وهكذا مسائل النزاع التي تتنازع فيها الأمة في الأصول والفروع، إذا لم ترد الى الله والرسول لم يتبين فيها الحق، بل يصير فيها المتنازعون على غير بينة من أمرهم، فإن رحمهم الله أقر بعضهم بعضاً، ولم يبغ بعضهم على بعض، كما كان الصحابة في خلافة عمر وعثمان يتنازعون في بعض مسائل الاجتهاد، فيقر بعضهم بعضاً، ولا يعتدي ولا يعتدى عليه، وإن لم يرحموا وقع بينهم الاختلاف المذموم، فبغى بعضهم على بعض، إما بالقول، مثل: تكفيره وتفسيقه، وإما بالفعل، مثل: حبسه وضربه وقتله.
والذين امتحنوا الناس بخلق القرآن كانوا من هؤلاء، ابتدعوا بدعة، وكفروا من خالفهم فيها، واستحلوا منع حقه وعقوبته.
فالناس إذا خفي عليهم بعض ما بعث الله به الرسول صلى الله عليه وسلم، إما عادلون وإما ظالمون، فالعادل فيهم: الذي يعمل بما وصل إليه من آثار الأنبياء ولا يظلم غيره، والظالم: الذي يعتدي على غيره، وأكثرهم إنما يظلمون مع علمهم بأنهم يظلمون، كما قال تعالى: وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ [آل عمران:19]، وإلا فلو سلكوا ما علموه من العدل، أقر بعضهم بعضا، كالمقلدين لأئمة العلم الذين يعرفون من أنفسهم أنهم عاجزون عن معرفة حكم الله ورسوله في تلك المسائل، فجعلوا أئمتهم نواباً عن الرسول، وقالوا: هذا غاية ما قدرنا عليه، فالعادل منهم لا يظلم الآخر، ولا يعتدي عليه بقول ولا فعل، مثل أن يدعي أن قول مقلِّده هو الصحيح بلا حجة يبديها، ويذم من يخالفه مع أنه معذور ].
اختلاف تنوع، واختلاف تضاد ].
اختلاف التنوع المقصود به الاختلاف الذي يتعدد فيه القول والرأي على وجه شرعي، الاختلاف الذي كله سائغ، الاختلاف في الأمور الاجتهادية التي يسع فيها الخلاف، ويتنازع فيها في فهم الأدلة، وتكون فيها الأدلة أو الدلالة الاجتهادية غير واضحة، سواء دلالة المفهوم، أو دلالة المنطوق، أو دلالة اللغة، أو التقييد، أو النسخ.. إلى آخره، كل هذه الأمور تسمى اختلاف تنوع، أي: أن المسلمين عندما اختلفوا فيها، اختلفوا عن اجتهادات لها أصول في الشرع على ضوء الأدلة، بخلاف النوع الثاني الذي هو اختلاف التضاد، واختلاف التضاد: هو الاختلاف في أصول الدين، في قضايا العقيدة، في القطعيات، الاختلاف فيما يخالف الدليل القطعي، وفيما يخالف الدليل الصريح، سواء كان في الفروع فيما يتعلق بالأحكام، إذا كان الخلاف لا يوجد له مبرر، أو كان في العقائد وهو الأغلب، فأغلب صور اختلاف التنوع الاجتهادية في الأحكام، وأغلب صور اختلاف التضاد في العقائد، ومع ذلك يوجد اختلاف التضاد في الأحكام، مثل: خلاف الشيعة في مسألة المسح على الخفين، وخلافهم في غسل الرجلين، حيث قالوا: المشروع مسح الرجلين، هذا داخل في الفروع، لكن أصبح من اختلاف التضاد؛ لأنهم خالفوا النصوص الصريحة، رغم أنه في الفقه.
واختلاف التنوع على وجوه:
منه ما يكون كل واحد من القولين أو الفعلين حقاً مشروعاً، كما في القراءات التي اختلفت فيها الصحابة رضي الله عنهم حتى زجرهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (كلاكما محسن).
ومثله اختلاف الأنواع في صفة الأذان، والإقامة، والاستفتاح، ومحل سجود السهو، والتشهد، وصلاة الخوف، وتكبيرات العيد.. ونحو ذلك، مما قد شرع جميعه، وإن كان بعض أنواعه أرجح أو أفضل.
ثم تجد لكثير من الأمة في ذلك من الاختلاف ما أوجب اقتتال طوائف منهم على شفع الإقامة وإيتارها.. ونحو ذلك! وهذا عين المحرم، وكذا تجد كثيراً منهم في قلبه من الهوى لأحد هذه الأنواع والإعراض عن الآخر والنهي عنه، ما دخل به فيما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم.
ومنه ما يكون كل من القولين هو في المعنى القول الآخر، لكن العبارتان مختلفتان، كما قد يختلف كثير من الناس في ألفاظ الحدود، وصوغ الأدلة، والتعبير عن المسميات.. ونحو ذلك.
ثم الجهل أو الظلم يحمل على حمد إحدى المقالتين، وذم الأخرى، والاعتداء على قائلها.. ونحو ذلك ].
أغلب صور الخلاف الحاصل الآن بين أهل السنة من هذا النوع، هو من خلاف التنوع الذي يكون فيه اختلاف في العبارة، في حين أن المضمون واحد، أو يكون الاختلاف في مفهوم المسألة، يعني: تجد أن كثيراً من المختلفين الآن في قضايا خطيرة، يرجع اختلافهم إلى أنهم لم يحددوا مناط الاختلاف، أو حقيقة ما اختلفوا عليه، كل منهم في ذهنه مفهومه عن المسألة غير ما يفهمه الآخر، وهذا نوع من الإشكال والعبث بالألفاظ، وعلى هذا نجد في مسائل خطيرة الآن وكثيرة جداً، تنازع فيها أبناء المسلمين وطلاب العلم، ونجد أن سبب التنازع أن كلاً منهم يتكلم بمفهوم، والخلاف في الحقيقة خلاف على قضيتين مختلفتين.
نأخذ أمثلة على ذلك: أولاً: كلام كثير من طلاب العلم في الآونة الأخيرة عن مسألة: هل يعذر المبتدع أو العاصي أو الفاجر أو الظالم.. إلى آخره بالجهل أو لا يعذر؟
أكثر الذين يتكلمون في هذه المسألة فيما يظهر لي لم يحددوا ما هو مفهوم العذر بالجهل، ولم يحددوا ضوابط العذر بالجهل، فكل منهم في ذهنه مفهوم يتكلم به، ويختلف عما في ذهن الآخر، ويظن أنه يخالفه، في حين أن هذا في واد وهذا في واد.
خذوا مثالاً آخر: مسائل الدعوة ووسائلها، الآن القضية مرفوعة وحامية: هل وسائل الدعوة توقيفية، أو هي اجتهادية، الكثير ممن تكلموا عن وسائل الدعوة، ووسائل تعليم الدعوة مختلفون في تحديد معنى الوسائل والأساليب، تجد أن كل واحد قد حدد مفهومه في ذهنه خلاف المفهوم الذي عند الآخر، ومقصد أهل العلم أولاً أن يحددوا المفهوم والمقصود بالقضية التي فيها الخلاف، فإذا حررنا المفهوم، وكل واحد فهم القضية وفهم المقصود الآخر، فمن هنا ترجع القضية إلى أصولها الثلاثة كما وردت عند السلف.
ولذلك ذكر الشيخ الفاضل حدود وصيغ الأدلة، والتعبير عن المسميات ونحو ذلك، ثم قال: (ثم الجهل أو الظلم يحمل على حمد إحدى المقالتين، وذم الأخرى، والاعتداء على قائلها.. ونحو ذلك).
وأمثلة هذا كثيرة، منها: الكلام في المذاهب الفقهية، وهل المذاهب بدعة من البدع؟ فنجد أن الذي يذم التمذهب يذم التعصب المذموم لا يذم الابتداع والاتباع، والذي يجيز التمذهب يقصد التمذهب الذي هو الاتباع والاقتداء بأئمة الدين، فأكثر المسائل هذه سببت الفرقة وسببت عداوات وسوء ظن بين المسلمين، وردود، وردود على الردود، واستنزفت جهوداً من الأمة وطاقات يحتاجونها في تقرير السنة واجتماع الكلمة في الدفاع عنها، لكن مع الأسف أصبح الخلاف في كثير من الأمور اختلاف تنوع، وأكثر المخالفين أو المختلفين لا يدرون ولا يشعرون، فحمل بعضهم على بعض، وطغى بعضهم على بعض، وجهل كثير منهم مقالة الآخر.. إلى آخره.
أما مقولة: نتعاون على ما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه، فهذه مقولة فضفاضة مائعة ما لها قرار، وهي من الأمثلة التي يختلف عليها الناس من غير تحديد معنى.
فإذا كان مقصود القائل لهذه الكلمة: نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه في الاجتهاديات، فهذه قاعدة عظيمة من قواعد السلف، وإن كان قصده جميع ما يختلف فيه المسلمون، بما في ذلك البدع والضلالات، والشعارات والمناهج الخاطئة، والتيارات.. وغيرها، فهذا لا شك أنه خطأ وتفريط، ولا شك أنه منهج أهل البدع.
والذي ينبغي الإشارة إليه أنه فيما علمت من خلال استقرائي لهذه الكلمة أن (الإخوان المسلمون) رفعوا هذه الكلمة كشعار لهم، وهم يقصدون بها مداهنة أهل البدع، فهذه مشكلة تجعل بعض الناس يسيء الظن بهم، ويحكم بأنهم قصدوا بها مداهنة أهل البدع وأهل الأهواء.
وقد يكون منهم من يقصد المعنى الشرعي الصحيح، فمن هنا أقول: هذه الكلمة أصبحت الآن من الكلمات التي لا ينبغي رفعها كشعار؛ لأن أغلب الذين رفعوها رفعوها بقصد السكوت عن أهل البدع، وهذا واضح عند كثير من الذين كتبوا منهم كتباً ومقالات، يقولون: نسكت عن البدع الشركية، وعن بدع القبور، وعن بدع الموالد؛ لأن هذا مما اختلفنا فيه. وهذا خطأ.
لكن مع ذلك لو تجردت هذه الكلمة عن استعمالاتها في العصر الحاضر، أو عمن يستخدمونها في مخالفة منهج السلف، لو تجردت لكان لها معنىً صحيح عند السلف، وهو ما اختلفنا فيه في غير العقيدة.
هذه من القواعد الذهبية التي ينبغي أن نستفيد منها، وهي مما تجاوزها كثير من المنتسبين للسنة، فتجد بعض المنتسبين للسنة يرد الحق الذي مع المخالف؛ لأن المخالف عنده شيء من الباطل، وهذا خطأ شنيع، الحق ينبغي أن يقبل ويرد إلى أصوله، وإذا كان المخالف معه شيء من الحق وعنده شيء من الباطل، فيجب على منازعه وعلى مخالفه أن يعترف بما عنده من الحق، ويرد ما عنده من الباطل، وإلا وقعت فتنة وفساد عظيم في الأمة، حتى إن هذا يحدث بين المتنازعين من أهل السنة، فقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية أن هذا يحصل بين متبعي أئمة المذاهب الفقهية، في اختلافاتهم واجتهاداتهم، فنجد أن هناك من ينتسب للسنة من قاصري العلم والتأصيل، نجد أنهم متميزون برد الحق الذي مع المخالف، حتى وإن كان من أهل السنة، بمجرد أن يكون في القضية شيء من الباطل يرد الحق الذي معه، والناس قد يكون في أقوالهم حق وباطل، فالقول الواحد قد يتضمن شيئاً من الحق وشيئاً من الباطل، فالميزان الشرعي الصحيح أن نقبل الحق ونخضع له، وإن كان مع الخصم، ونرد الباطل دون أن نجعل الأمر ملتبساً.
فأقول: إن كثيراً من الناس يرد قول المخالف جملة وتفصيلاً، دون أن ينظر ما فيه، وهذا أدى إلى سوء الظن بين الفريقين، وأدى أيضاً إلى الاعتداء، وإلى استعمال بعض الأساليب التي لا تجوز إلا مع أهل البدع المغلظة، فينبغي التنبه لهذا الأمر وتأصيله وبيانه للناس، خاصة لطلاب العلم الذين كلامهم له أثر في الناس، وله أثر في المتلقين والناشئة، ينبغي أن ترسم هذه القاعدة بوضوح وتنشر وتبين، وهو أنك إذا خالفت أحداً من أهل السنة فيجب أن تضع في بالك ونصب عينك ما معه من الحق، وتحمده عليه، وترد ما معه من الباطل، وتعتذر له؛ لأنه أخطأ، أما أن تتخذ الخطأ ذريعة للسب وذريعة للتجريح فهذا ليس هو منهج السلف، وقد يكون لبعض السلف بعض المواقف وبعض الكلمات، التي هي أشبه بنصوص الوعيد في حق المخالف، فلا تؤخذ على أنها منهج؛ لأن بعض السلف يكون قد قسا على قرين له، أو على عالم آخر، أو على طالب علم في وقته، وقال كلمات، لكن هذا ليس منهجاً، وإنما هذا من باب الوعيد والتحذير، لكن المنهج إذا رأيته وإذا تأملته فيما كتبوه وسطروه، خاصة في كتب الرجال التي كتبها السلف في التراجم، نجد أنهم منصفون فيما كتبوه، وهكذا ينبغي للناس أن ينصف بعضهم بعضاً.
والكلام في أبي حنيفة يعتبر نموذجاً، فـأبو حنيفة رحمه الله وقع في بدعة لا يبدع بها، لكنها تعتبر زلة عالم، وزلة العالم ينبغي التنبيه عليها، والتحذير منها، وعدم الدفاع عنها، وينبغي أيضاً أن يقال: إن هذه زلة وبدعة، لكن يعتذر له؛ لإمامته في الدين، وهذا يدل على أن العالم لا يبدع بها، أما من دونه يبدع بها.
قال رحمه الله تعالى: [ وأما أهل البدعة فالأمر فيهم ظاهر، ومن جعل الله له هداية ونوراً رأى من هذا ما يبين له منفعة ما جاء في الكتاب والسنة من النهي عن هذا وأشباهه، وإن كانت القلوب الصحيحة تنكر هذا، لكن نور على نور ].
نقف على هذا المقطع، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
الجواب: يمكن أن نشير إلى بعض القواعد العامة في هذا الموضوع، ثم إن شاء الله تفصل هذه المسألة في الدرس القادم؛ لأنها من المسائل التي تثار الآن.
وسائل الدعوة في الحقيقة حسب ما يفهم من معناها اللغوي ومن استقراء لنهج السلف المقصود منها الأدوات التي تستخدم في تحقيق الدعوة، سواء كانت أدوات مادية، مثل: الأجهزة، أو أدوات معنوية، مثل: الأساليب الإدارية والتنظيمية.. وغيرها، مثل المؤسسات والجمعيات، وما يكون من الأجهزة الحكومية والدوائر الحكومية والدوائر المؤسسية التي تخدم الدعوة، فهذه تسمى وسائل، فكذلك قد يدخل في مفهوم الوسائل بعض الأساليب العلمية التي تتعلق بالدعوة، كتأليف الرسائل والكتب، والوسائل المتاحة: من أشرطة، وأجهزة منظورة ومسموعة.. وغيرها، هذه أيضاً تدخل في باب الوسائل.
فإذاً المقصود بالوسائل: هي أدوات الدعوة، سواءً كانت علمية، أو كانت إدارية ومعنوية، أو كانت مادية كالأجهزة.
والوسيلة: هي الطريق إلى الوصول إلى الهدف، ليست هي المناهج؛ لأن المناهج هي القواعد العامة كقواعد الحلال والحرام، ما يجوز وما لا يجوز، ما يسوغ وما لا يسوغ استخدامه في الدعوة، هذه تسمى مناهج، ففرق بين الوسائل والمناهج.
وعلى هذا فالكتاب أداة للدعوة ولنشر العلم، والشريط أداة.. وهكذا، فالأدوات الأصل فيها الإباحة، والأصل فيها التجديد بحسب مقتضيات العصر، ولذلك كان السلف لا يفرطون في استخدام أي وسيلة مباحة في الدعوة إلى الله عز وجل، كان في عهد الصحابة يدعون إلى الله عز وجل بالكلمة، وبالوسائل العادية البسيطة المتاحة، ثم في عهد الخلفاء الراشدين تطورت بعض الوسائل العادية البسيطة المتاحة، من ذلك: الحسبة على أحوال الناس، لما نشأت مثلاً الكوفة والبصرة في عهد عمر رضي الله عنه وضع فيها الحسبة؛ لتدبير أمور الناس في دينهم ودنياهم، فكانت هذه من وسائل الدعوة، ثم اضطر عمر رضي الله عنه إلى استخدام ما يسمى بالدواوين، وهذه من وسائل الدعوة، ثم اضطر الصحابة في آخر عهدهم أيضاً لبعض أنواع من المناظرات لم تكن معهودة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وبعض أنواع من الانتقادات والكتب والرسائل الصغيرة لم تكن معهودة في عهد أوائل الصحابة، ثم في عهد التابعين بدأ التأليف والتصنيف في خدمة الدعوة والدفاع عن العقيدة.
ثم في القرن الثاني تجددت وسائل أخرى في التصنيف والتأليف، فبدأ التابعون يستخدمون وسائل الكتابة والمراسلات والردود، والردود على الردود، واستعمال المناظرات بشكل متوق، واستعمال المناظرات في مجالس الأمراء والوجهاء، وفي المساجد بشكل موسع، ثم أيضاً جدد التابعون وتابعوهم في الوسائل العلمية بنشر الدعوة، فبدءوا يؤلفون الكتب المعنصرة المبوبة، بدءوا يكتبون الآثار، بدءوا يكتبون رسائل مفردة في موضوعات، ورسائل عامة في السنة، بدءوا يكتبون الحديث، بدءوا يكتبون تفسير القرآن، بدءوا يكتبون بعض المقالات.. وغيرها، تجددت عندهم وسائل الدعوة بحسب أحوالهم.
وفي عهد شيخ الإسلام ابن تيمية استحدث هو وغيره من أئمة المسلمين وسائل لم تكن معهودة في القرون الثلاثة الفاضلة في أسلوب التصنيف، وفي أسلوب الدعوة، وفي أسلوب التقاضي عند الأمراء وعند السلاطين والولاة.. وغير ذلك من الأساليب في الدعوة، حتى إن شيخ الإسلام ابن تيمية أحياناً كان يستخدم أساليب ما كانت معهودة حتى في عصره، جدد فيها.
وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب أيضاً جدد وسائل في الدعوة، من ذلك: أسلوب الرسائل، وطريقة التعليم، وبعث الطلاب، واتخذت وسائل للدعوة في المسجد ما كانت معهودة في عهد السلف، من ذلك: تكليف أئمة المساجد بأن يلقنوا المسلمين في مساجدهم أصول الدين، وهذه الوسائل ما كانت معهودة بهذه الطريقة، لكنها وسيلة من الوسائل التي نفع الله بها.
فإذاً: وسائل الدعوة إلى الله عز وجل من الوسائل الاجتهادية.
أما الذين يقولون بأن الوسائل توقيفة، فيقصدون مناهج الدعوة، أي: ما يجوز وما لا يجوز في مناهج الدعوة إلى الله عز وجل، حتى القواعد الحديثية التي تحكم الأسانيد تدخل في المناهج وفي الأصول، وليست داخلة في الوسائل.
فإذاً: الخلاف إنما هو عادة في الألفاظ، وهؤلاء يتنازعون على لا شيء، وإلا فلا أظن طالب علم يخالف في مسألة استخدام الوسائل التي ذكرناها في الدعوة، أو أن هذه الوسائل والأدوات محجورة لا تجوز، ما يخالف فيها إلا جاهل، وكذلك لا يمكن أن يقول أحد: إنه يجوز الابتداع في مناهج الدعوة إلى الله عز وجل بما يخالف مناهج السلف، فهذا لا شك أنه بدعة عند الجميع.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر