصلاة.

    أما الدليل على هذا الحكم: فحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، والذي روته عمرة بنت عبد الرحمن أنها سألت أم المؤمنين: (ما بال الحائض -ما بال، أي: ما الشأن والحال- تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟) عمرة رحمها الله فقيهة من فقهاء التابعين رحمة الله عليهم أجمعين، فهذه الفقيهة الفاضلة سألت أم المؤمنين لماذا أمر الشرع المرأة الحائض أن تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ لماذا سألت؟ الجواب: لأن الصلاة في حكم الشرع أهم من الصوم، فالصلاة عماد الدين، وهي الركن الذي يلي الشهادتين. (فقالت لها أم المؤمنين: أحرورية أنتِ؟) أي: هل أنت من الخوارج الذين يكثرون التشدق في الدين والتنطع فيه؟ وحرورية: نسبة إلى حروراء؛ وهو موضع كان فيه الخوارج. (فقالت: لا، بل سائلة) أي: أستشكل فأسأل.

    فقالت رضي الله عنها: (كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة)، فدل على أن الحائض لا تصوم ولا تصلي، وأنه يلزمها قضاء الصوم ولا يلزمها قضاء الصلاة.

    قال المصنف رحمه الله: [ولا يصحّان منها، بل يحرمان].

    فلو أن امرأة علمت أنها حائض وصامت، فلا يصح صيامها، فإذا علمت بالتحريم وصامت فهي آثمة شرعاً، لكن لو كانت لا تدري أن هذا الدم دم حيض وكانت تظنه دم استحاضة، وصامت أو صلت ظانة أنها طاهر، ثم تبين أن هذا الدم دم حيض؛ فإنه لا إثم عليها ولا يحكم بصحة صومها ولا بصحة صلاتها، وهي غير مطالبة بالصلاة.

    المنع من وطء الحائض في الفرج

    قال المصنف رحمه الله: [ويحرم وطؤها في الفرج].

    أي: يحرم على الرجل أن يجامع امرأته الحائض في فرجها، والدليل على ذلك: ما ثبت في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح)، وقد نص الله عز وجل في التنـزيل على تحريم وطء الحائض في قوله سبحانه وتعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222]، وقوله: فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222] والمحيض: اسم مكان كالمقيل، أي: مكان الحيض، وفائدة هذا التحديد في الكتاب بكونه في المحيض أنها لا تُعتزل في غيره، وفي ذلك رد على اليهود، فقد كان اليهود -عليهم لعائن الله- إذا حاضت المرأة عندهم لم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجالسوها، فجاء الإسلام بالسماحة واليسر، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي عائشة رضي الله عنها الإناء فتشرب وهي حائض ويشرب من الموضع الذي شربت منه، كل هذا مبالغة في الرد على اليهود، وإبطال ما كانوا عليه من أذية النساء بذلك.

    فالمقصود: أن الذي حرمه الله عز وجل هو الوطء.

    قوله: (الوطء في الفرج) يشمل ذلك القبل والدبر، أما الدبر فيحرم العموم، سواء كان في حيض أو غيره، وأما بالنسبة للقبل فهذا يتأقت بحال الحيض.

    فيمنع الوطء في الفرج، لكن هل يستمتع بغير الفرج؟ هذه المسألة خلافية عند العلماء، والأصل عندهم أنه يجوز للرجل أن يستمتع بالمرأة إذا كانت حائضاً بغير الجماع، لكن يأمرها فتتّزر، وتلبس إزارها من ثوب ونحوه مما يغطي المـوضع المحرم، وبعضهم يحدده بما بين السرة والركبة؛ لأن ما قارب الشيء أخذ حكمه، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه) ، فلذلك قالوا: تتحدد الأزرة بما بين السرة والركبة، وأكدوا ذلك بقولها: (كان يأمر إحدانا فتتّزر فيباشرها وهي حائض) والأزرة: لا تكون أزرة إلا إذا غطت هذا الموضع، فالإزار الغالب فيه أن يكون بهذا القدر، فقال هؤلاء العلماء -وهو مذهب الاحتياط-: إنه يترك عليها من اللباس ما يكون غطاء للفرج وما حوله، ثم شأنه بما دون ذلك.

    وقال بعضهم: المحرم عليه الفرجان، ولا مانع من أن يستمتع بغير الفرجين ولو كان بالمباشرة، يعني: أن المراد بالاتزار: أن تشد الموضع فقط، ثم لو لامس غير هذا الموضع -الذي هو موضع الجماع- فلا حرج عليه، على ظاهر القرآن: فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيض [البقرة:222] .

    وهذا المذهب الثاني أقوى من جهة النص -ظاهر القرآن-: فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيض [البقرة:222] وهذا تأقيت.

    والمذهب الأول أحوط وأسلم، وأبرأ للذمة، وأبعد عن الشبهة.

    وفرّق بعض العلماء -وهو قول ثالث- بين الذي يستطيع أن يضبط نفسه، والذي لا يستطيع أن يضبط. فقالوا: يباشر بما دون الفرج قريباً من الفرج إذا كان يملك نفسه، والغالب عليه السلامة، وإلا فلا.

    وتحريم الله وطء الحائض رحمة بالعباد، فقد ذكر الأطباء أن هذا -وطء الحائض- فيه أضرار، أي: أن هذا الحكم من الحكمة بمكان؛ لما فيه من دفع الضرر عن الزوج والزوجة، حتى أن بعض الأطباء في العصور المتأخرة يقول: أنه كان في إحدى الاجتماعات الطبية، فقالت امرأة طبيبة أنها وصلت إلى أمر هام في الطب وهو: أن من يجامع المرأة وهي حائض فإنه يلتهب عنده البروستات -غدة من غدد الجسم-. فقال أحد الأطباء المسلمين: هذا الذي توصلتِ إليه اليوم عرفه المسلمون من أكثر من ثلاثة عشر قرناً؛ فإن الله عز وجل يقول: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222] (قل هو أذىً) فأخبر أنه أذى، والأذية قد تكون بالضرر في الجسد؛ كما قال تعالى: لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى [آل عمران:111] ، فهو يشمل أذى الحس وأذى المعنى، فكان هذا من إعجاز القرآن، وإعجاز هذه الشريعة، فالمسلمون يعرفون أن هذا الشيء يفضي إلى الضرر، ويستوي في ذلك عوامهم وعلماؤهم.

    فمن رحمة الله أنه حرم الجماع في هذا الوقت، وذكر بعض الأطباء أنه يؤدي إلى الإضرار بالمرأة أيضاً، وقالوا: حتى إنه ربما يؤدي إلى أضرار في نفسية المرأة، وعلى هذا فينبغي على طالب العلم أن يكون على إلمام بهذا، وللدكتور محمد علي البار بحث جيد في دورة الأرحام؛ نبه على الأخطار الطبية المترتبة على وجود الجماع في هذا الوقت الذي حرمه الله عز وجل، فينبغي لطالب العلم أن يطلع على هذه الأمور إن تيسر له ذلك؛ لأنها تؤكد حكم الشريعة، وزيادة في اليقين.

    قوله: (يمنع) وهذا بالإجماع أنه لا يجوز الجماع؛ وذلك على ظاهر الكتاب وظاهر السُّنة.

    كفارة جماع الزوجة الحائض

    قال المصنف رحمه الله: [فإن فعل فعليه دينار أو نصفه كفارة].

    (فإن فعل) أي: المكلف، تجاوز حدود الله عز وجل وجامع امرأته وهي حائض (فعليه دينار أو نصفه) الأصل في هذا حديث ابن عباس -اختلف في رفعه ووقفه- أن النبي صلى الله عليه وسلم وقّت هذا، وهو رواية أبي داود ، وحسنه غير واحد من أهل العلم، ومنهم من صححه فقال: إنه صحيح لغيره، ومنهم من ضعفه، والقول بتحسينه أقوى، فهذا الحديث أمر فيه النبي صلى الله عليه وسلم أن يتصدق بدينار أو نصف دينار.

    ثم اختلف في هذه الصدقة، فقال بعض العلماء: إن قوله (دينار أو نصف دينار) للتنويع، فإن شاء تصدق بدينار وإن شاء تصدق بنصف دينار، وهذا إحدى الروايات عن الإمام أحمد رحمة الله عليه، أنه مخير بين أن يتصدق بالنصف وبين أن يتصدق بالدينار.

    واستشكل بعض العلماء: كيف يؤمر بالأقل والأكثر في كفارة واحدة؟! وهذا ليس بإشكال؛ فإن الله عز وجل أمر من أفطر كالشيخ الكبير أو من لا يطيق الصوم بالفدية؛ وهي: إطعام مسكين، وهذا أقل شيء، ثم قال: فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ [البقرة:184] فذلك يدل على أنه قد يرد في الكفارة الجمع بين الأقل وبين الأكثر، وكذلك أيضاً: لا ضرر في هذا التخيير، إذ قد يجمع بين الشيء ونصفه، وقد يجمع بين الكامل ونصف الكامل، وذلك على سبيل الوجوب، فنقول: لا مانع أن الشرع يأمر بالدينار ونصف الدينار، ولا يتجه اعتراضهم بأنه جمع بين الكامل ونصف الكامل؛ لأن الله أباح قصر الصلاة في السفر، وثبت في السُّنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الرباعية تقصر إلى ركعتين، ومع هذا لو أتم صلاته -كأن يصلي وراء حاضر- فلا حرج عليه، فجمع بين النقص للنصف وبين كمال العبادة.

    والمقصود: أنه إذا جاءت السُّنة عن النبي صلى الله عليه وسلم فهي حَكَم على كل قول، وبناءً على ذلك يتصدق بدينار أو نصف دينار على التخيير.

    وقال بعض السلف -وهي فتوى ابن عباس رضي الله عنهما- سبب التخيير بين الدينار ونصف الدينار سببه: أن الجماع في الحيض يختلف، فإن كان في أول الحيض فدينار، وإن كان في آخره فنصف دينار.

    وقال بعضهم -وهو قول ثان لبعض السلف أيضاً-: دينار إن كان في أول الحيض، ونصفه إن كان في أوسط الحيض أو آخره.

    وتقسيم الحيض إلى أول ووسط وآخر يكون إما بالزمان وإما بالتمييز، مثال ذلك بالزمان: أن تكون عادة المرأة ستة أيام، فأوله: اليومان، وأوسطه: الثالث والرابع، وآخره: الخامس والسادس.

    أما تأقيته بالصفات: فكأن يجري معها دم الحيض في الأيام الأول -يومان مثلاً- أحمر شديد الحمرة قريب إلى السواد، ثم يجري معها في اليومين الأوسطين أحمر شديد الحمرة، ثم في اليومين الأخيرين يجري معها أقل حمرة أو قريباً إلى الصفرة، فبناءً على هذا تؤقت إما بالزمان وإما بالصفة. فإذا وقع في زمان شدة الدم وحمرته واشتداده في أوله فدينار، وإن كان في آخره فنصف.

    وفتوى ابن عباس تقوي التفصيل؛ إن كان في أوله فدينار، وإن كان في آخره فنصف، وهو قول من القوة بمكان.

    أما بالنسبة لقدر الدينار: فالدينار الإسلامي القديم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وما بعده إلى عهد الخلفاء وكذلك دينار عبد الملك بن مروان يعادل مثقالاً، والمثقال: يعادل بالجنيه السعودي الموجود الآن جنيهين إلا ربعاً، فيتلخص أن أربعة أسباع الجنيه السعودي تعادل قدر الواجب، فلو فرضنا أن الجنيه السعودي تقدر قيمته بسبعين ريالاً -مثلاً- فيصير أربعة أسباعه كم؟ تقسم السبعين على عشرة، وتخرج نسبتها فيكون السُبع عشرة، فأربعة أسباعه: أربعون ريالاً، أي: بما يجاوز نصف الجنيه بقليل.

    قال المصنف رحمه الله: [ويستمتع منها بما دونه].

    قوله رحمه الله: (ويستمتع) من المتعة وهي: اللذة.

    وقوله: (بما دونه) أي: بما دون الموضع الذي حرم الله الجماع فيه، وظاهر كلام المصنف أنه سواء وُجد حائل أو لم يوجد حائل، وهي المسألة التي تعرف عند العلماء بـ (مسألة المفاخذة ونحوها). فقال بعض العلماء -كما تقدم-: يجوز، وهو المفهوم من ظاهر كلام المصنف؛ ودليله حديث عائشة : (اصنعوا كل شيء إلا النكاح) وهذا عام، (وكل) -كما يقول الأصوليون-: من ألفاظ العموم، فله أن يستمتع بكل شيء ما لم يصل إلى الحرمة؛ كالوطء في الدبر، فهذا مما حرم الله، ولكن يبقى ما عداه على الأصل؛ لأن الله جعل المرأة عفة للرجل، وجعل الرجل عفة للمرأة.

    ما يباح للمرأة عند انقطاع الدم

    قال المصنف رحمه الله: [وإذا انقطع الدم ولم تغتسل لم يبح غير الصيام والطلاق].

    المرأة إذا طهرت من الحيض، ورأت علامة الطهر، فهذه مرحلة أولى، تليها مرحلة ثانية وهي: تطهرها بنفسها، وذلك بالغسل من الحيض، فعندنا طهارتان:

    طهر للموضع بانقطاع الدم وبدوّ علامة الطهر، وطهر للمرأة، فالأول ليس بيدها، والثاني بيدها.

    فإذا طهرت المرأة وتطهّرت -اغتسلت- فتخرج بالإجماع من أحكام الحيض ولا إشكال، لكن الإشكال لو طهرت من حيضها ولم تطهّر نفسها بالغسل؛ فهل يجوز أن يأتيها الرجل، أو لا يجوز أن يأتيها؟ وهل يجوز أن تتلبس بالمحظورات من الصيام ونحوه؟

    قال رحمه الله: (لم يبح) يعني: لا يجوز له أن يجامعها إذا خرجت من حيضتها ولم تتطهّر، فلم يبح له أن يجامعها إلا بعد غسلها. وهذا مذهب جمهور العلماء.

    وخالف الإمام أبو حنيفة النعمان رحمة الله عليه وعليهم، فقال: إذا انقطع دم الحيض جاز للرجل أن يجامع امرأته ولو لم تغتسل.

    والصحيح: أنه لا يجوز أن يجامع إلا بعد اغتسالها؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ [البقرة:222] .

    فالإمام أبو حنيفة يقول: (لا تقربوهن حتى يطهرن) فإذاً الجماع مؤقت بوجود الحيض، وما شرع لعلة يبطل بزوالها كما هي القاعدة في الأصول، فلما زال دم الحيض زال المانع، فجاز له أن يجامع، هذا بالنسبة لقول الإمام أبي حنيفة .

    لكن الجمهور قالوا: إن في الآية غاية وشرطاً؛ فالغاية في قوله: (حتى يطهرن)، والشرط في قوله: (فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله).

    قال الإمام أبو حنيفة: العبرة بالغاية؛ لأن القاعـدة في الأصول: أن ما بعد الغاية يخالف ما قبلها في الحكم؛ لأنه لو كان الذي بعد الغاية كالذي قبلها فأي فائدة للغاية؟ فإذاً فائدة وجود الغاية أن تعرف أن ما بعدها يخالف ما قبلها في الحكم.

    فالإمام أبو حنيفة رحمه الله يقول: (حتى يطهرن) وقّت الله عز وجل به القربان، وهو الكناية عن الجماع، ففهمنا أنها إذا طهرت جاز أن يأتيها.

    ولكن الصحيح مذهب الجمهور: أن في الآية غاية وشرطاً، وهذا له نظائر:

    فإن الله عز وجل يقول: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ [النساء:6] فقال: (حتى إذا بلغوا النكاح) فهذه غاية؛ وقوله: فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ هذا الشرط، فلا مانع أن تثبت الغاية مع عدم ثبوت الشرط. فنقول: إن آية الحيض فيها غاية وفيها شرط، والقاعدة: أنه إذا تخلف الشرط تخلف المشروط، وإذا وجد الشرط حكم بالمشروط. فإذًا نقول: إذا وجد الاغتسال صح منه أن يجامع، وإلا فلا.

    الدليل الثاني على رجحان مذهب الجمهور: أن الله عز وجل قال: حَتَّى يَطْهُرْنَ [البقرة:222] ثم عقب بقوله: فَإِذَا تَطَهَّرْنَ [البقرة:222] فأسند الطـهر لأنفسهن بقوله: (فإذا تطهرن) أي: فعلن الطهر، وهناك قراءة: (حتى يطهرن) بالتشديد، وتصلح أن تكون دليلاً كما أشار غير واحد من أهل العلم، واختاره الإمام الماوردي في جوابه في الحاوي.

    فالمقصود أن أصح الأقوال: أنه لا بد في جماع المرأة من أن تطهر وتغتسل، فإذا طهرت ولم تغتسل فلا يجوز جماعها، وإنما يتريث حتى يتم الشرط الذي أمر الله عز وجل به.

    قال: (حل لها الصيام والطلاق) يباح لها الصيام، وأيضاً يجوز تطليقها، فالحيض يمنع الطلاق؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لـابن عمر لما أخبر عمر -والده- النبي صلى الله عليه وسلم أنه طلق امرأته وهي حائض، قال: (مره فليراجعها -ونهاه عن أن يطلقها- ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء)، إذاً: لا يجوز تطليق المرأة الحائض؛ ولذلك يأثم من يطلقها، ثم هل يقع الطلاق، أو لا يقع؟ محله -إن شاء الله- كتاب الطلاق.

    المقصود: أنه لا يجوز أن تطلق المرأة حال حيضها، فلو انقطع دمها ولم تغتسل، ووقع الطلاق بعد انقطاع الدم وقبل الغسل، فما الحكم؟ قال: وقع الطلاق؛ لأن الطلاق لا يتأقت باغتسال، أما بقية الممنوعات فلا بد فيها من الاغتسال كما قلنا: كالجماع ودخولها المسجد، كذلك أيضاً مرورها به، ولبثها فيه.. ونحو ذلك من ممنوعات الحيض.

    1.   

    الأسئلة

    الدخول على المرأة قبل سن الحيض

    السؤال: هل معنى دخول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على عائشة وهي بنت تسع أنه لا يستحب الدخول على المرأة قبل أن تحيض؟

    الجواب: باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

    أما بعد:

    لا شك أن فعل النبي والتأسي به صلى الله عليه وسلم فيه خير، ولو أن هذا من أمور النكاح لكنها من الأمور التي يشرع التأسي به فيها، ولذلك نص العلماء رحمة الله عليهم على استحباب الزواج في شهر شوال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بنا فيه بنسائه صلوات الله وسلامه عليه، فلا مانع من أن يحكم بكون المستحب والأفضل أن يدخل بها بعد التسع، أي: بعد أن تبلغ التسع، وأما إذا كانت قبل التسع ولا ضرر في دخول الزوج عليها؛ فلا حرج في دخوله عليها ولا يحكم بتحريمه. والله تعالى أعلم.

    حكم تركيب اللولب المانع للحمل والإفرازات التي تكون بسببه

    السؤال: امرأة كانت عادتها سبعة أيام حيض، ثم قامت بتركيب شيء اسمه (لولب) لمنع الحمل، فصار ينزل قبل عادتها المعتادة إفرازات لمدة أربعة أيام، ثم سبعة أيام حيض، ثم بعدها أربعة أيام إفرازات، فهل هذه المدة كلها تعتبر حيضاً، أفتونا مأجورين؟

    الجواب: هذا السؤال فيه مسألتان:

    المسألة الأولى: اللولب؛ وهو عازل يوضع في الموضع من أجل ألا تحمل المرأة، هل يجوز وضعه، أو لا يجوز؟ الحقيقة أن هذه المسألة نظرت فيها إلى أقوال المجوزين، والعلل الطبية والشرعية التي يتذرع بها لوضع هذا الشيء، فلم أجد عذراً شرعياً يبيح وضع هذا الشيء؛ ولذلك: الذي يظهر ويتبين أنه لا يجوز وضعه، وذلك لأمور:

    أولاً: لما فيه من استباحة النظر إلى الفرج دون وجود ضرورة.

    ثانياً: أن فيه لمساً للفرج دون وجود ضرورة.

    ثالثاً: أن فيه إيلاجاً في الفرج، وتكرار للإيلاج ونظر، خاصةً إذا كان من الرجل فهو أشد وأشنع وأعظم.

    فهذه الثلاثة الأمور محظورة، حتى لو كان الواضع له طبيبة، فلا يجوز لها أن يحصل منها الإيلاج، أو النظر إلى عضو المرأة أو استباحة وضع العازل فيه. هذه الثلاثة محاذير شرعية، ولم أجد مبرراً شرعياً يجيز وضع اللولب حسب علمي وحسب ما نظرت من أقوال الأطباء، وأقوال من يجيز، فلم أر وجهاً شرعياً لوضعه.

    أضف إلى هذا تكرار الكشف، والأدهى والأمر أنه يربك عادة المرأة، فلا يستقيم لها أمر، فبمجرد ما تضعه يختلط عليها حيضها، فيتقدم ويتأخر، ويختلط عليها دمها، وقد تلتبس عليها صلاتها وعبادتها بسبب وضعها لمثل هذا، مثل ما ذكرت السائلة، وهذا أهون ما يكون، وإلا فقد مرت عليَّ قضايا من أعجب القضايا في حصول الإرباك للعادة بسبب هذا الأمر، وما ينشأ منه من الأمور التي لا تحمد عقباها؛ ولذلك الذي يظهر عدم جواز وضعه.

    وأما العذر الذي يتذرع به كخوف حمل المرأة، فإما أن يكون هذا بسبب خوف الضرر مثل أن يكون عندها أمراض أو أعراض فهذه علاجها العزل، أن يعزل الرجل عنها، أو وضع الكيس الذي يمنع القذف في الموضع، وأما بالنسبة لقضية وضع اللولب فالقاعدة عند العلماء: (أنه لا يحكم بالحاجة مع وجود البديل)، وهذا أصل عند أهل العلم، فإن العازل الذي يوضع أخف محظوراً وأخف ضرراً من وضع اللولب.

    النقطة الأخيرة التي أنبه عليها في هذا الأمر، وهي: مسألة الإفرازات السابقة واللاحقة لأمد العادة، فهذه لا تعتبر من العادة؛ لما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في حديث عائشة رضي الله عنها في قصة فاطمة : (لتنظر الأيام التي كانت تحيض فيهن قبل أن يصيبها الذي أصابها)، فترجع إلى عادتها، وتحكم بكونها حائضاً على قدر تلك الأيام. والله تعالى أعلم.

    زيادة مدة الحيض على خمسة عشر يوماً

    السؤال: إذا كانت المرأة لها عادة مستمرة مستقرة وهي سبعة عشر يوماً، فهل تعتبر هذه المدة كلها حيضاً، أم ما زاد على خمسة عشر يوماً يعتبر استحاضة؟

    الجواب: ما زاد على الخمسة عشر يوماً لا يعتبر حيضاً، وإنما هو استحاضة، فلا يحكم بكونها امرأة معتادة سبعة عشر يوماً فأكثر؛ لأن أقصى الحيض خمسة عشر يوماً على ما ذكرناه، وبناءً على ذلك يحكم بكونها حائضاً، إما على أقل الحيض وهو يوم وليلة عند من يرى التأقيت باليوم والليلة، أو بالثلاث عند من يرى التأقيت بالثلاث، أو تتحيض ستاً أو سبعاً عند من يرى عموم دلالة الحديث، أو يحكم بكونها حائضاً أكثر الحيض وهو أحد الوجهين عند الشافعية والحنابلة. والله تعالى أعلم.

    علامات دم الحيض

    السؤال: هل لدم الحيض علامة؟ وإذا كان كذلك فلماذا لا يُحدَّد أكثره وأقله بهذه العلامة، وكذلك الطهر ودم الاستحاضة؟

    الجواب: أما بالنسبة للحيض فله علامة، من جهة لون الدم: حيث تختلف ألوانه، فهناك لون السواد، والحمرة، والصفرة، والكدرة، والتُربية، أو الخضرة، هذه ستة ألوان سنتكلم عليها -إن شاء الله- في مبحث المرأة المميزة.

    وهذه إحدى الضوابط التي يتميز بها دم الحيض -اللون- وفيها الستة الألوان التي ذكرناها، وسنبين أيها أقوى وأيها أضعف، وما الذي يعتد به وما الذي لا يعتد به، وخلاف العلماء فيه -إن شاء الله-، والصحيح من تلك الأقوال التي اختلفوا فيها.

    وأما بالنسبة للنوع الثاني من التمييز: التمييز بالرائحة -رائحة دم الحيض- فإن المرأة قد تستطيع تمييز حيضها برائحته، وقد يميز بغلظه ورقته، وقد يميز بتجلط الدم، فإن دم الحيض لا يتجلط؛ لأنه يتجلط في الرحم ثم تسلط عليه مادة مثل الخميرة تمنع تجلطه ولو بقي سنوات، وهذا من عجائب ما يكون، ولذلك قالوا: إنه يتميز بالغلظ والرقة والتجلط، وقد جمع بعض العلماء هذه العلامات بقوله:

    باللّون والرّيح وبالتألمّ وكثرة وقلّة ميزُ الدم

    وقال بعضهم:

    باللون والريح وبالتألمّ وغلظ ورقّة ميزُ الدم

    وهذه الأمور التي يميز بها دم الحيض، سنتكلم عليها -إن شاء الله- بالتفصيل.

    لكن اعلم رحمك الله أن هذه الأمور ليست في كل حال يمكن أن تميز بها، فقد تأتيك المرأة مبتدأة لأول مرة، لا تعرف دم الحيض، ولا قد رأت دم الحيض، ولا تستطيع أن تميز، فتميز بأي شيء؟ هذا بالنسبة للمبتدأة، وقد تأتيك وتقول لك: نعم، أنا عندي دم يأتيني اليوم الأول أحمر، وفي اليوم الثاني ينقلب لونه إلى أحمر باهت، وفي اليوم الثالث أصفر، وفي اليوم الرابع أكدر، وفي اليوم الخامس أحمر، وفي اليوم السادس أحمر، وهكذا.. ، فتحتاج إلى ضوابط معينة لا بد من دراستها، ولا بد من معرفة متى يحكم بكونها حائضاً، ومتى يحكم بكونها طاهراً، هذا بالنسبة لقضية الحيض، فلم يختلف العلماء، ولم يضعوا هذه الضوابط عبثاً، والسبب في هذا: اختلاف بيئات النساء وأحوالهن وأوضاعهن، واختلاف البلدان التي تعيش فيها النساء، فالبلاد الحارة ليست كالبلاد الباردة، فهذا أمر دعا العلماء رحمة الله عليهم أن يفصّلوا في مسائل الحيض، وأن يبينوها وأن يتكلموا عليها.

    تحول دم الحيض إلى غذاء للجنين عند الحمل

    السؤال: أين يذهب الدم وقت الحمل؟ وهل صحيح أن هذا الدم وقت الحمل يتحول إلى غذاء للجنين عن طريق حبل السر؟

    الجواب: نعم ذكروا هذا، وأشار إلى ذلك الإمام القرافي رحمه الله في (الذخيرة)، وأشار إليه الإمام ابن قدامة كذلك في (المغني)، وغير واحد من أهل العلم ذكروا هذا، وذكروه عن الأطباء القدماء، وأنه يتحول إلى غذاء للطفل، ثم أصفاه وأطيبه يتحول إلى لبن بعد الولادة، ويكون غذاء للطفل، وأخبثه وأردأه يخرج في النفاس مع الطفل.

    هذا بالنسبة لما ذكروه من أحوال دم الحيض، وما يكون له أثناء حملها وأثناء وضع جنينها، إذ ينقلب بإذن الله عز وجل إلى كونه لبناً وغذاءً للطفل بإذن الله عز وجل وقدرته. والله تعالى أعلم.

    حكم تكفير المرأة إذا جامعها زوجها وهي حائض

    السؤال: إذا جامع الرجل زوجته وهي حائض، فهل الكفارة على الرجل فقط، أم على الرجل والمرأة معاً؟

    الجواب: هذا فيه تفصيل: إن كانت المرأة طاوعت ورضيت بالجماع، ومكنته من جماعها فالكفارة عليهما، وهكذا إذا أغرته أو رضيت بذلك، فهي في حكم الفاعل، وأما إذا مانعت وغلبت أو أكرهت على الجماع فلا شيء عليها، والكفارة على الزوج وحده، كالحال في كفارة المجامع في نهار رمضان. والله تعالى أعلم.

    حكم الإفرازات أثناء الحمل

    السؤال: ما حكم الإفرازات التي تخرج من الحامل؟

    الجواب: الإفرازات التي تخرج من الحامل استحاضة على الصحيح من أقوال العلماء رحمة الله عليهم، لكن إن أفرزت دماً قبل الولادة بيوم أو يومين أو ثلاثة فإنها تعطى حكم دم النفاس، كما اختاره غير واحد من المحققين، ونص عليه الإمام ابن قدامة وغيره، وهذا مبني على القاعدة: (أن ما قارب الشيء أخذ حكمه). يقولون: ابتدرها دم النفاس، فإن عاجلها قبل الولادة بيوم أو يومين أو ثلاثة فيعتبر داخلاً في حكم دم النفاس، من كونه يمنع الصوم ويمنع الصلاة، وحكمه حكم دم الحيض. هذا بالنسبة لها إذا كانت حاملاً. والله تعالى أعلم.

    حكم دخول الحائض المسجد

    السؤال: هل يجوز دخول الحائض المسجد؟ وهل يجوز أن تجلس في الصفا والمروة من الحرم؟

    الجواب: أما بالنسبة لدخولها المسجد، فأصح أقوال العلماء أنها لا تدخل؛ لما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأم المؤمنين عائشة : (ناوليني الخمرة. قالت: إني حائض، قال: إن حيضتك ليست في يدك) (ناوليني) أي: مُدي يدك إليَّ في المسجد بالخمرة. (قالت: إني حائض) فدل على أنه كان معروفاً ومعهوداً أن الحائض لا تدخل المسجد؛ إذ لو كانت تدخل المسجد لأنكر عليها النبي صلى الله عليه وسلم كونها تقول: (إني حائض)، فكونها رضي الله عنها تقول: (إني حائض) يدل على أن الحائض ليس مما كان يعرف أنها تدخل المسجد.

    وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم على امتناعها دال على أنها لا تدخل المسجد، وإلا كان قال: ادخلي المسجد.كما قال لـأبي هريرة : (إن المؤمن لا ينجس) لكنه لم ينكر على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.

    وقد تكلف بعض العلماء في الجواب على هذا الحديث، فقال: إن قوله: (إن حيضتك ليست في يدك) المراد به: أنك لا تملكين رفعها، فهو عذر ليس بيدك، وهذا مجاز، والحقيقة أن تقول: (ليست في يدك) أي: على الحقيقة، أي: ليست في يدك التي تناوليني بها الخمرة، فظنت عائشة أنها لما منعت من المسجد أن الجزء يأخذ حكم الكل، وهذا من فقهها رضي الله عنها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن حيضتك ليست في يدك) أي: إنما منعت من دخول المسجد لما يتعلق بالموضع، والكل له حكم والجزء له حكم، ولذلك ليس اعتراض الجزء كاعتراض الكل، فقد كانت تنام بين يديه معترضة، وتقبض رجلها، وقد نهى عن مرور المرأة بين يدي المصلي، فدلّ على أن الجزء لا يأخذ حكم الكل، فدل هذا على أن الحائض لا تدخل المسجد، ويقوى هذا بما ثبت في الصحيحين من حـديث أم المؤمنين عائشة : (أنها لما خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وأصابها الحيض قالت: فانسللت -كما في صحيح مسلم، أي: خرجت من الفراش- فقال صلى الله عليه وسلم: مالكِ؟ -أي ما شأنك وما حالك؟- أنفست؟ -أي: هل أصابك الحيض؟- قالت: نعم. قال: ذاك شيء كتبه الله على بنات آدم، اصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت) فمنعها من الطواف ولم يمنعها من السعي، والسعي كان خارج المسجد، فدل على أن امتناعها من دخول المسجد أصل مقرر شرعاً، ولذلك لا تدخل المرأة الحائض المسجد، وهو قول جماهير أهل العلم رحمة الله عليهم.

    وأما بالنسبة للصفا فالصحيح أنها ليست من المسجد، ولا حرج عليها في جلوسها فيه.

    وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

    مواد ذات صلة

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755981725