إسلام ويب

تفسير سورة الأعراف (26)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لما جاء شعيب قومه بما بعثه الله به من الدين الحق، والأحكام التي يجب أن يلتزموها في معاملاتهم وبيعهم وشرائهم، أبوا أن ينصاعوا له ويأتمروا بأمره، وهددوه ومن آمن معه بإخراجهم من قريتهم، وتوعدوا الذين اتبعوه من المؤمنين بخسارة ما يملكونه من متاع الدنيا ومن الملك والسلطان، فجاء الجواب من عند الله الملك الجبار، فأخذت الذين ظلموا الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين.

    1.   

    مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة الأعراف

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله، فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون.. ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأربعاء من يوم الثلاثاء- ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    وها نحن مع سورة الأعراف المكية المباركة الميمونة، والتي تعالج أسمى العقائد وأعظمها: عقيدة التوحيد، عقيدة النبوة المحمدية، عقيدة البعث والجزاء، عقيدة أنه لا مشرع إلا الله.

    وها نحن مع قصة شعيب عليه السلام مع أهل مدين، فلنستمع إلى بقية الآيات ثم ندرسها إن شاء الله.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ * قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ * وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ * فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ * الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ * فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ [الأعراف:88-93].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هذه الآيات فيها إجابة ملأ المشركين على ما تقدم من بيان شعيب وتفصيل ما جاء في الآيات السابقة، فلنصغ لنسمعكم الآيات الأولى حتى نربطها بالجواب الذي أجاب به الملأ.

    دعوة شعيب عليه السلام قومه إلى التوحيد

    قال تعالى: وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا [الأعراف:85]، وقد عرفتم أن معنى هذا أن الله أرسل إلى قبيلة مدين أخاهم شعيباً، وهي أخوة في القبيلة، ليست أخوة دين ولكن أخوة نسب ووطن.

    قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:85]، ابتدأ دعوته كما ابتدأها نوح قبله وهود وصالح، وكما ابتدأ بها كل نبي إلى خاتم الأنبياء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهي أن يدعو الناس إلى أن يعبدوا الله وحده، وهو معنى: لا إله إلا الله.

    وقال لهم: قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ [الأعراف:85]، وهذه البينة حجج عقلية منطقية، وكان من أفصح الخطباء، حتى لقب بخطيب الأنبياء، ومن الجائز أن تكون الآية أيضاً معجزة لم تذكر في هذه الآيات، إذ ما من نبي نبأه الله وأرسله إلا وأعطاه من الآيات ما يؤمن على مثله البشر، أخبر بهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    جملة ما أمر به قومه وما نهاهم عنه وما وعظهم به

    قال: فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا [الأعراف:85-86]، هذه كلها كلماته.

    ثم قال لهم: وَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ [الأعراف:86]، الذين يفسدون في الأرض أولاً بعبادة غير الله عز وجل، بالإشراك بالله وفي عبادته. ثانياً: بالتلصص والإجرام والخيانة والكذب والفساد والشر.

    وَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ [الأعراف:86]، من قوم لوط، من قوم صالح، من قوم هود، كيف دمر الله تلك البلاد وانتهت؛ علهم يتعظون ويرجعون إلى الحق.

    انتظار الحكم بين المؤمنين والكافرين

    وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ [الأعراف:87] من دعوة الحق، وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ [الأعراف:87]، وبالفعل آمن من آمن وكفر من كفر، فقال لهم هذه الجملة المباركة بعد هذا البيان وهذه الأدلة والبراهين القطعية: وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ [الأعراف:87]، أي: أرسلني ربي به من الدعوة إلى عبادته وحده وإقامة العدل بين الناس.

    وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا [الأعراف:87] وهذا الواقع، ولكن الطائفة المؤمنة هي القليلة، إذاً: فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ [الأعراف:87]، وهو الفتاح والحكم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا...)

    الآن في آيات الليلة تكلم الملأ رؤساء المشركين في مدينة مدين، ماذا قالوا؟ قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ [الأعراف:88] ما قال: قال الملأ الذين تكبروا، فما هم بأهل للكبر، ولكن تكلفوا ذلك وتحملوه وادعوا أنهم أكبر الناس.

    قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا [الأعراف:88]، هذه الكلمة الصارمة التي قالوها: لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من مدينتنا ولا نبقي منكم أحداً، لأنكم خالفتمونا في ديننا وأعرضتم واعترضتم دعوتنا، وأبيتم إلا أن نكون معكم، إذاً: لنخرجنكم من قريتنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا [الأعراف:88]، أنتم بين خيارين: إما أن تعودوا إلى ملتنا كما كنا قبل مجيء شعيب، وإلا فسوف نخرجكم من ديارنا ولا نبقي عليكم.

    قال شعيب عليه السلام: أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ [الأعراف:88]؟ هذا استفهام تعجب واستبعاد، كيف نرجع؟ أنرجع إلى الكفر بعد الإيمان؟ أنرجع إلى الشرك بعد التوحيد؟ ما هو بمعقول أبداً، هذا بعيد جداً. أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ [الأعراف:88] ندخل في دينكم خوفاً منكم أو حفاظاً على مدينتنا وما عندنا فيها؟

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (قد افترينا على الله كذباً إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها ...)

    قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا [الأعراف:89] لو استجبنا لكم وعدنا إلى ملتكم فقد افترينا على الله الكذب، بالأمس نقول: لا إله إلا الله واليوم نقول: لا إله إلا الله وفلان وفلان، بالأمس كنا ندعو إلى العدل والإصلاح والآن نقر الظلم والفساد في الأرض.

    قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا [الأعراف:89] والله الذي نجاهم، ألهمهم الإيمان والتوفيق وعلمهم فعرفوا الطريق، فكيف ينتكسون ويرجعون إلى الوراء؟ وهذا وإن كان يشمل شعيباً معهم إلا أن شعيباً معصوم، لا يمكن أن ينتكس ويرتد، لكن الآخرون منهم الضعفة فقد يضغطون عليهم فيرتدون.

    إذاً: سمعتم كلمات هذا الرسول العظيم؟ قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ [الأعراف:89]، ما المراد من الملة؟ الملة: الدين، ما اجتمع عليه الناس يقال فيه: ملة، سواء كان ديناً باطلاً أو ديناً حقاً.

    قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا [الأعراف:89] أي: كذبنا على الله واختلقنا الكذب، ودليل ذلك: أنه بالأمس كنا نقول: لا إله إلا الله والآن نقول: لا بأس أن يعبد مع الله كذا وكذا! بالأمس كنا ننهى عن البخس والتطفيف في الوزن والكيل والآن نجيزه ونسمح به! بالأمس كنا نندد بقطاع الطرق واللصوص والآن نقول: لا بأس!

    قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا [الأعراف:89] نسب النجاة لمن؟ لله، لولا الله ما آمنوا، لولا الله ما أرسل شعيباً، فالأمر لله عز وجل، ولذا قال: إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا [الأعراف:89].

    معنى قوله تعالى: (وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا ...)

    ثم قال: وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا [الأعراف:89] ليس من الممكن أو المتوقع أو الذي يخطر بالبال أن نعود إلى ملة الكفر بعد إذ عرفنا الله ووحدناه.

    وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا [الأعراف:89] أي: ليس من شأننا أن يكون هذا، هذا من باب ما لا يقع أبداً ولا يكون.

    ثم قال تأدباً مع الله: إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا [الأعراف:89] هذا من باب التأدب مع الله عز وجل، إذ المشيئة المطلقة له، وإن كان موقناً أنه لا يعود ولن يعود إلى ملة الكفر.

    وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا [الأعراف:89] فهو الذي يؤمن من يؤمن على هدايته ويكفر من يكفر على إضلاله، وعلم الله أحاط بكل شيء، ففوض الأمر لله واستثنى هذا الاستثناء من باب الأدب، فما هي حال المسلمين؟ ينبغي أن نقول: غداً إن شاء الله نسافر، ولا نقول: غداً نسافر. فالاستثناء هذا محمود ومطلوب من كل مؤمن ومؤمنة، اللهم إلا ما كان ماضياً فلا نلتفت إلى العوام، يقول: أنا حججت إن شاء الله، صليت المغرب إن شاء الله! هذا لا معنى له، فالاستثناء في المستقبل لا في الماضي.

    وأدب الله رسوله سيد الأنبياء صلى الله عليه وسلم حين لم يقل: إن شاء الله في فتيا قدمت له، فقال تعالى: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الكهف:23-24] إلا أن تقول: إن شاء الله. وانقطع الوحي عليه نصف شهر من أجل هذه القضية، فلهذا من بعدها ما كان صلى الله عليه وسلم يقول: أفعل كذا إلا قال: إن شاء الله، ونحن مأمورون بما أمر به صلى الله عليه وسلم.

    وهذا نبي الله شعيب يقول: وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا [الأعراف:89] في أي شيء؟ في ملة الكفر، في الشرك بعد التوحيد، إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا [الأعراف:89]؛ إذ وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا [الأعراف:89].

    معنى قوله تعالى: (على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق ...)

    ثم قال: عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا [الأعراف:89] هذه ضربهم بها ضربة حاسمة: عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا [الأعراف:89] لا نخافكم ولا نرهبكم ولا نسمع لتهديدكم ولا قيمة لكم أنتم وما عندكم، توكلنا على الله وحده.

    رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ [الأعراف:89] قال: رب احكم بيننا وبينهم، أهلك الظالمين وانصر المؤمنين المظلومين.

    عَلَى اللَّهِ [الأعراف:89] وحده لا على سواه تَوَكَّلْنَا [الأعراف:89] أي: اعتمدنا، فوضنا أمرنا إليه وهو الذي يحمينا وينصرنا.

    ثم قال: رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ [الأعراف:89]، (فتح) كحكم ونصر، هذا اللفظ يطلق بمعنى واحد، فتح الباب: دفعه ودخل، فتح عليه: نصره وانتصر، فتح عليه: حكم له بالحق وهو مظلوم.

    هكذا يرفع يديه إلى ربه قائلاً: رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ [الأعراف:89] أي: خير الناصرين، خير الحاكمين بين عباده.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وقال الملأ الذين كفروا من قومه لئن اتبعتم شعيباً إنكم إذاً لخاسرون)

    والآن ماذا يقول الملأ؟ هل سكتوا؟ ما سكتوا. وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ [الأعراف:90] هنا لطيفة: كأن بعضهم آمنوا، فحين تصلب في موقفه واشتدت قوته يبدو أن بعضهم آمنوا، بدليل قوله: وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ [الأعراف:90] لا الذين آمنوا. ونحن نقص هذا القصص في ساعة، وهذا قصص خمسين أو ستين سنة والصراع دائر، والقول والأخذ والرد، ما هي بساعة، لكن من تدبير الله عز وجل أن يوجز لنا القصص حتى -والله- لكأننا نعيش مع شعيب وقومه، آمنا بالله.

    وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ [الأعراف:90] لم قال: الذين كفروا من قومه، وما قال: وقال الملأ؟ الجواب: يشير إلى أن هناك من استجاب وآمن، لأن فصاحة شعيب وبلاغته وبيانه تزلزل قلوبهم إلا من شاء الله أن يموت على الكفر والعياذ بالله.

    وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ [الأعراف:90]، وهذه إشارة أخرى إلى أن هناك من استجاب.

    ماذا قال الملأ الذين استكبروا من قوم شعيب؟ قالوا للمؤمنين: لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ [الأعراف:90]، ما معنى: (اتبعتم شعيباً)؟ مشيتم وراءه، فصليتم كما يصلي ودعوتم الله كما يدعو وتجنبتم الزنا والباطل والفجور كما تجنب، هذا معنى الاتباع.

    إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ [الأعراف:90] لم يبق لكم دولة ولا سلطان ولا مال ولا جاه، كل هذا تخسرونه. وهذه النغمات يقولها إبليس -والله- إلى الآن في قلوب أوليائه وينطقون بها ويكتبون، لأن البشرية هي هي، ما تغير في طباعنا شيء من عهد آدم إلى الآن، اللهم إلا ما كان من الأجسام أن قصرت، وإبليس الذي وسوس لآدم وحواء وأخرجهما من الجنة ما زال هو هو، فما يقوله قوم شعيب أهل مدين منذ أكثر من خمسة آلاف سنة يقوله الناس الآن ولا يتغير.

    وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا [الأعراف:90]، هذه اللام لام القسم،يحلفون بآلهتهم. لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ [الأعراف:90] ما معنى الخسران؟ فقدتم دولتكم ومالكم وسلطانكم وما أنتم عليه، وليس المراد خسران الآخرة، فهم لا يؤمنون بها.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين)

    قال تعالى: فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ [الأعراف:91] على الفور، الرجفة زلزال رجفت له القلوب، خروا ركعاً ساجدين، هذه الرجفة، هذه الزلزلة من الله عز وجل الذي يقول للشيء: كن فيكون، فالأرض اهتزت تحتهم واضطربوا فخرجت نفوسهم فهلكوا عن آخرهم.

    فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ [الأعراف:91] أخذت البلاد كلها بمن فيها، فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ [الأعراف:91]، يقال: جثم على ركبه: إذا برك، فاضت أرواحهم وهلكوا.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (الذين كذبوا شعيباً كأن لم يغنوا فيها ...)

    قال تعالى: الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا [الأعراف:92]، من هم الذين أصبحوا في دارهم جاثمين؟ الجواب: الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا [الأعراف:92]، والذين ما كذبوه فآمنوا وصدقوا نجوا، لأنهم لما سمعوا ذاك البيان وأثرت تلك الكلمات في قلوبهم آمن من آمن من كبرائهم ودخل في الإسلام.

    إذاً: فلما دقت الساعة قال تعالى: فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ [الأعراف:91] أصبحوا أو أمسوا أو ظلوا، كل هذا لا مانع له، المهم أنه انتهت حياتهم في الصباح أو المساء، فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ [الأعراف:91] على ركبهم خارين ساجدين في الأرض.

    الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا [الأعراف:92] الذين كذبوا شعيباً كأن لم يغنوا في تلك البلاد، كأن لم يوجدوا فيها أبداً، الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:92].

    قال تعالى مخبراً عن واقعهم: الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا [الأعراف:92] كأنهم ما وجدوا، انتهت حياتهم بكل ما فيها.

    ثم قال: الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا [الأعراف:92] من؟ هم الذين خسروا، كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:92]، أما الذين صدقوا شعيباً وآمنوا بدعوته فقد نجوا، ما أهلكهم الله.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ...)

    قال تعالى: فَتَوَلَّى عَنْهُمْ [الأعراف:93] يودعهم أو يرثي لهم، فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ [الأعراف:93] هذا الطابع الأخير، كما فعل صالح بالأمس ولوط أيضاً.

    إذاً: قال تعالى مخبراً عن عبده ورسوله شعيب في نهاية القضية: فَتَوَلَّى عَنْهُمْ [الأعراف:93] أي: رجع وتركهم بعد أن قال: يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي [الأعراف:93]، ما قال: رسالة،بل رسالات؛ لأنه يحارب الظلم والفساد والشر بكامله، رسالات متعددة وعلى رأسها محو الشرك بالله عز وجل.

    لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ [الأعراف:93] وهو كذلك والله العظيم، فَكَيْفَ آسَى [الأعراف:93] أي: أحزن أو آسف عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ [الأعراف:93]، هذه الكلمة الأخيرة التي قالها شعيب في قومه: فَكَيْفَ آسَى [الأعراف:93] أي: آسف وأحزن عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ [الأعراف:93] إلى جهنم.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    هداية الآيات

    والآن مع هداية الآيات معاشر المستمعين، ما نزلت إلا لتكون هداية لنا إلى الصراط المستقيم، لنكمل ونسعد ونطيب ونطهر في دنيانا وأخرانا.

    قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:

    [ هداية الآيات:

    من هداية الآيات:

    أولاً: بيان سنة بشرية ] أي: سنة من سنن الله في هذه الحياة، [ وهي أن الظلمة ] جمع ظالم [ والمتكبرين يجادلون بالباطل، حتى إذا أعياهم الجدال وأفحموا بالحجج بدل أن يسلموا بالحق ويعترفوا به ويقبلوه فيستريحوا ويريحوا يفزعون إلى القوة بطرد أهل الحق ونفيهم أو إكراههم على قبول الباطل بالعذاب والنكال ]، من أين أخذنا هذه الهداية؟ من قوله تعالى عنهم: لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا [الأعراف:88].

    قال: [ بيان سنة بشرية ] ما معنى سنة بشرية؟ سنة من سنن الله في البشر، طريقة متبعة لا يختلف الناس فيها، [ وهي أن الظلمة والمتكبرين يجادلون بالباطل حتى إذا أعياهم الجدال ]؛ لأن شعيباً أفحمهم، [ وأفحموا بالحجج بدل أن يسلموا بالحق ] ويسلموا [ ويعترفوا به ويقبلوه، فيستريحوا ويريحوا ] غيرهم [ يفزعون إلى القوة ]، هذا مشاهد إلى الآن، [ بطرد أهل الحق ونفيهم أو إكراههم على قبول الباطل بالعذاب والنكال بهم.

    ثانياً: لا يصح من أهل الحق بعد أن عرفوه ودعوا إليه أن يتنكروا ويقبلوا الباطل بدله ]، هذه سنة أيضاً.

    [ لا يصح من أهل الحق ] ونحن إن شاء الله منهم، فقولوا: آمين. [ لا يصح من أهل الحق بعد أن عرفوه ودعوا إليه أن يتنكروا ويقبلوا الباطل بدله ].

    لا بأس أن أقول: إن شيخكم أكثر من خمسين سنة يدعو إلى التوحيد في الجزائر قبل المدينة والمملكة، فهل يعقل أنه في يوم من الأيام ننتكس ونبدأ نعلم الخرافات ونحارب الشرك؟ والله! ما كان ولن يكون، لو ربطوني بالسلاسل والحديد سأرضى بالموت، أما قضية أن يعطوني مالاً أو سلطاناً فكل ذلك ما ينفع، هذه سنة الله في الخلق، من عرف الطريق وسلكه ما يستطيع أن يرجع، والذين يرجعون بتخويف أو بمال ما عرفوا الحقيقة، ما كانوا أهلاً لها، يدعون دعوة ما هي نابعة من قلوبهم، أو بدون علم.

    فاسمع ماذا قال: [ لا يصح من أهل الحق بعد أن عرفوه ودعوا إليه أن يتنكروا ويقبلوا الباطل بدله ]، وهل بلغكم أن صحابياً أو أن نبياً أو رسولاً سكت؟ مستحيل أبداً، لا تهديد يؤثر فيه ولا تخويف ولا سجن ولا قتل.

    أخذنا هذا من قوله: وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا [الأعراف:89] أي: إلى ملتكم الباطلة بعد إذ نجانا الله منها، إلا أن يشاء الله، وهذه لطيفة من باب الأدب مع الله عز وجل.

    [ ثالثاً: يستحب الاستثناء في كل ما عزم عليه المؤمن مستقبلاً وإن لم يرده أو حتى يفكر فيه ]، من أين أخذنا هذا؟ من قوله: إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الأعراف:89]، يستحب الاستثناء، والاستثناء قول: إلا أن يشاء الله، يستحب الاستثناء في كل ما عزمت عليه أيها المؤمن مستقبلاً من الآن إلى ما بعد، وإن لم يرده أو حتى يفكر فيه، لا بد أن يقول: إن شاء الله وإن لم يرد الاستثناء، فيخرج على لسانه.

    [ رابعاً: وجوب التوكل على الله عند تهديد العدو وتخويفه، والمضي في سبيل الحق ]، إذا أخذ العدو يهدد ويوعد ويبرق ويقول: نفعل ونفعل؛ هنا وجب التوكل على الله والاعتماد عليه وترك الظالم يقول ما يشاء أو يهدد ما يشاء. من أين أخذنا هذا؟ من قوله: عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ [الأعراف:89].

    [ خامساً: مشروعية الدعاء وسؤال الله تعالى الحكم بين أهل الحق وأهل الباطل، لأن الله تعالى يحكم بالحق وهو خير الحاكمين ]، مشروعية أننا ندعو الله عز وجل أن يحكم بيننا وبين ظالمينا والمعتدين علينا، بيننا وبين المحاربين من الكفار، ماذا قال شعيب؟ رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ [الأعراف:89] واستجاب الله.

    ثم ذكر المؤلف غفر الله له ولكم وللمؤمنين هداية آيات خاتمة القصة فقال:

    [ هداية الآيات:

    من هداية الآيات:

    أولاً: ثمرة الصبر والثبات النصر العاجل أو الآجل ]، العاجل أو المتأخر، ثمرة الصبر على العقيدة والعبادة والطاعة والاستقامة على منهج الحق، ثمرة الصبر والثبات، صبر وثبت ما تزعزع ولا قدم ولا أخر ولا تنازل عن شيء، ما نتيجة هذا؟ النصر العاجل أو الآجل، لا بد أن يتحقق، إن ثبتنا على دعوة الله فلا بد أن ينصر الله دعوته.

    [ ثانياً: نهاية الظلم والطغيان الدمار والخسران ]، نهاية الظلم والطغيان ما هي؟ ينتهي بأي شيء؟ بالدمار والخسران، أين روسيا؟ أين الدب الأحمر روسيا؟ انتهت وأذلها الله، ما تمت لها خمس وسبعون سنة، أين الاشتراكيون الذين كانوا يصولون ويقول: اشتراكيتنا نوالي من يواليها ونعادي من يعاديها؟ بهذه الأذن كنا نسمع ذلك، أين هم؟ أين الاشتراكية؟ وستسمعون في قبوركم إن شاء الله أو ترون قبل ذلك اليوم الذي لا يبقى فيه يهودي على أرض فلسطين، يوم يسلط الله المؤمنين المسلمين عليهم فيقتلونهم حتى ينطق الشجر والحجر ويقول: هذا يهودي ورائي يا مسلم فاقتله.

    [ ثالثاً: لا أسىً ولا حزن على من أهلكه الله تعالى بظلمه وفساده في الأرض ]، أما قال شعيب: فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ [الأعراف:93] إلى جهنم، فأيما أمة، جماعة، قوم ظلموا وأساءوا فوالله! لا أسف ولا حزن، أيما جماعة في بلادنا هذه في بلدة أخرى تخرج عن الحق والدعوة إليه وتحاربه وتهلك فوالله لا أسف ولا حزن: فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ [الأعراف:93] هذه سنة الله في هداية كتابه.

    قال: [ لا أسى ولا حزن على من أهلكه الله تعالى بظلمه وفساده في الأرض ]، وهنا لطيفة: ما هو الفساد في الأرض؟ أو بم يكون؟ أو كيف هو؟

    الفساد ضد الصلاح، كيف يكون الفساد في الأرض؟ كيف نعرف أن الأرض الفلانية والبلد الفلاني والمملكة الفلانية والسلطنة الفلانية فيها فساد؟

    الإفساد في الأرض يكون بالظلم والخبث والشر وتعطيل شريعة الله ومحاربة أولياء الله، فالأرض بم تصلح؟ بم أصلح الله الأرض؟ أليس بشرعه وقوانينه ودينه؟

    فالذين يصرفون الناس عن كلمة لا إله إلا الله وعن عبادة الله وينفخون فيهم روح الشر والظلم والفساد والله! لهم المفسدون في الأرض.

    وبعبارة سهلة: الذين يتركون ما أوجب الله فعله ويفعلون ما حرم الله فعله هم المفسدون، والأرض التي هم فيها أفسدوها، لأن الله عز وجل خالقنا، وقد علمنا أن سر هذا الخلق أن يذكر الله ويشكر، لو سألت: يا رب! لم خلقتنا؟ كان الجواب: من أجل أن تذكروني وتشكروني. علة هذه الحياة كلمة واحدة: أن يعبد الله عز وجل، فمن عبده أصلح الأرض، ومن ترك عبادته أفسد فيها وهو مفسد، أما قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ [الذاريات:56] لأي شيء؟ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] لا للأفراح والزغاريد واللهو والباطل، بل للعبادة، والعبادة كلها تدور على ذكر الله وشكره، ما من عبادة تقوم بها إلا وقد ذكرت الله عز وجل وشكرته.

    [ رابعاً: مشروعية توبيخ الظالمين بعد هلاكهم ]، أي: جواز توبيخ الظالمين بعد أن أهلكهم الله، لو مررت بظالم مقطوع الرأس بين يديك بسبب ظلمه فلا ترثي له أبداً، ويجوز لك أن توبخه تقول: هذا جزاؤك. فمن أين أخذنا هذا؟ أما مر بهم شعيب عليه السلام لما هلكوا ووقف على رءوسهم وقال: فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ [الأعراف:93]؟ وقد وقف صالح عليه السلام ذلك الموقف.

    قال: [ مشروعية توبيخ الظالمين بعد هلاكهم كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهل القليب ]، ما نقول: شعيب وصالح فقط، بل ورسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد وبخ أهل القليب، وما القليب؟ القليب: البئر التي ما فيها ماء، ففي بدر لما انتصر الإسلام وأهله، نصر الله رسوله والمؤمنين، وجيء بجثث الطغاة أبي جهل وعقبة بن أبي معيط والمجرمين الكبار فألقي بهم في ذلك البئر؛ فجاء الرسول ووبخهم: هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً؟

    ولهذا لا بأس أن تمر بجثة طاغية مدمر فلا ترثي له ولا تحزن وتقول: هذا جزاؤك. من أين أخذنا هذه الهداية؟ من هذه الآيات القرآنية: فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ [الأعراف:93].

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756270127