إسلام ويب

تفسير سورة التوبة (37)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لما جاء المتخلفون التائبون إلى رسول الله بعد رجوعه من تبوك، تنازلوا له عن أموالهم التي جعلتهم يضنون بأنفسهم عن الذهاب في الغزو مع النبي وتشاغلوا بها عن الجهاد، فامتنع النبي عن أخذ ما قدموه، حتى أنزل الله هذه الآيات يأمر الله فيها نبيه أن يأخذ من أموالهم ما يطهرهم ويزكيهم به، مبيناً أن الله يقبل الصدقات ويثيب عليها، ويقبل التوبة الصادقة من عباده المؤمنين.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ...)

    الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس إن شاء الله كتاب الله؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه ألفاً وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    وها نحن مع سورة التوبة -تاب الله علينا وعلى كل مؤمن ومؤمنة-، ومع هذه الآيات الأربع فهيا بنا نصغي مستمعين إلى تلاوتها مجودة مرتلة، ثم بعد ذلك نتدارسها بإذن ربنا عز وجل.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة:103-106].

    أقسام الناس في المدينة بعد إعلان الخروج للجهاد في غزوة تبوك

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً [التوبة:103].. أعيد إلى أذهانكم أن هذه السورة المدنية أكثر آياتها نزلت في غزوة تبوك؛ إذ كان الوقت غير ملائم لشدة الحر في آخر الصيف مع عام قحط وجدب، والمعركة ذات شأن والمسافة بعيدة، وأعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم التعبئة العامة والنفير الكامل بحيث لم يأذن لأحد أن يتخلف، وانقسم الناس إلى ثلاثة أقسام:

    قسم مؤمنون صادقون ربانيون خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم تسمح لهم نفوسهم بأن يتخلفوا عن حبيبهم وسيدهم عليه الصلاة والسلام.

    وقسم عجزوا عن الخروج فلا مال عندهم ولا قدرة على الخروج، وليس لهم ما يركبون، وليس لهم مال يتركونه لأولادهم وأزواجهم، ولا ما يحملون معهم لتغذيتهم؛ لفقرهم وضعفهم.

    وقسم لهم مال وقدرة، ولكن آثروا البقاء دون رسول الله في المدينة، وهؤلاء منافقون كافرون، همهم ألا يخرجوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن يموت الرسول صلى الله عليه وسلم أو يقتل، فنزلت الآيات وبينت كل فريق وما يستحقه.

    الصدقة تكفر الذنوب

    وهانحن مع الذين جاءوا يعتذرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما عادوا وهم مؤمنون، لكن لضعف إيمانهم جاءوا ويقولون: هذه أموالنا خذها يا رسول الله، وادع الله لنا أن يغفر لنا، فالرسول صلى الله عليه وسلم أبى أن يأخذ أموالهم منهم، وقد تقدموا بكل ما يملكون، فأرشده الله عز وجل بقوله: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً [التوبة:103] أي: أذن له في أن يأخذ من أموال المخلفين لا لعذر، فقط لضعف إيمان وقلة عزيمة وإرادة.

    خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً [التوبة:103] فكل مال ينفق في سبيل الله فهو صدقة؛ إذ يدل على صدق إيمان صاحبه، فالذي يعطي لله عز وجل وهو لا يراه فلولا إيمانه وصدقه فيه ما يعطي لغائب، لكن ينفقون أموالهم في سبيل الله، فسميت بذلك صدقة؛ لصدق إيمانهم ودلالتها على ذلك.

    ووصف هذه الصدقة بأنها تطهرهم، أي: تطهر أولئك الذين تؤخذ منهم صدقاتهم، وتزكي أنفسهم وتطيب أرواحهم، وتذهب آصار الذنوب ولطخات المعصية التي ارتكبوها بالتخلف، فقال تعالى: تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة:103] فيصبحون أهلاً لرضا الله وكرامته، وأهلاً لأن يقبلهم الله عز وجل.

    معنى قوله تعالى: (وصل عليهم...)

    ثالثاً: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ [التوبة:103] الصلاة على الميت كما صلينا، والصلاة على الحي دعاء له بالخير، ويا سعادة من يدعو له رسول الله صلى الله عليه وسلم! فكان إذا جاءه مؤمن بصدقته يأخذها ويدعو له وهو الصلاة عليه: ( اللهم آجره على نفقته وبارك له فيما أبقى ).

    وقال تعالى: إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ [التوبة:103] أي: تسكن نفوسهم وتطيب خواطرهم وتطمئن، فدعوة الرسول لهم بالخير من شأنها أن تسكن النفس وتهدئ البال وتطمئن الخاطر، بفضل الله عز وجل ورحمته، وببركة صلاة الحبيب صلى الله عليه وسلم.

    وَصَلِّ عَلَيْهِمْ [التوبة:103] وعلة ذلك: إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [التوبة:103]، أي: سميع لأقوال عباده، عليم بأحوالهم الظاهرة والباطنة.

    ومن هنا افعل هذا يا رسول الله معهم، فالله قد علم نياتهم وعرف صادق أقوالهم، وأنهم صادقون بما جاءوا إليك به من أموالهم يريدون رضا الله عز وجل.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة...)

    ثم قال تعالى: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ [التوبة:104]، وهذا تقرير بأنهم قطعاً يعلمون ذلك، ولهذا جاءوا بأموالهم ووضعوها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: خذها وضع حيث أراك الله.

    وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [التوبة:104] أي: لا غيره سبحانه وتعالى يتوب على عباده، فانشرحت بذلك صدورهم وطابت نفوسهم، وأصبحوا أهلاً لكرامة الله عز وجل، وهذا شأن كل من تزل قدمه ويقع في إثم، ثم يتوب إلى الله ويصدق في توبته، نعم زلة القدم وتأخروا عن الخروج إيثاراً للراحة، ولكن ما إن عرفوا الزلة حتى أعلنوا عن توبتهم وجاءوا يبكون إلى رسول الله، ويضعون أموالهم بين يديه.

    إذاً: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ [التوبة:104] وقد قبلها منهم، وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ [التوبة:104] وقد أخذها؛ إذ أذن لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يأخذها، وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ [التوبة:104] أي: لا غيره التَّوَّابُ [التوبة:104] لعباده الرَّحِيمُ [التوبة:104] بهم.

    فما من عبد يقبل على الله وينطرح بين يديه مستغفراً تائباً إلا قبله الله، ولو كانت الذنوب ما كانت؛ وذلك لأن من صفاته تعالى: التواب، الذي يقبل توبة التائبين مهما عظمت الذنوب وكثرت الآثام.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله...)

    ثم يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: وقل لهم: اعملوا.. فالآن تاب الله عليكم وعرفتم الطريق وسلكتم سبيل النجاة، إذاً اعملوا في الليل والنهار، وأكثروا من الأعمال الصالحة: من الصلاة والصدقات، والصيام والجهاد والرباط.

    قال تعالى: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ [التوبة:105] ورد هنا خبر: أن العبد لو دخل في جوف صخرة لا باب لها ولا فوه ثم عمل عملاً لأرى الله ذلك العمل للناس وعلموا به، وعرفوا أنه يعمل كذا وكذا؛ أخذاً من قوله تعالى: فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ [التوبة:105] فالمهم العمل فلا تكل ولا تجبن ولا تستصغره، والله! سيرى عملكم ويجزيكم عند علمه به ورؤيته له.

    وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ [التوبة:105] أي: ستردون إلى الله جل جلاله، ويردون إليه ويرجعون بالموت، فمن مات رد إلى الله ورجع، ويوم القيامة كذلك.

    وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ [التوبة:105] أي: يعلم الحاضر والغائب، الحاضر والغائب عنده سواء ليس مثلنا نعلم الظاهر ولا نعلم الغائب، فَيُنَبِّئُكُمْ [التوبة:105] أي: يخبركم بأعمالكم في عرصات القيامة، فهذا صام وصلى، وهذا كفر، وهذا أعطى وهذا منع.. بالتفصيل.

    فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [التوبة:105] أي: ما كنتم تعملونه من الصالحات أو الطالحات؛ وذلك به يتم الجزاء، فبعدما ينبئ الإنسان: عملت.. تركت.. تقوم الحجة عليه ويجزيه بجهنم أو يفوز برضا الله ويدخله الجنة، ومعنى هذا أن أعمالنا معدودة محسوبة، فلن يخفى عن الله شيئاً، وسوف نسأل عنها كلها فنثاب عليها أو نعاقب.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وآخرون مرجون لأمر الله...)

    قال تعالى: وَآخَرُونَ [التوبة:106] أي: غير هؤلاء الذين تابوا وبكوا وتقدموا بأموالهم وأثنى الله عليهم بخير، وَآخَرُونَ [التوبة:106] أي: ما زالوا: مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ [التوبة:106] ويعفو، والمراد من هؤلاء ثلاثة أنفار هم: هلال بن أمية ، وكعب بن مالك ، ومرارة بن الربيع .. هؤلاء ربطوا أنفسهم في المسجد، وقالوا: لن يحل رباطنا أحد حتى يحله رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: ربطوا أنفسهم هنا في هذا المسجد خمسين يوماً، ثم نزلت توبتهم فتاب الله عليهم وأطلق رباطهم.

    كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع ثلاثة رجال من صلحاء أصحاب رسول الله، قعدوا عن المعركة؛ لضعف نفوسهم فقط، ما استطاعوا.. استحوا فكيف يفعلون؟ ما جاءوا يعتذرون كالأولين، أو قدموا أموالهم، فقالوا: نربط أنفسنا فقط؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أعلن عن هجرهم، فلا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يكلمهم، والله! يخرج أحدهم من البيت إلى السوق فلا يسلم عليه أحد، فامرأته تقدم له الطعام ولا تنظر إليه، وستأتي الآية التي دلت على توبتهم في آخر السورة.

    وَآخَرُونَ [التوبة:106] أي: هؤلاء الثلاثة مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ [التوبة:106] بعباده حَكِيمٌ [التوبة:106] في شرعه وما يفعله.

    وهؤلاء بشرهم الله بالتوبة ونزلت توبتهم في آخر السورة؛ إذ قال تعالى: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [التوبة:118].

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    معنى الآيات

    ولنستمع إلى شرح الآيات في الكتاب:

    قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم: [ لقد تقدم في الآية قبل هذه أن المتخلفين التائبين قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم: هذه أموالنا التي تخلفنا بسببها صدقة فخذها يا رسول الله، فقال لهم: إني لم أُؤْمر بذلك ] أي: بأن نأخذ أموالكم [ فأنزل الله تعالى هذه الآية: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [التوبة:103] فأمر تعالى رسوله أن يأخذ صدقة هؤلاء التائبين؛ لأنها تطهرهم من ذنوبهم ومن أوضار الشُّح في نفوسهم، وتزكيهم أيها الرسول بها بقبولك لها، (وصل عليهم) أي: ادع لهم بخير، (إن صلاتك سكن لهم) أي: رحمة وطمأنينة في نفوسهم، (والله سميع) لأقوالهم لمَّا قدموا صدقتهم وقالوا: خذها يا رسول الله، (عليم) بنياتهم وبواعث نفوسهم فهم تائبون توبة صدق وحق.

    وقوله تعالى: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ [التوبة:104] الاستفهام هنا للتقرير أي: هم يعلمون ذلك قطعاً، وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ [التوبة:104] أي: يقبلها، وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ [التوبة:104] أي: كثير قبول التوبة من التائبين الرَّحِيمُ [التوبة:104] بعباده المؤمنين.

    ثم أمر الله تعالى رسوله أن يقول لهم حاضاً لهم على العمل الصالح تطهيراً لهم وتزكية لنفوسهم: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ [التوبة:105] فيشكر لكم ويثني به عليكم، وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ [التوبة:105] وهو الله عز وجل فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [التوبة:105] ويجزيكم به الحسن بالحسن والسيئ بمثله.

    وقوله تعالى: وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ [التوبة:106] هذا هو الصنف الثالث من أصناف المتخلفين فالأول هم المنافقون، والثاني هم التائبون، والثالث هو المقصود بهذه الآية وهم ثلاثة أنفار: كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية .. فهؤلاء لم يأتوا الرسول صلى الله عليه وسلم ليعتذروا إليه كما فعل التائبون المتصدقون بأموالهم منهم أبو لبابة ؛ حيث ربطوا أنفسهم في سواري المسجد فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بمقاطعتهم حتى يحكم الله فيهم، وهو معنى قوله تعالى: مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة:106]، فإن عذبهم أو تاب عليهم فذلك لعلمه وحكمته، وبقوا كذلك حتى ضاقت بهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم، ثم تاب الله تعالى عليهم كما جاء ذلك بعد كذا آية من آخر هذه السورة].

    هداية الآيات

    أما هداية الآيات تأملوها.

    قال: [ من هداية الآيات:

    أولاً: الصدقة تكفر الذنوب ] إلى يوم القيامة، الصدقة من المال الحلال التي يراد بها وجه الله تكفر الذنوب [ ونطهر الأرواح من رذيلة الشح والبخل ]، فالمصاب بالشح والبخل لا علاج له إلا الصدقة، فإن أصبح يتصدق زال شحه وبخله.

    إذاً: الصدقة علاج لمرض الشح والبخل، والصدقة تطهر الذنوب وتمحوها وتكفرها وتسترها، وتزكي النفس وتطهرها؛ لقوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة:103]

    [ ثانياً: يستحب لمن يأخذ صدقة امرئ مسلم أن يدعو له بمثل: آجرك الله على ما أعطيت، وبارك لك فيما أبقيت ]؛ لقوله تعالى: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ [التوبة:103] أي: ادع لهم، فعلى المؤمن إذا تصدق عليه أخوه بصدقة يجب أن يدعو له أخذاً بهذه الآية الكريمة.

    [ ثالثاً: ينبغي للتائب من الذنب الكبير أن يكثر بعده من الصالحات كالصدقات، والصلوات.. ونحوها ]؛ لقوله تعالى: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [التوبة:104] إذاً: ينبغي للتائب من الذنب الكبير أن يكثر بعده من الصالحات كالصدقات والصلوات والذكر.. وما إلى ذلك.

    [ رابعاً: فضيلة الخوف والرجاء ] أما قال تعالى: وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ [التوبة:106]؟

    [ فضيلة الخوف والرجاء فالخوف يحمل على ترك المعاصي، والرجاء يعمل على الإكثار من الصالحات ]، ولهذا العبد الصالح له جناحان يطير بهما: جناح الرجاء، وجناح الخوف؛ حتى يصل باب الجنة، ومن انكسر جناح من جناحيه هبط.

    الذي أصبح كله رجاء ولا يخاف من الله ارتكب أكبر المعاصي وهلك، والذي خاف فقط وترك الرجاء قد ينتحر ويهلك، فالفائزون هم الذين لهم جناحان: جناح الرجاء وهو الطمع والرغبة فيما عند الله، وجناح الخوف من الله ومن معصيته، وعليهما يسيرون إلى باب الجنة.

    والله تعالى أسأل أن يجعلنا منهم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756222341