إسلام ويب

قيام رمضانللشيخ : محمد مختار الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من أجل نعم الله على عباده أن امتن عليهم بهدايتهم إلى الخير، وتحديد مواسم للتركيز فيها على أنواع من العبادات، ومن هذه المواسم شهر رمضان الذي يعد من أهم مواسم الطاعات. ومن أهم الطاعات التي يعتبر رمضان موسماً لها قيام الليل، ففيه مناجاة للحي القيوم، واتباع لسنة رسولنا صلى الله عليه وسلم، ولو لم يكن في رمضان إلا ليلة القدر وما فيها من الفضل، لكفى بها مزية لهذا الشهر.

    1.   

    فضل قيام الليل

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعــد:

    فإن من أجل الطاعات وأفضل القربات التي يحبها الله عز وجل قيام الليل، فقيام الليل دأب الصالحين وشأن عباد الله المتقين كما أثنى الله عليه في كتابه المبين، وهذا الشهر -أعني: شهر الصيام- فرض الله عز وجل على عباده المؤمنين صيامه، وندب رسول الهدى صلى الله عليه وسلم إلى قيامه، فحري بالمسلم أن يشحذ همته لقيام هذا الشهر المبارك، اقتداءً وامتثالاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه).

    وقيام الليل فضيلة من الفضائل ونعمة من أجل نعم الله على عباده، فالله إذا أحب عبداً من عباده فتح له أبواب رحمته ويسر له سبيل طاعته، فينشرح صدره للخير، وقد امتن الله بهذه النعمة على نبيه فقال: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشرح:1] فإذا أراد الله بعبده خيراً شرح صدره لهذه الطاعة وسهلها عليه، ولا يزال المؤمن يحفظ قيامه من الليل حتى يكون أحب إليه من نفسه التي بين جنبيه، بل وتجده يضجر ويسأم ويتألم إذا حُرِم ذلك القيام، إذا حُرِم مناجات الله جل جلاله والوقوف بين يديه في ساعة هدأت فيها العيون وسكنت فيها الجفون وهو ينادي الحي القيوم.

    وقد أثنى الله عز وجل على أقوام أحبوا الآخرة فجدوا في ليلهم في القيام، فقال سبحانه وتعالى عنهم: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ [السجدة:16] وقال سبحانه وتعالى شاهداً بفضل هؤلاء وأنهم أهل خوف ورجاء: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ [الزمر:9].

    فمن يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه يحيي ليله بذكر الله جل جلاله؛ لعلمه بفضيلة هذه المنـزلة، وبعلو درجة هذه القربة عند الله سبحانه وتعالى، ولذلك لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فضائل الأعمال قال: (وركعتان يركعهما المؤمن في جوف الليل الآخر) أي: ومن أحب الطاعات إلى الله ركعتان يركعهما المؤمن في جوف الليل الآخر في ساعة يكون فيها الدعاء أسمع، والإجابة أرجى من الله جل جلاله.

    1.   

    هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم في قيام الليل

    قيام رمضان السنة فيه أن يهتدي المسلم بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه، فكان صلوات الله وسلامه عليه قوام لليل في رمضان وغير رمضان، وكانت سنة ماضية في سائر العام لكنه إذا دخل عليه رمضان ودخلت عليه العشر الأواخر من رمضان شد مئزره وأحيا ليله صلى الله عليه وسلم وأيقظ أهله؛ كل ذلك لكي تنتبه الأمة لفضل هذا الشهر عموماً ولفضيلة العشر الأواخر فيه خصوصاً، ففيها ليلة هي أفضل من ألف شهر يقومه العبد لله جل جلاله، وهي الليلة التي يقول العلماء: إن الله اختارها من العام كله، فأفضل ليلة في العام كله بل في الدهر كله هي ليلة القدر، ولذلك اختارها الله لنـزول القرآن كما أخبر سبحانه وتعالى في سورة أنزلها للدلالة على شرفها وفضلها.

    وكان هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في قيام الليل أكمل الهدي وأجمله وأحسنه وأفضله، ما كان صلى الله عليه وسلم يقوم الليل فيبالغ في قيامه، ولا كان على منهج الرهبانية والغلو في العبادة، برئت سنته صلوات الله وسلامه عليه من الغلو والتشدد، ولذلك كان ينام ويقوم عليه أفضل الصلاة والسلام.

    قال عليه أفضل الصلاة والسلام: (أما إني أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني، فمن رغب عن سنتي فليس مني) ولما سأله عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه وعن أبيه أن يواصل قيام الليل منعه، فكذلك ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه أحيا الليل على أجزائه الثلاثة، فقام أول الليل وقام أوسط الليل وقام آخر الليل وانتهى وتره وقيامه عليه الصلاة والسلام إلى آخر الليل.

    ولذلك قال العلماء: السنة ألا يكون القيام لليل كاملاً، واستثنى بعض العلماء ليالي العشر الأواخر فقالوا: الأفضل أن يجتهد في قيامها ولو استغرق الليل كاملاً بالقيام فلا بأس؛ لأن عائشة رضي الله عنها قالت: (وأحيا ليله) فدل على أنه لم يكن ينام عليه من الله أفضل الصلاة وأزكى السلام.

    كان من هديه عليه الصلاة والسلام أن يقوم آخر الليل ولذلك قال العلماء: الأفضل أن ينام المسلم أول الليل ويكون قيامه آخر الليل لعدة أمور:

    أولها: أن هذا الوقت هو أفضل الأوقات وأشرفها بالليل؛ لأن الله أختاره بنـزوله فينـزل إلى السماء الدنيا نزولاً يليق بجلاله وعظمته وكماله، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم من غير تأويل ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تمثيل، نزولاً حقيقياً يليق بجلاله سبحانه وكماله، فينادي: هل من تائب فأتوب عليه، هل من داعٍ فأستجيب دعاءه، هل من مستغفرٍ فأغفر له، فهذا يدل على فضل آخر الليل.

    وقال بعض العلماء: إن الأفضل للإنسان أن يقوم الثلث الأخير إذا كان واثقاً من القيام، أما إذا غلب على ظنه أنه سينام وأنه لا يتمكن من القيام في آخر الليل فالأفضل أن يؤخر إلى نصف الليل؛ وذلك لأن نصف الليل أقرب إلى الثلث الآخر، وكلما كان القيام قريباً من وقت الفضيلة كلما كان له حظ من الأجر، قالوا: فيؤخر قيامه إلى الثلث الأوسط من الليل؛ لأنه سيتعب في الانتظار ويجد المشقة والجهد وقد قال عليه الصلاة والسلام: (ثوابك على قدر نصبك) فدل على أن النصب والتعب يزيد في أجر العبادة وأجر القربة، فقالوا: يفضل ألا يقوم من أول الليل وإنما يتأخر إلى قدر نصف الليل ويحيي هذا القدر.

    وقال بعض العلماء: إذا كان يتأخر إلى نصف الليل ويؤدي ذلك إلى ضياع صلاة الفجر عليه أو أنه يصلي وهو مجهد منهك لا يفقه القرآن ولا يتفهمه فالأفضل أن يصلي عقب العشاء؛ لأنه أقدر على فهم وتدبر القرآن وأكمل في خشوعه وهو يناجي ربه.

    وكان من هديه عليه الصلاة والسلام أنه ينام أول الليل، ففي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه بات مع النبي صلى الله عليه وسلم عند خالته ميمونة، وهذا يدل على فضل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وحبهم للخير، هذا الغلام صغير السن ولكنه كبير بعلمه وفضله ونبله وحبه لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، بحث عن هديه حتى نام معه عليه الصلاة والسلام لكي يرقب وينظر ماذا يكون من هديه وسنته إذا قام من الليل، فبات في عرض الوسادة كما في الصحيحين، قال: نام عليه الصلاة والسلام حتى نفخ وابن عباس رضي الله عنه يراقب رسول الله صلى الله عليه وسلم مراقبة دقيقة لكي يحفظ للأمة هذا الهدي وهذه السنة؛ فنسأل الله العظيم أن يعظم أجره وثوابه بما حفظ من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    قال: (فقام أي: قام رسول صلى الله عليه وسلم -هذا بعد شطر الليل- فأول ما كان من قيامه عليه الصلاة والسلام أن مسح النوم من على عينيه ثم تلا الآيات من آخر سورة آل عمران: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ [آل عمران:190] ثم لما ختمها قال صلوات الله وسلامه عليه: ويل لمن قرأهن ولم يتعظ بهن، ويل لمن قرأهن ولم يتعظ بهن) لأنهن آيات عظيمة تدل على عظمة الله جل جلاله فقلب لا يخشع لها ولا يتأثر بها فويل له، ويل له إن لم يتداركه الله برحمته.

    كان بعض العلماء يقول: من أحب أن يعرف مقدار خشوعه وتأثره فليقرأ هذه الآية، ولينظر هل هو متعظ بما فيها ومتأثر بها أم لا حتى يعرف مقدار منـزلته من الخشوع وتأثره بكلام الله جل جلاله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم اختارها ورتب الوعيد على عدم التأثر بها؛ فدل على أنها آيات عظيمة، قال: (فلما فرغ منها قام عليه الصلاة والسلام فأفرغ من شنٍ -يعني: من قربة- فتوضأ فأسبغ الوضوء) وللوضوء في ظلمة الليل خاصة في ليالي الشتاء لذة يعرفها من يعرفها وحلاوة لو ذاقها المؤمن قل أن يتركها، ففيها غفران الذنوب ورفعة الدرجات: (ألا أنبئكم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ إسباغ الوضوء على المكاره).

    قال بعض العلماء: إسباغ الوضوء في جوف الليل الأظلم في شدة الليلة الباردة الشاتية.

    تقوم من مضجعك ومن مكان سكونك وراحتك لكي تناجي الله جل جلاله فتصب الماء على أعضائك، فإذا وجدت شدة البرد وأذى البرد على جوارحك وجدت لذة العبودية والطاعة والقربة لله سبحانه.

    ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد إذا نام مع حبه وزوجه وقام من الليل لكي يتهجد قال الله تعالى: يا ملائكتي! عبدي ما الذي أقامه من حبه وأهله؟ قالوا: إلهنا يرجو رحمتك ويخشى عذابك، فيقول الله تعالى: أشهدكم أني أمنته من عذابي وأصبته برحمتي) .. (فقام صلى الله عليه وسلم فأفرغ الماء فتوضأ فأسبغ الوضوء) قال ابن عباس: فأسبغ الوضوء ولها معنى؛ لأن هذا الوقت وهو الوضوء في الليل كما ذكرنا غالباً يكون فيه الماء بارداً فمن فقه ابن عباس قال: فأسبغ الوضوء، أي: في وضوئه عليه الصلاة والسلام كان على الكمال وذلك بأن يكون ثلاثاً، قال: (ثم قام فقمت فصنعت مثلما صنع).

    الهدي النبوي في استفتاح قيام الليل

    وكان من هديه عليه الصلاة والسلام إذا استفتح قيام الليل يستفتحه بركعتين خفيفتين لا يطول فيهما القراءة، وقال العلماء: إن هذا من أكمل الهدي؛ لأن المسلم إذا قام من الليل أو الإنسان إذا قام من الليل فإنه يقوم وقد تعلقت نفسه بالراحة والدعة والسكون فإذا هجم على العبادة وأطال القيام فإنه قد يمل وقد يسأم؛ ولذلك ابتدأ عليه الصلاة والسلام بالشيء الخفيف حتى تألفه النفس ويستطيع بعدها أن يطول ما شاء.

    قالوا: ومن الفوائد والحكم التي شرع الله بها السنن الرواتب قبل الصلاة أنها تعين على الخشوع أكثر؛ فإنه إذا دخل بركعتين نافلة قبل الفريضة فإن هذا يعين على الخشوع أكثر، وهذا مجرب، فأنت إذا تأملت إلى الناس ونظرت إلى المبكرين إلى المساجد والذين يحرصون على حضور الصلاة إما قبل الأذان أو لا يؤذن إلا وهم في المسجد تجدهم أخشع الناس قلباً في الصلاة، ومن تجده يتأخر ويتقاعس ولا يأتي إلا على الإقامة تجد خشوعه أقل وتأثره بالقرآن أقل، بل تجد ذلك في نفسك جلياً ظاهراً فإنك ما حرصت على التبكير وابتدأت العبادة بالنافلة قبل الفريضة إلا قويت على الفريضة أكثر.

    ولذلك قالوا: استفتح قيام الليل بالركعتين الخفيفتين فإنه أدعى لتدبر القرآن وأدعى أيضاً للأعضاء أن تقبل على حركات العبادة وقد استجمت وهيئت بهاتين الركعتين الخفيفتين.

    كان صلى الله عليه وسلم يستفتح قيام الليل بالركعتين الخفيفتين واستحب العلماء أن يكون دعاء الاستفتاح في قيام الليل من طوال الأدعية؛ لأن أدعية الاستفتاح تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

    الأول: دعاء محض.

    الثاني: تمجيد محض.

    الثالث: ما اشتمل على الدعاء والتمجيد معاً.

    فقالوا: يفضل أن يكون استفتاحه بالدعاء الطويل كما في حديث علي الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه استفتح الصلاة بقوله: (وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنوبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت...) إلى آخر الدعاء الطويل.

    قالوا: إن الأفضل أن يبدأ به؛ لأنه أدعى لتهيئ النفس لصلاة الليل أكثر.

    فلما فرغ عليه الصلاة والسلام وكان إذا فرغ من الركعتين صلى ثمان ركعات، يصلي أربعاً لا تسأل عن حسنهن وطولهن، وكان يصليها عليه الصلاة والسلام فلا يجلس للتشهد إلا في آخر الأربع الركعات، أي: يصليها أربع متصلة وهذا جائز في النوافل، فأنت إذا أردت أن تصلي أربع ركعات إن شئت وصلت وإن شئت فصلت، إلا أن السنة في الوصل ألا تجلس للتشهد بينهما بين كل اثنتين من الركعات.

    ثم قال: (فإذا انتهى عليه الصلاة والسلام من الأربع الأولى صلى بعدها أربعاً ثم أوتر عليه الصلاة والسلام).

    وكان قيامه صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة ركعة وهي الثابتة في الحديث الصحيح عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة -ثم فصلت ذلك وقالت:- يصلي أربعاً لا تسألوا عن حسنهن وطولهن) وهذا يدل على طول القيام، واختلف العلماء رحمة الله عليهم في مسألة طول القيام وعدد الركعات.

    فقال جمع من أهل العلم: الأفضل في صلاة الليل طول القيام مع قلة العدد بحيث لا يزيد على إحدى عشرة ركعة من ناحية الفضيلة لا سبيل الوجوب واللزوم، وهذا مذهب الجمهور: أن الأفضل في قيام الليل طول التلاوة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، فكان يصلي أربعاً لا تسألوا عن حسنهن وطولهن.

    ومما يدل على رجحان هذا القول: ما ثبت في الصحيح من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أفضل صلاة الليل. فقال: (طول القنوت) أي: الأفضل فيها طول القنوت، يعني: القيام، ولذلك استدل به جمهور العلماء على أن الأفضل لك أن تطيل القراءة ويكون العدد بهذا الحساب الذي أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فضلاً لا فرضاً؛ أي: أنه على سبيل الفضيلة لا على سبيل الفريضة، واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقال: إنه على سبيل الفضيلة -كما نص عليه في المجموع- وأنه لا يقصد منه أن من زاد عليه أو انتقص منه أنه لا يجوز؛ فنص على أنه ليس على سبيل اللزوم وإنما هو على سبيل الفضيلة.

    وقال بعض العلماء: الأفضل أن يكثر من عدد الركعات ولو قل قيامه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله عمرو بن عبسة مرافقته في الجنة قال: (أسألك مرافقتك في الجنة؟ فقال: أعني على نفسك بكثرة السجود) قالوا: فهذا يدل على أن الأفضل في صلاة الليل أن يكثر من السجود، وإذا أكثر السجود لا شك أنه سيخفف من قيامه حتى يكون العدد أكثر.

    والذي يترجح هو القول الأول: أن الأفضل طول القنوت، ولذلك ثبت في الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه (أنه قام مع النبي صلى الله عليه وسلم فأطال عليه الصلاة والسلام القراءة حتى هم عبد الله بأمر سوء قيل له: وما هممت؟ قال: هممت أن أتركه وأذهب) وهذا من طول قراءته عليه الصلاة والسلام.

    الهدي النبوي في مقاربة الركوع والسجود في القيام

    كان من هديه عليه الصلاة والسلام مقاربة ركوعه وسجوده لقيامه، كما في حديث أنس رضي الله عنه وأرضاه، وما ألذ القيام إذا كان بهذه المثابة، أن يكون ركوع الإنسان قريب من قيامه وسجوده فهذا من أفضل ما يكون فإنه يجمع بين الفضائل كلها، فيجمع بين فضيلة تلاوة القرآن وفضيلة التسبيح وذكر الله جل جلاله وفضيلة الدعاء في السجود، فيصيب الفضائل على أتم الوجوه وأكملها، ولذلك استحب العلماء أن يكون في الصلاة اتزان من حيث طول الركوع وطول السجود وهذا كله إذا صلى الإنسان لوحده.

    أما إذا صلى بالناس ووراءه الضعيف والسقيم والكبير وذا الحاجة وحطمة الناس فإنه يرفق بهم ويحاول إصابة السنة قدر استطاعته، ولكن لا يشق على الناس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل أشياء شرعها للأمة وكذلك نص على أشياء بقوله تشريعاً للأمة فقال: (إذا صلى أحدكم بالناس -وفي رواية- إذا أم أحدكم بالناس فليخفف) فنص على أنه ينبغي له أن يراعي أحوال الناس، فقال: (فإن وراءه السقيم والشيخ الكبير وذا الحاجة) وإذا صلى لوحده فليطول ما شاء .

    فلما ثبت قيامه بالليل لوحده صلى الله عليه وسلم وطول قالوا: إذا كان الإنسان إماماً في صلاة التراويح يراعي أحوال الناس، فلا يخفف تخفيفاً يفوت به الفضل على الناس ولا يطول بهم إطالة يملون بها كتاب الله عز وجل أو الوقوف بين يديه، وهذا أمر يرجع إلى نظر الإمام وتوفيق الله عز وجل له، فالله تعالى إذا أراد للإمام الخير وضع له القبول بين الناس، فإن الإمام إذا راعى أحوال الناس ورفق بهم ووسع عليهم في الحدود الشرعية وجعلهم يحبون الصلاة وراءه ويرتاحون لذكر الله وراءه فإن هذه غنيمة عظيمة وخير كثير، ولا شك أن الناس يحبون الخير ويقبلون عليه ويزدادون رغبة فيه وهذا أفضل مما لو طول وفوت على الناس حب الخير وفوت عليهم الحرص على شهوده، فلا شك أن الأفضل والأكمل إذا كان هناك رفق أن يراعي من يحتاج إلى الرفق من المأمومين.

    من الهدي النبوي: تعظيم الله في الركوع

    كان من هديه عليه الصلاة والسلام: تعظيم الله في الركوع، يركع فيطيل في ركوعه ويعظم الله ويكثر من الثناء عليه، ففي الحديث الصحيح أنه كان من تعظيمه وتمجيده لربه قوله: (سبوح قدوس رب الملائكة والروح) وثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يدعو في سجوده في قيام الليل ويختار الأدعية العظيمة التي فيها سلامة العبد في دينه، ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام كما في الحديث الصحيح عن أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: (افتقدت النبي صلى الله عليه وسلم فجالت يدي فوقعت على قدمه ساجداً يقول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك) فنسأل الله أن يثبت قلوبنا على دينه.

    فانظر إلى حكمته وعلمه بربه وبصيرته صلوات الله وسلامه عليه كيف اختار هذا الدعاء الذي فيه سعادة الدين والدنيا والآخرة وفلاحهما فقال: (ثبت قلبي على دينك) قال العلماء: يستحب أن يختار الداعي في قيام الليل أفضل الدعاء وأجمعه، وليس هناك أفضل ولا أجمع من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم كهذا الدعاء العظيم ونحوه من الأدعية المأثورة.

    الهدي النبوي في صلاة الوتر

    كان من هديه عليه الصلاة والسلام أنه يصل وتره فيكون بالخمس ويكون بالسبع ويكون بالتسع متصلة ويكون بالإحدى عشرة متصلة، ولا حرج أن يوتر بالواحدة منفصلة، وأن يوتر بالثلاث متصلة وأن يوتر بالخمس متصلة وبالسبع وبالتسع كل ذلك جائز ومشروع، ولذلك ثبت عنه عليه الصلاة والسلام الإذن بالفصل وكذلك فعله بالوصل، ومن إذنه بالفصل قوله عليه الصلاة والسلام: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الفجر فليوتر بواحدة) قال بعض العلماء: أنه قال (فليوتر بواحدة) فاستوى أن يكون فصلاً أو يكون وصلاً.

    والسنة في قيام الليل أن يكون وتراً بهذه الركعة التي ذكرنا وهذه الركعة هي الوتر وهي فضيلة وليست بفريضة على أصح قولي العلماء، وهو قول جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية وأهل الحديث أن الوتر سنة وليست بفريضة، والأصل في سنيته قوله عليه الصلاة والسلام في الصحيحين لما سئل عما فرض الله من الصلوات؟ قال: (فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات) فلو كانت الوتر واجباً لكانت الصلوات ستاً.

    وكذلك ثبت عنه في الحديث الصحيح من حديث طلحة بن عبيد الله : (أنه لما سأله الرجل: ما الذي فرض الله من الصلوات؟ قال: خمس، قال: هل عليَّ غيرها؟ قال: لا. إلا أن تطوع) فدل على أن الوتر فضيلة وليس بفريضة، وقال بعض العلماء بفرضيته كما هو مذهب الإمام أبو حنيفة رحمة الله عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم، وهي الوتر وجعلها لكم ما بين صلاة العشاء والفجر) والذي يظهر أن هذا الحديث المراد به في الفضيلة وليس الفريضة، ولذلك جاء بمثل سياقه في ركعتي الفجر فدل على أنها فضيلة وليس بفريضة، فيحمل على الندب والاستحباب لا على الحتم والإيجاب.

    والسنة في الوتر أن يكون مرة واحدة، أي: يوتر في ليله كله مرة واحدة ولا يكرر الوتر لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا وتران في ليلة) كما رواه الترمذي في سننه.

    قال العلماء: نهي عن الوترين في ليلة؛ لأنه إذا صلى الوتر مرتين أصبح العدد شفعياً، والمقصود في قيام الإنسان بالنافلة في الليل أن يكون العدد وترياً لا شفعياً، وأخذ بعض العلماء من هذا دليلاً على أن من أوتر في أول الليل وقام في آخر الليل أنه يصلي ركعة ينقض بها الوتر الأول، لأن قوله: (لا وتران في ليلة) يدل أن الوتر ينقض الوتر وإذا ثبت هذا فإنه ينقض الوتر الأول بالوتر الثاني، ثم يصلي شفعاً ما شاء ثم يوتر لكي يحصل الفضيلة في قوله: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) إذا صلى في أول الليل وأوتر ثم أراد الله أن يقوم في آخر الليل فأحب أن يصلي فهو بالخيار بين ثلاثة أشياء:

    الحالة الأولى: إما أن ينقض الوتر الأول بركعة ثم يصلي ما شاء ثم يوتر، وهذا هو المأثور عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ويدل عليه حديث الترمذي: (لا وتران في ليلة) حيث دل على أن الوتر ناقض للوتر.

    الحالة الثانية: أن يصلي ركعتين ركعتين ولا يوتر؛ لأن الوتر الأول أجزأه، ويدل على هذه الحالة ما ثبت في الصحيح من حديث أم المؤمنين عائشة وغيرها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين بعد الوتر).

    قال العلماء: صلاهما لبيان الجواز وأنه لا حرج على المسلم أن يصلي الشفع بعد الوتر، ولكن هذه الصورة الثانية يشكل عليها أنه يفوت على نفسه الأفضل والأكمل، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) وهذا يدل على أن المستحب والمرغب فيه أن يكون دعاء الوتر في آخر الليل، فإذا كان سيصلي ركعتين ركعتين يكون وتره لأول الليل لا لآخر الليل.

    الحالة الثالثة: وهو ضعيف ومرجوح يعارض حديث الترمذي الذي ذكرناه فهو أن يصلي ركعتين ركعتين ثم يوتر ثانية، وهذا قول مرجوح والصحيح أنه يقتصر إما على نقض الوتر أو يصلي شفعاً بعد وتره على ظاهر حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها.

    1.   

    جواز صلاة الليل بالسر والجهر

    يجوز في صلاة الليل في قراءتها الجهر والسر ولا حرج عليه أن يجهر ولا حرج عليه أن يسر، ولكن الأفضل أن يجهر بقدر ما يسمع نفسه؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم ندب عمر إلى أن يخفض من صوته وأبا بكر أن يرفع من صوته وهذا هو العدل والوسط الذي أمر الله به.

    قال العلماء: إنه لو رفع صوته بتلاوة القرآن ذهب خشوعه وضعفت نفسه عن فضائل هي آكد وأبلغ، ولذلك قالوا: يرفع قليلاً بقدر ما يسمع نفسه فهذا هو الأفضل له والأكمل؛ لأنه يكون على نشاط؛ ولأنه إذا رفع من صوته وسمع بإذنه حصل له فضيلة التلاوة وفضيلة التأثر بصورة أبلغ مما لو قرأ في سره.

    1.   

    مسألة: أيهما أفضل: القراءة غيباً أم النظر؟

    كما يستحب في قراءة الليل أن يقرأ من القرآن بالنظر وأن يقرأ غيباً، وهل الأفضل أن يقوم في الليل بالقرآن أو غيباً؟ مسألتان:

    المسألة الأول: أنه يجوز له أن يقرأ بالقرآن نظراً، والأصل فيه أن عائشة رضي الله عنها كانت تأمر مولاها ذكوان أن يقوم بالليل بالمصحف، ونص جماهير العلماء على أنه لا حرج أن يصلي في صلاة الليل وهو ينظر إلى المصحف لكن: هل الأفضل أن يقرأ بالمصحف أو يقرأ غيباً؟

    قال بعض العلماء: الأفضل أن يقرأ غيباً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ غيباً؛ ولأنه إذا قرأ غيباً انشغلت أحاسيسه وانشغل ذهنه بتذكر الآيات وضبطها وأدائها من دون نقص أو خلل، وهذا جهد وتعب يكون أبلغ في الأجر والمثوبة.

    ولأنه إذا حمل المصحف انشغل بحمله وكلف نفسه حمله، والأفضل له أن يكون نظره إلى السجود وذلك أقوى وأدعى للخشوع فيه، فلذلك قالوا: الأفضل أن يكون غيباً ولا يكون نظراً.

    وقال بعض العلماء: الأفضل أن يقرأ بالمصحف سواء في الصلاة أو في غير الصلاة؛ لأنه يأمن الخطأ ولأنه أدعى لضبط القرآن فهي فضيلة متصلة؛ ولأن القراءة من المصحف تفرغه في التفكر في الآيات أكثر والتدبر فيها أكثر.

    والذي يترجح هو القول الأول؛ لأنه هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته، فالأفضل له أن يقرأ غيباً إلا إذا خشي الخطأ فإنه يحتاط بكتاب الله ويكون قريباً منه، فإذا كان القرآن في جيبه جاز له أن يخرجه وينظر فيه؛ لأنها حركة يسيرة ومن أجل مصلحة الصلاة، وتجوز الحركة إذا كانت يسيرة لمصلحة الصلاة، إلا أن هنا خطأ ينبغي التنبيه عليه وينبغي على طلاب العلم أن ينبهوا الناس عليه خاصة في المساجد الكبيرة أثناء صلاة التراويح، فإنك ترى الرجل حاملاً للقرآن وينظر في كتاب الله عز وجل، فإذا سمع الإمام أخطأ رفع صوته ليرد عليه، وقد يكون بعيداً عن الإمام ويكون الإمام في موضع لا يسمع فيه رده ولا يبلغه صوته، وهذا لا شك أن فيه تشويشاً على المصلين وفيه كلاماً من دون حاجة، ولا يجوز له أن يتكلم إلا من ضرورة وحاجة، فلذلك قال صلى الله عليه وسلم: (إذا قرأ فأنصتوا) والمسألة عامة حتى من يقف وراء الإمام أو يكون في المسجد والإمام يخطئ لا ينبغي لهم أن يتعجلوا في الفتح على الإمام مادام هناك من يتولى هذا الأمر، وما دام أن هناك حفاظ وراء الإمام يردون عليه إذا أخطأ، فالسنة أن يسكت الناس وأن ينصتوا لكتاب الله عز وجل، وأن يتفرغوا بما ينبغي أن يتفرغ له المأموم من الخشوع والتأثر بكتاب الله.

    أما حملهم للقرآن أنه سيتكلف هذا الحمل، ثم إذا نظر إليه تكلف النـظر للقرآن وهذا قد يفوت عليه فضيلة الخشوع والتأثر بكتاب الله عز وجل وبسماع الآيات، فينبغي للناس أن ينصحوا ويوجهوا ذلك، أنه لا حاجة إلى حمل المصاحف خاصة في المساجد العامة والتي لا يحتاج فيها إلى حمل المصحف من المأمومين.

    والسنة في القراءة أن تكون مرتلة فإذا قام المسلم من الليل فالأفضل له أن تكون قراءته مرتلة.

    قال بعض العلماء: الأفضل أن تكون القراءة فوق التجويد ودون الحدر أي: بين بين، والسبب في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ الطوال في قيامه من الليل ولا يتأتى ذلك إلا بطريقة الحدر ولذلك قالوا: الأفضل له أن يقرأ قراءة فوق القراءة المتأنية ودون القراءة السريعة، أما إذا كان وراءه المأموم فإنه يراعي تأثر الناس، والقراء يختلفون على حسب حدرهم وتجويدهم، فبعض القراء تتأثر بقراءته إذا حدر ورتل، وبعض القراء تتأثر بقراءته أكثر إذا جود، ولذلك يراعي تأثر الناس بقراءته، ولا حرج عليه إن قرأ بهذه الصفة أو هذه الصفة فالأمر واسع في قيام الليل؛ لأن المقصود التأثر بكتاب الله عز وجل وبكلامه.

    1.   

    أمور ينبغي مراعاتها في قيام الليل

    وفي قيام الليل أمور خاصة في رمضان ينبغي التنبيه عليها:

    الإخلاص لله عز وجل

    أولها وأعظمها وأجلها وأفضلها: الإخلاص لله جل جلاله، فمن خرج من بيته إلى بيت من بيوت الله فيخرج وليس في قلبه إلا الله، لا يخرج رياءً ولا سمعة ولا من أجل ثناء الناس: (فمن راءى راءى الله به ومن سمّع سمّع الله به) ولقد عتب الله على أقوام إذا قاموا إلى الصلاة قاموا وهم كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً، عتب الله على هؤلاء وذكر أن مصيرهم إلى الدرك الأسفل من النار وساءت مصيراً، نسأل الله بعزته وجلاله أن يعافينا من الرياء وأن يحفظنا منه.

    فليحرص المسلم على أن يخرج إلى بيت الله مخلصاً لوجه الله جل جلاله، ولا ينتظر من أحد أن يمدحه أو يثني عليه؛ ولذلك كان بعض العلماء يقول: لا يبلغ العبد درجة الإخلاص حتى يتمنى أن صلاته وعبادته بينه وبين الله لا تراها عين ولا تسمع بها أذن، وهذا من أبلغ ما يكون من الإخلاص لله جل جلاله، فيبتعد عن البروز أمام الناس واختيار أماكن خاصة حتى يراه الناس ويثنون عليه بأنه قائم أو أنه العابد لا. وكان إبراهيم النخعي رحمه الله لا يجلس تحت سارية معينة خوفاً من الشهرة رحمه الله برحمته الواسعة، كانوا يخافون الرياء وثناء الناس ومدحهم، فمن مدحه الناس وأثنوا عليه في وجهه فبالغوا في ثنائه قطعوا عنقه -نسأل الله السلامة والعافية- لأن الإنسان لا يأمن أن تزل قدمه بعد ثبوتها، والمعصوم من عصمه الله.

    التبكير إلى المساجد

    أما الأمر الثاني: فالتبكير إلى المساجد؛ فإن المسلم إذا عظم طاعة الله وحرص عليها وأظهر لله من نفسه الشوق إليها والحرص عليها فضله الله وأعلى درجته؛ فإنك إن بكرت إلى الصلاة كنت أعظم الناس فيها أجراً؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط) فالرباط على الخير أن يبادر الإنسان ويبكر إلى قيام الليل، وهذا من أفضل ما يكون، على أن يكون أول داخل للمسجد وآخر من يخرج من المسجد، وهذه نعمة من الله إن اختار الله العبد لذكره وفرغ قلبه لذكره وجعله من أسبق الناس للخير، فهذه نعمة والله لا يعطي الدين إلا لمن أحب.

    قالوا: ومن دلائل حب الله للعبد أنك تجده بخير المنازل في الطاعة، قال صلى الله عليه وسلم: (ولا يزال أقوام يتأخرون حتى يؤخرهم الله) أي: يتأخرون عن الخير وهذا ورد في الصلاة، ولكن العلماء يقولون: وهي قاعدة عامة، فالمستبق إلى الخير والمسارع إلى الخير ليس كغيره، ولكل درجات مما عملوا؛ ولذلك ينبغي المبادرة والتبكير ما أمكن وذلك لما فيه من عظيم الثواب والأجر عند الله سبحانه وتعالى.

    الحرص على أداء السنن

    ثالثاً: إذا دخل المسلم المسجد فليحرص على أداء السنن والتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في الأذكار والهيئات ويبادر إلى الصف الأول، وينبغي التنبيه على عدم تخطي الرقاب وعدم أذية الناس في المسجد بمضايقتهم أو الجلوس بين اثنين على وجه يزعجهم أو يقلقهم أو يشوش عليهم في صلاتهم، فهناك كبير السن وهناك من هو محتاج إلى سعة قليلة في المكان لضعف في بدنه أو آفة في قدمه أو جسده فينبغي الرفق بمثل هؤلاء خاصة إذا بكروا وأتوا إلى المسجد مبكرين فهم أحق بذلك لمكان السبق، فينبغي للمسلم أن يبتعد عن أذية الناس.

    الحرص على عدم أذية الناس

    رابعاً وهي من علامات القبول والتوفيق: أن العبد يؤدي العبادة فيسلم الناس من شره ويسلم الناس من أذيته، وما الفائدة إذا كان يطيع الله جل جلاله ويؤذي عباده؟! فتكون حسنات طاعته لمن آذاه والعياذ بالله، فلذلك يحرص المسلم على ألا يؤذي المصلين خاصة أهل الصفوف الأول والمبكرين إلى المسجد ونحوهم، هؤلاء يحرص على عدم مضايقتهم وعدم التضييق عليهم ما أمكن.

    1.   

    مسألة: حكم حجز المكان في المسجد

    وهنا مسألة حجز المكان فإن من الأمور التي لا يجوز فعلها في المسجد حجز المكان في المسجد إلا في حالة واحدة وردت السنة بالإذن بها وهي أن يخرج الإنسان إلى قضاء حاجته، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا قام أحدكم من مقعده لحاجته ثم عاد إليه فهو أحق به) أما أن يحجز الرجل مكانه فيصلي المغرب ويضع سجادته ويذهب إلى بيته فيأكل ويترفق حتى إذا بقي على الإقامة اليسير يأتي يتخطى رقاب الناس ويؤذي الناس إلى ذلك المكان الذي هو في الصفوف الأول ولا يصل إليه إلا بعد أذية كثير من المصلين فهذا لا يجوز ولا شك أنه ظلم وأذية، إذ لو فتح هذا الباب لكل واحد لما وسع كل رجل إلا أن يضع سجادة ويذهب، فلا يجوز الحجز إلا إذا كان في المسجد وخرج لقضاء الحاجة، أما غير ذلك فبيوت الله لله: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ [الجن:18] يستوي فيه الفقير والغني والجليل والحقير والرفيع والوضيع كلهم سواء في بيت الله جل جلاله، لا يجوز للمسلم أن يحجز مكاناً ويدعي أن هذا المكان له وأن هذه السارية له بعينها له مكانها وأنه أحق بالجلوس فيها، كل ذلك مما يفوت على الإنسان الأجر وقد يوقعه في الإثم والوزر، نسأل الله السلامة والعافية.

    كذلك أوصي أخواتي المسلمات أن يتقين الله عز وجل في قيام الليل فأوصي المرأة المسلمة بما أوصي به الرجال لأنهن شقائق الرجل كما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    وعلى المرأة المسلمة إذا خرجت لقيام رمضان أن تبتعد عما حرم الله من إبداء الزينة وإبداء المفاتن، وأن لا تخضع بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض، وأن تقول قولاً معروفاً، وأن تخرج إلى بيوت الله خائفة من الله ترجو ثواب الله مخلصة لوجه الله تعصم نفسها وغيرها عن الفتن ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، وتبتعد عن مزاحمة الرجال وكذلك عن فتنتهم بالطيب والروائح ونحو ذلك، كل ذلك ينبغي على المرأة أن تتحفظ فيه وأن تتقي الله جل وعلا في إخوانها المسلمين، وأن تعلم أنها خرجت ترجو رحمة الله، وأنه لا يجوز أن تفتح على نفسها أو على إخوانها المسلمين أبواب الفتنة سواء كان ذلك بقول منها أو عمل.

    فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يبارك لنا في شهر شعبان، وأن يبلغنا شهر رمضان، وأن يجعلنا ممن صامه وقامه إيماناً واحتساباً، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

    1.   

    الأسئلة

    حكم ابتلاع الصائم للنخامة

    السؤال: ما حكم ابتلاع النخامة؟

    الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

    أما بعــد:

    فهذه المسألة مما تعم به البلوى وهي مسألة النخامة، والنخامة إذا كان الإنسان صائماً لا يخلو من ثلاثة أحوال:

    الحالة الأولى: أن يزدرد النخامة دون أن تبلغ فمه، كأن تكون في خياشيمه أو أنفه فيزدردها، أي: إلى جوفه دون أن يخرجها إلى فمه فهذا لا تفطر بإجماع العلماء رحمة الله عليهم، وهي من الجسم ومن داخله كتحرك الطعام في الجوف.

    الحالة الثانية: أن يخرج النخامة حتى تخرج من فمه ثم يعيدها فهو مفطر كالقيء إذا أخرجه ثم أعاده.

    الحالة الثالثة: أن يخرج النخامة في فمه ولا يخرجه عن شفتيه كالصورة الثانية فتكون في فمه فهل يفطر أو لا يفطر وجهان للعلماء:

    من أهل العلم من قال: النخامة كالقيء وهي البلغم الثقيل ويكون غليظ له قطع، أما إذا كان رقيقاً ومن الريق فهذا لا يضر، نحن نتكلم عن النخامة التي هي كالقطع، قالوا: إذا أخرجها إلى فمه فحكمها حكم القيء، والذي يظهر أنه من المشتبه الذي ينبغي اتقائه فاحتياط المسلم بقذفه وإلقائه أبلغ وأسلم، قال صلى الله عليه وسلم: (دع ما يريبك إلى مالا يريبك) والله تعالى أعلم.

    حكم القلس الذي يخرج من الصائم

    السؤال: ما حكم القلس الذي يخرج من الصائم وهل يعتبر مفطراً؟

    الجواب: ما خرج من الجوف وبلغ اللهاة، واللهاة هي: الفاصل بين الفم وبين الحلق، فاللهاة هي اللحمة المتدلية وهي الفاصل عند العلماء إذا قاء الإنسان أو خرج منه القلس فإنه إذا جاوز هذا المكان وأعاده فقد أفطر، فمن خرج منه طعام أو فضلة طعام وجاوز اللهاة إلى الفم ثم أعاده فإنه يعتبر مفطراً، وهذا بناءً على أن الفم من خارج لا من داخل فيستوي أن يكون قيءً أو يكون قلساً، والله تعالى أعلم.

    الإمساك عن الطعام عند سماع الأذان

    السؤال: إني أحبك في الله، انتشر في قريتنا أنهم يأكلون ويشربون حتى يقول المؤذن: الصلاة خير من النوم، فهل فعلاً هذا صحيح وجزاكم الله خيراً؟

    الجواب: الأصل من المؤذن أن يؤذن عند تبين الفجر الصادق من الفجر الكاذب وهذا هو الذي عناه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم) فإذا أذن المؤذن وجب الإمساك، لكن من كان في صحراء وأمكنه أن ينظر إلى السماء وعنده خبرة ومعرفة يعرف فيها الفجر الصادق من الفجر الكاذب ونظر أن الفجر باقٍ عليه، وأكل في هذا الوقت فإنه لا يفطر، أما أن يقال للناس: كلوا إلى قوله (الصلاة خير من النوم) أو كلوا واشربوا إلى أن ينتهي المؤذن فهذا خلاف الأصل، لأن الأصل في المؤذن أنه يؤذن عند تبين الفجر الصادق من الكاذب، وهذا هو الذي نص عليه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابت في الصحيحين، فلا يجوز الأكل إذا كان المؤذن حافظاً للوقت وضابطاً له وكان معروفاً أنه يؤذن عند تبين الفجر، فمن أكل أو شرب عندئذٍ فإنه يحكم بفطره، والله تعالى أعلم.

    فضل متابعة الإمام

    السؤال: ما معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة

    الجواب: القيام مع الأئمة فيه خير كثير؛ فإن لزوم جماعة المسلمين وإصابة دعوة الناس فيها خير كثير كما ثبت في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام قال: (ودعوتهم من ورائهم) فيشهد الخير ويشهد جماعة المسلمين ويصلي معهم، فندب إلى تكثير سواد الأئمة والحرص على الصلاة معهم لما في ذلك من نشاط النفوس على الخير وتشفعه أيضاً في إخوانه وجيرانه وأقاربه أن يشهدوا هذا الخير حينما يروه محافظاً عليه.

    قال العلماء: المقصود من هذا الحديث أنه إذا قام مع إمامه حتى ينصرف فيه ترغيب الناس في البقاء مع الأئمة وترغيب الناس في ألا ينصرفوا إلا مع الأئمة، لما فيه من حصول المعونة على الخير، وتشجيعهم أيضاً على القيام بالناس، هذا الحديث المراد به أن يبقى المصلي والمأموم مع الإمام حتى يقضي وتره وينصرف، سواء كان إماماً واحداً أو كان أكثر من إمام؛ لأن قوله عليه الصلاة والسلام: (من قام مع إمامه) هذا لفظ أريد به الجنس، يعني: جنس من يؤمه، سواء كان الإمام الراتب أو كان هناك أئمة يتناوبون؛ فلذلك قصد منه جنس الإمام: (من قام مع إمامه) قالوا: لأنه لما قعد وصبر واصطبر واحتسب الأجر كان أبلغ في عنائه ونصبه فورد له الفضل بالخصوص، فيندب إلى البقاء حتى يختم الأئمة صلاتهم وينتهون منها ويكون في ذلك إصابة دعوة الوتر وما في ذلك من رجاء الإجابة مع جماعة المسلمين، والله تعالى أعلم.

    حكم الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة

    السؤال: هل يجوز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة؟

    الجواب: قوله في الحديث الماضي: (كتب له قيام ليلة) قالوا: يكتب له أجر قيام الليلة كاملاً، وفرق بين قوله: (كتب له قيام ليلة) وبين الحكم في كونه قد قام الليلة كاملة، هناك فرق بين المسألتين وتوضيح ذلك في العشر الأواخر، ففي العشر الأواخر يندب إلى إحياء الليل، فبعض الناس يصلي مع التراويح ثم يقول: إذا صليت التراويح وخرجت مع الإمام كتب لي إنني أحييت الليل فيذهب وينام، ويقول: إنني قد أخذت الفجر والفضيلة، والواقع أن هناك فرق بين الفضيلة وبين الحكم، (كتب له قيام ليلة) أي: كتب له أجر قيام الليلة، ولكنه لا يحكم بكونه قد قام الليلة فيما ندب إلى إحياء الليل فيه كاملاً؛ لأن الإحياء لا يكون إلا حقيقة، فقوله كما جاء (وأحيا ليله) لحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعلى هذا فإنه يكتب له أجر القيام.

    وأما بالنسبة للاعتكاف فالأصل في قوله تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187] هذا أصل عام أخذ منه جماهير العلماء رحمة الله عليهم منهم الأئمة الأربعة وهو قول داود الظاهري والحديث أن الاعتكاف جائز في المساجد كلها من حيث الجملة، إلا أن من نوى أن يعتكف العشر الأواخر أو نذر أن يعتكف العشر الأواخر فإنه لا يعتكف إلا في مسجد فيه الجمعة؛ لأنه إذا نذر اعتكاف العشر كاملة حرم عليه أن يخرج، فإذا جاء يوم الجمعة وهو في مسجد لا يجمع فيه فمعنى ذلك إما أن يبطل نذره بالخروج؛ لأن المعتكف لا يجوز له الخروج إلا من ضرورة وحاجة تتعلق ببدنه، وإما أن يضطر إلى ترك الجمعة ولا يجوز لمثله أن يترك الجمعة.

    فلذلك إذا نذر وفرض على نفسه اعتكاف العشر كاملة فإنه لا يعتكف إلا في مسجد فيه جمعة، وهذا هو الأصل الذي دعا بعض العلماء أن يقول: اعتكاف العشر لا يكون إلا في مسجد يجمع فيه حتى لا يضطر إلى الخروج، أما لو نذر أن يعتكف ليلة وجاء في أي مسجد واعتكف فيه لا بأس ولا حرج، وقد جاء عنه عليه الصلاة والسلام قوله: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة) وهذا الحديث حسن بعض العلماء رحمة الله عليهم من المتقدمين والمتأخرين إسناده وقال مجاهد بظاهره، ومجاهد بن جبر تلميذ ابن عباس قال: [إنه لا يجوز الاعتكاف إلا في واحد من المساجد الثلاثة] ولكن خالفه جمهور العلماء على ظاهر الآية الكريمة.

    ولذلك أيضاً قالوا: إن قوله: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة) هذا معروف في أسلوب الشرع النفي المسلط على الحقيقة الشرعية كقوله: (لا إيمان لمن لا أمانة له) .. (ولا صلاة بعد صلاة الصبح) .. (ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) تارة يرد ويراد به الكمال، وتارة يرد ويراد به نفي الصحة، فتردد الحديث هنا بين أن يحمل قوله: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة) بين أن يحمل على الفضيلة، أي: لا أفضل من الاعتكاف في المساجد الثلاثة فلا اعتكاف كامل إلا في المساجد الثلاثة؛ لأن المسجد الحرام فيه فضيلة الطواف التي لا توجد في غيره، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم دونه ففيه فضيلة الألف الصلاة التي لا توجد فيمن دونه، والمسجد الأقصى فيه فضيلة مضاعفة الصلاة خمسمائة صلاة، فأصبح من يصلي ويعتكف في هذه المساجد قد حصل على كمال الاعتكاف ما لم يحصله في غيره، فصار كقوله: (لا إيمان لمن لا أمانة له) أي: لا إيمان كامل لمن لا أمانة له، وكقوله: (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) أي: لا وضوء كامل لمن لم يذكر اسم الله عليه لوجود الصارف من الأدلة الأخرى وهذا هو قول جمهور العلماء، والله تعالى أعلم.

    حكم الوتر بركعة واحدة من غير شفع

    السؤال: هل يكفي أن يوتر الشخص بركعة واحدة من غير شفع؟

    الجواب: من صلى بالليل وصلى ركعة واحدة فعلى حالتين:

    الحالة الأولى: أن يطول ويكثر من القراءة وينحصر قيامه في ركعة واحدة، وهذا أثر عن بعض السلف وعن بعض الصحابة، فقد أثر عن عثمان رضي الله عنه أنه فعل ذلك وقام بركعة واحدة من طول قيامه، ولكن الأفضل والأكمل هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي إحدى عشرة ركعة ويجزئ القيام على هذه الصورة.

    أما إذا كان وقته ضيقاً ولا يستطيع أن يصلي إلا ركعة واحدة فله أن يوتر بركعة واحدة، ولذلك أوتر معاوية رضي الله عنه كما ثبت في الأثر الصحيح عنه بركعة واحدة، وأثر عن الصحابة رضوان الله عليهم، ولا حرج أن يكون وتره بركعة واحدة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم وجعلها لكم بين صلاة العشاء والفجر) فقالوا: يجوز أن يصلي هذه الصلاة بركعة واحدة مستقلة، ولكن لا ينبغي للمسلم أن يفوت على نفسه الخير والأجر فيحصر قيامه في ركعة واحدة، والمحروم من حرمه الله، نسأل الله العظيم من واسع فضله، والله تعالى أعلم.

    حكم صلاة النافلة جماعة في غير رمضان

    السؤال: ما حكم صلاة النافلة جماعة باستمرار في غير شهر رمضان وذلك لتأكيد حفظ القرآن؟

    الجواب: لا تشرع الجماعة في النافلة إلا في صلاة التراويح؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع إلا فيها. أما بالنسبة للسؤال عن مسألة الجماعة في النافلة، فالجماعة في النافلة تشرع في صلاة التراويح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، وأجمع العلماء رحمهم الله على مشروعية التراويح جماعة، وأما بالنسبة لإحياء الليل في غير رمضان جماعة فله حالتان:

    الحالة الأولى: أن يكون بالقصد، والمراد بالقصد عند العلماء أن يتفق جماعة على أن يخرجوا وأن يصلوا كل ليلة جماعة، أو يتفق أهل المسجد على أن يجتمعوا في ساعة من الليل يصلون في بيت أحدهم أو في المسجد جماعة، فهذا لا يشرع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل الجماعة قط إلا في التراويح، لكن لو أنك كنت في سفر أو كنت في بر أو كنت في بيتك وعندك ضيف أو نزلت ضيفاً على رجل رأيته يقوم الليل فجئت عن يمينه وقمت معه أو رآك تصلي في الليل وجاء يصلي معك فلا حرج، فهذه تسمى الجماعة اتفاقاً؛ لأن ابن مسعود رضي الله عنه وكذلك ابن عباس رضي الله عنه إنما صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم اتفاقاً لا قصداً.

    ولذلك لما أراد أن ينام ابن عباس مع النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل له النبي صلى الله عليه وسلم يا غلام! قم معي الليل، أو إذا كان آخر الليل: فصلي معي جماعة، قالوا: فعل ذلك اتفاقاً لا قصداً، ويجوز ذلك أيضاً في النهار فلو جئت في بيتك وصليت الضحى فرآك صديقك أو من معك فأحب أن يصلي معك أو الزوجة أرادت أن تصلي معك فلا حرج؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه في الصحيحين أنه دخل على أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها وأرضاها، قال أنس: (فقال لنا: قوموا فلأصلي لكم) فهذا شيء حصل اتفاقاً، أي: أنه لم يكن مرتباً قبل مجيئه عليه الصلاة والسلام وقبل وقته وحينه، قال: (فصففت أنا واليتيم معه والعجوز من ورائنا) فدل على جواز النافلة اتفاقاً لا قصداً، والله تعالى أعلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755991205