إسلام ويب

شرح العبودية [5]للشيخ : عبد الرحيم السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • جميع خلق الله تعالى من الإنس والجن والملائكة والحيوان والجماد عباد له سبحانه شاءوا أم أبوا، فهم تحت ربوبيته وإرادته ومشيئته في جميع شئونهم وأحوالهم، وهذا ما يعبر عنه بالعبودية الاضطرارية التي يستوي فيها جميع الناس، ولا علاقة لها بنجاة العبد يوم القيامة من عذاب الله تعالى وعقابه. وقد تعلق بها الصوفية حتى تركوا العبادة الحقة لله تعالى فضلوا عن سواء السبيل.

    1.   

    العبودية الاضطرارية

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين.

    أما بعد:

    فقد سبق الحديث عن منزلة العبودية، وبيان أن المصنف رحمه الله ذكر ثلاثة أمور في منزلة العبودية، وزدناها حتى أوصلناها إلى العشرة، وفي هذا الدرس سنبدأ بذكر بيان الشيخ رحمه الله عن أنواع العبودية، وذلك أن العبد قد يطلق ويراد به المعبد، وقد يطلق ويراد به العابد، فإذا أطلق وأريد به المعبد فإن العبودية تكون حينئذ بمعنى: الخلق، وبمعنى الإيجاد والربوبية، وهذا النوع يمكن أن نطلق عليه (العبودية الاضطرارية)، وهي التي لا إرادة للإنسان فيها، وحينئذ توافق معنى الخلق ومعنى الإيجاد ومعنى الربوبية، مثل خلق الله سبحانه وتعالى للناس، ومثل مطاعمهم ومشاربهم وحاجتهم لذلك، وحاجتهم للباس، وحاجتهم لدفع الأسباب عن أنفسهم، مثل المرض يدفع بالعلاج، وكذلك الجوع يدفع بالأكل وهكذا، وهذه العبودية يستوي فيها المؤمن والكافر، ويستوي فيها البر والفاجر، وتستوي فيها كل المخلوقات، فكل المخلوقين هم عباد لله عز وجل بهذا الاعتبار، سواء أكانوا من الإنس، أم من الجن، أم من الملائكة، أم من الجمادات، أم من الحيوانات، فكلهم عباد لله عز وجل بهذه الاعتبار، بمعنى أنهم معبدون لله، فإن إرادة الله عز وجل إرادة شاملة عامة، وقدرته نافذة لا يخرج عنها شيء، ولا يمكن أن يحصل شيء في حياة الناس إلا بقدر الله عز وجل وقدرته وإرادته، وحينئذ فسواءً أكان الإنسان طائعاً أم كارهاً فإنه لابد من أن يكون عبداً لله؛ لأنه لا يمكن أن يخرج عن هذه العبودية، فالذي أوجد الإنسان من العدم هو الله سبحانه وتعالى، فجعله ذليلاً لا يمكن أن يخرج عن خلقه عز وجل، ولا عن تدبيره بأي وجه من الوجوه.

    والإيمان والإقرار بهذا النوع من العبودية هو إقرار وإيمان بتوحيد الربوبية، وقد سبق أن بينا أن توحيد الربوبية هو إفراد الله عز وجل بالخلق والرزق والتدبير والملك، فالله عز وجل هو الخالق وحده، وهو الرازق وحده، وهو المدبر وحده، وهو المالك وحده، فإذا آمن أحد بهذا التوحيد فإنه حينئذ يكون قد أقر بالعبودية الجبرية، وتسمى الاضطرارية، وهي التي لا خيار للإنسان في فعلها أو تركها، إذ إنما هو خلق الله عز وجل القائل: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82]، فالذي نقله من العدم إلى الوجود هو الله عز وجل، فهو عبد له بهذا الاعتبار.

    والشيخ رحمه الله يقول: وتحرير ذلك أن العبد يراد به المعبد. يعني: المذلل الخاضع من غير اختيار، فالذي عبده ودبره وصرفه هو الله تعالى، وبهذا الاعتبار يكون المخلوقون كلهم عباداً لله من الأبرار والفجار والمؤمنين والكفار، وأهل الجنة وأهل النار؛ إذ هو ربهم كلهم ومليكهم، لا يخرجون عن مشيئته وقدرته، وكلماته التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، فما شاء كان وإن لم أشأ، وما شئت إن لم يشأ لم يكن؛ لأن إرادته -سبحانه وتعالى- هي النافذة.

    ثم ذكر الدليل على ذلك، وهو قول الله عز وجل: إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا [مريم:93] يعني: إلا سيأتي إلى الله عز وجل وهو خاضع مقر، وليس له أن يهرب يوم القيامة، وهذا معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه: (اللهم لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك).

    إقرار جميع الأمم بالعبودية الجبرية الاضطرارية

    وهذه العبودية الجبرية تقر بها جميع الأمم من المشركين واليهود والنصارى وعامة الوثنيين من جهتين:

    من جهة الاستسلام الحقيقي العملي، ومن جهة الاعتراف بأن هناك رباً يجب أن يستسلم له استسلاماً مطلقاً، ولا توجد أمة من الأمم في الدنيا تقول: إن هناك إلهين خالقين مدبرين لهذا العالم على السواء؛ لأن هذا يرفضه العقل؛ لأنه إذا كان هناك إلهان خالقان لهذا العالم فأراد أحدهما فعل شيء، وأراد الآخر أن لا يكون هذا الشيء -كما لو أراد أحدهما تحريك جسم، وأراد الآخر تسكينه- فإما أن تنفذ إرادة الاثنين، وهذا لا يتصور أبداً؛ لأنه إذا نفذت إرادة الاثنين فمعنى هذا أن الجسم سيكون متحركاً وساكناً في آن واحد، وهذا ممتنع، وإما ألا تنفذ إرادة الاثنين، وهذا أيضاً ممتنع؛ لأن نفي النقيضين ممتنع؛ لأنه لا يتصور في الجسم إلا أن يكون ساكناً أو متحركاً؛ لأنه إذا خلا من الحركة والسكون كان عدماً، وإما أن تنفذ إرادة أحدهما، فإذا نفذت إرادة أحدهما فهو الإله، والآخر مألوه، ولهذا لا يتصور أبداً أن يكون هناك إلهان خالقان للعالم مدبران له، ولهذا أقرت جميع الأمم في الأرض بأن الله عز وجل وحده هو الخالق الرازق المحيي المميت سبحانه وتعالى، ووقع الشرك عندهم في عبادة غير الله سبحانه وتعالى بصرف الإرادات -كالمحبة والخوف والرجاء ونحو ذلك- لغير الله، أو بصرف أعمال الظاهر -مثل أعمال الجوارح وقول اللسان- بغير الله سبحانه وتعالى، فهذه العبودية الاضطرارية لا تخرج الإنسان إذا آمن بها واعترف بها عن دائرة الكفر، ولا تدخله في دائرة الإسلام، فلو أن مجوسياً جاء وقال: أنا عابد، فقلنا له: ما هو الدليل على أنك عابد؟ فقال: أنا أقر بأني خاضع لله عز وجل، فلا يمكن أن أحدث شيئاً في الكون لم يرده الله عز وجل، ولا يمكن أبداً أن يأتيني رزق -مثلاً- أو أي شيء إلا من الله، فأنا نقول: هذا وحده لا يكفي في الدخول في الإسلام، بل لابد من أن يضاف إليه العبادة، وهو ما سيأتي معنا في الكلام عن العبودية الاختيارية، وهي العبودية التي يختار الإنسان فعلها، أو يختار تركها.

    بقاء العباد داخل دائرة العبودية الاضطرارية

    يقول: فهو سبحانه رب العالمين وخالقهم ورازقهم ومحييهم ومميتهم، ومقلب قلوبهم، ومصرف أمورهم، لا رب لهم غيره، ولا مالك لهم سواه، ولا خالق إلا هو، سواءٌ اعترفوا بذلك أو أنكروا.

    يعني: هم عابدون لله عز وجل، وعبوديتهم هذه عبودية لازمة لهم، حتى ولو أنكروا، فعندما ظهر الشيوعيون وقالوا: (لا إله والحياة مادة)، وعندما ظهر فرعون وقال: يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [القصص:38].

    وقال: أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى [النازعات:24] فهل معنى هذا أنهم خرجوا عن ملك الله وتدبيره؟ لا، فهو خاضع لله عز وجل، سواء اعترف أو لم يعترف، ولهذا لا يمكن أبداً أن يخرج عن هذه الأرض الصغيرة التي يعيش فيها إلى أي كوكب آخر، فما بالك بكونه يستطيع أن يدير هذا الكون الواسع الكبير؟! فهو عابد لله عبادة اضطرارية شاء أم أبى، فإذا اعترف فإنه يحصل له جزء من الإيمان، لكن هذا الجزء لا يدخله في الإسلام حتى يأتي بالعبادة الاختيارية.

    يقول: لكن أهل الإيمان منهم عرفوا ذلك واعترفوا به، ولهذا يقول الله عز وجل: وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ [يوسف:106].

    ويستغرب الإنسان في بعض الأحيان فيقول: كيف يثبت لهم الإيمان ثم ينسبهم إلى الشرك؟

    والجواب: يثبت لهم الإيمان في البداية فيقول: وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ [يوسف:106].

    ولهذا جاء عن بعض السلف أنه سمى الإقرار بالربوبية فقط دون الإلهية إيمان المشركين، وذلك (أن الإقرار بالربوبية، والإقرار بالعبودية الاضطرارية من الإيمان، لكن ليس هو كل الإيمان، وليس الإيمان الذي ينجي الإنسان يوم القيامة، وليس الإيمان الذي يدخل الإنسان الجنة، ويجعله يخرج من دائرة الكفر إلى دائرة الإسلام، فلا يدخله هذا النوع في الإسلام، بل لابد من الإتيان بالعبودية الاختيارية التي سيأتي الكلام عنها.

    يقول: بخلاف من كان جاهلاً بذلك، أو جاحداً له مستكبراً على ربه لا يقر ولا يخضع له مع علمه بأن الله ربه وخالقه.

    1.   

    تسبيح الكائنات وعبوديتها لله تعالى وذكر الخلاف في هذه المسألة

    هنا مسألة، وهي: أن الكائنات جميعاً -كما سبق- عابدة لله عز وجل عبودية اضطرارية، ومنها الإنسان والجن والملائكة والجمادات والحيوانات والنباتات، فكل هذه المخلوقات تشترك في هذا النوع من أنواع العبادة، فهي خاضعة جميعاً، لكن ورد في بعض الآيات إثبات التسبيح والسجود والقنوت لبعض المخلوقات، كقوله تعالى: يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [الجمعة:1]، يعني: الذي في السموات والذي في الأرض، فقوله: مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ يشمل كل ما هو موجود في السماء والأرض من الحيوانات والنباتات والجمادات؛ لأن (ما) في قوله: يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [الجمعة:1] موصولة بمعنى: (الذي)، والأسماء الموصولة جميعاً من صيغ العموم كما هو معلوم، فيشمل هذا جميع ما يوجد في الكون؛ فإنه مسبح لله عز وجل.

    ويقول تعالى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ [الإسراء:44] يعني: كل شيء يسبح لله سبحانه وتعالى، لكن نحن لا نفقه تسبيحهم.

    والسؤال هنا: هل هذا التسبيح الذي يصدر من السموات، والذي يصدر من الأرض، والذي يصدر من الكائنات جميعاً هل هو تسبيح حقيقة أم تسبيح دلالة؟

    القول الأول: أن المراد تسبيح الدلالة

    انقسم الناس في ذلك إلى ثلاث طوائف:

    الطائفة الأولى قالت: إن المراد بالتسبيح في هذه الآيات هو تسبيح الدلالة؛ فإن كل الموجودات تدل على أن هناك خالقاً خلقها وأوجدها، على حد قول الشاعر:

    وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد

    فقالوا: إن المقصود بالتسبيح ليس تسبيحاً حقيقياً، وإنما هو تسبيح مجازي المقصود به الدلالة على وجود خالق خلق هذا العالم.

    وهذا القول باطل غير صحيح، والدليل على بطلانه هو أن هذه الموجودات تدل على الله عز وجل هذه في كل أحوالها وفي كل أوقاتها، بينما ورد التسبيح والسجود لبعض هذه المخلوقات في وقت دون وقت، كما قال الله عز وجل: إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ [ص:18].

    فقوله: سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ [ص:18] يدل على أن هذه الجبال تسبح في أوقات معينة مع داود عليه السلام، فلو كان المراد بالتسبيح هو تسبيح الدلالة لكان ذلك في كل أوقاتها، سواء في العشي، أو في الإشراق، أو في الظهر، أو في الضحى، فكونه تعالى يبين أن تسبيحها في وقت دون وقت يدل على أن التسبيح ليس المراد به مجرد الدلالة على أن هناك خالقاً، فإن الجبال تدل على أن الله عز وجل خالقها حتى في الظهر، مع أنه هنا ذكر التسبيح لها في العشي والإشراق، فهذه يدل هذه الآية التي دلت على أن تسبيح هذه الجبال في وقت دون وقت دلت على أنه ليس المقصود من التسبيح هو ما فسره به هؤلاء.

    القول الثاني: أن العموم الوارد في الآيات المراد به الإنس والجن فقط

    وقالت الطائفة الثانية: المقصود بالعموم في قوله: يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [الجمعة:1]، وقوله تعالى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ [الإسراء:44] المقصود به الخصوص، فإنه ليس المقصود بأن كل المخلوقات -ومنها الجمادات والحيوانات والنباتات- تسبح لله عز وجل، فإننا نرى الجمادات وهي لا تسبح، ونرى الحيوانات وهي لا تسبح، ونرى النباتات وهي لا تسبح، فحينئذ قالوا: إن هذا العموم يراد به الخصوص، وقالوا: بأن المراد الإنس والجن المكلفين فقط، وهذا القول فيه ضعف، والسبب في أن فيه ضعفاً هو أن الله عز وجل سمى أنواعاً من الجمادات ووصفها بالتسبيح، كما في آية سورة: (ص) الآنفة الذكر، فلو كان المراد بقوله: يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [الجمعة:1] الجن والإنس المكلفين فقط، أو مع الملائكة لاعترض أيضاً على هذا القول بقوله: إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ [ص:18] فسمى التسبيح وسمى الجبال، والجبال لا شك في أنها غير الإنس والجن والملائكة.

    القول الثالث: أن تسبيح الكائنات وسجودها على حقيقته كما ورد

    وقالت طائفة: إن التسبيح والسجود والقنوت على حقيقته، وإنه تسبيح وقنوت حقيقي، والقنوت معناه: دوام الطاعة، قال تعالى: كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ [البقرة:116] يعني: كل له مطيعون، وجاء هذا عن ابن عباس وعن جماعة من السلف، وهذا القول هو الصحيح.

    فالقنوت على حقيقته، والتسبيح على حقيقته، والسجود على حقيقته، لكن ليس بالضرورة أن تكون حقيقة ذلك هي ما يقوم به الإنسان، فلا يلزم من التسبيح -مثلاً- أن يوجد لها لسان تسبح به، ولا يلزم من السجود أن يكون لها رأس مستجيب ينحني في الأرض، فإن السجود والتسبيح والقنوت يعتبر بحسب ما يضاف إليه، فإذا أضيف إلى الإنسان فإنه يتخذ الشكل المعروف الذي نفعله نحن في السجود، والتسبيح كذلك، وإذا أضيف إلى الجبال كان له شكل آخر، وإذا أضيف إلى الشجر كان له شكل آخر، وكذلك إذا أضيف إلى البحار، وهكذا، بل إن الحيوانات سمي بعضها فاسقاً، والفسوق هو الخروج عن الطاعة، فالنبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه قال: (العقرب فاسقة، والحية فاسقة، والفأرة فاسقة).

    وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم بين سبب قتل الوزغ، وهو أنه كان ينفخ النار على إبراهيم عليه السلام من أجل أن تزداد اضطراماً، وتزداد حرارة، ولهذا شرع صلى الله عليه وسلم قتله، وبين أن فيه أجراً.

    موقف العقلانيين والعصريين من نصوص سجود الكائنات ونحوها

    لكن العقلانيين لا يؤمنون بهذه الأشياء، ولا يعترفون بها، ويقولون: كيف ينفخ الوزغ في النار من أجل أن تضطرم على إبراهيم؟! وما أدرى الوزغ بإبراهيم؟! وما أدرى الوزغ بهذه النار؟!

    وهذا هو كلام الصادق المصدوق، ولا يمكن أبداً أن يكذب صلى الله عليه وسلم، وهذا خبر، ولا يمكن أن نرد الأخبار بعقولنا المجردة، فإننا نؤمن بالغيبيات عموماً، وهذه هي ميزة المسلمين، حيث يؤمنون بالغيب، وما دام أننا آمنا بأن الرسول صلى الله عليه وسلم يأتيه الخبر من السماء في ليلة واحدة أو في أقل من ذلك، فنحن نؤمن بما يخبرنا به عن الحيوانات مما لا نعرفه ولا نراه بأعيننا، وهذا الفيصل بين الموحد وغيره، وهذا هو الفرق بين المؤمن وغيره، ولهذا قام هؤلاء العصريون بتأويل جميع النصوص في القرآن وفي السنة التي لم توافق عقولهم، فتجد أنهم يقولون عن الطير الأبابيل: إنها هي الجراثيم الموجودة في الكون، ولهذا لما جاء أبرهة بقومه إلى الوادي المشهور بقرب مكة دخلت فيهم الجراثيم فأهلكتهم وأسقطت ما عندهم من اللحم والشحم حتى ماتوا، وهذا تفسير باطل؛ لأن الله تعالى سماها طيراً، ولا شك في أن الواجب هو الإيمان بالنصوص الشرعية كما أرادها الله سبحانه وتعالى بدون تحريف أو تأويل.

    وهنا مسألة، وهي: هل تسبيح الجمادات والحيوانات وبقية الكائنات غير المكلفة تسبيح اختياري، بمعنى: أنها تستطيع الترك، أم أنه تسبيح اضطراري، وهو حقيقي في ذات الوقت؟

    وهذه المسألة من المسائل المهمة التي لم تستطع عقول العصرانيين أن تؤمن بها.

    1.   

    العصرانيون ومواقفهم من أحكام الشرع وأخباره

    العصرانيون ليسوا فرقة لها مؤسس ولها كتب ومصنفات، وإنما هم أتباع المدرسة العقلية التي انقرضت في القرن الماضي تقريباً.

    والمدرسة العقلية مؤسسها هو جمال الدين الأفغاني وتلميذه محمد عبده، وقد كان من أبرز سمات هذه المدرسة العقلية: أنها تقدم العقل على النصوص، وسار على نهج هذه المدرسة بعض المشتغلين بالدعوة الإسلامية في هذا العصر، ومن أبرز آراء هؤلاء: أنهم يقولون بأنه لابد من أن نقارب بين المجتمع الإسلامي الذي نعيش فيه، والعالم الغربي والحضارة الغربية الموجودة، وبعضهم يقول بوحدة الأديان، وأن اليهود والنصارى وغيرهم طرقهم جميعاً طرق توصل إلى الله سبحانه وتعالى، فنحن -أهل الإسلام- نصل إلى الله سبحانه وتعالى عن طريق محمد صلى الله عليه وسلم، والنصارى يصلون إلى الله عن طريق عيسى، واليهود يصلون إلى الله عن طريق موسى، فيرى أن اليهود والنصارى بوضعهم الحالي على خير وأنهم سيصلون إلى الجنة، وبعضهم يعارض مقررات عقدية أساسية في دين الله عز وجل مثل الجهاد، فالجهاد قاعدة من قواعد هذا الدين، ولا يمكن أبداً أن يلغى، ولا يمكن أبداً أن يرده أحد، فحين ترجع إلى التاريخ الإسلامي، وتقرأ من زمن النبي صلى الله عليه وسلم تجد أن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل المشركين في غزوة بدر وفي أحد وفي الخندق، وقاتلهم في حنين، فلما توفي النبي صلى الله عليه وسلم وقامت أول دولة إسلامية بعد الرسول صلى الله عليه وسلم -وهي دولة الخلفاء الراشدين- قام المسلمون بالجهاد في سبيل الله، وكان الجهاد الذي عندهم هو جهاد الطلب، بحيث يذهبون إلى الأمم الأخرى ويقولون: أسلموا، أو ادفعوا الجزية عن يد وأنتم صاغرون، وتنازلوا عن ملككم، أو القتال بيننا وبينكم، ولهذا وقعت معركة اليرموك، ومعركة القادسية التي نقرؤها في التاريخ، وهكذا، فالتاريخ الإسلامي مليء بالجهاد، ومليء بالمعارك، ومليء بمقاتلة المشركين، وليس هذا الجهاد هو بسبب نزعات قومية مثلاً، أو بسبب خلافات عرقية، أو بسبب خلافات في اللغة، بل السبب في هذه المعارك المشهورة في التاريخ الإسلامي هو: اختلاف الدين، فأهل الإسلام لهم دين، وأولئك لهم دين آخر، ولهذا كان من القواعد الأساسية التي يريد إبطالها العصريون: قاعدة المفاصلة بين أهل التوحيد وأهل الشرك، فالموحدون لهم منهج ولهم طريقة، كما قال الله عز وجل: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [الكافرون:6]، وليس المقصود بقوله: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ أنكم تبقون على دينكم على رغبتكم وأنا أبقى على ديني، بل المقصود هو: أن ديني هو الصحيح، ولا يمكن التنازل عنه ولو شبراً واحداً، وأنتم إما أن ترجعوا إلى دين الله عز وجل، وإما أن تدفعوا الجزية عن يد وأنتم صاغرون، وإما أن يكون القتال بيننا وبينكم، كما كان يعرض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على أمم الكفر جميعاً.

    فهؤلاء العصريون من المشتغلين بالدراسات الإسلامية بعضهم أساتذة ودكاترة، ومع ذلك يقولون: إن المشروع في القتال هو الدفع فقط، فلو أن شخصاً آذاك فإنك تدفعه، لكن أن تبتدئ الآخرين وتدعوهم وتقاتلهم فلا، إذ ليس هذا من الدين، ولا شك في أن هذا كلام باطل تنقضه النصوص الشرعية الواردة في القرآن وفي السنة، وتنقضه السيرة العملية لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

    وبعض الناس يقول: لماذا نتدخل في شئون الأمم الأخرى؟

    فنقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يواجه مثل هؤلاء ويقاتلهم في سبيل الله.

    ومثل هذا نماذج أخرى عند هؤلاء يريدون بها تمييع قضايا العقائد، خاصة القضايا الأساسية في المعتقد، مثل قضية الولاء والبراء، ومثل قضية الجهاد في سبيل الله، ومثل قضية عدم الرضا بالكفر، ومثل قضية التمييز بين المنافقين والمؤمنين، ومثل قضية دار الإسلام ودار الكفر.

    فمثل هؤلاء يؤلفون الكتب في قضايا الجهاد في الفقه الإسلامي مثلاً أو في غيرها، ويحاولون أن يتلاعبوا بالأحكام الشرعية بهذه الطريقة، فهم لا يؤمنون بأن الجبال تسبح حقيقة، ولا يؤمنون بأنها تسجد حقيقة، ولا يؤمنون بأنها تقنت وتديم الطاعة لله حقيقة، ولا يؤمنون بأن الفأرة فاسقة حقيقة، ولا يؤمنون بأن الحية فاسقة حقيقة، ولا يؤمنون كذلك بأن الوزغ يقتل لأنه كان ينفخ النار على إبراهيم عليه السلام، وإنما يحاولون أن يؤولوا ذلك بأي وجه من أوجه التأويلات الباطلة.

    1.   

    المعرفة بالحق دون الاستجابة له لا تكفى في الإيمان

    يقول الشيخ: [ فالمعرفة بالحق إذا كانت مع الاستكبار عن قبوله والجحد له كان عذاباً على صاحبه ].

    أي: أن مجرد المعرفة بأنه يجب الخضوع لله عز وجل، وأنه هو رب كل شيء ومليكه من دون عبادة ومن دون عمل، بل مع الاستكبار -يعني: الرفض للعبادة العملية- عن قبوله والجحد له عذاب على صاحبه، كما قال تعالى: وَجَحَدُوا بِهَا [النمل:14] يعني: آل فرعون جحدوا بالمعجزات التي جاء بها موسى عليه السلام، قال تعالى: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ [النمل:14].

    وقال تعالى: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ [البقرة:146] يعني: لا تنقصهم المعرفة، فالمعرفة موجودة، لكن تنقصهم العبادة والعمل، وهذا يدل على أن المعرفة لا تكفي في الإيمان، بل لابد معها من العمل، قال تعالى: وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة:146] يعني: يعرفون أنهم يكتمون الحق.

    وقال تعالى: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ [الأنعام:33] يعني: لا يكذبونك في الحقيقة، بل يعترفون بأنك صادق، وأنك على حق: وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [الأنعام:33] يعني: يجحدون علواً واستكباراً.

    ولهذا جاء حبران إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقالا له: نشهد أنك رسول الله. والمرجئة يقولون: ما بعد هذا إيمان؛ حيث وقع منهما أول شيء تصديق بالقلب، ثم نطق باللسان.

    لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قبل إسلامهما، وإنما قال: (وما يمنعكما أن تتبعاني) يعني: لماذا لا تلتزمان بما قلتما وهو الشهادة لي بأني رسول الله، وبما يترتب على ذلك من الأعمال القلبية وأعمال الجوارح؟ فقالا: تقتلنا اليهود. فلم يقبل عذرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الإنسان لا يعذر في قبوله للإسلام قبولاً قلبياً بمثل هذا العذر، ولهذا فإن هرقل لما جمع الروم في دسكرة واحدة قال لهم: هل لكم في النجاة؟ هل لكم في الفلاح؟ إنه رسول الله، فحاصت الروم كما تحوص الحمر، واتجهوا إلى الأبواب من أجل أن يقاتلوه، فلما يئس عدوا الله من الإسلام قال: ردوهم علي. فلما اجتمعوا له قال لهم: إنما كنت أختبر التزامكم بدينكم. فمات على الشرك، مع أنه قال لـأبي سفيان : والله لو أنني أخلص إليه -يعني: لو استطعت مقابلة هذا الرسول- لغسلت عن قدميه وشربت ماءهما. فأي إيمان أكثر من هذا الإيمان؟! لكن هل نفعه هذا؟ ما نفعه، فلابد من الإيمان مع عمل القلب ومع عمل الجوارح ومع الالتزام بدين الله سبحانه وتعالى، وإلا فمجرد التصديق ليس من الإيمان.

    يقول: فإن اعترف العبد أن الله ربه وخالقه، وأنه مفتقر إليه محتاج إليه؛ عرف العبودية المتعلقة بربوبية الله، وهذا العبد يسأل ربه فيتضرع إليه ويتوكل عليه، لكن قد يطيع أمره، وقد يعصيه، وقد يعبده مع ذلك، وقد يعبد الشيطان والأصنام، يعني: فلا تنفعه عبادته.

    1.   

    استواء أهل الجنة وأهل النار في العبودية الاضطرارية

    ثم قال: ومثل هذه العبودية -يعني: العبودية الاضطرارية- لا تفرق بين أهل الجنة وأهل النار؛ لأنهم جميعاً عابدون، ولا يصير بها الرجل مؤمناً؛ لأنه ليس الإيمان هو مجرد الإقرار بالخلق والرزق لله عز وجل، كما قال تعالى: وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ [يوسف:106]، فإن المشركين كانوا يقرون أن الله خالقهم ورازقهم وهم يعبدون غيره، قال الله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لقمان:25].

    وقال تعالى: قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ [المؤمنون:85] إلى قوله: سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ [المؤمنون:89].

    1.   

    تعلق الصوفية بالعبودية الاضطرارية

    ثم انتقل الشيخ إلى قضية أخرى، وهي قضية نقاش مع الصوفية خطيرة جداً، فإن الصوفية يدعون التعبد ويدعون أنهم يجتهدون في العبادة اجتهاداً كبيراً، وهم إنما تميزوا وقبلهم الناس لظن كثير من الناس أنهم أهل عبادة وأهل اجتهاد في العبادة، لكن -يا ترى- هل الصوفية عندما يشتغلون في خلواتهم وجلساتهم وحضراتهم -كما يسمونها- وشهودهم هل يشهدون العبودية الاختيارية التي أوجبها الله عز وجل -وهي توحيد الإلهية- أم أنهم يجتهدون في إثبات الخالقية والرازقية والمالكية فقط لله عز وجل؟! بمعنى: أنهم يشهدون توحيد الربوبية، أو يتعلقون تعلقاً تاماً بالعبودية الاضطرارية.

    الواقع أن الذي ينظر إلى منهج الصوفية يجد أنهم يتعلقون بالعبودية الاضطرارية، فأحدهم إذا جلس في خلوته وبدأ يجتهد في العمل حتى يوصله ذلك إلى الكشف يعترض عليه بعدة أمور:

    الأمر الأول: أن الذكر والورد الذي يقوم به في خلوته ذكر مبتدع، فهو وورد مبتدع إما أن يردد -مثلاً- الضمير (هو) فيقول: هو، هو، وهكذا، وإما أن يردد اسماً من أسماء، فيقول: الله، الله، الله، الله، الله، أو: اللطيف، اللطيف، اللطيف، اللطيف، وهكذا، وهذا لا شك في أنه ذكر مبتدع لم يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وسيأتي معنا الكلام عليه مفصلاً وذكر أدلته، والرد عليها بإذن الله تعالى.

    فأول ما يبدأ الصوفي في خلوته بذكر بدعي، فإذا كرر الاسم (الله) لا يشهد ولا يفكر ولا يرى عبودية الله عز وجل ووجوب إفراده بالعبادة، بل يفكر في كونه هو الخالق الخلق المطلق وهو الرازق الرزق المطلق، وهو المحيي الحياة المطلقة والمالك ملكاً مطلقاً، وهكذا، فيبدأ يشغل نفسه بهذا الأمر، وهذا الأمر لا شك في أنه عظيم إذا ترتب عليه فائدة عملية، لكن مجرد التفكير المجرد فيه ليس فيه زيادة على عمل المشركين الذين قال تعالى عنهم: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لقمان:25] فالتفكير المجرد في أن الله هو خالق السموات والأرض ليس فيه زيادة، بل الزيادة هي الثمرة المترتبة، فإذا كان الله تعالى خالق للسموات والأرض فلابد من أن أعبده وأصلي له وأسجد، وأخاف منه، وأرجوه، وأتوكل عليه، وهكذا.

    فالصوفية يشتغلون بهذا حتى يصلون إلى الكشف، والكشف هو حالة تأتي لهم من ترديد بعض الكلمات، ولا سيما إذا خالطها بعض السماع، مثل الطبل والرقص والصياح، وقد يكون مع ذلك أن يرتفع الواحد منهم على الأرض ويسقط عليها مرة أخرى، أو يقف على رأسه مدة طويلة، أنه مع هذه الأمور جميعاً تأتيه بعض الأحيان تصورات، وتأتيه أفكار، وتأتيه أوهام، فيظن أن هذه الأفكار وأن هذه الأوهام وأن هذه التصورات حقيقة لا تقبل الشك، مع أنها في بعض الأحيان تكون فرصة مناسبة للشيطان، فيدخل فيه ويعطيه أفكاراً ويعطيه آراء، ويعطيه أشياء معنوية في نفسه.

    والمهم أنهم يرون أن هذا العمل الذي يقومون به غاية العبودية، ولاشك في أن هذا العمل ليس هو غاية العبودية، وإنما العبودية -كما سيأتي معنا- هي العبودية الاختيارية التي تكون متعلقة بقلب الإنسان وعمله، مثل الخوف والرجاء.

    أسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح.

    1.   

    الأسئلة

    مؤلفات محمد الغزالي في الميزان

    السؤال: ما رأيك في مؤلفات محمد الغزالي ؟

    الجواب: محمد الغزالي رجل خطيب، ومؤلفاته ليست علمية دقيقة، وقد رد عليه كثير من المشايخ، وردودهم موجودة في المكتبات.

    حكم وصف النبي صلى الله عليه وسلم بالنور

    السؤال: هل يصح أن نقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم نور؛ لأن الله تعالى قال عنه: وَسِرَاجًا مُنِيرًا [الأحزاب:46]، جاء في دعاء الخروج إلى المسجد أنه عليه الصلاة والسلام كان يقول: (واجعلني نوراً

    الجواب: إذا قال الصوفية: إن النبي صلى الله عليه وسلم نور فمعنى قولهم: إنه نور أنه ليس له جسد كأجسادنا نحن، وإنما جسده يختلف، أي: ليس له عظم ولا دم ولا شحم ولا أعصاب، وإنما هو نور، ثم يقولون: إن هذا النور مأخوذ من نور الله سبحانه وتعالى. ولا شك في أن هذا ضلال مبين.

    لكن إن كان المقصود أنه نور معنوي بمعنى: أنه جاء بالنور - وهو الإسلام - فيصح بهذا الاعتبار، إلا أنه لم يكن من عادة السلف الصالح رضوان الله عليهم أن يطلقوا على الرسول صلى الله عليه وسلم أنه نور لأنه جاء بالنور، وإنما يقال: (جاء بالنور) مباشرة.

    وقوله: وَسِرَاجًا مُنِيرًا [الأحزاب:46] يعني: ينير لغيره الطريق بالدعوة إلى توحيد الله سبحانه وتعالى.

    وقوله: (واجعلني نوراً) هذا علم به أمته، فهل معنى هذا أن أمته كلها أنوار؟! فالمقصود بقوله: (واجعلني نوراً) يعني: واجعلني على هدى، واجعل طريقتي طريقة مستقيمة. هذا هو المقصود.

    عصمة الأنبياء

    السؤال: هل الأنبياء معصومون من الخطأ؟

    الجواب: الأنبياء لا شك في أنهم معصومون من الخطأ في البلاغ عن الله سبحانه وتعالى، فلا يمكن أن يخطئوا فيما يبلغون به عن الله سبحانه وتعالى، ولا يحصل لهم السهو ولا النسيان في هذا الأمر، وأما الخطأ الطبيعي فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخطأ في صلاته وسجد للسهو، وإن كان الخطأ المقصود به المعصية فإنهم معصومون من الكبائر، وأما الصغائر فإنه إذا حصل أن وقع فيها أحدهم فإنه لابد من أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى، كما حصل للنبي صلى الله عليه وسلم عندما اجتهد وفدى أسرى بدر، وبعضهم جعل فديته أن يعلم الصحابة شيئاً من القراءة، فلامه الله عز وجل على ذلك، وتاب منه.

    حكم قراءة المسلم للتوراة والإنجيل

    السؤال: هل تجوز قراءة التوراة والإنجيل إذا علمنا أنهما محرفان؟

    الجواب: ليس في قراءة التوراة والإنجيل فائدة إلا لمتخصص ينقدها، أما أن يقرأهما عامة الناس أو من لا علاقة له بهذا التخصص فهذا ليس من السنة أبداً، والدليل على ذلك قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه قطعة من التوراة، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب ؟! والله لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي. فقال عمر : آمنت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً) ثم ترك الاطلاع عليها.

    معنى فسق الفأرة والحية

    السؤال: هل معنى فسق الفأرة والحية هو الخروج عن الطاعة، أم يطلق عليها ذلك بطبيعة فعلها من الأذية والتخريب؟

    الجواب: النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنها فاسقة) والفسوق معناه في اللغة: الخروج، فيحتمل هذا ويحتمل هذا.

    عدم كفاية توحيد الربوبية في الإسلام

    السؤال: في الإسلام ذكرت أن الشخص إذا أتى بجزئية يسيرة من الإسلام لا يكون مسلماً، والمعلوم أن العبد إذا فعل جزئية من جزئيات الإسلام مثل الشهادتين والصلاة فقد أسلم، فما توضيح كلامكم؟

    الجواب: كان الكلام على موضوع توحيد الربوبية، وقلنا: إن الاقتصار على الإيمان بتوحيد الربوبية، لا يكفي في الإسلام، ولا يدخل به المرء في الإسلام، ولا شك في أن توحيد الربوبية من الإيمان، لكن الاكتفاء به لا يدخل الإسلام، بل لابد من أن ينضاف إلى ذلك إفراد الله عز وجل بالعبادة، وليس المقصود أي جزئية في الإسلام، كما أنه ليس المقصود الإسلام الحكمي أو الإسلام الظاهر، وإنما المقصود به الإسلام الحقيقي، فمن نطق بالشهادتين أو صلى عرفنا أنه مسلم، وحكمنا عليه بالإسلام، وقد يكون منافقاً، والمقصود على كل حال هو أن توحيد الربوبية إذا اكتفى به الإنسان لا يكفيه، فإذا قال: أؤمن بأن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت ثم اكتفى نقول: إن كفار قريش كانوا يؤمنون بذلك، فلابد من أن ينضاف إلى ذلك إفراد الله بالعبادة القلبية، وعمل الجوارح.

    نشأة فكر العقلانيين

    السؤال: لماذا أنشأ العقلانيون فكرهم؟ ومن هو أبرزهم؟

    الجواب: العقلانيون لم ينشئوا فكرهم إنشاءً، وإنما ظهر من خلال فتاويهم، ومن خلال آرائهم، ومن خلال أفكارهم، فنشأ هذا الفكر الذي سمي فيما بعد بالعقلانية؛ لأنهم يقدمون العقل على النصوص الشرعية، وأبرزهم -كما قلت- جمال الدين الأفغاني قديماً، وحديثاً الشيخ محمد الغزالي الذي رد عليه المشايخ، وكتبهم موجودة.

    ذكر الدليل على أن العبودية هي الميثاق

    السؤال: ما هو الدليل أن العبودية هي الميثاق؟

    الجواب: الآية التي في سورة البقرة: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ [البقرة:83]، فقوله: لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ [البقرة:83] تفسير للميثاق المأخوذ على بني إسرائيل.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755966409