إسلام ويب

شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة [32]للشيخ : ناصر بن عبد الكريم العقل

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ترتكز العبادة على أصلين عظيمين: أولهما: ألا يعبد إلا الله وحده، والثاني: أن يعبد الله بالشرع والاتباع، لا بالهوى والابتداع، وأن يكون العمل خالصاً لله تعالى لا يشوبه رياء ولا شرك ولا بدعة، فمن عبد الله ولكنه يصرف نوعاً من العبادة لغير الله، كالحلف والذبح أو الطواف أو غير ذلك، فما حقق أصلي العبادة التي أرادها الله تعالى من العبد.

    1.   

    الأصول التي ترتكز عليها العبادة

    قبل أن نبدأ أحب أن أنبه إلى أن الشيخ هنا يتكلم في نوع الشفاعة، ثم ما يتعلق بالتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأن هناك فرقاً بين التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته وبين التوسل به صلى الله عليه وسلم بعد موته.

    وقال: إن التوسل به بعد موته على النحو الذي يعمله أهل البدع وسيلة إلى الوقوع في الإشراك، كما أشركت النصارى بالمسيح واليهود بالعزير، ووقعوا في الشركيات حتى عند قبور الأنبياء والصالحين، ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أن يُطرى بمعنى أن يُقدّس أو يعظّم بأعظم مما يحق له، أي أن يوصف بصفات الله عز وجل أو يطلب منه ما لا يقدر عليه إلا الله.

    ثم ذكر الخلاصة في قوله: وبالجملة فمعنا أصلان عظيمان:

    أحدهما: ألا نعبد إلا الله، والثاني: ألا نعبده إلا بما شرع.

    ثم فرّع على هذه المسألة، ولنبدأ الآن بقراءة المقطع.

    قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: [ وبالجملة فمعنا أصلان عظيمان:

    أحدهما: أن لا نعبد إلا الله، والثاني: أن لا نعبده إلا بما شرع، لا نعبده بعبادة مبتدعة.

    وهذان الأصلان هما تحقيق: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، كما قال تعالى: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الملك:2].

    قال الفضيل بن عياض رحمه الله: أخلصه وأصوبه.

    قالوا: يا أبا علي ، ما أخلصه وأصوبه؟

    قال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يُقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل حتى يكون خالصاً صواباً.

    والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة، وذلك تحقيق قوله تعالى: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:110].

    وكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول في دعائه: اللهم اجعل عملي كله صالحاً، واجعله لوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحد فيه شيئاً.

    وقال تعالى: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21].

    وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ر).

    وفي لفظ في الصحيح: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).

    وفي الصحيح وغيره أيضاً يقول الله تعالى: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه غيري فأنا منه بريء، وهو كله للذي أشرك).

    ولهذا قال الفقهاء: العبادات مبناها على التوقيف، كما في الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (أنه قبّل الحجر الأسود، وقال: والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك لما قبلتك) ].

    هذا مثال لمعنى التوقيف، وهذه العبارة تستعمل كثيراً، وهي عبارة صحيحة وسليمة، لكن أكثر الناس قد لا يفقه معناها بالتفصيل، أي أنه كثيراً ما يقول أهل العلم: هذه المسألة توقيفية، هذا الأمر توقيفي، هذا الحكم توقيفي، ويقصدون بذلك أنه محصور على ما ورد في الشرع، لا يجوز استمداده من غير الشرع، والدين كله توقيفي، لكن التوقيف له حدان، يرجع هذان الحدان إلى نوع التشريع أو نوع الحكم الشرعي، فإذا كان الأمر الشرعي يتعلق بأمر غيب أو بأصول الاعتقاد أو الأحكام القطعية مثل الحلال القطعي والحرام القطعي، أو بضوابط الشرع مثل: (إنما الأعمال بالنيات)، ومثل: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) فهذه الأصول كلها توقيفية.

    والجانب الآخر هو أيضاً توقيفي، لكنه توقيفي في أصله وليس في فرعه، بمعنى أنه توقيفي في حكمه وليس في تطبيقه، وأعني بذلك النصوص والقواعد الشرعية التي يكون استخراج الأحكام منها اجتهادياً، أي أن إرجاع الصور وأفعال البشر إلى هذه القواعد هو الاجتهادي، فهو توقيفي من حيث الأصل واجتهادي من حيث التطبيق؛ لأن التطبيق يتنازع العلماء أحياناً في إرجاعه إلى أصل من الأصول.

    والحاصل أن أحكام الشرع كلها حتى الاجتهادية منها راجعة إلى الأمور التوقيفية، لكن من حيث إلحاق أفعال البشر بالأصول هذا هو الاجتهادي، فإذا نزلت نازلة من النوازل اجتهد العلماء في إلحاقها بالأصول التوقيفية، فهذا يلحقها بالأصل الفلاني، وذاك يلحقها بالأصل الفلاني، وذاك يلحقها بالدليل الفلاني.. فمن هنا كان استمداد الأحكام من النصوص هو الاجتهادي، أما القواعد والأصول فكلها توقيفية.

    إذاً: الدين كله توقيفي، وهذا معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)؛ لأن الدين كله موقوف على ما ورد في الوحي مما جاء عن الله تعالى وصح عن رسوله صلى الله عليه وسلم.

    إذاً: معنى (توقيفي) أن الدين كله إنما يستمد من الوحي -أي من الكتاب والسنة- لا من غيره.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ والله سبحانه أمرنا باتباع الرسول وطاعته، وموالاته ومحبته، وأن يكون الله ورسوله أحب إلينا مما سواهما، وضمن لنا بطاعته ومحبته محبة الله وكرامته، فقال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31]، وقال تعالى: وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا [النور:54]، وقال تعالى: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [النساء:13]، وأمثال ذلك في القرآن كثير.

    ولا ينبغي لأحد أن يخرج في هذا عما مضت به السنة، وجاءت به الشريعة، ودل عليه الكتاب والسنة، وكان عليه سلف الأمة، وما علمه قال به، وما لم يعلمه أمسك عليه، ولا يقف ما ليس له به علم، ولا يقول على الله ما لم يعلم؛ فإن الله تعالى قد حرّم ذلك كله ].

    في هذا الكلام يشير الشيخ إشارة واضحة إلى الذين استباحوا التوسلات البدعية، وأجازوها أو توسعوا فيها فضلاً عن الشركية؛ لأنه يقول هنا: كل ما قلتموه ليس له دليل من الكتاب والسنة، وربما تكون عندكم أدلة مشتبهة، والدليل المشتبه لا تقوم به الدلالة، ويرجع إلى الأصل، والأصل إنما هو قواعد الشرع التي تقوم على تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ولا يمكن تحقيق الشهادتين إلا بسلامة الاعتقاد وسلامة التوجه والبعد عن البدع، فهو بهذا يرد عليهم رداً تأصيلياً يوقفهم على نصوص الكتاب والسنة، وما كان عليه سلف الأمة، وأن قولهم هذا لا يرجع إلى علم ولا إلى أثارة من علم، إنما إلى شبهات وأدلة مشتبهات، والأدلة المشتبهات لا تعتبر أدلة؛ لأنه لا يجوز أن يعمل الإنسان بمبدأ يعبد الله به إلا بدليل صريح من الكتاب والسنة..

    وهذا لا يتأتى في جميع بدع أصحاب التوسلات، فإنه ليس عندهم أدلة، وإن وجدت شبهات أو أدلة مشتبهة فدلالتها غير صريحة، ومن هنا يسقط الاستدلال بها.

    1.   

    حكم الحلف بغير الله

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقد جاء في الأحاديث النبوية ذكر ما يسأل الله تعالى به، كقوله: (اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي، يا قيوم) رواه أبو داود وغيره.

    وفي لفظ: (اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه ].

    في هذا المقطع بيّن الشيخ نماذج من التوسلات الشرعية، والتي هي القواعد التي ينطلق منها، فالتوسلات الشرعية هي سؤال الله عز وجل بأسمائه وصفاته، وسؤاله أيضاً بنعمه وما من به على العباد، وكذلك سؤال الله عز وجل بالأعمال الصالحة كما في آخر المقطع: (أسألك بأني أشهد أنك أنت الله...)، وهذا من أعظم وأعلى درجات الإيمان، أعني: شهادة أن لا إله إلا الله، وهي من الأعمال التي يسع المسلم، بل يُشرع له، بل يجب عليه أن يسأل بها.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقد اتفق العلماء على أنه لا تنعقد اليمين بغير الله تعالى، وهو الحلف بالمخلوقات، فلو حلف بالكعبة، أو بالملائكة، أو بالأنبياء، أو بأحد من الشيوخ، أو بالملوك لم تنعقد يمينه، ولا يشرع له ذلك، بل ينهى عنه إما نهي تحريم، وإما نهي تنزيه؛ فإن للعلماء في ذلك قولين، والصحيح أنه نهي تحريم.

    ففي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من كان حالفاً فليحلف بالله، أو ليصمت).

    وفي الترمذي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من حلف بغير الله فقد أشرك).

    ولم يقل أحد من العلماء المتقدمين: إنه تنعقد اليمين بأحد من الأنبياء إلا في نبينا صلى الله عليه وسلم، فإن عن أحمد روايتين في أنه تنعقد اليمين به، وقد طرد بعض أصحابه كـابن عقيل الخلاف في سائر الأنبياء، وهذا ضعيف ].

    أدلة القائلين بانعقاد الحلف بغير الله تعالى

    اعلم أن الذين قالوا تنعقد اليمين به هنا لا يقصدون أنه مشروع، إنما قالوا: إنها تلزم، أي مثل النذر، فالنذر مكروه وقد يحرم لكنه يلزم الإنسان، فكذلك الذين قالوا بانعقاد اليمين في هذه الحال التي يحلف فيها بغير الله لا يقصدون أن اليمين مشروعة، لكن يقصدون أن الإنسان ألزم نفسه بشيء فلزمه مع أن اليمين بدعية، وهي إما محرمة وهو قول الجمهور وهو الصحيح، وإما مكروهة على أقل الأحوال.

    ربما يرد تساؤل: وهو أن الذين قالوا: إنها مكروهة منهم أناس من علماء السلف قديماً أو حديثاً وإن كانوا قلة، فكيف عدلوا عن الحديث الصريح بأن الحلف بغير الله شرك؟ والجواب: أن لهم في هذا شبهات كثيرة، منها أنه ظن بعضهم أن مثل هذا الحديث منسوخ، وظنه ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من باب التأكيد، وأنه أقر بعض الأيمان عند الناس.

    ومنهم من قال: إن الجمع بين النصوص يؤدي إلى تنزيل النهي من التحريم إلى الكراهة..

    وهذا كله مرجوح؛ لأن الحلف بغير الله تعظيم لغير الله في أمر يعتبر من العقود العظيمة بين البشر، فكيف يكون عقد عظيم بين البشر بغير الله؟ هذا غير لائق، مما يدل على أن ظاهر الحديث التحريم، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم إذا وصف الأمر بالشرك فأقل أحواله أنه بدعة أو كبيرة.

    فأقول: هذا من باب التنبيه على عذر بعض الأئمة الذين قالوا بأنه مكروه، مع أنهم قلة وقولهم مرجوح، وتوجيههم للأدلة أيضاً مرجوح.

    أصل القول بانعقاد اليمين بالنبي

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وأصل القول بانعقاد اليمين بالنبي ضعيف شاذ، ولم يقل به أحد من العلماء فيما نعلم، والذي عليه الجمهور كـمالك والشافعي وأبي حنيفة أنه لا تنعقد اليمين به، كإحدى الروايتين عن أحمد ، وهذا هو الصحيح.

    وكذلك الاستعاذة بالمخلوقات، بل إنما يستعاذ بالخالق تعالى وأسمائه وصفاته؛ ولهذا احتج السلف كـأحمد وغيره على أن كلام الله غير مخلوق فيما احتجوا به بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أعوذ بكلمات الله التامات) قالوا: فقد استعاذ بها، ولا يستعاذ بمخلوق.

    وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً).

    فنهى عن الرقى التي فيها شرك، كالتي فيها استعاذة بالجن كما قال تعالى : وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا [الجن:6]، ولهذا نهى العلماء عن التعازيم والإقسام التي يستعملها بعض الناس في حق المصروع وغيره التي تتضمن الشرك، بل نهوا عن كل ما لا يعرف معناه من ذلك خشية أن يكون فيه شرك، بخلاف ما كان من الرقى المشروعة فإنه جائز.

    فإذاً لا يجوز أن يقسم لا قسماً مطلقاً، ولا قسماً على غيره إلا بالله عز وجل، ولا يستعيذ إلا بالله عز وجل.

    والسائل لله بغير الله إما أن يكون مقسماً عليه ].

    لأن الإقسام بالشيء سواء كان من باب الحلف أو الاستشفاع، كله نوع من التوسل، ولذلك فصّل الشيخ في هذه المسألة، أي أنه إذا سأل الله بغير الله بمعنى أنه توسل إلى الله بمخلوق، فهو بذلك استشفع أو توسل وسيلة ممنوعة ولا شك؛ لأن الله عز وجل لم يجعل بينه وبين خلقه وسطاً، وأمر بدعائه مباشرة، والوسطاء من العباد الفقراء إلى الله، فكيف يجعلون وسائل.

    الروايات المنسوبة عن أحمد

    مداخلة: ماذا يقصد الشيخ بقوله: كإحدى الروايتين عن أحمد ؟

    الجواب: قد يقصد أنها نسبت للإمام أحمد ، وكثير ما يذكر الشيخ مثل هذه الأمور عن الإمام أحمد ، وسيأتي في مسألة أهم من هذه وأخطر أنها نسبت للإمام أحمد ، وأنها رواية رويت، لا يلزم أن يكون الشيخ يرى أنها ثابتة، والإمام أحمد نسبت له أشياء كثيرة لم يقل بها، إما وهم من الذين نسبوها خاصة في هذه المسائل، وإما من باب التخريج على قوله كما يفعل كثير من أتباع الأئمة يخرّجون على أقوالهم بما لم يقولوا به، وهذا وقع للأئمة الأربعة ولغيرهم من أئمة السلف، والشذوذ لا يعني بأنه لم يقل به إمام من الأئمة، فالقول الشاذ قد يقول به إمام من الأئمة، ومع ذلك يعتبر شاذ، لأن الأئمة أو العلماء ليسوا معصومين فقد يحدث منهم بعض المواقف والأقوال الشاذة، إما لتوهم أو لاجتهاد خاطئ.

    1.   

    سؤال الله بغير الله

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ والسائل لله بغير الله إما أن يكون مقسماً عليه وإما أن يكون طالباً بذلك السبب ].

    أي أنه إذا قال واحد: أسأل بالرسول صلى الله عليه وسلم مثلاً، فسؤاله بالرسول صلى الله عليه وسلم يحتمل أمرين: أنه يقصد اليمين، وهذا خطأ، أو يقصد التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا أيضاً خطأ، فعلى الاعتبارين يعد هذا من الأخطاء التي شاعت عند أهل البدع.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ كما توسل الثلاثة في الغار بأعمالهم، وكما يتوسل بدعاء الأنبياء والصالحين، فإن كان إقساماً على الله بغيره فهذا لا يجوز ].

    لا يجوز لأمور أهمها أمران:

    الأمر الأول: كونه إقساماً على الله، والإقسام على الله لا ينبغي.

    والأمر الثاني: لأنه حلف بغير الله، وهذا الخطأ فيه أوضح.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وإن كان سؤالاً بسبب يقتضي المطلوب كالسؤال بالأعمال التي فيها طاعة الله ورسوله، مثل السؤال بالإيمان بالرسول، ومحبته، وموالاته ونحو ذلك فهذا جائز.

    وإن كان سؤالاً بمجرد ذات الأنبياء والصالحين؛ فهذا غير مشروع ].

    ويدخل في هذا السؤال بالأشياء، لكن الشيخ كثيراً ما يحصر مثل هذه الصور بالأنبياء والصالحين؛ لأن أكثر البلوى من هذا الوجه، لكن أيضاً يدخل فيه من باب أولى السؤال بالأشياء كالذي يسأل بحجر، أو بشجر، أو بقبر، أو بمكان، أو بزمان، أو بحال.. كل ذلك إما شرك وإما بدعة بحسب الصورة التي يكون فيها السؤال.

    السؤال بذوات المخلوقين

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقد نهى عنه غير واحد من العلماء وقالوا: إنه لا يجوز، ورخّص فيه بعضهم، والأول أرجح كما تقدم، وهو سؤال بسبب لا يقتضي حصول المطلوب، بخلاف من كان طالباً بالسبب المقتضي لحصول المطلوب، كالطلب منه سبحانه بدعاء الصالحين، وبالأعمال الصالحة، فهذا جائز؛ لأن دعاء الصالحين سبب لحصول مطلوبنا الذي دعوا به، وكذلك الأعمال الصالحة سبب لثواب الله لنا، وإذا توسلنا بدعائهم وأعمالنا كنا متوسلين إليه تعالى بوسيلة، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ [المائدة:35]، والوسيلة هي الأعمال الصالحة، وقال تعالى: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ [الإسراء:57] ].

    إذاً: النتيجة والفائدة من هذا المقطع هو أن الشيخ يقول: إن السؤال بمجرد ذوات الأنبياء أو الأشياء أو الأشخاص أو الأحوال أو الهيئات أو الأزمنة، يعني السؤال بالأشياء المخلوقة لا يجوز، ولا يحصل به المطلوب لا شرعاً ولا قدراً، فالله عز وجل لم يشرع لنا أن نحصّل الفائدة والمنافع بالسؤال بالأشياء لا بذات الأنبياء ولا بغيرهم.

    وأيضاً: لم يجعل من أقداره عز وجل أن تكون هذه الوسائل سبباً لحصول المطلوب، لا نعرف أن من أقدار الله أن السؤال بذوات الأنبياء يحصل به المطلوب، لكن يحصل المطلوب بسبب آخر، فقد يبتلي الله عز وجل بعض الذين يقعون في هذه الشركيات فتحصل لهم مطالبهم لا لأن الذات التي سألوا بها هي السبب، إنما السبب أمر آخر كأن يسلّط الله عليهم الجن والشياطين فيحققون لهم رغباتهم، ويظنون أن الذي حقق رغبته وأن السبب هو هذا الميت أو هذا المسئول به، وهذا خطأ.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وأما إذا لم نتوسل إليه سبحانه بدعائهم ولا بأعمالنا، ولكن توسلنا بنفس ذواتهم لم تكن نفس ذواتهم سبباً يقتضي إجابة دعائنا ].

    يعني لم يكن سبباً لا قدراً ولا شرعاً.

    قال رحمه الله تعالى: [ فكنا متوسلين بغير وسيلة؛ ولهذا لم يكن هذا منقولاً عن النبي صلى الله عليه وسلم نقلاً صحيحاً، ولا مشهوراً عن السلف.

    وقد نُقِل في منسك المروذي عن أحمد دعاء فيه سؤال بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا قد يخرج على إحدى الروايتين عنه في جواز القسم به، وأكثر العلماء على النهي في الأمرين ].

    تلاحظون تعبير الشيخ عما روي عن الإمام أحمد أنه يورده بصيغة التضعيف: (نُقل في منسك المروذي).

    وأيضاً منسك المروذي الله أعلم هل تصح النسبة فيه للإمام أحمد أو لا تصح، والغالب في مثل هذه الأمور أنها لا تصح عن الإمام أحمد ؛ لكنها إما أن تخرّج على قوله أو تكون وهماً من الرواة أو الله أعلم كيف دخلت؛ لأن الإمام أحمد رحمه الله واضح المنهج في مثل هذه الأمور، ومنهجه قوي في الاستمساك بالسنة.

    ثم إن ثروة الإمام أحمد رحمه الله من النصوص تجعلنا نثق أنه لا يقول بمثل هذه الأمور؛ لأن الإمام أحمد كما تعلمون من الأئمة الذين استوعبوا أكثر السنة، وربما يكون استوعب كل ما روي في وقته إلا النادر؛ لأنه كان يحفظ مليون حديث، استخرج منها المسند الذي هو فوق أربعين ألف حديث.

    فيندر أن يقع هذا الإمام الذي عُرف باستمساكه بالسنة وعنده هذه الثروة من النصوص في مثل هذه الأمور؛ لأن النصوص صريحة ومتكاثرة في منعها، وقد يكون هناك وجه آخر بعيد في تخريج أقواله من قبل تلاميذه، والله أعلم.

    1.   

    قول العلماء في التوسل بجاه المخلوقين وذواتهم

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وأكثر العلماء على النهي في الأمرين، ولا ريب أن لهم عند الله الجاه العظيم، كما قال تعالى في حق موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام، وقد تقدم ذكر ذلك، لكن ما لهم عند الله من المنازل والدرجات أمر يعود نفعه إليهم، ونحن ننتفع من ذلك باتباعنا لهم ومحبتنا لهم، فإذا توسلنا إلى الله تعالى بإيماننا بنبيه ومحبته وموالاته واتباع سنته فهذا من أعظم الوسائل.

    وأما التوسل بنفس ذاته مع عدم التوسل بالإيمان به وطاعته فلا يجوز أن يكون وسيلة، فالمتوسل بالمخلوق إذا لم يتوسل بالإيمان بالمتوسل به ولا بطاعته فبأي شيء يتوسل؟ والإنسان إذا توسل إلى غيره بوسيلة فإما أن يطلب من الوسيلة الشفاعة له عند ذلك، مثل أن يقال لأبي الرجل أو صديقه أو من يكرم عليه: اشفع لنا عنده، وهذا جائز ].

    يقصد الشيخ ما نسميه نحن الآن (الوساطات)، وهذا أمر وارد وجائز ولا يدخل فيما نحن فيه، فالناس فعلاً قد يحتاج بعضهم إلى جاه بعض في أمورهم ومصالحهم في الدنيا، لكن تقديم جاه البعض عند الله عز وجل لا ينفع؛ لأن كل إنسان لا ينفعه عند الله إلا عمله، لا جاهه، والجاه الذي يكون للأنبياء أو للصالحين أو للملائكة إنما ينفع أهله ولا ينفع غيرهم، لكن هذا لا يدخل فيما بين الناس من الجاه والحقوق التي بين الأرحام والحقوق التي بين الأصدقاء، والتي بين الراعي والرعية، والقدر الذي يكون للإنسان استخدامه لنفع الآخرين، فإنما هو من باب المنافع التي تكون بين البشر، فهو جائز بالضوابط الشرعية.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وإما أن يقسم عليه ].

    يعني: يقسم على المطلوب أو على الله عز وجل.

    الملقي: [ كما يقول: بحياة ولدك فلان، وبتربة أبيك فلان، وبحرمة شيخك فلان، ونحو ذلك.

    والإقسام على الله تعالى بالمخلوقين لا يجوز، ولا يجوز الإقسام على مخلوق بمخلوق ].

    لأن هذه الأمور التي ذكرها الشيخ مثل أن يقول: بحياة ولدك أو كذا، سواء قصد القسم أو قصد النوع الآخر وهو اتخاذ الجاه وسيلة فهذه أمور ليست أسباباً لتحصيل المطلوب لا شرعاً ولا قدراً، كما ذكر الشيخ في السابق.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وإما أن يسأل بسبب يقتضي المطلوب، كما قال الله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ [النساء:1]وسيأتي بيان ذلك.

    وقد تبيّن أن الإقسام على الله سبحانه بغيره لا يجوز، ولا يجوز أن يُقسم بمخلوق أصلاً، وأما التوسل إليه بشفاعة المأذون لهم في الشفاعة فجائز.

    والأعمى كان قد طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له كما طلب الصحابة منه الاستسقاء، وقوله: (أتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة)، أي بدعائه وشفاعته لي، ولهذا تمام الحديث: (اللهم فشفعه في)، فالذي في الحديث متفق على جوازه، وليس هو مما نحن فيه، وقد قال تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ [النساء:1].

    فعلى قراءة الجمهور بالنصب إنما يسألون بالله وحده لا بالرحم، وتساؤلهم بالله تعالى يتضمن إقسام بعضهم على بعض بالله، وتعاهدهم بالله ].

    تفسير الآية واضح؛ لأن الله عز وجل أمر باتقاء الأرحام على قراءة النصب، بمعنى أن ترعى حقوقها، ومن حقوق الأرحام التساؤل بها أيضاً من وجه آخر كما سيأتي، فالتساؤل بالأرحام ليس المقصود به القسم بها ولا التوسل بها، بل اعتبارها في الحقوق، كما إذا رأيت ولداً قصّر في حق أبيه، تقول: هذا أبوك، فتجعل الأبوة وسيلة لأن تقنعه بأن يبر بأبيه، إن كان السائل أخاه تقول: هذا أخوك له رحم وله قرابة، فجعلت القرابة وسيلة لتحقيق الغرض المطلوب من ذاك الشخص المقصّر، وهكذا يقال في كل ما بين الناس من قرابات، فهذا معنى التساؤل بالأرحام، وليس المقصود اليمين بها، ولا اتخاذها وسيلة فيما يتعلق بدعاء الله عز وجل وسيلة غير مشروعة.

    إذاً: ظاهر الآية واضح في أن المقصود بالتساؤل بالأرحام هو مراعاة حقوق الأرحام، وهذا مما يقع بين البشر مثلما يحدث في الشفاعات والواسطات وغيرها، فإن أولى من يشفع هو القريب، وأول من يعتبر قوله في حق الآخرين هو القريب وهكذا..

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وأما على قراءة الخفض، فقد قال طائفة من السلف: هو قولهم: أسألك بالله وبالرحم، وهذا إخبار عن سؤالهم، وقد يقال: إنه ليس بدليل على جوازه، فإن كان دليلاً على جوازه، فمعنى قوله: أسألك بالرحم ليس إقساماً بالرحم، والقسم هنا لا يسوغ لكن بسبب الرحم، أي: لأن الرحم توجب لأصحابها بعضهم على بعض حقوقاً كسؤال الثلاثة لله تعالى بأعمالهم الصالحة، وكسؤالنا بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعته.

    ومن هذا الباب ما روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن ابن أخيه عبد الله بن جعفر كان إذا سأله بحق جعفر أعطاه.

    وليس هذا من باب الإقسام، فإن الإقسام بغير جعفر أعظم، بل من باب حق الرحم؛ لأن حق الله إنما وجب بسبب جعفر ، وجعفر حقه على علي .

    ومن هذا الباب الحديث الذي رواه ابن ماجه عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء الخارج إلى الصلاة: (اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وبحق ممشاي هذا، فإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا رياء ولا سمعة، ولكن خرجت اتقاء سخطك، وابتغاء مرضاتك، أسألك أن تنقذني من النار، وأن تغفر لي ذنوبي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)، وهذا الحديث في إسناده عطية العوفي وفيه ضعف.

    فإن كان من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فهو من هذا الباب لوجهين:

    أحدهما: لأن فيه السؤال لله تعالى بحق السائلين، وبحق الماشين في طاعته، وحق السائلين أن يجيبهم، وحق الماشين أن يثيبهم، وهذا حق أوجبه الله تعالى، وليس للمخلوق أن يوجب على الخالق تعالى شيئاً، ومنه قوله تعالى: كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [الأنعام:12]، وقوله تعالى: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47]، وقوله تعالى: وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ [التوبة:111].

    وفي الصحيح في حديث معاذ رضي الله عنه: (حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله إذا فعلوا ذلك أن لا يعذبهم).

    وفي الصحيح عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى أنه قال: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا).

    وإذا كان حق السائلين والعابدين له هو الإجابة والإثابة بذلك، فذاك سؤال لله بأفعاله كالاستعاذة بنحو ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: (أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك) فالاستعاذة بمعافاته التي هي فعله، كالسؤال بإثابته التي هي فعله.

    وروى الطبراني في كتاب الدعاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يقول: (يا عبدي! إنما هي أربع: واحدة لي، وواحدة لك، وواحدة بيني وبينك، وواحدة بينك وبين خلقي، فالتي لي أن تعبدني لا تشرك بي شيئاً، والتي هي لك أجزيك بها أحوج ما تكون إليه، والتي بيني وبينك منك الدعاء ومني الإجابة، والتي بينك وبين خلقي فأت إلى الناس ما تحب أن يأتوه إليك) وتقسيمه في الحديث إلى قوله: (واحدة لي وواحدة لك) هو مثل تقسيمه في حديث الفاتحة، حيث يقول الله تعالى: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين نصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل)، والعبد يعود عليه نفع النصفين، والله تعالى يحب النصفين، لكنه سبحانه يحب أن يعبد، وما يعطيه العبد من الإعانة والهداية هو وسيلة إلى ذلك، فإنما يحبه لكونه طريقاً إلى عبادته، والعبد يطلب ما يحتاج إليه أولاً وهو محتاج إلى الإعانة على العبادة والهداية إلى الصراط المستقيم، وبذلك يصل إلى العبادة إلى غير ذلك مما يطول الكلام فيما يتعلق بذلك وليس هذا موضعه، وإن كنا خرجنا عن المراد.

    الوجه الثاني: أن الدعاء له سبحانه وتعالى والعمل له سبب بحصول مقصود العبد، فهو كالتوسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم والصالحين من أمته.

    وقد تقدم أن الدعاء بالنبي صلى الله عليه وسلم والصالح إما أن يكون إقساماً به، أو سبباً به، فإن كان قوله: (بحق السائلين عليك) إقساماً فلا يُقسم على الله إلا به، وإن كان سبباً فهو سبب بما جعله هو سبحانه سبباً، وهو دعاؤه وعبادته، فهذا كله يُشبه بعضه بعضاً، وليس في شيء من ذلك دعاء له بمخلوق من غير دعاء منه، ولا عمل صالح منا ].

    قوله هنا: (إقساماً به) أي: إقساماً بالشيء المذكور هنا، فهذا لا يجوز لأنه لا يجوز الإقسام إلا بالله.

    (أو سبباً به) يعني بالمتوسل به، بمعنى أنه إن كان كالدعاء -أي طلب إلى الله عز وجل- فهذا لا شك أنه مشروع؛ لأن الدعاء هو الأصل، وكذلك التوسل بالعمل الصالح كقصة أصحاب الغار، أو بالغير -وهذا هو الظاهر من قوله: أو سبباً به- أي كونه يتسبب بالغير، فله وجه مشروع وغير مشروع.. فالوجه المشروع أن يكون هذا الغير موجوداً حياً يسمع ويقدر، كما كان الصحابة يطلبون من النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء، وكما حدث في قصة الأعمى، أما بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فلا يجوز؛ لأنه لم يعد اتخاذ النبي صلى الله عليه وسلم سبباً وسيلة من الوسائل المشروعة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم توفي؛ لكن بقي نوع آخر وهو من الممكن أن يكون سبباً به وهو طلب الدعاء من أخيك المسلم، لأنك لم تتوسل به إنما جعلته يتسبب بأن يدعو الله لك، فأنت لم تدعه هو ولم تدع الله به، إنما طلبت أمراً ممكناً من إنسان حي قادر تتوافر فيه شروط هذا الطلب، فقلت لأخيك المسلم: ادع الله لي، وحينما قلت هذا القول ما اتخذت ذاته وسيلة، وإنما أهدى لك هدية بأن دعا الله لك، وهذا مما هو مشروع.

    وبعبارة أخرى: فإنك عندما طلبت الدعاء من أخيك المسلم ما سألت الله به، إنما طلبت منه أمراً يقدر عليه، ولذلك قد يستجاب له وقد لا يستجاب، وقد يفعل وقد لا يفعل، فأنت لم تتسبب بذاته إنما طلبت منه أن يفعل السبب، كما لو طلبت منه أن يؤدي لك حاجة من الحاجات الدنيوية الأخرى، لكن هذه تعلقت بالدعاء وتلك في أمور أخرى، ولا فرق بين الصورتين من حيث إنك طلبت من الشخص ما يقدر عليه، ولم تتخذ ذاته وسيلة.

    وبعض أهل البدع عندهم نوع من الخلط في هذه المسألة، فعندهم توهم أنهم مثلاً انتفعوا بذات الشخص الذي طلبوا منه الدعاء، وهذا خطأ منهم؛ فإنهم لم ينتفعوا بذاته إنما انتفعوا بدعائه، وهذا الخلط غير موجود بحمد الله عند أصحاب العبادة الصحيحة أهل السنة؛ لأنه لا يتصور أن يكون من أهل السنة من يظن أن الشخص الداعي هو الذي نفعه من دون الله، ولذلك علّق الأمل بدعائه لله لا بذاته، لكن كونه رجلاً صالحاً قد يستجاب له، هذا أمر آخر كالتوسل بالأعمال الصالحة، والله أعلم.

    وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.

    1.   

    الأسئلة

    حكم المساهمة في البنوك ونحوها

    السؤال: ما حكم المساهمة في بعض البنوك والشركات التي يدّعي أصحابها شرعية تعاملها، وهل يتورع المسلم عنها؟

    الجواب: إذا كانت الصناديق الاستثمارية أو غيرها معلومة النظام، ونظامها لا يتعارض مع الشرع، وعُرفت بمقتضى فتاوى المشايخ فيبقى الأصل فيها الإباحة.

    أما التورع وعدم التورع فهي مسألة أخرى، وعلى المسلم أن يبحث في المصارف والبنوك عن الأسلم، لكن يمتنع من أن يساهم ويضارب بمضاربة شرعية في بنك الأصل فيه أنه ربوي، لكن إذا فتح باب مضاربة شرعية لا تختلط بالعمل الربوي، وتتوافر فيه الشروط الصحيحة فلا نستطيع أن نقول هذا حرام، لكن التورع أمر آخر، فيسع المسلم أن يتورع ويبحث عن الأسلم.

    حكم لفظ: (خدمة الله)

    السؤال: ورد في كتاب ابن القيم رحمه الله لفظ: (خدمة الله) فما حكمها؟

    الجواب: كلمة: (خدمة)، هي من الألفاظ الصوفية، وربما يكون الشيخ تساهل فيها.

    حكم القسم بالدعاء على النفس بالموت

    السؤال: بعض الناس يقسم بالدعاء بموته ويدعو على نفسه بالموت، فما الحكم؟

    الجواب: ليس هذا إقساماً، بل هذا دعاء على النفس، ولا يجوز للمسلم أن يدعو على نفسه بمثل هذه الأمور، بل لا يدعو على نفسه ولا على غيره، إلا من شُرع الدعاء عليه.

    الفرق بين دعاء العبادة ودعاء الطلب

    السؤال: ما المقصود بدعاء العبادة ودعاء الطلب أو المسألة؟

    الجواب: دعاء العبادة هو الذكر، فالذكر يسمى دعاء، وأما دعاء الطلب فهو الدعاء الذي يطلب فيه المسلم شيئاً يحققه من مصالحه في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما معاً، والله أعلم.

    وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755952952