إسلام ويب

تفسير سورة فاطر (10)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • كان العرب في الجاهلية ينظرون إلى حال اليهود والنصارى ويعجبون من أمرهم، ثم كانوا من قبل يقسمون الأيمان المغلظة أن يكونوا أهدى من هؤلاء وهؤلاء إن جاءهم رسول ونذير كما جاء اليهود والنصارى، فلما بعث الله فيهم رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم، وهو فيهم من هو صدقاً وصلاحاً وحسباً ونسباً، لكنهم استكبروا، ولدعوته أنكروا، بل وزادوا عتواً وظلماً فآذوا النبي ومن معه وبهم مكروا، ولكن لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض ...)

    الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    وها نحن الليلة مع سورة فاطر المكية، فهيا بنا نصغي مستمعين تلاوة هذه الآيات مجودة مرتلة، ثم نتدارسها إن شاء الله، والله نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

    بسم الله الرحمن الرحيم: قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا * إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا * وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا * اسْتِكْبَارًا فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا [فاطر:40-43].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! لنستمع إلى قول ربنا عز وجل وهو يخاطب مصطفاه ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلم، فيقرر بذلك نبوته ورسالته، وأنه والله! لرسول الله، يقول له: قُلْ [فاطر:40] لهؤلاء المشركين الذين يعبدون غير الله، من الأصنام والأحجار والتماثيل، قل لهم: أَرَأَيْتُمْ [فاطر:40] أي: أخبروني شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ [فاطر:40] اللات والعزى ومناة وما إلى ذلك، أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ [فاطر:40]؟ فلم يخلقوا لا شجرة ولا جبلاً، ولا إنساناً، ولا دجاجة، أي: أروني ماذا خلقوا من الأرض، فكيف بأصنام وأحجار تعبد من دون الله؟ ولم تُعبد؟ وماذا خلقت، وماذا أوجدت؟ وماذا تعطي؟ وماذا تدفع؟ ولكن لا شيء. فأين يذهب بعقولكم؟

    أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ [فاطر:40] أولاً.

    معنى قوله تعالى: (أم لهم شرك في السموات ...)

    ثم قال تعالى: أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ [فاطر:40] خلقوا السماوات مع الله؟ وخلقوا سماء من السماوات السبع، وأوجدوا الشمس والقمر؟ وما هي الشرك التي فعلوها في السماء؟!

    والله! لا شرك لهم لا في الأرض ولا في السماء، فلا خالق إلا الله، فكيف يُعبد غيره؟! فالعجب العجاب.

    ولكنها دعوة إبليس لإضلال البشرية، والرمي بها في متاهات الضلال؛ حتى تشاركه العذاب في جهنم.

    قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ [فاطر:40] ومعنى تدعون: تعبدون؛ إذ الدعاء هو العبادة، فمن دعا غير الله عبده، وذل له وانكسر أمامه، وناداه ورفع كفيه وهذه هي العبادة، ولهذا قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ( الدعاء مخ العبادة )، وقال: ( الدعاء هو العبادة ).

    قال تعالى: أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا [فاطر:40]، أي: هؤلاء المشركون هل أعطيناهم كتاباً أنزلناه على نبي من أنبيائنا؟

    فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ [فاطر:40] أي: على بينة من هذا الكتاب، وإنه أذن الله لهم بالشرك، وأباحه لهم ودعاهم إليه وأمرهم به؟!

    فحاشى لله، فوالله! ما آتاهم كتاباً وما أنزل عليهم كتاباً ولو أنزل كتاباً، ما يأمر في الكتاب أن يُعبد غيره، بل يُعبد الله عز وجل وحده.

    أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ [فاطر:40]، أي: وحجة يحتجون به على رسولنا، ويقولون: كان لنا كتاب وفيه الأمر بعبادة فلان وفلان وفلان؟ والله! ما كان أبداً.

    معنى قوله تعالى: (بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضها إلا غروراً)

    بل نرجع إلى الواقع ونبتعد عن الماضي، قال تعالى: بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا [فاطر:40] الرؤساء يأمرون وينهون، والمرءوسون يستجيبون، وهذا هو الواقع، فطغاة الشرك وكبرائه يستغلون الجهل، فيقودون الناس إلى الباطل، والمرءوسون الجهال يتبعونهم، وما هو إلا هذا.

    بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا [فاطر:40] يقولون لهم: نعم هذه الآلهة ما خلقت ولا رزقت، ولكنا نستشفع ونتوسل بها إلى الله، ونستغيث بها؛ ليستجيب الله.. وهكذا.

    وانتهت الجاهلية الأولى وما بقي في الجزيرة من يقول غير الله، وجاء الظلام من جديد وعُبد الأولياء بين المسلمين، وضربت القباب على قبورهم، ووضعت الأزر واستنيرت المنارات و.. و..، تحت شعار: نستغيث بهم، نستعيذ بهم، نتوسل بهم، نستشفع بهم، كما كان المشركون يقولون.

    بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا [فاطر:40] أي: التضليل والتغيير من الرؤساء هو الذي يحمل العوام المساكين على أن يعبدوا غير الله، فالذين عبدوا الأولياء من إندونيسيا إلى موريتانيا تحت شعار: نستشفع بهم، ونستغيث بهم، ونستعين بهم، ونسأل الله بهم، كما كان رؤساء مكة يقولون للمشركين: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3] أي: نتقرب بعبادتهم إلى الله.

    سمعتم هذا معشر المستمعين والمستمعات! وإن شئت أقسمت لكم بالله! لقد عُبد عبد القادر الجيلاني والبدوي وفلان وفلان وفلان.. مئات الأولياء، وعُبدوا بالاستغاثة بهم، والاستعاذة بهم، وبندائهم: يا عبد القادر يا سيدي فلان! وهذه هي العبادة، فالدعاء هو العبادة؛ لا لأنهم آلهة مع الله، ولا لأنهم يخلقون ويرزقون، وإنما نتوسل بهم إلى الله عز وجل؛ ليستجيب لنا، أي: نعبد غيره ليستجيب لنا، وهذا والله! من وحي الشيطان، فالعاقل لا يقبل هذا، فاحمدوا الله عز وجل أن خف هذا الشرك وضعف، وظهرت كلمة التوحيد في العالم الإسلامي.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا...)

    ثم قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا [فاطر:41]، فلولا أن الله أمسكهما والله! لزالت السماء، وزالت الأرض، ولن تبقيا يوماً واحداً، ولا نقول: كيف أمسكها، فهي ممسوكة لا تزول ولا تبيد ولا تتغير، أمسك الأرض فهي كذلك، فأين الآلهة التي تعبد معه؟ وهل تمسك معه السماء والأرض؟ وهل خلقت معه بعوضة؟ وخلقت كوكب في السماء؟! فأين يُذهب بعقول الجاهلية والمشركين؟!

    فالذي يستحق العبادة هو الله الذي يُمسك السماوات والأرض أن تزولا من مكانهما.

    وَلَئِنْ زَالَتَا [فاطر:41] ولو فرضنا أن السماء زالت من يمسكها؟ هل هناك من أحد من عباده يقدر على ذلك؟

    فهكذا يقرر الله سبحانه وتعالى التوحيد فيقول: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا [فاطر:41] أي: حتى لا تزولا، وَلَئِنْ زَالَتَا [فاطر:41] أي: لو فرضنا زالتا.

    إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ [فاطر:41] والله! ما يمسكهما أحد بعد الله، ولا يقوى على هذا أحد.

    وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا [فاطر:41]، ولولا حلمه لأباد البشرية حينما أعرضت عنه وعبدت غيره، ولولا حلمه لأباد الأمة أو الشعب أو الأفراد، ولكنه الحليم على عباده، الرءوف الرحيم، سبحانه لا إله إلا هو الغفور.

    فباب المغفرة مفتوح، ويا من عبدوا غير الله! توبوا إلى الله، فالله يقبل توبتكم ويغفر ذنوبكم، ويا من قال: أنا عبدت غير الله خمسين سنة ماذا نصنع؟! قل له: قل: لا إله إلا الله، واعبد الله يغفر الله لك، فإنه حليم وغفور، حليم لا يؤاخذ بالذنب على الفور، بل يؤجل ويمهل، وغفور يقبل توبة كل من تاب، فلو قتل مائة شخص وتاب تاب الله عليه.

    وهكذا يقول تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا [فاطر:41] عن مكانهما وَلَئِنْ زَالَتَا [فاطر:41] فرضنا ما أمسكهما أحد من بعده، والله! لا يقدر أحد على إمساك السماء والأرض.

    إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا [فاطر:41]، ومظاهر حلمه تتجلى في أنهم يعبدون الشيطان، ويعبدون الهوى، ويعبدون الأحجار، ويعبدون الخلق، والله عز وجل لا يعجل لهم العقوبة، ولو شاء كل من لفت نظره عن غير الله أهلكه الله، ولكنه الحليم.

    الغفور: الذي يقبل التوبة من أي كافر ومن أي مشرك.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم...)

    ثم قال تعالى: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ [فاطر:42] أي: بالغوا في القسم، فيحلفون بالله: والله.. والله، لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الأُمَمِ [فاطر:42] أي: اليهود والنصارى، وهكذا كان المشركون في مكة وفي الجزيرة، يحلفون بالله ويقسمون بالله على أنه لو جاءهم نذير، أي: رسول لكانوا أهدى من اليهود والنصارى، وهذه شاعت قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، ولما بعث فيهم النذير أعرضوا.

    وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ [فاطر:42] أي: بالغوا في القسم جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ [فاطر:42] أي: رسول ينذرهم عواقب الكفر والشرك والظلم والشر والفساد لَيَكُونُنَّ أَهْدَى [فاطر:42] أي: أكثر هداية وأعظم هداية مِنْ إِحْدَى الأُمَمِ [فاطر:42] وهم اليهود والنصارى.

    قال تعالى: فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ [فاطر:42] أي: جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم، مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا [فاطر:42] وبعداً وهروباً من توحيد الله وعبادته؛ ليستمروا على الباطل الذي عاشوا عليه قروناً، ألا وهو عبادة غير الله، والاعتزاز بها والتوسل بها إلى الله.

    قال تعالى: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ [فاطر:42]، فليست والله! فقط مرة واحدة، بل بلغوا جهدهم في الأيمان لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ [فاطر:42] كما جاء لليهود والنصارى لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الأُمَمِ [فاطر:42]، أي: الأمم التي سبقتهم.

    فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ [فاطر:42]، أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم ونِعم النذير هو، آداب وأخلاق وكمال وعلم ونبوة.

    مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا [فاطر:42] عن عبادة الله وطاعته وتوحيده.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (استكباراً في الأرض ومكر السيئ ...)

    ثم قال تعالى: اسْتِكْبَارًا فِي الأَرْضِ [فاطر:43] وهذا بيان للعلة التي من أجلها ما آمنوا بالنذير لما جاءهم؛ لأنهم يريدون أن يبقوا سلاطين وحكاماً وقادة والأمة تحتهم، ولا يريد أن تنزع منهم القيادة ويأخذها محمد صلى الله عليه وسلم.

    اسْتِكْبَارًا فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ [فاطر:43] المكر السيئ: الخبث المنتن.

    وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ [فاطر:43]، قالت العلماء: ثلاث على أصحابها رواجع: البغي، والمكر، والنكث. والظلم هو البغي، والمكر هو الخداع، والنكث هو نقض العهد. وهذه تعود عواقبها على أصحابها، قال تعالى: فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ [الفتح:10].

    اسْتِكْبَارًا فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ [فاطر:43] والمكر: هو الخداع، والخداع هو أشر ما كان.

    وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ [فاطر:43] أي: لا يحيط المكر السيئ إلا بأهله فقط، الماكرون مكر السوء هم الذين ينزل بهم البلاء والنقمة.

    ثم قال تعالى: فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الأَوَّلِينَ [فاطر:43]، أي: ما لهم رفضوا الإسلام وحاربوا رسولنا، وأبوا أن يدخلوا في الإسلام؟ يعني: ماذا ينتظرون إلا سنة الأولين؟ أي: ننزل بهم العذاب كما أنزلنا على عاد وثمود، وغيرهم من الأمم.

    والحمد لله استجابوا ودخلوا في الإسلام، قال تعالى: فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا [فاطر:43]، سنة الله أن الأمة إذا كابرت وعاندت واستمرت على ذلك ينزل بها عذابه ونقمته، ولا يتحول العذاب إلى أمة أخرى، بل إلى الأمة التي كفرت ولم تشكر، والعياذ بالله تعالى.

    1.   

    ملخص لما جاء في تفسير الآيات

    قال الله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ [فاطر:40] لا واللهّ! بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا [فاطر:40].

    وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ [فاطر:41]، والله ما كان، ما يمسكهما أحد من بعده سبحانه، فلم يؤاخذهم وينزل العذاب بهم؛ لأنه حليم غفور يقبل توبتهم ويتوب عليهم.

    وقال تعالى: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ [فاطر:42] أي: مشركوا العرب.

    وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الأُمَمِ [فاطر:42]، ولما جاءهم نذير كفروا ورفضوا في أول أمرهم.

    فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا [فاطر:42] وبعداً عن الحق اسْتِكْبَارًا فِي الأَرْضِ [فاطر:43] وهذه هي العلة. وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ [فاطر:43].

    ثم قال تعالى: فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الأَوَّلِينَ [فاطر:43] وسنة الله في الأولين هي إبادتهم نهائياً كما أباد عاد وثمود، فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا [فاطر:43] لأنه قوي قادر ينفذ ما أراد وينجزه. وصلى الله على نبينا محمد.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    هداية الآيات

    من هداية هذه الآيات: [أولاً: تقرير التوحيد وإبطال الشرك والتنديد به].

    هذه الآيات هدايتها: تقرير التوحيد وإبطال الشرك، وهي أربع آيات وكلها تقرر التوحيد وتبطل الشرك؛ ليبقى معنى لا إله إلا الله على ما هو عليه، فلا يُعبد إلا الله، ولا يستغاث إلا بالله، ولا يستعاذ إلا بالله، ولا ترفع الأكف إلا لله.. وهكذا؛ إذ ليس لنا إلا الله الذي أحيانا وأماتنا ويحيينا ويميتنا ويعطينا ويمنعنا، واحد لا ثاني له، ونحن نعلن عن ذلك بقولنا: لا إله إلا الله، فكيف نستغيث بالولي أو ندعو ميتاً: يا سيدي فلان يا فلان؟!

    [ ثانياً: بيان أن المشركين لا دليل لهم على صحة الشرك لا من عقل ولا من كتاب].

    ثانياً: بيان أن المشركين لا دليل لهم على الشرك، لا من العقل ولا من الكتاب، فلم يأتهم كتاب يأمرهم بالشرك ولا عقول تأذن بالشرك، فالعاقل لا يعبد غير خالقه، فلا يدعو صنماً ولا يدعو ميتاً في قبره. فالآيات تدعو إلى التوحيد وتقرره بالعقل والنقل.

    [ثالثاً: بيان قدرة الله ولطفه بعباده ورحمته بهم في إمساك السماوات والأرض عن الزوال].

    بيان قدرة الله وعظم الله وجلال الله وكبريائه، السماوات يمسكها ولولا إمساكه لها لتبخرت وذابت وضاعت، والأرض كذلك، فأية قدرة أعظم من هذه القدرة، وهذا الذي يجب أن يحب من أجله، وأن يبغض من أجله، وهذا الذي يجب أن ترتعد فرائصنا عند ذكره وتقشعر جلودنا وتسيل دموعنا، وهذا هو الله مظهر من مظاهر القدرة الإلهية يمسك السماوات والأرض أن تزولا، وإن زالتا من سيمسكهما إلا الله الذي لا إله إلا هو.

    [رابعاً: بيان كذب المشركين، ورجوعهم عما كانوا يتقاولونه بينهم من أنه لو أرسل إليهم رسولاً لكانوا أهدى من اليهود أو النصارى].

    إي نعم! بيان كذب المشركين وضعفهم وعجزهم، فكانوا يتبجحون ويقولون: لو ينزل علينا كتاب كما نزل على بني إسرائيل لكنا وكنا وكنا، ولما جاء النبي والكتاب انتكسوا وقالوا: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3]، ولن نمشي وراء محمد صلى الله عليه وسلم.

    [خامساً: تقرير حقيقة وهي أن المكر السيئ عائد على أهله لا على غيرهم].

    المكر السيئ عائد إلى أصحابه؛ قال تعالى: وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ [فاطر:43].

    [وفي هذا يرى أن ثلاثة على أهلها رواجع].

    ثلاثة على أهلها رواجع، أي: راجعة عليهم.

    [ وهي: المكر السيئ والبغي والنكث].

    والنكث نكث العهد، الذي يكون بينك وبينه عهد ثم ينكث، تعود العاقبة عليه بالخسران.

    [ لقوله تعالى: إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ [يونس:23]، وقوله: فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ [الفتح:10]، وقوله: وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ [فاطر:43]]. وصدق الله العظيم، أين نحن من هذا القرآن العظيم؟

    هل نقرأه على الموتى يا عباد الله؟!

    لا يجتمع عليه المسلمون لا في بيت ولا في مسجد، فكيف يعلمون؟ وكيف يعرفون؟

    [قال الشيخ في النهر غفر الله لنا وله ولوالدينا أجمعين: روي أن كعباً قال لـابن عباس : إني أجد في التوراة: من حفر حفرة لأخيه وقع فيها. فقال ابن عباس : فإني وجدت في القرآن ذلك قال: وأين؟ قال اقرأ: وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ [فاطر:43]].

    ومن أمثال العرب: من حفر لأخيه جباً وقع فيه منكباً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755967552