إسلام ويب

تفسير سورة الفتح (1)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • خرج النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه يريدون العمرة، لكن أهل مكة منعوهم من ذلك، وبدلاً منه عقدوا معهم صلح الحديبية على أن يعتمروا من عام قادم، فساء ذلك الأمر عدداً من المؤمنين، فأنزل الله عز وجل آيات هذه السورة مبشراً رسوله والمؤمنين بالفتح العظيم، وأنزل سبحانه وتعالى سكينته في قلوبهم ووعدهم جنته ورضوانه، وتوعد أعداءهم غضبه وخذلانه.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً)

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    وها نحن الليلة مع سورة الفتح المدنية، هذه السورة المباركة التي قال فيها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ( لقد أنزلت علي سورة هي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس. ثم قرأ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا [الفتح:1] ).

    فهيا بنا لنصغي مستمعين تلاوة هذه الآيات منها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم. إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا * هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا * وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [الفتح:1-7].

    سبب نزول الآيات الكريمات

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! خرج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة ومعه ألف وأربعمائة رجل، خرجوا بنية العمرة، وأحرموا من الميقات، وذلك في السنة السادسة من الهجرة النبوية، ولما وصلوا إلى الحديبية وعسكروا فيها وراسلوا المشركين منعهم المشركون من دخول مكة، وكانت ساعات شديدة قاسية ما أطاقها عمر ولا غيره، وانتهت بعقد مصالحة سلمية مدتها عشر سنوات، فتألم أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وخاصة عمر ، ولكن الله عز وجل أنجز حكمه، فلما تمت المصالحة وعادوا أنزل الله تعالى في طريقهم سورة الفتح على رسوله صلى الله عليه وسلم، فأعلمه فيها أنه سيفتح عليه مكة وخيبر وغيرهما، فقال له وهو يعاني من الآلام والأتعاب والهموم والغموم، وقد صبر صبر أولي العزم وما صبروا صبره، فبشره الله تعالى بقوله: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا [الفتح:1].

    أخبره بأن فتح الله عز وجل آت لا محالة، قال بعض الصحابة: كيف هذا الفتح؟ فأخبرهم الرسول صلى الله عليه وسلم أنه إذا ما فتح اليوم فسيفتح غداً، والفتح حاصل، وما هي إلا السنة السابعة والسنة الثامنة وفتح الله عليهم مكة ودخولها، وقبلها دخلوا خيبر، والحمد لله.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ...)

    إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ [الفتح:1-2] عانى تلك المعاناة النفسية وبشره الله بالفتح في المستقبل، وعلل لذلك بقوله: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ [الفتح:2].

    عصمة الأنبياء من الكبائر

    هنا معاشر المستمعين والمستمعات: من المعلوم بالضروري أن الأنبياء والرسل معصومون، لا يرتكبون كبيرة قط، واحلف بالله ولا تتردد، والرسول الكريم سيد الرسل معصوم لا يقع أبداً في كبيرة من كبائر الذنوب، لماذا؟ لأن قلوبهم وأرواحهم متصلة بالله عز وجل، فإذا اسودت أو أنتنت فكيف يتصلون بالله؟ فلا بد من حفظ تلك الأرواح والنفوس الطاهرة لتتلقى العلوم والمعارف من الله عز وجل، فلهذا ما يغشون إثماً أبداً، لا يرتكبون كبيرة من كبائر الذنوب، والرسول الكريم ما فعلها قبل النبوة، معصوم من يوم ولادته، قبل نبوته بأربعين سنة ما فعل.

    المراد بالذنب المغفور لرسول الله صلى الله عليه وسلم

    إذاً: فما هو الذنب الذي قال تعالى فيه: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ [الفتح:2]؟

    هناك لطيفة علمية مقبولة ومعقولة: وهي أنه أيام كان في بدر قال: يا رب! إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد بعد، وعاتبه الله، فمن شدة ألمه وخوفه من مهاجمة المشركين خاف أن يفتن المؤمنون ويهلكوا، ومن سيعبد الله بعد ذلك؟ فهذا اعتبر ذنباً، وهو قوله: رب إن تهلك هذه العصابة فلن تُعبد؛ لأنه في بدر في السنة الثانية، ونحن الآن في السنة السادسة. والذنب الذي تأخر ورد أنه في غزوة حنين لما تجمع المشركون وكادوا يهزمون المسلمين وفر من فر وانهزم من انهزم أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم حفنة من تراب وقال: باسم الله، ورماها في وجوههم فعموا وتشتتوا، هنا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: لولا أني رميتهم ما فروا، فهذه اعتبرت أيضاً ذنباً، فالله هو الفاعل.

    فهذان الذنبان: الأول في بدر والثاني في حنين، فقال تعالى: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ [الفتح:2].

    سر إكثار النبي صلى الله عليه وسلم من الاستغفار

    وماذا تصنعون بقوله صلى الله عليه وسلم: ( إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة )، وكان يجلس الجلسة الواحدة فيقول: رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم مائة مرة، يعدونها عداً، فما هو الجواب؟

    الجواب: لو عرفنا عظمة الله وجلال الله وكمال الله ذاك الذي خلق كل شيء وبيده كل شيء، ذاك الذي يقول للشيء: كن فيكون، لو امتلأت القلوب بهذا فلن نستطيع أبداً أن نذكره إلا وترتعد فرائصنا أو نخر ساجدين، وها نحن ندخل في الصلاة ورغبتنا أن تنتهي، هذه وحدها كافية، كيف تتكلم مع الله والله معك وتود أن تخرج من المكالمة؟ هذه وحدها تعتبر مما لا يطاق، لو نؤاخذ بها فلن نسعد، كيف دخلت في الصلاة تتكلم مع الله وترغب أن تنتهي؟! هذه رغبتنا، إذا أطال الإمام غضبنا، نود أن نخرج، فكيف تود أن تخرج من الكلام مع ربك؟

    فعظمة الله عز وجل من يقوى على تقديرها؟ فكان الحبيب صلى الله عليه وسلم يشعر بهذا، ويحس به، فمن ثم يتوب إليه ويستغفره، ليس معناه أنه أذنب ذنباً أو ارتكب جريمة أو فعل معصية، إنما تقصيرنا في تقدير عظمة الله وجلاله وكماله، وحبه وطاعته، فيكفي هذا لأن نتوب إلى الله كل يوم مئات المرات ونستغفر الله، هذا الذي سمعتم هو الحق.

    معنى قوله تعالى: (ويتم نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيماً)

    يقول تعالى: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ [الفتح:1-2] أولاً، وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا [الفتح:2]، بشريات زفها إليه فخفف آلامه وما أصابه من الغم والكرب في الحديبية، وهو يقاوم المشركين.

    أولاً: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا [الفتح:1]، ثانياً: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ [الفتح:2]، ثالثاً: وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا [الفتح:2-3] أعطاه هذه العطايا مقابل ما عانى وقاسى من الأتعاب، وفضل الله عليه عظيم.

    وقوله تعالى: وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا [الفتح:3] بشرى، والله! ما توفي الرسول صلى الله عليه وسلم حتى نصره الله على كل أعدائه في هذه الديار، على المنافقين والمشركين، وارتفعت راية لا إله إلا الله في هذه الديار كلها.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم ...)

    ثم قال له: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ [الفتح:4] هنا ورد أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما نزلت عليه تلك الآيات قالوا: وما لنا نحن يا رسول الله؟ أنت أعطاك الله، ونحن ماذا أعطانا؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ [الفتح:4] فاستبشروا بذلك وفرحوا، وحمدوا الله عز وجل.

    وزيادة الإيمان تحصل بكل عمل صالح تعمله، يزداد إيمانك إلى أن تموت، ما من عمل صالح من صلاة أو زكاة أو صيام تعمله في صدق إلا ويزداد إيمانك، وأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا في كل فترة ينزل عليهم فرض من الفروض، فرضت الصلاة، فرض الصيام، الزكاة، الحج، الجهاد، ويزداد بذلك إيمانهم، وحين دخلوا الإسلام دخلوه بلا إله إلا الله محمد رسول الله، ثم أخذ تعالى ينزل قرآنه ويبين لهم العبادات وهم يعبدون الله وإيمانهم ينمو ويزيد.

    معنى قوله تعالى: (ولله جنود السموات والأرض وكان الله عليماً حكيماً)

    ثم قال تعالى: وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [الفتح:4] ولله تعالى وحده جنود السماوات من الملائكة والأرض من الجن والمسلمين والكفار وكل الموجودات هي جند الله عز وجل، فقد يسلط الكافرين على الكافرين لينتفع المؤمنون.

    وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا [الفتح:4] بخلقه حَكِيمًا [الفتح:4] في تدبيره وتصرفه، فخففوا عن أنفسكم أيها المؤمنون، واحمدوا الله عز وجل واشكروه؛ لأنهم كانوا في كرب عظيم وهم راجعون من الحديبية إلى المدينة.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ...)

    ثم قال: لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا [الفتح:5] فازدادت أرواح المؤمنين من الصفاء والطهر والكمال، وحمدوا الله وشكروه، فهذه الآية خففت آلام الصحابة التي عاينوها وعاشوها كذا يوماً وهم في الحديبية، وهم عائدون أيضاً، عادوا مكروبين حزينين، يقولون: كيف نخرج إلى العمرة وما نستطيع أن نعتمر؟ كيف يصدنا المشركون؟ كلها هموم في أنفسهم، فمسحها الله مسحاً بهذه الآيات الكريمة.

    فقال تعالى: لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا [الفتح:5] هذا أولاً، وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ [الفتح:5] قبل ذلك، وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا [الفتح:5] وهو النجاة من النار ودخول الجنة، أي فوز أعظم من هذا الفوز: تكفير السيئات ومحو الذنوب لتزكو النفس وتطيب ويقبلها تعالى في جواره في الجنة؟ أي نعيم أعظم من هذا النعيم وفوز أكبر من هذا الفوز؟

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء ...)

    ثم قال تعالى: وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [الفتح:6] هنا ما إن خرج الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون حتى فرح المشركون والمشركات والمنافقون والمنافقات، قالوا: لن يعود محمد وأصحابه، ظنوا ظن السوء أنه لن يعود الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبداً، فأغمهم الله وأكربهم وأحزنهم بهذا الوعيد الشديد: وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ [الفتح:6] أن الله لا ينصر رسوله ولا دينه ولا نبيه، عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ [الفتح:6] عادت عليهم، وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [الفتح:6] والحمد لله، فهذه السورة بشرى عظيمة طهرت قلوب المؤمنين.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ولله جنود السموات والأرض وكان الله عزيزاً حكيماً)

    ثم قال تعالى وقوله الحق: وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الفتح:7] الجنود في السماء والأرض من ملائكة وجن وإنس، والكل لله، يدبر أمرهم ويصرفهم كيفما شاء، فينصر أولياءه ويهزم أعداءه، ما دام أن له جنوداً في السماوات والأرض فهل سينهزم الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون؟ لن ينهزموا، ما هي إلا عهدة اتفقوا فيها مع المشركين، وبعد سنتين فقط فتح الله على رسوله مكة وفتح قبلها خيبر والبلاد، وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ [الفتح:7] وما زال عَزِيزًا [الفتح:7] غالباً لا يغالب، حَكِيمًا [الفتح:7] في عطائه ومنعه ونصرته وخذلانه، كل ذلك بحكمة، هذا هو الله جل جلاله، هذا هو محمد رسول الله، هؤلاء هم المؤمنون أولياء الله، فاللهم اجعلنا منهم واحشرنا في زمرتهم يا رب العالمين.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    هداية الآيات

    قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:

    [ هداية الآيات:

    من هداية الآيات:

    أولاً: الذنب الذي غفر لرسول الله صلى الله عليه وسلم من المعلوم بالضرورة أنه ليس من الكبائر في شيء، وهو من باب: حسنات الأبرار سيئات المقربين ].

    من هداية هذه الآيات التي تدارسناها الآن والفضل لله والحمد لله: أن الكبائر لم يرتكبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله! ما فعل كبيرة أبداً، معصوم محفوظ بحفظ الله، وإنما من باب: حسنات الأبرار سيئات المقربين، فصلاتنا هذه التي نصليها هي عند المقربين سيئة ما هي بصلاة، صلاتنا التي نصليها كما تشاهدون حيث ندخل مع الله ونخرج عنه ونتركه ونذهب هنا وهناك بقلوبنا والعياذ بالله، وما نشعر أننا نتكلم مع الله وأننا مع الله، وهكذا كل العبادات يجب أن نكون فيها مع الله، فلهذا حسنات الأبرار سيئات المقربين، وقد بينت لكم أنه كان صلى الله عليه وسلم يستغفر في اليوم مائة مرة، ليس معنى هذا أنه يذنب أبداً، وإنما يشعر بأنه ما وفًّى ما يجب عليه لله.

    وقد قلت: انظر إلى الرب العظيم الذي خلقك وصورك، وبيده ملكوت كل شيء يحيي ويميت وهو رب العالمين، فكيف لا ترتعد فرائصك إذا ذكرته أو وقعت ساجداً؟

    فمن هنا يجب أن نستغفر الله ونتوب إليه لا مائة مرة، بل مئات المرات، اقتداء برسولنا صلى الله عليه وسلم.

    [ ثانياً: إنعام الله على العبد يوجب الشكر، والشكر يوجب المغفرة وزيادة الإنعام ].

    أنعم الله علينا بنعمة الإسلام فيجب أن نشكر الله عز وجل، والشكر يحقق لنا المزيد من النعمة ومغفرة الذنب.

    [ ثالثاً: بيان مكافأة الله لرسوله والمؤمنين على صبرهم وجهادهم ].

    من هداية هذه الآيات: بيان مكافأة الرب تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم والمؤمنين من أصحابه على ما عانوه وقاسوه وعاشوه تلك الأيام الصعبة في الحديبية، فالله كافأ رسوله وكافأ أصحابه عما كانوا يعانونه في ذاك الصراع بينهم وبين المشركين، والمنافقون في المدينة يضحكون ويفرحون، فعوضهم الله بما سمعتم، فالرسول صلى الله عليه وسلم آتاه الفتح، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأعطاه النصر، والمؤمنون غفر ذنوبهم، وهكذا مكافأة الله لعباده المؤمنين.

    [ رابعاً: بيان أن الكافرين يحزنون ويغمون لنصر المؤمنين وعزهم، فيكون ذلك عذاباً لهم في الدنيا ].

    في الآيات بيان أن الكافرين والمنافقين يكربون ويحزنون إذا انتصر المؤمنون وأيدهم الله، وذلك هو العذاب لهم في الدنيا قبل الآخرة، وهذا دلت عليه الآية الأخيرة: وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ [الفتح:6]، فلما نصر الله الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أصاب المنافقين والمنافقات والمشركين كلهم كرب وهم وحزن والعياذ بالله تعالى حتى هلكوا.

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756201598