إسلام ويب

دراسة موضوعية [8]للشيخ : عبد الرحيم السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من الصفات الثابتة لله تعالى صفة النزول، وهي صفة اختيارية متعلقة بمشيئة الله وقدرته، ومن صفات الله تعالى: صفة العلو، وهي صفة ذاتية ثابتة لله تعالى بالكتاب والسنة، ولا تعارض بينها وبين صفة المعية أبداً، والمؤمنون يرون ربهم يوم القيامة كما يرون البدر في السماء لا يضامون في رؤيته.

    1.   

    من آداب طالب العلم في نفسه

    من آداب طالب العلم الإعراض عن الهيشات

    قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد في كتابه حلية طالب العلم، في الفصل الأول، في آداب الطالب في نفسه: [الأدب الثاني عشر: الإعراض عن الهيشات:

    التصون من اللغط والهيشات؛ فإن الغلط تحت اللغط، وهذا ينافي أدب الطلب.

    ومن لطيف ما يستحضر هنا ما ذكره صاحب الوسيط في أدباء شنقيط، وعنه في معجم المعاجم: أنه وقع نزاع بين قبيلتين، فسعت بينهما قبيلة أخرى في الصلح، فتراضوا بحكم الشرع، وحكموا عالماً؛ فاستظهر قتل أربعة من قبيلة بأربعة قتلوا من القبيلة الأخرى، فقال الشيخ باب بن أحمد : مثل هذا لا قصاص فيه، فقال القاضي: إن هذا لا يوجد في كتاب. فقال: بل لم يخل منه كتاب، فقال القاضي: هذا القاموس -يعني: أنه يدخل في عموم الكتاب، فتناول صاحب الترجمة القاموس، وأول ما وقع نظره عليه: (والهيشة الفتنة وأم حبين، وليس في الهيشات قود)، أي: في القتيل في الفتنة لا يدرى قاتله، فتعجب الناس من مثل هذا الاستحضار في ذلك الموقف الحرج. انتهى ملخصاً].

    خلاصة هذا الأدب: أن طالب العلم ينبغي عليه أن يصون نفسه عن اللغط، وأن يصون نفسه عما لا ثمرة فيه ولا فائدة، فإنه لا يليق بطالب العلم أن يكون من أهل السفه الذين يدخلون في المضاربات والمشاكسات واللغط والسب والشتم، وأن يكون خراجاً ولاجاً في مخافر الشرط بسبب هيشة مع جار له، أو مشكلة مع رجل عند إشارة.. لا ينبغي أن يكون طالب العلم بهذا المستوى، وإنما ينبغي عليه أن يصون نفسه عن ذلك كله، وأن يرفق بالناس، وأن يكون عاقلاً حكيماً يحسن التعامل مع الناس، فإن الذي لا يجامل الآخرين، ويتعامل معهم على قدر عقولهم سيدخل في مشكلات كثيرة، ومن حكمة الجاهليين ما ورد في كلام زهير بن أبي سلمى في قوله:

    ومن لم يصانع في أمور كثيرة يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم

    فينبغي على الإنسان أن يكون حكيماً، ولا يكون كلما وجد سفيهاً من السفهاء صارت بينه وبينه مشكلة، وكلما وجد أحمق من أهل الجهالة صارت بينه وبينه فتنة، وكلما وجد رجلاً بسيطاً في عقله وتصرفه لا يحسن الفهم، ولا يدرك مقاصد الأمور لا يتعامل معه بالطريقة العاقلة في التعامل مع مثل هؤلاء الأشخاص.

    والهيشات جمع هيشة، والهيشة الفتنة التي يختلط فيها الناس بعضهم في بعض يتضاربون أو يتقاتلون، وقد يسقط بينهم جريح أو قتيل.

    وفي القصة التي أوردها عدة فوائد:

    الفائدة الأولى: أن القتيل في الهيشة الذي لا يعرف من قاتله لا يصح فيه قود؛ لأنه لا يعرف شخص محدد هو قاتل هذا الشخص، عندما يكون هناك خمسة من جهة وخمسة من جهة يتراشقون إما بالحجارة أو بالسهام أو بالرصاص فيقتل قتيل ولا يعرف من قتله، فربما يكون قتله فلان أو فلان أو فلان، أو ربما قتله أحد أصحابه وحينئذ لا يكون فيه قصاص، وإنما يكون فيه الدية.

    الفائدة الثانية: الموقف الذي في قصة هذا العالم باب بن أحمد ؛ فإنه أفتى بأنه لا قصاص في مثل هذه الحالة، فقال له القاضي: إن هذا لا يوجد في كتاب. وهذا زعم مطلق بدون بصيرة من هذا القاضي.

    فقال: بل هو موجود في كل كتاب. أي: سواء كان من كتب الفقه أو اللغة أو غيرها.

    فأراد هذا القاضي إحراج هذا العالم، قال: هذا القاموس. وهو من كتب اللغة للفيروزآبادي شرحه الزبيدي في تاج العروس.

    فقال له: هذا كتاب القاموس. يعني: هات هذا الحكم الفقهي الذي قلته من هذا الكتاب اللغوي. فماذا عمل؟ اتجه إلى أقرب معنى لغوي يمكن أن يصل إلى فائدة فيه، فوجد كلمة هيشة، فقرأ: أن الهيشة هي الفتنة، وأم حبين. يعني: تطلق على الفتنة وتطلق على دويبة صغيرة تسمى أم حبين، قال: وليس في الهيشات قود. وهذه من الفوائد التي في غير مظانها؛ فإن كتاب القاموس في الأصل كتاب لغوي، لكن هنا مسألة فقهية أشار إليها، ولهذا ينبغي على طالب العلم عند قراءته في الكتب أن يسجل لطائف المسائل التي لا توجد في مظانها؛ لتكون من نوادر العلم بالنسبة له.

    من آداب طالب العلم التحلي بالرفق

    قال: [الثالث عشر: التحلي بالرفق:

    التزم الرفق في القول؛ مجتنباً الكلمة الجافية، فإن الخطاب اللين يتألف النفوس الناشزة. وأدلة الكتاب والسنة في هذا متكاثرة].

    الرفق ما كان في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه.

    وينبغي على الدعاة إلى الله عز وجل، والمصلحين، والآمرين بالمعروف، والناهين عن المنكر، والمؤثرين في الناس.. ينبغي عليهم أن يتعاملوا مع الناس برفق، حتى لو كان مخالفاً، وكثير من الناس تعود على الغلظة في الكلام حتى في الرد على المخالف، حتى لو كان هذا الكتاب في الرد على مبتدع أو زنديق من الزنادقة!

    صحيح أن الإغلاظ يدل على الحرقة الموجودة في القلب، ويدل على قوة تدين هذا الإنسان وشعوره بخطورة هذا القول الذي يقول به ذلك الشخص، لكن ينبغي أن يكون الأصل العام هو عفة اللسان، وحسن المنطق، حتى لو كان الشخص المردود عليه مبتدعاً أو من الضالين.

    ومن الأشياء التي يستغلها بعض أهل البدع وبعض الليبراليين والعلمانيين على بعض شباب الدعوة الإسلامية: أنهم عندما يتكلمون في موضوع من الموضوعات يغلظون في القول، بل قد يتهجمون على أشخاص ويسبونهم ويشتمونهم، وقد يعيرونهم بأمور خارجة عن حقيقة الموضوع نفسه، إذا كنت تريد أن ترد على شخص في قضية من القضايا فلا تتهجم عليه وتسبه وتشتمه وتتكلم عليه، بل ينبغي عليك أن تناقش هذه المسألة وتبين فيها الحق، بهذه الطريقة نستطيع إقناع الآخرين.

    ولعل من أروع الأمثلة المضروبة في هذا الجانب: الأستاذ الشيخ عبد الرحمن المعلمي رحمه الله، فقد رد على محمد زاهد الكوثري في كتابه: تأنيب الخطيب على ما ساقه في ترجمة أبي حنيفة من الأكاذيب. فألف الشيخ عبد الرحمن المعلمي كتاباً سماه: التنكيل فيما في تأنيب الكوثري من الأباطيل، ومع هذا كان إذا نقل نصاً من كلامه يقول: قال الأستاذ. ثم ينقل كلامه، ويقول: وهذا الكلام فيه تحريف من عدة وجوه، الوجه الأول، الوجه الثاني، الوجه الثالث، ثم يبين هذه المسائل بياناً علمياً مفيداً.

    بعض الناس تعود أنه إذا أراد أن يرد على شخص أن يقول: هذا لا يقوله إلا أحمق جاهل مغرر به. مثل هذا الكلام لا يقوله إلا السفهاء عندنا، بل حتى السفهاء هم أرفع من أن يتكلموا بمثل هذا الكلام. وقد يكون هذا الكلام في بعض الأحيان صحيحاً، لكن حين يسمع منك هذا، ويرى طريقتك في التعامل مع الآخرين؛ حينئذ سينفر الآخرين منك ومما عندك من الخير والفائدة.

    فينبغي أن يتعود الإنسان أن يكون نقاشه نقاشاً علمياً دقيقاً، يركز فيه على المسائل العلمية وعلى الفوائد أكثر من التركيز على النقد الموجه للأشخاص، وخصوصاً الذي يكون فيه سب وشتم.

    بعض الناس يقول: وهذا القول لا يقوله إلا كافر مثلاً. وفعلاً قد يكون هذا الكلام صحيحاً، فبدلاً من أن يبين بطلان هذا الكلام بشكل دقيق يكتفي بهذه الكلمة، وهذه الكلمة وحدها غير مفيدة وغير مقنعة، ولهذا ينبغي أن نتعود في الردود على الآخرين وفي مناقشة المسائل والأفكار على الأسلوب العلمي، والأسلوب العلمي يقتضي مناقشة المسألة.

    نعم. قد يحتاج الإنسان في بعض الأحيان أن يعنف على كاتب من الكتاب، أو على شخص من الأشخاص، لكن ينبغي أن يكون هذا في حدود الضرورة، وألا يتوسع فيه الإنسان، ويصبح طابعاً له، وشيئاً مميزاً له، فالإنسان عندما يكتب بأسلوب علمي دقيق ينفع الناس أكثر مما يكون متهجماً، ولهذا ينبغي على الإنسان أن يتحلى بالرفق في التعامل مع الآخرين من جيران أو إخوان أو زملاء أو أساتذة أو غيرهم، فما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه.

    من آداب طالب العلم التأمل

    قال: [الرابع عشر: التأمل:

    التحلي بالتأمل، فإن من تأمل أدرك. وقيل: تأمل تدرك. وعليه: فتأمل عند التكلم بماذا تتكلم؟ وما هي عائدته؟ وتحرز في العبارة والأداء دون تعنت أو تحذلق، وتأمل عند المذاكرة كيف تختار القالب المناسب للمعنى المراد، وتأمل عند سؤال السائل كيف تتفهم السؤال على وجهه حتى لا يحتمل وجهين، وهكذا].

    لا شك أن التأمل من أبرز صفات طالب العلم التي ينبغي عليه أن يربي نفسه عليها، فإن القارئ الذي يقرأ كتاباً ولا يتأمله لن يستفيد منه شيئاً، ومن يحضر درساً ثم لا يتأمل ما فيه من المسائل والفوائد ويسرح ذهنه بعيداً لن يستفيد شيئاً، ولهذا فكثير من الشباب الذين يحبون القراءة ينظرون إلى الكم في القراءة أكثر من نظرتهم إلى الكيف، وإلى مدى الفائدة التي استفادها.

    فمثلاً: يأتي شخص ويقول: أنا قرأت سير أعلام النبلاء كاملاً، أو الفتاوى كاملة، لكن قد يكون تأمله فيها قليلاً جداً، والفائدة التي استفادها من هذه القراءة قليلة جداً؛ لأنه يهتم بالقراءة أكثر مما يهتم بالتأمل والتدقيق والاستفادة.

    ولهذا ينبغي على طالب العلم أن يتعود على الدقة، وأن يكون دقيقاً في قراءة الكلمات وفهمها.. دقيقاً أثناء التعبير عن مسألة من المسائل.. دقيقاً في تصوير المسائل، ولهذا تجد بعض الناس تعودوا على التهويل والمبالغة، فمثلاً: إذا جاء إلى محاضرة فسألته: كم حضر المحاضرة من الناس؟ تختلف تقديرات الناس، بعضهم يقول: حضر ثلاثة آلاف، وبعضهم يقول: حضر عشرون ألفاً، انظر الفرق بين ثلاثة آلاف وعشرين ألفاً مع أن المحاضرة واحدة، فبعضهم يذكر عدداً قليلاً، وبعضهم يذكر عدداً رهيباً كبيراً جداً ويتكلم بهذه الطريقة، وأحسن الناس من تكون نظرته دقيقة موضوعية بعيدة عن التهويل، وبعيدة أيضاً عن تحقير الأمر والتقليل من شأنه، فينبغي أن يتعود الإنسان في حياته العلمية على أن يكون متأملاً دقيقاً موضوعياً في نظرته.

    وحتى البادية قديماً كانوا إذا أرسلوا شخصاً من أجل أن يبحث لهم عن أماكن فيها أمطار ثم جاءهم يميزون بين من عندهم دقة وبين الذين يبالغون، فبعض من يرسلونه يقولون له: انظر المكان الفلاني هل فيه عشب -حتى ينتقلون إليه بأغنامهم- فإذا كان من الذين يهولون يقول: أنا رأيت العشب يصل إلى نصف الرجل، يعني: أن العشب مرتفع بشكل غير طبيعي، فيأتون إلى المكان فيجدون أنه ليس كذلك، فيفهمون أن هذا الشخص لا يصلح أن يخبر عن أمر من الأمور، بينما يستعمل غيره عبارة دقيقة في حجم الشيء الذي رآه وفي صورته وكيفيته، ومدى استفادة الآخرين منه.

    ولهذا ينبغي على الإنسان أن يعود نفسه على أن يكون دقيقاً موضوعياً في عبارته وكلامه وفهمه وقراءته لكلام الآخرين.

    ولو رجعتم إلى مثل الشيخ محمد بن عثيمين في الكتب التي كان يؤلفها بيده، لوجدتم أن كلامه لا يمكن أن تحذف منه حرفاً واحداً، لأنه ليس فيه حشو ولا زيادة، وليس فيه شيء لا داعي له، حتى الأحرف والكلمات الصغيرة لها داعٍ، حتى عندما ينتهي من مسألة من المسائل يكون الانتهاء له مدلول، والبداية لها مدلول آخر، كان الشيخ رحمه الله من أدق الناس في العبارة، ومن أجود الناس في البعد عن الحشو وما لا فائدة منه، فينبغي أن نعود أنفسنا على هذا الأمر.

    من آداب طالب العلم الثبات والتثبت

    قال: [الخامس عشر: الثبات والتثبت:

    تحلَّ بالثبات والتثبت لا سيما في الملمات والمهمات، ومنه: الصبر والثبات في التلقي، وطي الساعات في الطلب على الأشياخ، فإن من ثبت نبت].

    الفرق بين الثبات والتثبت: أن التثبت في الأخبار، وما ينقله الإنسان، أو ما يقرؤه، أو ما يحصل من الأشياء التي يخبر عنها أو يخبر بها.

    وأما الثبات فمعناه: الاستمرار على الشيء.

    فينبغي على طالب العلم أن يكون ثابتاً إذا استمر على شيء، (فمن ثبت نبت)، أي: الذي يستمر على درس معين حتى ينهيه يستفيد، الذي يأخذ كتاباً ويقرؤه حتى ينهيه يستفيد، الذي يأخذ متناً فقهياً أو عقدياً أو في أي باب من أبواب العلم ويدرس هذا المتن حتى ينهيه يستفيد، لكن الذي يتنقل مرة في هذا الكتاب ولا يكمله، ومرة في هذا الكتاب ولا ينهيه، ومرة في متن من المتون فيحضر منه درساً أو درسين، ثم يتركه؛ هذا لن يستفيد، ولن ينبت لأنه لم يثبت.

    وأما التثبت في الأخبار فهو التثبت في نقل الكلام، أو التثبت عندما يسمع خبراً، أو عندما يؤديه، سواء في التحمل أو الأداء، ينبغي أن يكون الإنسان متثبتاً في ذلك.

    ولا شك أن ذلك الشخص الذي تكون مطيته من الحديث (زعموا) أنه مذموم، (وكفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع) كما ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    ومع الأسف: أن كثيراً من الناس اعتادوا على طرق سيئة جداً، فقد أتاني مرة واحد من الشباب فسألني عن عالم من العلماء هل مات أم لا؟ كان بإمكانه أن يسأل بهذه الطريقة، لكنه قال: فلان مات؟ فقلت له: صحيح هذا الكلام؟ قال: نعم! هو يريد أن يعرف هل مات أم لا، فسمع إشاعة أنه مات فجاء وطرحها على أنها خبر، فلما رآني متعجباً بدأ يسأل!

    ولهذا كثير من الناس تعود على هذه الطريقة؛ قد يلقي كلاماً حتى ينظر هل الناس عندهم شيء يضاد هذا الكلام أم لا؟ فإذا رأى أن ليس عندهم شيء يضاده ظن أنه صحيح، فهذا خطأ في الفهم، وخطأ في التعامل مع الأخبار والتعاطي معها.

    نكتفي بهذا، ونكون قد انتهينا من الفصل الأول من حلية طالب العلم.

    1.   

    إثبات صفة النزول لله تعالى

    صفة النزول من الصفات الثابتة لله سبحانه وتعالى، وهي من الصفات المتعلقة بمشيئة الله عز وجل، والتي يسميها بعض السلف: الصفات الاختيارية.

    وهذه الصفات متعلقة بمشيئة الله إن شاء فعلها وإن شاء لم يفعلها.

    والنزول لم يرد فيه آية صريحة، وإنما ورد ما يدل عليه، وهي صفة الإتيان والمجيء؛ فإن الإتيان والمجيء لفصل القضاء في معنى النزول أو قريباً منه، وأما النزول بشكل صريح؛ فإنه ورد في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حديث مشهور رواه أكثر من عشرة من الصحابة، وبلغ حد التواتر، كما صرح بذلك بعض أهل العلم، وهو الحديث المشهور: (ينزل ربنا في الثلث الأخير من الليل) إلى آخر الحديث.

    وأهل البدع يحرفون معنى هذا الحديث، ولهم عدة مناهج في هذا: إما أن يردوا الحديث ويقولوا: هذا من أخبار الآحاد غير مقبول، وإما أن يقولوا: إنه مؤول، فيقولون: هناك تقدير مضاف، وهو: ينزل أمر ربنا، أو ينزل ملك من الملائكة! مع أن النص واضح في أن الذي ينزل هو الله سبحانه وتعالى، ولا يصح أن يقال: ملك؛ فإنه لو كان النازل ملكاً من الملائكة أو أمراً من الله عز وجل فإنه لا يضاف إلى الله سبحانه وتعالى.

    ونفاة هذه الصفة هم عامة أهل الكلام من المعتزلة والأشعرية والكلابية والماتريدية وغيرهم؛ فإنهم يحرفون هذه الصفة ويؤولون معناها، ويقولون: إنه لا ينزل بل الذي ينزل أمره.

    وقد ألف في هذه الصفة مجموعة من أهل العلم منهم الدارقطني رحمه الله، فله كتاب مطبوع باسم صفة النزول.

    ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كتاب كبير بعنوان: شرح صفة النزول، وهو مطبوع ضمن الفتاوى، وبمفرده، وقد استعرض فيه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الأحاديث الكثيرة، والأدلة الدالة على أن هذه الصفة ثابتة لله سبحانه وتعالى، وأشهرها الحديث الذي سبق ذكره، وبيَّن شيخ الإسلام رحمه الله الأصل الفاسد الذي بنى عليه أهل البدع نفي هذه الصفة، وهو قولهم إن إثبات الصفات الاختيارية يستلزم حلول الحوادث في ذاته تعالى، وهو قديم ليس بحادث، وبناءً على هذا ينفون هذه الصفة، وقد أطال رحمه الله الكلام على ذلك.

    وقد سبق أن أشرنا إلى أن هذه القضية أنها من الأصول العقلية التي نفى من أجلها أهل البدع صفات الله سبحانه وتعالى.

    قال أبو بكر بن أبي داود رحمه الله تعالى:

    [وقل ينزل الجبار في كل ليلة بلا كيف جل الواحد المتمدح

    إلى طبق الدنيا يمن بفضله فتفرج أبواب السماء وتفتح

    يقول ألا مستغفر يلق غافراً ومستمنح خيراً ورزقاً فيمنح

    روى ذاك قوم لا يرد حديثهم ألا خاب قوم كذبوهم وقبحوا].

    يقول: (وقل ينزل الجبار في كل ليلة).

    وقد ورد نزول الله عز وجل في عشية عرفة أيضاً، وهذا النزول الذي يكون في كل ليلة هو نزول يليق بجلال الله سبحانه وتعالى.

    مسائل متعلقة بصفة النزول لله تعالى

    وهناك مسائل متعددة بحثها كثير من الناس فيما يتعلق بصفة النزول.

    فبعض الناس قالوا: كيف ينزل مع اختلاف الليل والنهار بالنسبة للأرض؟

    وقد أجاب على هذه الشبهة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في شرح حديث النزول، وقال: إن الحديث عن صفة هذا النزول فرع عن الحديث عن ذاته، فنحن لا نعرف حقيقة ذاته سبحانه وتعالى، وبناءً على هذا لا نعرف حقيقة صفاته، فهو سبحانه وتعالى ينزل قطعاً في كل ليلة مع اختلاف الليالي بالنسبة للكرة الأرضية، ففي كل مكان فيه ليل فإنه ينزل في الثلث الآخر من الليل، حتى لو كان المكان الذي في جهة الأرض الأخرى صباحاً ليس فيه ليل، فإذا جاءه الليل فإن الله عز وجل ينزل.

    وإنما تحدث هذه الشبهة عند الإنسان عندما يتخيل أن الإله مثل الإنسان، كأنه جالس على كرسي، ثم ينزل ويصعد مرة أخرى، وهذا تصور باطل وفاسد لا ينبغي للإنسان أن يتصوره عن الله سبحانه وتعالى، وإنما الصحيح أن الله سبحانه وتعالى ينزل كما أخبر بذلك عن نفسه.

    والنزول في لغة العرب هو النزول من أعلى إلى أسفل، لكن صفة الرب فرع عن ذاته، وهو سبحانه وتعالى خالق مختلف عن المخلوق من كل وجه، ولهذا ينبغي الابتعاد عن الخيالات فيما يتعلق بصفات الله سبحانه وتعالى؛ فإنها فاسدة.

    ومن المسائل التي يتحدث عنها: مسألة خلو العرش من الله سبحانه وتعالى.

    ورد في الحديث: (هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟) فينبغي إدراك هذه المسألة بشكل جيد، وأن الحديث في الصفات هو فرع عن الحديث في الذات.

    يقول: (بلا كيف جل الواحد المتمدح

    إلى طبق الدنيا يمن بفضله فتفرج أبواب السماء وتفتح).

    وهذا يدل على أن صفات الله عز وجل لها جانبان:

    الجانب الأول: تحقيق هذه الصفات كما وردت في القرآن والسنة، وإثباتها كما أثبتها الله، وكما أثبتها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    والجانب الثاني: الاستفادة الإيمانية والتربوية من هذه الصفات، فصفة النزول نحن في كثير من الأحيان نمر عليها بشكل نظري، وننسى أن هذا يدل على رحمته سبحانه وتعالى بعباده، وأنه يقول: هل من تائب؟ هل من مستغفر؟ وهذا يدل على عظيم رحمته وسعة رحمته سبحانه وتعالى، وأن الإنسان ينبغي أن يتعرض لفضل الله عز وجل وكرمه، وأن يستفيد من هذه الأوقات الفاضلة، ويتوب إلى الله عز وجل ويعود إليه.

    فصفات الله عز وجل لها جانبان:

    الجانب الأول: جانب تصحيح، وهذا الذي عليه أكثر الدراسات الموجودة الآن في العقيدة.

    الجانب الثاني: جانب تزكية، وهي تزكية النفس بصفات الله تعالى، وتزكية النفس بأسمائه سبحانه وتعالى.

    يقول: (يمن بفضله فتفرج أبواب السماء وتفتح

    يقول: ألا مستغفر يلق غافراً ومستمنح خيراً ورزقاً فيمنح

    روى ذاك قوم لا يرد حديثهم).

    لأن حديث النزول بلغ حد التواتر كما قال أهل العلم.

    (ألا خاب قوم كذبوهم وقبحوا).

    يقصد بذلك أهل البدع والضلالة الذين حرفوا هذه الصفة عن وجهها الصحيح.

    قال ابن قدامة رحمه الله تعالى: [ومن السنة: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا)].

    هذا الحديث هو الحديث الذي سبق وأن أشرنا إليه، والشيخ الموفق ابن قدامة في قضية النزول لم يتحدث إلا من خلال هذا الحديث فقط.

    قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى:

    [مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟) متفق عليه].

    هذا ما ذكره شيخ الإسلام أيضاً في هذه الصفة؛ فإنه ساق الحديث المشهور في الصحيحين الوارد في صفة النزول.

    صفة العلو لله تعالى

    صفة العلو ثابتة لله سبحانه وتعالى كما يليق بجلاله وعظمته، وهي من أوضح صفات الله عز وجل، وقد دل عليها العقل، فإن الإله لا بد أن يكون عالياً، ودلت عليها نصوص الشرع، وذكر بعض أهل العلم أن هناك أكثر من ألف دليل يدل على صفة العلو.

    وقد ألف ابن القيم رحمه الله رسالة مستقلة بعنوان: اجتماع الجيوش الإسلامية في غزو المعطلة والجهمية، وقد خصص أكثر هذا الكتاب في هذه الصفة، وساق مجموعة كبيرة من الآيات والأحاديث، وبدأ يذكر أقوال الصحابة والتابعين، ثم ذكر أقوال أئمة المذاهب من الأحناف والمالكية والشافعية والحنابلة، وساق أقوال اللغويين والفقهاء والأصوليين والمؤرخين، وساق أقوالاً متعددة من أصحاب التخصصات المختلفة؛ ليبين أن هذه الصفة من أبرز صفات الله عز وجل التي اتفقت عليها الأمة إلا من شذ من أهل البدع والضلال.

    وهناك أنواع كثيرة من الأدلة تدل على هذه الصفة، فكل آية ورد فيها (يصعد إليه) فهي تدل عليه، مثل: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ [فاطر:10]؛ فإن الصعود يكون من أسفل إلى أعلى، وكذلك النزول، فكل هذه النصوص تدل عليه.

    ومن النصوص الصريحة في الموضوع قوله: أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ [الملك:16]، و(في) هنا ليست ظرفية، وإنما هي بمعنى (على)، يعني: أأمنتم من على السماء، وحروف الجر تتناوب، ولهذا قال الله عز وجل في قصة فرعون: وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ [طه:71] فهل المعنى: أنه يحفر النخلة ويدخلهم فيها؟ لا. المقصود يصلبهم عليها.

    وهناك أيضاً أحاديث كثيرة واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، منها: حديث الجارية المشهور عندما قال لها: (أين الله؟ قالت: في السماء) وهذا يدل على جواز السؤال عن الله بأين.

    نفاة العلو من أهل البدع

    صفة العلو من أبرز الصفات، ومع ذلك نفاها المعتزلة بحجة أن هذا يقتضي التحيز، ونفاها أيضاً متأخرو الأشاعرة بحجة أن هذا يقتضي التركيب والجسمية، وهكذا نفاها أيضاً المتأخرون من الماتريدية، وإن كان المتقدمون من الأشعرية يثبتونها، فـالأشعري والباقلاني وتلاميذ الأشعري كانوا يثبتون العلو، وإنما حصل نفي العلو من زمن أبي المعالي الجويني فما بعد.

    وهذه الصفة هي من أبرز صفات الله سبحانه وتعالى، وحصل عند المتأخرين تردد شديد في التعامل مع هذه الصفة، وأصبح كثير من هؤلاء - مع الأسف - ينفون علو الله عز وجل، فاحتاروا عندما يقال لهم: إذا لم يكن في السماء فأين يكون؟ فانقسموا إلى قسمين.

    الذين بقوا على المصطلحات الكلامية والمناقشات العقلية كانوا يقولون: لا داخل العالم ولا خارج العالم، ولا عن يمين العالم ولا عن شمال العالم، ولا محايث له ولا مباين له ولا داخل فيه، فأثبتوا له الأمور المتناقضة، أثبتوا لله عز وجل وصف الممتنع - والعياذ بالله - بسبب الهروب من إثبات هذه الصفة، بسبب الشبهات التي قامت عندهم في صفات الله سبحانه وتعالى.

    وأما المشتغلون بالتصوف والتزهد؛ فإن التصوف والتعبد لا بد فيه من وجود المعبود حقيقة، يعني: لا يمكن لهم أن يتعبدوا لمن صفته لا داخل العالم ولا خارج العالم، ولا محايث له ولا مباين له، فأصبحوا يقولون: إن الإله موجود في هذا العالم، وإن الله عز وجل موجود في كل مكان.

    فقول الأولين: لا داخل العالم ولا خارج العالم، وقول الآخرين -الصوفية بالذات- موجود في كل مكان هو قول متفق في الحقيقة مختلف في طريقة التعامل في هذه الصفة، فهم متفقون على نفي صفة العلو، لكنهم اختلفوا في الجواب على السؤال، إذا لم يكن في العلو فأين هو؟

    ولهذا حرم بعضهم السؤال بأين، لأنها تدل على الظرفية، وتدل على المكانية، ولا يصح أن نثبت لله عز وجل ظرفاً أو مكاناً.

    وهذه العبارات: الظرفية والمكانية والجسم والعرض ونحو ذلك من العبارات؛ هي مصطلحات لا يصح لنا أن نقبلها مطلقاً فنقبل شيئاً من الباطل، ولا يصح أن نردها مطلقاً فنرد شيئاً من الحق، وإنما نستفصل فنقول: ماذا تعنون بالظرفية؟ إن كنتم تعنون بالظرفية: أن الله عز وجل في ظرف يحيط به، فهذا معنى فاسد لا نقول به.

    وإن كنتم تعنون بالظرفية: أنه في جهة العلو سبحانه وتعالى، فنحن نقطع أنه في جهة العلو عن علم ويقين.

    وصفة العلو يدل عليها العقل، وتدل عليها الفطرة، وتدل عليها النصوص الشرعية الكثيرة في الكتاب والسنة، بل إن هذه الصفة يثبتها أهل الكتاب من اليهود والنصارى، ولا ينفيها إلا مثل هؤلاء، أو من شابههم من أصحاب الديانات الأخرى، فهؤلاء جاءوا ببدعة خطيرة ومؤثرة على عقيدة المسلمين.

    يذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه درء تعارض العقل والنقل: أنه جاءه يوم من الأيام أحد نفاة العلو، يقول: فلما جاءني يطلب حاجة مني ماطلته، فلما ماطلته ضاق صدره، فنظر إلى السماء، وقال: يا الله، يقول: فقلت له: أنت محقر، لماذا تنظر إلى السماء؟ فكأنه ارتبك، وقال: أخطأت. قال: لم تخطئ. هذا ما تدل عليه فطرتك، وهذا ما يدل عليه العقل السليم، وهذا ما تدل عليه النصوص الشرعية. فرجع ذلك الرجل، وشعر أنه يناقض فطرته.

    ولهذا كثير من الأشعرية المتأخرين إذا جاء إلى صبي من الصبيان الصغار فسأله: أين الله؟ أشار الطفل إلى السماء، أو قال: في السماء، فيحاول أن يعلم الطفل أنه ليس في السماء؛ فهم يحاولون عبثاً أن يغيروا فطرة الناس.

    ولهذا أبو المعالي الجويني -وكان من أبرز الأشعرية الذين نفوا هذه الصفة- لما جاءه الهمذاني ، وقال له: دعك من التأويلات والمناقشات العقلية، أجبني عن الضرورة التي يجدها الإنسان في نفسه عندما يدعو، لماذا يتجه قلبه إلى السماء؟ فأصبح الجويني يضرب على رأسه مع أنه من كبار المتكلمين ويقول: حيرني الهمذاني ، حيرني الهمذاني !

    وفعلاً حيره لأنه استدل بالفطرة، وهي دليل موجود في قلب كل إنسان.

    ولما قيل لهم: إذا كنتم تعتقدون أن الله عز وجل ليس في السماء، فلماذا ندعو بهذه الطريقة؟ قالوا: لأن السماء قبلة الدعاء، كما أن الكعبة قبلة المصلي.

    وهذا هروب في الحقيقة؛ لأن القضية لا تقف عند رفع الإنسان يديه، وإنما هناك حاجة نفسية وضرورة في الاتجاه نحو العلو.

    إذاً: هذه الصفة يدل عليها العقل والفطرة والحس والنصوص الشرعية الكثيرة التي بلغت أكثر من ألف دليل، ويمكن مراجعة اجتماع الجيوش الإسلامية لـابن القيم ، ففيه تفصيل طويل حول هذه الصفة.

    ليس هناك شيء من الأبيات في حائية ابن أبي داود يتعلق بهذه الصفة بشكل مباشر، وإن كان يمكن أن نستنبط ذلك من صفة النزول؛ لأن أحاديث النزول وآيات الإتيان والمجيء كلها تدل على العلو؛ لأن النزول لغة يكون من أعلى إلى أسفل، فهي تدل على صفة العلو من جهة أخرى، لكن يمكن أن نقرأ ما في لمعة الاعتقاد فيما يتعلق بهذه الصفة.

    صفة العلو في لمعة الاعتقاد

    قال ابن قدامة رحمه الله تعالى: [ومن ذلك قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]].

    لأن الاستواء يدل على العلو أيضاً، كيف الاستواء يدل على العلو؟

    العرش بإجماع أهل الديانات أنه فوق السماء، وأن السماء في العلو، فإذا أثبتنا أن الله مستو على عرشه فقد أثبتنا أنه عالٍ على خلقه، ولهذا فهم ينفون الاستواء أيضاً كما أنهم ينفون العلو، ويعتبرون الاستواء معناه الاستيلاء، ويتركون النصوص الصريحة في الاستواء التي من معانيها العلو، ويستدلون ببيت للأخطل ، يقول فيه:

    قد استوى بشر على العراق من غير سيف أو دم مهراق

    ويقولون: استوى هنا بمعنى: استولى، هذا البيت قاله رجل نصراني، وهو من المتأخرين الذين لا يحتج بهم، ولا يعرف أنه ثابت عنه، ولهذا عندما ناقشهم ابن القيم في الصواعق المرسلة قال: أنتم تردون الأخبار الواردة في البخاري ومسلم وتسمون هذه أخبار آحاد لا تقبل في العقيدة، ثم تؤولون النصوص الشرعية مثل آيات الاستواء بقول للأخطل لم يثبت بطريق الآحاد، وبعض الناس يشكك فيه، ويقول: إنه كذب، والأخطل نصراني وليس بمسلم، وعقيدة النصراني في الصفات قريبة من عقيدة المعطلة؛ لأنهم يرون أن عيسى ابن الله، وأن فيه جزءاً لاهوتياً وجزءاً ناسوتياً، ومع هذا يستدلون به.

    وهذا يدل على وجود الهوى، وهذا يدل على سبب موقف أهل السنة من هؤلاء المبتدعة، ولماذا يبينون بدعتهم؟ لأنهم يحرفون كلام الله عز وجل، ثم يأتون بقول الأخطل ، كما فعلوا في كلام الله عز وجل، قالوا: إنه الكلام النفسي، فقيل لهم: إن الكلام في لغة العرب لا يمكن أن يكون نفسياً، ولهذا أهل النحو يعرفون الكلام بأنه: اللفظ المفيد، واللفظ هو الصوت المشتمل على حروف، وليس هناك شيء اسمه كلام نفسي، قالوا: يقول الأخطل :

    إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلاً

    فيستدلون بقول الأخطل غير الثابت وهو نصراني، وبيت واحد وهو غير مشهور في اللغة، ويتركون النصوص الصريحة الواضحة البينة.

    قال المؤلف رحمه الله: [ومن ذلك قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5].

    وقوله تعالى: أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ [الملك:16].

    وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمه).

    وقال للجارية: (أين الله؟ قالت: في السماء. قال: أعتقها فإنها مؤمنة) رواه مالك بن أنس ومسلم وغيرهما من الأئمة].

    وهذا يدل على أن إثبات الصفات لله عز وجل يؤخذ من قول الرسول صلى الله عليه وسلم ومن تقريره، فقد أقر هذه الجارية على أن الله في السماء، وقال: (أعتقها فإنها مؤمنة).

    وصفة العلو مأخوذة من جميع أنواع الصيغ الواردة في الاستدلال، فوردت في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وفي كلام الله عز وجل، ووردت في تقرير الرسول صلى الله عليه وسلم مثل حديث الجارية، ووردت أيضاً من فعله؛ فإنه في يوم عرفة عندما قال: (اللهم اشهد) كان يرفع إصبعه إلى السماء ثم ينكتها إلى الأرض، وهذا استدلال بفعل النبي صلى الله عليه وسلم على إثبات صفة العلو لله تعالى.

    قال رحمه الله: [وقال النبي صلى الله عليه وسلم لـحصين : (كم إلهاً تعبد؟ قال: سبعة، ستة في الأرض وواحداً في السماء، قال: من لرغبتك ورهبتك؟ قال: الذي في السماء، قال: فاترك الستة واعبد الذي في السماء، وأنا علمك دعوتين. فأسلم وعلمه النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول: اللهم ألهمني رشدي، وقني شر نفسي)].

    حصين عندما كان مشركاً كان يثبت أن الله في السماء، فمن كان أهل الشرك أعرف منه بربه فكيف يعرف مثل هذا الشخص ربه؟ والعياذ بالله.

    قال: [وفيما نقل من علامات النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الكتب المتقدمة: أنهم يسجدون بالأرض، ويزعمون أن إلههم في السماء].

    هذه أبرز ميزة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وهي: إثبات أن الله في السماء.

    قال: [وروى أبو داود في سننه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن ما بين سماء إلى سماء مسيرة كذا وكذا) وذكر الخبر إلى قوله: (وفوق ذلك العرش، والله سبحانه فوق ذلك).

    فهذا وما أشبهه مما أجمع السلف رحمهم الله على نقله وقبوله، ولم يتعرضوا لرده ولا تأويله ولا تشبيهه ولا تمثيله.

    سئل الإمام مالك بن أنس رحمه الله فقيل: يا أبا عبد الله الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] كيف استوى؟ فقال: الاستواء غير مجهول].

    وفي لفظ: (الاستواء معلوم). فإن الاستواء في لغة العرب بمعنى: الصعود والجلوس، والقصد إلى الشيء.

    قال: [فقال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، ثم أمر بالرجل فأخرج].

    السؤال بهذه الطريقة بدعة؛ لأنه سؤال عن أمر لا طاقة للإنسان بمعرفته، ولم يعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيفيات صفات الله عز وجل؛ لأن الله لم يعلمه هذه الكيفيات، وإنما علمه المعاني ليستفيد الناس من ذلك معرفة الله عز وجل، والتعبد له.

    صفة المعية لا تنافي صفة العلو

    تحدث ابن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية كثيراً عن هذه الصفة لأهميتها، فنبدأ أولاً بنقل الآيات الواردة في هذا الموضوع.

    وقبل ذلك نقول: من ضمن الأمور المشكلة على نفاة العلو الآيات الواردة في إثبات المعية والقرب، مثل: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد:4] فهذه الآيات المقصود بالمعية فيها معية العلم والقدرة والتصريف والتدبير، وليس في هذا تأويل، وإنما هذا هو مقتضى كلام الله عز وجل، فكل آية من الآيات الواردة في المعية فيها ما يدل على أن المعية ليست معية بذات الله عز وجل وصفاته، بل هو سبحانه وتعالى في السماء عالٍ على خلقه، مستوٍ على عرشه، وهو معهم يعلم دقائق أحوالهم، وهو قادر على كل شيء فيهم، وهو سبحانه وتعالى مسيطر عليهم، وهم تحت حكمه، وهم تبع له سبحانه وتعالى.

    ثم إن المعية تنقسم إلى قمسين:

    معية عامة: مثل معية الله عز وجل لجميع المخلوقات، فهذه المعية تقتضي العلم والتصريف والتدبير والخلق والتأثير، وما يتبع ذلك من معاني الربوبية.

    ومعية خاصة: وهي معيته للمؤمنين، مثل قوله: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ [النحل:128] فهذه الآية ليست مثل المعية العامة وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد:4] أو غيرها من الآيات التي وردت في المعية العامة، وإنما هذه معية خاصة تتضمن زيادة على معاني الربوبية السابقة بأنه معهم بنصره وتأييده سبحانه وتعالى، وأن الله عز وجل كما قال لموسى وهارون: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:46] لم يقل معكما بذاتي، وإنما قال: مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:46] يعني: يسمع ما يقول فرعون، ويعلم ما يتكلمون به، وهو قادر سبحانه وتعالى على التأثير، وهو قادر على الخلق وكلهم تحت ربوبيته وقهره سبحانه وتعالى؛ يتصرف فيهم كيف يشاء سبحانه وتعالى.

    1.   

    كلام شيخ الإسلام عن صفة العلو في الواسطية

    قال ابن تيمية رحمه الله: [وقوله: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] في سبع مواضع: في سورة الأعراف، قوله: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف:54]].

    هذه تدل على صفة فعلية وهي الاستواء، وهي تدل على صفة ذاتية وهي العلو لله سبحانه وتعالى.

    قال: [وقال في سورة يونس عليه السلام: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [يونس:3].

    وقال في سورة الرعد: اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الرعد:2].

    وقال في سورة طه: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5].

    وقال في سورة الفرقان: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ [الفرقان:59].

    وقال في سورة ألم السجدة: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [السجدة:4].

    وقال في سورة الحديد: هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الحديد:4]].

    هذه سبعة مواضع فيها إثبات صفة الاستواء لله سبحانه وتعالى كما يليق بجلاله، ومعناها: أن الله سبحانه وتعالى صعد على العرش، وأنه فوق العرش سبحانه وتعالى، وورد في بعض النصوص إثبات صفة الجلوس، فيكون بنفس معنى الاستواء، ويكون سبحانه وتعالى مختلفاً عن خلقه، ولا يشبه خلقه بشيء من ذلك.

    قال: [وقوله: يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ [آل عمران:55]].

    أورد قوله: وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ؛ لأن الرفع يكون من أسفل إلى أعلى، فلو كان في كل مكان كما يقولون لما قال: وَرَافِعُكَ إِلَيَّ [آل عمران:55].

    ولو كان لا داخل العالم ولا خارج العالم وليس في مكان كما يقول هؤلاء؛ لما كان هناك معنى لقوله: وَرَافِعُكَ إِلَيَّ لكن لما كان (رافعك إلي) نصاً صريحاً في الارتفاع من الأسفل إلى الأعلى دل ذلك على أن الله عز وجل في العلو.

    قال: [وقوله: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ [النساء:158] وقوله: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر:10].

    وقوله: يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا [غافر:36-37]].

    هذا فرعون علم أن إله موسى في السماء، كيف عرف؟ من وجهين:

    الوجه الأول: ما في فطرته من كون الإله في السماء.

    الوجه الثاني: ما فهمه من دعوة موسى أن الإله في السماء. وهذا يدل على أن دعوة الأنبياء في باب التوحيد واحدة.

    قال: [وقوله: أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ [الملك:16-17]].

    1.   

    الآيات الواردة في المعية لا تنافي علو الله على خلقه

    الآن سيذكر الآيات الواردة في إثبات المعية، وليس هناك تناقض بين إثبات العلو والمعية، وسيأتي له كلام مفصل في هذا الموضوع.

    قال: [وقوله: هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [الحديد:4]].

    وهذه المعية معية عامة، فهو مع جميع عباده سبحانه وتعالى خلقاً وتصريفاً وتدبيراً ورؤية وسماعاً، وما يتعلق بأوصاف الربوبية جميعاً.

    قال: [وقوله: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [المجادلة:7]].

    هذه الآية عرضها الإمام أحمد رحمه الله في كتابه الرد على الجهمية، وبين أنها بدأت بالعلم وختمت بالعلم، مما يدل على أن المعية الواردة فيها معية العلم، لكن ليست معية العلم فقط بل معية العلم والقدرة والتدبير والتصريف وكل معاني الربوبية.

    قال: [وقوله: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40]].

    هذه معية خاصة، يعني: معنا بربوبيته التي هي حاصلة لكل الخلق، ومعية خاصة بنا، يعني: ناصرنا ومؤيدنا.

    قال: [وقوله: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:46].

    وقوله: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ [النحل:128]].

    وقوله: وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:46].

    وقوله: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:249]].

    هذه كلها من المعية الخاصة، ومثل المعية: القرب؛ فإن القرب أشكل على نفاة العلو، وظنوا أن إثبات القرب ينافي العلو، والحقيقة أنه لا ينافيه بأي وجه من الوجوه. هذا ما يتعلق بالآيات الواردة في العلو.

    1.   

    الأحاديث الدالة على صفة العلو في الواسطية

    أما الأحاديث فقد قال رحمه الله: [وقوله في رقية المريض: (ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض، كما رحمتك في السماء، اجعل رحمتك في الأرض، اغفر لنا حوبنا وخطايانا، أنت رب الطيبين، أنزل رحمة من رحمتك وشفاءً من شفائك على هذا الوجع فيبرأ) حديث حسن رواه أبو داود وغيره].

    واضح في هذا الدعاء التصريح بعلو الله عز وجل في قوله: (أمرك في السماء والأرض، كما رحمتك في السماء).

    قال: [وقوله: (ألا تأمنونني وأنا أمين من في السماء) حديث صحيح.

    وقوله: (والعرش فوق الماء، والله فوق العرش، وهو يعلم ما أنتم عليه) حديث حسن رواه أبو داود وغيره.

    وقوله للجارية: (أين الله؟ قالت: في السماء. قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله. قال: أعتقها فإنها مؤمنة) رواه مسلم ].

    هذه عبارة عن أمثلة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تدل على العلو، وهناك كتاب بعنوان: علو الله على خلقه، تأليف الشيخ أسامة القصاص رحمه الله، وهو شاب من طلاب العلم كان في لبنان، لما ألف هذا الكتاب قتله الأحباش قبحهم الله، والأحباش هؤلاء طائفة يتبعون عبد الله الحبشي الهرري في لبنان، وهم من دعاة الفتن، يتبنون منهج الجهمية، وينفون علو الله عز وجل على خلقه، ويستخدمون أسلوب القتل والإيذاء للمسلمين، وممن قتل على أيديهم أسامة هذا رحمه الله، ونرجو أن يكون شهيداً.

    وهناك رسالة علمية للأستاذ موسى الدويش بعنوان: علو الله على خلقه، وهي مطبوعة في مجلد صغير، هذا بالإضافة إلى كتاب ابن القيم السابق الذكر.

    معية الله لخلقه في الأحاديث وبيان أنها لا تنافي العلو

    قال: [وقوله: (أفضل الإيمان أن تعلم أن الله حيثما كنت) حديث حسن].

    بدأ الآن بالأحاديث الواردة في المعية ليبين أن العلو ثابت لله، والمعية ثابتة له، وليس هناك تناقض بينهما على نحو ما تقدم.

    قال: [وقوله: (إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يبصقن قبل وجهه ولا عن يمينه، فإن الله قبل وجهه، ولكن عن يساره، أو تحت قدمه) متفق عليه.

    وقوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم رب السماوات السبع والأرض ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل والقرآن، أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عني الدين، وأغنني من الفقر) رواه مسلم .

    وقوله صلى الله عليه وسلم لما رفع الصحابة أصواتهم بالذكر: (أيها الناس! أربعوا على أنفسكم؛ فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، إنما تدعون سميعاً بصيراً قريباً، إن الذين تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته) متفق عليه].

    ثم تحدث شيخ الإسلام رحمه الله عن هذه القضية بشكل مفصل، وعن وجوب الإيمان باستواء الله على عرشه.

    ثم قال: [وقد دخل في ما ذكرناه من الإيمان بالله: الإيمان بما أخبر الله به في كتابه، وتواتر عن رسوله، وأجمع عليه سلف الأمة من أنه سبحانه فوق سماواته على عرشه، علي على خلقه، وهو سبحانه معهم أينما كانوا، يعلم ما هم عاملون، كما جمع بين ذلك في قوله: هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [الحديد:4].

    وليس معنى قوله: وَهُوَ مَعَكُمْ أنه مختلط بالخلق؛ فإن هذا لا توجبه اللغة، وهذا خلاف ما أجمع عليه سلف الأمة، وخلاف ما فطر الله عليه الخلق، بل القمر آية من آيات الله من أصغر مخلوقاته، وهو موضوع في السماء وهو مع المسافر وغير المسافر أينما كان].

    هذا استدلال عقلي على أن المعية لا تقتضي الخلطة.

    قال: [وهو سبحانه فوق عرشه، رقيب على خلقه، مهيمن عليهم، مطلع عليهم، إلى غير ذلك من معاني ربوبيته].

    إذاً: معية الربوبية مفهومها واحد، يدخل في ذلك معية العلم والتدبير والخلق والتأثير والإيجاد والمنع، فهو سبحانه وتعالى معهم متحكم فيهم، وهو ربهم سبحانه وتعالى.

    قال: [وكل هذا الكلام الذي ذكره الله من أنه فوق العرش، وأنه معنا حق على حقيقته لا يحتاج إلى تحريف، ولكن يصان عن الظنون الكاذبة، مثل أن يظن أن ظاهر قوله: فِي السَّمَاءِ ؛ أن السماء تظله أو تقله، وهذا باطل بإجماع أهل العلم والإيمان، فإن الله قد وسع كرسيه السماوات والأرض، وهو يمسك السماوات والأرض أن تزولا، ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره.

    وقد دخل في ذلك الإيمان بأنه قريب مجيب، كما جمع بين ذلك في قوله: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ [البقرة:186].

    وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته).

    وما ذكر في الكتاب والسنة من قربه ومعيته لا ينافي ما ذكر من علوه وفوقيته؛ فإنه سبحانه ليس كمثله شيء في جميع نعوته، وهو عليٌّ في دنوه، قريب في علوه].

    هذا ما يتعلق بمسألة العلو والاستواء والمعية والقرب، وأنه لا تناقض بين هذه جميعاً، ونحن نثبتها لله سبحانه وتعالى.

    1.   

    إثبات رؤية المؤمنين لربهم

    نحن نثبت أن المؤمنين يرون ربهم سبحانه وتعالى يوم القيامة كما يرون البدر في السماء.

    وأهل الإيمان إذا دخلوا الجنة فإنهم يتنعمون بنعيم الجنة كله، وأعلى نعيم في الجنة هو رؤية الله عز وجل، وهذه الرؤية ليس فيها شيء من الإحاطة، بل ربنا سبحانه وتعالى أعظم من أن يحيط به المخلوق، وهو سبحانه وتعالى يدرك الأبصار، والأبصار لا تدركه سبحانه وتعالى. ومعنى الإدراك: الإحاطة من كل وجه. ولهذا فالسماء تنظر إليها وتراها بعينك، ومع هذا لا تدرك السماء، فأطراف السماء بعيدة عنك، وهي أكبر من أن تحيط بها من كل وجه، وكونك لا تحيط بها لا يعني أنك لا تراها، فأنت تراها، والله عز وجل يوم القيامة يراه المؤمنون وهم لا يحيطون به علماً ورؤية، وهو سبحانه وتعالى أعظم من أن يحاط به.

    هناك أدلة كثيرة جداً في القرآن والسنة تدل على أن الله عز وجل يرى يوم القيامة، وهناك تفصيلات دقيقة فيما يتعلق بهذا الأمر.

    لكن نفاة الرؤية من المعتزلة قالوا: إن الله عز وجل لا يرى يوم القيامة.

    وأيضاً الشيعة لا يثبتون رؤية الله عز وجل يوم القيامة، وكذلك الخوارج الإباضية لا يثبتون رؤية الله عز وجل يوم القيامة، ويرون أن الله عز وجل لا يرى يوم القيامة، ويؤولون معنى هذه الرؤية إلى أن المقصود بالنظر الانتظار.

    صفة الرؤية في الحائية

    قال ابن أبي داود رحمه الله:

    [وقل يتجلى الله للخلق جهرة كما البدر لا يخفى وربك أوضح].

    هذه من مفردات عقيدة أهل السنة والجماعة: أن الله عز وجل يرى يوم القيامة، ويدل على هذا نصوص كثيرة سيأتي بيانها من القرآن والسنة، وهذا الأمر مما أجمع عليه أهل العلم، ولهذا استدل الشافعي رحمه الله على رؤية الله عز وجل يوم القيامة بمفهوم المخالفة في قوله: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين:15] فقال: عندما حجبوا في باب العقاب فإنهم يرونه في باب الثواب، وهذا من فقهه رحمه الله ومن دقة استدلاله.

    صفة الرؤية في لمعة الاعتقاد

    قال ابن قدامة رحمه الله: [والمؤمنون يرون ربهم في الآخرة بأبصارهم، ويزورونه، ويكلمهم ويكلمونه].

    وهذا فيه إثبات صفة الكلام لله عز وجل، وأنها صفة ذاتية؛ لأنه يكلمهم ويكلمونه، ويسمع كلامهم سبحانه وتعالى، لكنه ليس كصفة المخلوقين سبحانه وتعالى.

    قال رحمه الله: [قال الله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22-23]].

    وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ هذه من النضرة وهي الجمال والبهاء.

    إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:23] النظر هنا نظر العين، والدليل على أن النظر هنا نظر العين وليس المقصود به نظر الفكر: أنه معدى بإلى، والتعدية بإلى لا تستخدم إلا في نظر عين الإنسان، فإن النظر كلمة تستخدم عدة استخدامات، تستخدم في الفكر، فيقال: النظر العقلي، وتستخدم في النظر بالعين، وتستخدم بمعنى الانتظار مثل: انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ [الحديد:13] يعني: انتظرونا، لكنها إذا عديت بإلى فإنها تدل على رؤية العين تحقيقاً.

    ومما يدل على ذلك: أن هنا ارتباطاً بالعين؛ لأنه قال: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلى رَبِهَا نَاظِرَة [القيامة:22] فالوجوه الناضرة ترى ربها بعينها التي في وجهها.

    قال: [وقال تعالى: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين:15]].

    وقد سبق أن هذا الاستدلال هو استدلال الإمام الشافعي رحمه الله.

    قال: [فلما حجب أولئك في حال السخط دل على أن المؤمنين يرونه في حال الرضا، وإلا لم يكن بينهما فرق].

    وهذا يدل على الاستدلال بمفهوم المخالفة في باب العقيدة، يعني: كما أنه يستدل بالقول في باب العقيدة، وبالفعل وبالتقرير، كذلك يستدل بمفهوم الموافقة والمخالفة وبالمنطوق وهو الأصل في الباب.

    قال: [وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته) حديث صحيح متفق عليه].

    هذا نص صريح في الرؤية، ورؤية القمر لا تحتمل إلا الرؤية التي تكون بالعين.

    (لا تضامون في رؤيته) يعني: لا تضايقون في رؤيته.

    قال: [وهذا تشبيه للرؤية بالرؤية لا المرئي، بالمرئي فإن الله تعالى لا شبيه له ولا نظير، فإنه ليس المقصود تشبيه الله بالقمر، وإنما تشبيه رؤية الله عز وجل برؤية القمر].

    فهذا يدل أولاً: أن هذه الرؤية تكون بالعين.

    ثانياً: يدل على أنه يمكن للخلق جميعاً أن يروه سبحانه وتعالى لأنه مرتفع عنهم، كما أنهم يرون القمر وهم في أماكن مختلفة؛ لأنه مرتفع عنهم، فإذا جاز هذا في المخلوق فجوازه في الخالق أولى.

    صفة الرؤية في الواسطية

    قال شخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: [وقوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22-23]].

    سبق هذا الاستدلال في لمعة الاعتقاد، وقررنا الطريقة العلمية في الاستدلال بها.

    قال: [وقوله: عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ [المطففين:23]].

    هذه الآية استدل بها أهل العلم على أنهم ينظرون إلى الله عز وجل.

    وهناك آية في سورة الإنسان، وهي قوله: وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا [الإنسان:20] وفي قراءة سبعية صحيحة: (وإذا رأيت ثم رأيت نعيماً ومَلِكَاً كبيراً) فقالوا: إن المقصود بالملك الكبير هو الله سبحانه وتعالى على هذه القراءة.

    قال: [وقوله: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس:26]].

    وقد دل حديث النبي صلى الله عليه وسلم على أن الزيادة المقصود بها رؤية الله؛ لأنه قال: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى يعني: الجنة. وَزِيَادَةٌ الزيادة على الجنة في الأحاديث هي رؤية الله سبحانه وتعالى.

    قال: [وقوله: لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ [ق:35]].

    وهذا يوافق معنى الآية السابقة في سورة يونس.

    قال: [وهذا الباب في كتاب الله كثير، من تدبر القرآن طالباً للهدى منه تبين له طريق الحق].

    هذا ما يتعلق بالآيات الواردة في صفة الرؤية، ثم نقل الأحاديث الواردة في صفة الرؤية.

    قال: [وقوله: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا) متفق عليه].

    1.   

    رؤية المؤمنين لربهم في عرصات القيامة

    ثم علق شيخ الإسلام ابن تيمية على موضوع الرؤية بعد ذلك، قال: [وقد دخل أيضاً فيما ذكرناه من الإيمان به وبكتبه وبملائكته وبرسله: الإيمان بأن المؤمنين يرونه يوم القيامة عياناً بأبصارهم كما يرون الشمس صحواً ليس دونها سحاب، وكما يرون القمر ليلة البدر لا يضامون في رؤيته، يرونه سبحانه وهم في عرصات القيامة، ثم يرونه بعد دخول الجنة كما يشاء الله تعالى].

    أما الرؤية الواردة في النصوص الكثيرة في القرآن وفي السنة فهي الرؤية التي تكون بعد دخول الجنة.

    وأما رؤية العرصات فقد ورد في حديث طويل في صحيح البخاري ومسلم ، اختلف أهل العلم في معناه، وهل الله عز وجل يرى يوم القيامة في العرصات؟ وهناك مسائل كثيرة لطيفة في موضوع الرؤية، منها: هل النساء يرين الله عز وجل يوم القيامة؟ الجواب: نعم. لدخولهن في عموم الآيات الواردة في إثبات الرؤية للناس.

    وهناك رسالة لـشيخ الإسلام لطيفة اسمها: رسالة إلى أهل البحرين في رؤية الله عز وجل، أظنها موجودة في المجلد السادس من الفتاوى، تحدث فيها عن رؤية النساء لله عز وجل، وعن رؤية الكفار والمنافقين لله سبحانه وتعالى في العرصات.

    فبين شيخ الإسلام أنه في الجنة لا يراه إلا المؤمنون، وأما في العرصات فقد اختلف العلماء في من يراه، فقال بعضهم: إن الله عز وجل يوم القيامة في العرصات يراه المنافقون، ويراه أيضاً الكفار، ويراه أيضاً المؤمنون، وقد ورد في بعض النصوص أن الله عز وجل يأتي في صورة غير الصورة التي هو عليها، وهذا يدل على كمال الله عز وجل وقدرته سبحانه وتعالى على كل شيء.

    ثم بعد ذلك يراه المؤمنون في صورته التي يعرفون، ثم يرونه في الجنة سبحانه وتعالى، وهذه الرؤية الأخيرة هي رؤية النعيم الواردة في هذه المسألة.

    وأما الخلاف الدائر بين أهل العلم فيما يتعلق برؤية المنافقين والكافرين لله عز وجل في العرصات، فهي من المسائل التي لا يضلل فيها المخالف، وإنما هي من المسائل التي تعتبر من فروع العقيدة.

    1.   

    الأسئلة

    رؤية وجه الله تعالى

    السؤال: هل الرؤية تكون لله عز وجل كله أم أنها تكون لوجهه؟

    الجواب: لا يمكن أن يرى الله عز وجل كله؛ لأن هذا غير مدرك بالنسبة للإنسان، وهذا هو الذي أخبر الله عز وجل بقوله: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ [الأنعام:103]، وإنما ورد أن الرؤية تكون للوجه ومع هذا لا يدركونه أيضاً، ولا يصح للإنسان أن يتخيل في صفات الله وتعالى ما يمليه عليه ذهنه القاصر.

    المنهج السائد قبل دعوة محمد بن عبد الوهاب

    السؤال: هل المعتقد السائد في الجزيرة العربية قبل الدعوة السلفية على يد الشيخ المجدد هو المعتقد الصوفي؟

    الجواب: نعم. المعتقد السائد قبل مجيء الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله كان هو المنهج الصوفي، وكان أهل نجد في تلك الفترة من الحنابلة، وكان الحنابلة من أقرب الناس إلى السنة، باعتبار أن الإمام أحمد رحمه الله وقف وقفة قوية من المعتزلة ومن أصحاب المنهج الكلامي؛ إلا أنهم في الأخير اختلطوا بعلم الكلام، حتى أن بعضهم اقترب من المعتزلة والأشعرية، وصاروا على طريقة المتصوفة.

    وأما أهل الحجاز والجنوب فقد كانوا من قديم على طريقة أهل التصوف.

    ولا يعني هذا أن جميع الناس كانوا كذلك، لكن المقصود به السائد العام، يعني: المشايخ الرسميين والقضاة المشهورين والمؤثرين، ومع هذا يوجد علماء من أهل السنة كثيرون في نجد والحجاز واليمن والشام ومناطق مختلفة لكن لم يكن لهم قوة، ولم تكن لهم شوكة، ولم يكن لهم انتشار، حتى جاء الشيخ الإمام المجدد وظهرت دعوته ولله الحمد، وما ترونه من انتشار التوحيد وانتشار السنة في أرجاء كثيرة هي من بركة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.

    تعريف علم الكلام

    السؤال: ما هو علم الكلام؟

    الجواب: سبق أن تحدثنا عن علم الكلام، وهو أنه علم أرادوا به الحجاج والدفاع عن العقيدة، ودفع الشبه، لكنهم اتخذوا في سبيل ذلك منهجاً منحرفاً فتولد من ذلك أقوال وعقائد منحرفة مخالفة للسنة بسبب الاعتماد على مصادر للتلقي غير سليمة، واختراع أدلة عقلية في مناقشة الملحدين، لكن هذه الأدلة العقلية ليست أدلة قرآنية سليمة، وإنما هي أدلة ركبوها من عند أنفسهم تضمنت كثيراً من العقائد الباطلة؛ فأثر ذلك على بقية معتقدات هذا العلم في جوانب مختلفة.

    الفلسفة ليست من الدين في شيء

    السؤال: هل صحيح أن علم الفلسفة يتفق مع الكتاب والسنة خاصة أنه يدرس في الجامعات؟

    الجواب: الفلسفة كعلم نشأ في اليونان، ومنشأ الفلسفة أشخاص وثنيون ما عرفوا نور الرسالة أصلاً، وتكلموا فيما يسمونه بالمتفيزيقا والمتفيزيقا، هو علم ما وراء الطبيعة. فتكلموا بالجهل وانحرفوا انحرافاً كبيراً عن السنة، وما يسمى بالفلسفة الإسلامية هو علم الكلام في صورته المتأخرة التي تأثرت بالفلسفة الإغريقية.

    علاقة أهل السنة بالفرق الأخرى

    السؤال: ما حكم من يقول إن العلاقة بين فرق المسلمين علاقة حوار، وإننا لا يمكن أن نحاربهم؟

    الجواب: بالنسبة للمسلمين لا شك أنهم اختلفوا كما بين النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال: (ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة -ثم بينها فقال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي).

    فالعلاقة بين المسلمين في الأصل هي حقوق على كل مسلم لأخيه المسلم، منها: رد السلام، وتشميت العاطس، وعيادة المريض، ورد الظلم، ونحو ذلك من الحقوق، لكن لا يعني هذا أن الإنسان إذا خالف المنهج الشرعي الصحيح وهو السنة أنه يجامل أو يقال: إنه لا يرد عليه. بل يجب أن يرد عليه، وذلك حفظاً لأديان الخلق؛ فإنه إذا لم يرد عليه ينتشر الباطل ويظهر وحينئذ يكون الحق مغموراً ويكون هذا من لبس الحق بالباطل، ولبس الحق بالباطل لا شك أنه يضيع قيمة الحق وصفاءه، فلا بد من الرد على هذه الطوائف الضالة وبيان معتقداتها الفاسدة، لكن لا يعني هذا أنهم يقاتلون.

    مسألة المقاتلة مسألة أخرى راجعة إلى ظروف الإمامة الإسلامية، وترتيب الأولويات فيما يتعلق بالمسلمين في القتال، بعض الأحيان قد يقاتلون أهل البدع حتى لو كانوا مسلمين، فـعلي بن أبي طالب رضي الله عنه قاتل الخوارج وخد الأخاديد للشيعة الإسماعيلية وقال:

    لما رأيت الأمر أمراً منكراً أججت ناري ودعوت قنبراً

    وجميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قاتلوا الخوارج، وفرحوا بقتالهم، وعلموا أنهم الذين ذكرهم الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال: (يأتي سفهاء الأحلام تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم،وصيامكم إلى صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، لئن لقيتهم لأقتلنهم قتل عاد).

    لكن القتال يرجع إلى الظروف، فيختلف حال المسلمين من زمن إلى زمن، ومن وضع إلى وضع، ويختلف الأعداء قوة وضعفاً، بعض الأحيان تكون الأولوية لقتال الكفار باعتبار أنهم أقوياء ومسيطرون، وأن أهل البدع شذاذ لا قيمة لهم، لكن بعض الأحيان يكون لأهل البدع شوكة وقوة، ويقاتلون المسلمين كما كان حال الخوارج؛ فإنهم يقتلون.

    وهناك فرق بين الجهاد، فعندما يكون جهاد طلب، فإن حكمه الاستحباب، أي: أن يطلب العدو في عقر داره ويطالب بالإسلام، لكن عندما يكون جهاد دفع فيكون أكثر وجوباً من غيره.

    فينبغي إدراك مثل هذه الأحكام، وأنها تختلف من حال إلى حال ومن زمن إلى زمن، وليس فيها حكم واحد يمكن أن يطبق على كل الأحوال وكل الأزمنة وكل الأوضاع.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756178927