إسلام ويب

تفسير سورة الأعراف (33)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • بعد انتصار موسى عليه السلام في منازلته للسحرة، وما ترتب على ذلك من إيمانهم بالله، ظهر أمر موسى واتبعه بنو إسرائيل، فخاف قوم فرعون من إيمان الناس بموسى وبما جاء به من الحق، فحرضوا فرعون على موسى ومن معه، فتوعد فرعون بتقتيل أبناء بني إسرائيل واستحياء نسائهم وبقهرهم، فلما تسامع أتباع موسى ذلك سألوا موسى عما ستئول إليه حالهم، فبشرهم موسى بنصر الله لهم واستخلافهم في الأرض، وإهلاك عدوهم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ...)

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    وها نحن مع سورة الأعراف المكية المباركة الميمونة، وقد علمتم أن المكيات يعالجن أعظم العقائد وأهمها: عقيدة لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن البعث الآخر والجزاء حق، وأنه لا حق لكائن أن يحل أو يحرم إلا الله، أي: التشريع حق الرب عز وجل، هو الخالق العليم الحكيم يشرع لعباده ما يكملهم ويسعدهم، أما غير الله فلا حق له في ذلك.

    وها نحن مع هذه الآيات الثلاث، فهيا بنا نستمع إليها مجودة مرتلة، وبعد ذلك نأخذ في شرحها وبيان مراد الله تعالى منها.

    أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم. وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ * قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ * قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ [الأعراف:127-129].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! ما زال السياق الكريم في الحديث عما جرى وتم بين موسى الكليم عليه السلام وبين فرعون الظالم الأثيم.

    وها نحن مع قول الله تعالى عنه: وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ [الأعراف:127]، الملأ عرفنا أنهم أعيان البلاد، ورؤساء القبائل، وأهل مجلس الحكم الذين إذا نظرت إليهم ملئوا عينيك، أو إذا جلسوا ملئوا المجلس، أولئك الملأ.

    وهؤلاء الملأ من قوم فرعون أرادوا أن يحرشوا فرعون ويثيروه ليقتل موسى ومن معه؛ لأنهم يحافظون على المال والمركز والسمعة والشهرة: وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ [الأعراف:127]، تتركهم لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ [الأعراف:127]، ومعنى هذا: القتل، وهل صلب فرعون السحرة وقتلهم؟ الظاهر كذلك، والقرطبي يروي في تفسيره يقول: في رواية ليست بالسند الصحيح: أنهم كانوا ستمائة ألف ساحر، قتلهم عن آخرهم، ولا عجب.

    تفسير قوله تعالى: (قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون)

    وهنا قال عن بني إسرائيل: سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم، وهذا سبق أن حدث مثله لما قال له الساسة الماديون: إن بني إسرائيل لهم شأن في الماضي وتاريخ عجيب، فهم أبناء الأنبياء، فهؤلاء يخشى أن ملكك يزول على أيديهم.

    وتذكرون لما كان موسى يحبو، فقد تربى في حجر فرعون، تحت امرأته آسية بنت مزاحم، لما كان يحبو وسقط أراد أن يقوم فأخذ بلحية فرعون وارتفع بها، فتشاءم فرعون، وقال: هذا الذي يكون زوال ملكنا على يديه، فتألم وصرخ، فقالت: آسية بنت مزاحم عليها السلام وكانت مؤمنة ربانية، قالت له: هذا طفل لا يعي ولا يفهم ولا يعرف، امتحنه فائت بجمر وتمر وضعهما بين يديه، فإن تناول التمر فهو على علم، أراد بك سوءاً، وإن تناول الجمر فهو لا بصيرة له، وقدم له طبقين: طبقاً من تمر وآخر من جمر، فتناول الجمرة فلصقت في فيه، وأصبح ألكن، ولما أمره ربه أن يأتي إلى فرعون قال له: وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي [طه:27-30]، فالعقدة في لسانه سببها الجمرة التي لصقت في لسانه، صار ألكن ما يفصح، فلما أرسله الله إلى فرعون طلب منه أن يحل تلك العقدة من لسانه وأن يرسل معه أخاه هارون إلى جنبه، وتم هذا بفضل الله.

    إذاً: فاستشار فرعون رجاله في هذه الحادثة بالذات، هذا الولد الذي نربيه فعل معي كذا وكذا، فقال الساسة: هذا يدل على أن ملكك يزول على يديه، وصدقوا وإن كانوا كاذبين، قالوا: فماذا نفعل؟ قال: إذاً: اقتلوا الذكور، كل مولود ذكر يولد اقتلوه واعفوا عن النساء للخدمة، ثم اشتكى بعض المسئولين وقالوا: الأيدي العاملة ستنتهي، فأصبحوا يقتلون سنة ويعفون سنة حتى كبر موسى في هذه السنين، والآن ذكروه وقالوا: إن لم تقتله فسوف يكون زوال ملكك عليه، فماذا قال؟

    قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ [الأعراف:127] واستحياء النساء: تركهن أحياء، لا يذبح بنتاً ولا يقتلها، أما الذكور فيقتلون، فماذا أجاب موسى؟ هذه الأحداث كلها جارية وتبلغ فلاناً وفلاناً.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا ...)

    قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ [الأعراف:128] لما بلغهم تهديد فرعون بل عزمه على قتلهم، حيث قتل الذكور واستحيا الإناث، قال لهم موسى: استعينوا بالله، أي: اطلبوا عونكم من الله على أن يحفظكم ويقيكم، وينصركم على عدوكم؛ إذ الملاذ الوحيد هو الله عز وجل، ومعنى استعينوا: اطلبوا العون منه، اثبتوا واصبروا واطلبوا العون من الله يعنكم.

    اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ [الأعراف:128] الأرض كلها أرض فرعون وأرض غير فرعون من مالكها؟ الله عز وجل، يورثها من يشاء، يميت هذا ويورث هذا، يورث هذا السلطان ويورث ذلك؛ لأن الملك ملكه، الأرض أرضه وهو يورثها من يشاء، فلا تخافوا ولا ترهبوا ولا تنهزموا، استعينوا أولاً بالله، واصبروا واعلموا أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده.

    وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [الأعراف:128] هذه الكلمة الخالدة، العاقبة لمن؟ للمتقين، والأرض يورثها الله من يشاء من عباده، من هو الذي يشاء أن يورثه؟ ذاك الذي يصبر ويؤمن ويتقي، والعاقبة في النهاية دائماً للمتقين، تدور حرب وتدور معارك والعاقبة للمتقين، تأتي فتن وإحن ومحن والعاقبة لمن تكون؟ للمتقين، جهاد بالسلاح والحديد والنار، والنهاية والعاقبة الحسنى -التي هي النصر- للمتقين؛ لأنهم اتقوا بهم فلم يخرجوا عن طاعته، ومن طاعة الله عز وجل أنهم يتهيئون للجهاد ويستعدون له ويهيئون العدد، ثم الصبر على القتال، وهكذا تكون العاقبة دائماً للمتقين.

    أما الفاجرين والفاسقين والخارجين عن نظامه تعالى فلن تكون لهم عاقبة إلا عاقبة السوء والعياذ بالله تعالى، والعاقبة الحسنى المسعدة المفرحة للمتقين، الذين يتقون الله عز وجل في عباداته ويتقونه في نواهيه، ويتقونه في كل ما يغضبه ولا يرضيه.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا ...)

    إذاً: ولضعف بني إسرائيل عاشوا زمناً أذلاء مهانين: قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا [الأعراف:129] هذا شأن الشعب الذي ما ترقى ولا تربى في حجور الصالحين، واجهوا رسول الله موسى بعد الانتصارات التي شاهدوها، حيث انكسر فرعون وانهزم، وانهزم السحرة وتابوا وأسلموا، ومع هذا لما قال: استعينوا بالصبر والصلاة، واصبروا، واتقوا الله والله مع المتقين؛ مع ذلك قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا [الأعراف:129] شعب فاشل، هابط، لا خير فيهم، عما قريب يعبدون البقر.

    قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا [الأعراف:129]، كيف نستعين بالله، كيف نصبر، كيف نعمل؟

    معنى قوله تعالى: (قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون)

    فأجابهم قائلاً: قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ [الأعراف:129]، وهذا كلام الحكماء، وعسى هنا تفيد التحقيق والوجوب، ليست للرجاء، عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ [الأعراف:129] فرعون وشعبه ورجاله، أهلكهم، وبعد قليل نقف على هلاكه، وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ [الأعراف:129] وقد فعل، ولكن اللطيفة: فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ [الأعراف:129]، أما استعمرتنا بريطانيا؟ أما استعمرتنا فرنسا؟ أما استعمرتنا إيطاليا؟ سادونا وحكمونا أم لا؟ أذلونا أم لا؟ ودعونا الله واستعنا به وصبرنا وقاتلناهم وانتصرنا أم لا؟ وورثنا الملك وملكنا والحكم فحكمنا، فهل استخلفنا أم لا؟ والله لقد استخلفنا، ذهبوا ونحن خلفاؤهم، فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ [الأعراف:129]، نحن بمجرد ما نحكم ونعلن عن الاستقلال ننسى الله تعالى، كأنه ليس الذي نصرنا وليس الذي أبعد هذا العدو من دارنا.

    فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ [الأعراف:129] فإن أطعتموه واتقيتموه واستقمتم على منهجه زادكم عزاً وكمالاً وبقاء، وإن عكستم القضية تنزل بكم محنة أخرى، فلهذا قلت من عشرات السنين: العالم الإسلامي تحت النظارة، إما أن يتوبوا توبة صادقة نصوحاً، وإما أن يسلط عليهم بلاء ما عرفوه أيام الاستعمار، هذه سنة الله عز وجل، أما أن ينصرنا ونستقل ونعرض عنه فلا نطبق شرعه ولا نذكره، ونستبيح كل ما حرم عناداً ومكابرة أو استخفافاً؛ فوالله ما هو إلا الإمهال فقط، إما أن نتوب توبة نصوحاً وإما أن يسلط علينا بلاء أعظم من الاستعمار وشراً منه، وقد يعود الاستعمار من جديد أيضاً، وهذا الله يقول عن موسى: فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ [الأعراف:129] يهلك عدوكم ويستخلفكم وتصبحون الحاكمين السائدين، ولكن ليس معنى ذلك أنكم تغنون وتفرفشون؛ لأنكم حكمتم وملكتم، فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ [الأعراف:129]، إن كان العمل صالحاً مرضياً لله عز وجل أطال كمالكم وسعادتكم، فامتدت سعادتكم آباداً، وإن كان خيانة ومكراً وفجوراً يصبكم بما أصاب من قبلكم.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    معنى الآيات

    هذه الآيات نستمع إليها في التفسير؛ فإنه زيادة في التوضيح والبيان فتأملوا:

    قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:

    [ معنى الآيات:

    ما زال السياق في أحداث قصص موسى وفرعون ]، ما زال سياق الحديث والكلام في هذه الآيات في أحداث قصص موسى وفرعون، [ إنه بعد انتصار موسى في المباراة وبعد إيمان السحرة ]، السحرة آمنوا وأسلموا، وأخذنا فوائد من كلامهم.

    إذاً: [ وبعد إيمان السحرة، ظهر أمر موسى واتبعه ستمائة ألف من بني إسرائيل ]، بعد الانتصار في تلك المباراة العظيمة وانهزام فرعون انهزاماً كاملاً التف حول موسى ستمائة ألف، نصف مليون ومائة ألف كلهم من بني إسرائيل، أما الذين آمنوا من الأقباط فهم أعداد كبيرة، لكن لا يلتفون حول موسى.

    قال: [ وخاف قوم فرعون من إيمان الناس بموسى وبما جاء به من الحق، فقالوا لفرعون على وجه التحريض والتحريش والتحريك له: أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ [الأعراف:127] يريدون بني إسرائيل ] هم الذين يملكون [ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ [الأعراف:127] أي: أرض مصر بإفساد خدمك أو عبيدك ]، فالشعب كله عبيد وخدم له، فإذا أسلموا فمن يخدم فرعون؟

    [ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ [الأعراف:127] أي: ويتركك فلا يخدمك ولا يطيعك، ويترك آلهتك فلا يعبدها؛ إذ كان لفرعون أصنام يدعو الناس لعبادتها لتقربهم إليه وهو الرب الأعلى للكل ].

    سياسة عجيبة: يقدم لهم أصناماً فيقول: هذه اعبدوها وهي تقربكم مني وأنا ربكم الأعلى! فهل لهذا مثل؟ حصل لنا أننا عبدنا الأولياء والقباب والأضرحة بحجة أنها تقربنا إلى الله لتقضى حوائجنا ونعطى ما نسأل، ففي كل قرية من قرى العالم الإسلامي وكل مدينة قباب وأضرحة بالعشرات، ما فائدة هذه؟ لتقربنا إلى الله. سبحان الله! أليست سنة فرعون؟ فرعون لحيله ومكره ما استطاع أن يقنعهم بأنه لا إله إلا هو، إذاً: صنع لهم هذه التماثيل كبيرة أو صغيرة وقال: ضعوها في بيوتكم وتقربوا بها إلي، اعبدوها وعبادتكم لها تقربكم مني، والآية دليل: وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ [الأعراف:127].

    عرفتم سنة فرعون الآن أم لا؟ فهل يجوز أن نبني قبة في القرية ونسمح لنسائنا وأطفالنا والرجال يلتفون حولها يتمسحون ويتبركون؟ أهذا هو الإسلام؟ ويحلفون بها: وحق سيدي فلان، وينذرون لها النذر: إن فعل الله بنا كذا فسنفعل لك كذا، ويسمون عليها أبناءهم، ويفعلون بها أعظم من الأصنام التي أعطاها فرعون للأقباط.

    الحمد لله؛ حيث اكتشفنا سنة فرعون، سبحان الله العظيم! عرفتم سنة فرعون أم لا؟ فلكي يخدر أفهام الشعب ويهبط بهم أعطاهم أصناماً وقال: هذه تتقربون بها في بيوتكم إلي وأنا ربكم الأعلى.

    قال: [ وبعد هذا التحريش والإغراء من رجال فرعون ]، وهم الملأ الذين يحافظون على مراكزهم أموالهم، [ ليبطش بموسى وقومه قال فرعون: سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ [الأعراف:127]]، وفي القراءة سبعية: (سنقتل أبناءهم)، [ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ [الأعراف:127] ] كما علمتم، الذكور يقتلونهم، والإناث يتركونهن للخدمة والعمل، [ كما كان يفعل قبل عندما أُخبر بأن سقوط ملكه سيكون على يد بني إسرائيل ]، بينت لكم هذه، فرجال السياسة لما تشاءم من موسى قالوا: هذا يسقط ملكك على يديه، فأخذ يذبح الأطفال، والآن عاد من جديد كما كان يفعل قبل عندما أخبر بأن سقوط ملكه سيكون على يد بني إسرائيل.

    [ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ [الأعراف:127] هذه الكلمة من فرعون في هذا الظرف بالذات لا تعدو أن تكون تعويضاً عما فقد من جبروت ورهبوت كان له ].

    فقوله: وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ [الأعراف:127] هذه كلمة قالها فرعون في هذا الظرف بالذات لا تتجاوز أن تكون تعويضاً عما فقد من جبروت ورهبوت وقوة [ كان له قبل هزيمته في المباراة وإيمان السحرة برب العالمين رب موسى وهارون. هذا ما دلت عليه الآية الأولى وهي قوله تعالى: وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ [الأعراف:127].

    وكان رد موسى عليه السلام على هذا التهديد والوعيد الذي أرعب بني إسرائيل وأخافهم هو ما جاء في الآية الثانية: قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ [الأعراف:128] أي: من بني إسرائيل اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ [الأعراف:128] على ما قد ينالكم من ظلم فرعون، وما قد يصيبكم من أذى انتقاماً لما فقد من علوه وكبريائه، وَاصْبِرُوا [الأعراف:128] على ذلك، واعلموا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [الأعراف:128] فمتى صبرتم على ما يصيبكم فلم تجزعوا فترتدوا، واتقيتم الله ربكم فلم تتركوا طاعته وطاعة رسوله أهلك عدوكم وأورثكم أرضه ودياره، وسبحان الله! هذا الذي ذكره موسى لبني إسرائيل قد تم حرفياً ] بعد فترة قصيرة من الزمن، [ بعد فترة صبر فيها بنو إسرائيل واتقوا كما سيأتي في هذا السياق بعد هذا كله.

    وهنا قال بنو إسرائيل ما تضمنته الآية الأخيرة ]، ماذا قالوا؟ [ قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا [الأعراف:129] بما أتيتنا به من الدين والآيات، وذلك عندما كان فرعون يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم للخدمة، وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا [الأعراف:129]، وهذه منهم كلمة الآيس المهزوم نفسياً لطول ما عانوا من الاضطهاد والعذاب من فرعون وقومه الأقباط، فأجابهم موسى عليه السلام قائلاً محيياً الأمل في نفوسهم وإيصالهم بقوة الله التي لا تقهر ] قال لهم: [ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ [الأعراف:129] وهذا الذي رجاه موسى ورجاه بنوا إسرائيل قد تم كاملاً بلا نقصان، والحمد لله الكريم المنان ].

    اسمعوا الآيات مرة ثانية، ولنستمع بعدها إلى الهداية القرآنية.

    قال تعالى: وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ * قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ * قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا [الأعراف:127-129] كلمة الهزيمة هذه أو لا؟ قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ [الأعراف:129] تم هذا أو لا؟ كما قال فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ [الأعراف:129] وتأتي أحداث عجاب لأعمالهم الفاسدة.

    هداية الآيات

    الآن مع الهدايات القرآنية:

    قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:

    [ هداية الآيات:

    من هداية الآيات:

    أولاً: خطر بطانة السوء على الملوك والرؤساء ]، الخطر: البلاء العظيم، وما بطانة السوء؟ الرجال حول الملك، حول السلطان، حول الجنرال، إذا كانوا من رجالات السوء فإنهم يدمرونهم، لا يوقعون إلا في الهلاك والدمار، فلهذا يجب على المسئولين أن تكون بطانتهم صالحة، يختار العلماء الربانيين الفقهاء البصراء الأتقياء يضمونهم إليهم ليرشدوهم ويوجهوهم كما يوجه الآخرون ويرشدون، أليس كذلك؟ فإن أراد الله بهم خيراً فعلوا هذا، وإن ضموا الحشاشين والمدخنين فالعاقبة عليهم.

    قال: [ خطر بطانة السوء على الملوك والرؤساء تجلت ] هنا وظهرت [ في إثارة فرعون ودفعه إلى البطش بقولهم: أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ ]، ما قالوا: لو نتفق معهم، لو نتصالح، قالوا: افتك بهم؛ حتى يورطوه، وقد هلكوا أجمعون، مائة ألف فارس كلهم غرقوا في البحر، فمن أين أخذنا هذه الهداية؟ من قوله تعالى: وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ [الأعراف:127].

    [ ثانياً: بيان فضيلة الصبر والتقوى ].

    أيها المستمعون والمستمعات! أتدرون ما هو الصبر؟ الصبر: هو حبس النفس وهي كارهة تصرخ على طاعة الله ورسوله، ما تتخلى عنها، الصبر: حبس النفس دون كل مكروه، كل شهوة تناديك وتتحسن لك أنت معرض عنها، اصبر على البلاء إذا امتحنك ربك بحمى أو بألم أو بكذا فاصبر ولا تجزع ولا تفارق كلمة: ربي أرحم الراحمين، هذا الصبر.

    والتقوى ما هي؟

    التقوى: أن تعرف ما يحب الله من الاعتقاد والقول والعمل والصفة، فتحبه بحبه، وأن تعرف ما يكره الله ويبغض من الاعتقاد الفاسد والقول الباطل والعمل السيئ فتكرهه ولا تعمله، والله! لهي التقوى، فالذين ما يعرفون أوامر الله ولا نواهيه كيف يتقون الله؟ مستحيل، أهل قرية ما يجتمعون على كتاب الله وسنة الرسول طول العمر كهذا الاجتماع أسألكم بالله: كيف يعرفون؟ كيف يعرفون أوامر الله ونواهيه؟ فلهذا وجدت فيهم القباب والقبور وعبدوا غير الله وأشركوا به وهم مسلمون.

    [ ثانياً: بيان فضيلة الصبر والتقوى، وأنهما مفتاح النصر وإكسير الكمال البشري ].

    أيما جماعة تبتلى وتصبر تنتصر طال الزمان أو قصر، لكن بشرط أن تتقي، يجب أن يعرفوا محاب الله ومكارهه عن علم ويقين، ويأتون المحبوب لله ويتركون المكروه له. من أين أخذنا هذا؟ من قوله: اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [الأعراف:128].

    [ ثالثاً: النفوس المريضة علاجها عسير ]، الله الله! أمة الإسلام الآن منها 85% مرضى في نفوسهم، كيف تعالجها؟ ما هو بهين أبداً، ما بلغنا أن أهل قرية في الشرق في الغرب استقاموا على منهج الله وأصبحوا كلهم أولياء لله، والله! لو كان لنزورنهم ولنشاهدنهم، لكن ما هناك أبداً لا في العرب ولا في العجم، السرقة والتلصص والخداع والغش والشرك والباطل.. وما إلى ذلك، والله! لكما تسمعون، ما سبب هذا؟ الجهل، فهؤلاء المرضى الآن تريد أن تعالجهم أنت؟

    اسمع ما قال: [ النفوس المريضة علاجها عسير ] صعب، [ ولكن بالصبر والمثابرة تشفى بإذن الله تعالى ].

    فلو أن الدعاة عرفوا هذه الحقيقة وصبروا على دعوة إخوانهم من النساء والرجال والكبار والصغار يعرفونهم بالله ومحابه، ويجمعونهم على ذكره وطاعته عامين أو ثلاثة فستزول تلك الأمراض، أما أمة مريضة فكيف تعالجها إذا لم تصبر فوق العادة.

    قال: النفوس المريضة علاجها صعب، ولكن بالصبر والمثابرة تشفى إن شاء الله تعالى. فمن أين أخذنا هذا؟ من قوله تعالى: قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا [الأعراف:129] ما رأينا خيراً من يوم أن رأيتنا، كعجائزنا اليوم يقلن: ما رأينا فيكم خير أبداً، لا إله إلا الله! بيننا وبينهم آلاف السنين والوضع واحد؛ إذ البشري هو البشري، الإنسان هو الإنسان ما تبدل ولا تغير.

    [ رابعاً: بيان صدق ما رجاه موسى من ربه حيث تحقق بحذافيره ] بكامله، قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ [الأعراف:129] وتم هذا أم لا؟ والله! تم بالحرف الواحد، وليس في أكثر من عشر سنين أو أقل، لا إله إلا الله!

    [ خامساً: استحسان رفع معنويات المؤمنين بذكر حسن العاقبة والتبشير بوعد الله لأوليائه أهل الإيمان والتقوى ]. من أين أخذنا هذا؟ من قوله تعالى: فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ [الأعراف:129]، فيه استحسان رفع معنويات المؤمنين بذكر حسن العاقبة وأن الله وليهم وأنه لا يهملهم ولا يتركهم، وهكذا حتى تهدأ نفوسهم وتسكن أرواحهم.

    معشر الأبناء والإخوان! لقد سألنا ربنا وبكينا واضطررنا إليه ورفعنا أكفنا ليسقينا، وها هو ذا قد استجاب لنا وسقانا، فهيا نشكره، هيا نشكره: الحمد لله.. الحمد لله.. الحمد لله.. الحمد لله.. ربنا لك الحمد كما ينبغي لوجهك وعظيم سلطانك.. ربنا لك الحمد كما ينبغي لوجهك وعظيم سلطانك، اللهم لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه.. اللهم لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يرضيك يا ربنا، ربنا! زدنا ولا تنقصنا، وأدخلنا برحمتك في الصالحين، واجعلنا من عبادك الشاكرين.

    وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755972159