أمَّا بَعْد:
فعنوان هذا الدرس: (الذين بدلوا نعمة الله كفراً).
من هم الذين بدلوا نعمة الله كفراً؟ هو الذي ترك النعمة وراء ظهره، وارتكس على رأسه، واستدبر الصراط المستقيم، واتخذ كتاب الله ظهريا، إنه صنف من الناس يتكرر، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ [إبراهيم:28].
والخطاب للرسول عليه الصلاة والسلام، وصح عن ابن عباس أنه قال: [[الذين بدلوا نعمة الله كفراً هم قريش؛ أتاهم محمد عليه الصلاة والسلام، فكذبوه ولم يطيعوه، فبدلوا نعمة الله كفراً]].
وأقول: بل قال كثير من العلماء: كل من أعرض عن كتاب الله عز وجل وعن سنة الرسول عليه الصلاة والسلام فهو من الذين بدلوا نعمة الله كفراً.
وانظر إلى أسلوب القرآن الجميل الرائع؛ رؤى وأشواق ومرئيات، ألم تر يا محمد إلى الذين بدلوا نعمت الله كفراً، ولم يقل نعم الله؛ لأن نعمة الله لا يؤدى شكرها، فكيف إذا ذكرت النعم، ولذلك قال الله تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [النحل:18] ولم يقل: نعم الله؛ لأن الناس إذا لم يستطيعوا لنعمة واحدة فما بالك إذا كانت نعماً.
وعند أحمد في كتاب الزهد بسند جيد مرفوعاً إلى رب العزة تبارك وتعالى أنه قال: (عجباً لك يا بن آدم، خلقتك وتعبد غيري! ورزقتك وتشكر سواي! أتحبب إليك بالنعم وأنا غني عنك، وتتبغض إليَّ بالمعاصي وأنت فقير إليَّ، خيري إليك نازل، وشرُّك إلي صاعد) وهذا شأن العبد يوم يترك منهج الله عز وجل، ويرتكس ويعرض عن الطريق المستقيم الذي أتى به محمد عليه الصلاة والسلام.
يا مسلمون! يا صادقون! أبواب الجنة أغلقت من يوم بعث محمد عليه الصلاة والسلام، أغلقت فلا يدخل الداخل إلا من طريقه:
إذا نحن أدلجنا وأنت إمامنا كفى بالمطايا طيب ذكراك حاديا |
عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً إلى محمد عليه الصلاة والسلام: قال: (قال الله تعالى: يسبني ابن آدم) سبحان الله! للحديث قصة لكن قصتها لم يوردها البخاري أوردها أهل السير:
موسى بن عمران عليه السلام كان جريئاً شجاعاً في الأسئلة هو الذي يقول: رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ [الأعراف:143] لم يقلها أحد من الناس، ولكن قالها موسى عليه السلام.
يقول في سؤال: يا رب! أسألك مسألة، قال: ما هي يا موسى؟ قال: أن تمنع ألسنة الناس أن يتكلموا في أي: ألا يغتابوني، قال الله عز وجل: يا موسى! ما اتخذت ذلك لنفسي، إني أرزقهم وقد خلقتهم وأعافيهم ويقولون: إني اتخذت صاحبة وولداً، وأنا الله لا إله إلا أنا لم أتخذ صاحبة ولا ولداً، ولكن لفظ البخاري (يسبني ابن آدم وما كان له ذلك، ويشتمني ابن آدم وما كان له ذلك، أما سبه إياي، فيسب الدهر وأنا الدهر أقلِّب الليل والنهار كيف أشاء، وأما شتمه إياي فيقول: إني اتخذت صاحبة وولداً، ولم أتخذ صاحبة ولا ولداً) هذا بلفظ.
أيها المسلمون! كثر الكفران بالنعم، ولكن في هذه المحاضرة مسائل منها:
العنصر الأول: آثار.
والعنصر الثاني: نداءات.
والعنصر الثالث: شكر النعم.
والعنصر الرابع: النعمة الحقيقة.
والعنصر الخامس: كفران النعم.
ترك المعصية بنور من الله: أي تخاف عذاب الله، الرحمة والنعمة ليست السيارات والقصور، لأننا رأينا الناس يوم أعرضوا عن الله تحولوا إلى عصاة.
سل الشواطئ:
أرى شطآنكم أضحت خراباً وعرضاً للمفاسد والمعاصي |
سل الشطآن ماذا يفعل فيها، وإنه ليؤسفني ويؤسف كل مسلم، أن تكون هذه الشطآن في الجزيرة في بلاد مهبط الوحي، أرض المقدسات وبلاد الرسالات الخالدة، لتختلط المرأة بالرجل، ولتتعرى المرأة في الماء، ولتبدي مفاتنها، ولتضيع أو تؤخر الصلوات، ولترتفع النغمة البائسة الحقيرة من الأغاني، ولتنتشر الفاحشة في جيل صحا وعاد إلى الله، أليس هذا من كفران النعم، بلى.
ونعود إلى ابن عباس رضي الله عنهما، قال: القرية الآمنة المطمئنة هي مكة، (كانت آمنة مطمئنة) يسوق الله لها أرزاقها من أنحاء الدنيا، فكفرت برسالة محمد عليه الصلاة والسلام، فجعلهم الله شذر مذر، ونقول: يا أبا العباس نقبل رأسك، ويدخل في ذلك كل قرية أعرضت عن منهج الله، أبها أو جدة أو الطائف، أو باريس، أو واشنطن.
كل قرية لم تعرف نعمة الله ولم تقدر لا إله إلا الله، ولم تنضو تحت مظلة (الله أكبر) فهي قرية أعلنت فسقها وعصيانها.
ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً [الإسراء:16] قال أهل التفسير: أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا [الإسراء:16] كثرنا مترفيها، يضرب العود، وتشتغل الشاشة، ويدار كأس الخمر، وتتبرج الفتاة بلا حجاب، وتضيِّع قرآنها وحجابها، ودينها وعفافها، وزوجها وبيتها، وتجوب الأسواق مع الخياطين والباعة، وتصل إلى الشاطئ، نظر العربي الأول إلى امرأته فرآها تنظر إلى رجل، فقال: عجيب! أتنظرين إلى رجل؟ والله لا تحلين لي امرأة ونظم قصيدة رائعة، يقول:
إذا وقع الذباب على طعام رفعت يدي ونفسي تشتهيه |
وتجتنب الأسود ورود ماء إذا كن الكلاب ولغن فيه |
فكيف لو رأى هذا العربي الشواطئ؟ كيف لو رأى الساحل السافل؟ كيف لو رأى الأسواق؟ كيف لو رأى الفتات التي تخرج بثياب يستحي الرجل والله من لبسها، فمن الرجال من يستحي أن يلبس لباس بعض النساء، تذهب ولكنها خلَّفت إيمانها، تذهب ولكنها خلَّفت حجابها، والشاهد قوله تعالى: وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً [الإسراء:16] يدمرها ربها ويفنيها، ويقسي قلوب أصحابها: أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً [الإسراء:16] ويقول سبحانه: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ [الطلاق:8] هنا كأين عند النحاة للتكثير النسبي وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُكْراً [الطلاق:8].
فغضب الله، وإذا غضب الله فإن غضبه أليم شديد، وقال تعالى: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ [هود:102] عجيب أمر القرى! القرى الظالمة إذا أخذها الله فإن أخذه أليم شديد، فأخذهم الله؛ حرب وسلب، وتقتيل وخوف ومجاعة؛ حتى سمع العالم بمآسي لبنان ودموعها وجراحتها.
لما رأت أختها بالأمس قد خربت كان الخراب لها أعدى من الجرب |
زيادة المرء في دنياه نقصان وربحه غير محض الخير نقصان |
وكل وجدان قوم لا ثبات لـه فإنما هو في التحقيق خسران |
أعرض عن منهج الله، قال ابن كثير وغيره من المفسرين: آتى الله كل رجل من سبأ بجانب بيته بستانين وجنتين، عن يمين وعن شمال، يخرج من بيته وبستان عن يمينه وبستان عن شماله، شجر متدلٍ ونعيم خالد، ظل وارف، وماء بارد، وطيور ترفرف، وحياة رغيدة، ولكن القلوب أعرضت عن منهج الله، مثلما يفعل الآن: بيوت وقصور وفلل وسيارات ورغد ومطاعم ومشارب، ولكن هناك من يفسد ويريد ألا ينكر عليه، ومن يفجر ويريد أن يسكت عنه، ومن يتخلع عن الدين، ويقيم المنكر ويستهزئ بالرسالة، ومن يعارض المسجد، ويقاطع لا إله إلا الله محمد رسول الله، قال تعالى على لسان نوح عليه السلام: قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائي إِلَّا فِرَاراً * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً [نوح:5-7].
أيها الإخوة الذين جلسوا على الخشب والحديد: انتبهوا لا يسقط بكم كما يسقط بعض الناس برسالته ومبادئه وبإيمانه، وسقوطكم أهون؛ لأن مؤداه ينحصر بالموت، وسقوط بعض الناس إلى جهنم، يقول ابن القيم: "مرض الجسم سهل بسيط، وكسر الجسم يُجبر، لكن كسر الدين لا يجبر أبداً، وسقوط الاستقامة إنما يؤدي بصاحبه إلى نار جهنم".
فأعرضت قرية سبأ يقول ابن كثير: كانت المرأة تذهب بسلة على رأسها فتمتلئ السلة من الثمار التي تتساقط على السَّلة، ولكنهم ما قدروا هذه النعم، بل أعرضوا تماماً وفحشوا بأسلوبهم مع الله، بعض الناس يحارب الله جهراً؛ يقاطع المسجد، فلا يعرف الصلاة، ليله ونهاره غناء وتطبل
متى يهديك قلبك وهو غافٍ إذا الحسنات قد أضحت خطايا |
ونحن نقول: ليت السيئة تنحصر فيهم وتتركنا، لكنَّ الشر يعم والخير يخص.
نعم إذا لم ننه وننكر، ولم ندع وننزجر؛ فإن معنى ذلك أننا سوف نُجتاح كلنا ونعوذ بالله من غضب الله.
قرية سبأ أغضبوا الله، فما حاربهم الله بجيش أو أنزل عليهم ملائكة؛ لأنهم أصغر وأذل، قال بعض العلماء: يا ضعيف العزم! يا فقير الإرادة! أتحارب الله؟ الله لما حاربه نمرود بن كنعان، أرسل له بعوضه فقتلته، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحج:73-74] ويقول سبحانه: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ [سبأ:22] ويقول سبحانه: مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [العنكبوت:41] أرسل الله عليهم فأرة، يقول سحبان بن وائل ليمني عند معاوية: " أيها اليمني! أخبر بكم هدهد، ونقض سدكم فأر، وتكلمت عليكم وزغة فلا تفخر، الهدهد نم عليهم عند سليمان، والفأر نقَّض عليهم جسرهم وسدهم، ولا نستنقص منهم، لأن معالم الإقبال في اليمن {فالإيمان يمان والحكمة يمانية} ولكن ذاك الجد البائس الذي ما عرف الله، جدنا جميعاً.
غيري جنى وأنا المعاقب فيكم فكأنني سبابة المتندم |
غضب الله عليهم؛ فأرسل عليهم فأرة فنحت السد، فهوى السد، فاجتاحهم الماء، فصاروا شذر مذر، بكى الأطفال والشيوخ وولولت، النساء، ولكن ولات ساعة مندم! كذلك من يخرج عن شريعة الله ومن يتذمر عن رسالة الله ويغضب الله.
البرامكة أسرة عاشت في عصر العباسيين وزراء، وكانوا يُطْلون قصورهم بماء الذهب، لكن هل أرضوا الله؟ ما عدلوا ولا خافوا الله، وكان كأس الخمر والفتيات والغانيات في قصورهم، وتر ونغم في قصورهم، فحذرهم أحد العلماء وقال لهم: انتبهوا إن النعم لا تقيد إلا بالشكر.
إذا كنت في نعمة فارعها فإن المعاصي تزيل النعم |
وحافظ عليها بتقوى الإله فإن الإله سريع النقم |
قال: قيدوها بالشكر، لكن لم يفعلوا، وفي لحظة من اللحظات أغضب الله عليهم أقرب الناس إليهم هارون الرشيد فاجتاحهم بالسيف، قتل شبابهم ضحى، وأخذ شيوخهم وقادهم وهم يتباكون إلى السجن، حبسهم حبساً عظيماً، وقد بكى خالد بن يحيى البرمكي في السجن سبع سنوات، وطالت أظفاره؛ وما وجد ما يقلم أظفاره بعد النعيم، وطال شاربه وما وجد مقصاً، وعميت عيناه، قال له أحد الناس وقد زاره في السجن: ما هذا البلاء يا خالد؟ قال: دعوة مظلوم سرت بليل، غفلنا عنها وما غفل الله عنها..!
قيل لـعلي بن أبي طالب: ما بين التراب والعرش؟ قال: [[دعوة مستجابة]].
وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ [آل عمران:145] قيل لأحد علماء السلف: ما هو الشكر؟ قال: شكر العين البكاء من خشية الله -لأن بعض الناس إذا سمع الموسيقى بكى؛ لكنه لا يبكى عند تلاوة القرآن وسماع الذكر! كان أبو بكر وعمر تبتل لحاهما بالدموع إذا سمعوا آيات الله تتلى- قال: شكر العين البكاء، وشكر القلب الحياء من الواحد الأحد؛ إذا استحى القلب من الله فقد سَعُد في الدنيا والآخرة، والحياء لا يأتي إلا بخير، يقول الشافعي: " والله الذي لا إله إلا هو لو علمت أن شرب الماء ينقص من مروءتي وحيائي ما شربته أمام الناس " قلنا: يا شافعي لله درك! والله لقد وجد من الجيل من تفسخ عن شريعة الله بلا حياء، وأدبر عن المسجد بلا حياء، وكفر بالله بلا حياء، وسبَّ الرسول بلا حياء، وهجر القرآن بلا حياء.
إذا لم تخش عاقبة الليالي ولم تستحي فاصنع ما تشاء |
فلا والله ما في العيش خير ولا الدنيا إذا ذهب الحياء |
الحياء جلباب وضعه الله على وجه العبد، يستحي العبد من الله إذا هم بمعصية فعينه تقول: انظر، والحياء يقول: لا تنظر، أذنه تقول: اسمع، والحياء يقول: لا تسمع، رجله تقول: امش، والحياء يقول له: لا تمش في معصية الله، قال الشافعي في نظم:
لسانك لا تذكر بها عورة امرئ فكلك عورات وللناس ألسن |
وعينك إن أبدت إليك معايباً لقوم فقل يا عين للناس أعين |
فالنِّعمة يدخل فيها ما قربك إلى الواحد الأحد، والنعمة بالفتح هي نعمة يشترك فيها الناس، وتشترك فيها البهيمة، الثور والحمار والخواجة الأحمق، والبلشفي الأشقر، والوثني، كل هؤلاء يدخل في هذه النعمة، وقال الله عن النعمة: ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [الحجر:3].
والله عز وجل جعل لهؤلاء أكلاً وشرباً، ولذلك قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [الفرقان:44] كالأنعام في أكلهم وشربهم، وفي خروجهم ودخولهم، ولذلك لما وصفهم الله في موضع آخر أخبر أنه أعطاهم الجوارح والأعضاء، ولكن ما استغلوها، عين وأذن ويد ورجل قال تعالى: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179].
فليس أعمى من عميت عيناه، بل من عمي قلبه قال تعالى: فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج:46] وقال تعالى: أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ [الرعد:19] أفمن يعلم أن المسجد خير من المقهى، وأن المصحف خير من المجلة الخليعة، وأن التلاوة خير من الأغنية الماجنة، وأن صحبة الأخيار خير من الأشرار، كمن ارتكس على رأسه وأعرض عن طاعة الله وأصبح شيطاناً، يقول أحد شياطين الإنس الذين يدمرون الأجيال:
وكنت امرءاً من جند إبليس فارتقى بي الحال حتى صار إبليس من جندي |
يقول: كنت في فترة من الفترات أطيع إبليس في الحاشية فقربني إبليس، ثم زاد بي الحال فتَرقيتُ حتى أصبحت أسيِّرهُ، لذلك يسمى هذا المارد الإنسي، والمارد الإنسي هو الذي يتعدى ضرره إلى الناس، بعض الناس فاسد في نفسه، لكن بعضهم يفسد مجتمعه وإخوانه، ملطخ في السر والعلانية، أينما ذهب أفسد، بينما يقول الله سبحانه عن أحد الصالحين من الأنبياء والمرسلين: مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ [مريم:31] قالوا: كلما حل في بلدة كان مباركاً، قال المتنبي:
وكذا الكريم إذا أقام ببلدة سال النضار بها وقام الماء |
الكريم عبد الله إذا حل في مجلس تحول المجلس إلى روضة من رياض الجنة، إذا سافر معك أسعدك، وإذا صحبك آنسك، وإذا فارقك دعا لك، وإذا فارقته بكيت عليه، , وأما الفاسد فشؤم عليك؛ يحل معك فتحل معه الشياطين، وتحل معه المعصية والغضب من الله، قال جعفر الصادق لابنه: لا تصاحب ثلاثة قد غضب الله عليهم: لا تصاحب من عصى الله، فقد قطع حبل ما بينه وبين الله، ولا تصاحب عاق الوالدين فهو ملعون، ولا تصاحب كذاباً، فإنه يقرب لك البعيد ويبعد منك القريب.
ميلاد يوم أتت به أمه، وهذا يشترك فيه كل الناس والبهائم والعجماوات، والطيور والزواحف والأناسي فالكل يولدون هذا الميلاد تماماً.
الميلاد الثاني: يوم تدخل في الإسلام وتخلع جلباب المعصية وتأتي إلى الله مستقيماً سالكاً سبيل الهدى يقول ابن كثير في البداية:
ولدتك أمك يابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سروراً |
فاعمل لنفسك إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسروراً |
ذكرت أن الميلاد الأول يشترك فيه الناس، لكن ميلاد الشكر الثاني هو يوم أن تكون عبداً للواحد الأحد، قيل لأحد الصالحين: كم عمرك؟ قال: عشر سنوات، قال: وأنت في الستين، قال: أما خمسون سنة فضاعت من عمري، فكانت في معصية، والعمى عمى القلب، ولو أن الله سمى العمى في سورة عبس: عمى العينين عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى [عبس:1-2] وهذا في مقام العتاب، إن ابن أم مكتوم ليس بأعمى في الحقيقة، قال الله له: وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى [عبس:3] قال أحد العلماء: " وما يدريك يا محمد -عليه الصلاة والسلام- أن هذا الأعمى سوف يكون منارة من منارات الأرض تستقبل نور السماء " وبالفعل كان منارة تستقبل نور السماء، ووقف هذا الأعمى بنفسه في معركة القادسية يقاتل والمسلمون يقولون: عذرك الله، أنت معذور، قال: لا والله، لقد سمعت أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً [التوبة:41] فلبث مع المسلمين وأعطوه الراية وهو أعمى لا يبصر، فقتل ودفن مكانه، يقول ابن عباس: وقد عميت عيناه ولكن ما عمي قلبه، ولا عمي دليله ولا انطمست مواعظ الله من قلبه، وقد استهزأ به بعض الناس، مستهزئ يقول: " لا بأس عليك يا ابن عباس، أحسن الله عزاءك في عينيك " قال ابن عباس:
إن أذهب الله من عيني نورهمـا ففي فؤادي وقلبي منهما نور |
عقلي ذكي وقلبي غير ذي عوج وفي فمي صارم كالسيف مشهور |
إسلام وإيمان، ورسالة خالدة، واتصال بالله، ينام المؤمن على الرصيف والسعادة بيده، وينام الفاجر في القصور المذهبة المفضفضة واللعنة تطارده.
سبحانك! تعطي من تشاء وتمنع من تشاء، أما عطية الإيمان فتعطيها من تحب، ولذلك في الحديث الصحيح {إن الدنيا يعطيها الله من يحب ومن لا يحب وأما الدين فلا يعطيه الله إلا من يحب} وفي الصحيحين: {من يرد الله به خيراً، يفقهه في الدين}
ارتفعت راية لا إله إلا الله من على الصفا، قال: فأذن مؤذن الفتح للقلوب على الصفا، فأتى التوفيق يطفح، فقال أبو جهل: كفرت بلا إله إلا الله، وقال أبو لهب: أعرضت عن لا إله إلا الله، وقال سلمان الفارسي في أرض فارس: لبيك اللهم لبيك، وأتى بلال من أرض الحبشة يقول الله أكبر؛ فأقم الصلاة يا بلال! أرحنا بها يا بلال! أرحنا بها يا بلال.
وأتى صهيب فباع نفسه من الله، واشترى نفسه من الواحد الأحد، فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ [البقرة:207] وأتى خباب بن الأرت وهو يصلح السيوف ويصقلها وهو مولى فأعاده الله ليصقل القلوب، حكمة بالغة.
أبو جهل بأُسرته تدكدك في النار، وبلال أنقذ نفسه فقصره كالربابة في الجنة.
وقل لـبلال العزم من قلب صادق أرحنا بها إن كنت حق مصلياً |
توضأ بماء الحق إن كنت مخلصاً به ترق أبواب الجنان الثمانيا |
دخل ابن أبي حازم على الخليفة سليمان بن عبد الملك، هو الخليفة الذي تولى بعد الوليد مباشرة، وكانت من حسناته أن ولى عمر بن عبد العزيز، فقال لـقيس بن أبي حازم، وهو أحد التابعين الزهاد: [[يا
بعض الناس لا يملك شيئاً من الدنيا، لكن يملك إيماناً وصدقاً مع الله، هشام بن عبد الملك دخل الحرم ورأى سالم بن عبد الله بن عمر أحد الفقهاء السبعة يحمل حذاءه بيديه، قيل كانت عمامته وثوبه بثلاثة عشر درهماً، فرآه الخليفة هشام ومعه الأمراء والوزراء والحاشية، فقال: يا سالم ألك إليَّ حاجة؟ قال سالم: أما تستحي أن تقول لي هذا في بيت الله؟ فانتظره هشام حتى خرج من الحرم ثم قال له: سألتك يا سالم! داخل الحرم فقلت نحن في الحرم، فقد خرجنا، هل لك إلي حاجة؟ قال: من حوائج الدنيا أو من حوائج الآخرة؟ قال: بل من حوائج الدنيا، قال: والله الذي لا إله إلا هو ما سألت الدنيا من الذي يملكها فكيف أسألها منك؟! أنت فقير.. مسكين.. يظن أن الإنسان إذا ملك ملايين أو قصوراً أو دوراً أو بساتين أنه ملك الدنيا.
أنا دائماً أكرر المناظرة الحارة الساخنة؛ السكين المشحوذة بين ابن تيمية وبين ابن قطلوبك وقيل قطلوبغا، هذا سلجوقي يقرأ الفاتحة لكن ما يعرف كوعه من بوعه! دخل عليه ابن تيمية يريد أن يقوده إلى الله، ويلقنه درس في لا إله إلا الله لا ينساه، سلطان فيه خير؛ لكن يريده ابن تيمية أن يصحو من بعض الأمور، فدخل عليه، فقال السلطان: وددنا أن نزورك في بيتك؛ فإنه من حقك، قال: دعنا من كدوراتك يا ابن قطلوبك موسى كان يزور فرعون في اليوم مراراًُ، قال هذا السلطان: يزعم الناس أنك تريد ملكنا يا ابن تيمية! فضحك ابن تيمية، قال: ملكك؟! قال: نعم، قال: والله الذي لا إله إلا هو ما ملكك ولا ملك آبائك ولا أجدادك يساوي عندي فلساً واحداً، إني أريد جنة عرضها السموات والأرض.
خذوا كل دنياكم واتركوا فؤادي حراً طليقاً غريباً |
فإني أعظمكم ثروةً وإن خلتموني وحيداً سليباً |
الآن وجد من اهتدى وطعم الهداية، قلت وقال غيري من طلبة العلم والدعاة محاضرة بعنوان (رسالة إلى المغنيين والمغنيات) وقرئت نشرات في الجزيرة وعكاظ اعترافات سبعة أو ثمانية من أبنائنا الذين عاشوا الفن: وهو الغواية، والوتر: وهو الضياع، والكمنجة: وهي طريق إلى النار، والموسيقى: وهي سقر، فعادوا فطعموا الإيمان وسجدوا للواحد الديان فقالوا: نستغفر الله، ولا نريد أطفالنا أن ينشئوا على ذلك، وذلك أنهم ذاقوا الهداية، أحدهم اعترف بعد الهداية، وهو يحيى أبو الكرم وأبكى الناس حتى ارتج المسجد وأنتم سمعتم بهذا، قام يقرأ علينا وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق:16] وكان يغني في المحافل الدولية، وجمهوره يا ليل يا عين، رايحين من أين، رايحين من فين، ولا نحن عارفين عاوزين إيه.
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ [الانفطار:6-8] وقال تعالى: أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ [البلد:8-10]
كأنه -ولله المثل الأعلى- إيقاف أمام الإنسان، أين عيناك، وأين لسانك، وأين شفتاك؟ هذا الوليد بن المغيرة في النار لم ينفعه ذهبه، كان يكسر ذهبه بالفئوس كان يكسو الكعبة مرة وقريش مرة، كان يمشي في الديباج وعنده عشرة أبناء، في اليمين خمسة وفي اليسار خمسة، لكن لما أتت لا إله إلا الله كفر بلا إله إلا الله، قال سبحانه وتعالى عنه: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً [المدثر:11] ذرني وهذا الحقير، يمتن على الله بقصوره، يتمن على الله بدوره ويتكبر على الله بذهبه وفضته: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً * جَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآياتنَا عَنِيداً [المدثر:11-16].
يا عامراً لخراب الدار مجتهداً بالله هل لخراب الدار عمران |
ويا حريصاً على الأموال تجمعها أقصر فإن سرور المال أحزان |
نشرت بعض الصحف مقابله لأحد التجار على مستوى العالم فاكتشف أن مرضه من سوء التغذية، وعنده التصاق في الأمعاء، ما وجد أكلاً ولا طعاماً، عنده شيكات واتصالات بالهاتف إلى آخر الليل ولكن نسي نفسه، يأكل بعض الخبز على الشاهي الحار الساخن الذي يقطع الأكباد، لا يعرف المفطح ولا الدجاج المقلي ولا السلطة، ولا الأكل والشرب، فأصيب بسوء التغذية فتدكدك، فقال بعض الزهاد في مجلس: " يا ليته يوم أخفق في الدين نجح للدنيا أي: ليته قيم غذاءه، ليته نجح لنفسه، يا حسرة على هذه الدنيا إذا لم تكن في طاعة الواحد الأحد.
تزود للذي لا بد منه فإن الموت ميقات العباد |
أترضى أن تكون رفيق قوم لهم زاد وأنت بغير زاد |
خرج الصحابة إلى الدنيا بثياب ممزقة، ودخلوا قصور كسرى وقيصر والذهب يلوح، فلما رأى سعد الذهب في قصر كسرى، قال: الله أكبر! قيل في بعض الروايات أن القصر انصدع، فقال سعد وعيونه تدمع من هذا النعيم الذي كفر أهله وأعرضوا عنه قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ [إبراهيم:28] نعيم، لكن ما شكر الله فيه، قال سعد وهو يبكي: كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ [الدخان:25-29].
ذكر الذهبي: أنه لما فتح قتيبة بن مسلم المشرق، أتى إليه بغنيمة كرأس الثور ذهب خالص، وقيل: در وقيل: جوهر، إنما هو ذهب أو در أو جوهر، فقال للقادة حوله: أترون أن مسلماً يدفع له هذا الذهب فيقول: لا أريده، قالوا: لا. ما نرى في الجيش أحداً يزهد في هذا الذهب أبداً، وكان قتيبة بن مسلم عبداً صادقاً حنيفاً ولم يكن من المشركين شاكراً لأنعمه، قال: والله لأرينكم أناساً من أمة محمد عليه الصلاة والسلام، الذهب عندهم مثل التراب، ثم أرسل لـمحمد بن واسع الأزدي العالم العابد الذي كان معه في الجيش، وكان يرى محمد بن واسع يدعو بإصبعه وهو يقول: يا حي يا قيوم انصرنا، فيقول قتيبة: والله الذي لا إله إلا هو، لأصبع محمد بن واسع، خير عندي من مائة ألف سيف شهير، ومن مائة ألف شاب طرير، أرسل بالذهب إلى محمد بن واسع، فلما وصلوا بهذا الذهب الكتلة، أخذها محمد بن واسع، فعادوا إلى قتيبة، فقالوا: أخذها محمد بن واسع، فقال: الله المستعان! اللهم لا تخيب ظني فيه، فمر فقير بـمحمد بن واسع، يقول: من مال الله، من مال الله، فأعطاه الذهب كله، قال قتيبة: هكذا فلتكن الدنيا.
ولما عبدنا الدنيا ضاع منا الدين، واستحوذ علينا أهل الدنيا، قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ [إبراهيم:28].
ومضت المقالة وارتفعت إلى محمد عليه الصلاة والسلام، فدعا سعد بن عبادة، سيد الأنصار وقال: {ما قالة بلغتني عنكم؟ قال: هو كما قيل: قال وأنت؟ قال: ما أنا إلا من قومي، أقول مثلما يقول قومي} كقول الشاعر:
وهل أنا إلا من غزية إن غوت غويـت وإن ترشد غزية أرشد |
قال عليه الصلاة والسلام: اجمع لي قومك، فجمعهم في حظيرة، فأطل محمد عليه الصلاة والسلام كالبدر ليلة أربعة عشر، وقال: {يا معشر الأنصار! ما قالة بلغتني عنكم؟ قالوا: هو كما سمعت يا رسول الله! قال: يا معشر الأنصار.. أما أتيتكم متفرقين فجمع الله شملكم بي؟ قالوا: المنة لله ولرسوله، قال: ألم آتكم فقراء فأغناكم الله بي؟ قالوا: المنة لله ورسوله، فرفع صوته، وقال: يا معشر الأنصار، والذي نفسي بيده لو شئتم لقلتم؛ فلصدقتم ولصدقتم: أتيتنا طريداً فآويناك، وفقيراً فواسيناك، وشريداً فنصرناك، قالوا: المنة لله ولرسوله، فرفع صوته وقال: يا معشر الأنصار، أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم؟ فوالله لما تذهبون به خير مما يذهب به الناس، غفر الله للأنصار ولأبناء الأنصار، ولأبناء أبناء الأنصار، الناس دثار، والأنصار شعار، ولو سلك الناس شعباً ووادياً، لسلكت شعب الأنصار، ووادي الأنصار ولولا الهجرة لكنت امرءاً من الأنصار، فأجابته دموع الأنصار حتى اختضبت لحاهم} ولماذا؟ لأنه عليه الصلاة والسلام يقول: إن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا من يحب، وفي البخاري يقول عليه الصلاة والسلام: {يا أيها الناس، إني أعطي بعض الناس، لما جعل الله في قلوبهم من الجشع والهلع، وأدع بعض الناس لما جعل الله في قلوبهم من الخير والإيمان؛ منهم
يا فتاة مسلمة.. يا امرأة مسلمة! حفظها الله ورعاها، وحلاها وحماها، ثم تخرج على منهج الله، تخرج ولكن سافرة، تخرج غير محتشمة إلا من رحم ربك، فتنه العالم اليوم النساء، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء).
النساء فتنة لكل مفتون، وسبب لإعراض كثير من الشباب عن الدين، امرأة تخرج من بيت زوجها متجملة متطيبة متعطرة بلا إذن، تمر على الخياط البوذي السيخي، الهندوكي الملحد، أين إيمانها؟!!
ونساء المسلمين أصبحن في معرض الأزياء على الموضات الجديدة، كان المرأة في عهده عليه الصلاة والسلام محجبة تتلو القرآن وتدارسه وتتفقه في الدين، وطائعة لزوجها، تحب الله ورسوله..
إليك نشكو حالنا يا رب! وإنا لا نزال نكرر للمرأة أن تعود، وأن تعرف أن في السنن: (إذا خرجت المرأة متعطرة متجملة من بيت زوجها بدون إذنه فهي زانية) ونقول لها أيضاً: إن التوبة بابها مفتوح، وإن الله لا يزال ينادي، ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل.
قال ابن تيمية: أتقاهما لله، ما عندنا الغني مذموم ولا الفقير مذموم، المذموم عدو الله غنياً كان أو فقيراً، إذا تعدَّى حرمات الله وانتهك، فهذا هو عدو الله، وإلا فـعثمان غني، ولكن ماذا فعل بغناه؟!
قام عليه الصلاة والسلام على المنبر، وقال: {من يجهز جيش العسرة وله الجنة} هذا ضمان من محمد عليه الصلاة والسلام،
أنت الشجاع إذا لقيت كتيبة أديت في هول الردئ أبطالها |
لست الذي ينهى ويأتي نهيه لا من يكذب فعلها أقوالها |
فقام عثمان وسط الناس، وقال: أنا أجهزه يا رسول الله! بماله وأحلاسه وأقتابه، فدمعت عيناه عليه الصلاة والسلام، وقال: { غفر الله لـ
ابن عوف جاءته قافلة كاملة تريد المدينة -وكان تاجراً- سبعمائة جمل محملة بالحبوب والأكسية، فدخلت المدينة، فأعلن في التجار فاجتمعوا ليشتروها، قال ابن عوف: [[كم تدفعون؟ قالوا: ندفع في الدرهم ربح درهم، قال: وجدت من زادني، قالوا: نعطيك في الدرهم درهمين، قال: وجدت من زادني، قالوا: نعطيك في الدرهم ثلاثة، قال: وجدت من زادني، قالوا: نحن تجار المدينة، وما زادك أحد، قال: وجدت من أعطاني في الدرهم عشرة إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، قال تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:261]. أشهد الله ثم ملائكته وحملة عرشه ثم أشهدكم أنها في فقراء المدينة، فقام الفقراء على ما عليها فتقاسموها، وتولى الصحابة يبكون ويقولون: سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة، أليس هذا يدخل الجنة؟! أليس هذا طريق إلى الإحسان والعظمة؟! أليس هذا فوز بالدنيا والآخرة؟! بلى. وهذا هو الكنز الثمين، والمنصب قد يكون نصرة للإسلام، وقد يكون ضد الإسلام، وقد يكون عقبة كئوداً في طريق الدعوة والدعاة.
عمر بن عبد العزيز تولى الخلافة فكان راشداً، قاد الأمة إلى بر النجاة، وأبو مسلم الخراساني تولى الإمارة، فقتل من المسلمين ألف ألف، أي: مليون، والحجاج قتل مائة ألف.
وما شر الثلاثة أمَّ عمروٍ بصاحبك الذي لا تصحبينا |
قال تعالى: قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى [طه:52].
ما بين غمضة عين وانتباهتهـا يغير الله من حال إلى حال |
ويقول آخر:
سهرت أعين ونامت عيون في شئون تكون أولا تكون |
إن ربا كفاك ما كان بالأمس سيكفيك في غدٍ ما يكون |
فرد عليه البصر في لحظة، قال: ماذا تريد؟ قال: الغنم، قال: اللهم ارزقه الغنم، فأعطاه الله شاة فولدت فملأت الوديان، ثم عاد المَلَك فحول الله صورته إلى صورة فقير -ولله الحكمة البالغة- فأتى هذا المَلَك صاحب المقامات الأُوَل، في صورة فقير عليه ثياب بالية.
فذهب إلى الأبرص أو الأقرع وقال: أنا فقير منقطع، انقطعت بي السبل والحبال، فلا مغني إلا الله، أعطني مما عندك، قال هذا الأقرع: الحقوق كثيرة، والمال ورثته كابراً عن كابر، ولا عندي لك شيء، قال: كأنك كنت أقرع قبل؟ قال: لا. المال ورثته كابراً عن كابر، -يعني ورثته بجدارة- قال: إن كنت كاذباً فصيرك الله إلى ما كنت عليه، فسلب الله نعمه، فعاد إلى حالته الأولى.
وذهب إلى الأبرص، وقال: أنا فقير منقطع فأعطني مما أعطاك الله -أو كما قال- قال: ما عندي شيء، والحقوق كثيرة، قال: كأنك كنت من قبل أبرص فقيراً؟ قال: لا. ورثت المال كابراً عن كابر، قال: إن كنت كاذباً، فصيرك الله إلى ما كنت عليه، فرده الله القهقرى وعاد إلى حاله، ثم سار إلى الأعمى -وكان الأعمى عاقلاً، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، رأى نعم الواحد الأحد فشكرها:
إذا كان شكري نعمة الله نعمةً فأين يطاق الشكر أم كيف يشكر |
إذا كان شكرك نعمة على النعمة، فكيف تشكر نعمة الواحد الأحد.
قال الغزالي في الإحياء: " أتى رجل من الفقراء لينام، فقال: يا رب، أفقرتني وأعطيت فلاناً، سلبتني وأعطيت فلاناً، هذا الفقير مؤمن ولكن ينظر إلى الأموال والذهب، والفضة والدنيا ولم ينظر إلى نعمة الله، فنام تلك الليلة فأتى رجل صالح في المنام فقال له: يا فلان، أتبيعني بصرك بمائة ألف دينار؟ قال: لا. قال: أتبيعني سمعك بمائة ألف دينار؟ قال: لا، قال: يدك بمائة ألف دينار؟ قال: لا. قال: رجلك بمائة ألف دينار؟ قال: لا فأخذ يعدد له عضواً عضواً، قال: سبحان الله! لله عندك مئات من الألوف من الدنانير وما شكرته وأنت تمنن عليه أن سلبك بعض المال الذي قد يغويك؟ أو كما قال، فهب من المنام يبكي ويقول: لك الحمد يا رب.
لك الحمد والشكر الذي أنت أهله فخيرك مغمور وفضلك منزل |
وأخبركم أن من قدر نعمة الله في شبابه وفي بصره وفي بيته وفي مدخله ومخرجه فقد رضي الله عليه، وأن من تسخط نعمة الله واستخدمها في الفجور، وأصبح عربيداً متمرداً على آيات الله؛ فقد غضب الله عليه، حكمة بالغة وقدرة نافذة فما تغني النذر.
هذه النعم تحتاج إلى شكر، وإلا فالأصل عند أهل العلم أن العبادة لا تكافئ النعم.
فيقول صلى الله عليه وسلم في الصحيح: {لن يدخل الجنة أحد بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته} لا يُعرف أحد أبداً عنده يد عند الواحد الأحد، كلنا عنده فقراء ومخطئون، كلنا مسيئون ومقصرون.
يا من تمنن بركعتين اثنتين أو بعشرة ريال دفعتها إلى فقير، أو بقراءة بعض الآيات، أو بعض التسبيحات، أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قدموا أنفسهم في سبيل الله، أصحاب محمد أصبحت أجسامهم جراحات، يقول عروة بن الزبير: [[والله إني كنت ألعب في جسم أبي بعدما كبرت من آثار جراحات المعارك في الإسلام]] كان الزبير جسمه مغارات، جسم الزبير جرح هنا وهناك، وفي ظهره وفي رأسه، وفي وجهه من ضربات السيوف في سبيل الله.
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهنّ فلول من قراع الكتائب |
رحماك يا رب! لم نقدم للإسلام شيئاً، نريد فقط منا يا جلوس، ويا أمثالكم من الصالحين أن ننـزل إلى الشارع الإسلامي، ننـزل إلى الشاطئ، ننزل إلى المقهى بحكمة، ننزل إلى مجمع الناس، ليأتي كل واحد منا بعاص واحد إلى المسجد، أنا أسألك بالله أن تذهب وتدل عاصياً أو تأتي به إلى محاضرة، أو إلى درس، أو تهدي له شريطاً أو كتيباً أو كلمة نافعة: {لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً، خير لك من حمر النعم} نريد أن ندل الناس على منهج الله؛ لأننا إن سكتنا وداهنا وتركنا العصاة؛ زاد الحال وتحول إلى سوء المنقلب وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [النحل:112] ونعمة الجوارح من أعظم النعم، وعند الترمذي بسند يحسنه بعض العلماء، يقول عليه الصلاة والسلام: {استحيوا من الله حق الحياء، قالوا: يا رسول الله! إنَّا نستحي من الله حق الحياء، قال: ليس ذلك بحق الحياء، حق الحياء: أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وأن تذكر الموت والبلى}
نظر رجل من الصحابة إلى امرأة جميلة فبكى وذهب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وقال: {يا رسول الله! نظرت إلى امرأة فما كفارة ذلك؟ قال صلى الله عليه وسلم: اصبر فإني لا أعلم في ذلك كفارة حتى ينزل عليَّ، فأنزل الله: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [هود:114] -وقيل بدل النظرة قبلة- قال: ألي يا رسول الله خاصة، قال: لك ولكل من عمل بعملك إلى يوم القيامة}.
أيها الصحابي الجليل! ليتك تدري أن من الشباب من أطلقها نظرات وفاحشات ومنكرات، سافر بعضهم إلى بلاد الكفر، سافر بعضهم وترك مهبط الوحي إلى بانكوك، هل ليعتمر أو يحج، أو ليطلب العلم؟ بل ليضيع رسالته الخالدة، وليبيع إيمانه وليتحول إلى بهيمة أو دابة، قال تعالى: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [الفرقان:44] تنَّزل بهم الحال، وساء بهم المنقلب إلى أن أصبح الإنسان يطارد معصيته وفجوره، ويعلن تمرده على الله، فأحدهم خرج من الجزيرة إلى بلاد الغرب، قال له أحد الدعاة: اتق الله، قال: الله في الجزيرة أما هنا فلا.. سبحان الله! قال تعالى: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا [المجادلة:7] الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ [الشعراء:218-219] يعلم السر وأخفى.
في كتاب الزهد لـأحمد: " أن أبا بكر الصديق يقول: [[يا أيها الناس، استحيوا من الله حق الحياء، والله الذي لا إله إلا هو أني لأذهب إلى الخلاء لأقضي حاجتي، فأضع ثوبي على وجهي حياء من الله]].
جزاك الله عن الإسلام مغفرة؛ حياء من الله حتى في هذا الحال! ولذلك يقول مُطرف [[ما غلبهم أبو بكر بكثرة صيام ولا صدقة ولا صلاة، ولكن بإيمان وقر في صدره]] ويقول عثمان: [[لم أغتسل قائماً منذ أن أسلمت حياء]] وإلا فالغسل قائماً جائز ووارد، لكن يستحي من الله، فتستحي منه الملائكة.
ونريد هذا الحياء أن يتحول إلى مجتمعاتنا وبيوتنا، إلى قلوبنا، مع زوجاتنا وأخواتنا وبناتنا.
أولها: إقامة الفرائض في جماعة.
ثانيها: كثرة ذكر الواحد الأحد: فالله كلما ذكر وشكر كلما زاد قال تعالى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيد [إبراهيم:7] نعوذ بالله من الكفران.
ثالثها: أن تكون داعية مصلحاً وأن تكوني -أيتها المرأة- داعية، توجه الكلمة الطيبة، قال تعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ. تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [إبراهيم:25].
رابعها: بأن تمتنع من المعاصي، بأن تغض الطرف، تتحكم في الأذنين؛ تحفظ سمعك وجوارحك عن المعصية، هذا هو حفظ الواحد الأحد، فإذا علم هذا الشكر وكان؛ فأبشر بالزيادة من الواحد الأحد، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالى جعل درجة الشكر أعظم الدرجات، ولذلك عند أهل السنة، أن درجة الشكر أعظم الدرجات،وتسمى ذخيرة الشاكرين، وقالوا: الطاعم الشاكر، كالصائم الصابر، أو كما قالوا، فإذا شكرت الله فقد زادك وحباك.
1- رضا الواحد الأحد، إذا رضى الله عنك أسعدك في الدارين.
2- كفاية السؤال في الآخرة (سؤال التوبيخ) أما سؤال التقرير فلا بد منه. قال تعالى: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ [التكاثر:1-8] قال بعض العلماء: والله لتسألن عن الماء البارد، فكيف بمن أخذ الدور والأموال، وكفر بنعم الله؟ رأينا بعض الناس يملك من الدنيا أموراً لا يعلمها إلا الله، باستطاعته أن يدخل الجنة بشيء يسير من هذا المال. وهو جار للمسجد يسمع الآذان يطرق ذهنه وأذنه بحي على الصلاة وحي على الفلاح، ويتقلب على فراشه كالبهيمة، حسيبه الله، ما عرف طريق قلبه ولا زاد روحه، عرف طريق البطن، أما طريق الجنة فما عرفه، ارتكس على وجهه والعياذ بالله.
3- ومن فوائد الشكر كذلك: يدعى لك بخير، فإن الشاكرين يدعى لهم ممن يحسنون إليهم في ظهر الغيب، ومما يكتسب العبد دعاء الإخوة والخلان.
يا أيها المسلمون! إن علينا قضية كبرى وهي أن نستلهم هذا الشكر، شكر النعم، وأن نحتفظ به، وأن ننظر في القرى من حولنا كيف غضب الله عليهم، فجعلهم أثراً بعد عين، حول أمنهم إلى رعب، واستقرارهم إلى فزع، وشبعهم إلى جوع، وحول نهارهم إلى ليل، فلنحافظ على النعم، ولنشكر الواحد الأحد، ولننطلق داعين، لا يكفي أن تكون ملتزماً في نفسك حتى تدعو إخوانك أينما تسير، داعية في المقهى أو على الشاطئ أو في السوق؛ لأنك تحمل الخير للعالمين، فإذا لم تفعل فقد كتمت، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ. إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة:160] ( نظر الله امرأ سمع مني مقالة فوعاها فبلغها كما سمعها؛ فرب مبلغ أوعى من سامع) لكن دعوة بلين، دعوة بلا عنف؛ نحن ما أتينا لنكسر رءوس الناس، بل لنهدي قلوبهم، قال تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159] كلمة طيبة، هدية، بسمة حانية، عطف، معانقة حارة تقود العصاة إلى المسجد، ومن المسجد إلى الجنة.
وكلمة أخيرة إلى النساء:
سلام من الله عليكن أيها النساء! دائماً النساء شقائق الرجال، لا بد أن يكون للنساء نصيب من الكلام، علَّ سامعة أن تسمع، وعلَّ داعية أن تفقه كثيراً، وعل معرضة أن تعود إلى الله.
إن القضايا التي تتكرر في مواضيع النساء هي قضايا التبرج دائماً وأبداً، وقد عظم بنا الحال حتى قال بعض الناس: والله لقد رأيت من المناظر ما أفزعني في هذه الشواطئ حتى ظننت أنه سوف ينزل بنا خسف أو قذف -نعوذ بالله من الخذلان- فحذار حذار أن يذهب مسلم أو مسلمة فيعرض قريبته، فتكون عرضة لأنظار الذين أعرضوا عن منهج الله!
والأمر الثاني: مجالس النساء، تشغل ربما بالغيبة والبعد عن الله والكلام الذي لا ينفع، فلتشغل بطاعة الواحد الأحد أو ما يقربهن من الله.
الأمر الثالث: المرأة داعية، فلا بد أن تدعو أخواتها بالهاتف، وبالكلمة والشريط، وبالكتيب؛ علَّ الله أن ينفع بها، وأن يزيدها توفيقاً وهداية.
الأمر الرابع: غرس لا إله إلا الله في قلوب الأطفال، وطاعة الزوج في طاعة الله، وغض البصر، وحفظ النفس؛ حافظات للغيب بما حفظ الله.
وشكراً لكم، وأسأل الله أن يجمعني بكم في دار الكرامة، وأن يغفر لنا ولكم ذنوبنا، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
الجواب: نعم سلف في المحاضرة شيء من هذا، تفسخ في بعض النواحي بعضُ الناس هداهم الله كأنهم ما سمعوا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، كأنهم ما قرءوا القرآن، كأنهم ما عرفوا أن هناك رباً يحلل ويحرم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، خرجوا حتى على أبسط القيم، امرأة تتكشف! امرأة تسبح في الشاطئ أمام الناس! امرأة تجلس وتشيش وتدخن وهي على كرسي بين الرجال! امرأة ترقص وتغني وتنظر إلى الأجانب!
بعضهم والله ما أدري أوافقه أو لا أوافقه، يقول: إنه وقعت هنا أمور ما وقعت في باريس ولا وقعت في واشنطن! وهذا قاله بعض الناس الذين رأوا وأبصروا وهم من الثقات العقلاء.
فيا أخوتي في الله! ماذا ننتظر..؟ نحن بين يدي ثلاثة أمور واحتمالات: إما أن نسكت ونأتي إلى المسجد هنا ونقول: حسبنا الله ونعم الوكيل، نسأل الله أن يكفينا شرهم، وهذه كلمة أكل عليها الدهر وشرب، هذه قالها رجل من بني إسرائيل فخسف به قبل العصاة، لأنه لم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر، قال تعالى: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ. كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة:79].
والاحتمال الثاني: وهو أن نخرج ونضارب هؤلاء ونكسر أدواتهم، وأن نسب ونشتم وهذا ليس بصحيح: وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159] ولم يبعث الرسول صلى الله عليه وسلم بالمشعاب ولا بالهراوة ولا بالكرباج، وإنما بُعث بالبسمة الحانية والرضا وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4].
والاحتمال الثالث: وهو الصحيح أن ننزل إلى هؤلاء وهم إخواننا وأخواتنا وقريباتنا، وهذا مجتمعنا على الشواطئ، ننزل إليهم بحب ونصلهم بشفقة، لأمور: أن نبلغ دعوة الله، والأمر الثاني: نقول معذرة إليكم لئلا يأخذنا الله سواء، الأمر الثالث: هو شفقة بهم، ورحمة لهم، شارب الخمر يشرب الخمر والكأس بيده! فإذا ذكرته بلا إله إلا الله تحركت الفطرة في قلبه، فطرة الله التي فطر الناس عليها، الزاني وهو يزني، تحدثه وترسل عليه حرارة الإيمان فيحيا ويحيا قلبه ويعود إلى الله الواحد الأحد، ولكن من يوصل هذه الدعوة؟ من يحيي لا إله إلا الله؟ الإحجام ليس بصحيح.
الأمر بالمعروف والاحتساب، ليس عندنا في الإسلام أن الهيئة هي المسئولة وحدها، الهيئة مكلفة تنسيقاً، لكن كل مسلم داعية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {بلغوا عني ولو آية} وقال تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:110] لكن بلا عنف، ليكن أمرك بالمعروف بالمعروف ونهيك عن المنكر بلا منكر، بكلمة طيبة، فإن استمع فبها ونعمت وإلا فلا، فقد أعذرت وأنذرت وبلغت، إني أدعوكم من هذا المكان إلى أن يذهب كل واحد منكم إلى أن يستنقذ رجلاً أو يهدي أسرة، أو يكسب اثنين؛ فإنهم في ميزان الحسنات يوم القيامة والله يقول: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33].
المشاركة: يقولون:
قف لنا في الطريق إن لم تزرنا وقفة في الطريق نصف الزيارة |
الجواب: وبيني وبينهم إن شاء الله بعض الشجون، وبعض الشئون وأقول لأهل رابغ:
يا من يعز علينا أن نفارقهم وجداننا كل شيء بعدكم عدم |
إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا أن لا تفارقهم فالراحلون هم |
وسبب عتابهم أنني وصلت إلى خليص ولم أزرهم، فليغضبوا على أهل خليص ولا يلوموني وليلوموا أنفسهم إن كانوا صادقين.
الجواب: هذا الأخ أتى بكلمة ربما تكون مبتذلة عند بعض العلماء؛ لأن علماء السنة يأتون بجمل كأنها من جمل القرآن، يقولون: مداهنة ومداراة، وهو يأتي بحياء ويأتي بمجاملة وأقول: أنا أشرح هذا سواء أراده السائل أم لم يرده، للفائدة يقول أهل العلم:
المداراة والمداهنة أمران مختلفان:
المدارة: هي أن تدفع شيئاً من الدنيا أو تبذل شيئاً من الدنيا من أجل أن يبقى لك الدين.
والمداهنة: أن تدفع شيئاً من الدين من أجل أن يبقى لك شيء من الدنيا.
والأدلة على المداراة ما في الصحيحين أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان جالساً في بيته، وأتى عيينة بن حصن وهو فزاري من بني بدر، وهي أسرة شاهقة في التاريخ، هم الذين يقول فيهم حاتم الطائي:
إن كنت كارهة معيشتنا هاتي فحلي في بني بدر |
وأتى عيينة هذا وراءه آلاف من الناس، لو آذاه صلى الله عليه وسلم بكلمة انجرحت مشاعره وذهب فأفسد عليه القبائل وردهم عن الإسلام، وكان عيينة سيئاً كما في السير، استأذن الرسول عليه الصلاة والسلام والحديث عن عائشة: {فقال صلى الله عليه وسلم: من، قال:
البخاري علق أثراً في الصحيح فقال: وقال أبو الدرداء:[[إنا لنبتسم في وجوه أقوام، وإن قلوبنا لتلعنهم]] من أجل ماذا؟ من أجل الدين والرسالة، بعض الفسقة إن لم تلن له في الخطاب يضيع عليك رسالتك وإيمانك.
والعامة يقولون: أضع من مالي ولا يرمي خيالي، وهذا من المداراة لا من المداهنة، وقد قال الله: فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه:44] موسى يقول لفرعون: يا أبا مرة! -مرر الله وجهه في النار- فرعون كنيته أبو مرة كما في تفسير ابن كثير عن أبي أيوب، وما يضرك أن تلين بالخطاب، ما يضرك أن تأتي وتقول لمجرم: أرى عليك آثار الطاعة وهي آثار الخيبة، أو تقول: وجهك المشرق هذا ينبئ أن وراءك مصدراً من الخير الله أعلم به، من هذه الكلمات، هذه مداراة، أما المداهنة فهي طلب الدنيا بالدين، أن تذهب لتبذل دينك من أجل أخذ دنيا من الناس، تجامل وتكذب على الله وعلى رسوله وعلى المؤمنين من أجل الدنيا، تذهب إلى فاجر تقول: أنت علاّمة الزمن!! وبك يحفظ الله البلاد والعباد، وأنت مجدد العصر وهذا القرن، ورأيتك البارحة بجانب الرسول عليه الصلاة والسلام وأنت ما رأيت في المنام شيئاً! حتى تحصل على دنيا، فأنت مفلس في هذا، وقد أخطأت وهذه مداهنة.
الجواب: قد أتت أمور أصبح الإنسان يستحي أن يتكلم بها في المجالس الخاصة فكيف بالعامة! تدليك النساء والمساج وهذه الأمور، وما عليك لو كانت في بيت أهلها، لكن تذهب إلى بعض الأماكن لتدلك جسمها، في المستشفيات في بعض الأماكن، ماذا يقول الإنسان! حرام، كلمة حرام أصغر! كلمة حرام لا تغطي! وأظن المسلم الذي في قلبه غيرة يقف لها بالمرصاد، التدليك معناه أنها بلغت درجة البهيمة والعياذ بالله، وعرض الزينة وعرض الجمال على المتبذلين من الناس، النفس تحبط، النفس تشتهي جمالاً موقراً أتى به الإسلام، جمالاً محشماً محجباً، ولذلك بعض الزائغين يقول: لا تحجبوا المرأة هي مرأة، وإذا ملئت منها العيون فلن تأكلها. قلنا له: قاتلك الله، أتريد أن تتحول النساء والبنات إلى سلع بأيدي كل مشترٍ؟! عندنا الفتاه أجمل بكثير من الذهب والفضة، الفتاة عندنا درة في صدف، وشمس في غمامة، كنانة ريحان في باقة، لا نريد أن يخرج الجمال يتبذل هكذا، أما أن تشرب وتمص وتقبل وتمسج وتدلك، فما عدنا نحبها أبداً، مهما أتت.
وبعض النساء وإن تابت فإنها بماضيها قد كلَّت القلوب.
ماذا أقول؟! أقول: إنهن قد سمعن البيان، ومسئولية النساء أن يبلغن هذا، الدعوة في صفوف الرجال واردة، لكن في صفوف النساء كأنها ضعيفة بها حمَّى، فما عليهن إلا أن ينقلن هذا الكلام وأمثاله، وأن تقرأ ما ينفع من كتيبات، وأن تعرف حكم الله في ذلك، ولعلَّ القلوب أن تعود، وأنا أعرف أن المرأة إذا حافظت على الصلوات الخمس، وتقيدت بالحجاب؛ فسوف تنتهي هذه الجروح في وجهها، جروح ووصمة عار، في وجه المرأة المسلمة، هذا الكلام وصمة عار أن نبثه في أرض الرسالات، يصبح هذا الكلام لدور الدعارة في باريس وإلا في الخفايا في نيويورك وأمثالها، أما هنا فلا، هنا طهر وعفاف، هنا جمال مصون، هنا حشمة وحجاب.
الجواب: لا يعاد الكلام، وقد جمعت فتاوى أهل العلم الذين تكلموا في الغناء في عنوان (رسالة للمغنين والمغنيات) وذكرت فتاوى أهل العلم بل نقل الشوكاني إجماع العلماء من أهل السنة على تحريم الغناء، ونقل الآجرَّي إجماع أهل العلم على تحريم الغناء، وقال ابن مسعود: [[والله الذي لا إله إلا هو، والله الذي لا إله إلا هو، والله الذي لا إله إلا هو، إن لهو الحديث في القرآن هو الغناء]] وقال مجاهد: هو الغناء، وقال مالك: لا يستمع الغناء عندنا إلا الفساق، واتفق أهل المذاهب الأربعة على تحريمه، وقال الشافعي: خلفت في بغداد شيئاً يدعى التغبير تركة الصوفية هو أضر من الخمر، وذكرت كلام ابن تيمية في (الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان) وفتوى ابن القيم التي قال فيها: [[الغناء عصارة الزنا، وباب اللواط، ورقية العاشق للمعشوق، وهو باب من أبواب الفاحشة]] ثم فتوى سماحة الوالد الشيخ عبد العزيز بن باز، والإفتاء بتحريمه عند أهل العلم سلفاً وخلفاً، ثم فتوى العلامة محمد ناصر الدين الألباني، وبعدها ذكرت أضرار الغناء منها كما قال عقبة بن نافع لأبنائه: إياكم والغناء فإنه طريق إلى الفاحشة، ومنها أنه ينسي القرآن، ومنها أنه يقطع الحبل بين العبد وبين الله، ومنها أنه ينسى ذكر الله، ومنها أن صاحبه يحرم الغناء المباح في الجنة الذي ذكره ابن القيم، ومنها أنه يدعو للجريمة بشكل شديد جداً، ومنها أنه قسوة للقلب.
أخوتي في الله! أما هذه الفتوى فأنا أسال من أفتى بها أمام الله عز وجل، ثم أمامكم:
أولاً: ما هو دليلك أيها العلامة فيما أفتيت به، ويطالعنا يقول الحديث ضعيف، قلت الحديث في صحيح البخاري سنده كالشمس، وأنت لست بمحدث.
أوردها سعد وسعد مشتمل ما هكذا تورد يا سعد الإبل |
الذي يقول هذا القول -وأنا لا أغتاب أحداً- لكن أقول من هذا المكان، طالب في أولى من أصول الدين أحسن منه في الحديث، وأقوى منه في التخريج، ونسبته في الأحاديث أقوى منه، ضعَّف سبعة أحاديث في صحيح البخاري وأربعة في صحيح مسلم وصحح أحاديث موضوعة شهد العلماء أنها موضوعة، بل قال: أتى بشروط خمسة في قبول الرواية ثم لم يعمل بشرط منها، وقال في قاعدة له: يقبل الحديث إذا وافق معناه العقل ولو كان سنده ضعيفاً، ويرد الحديث إذا خالف معناه العقل ولو كان سنده صحيحاً.
ثانياً: من وافقك على هذه الفتوى ولو صحابي، وأنا أتحدَّى وهذه كتب التفسير لـابن جرير وابن كثير، والكتب الستة المسانيد والمعاجم وكتب الفقهاء التابعين، الفقهاء السبعة، وتابعي التابعين، كلهم مجمعون على تحريم الغناء، لا يعرف بل ذكر الذهبي في ترجمة ابن الطاهر المقدسي أنه زل زلة شنيعة يوم قال: بإباحة الغناء، وأنه سقط على وجهه، وابن حزم الظاهري يقول به؛ لأنه ضعف حديث البخاري. قال: البخاري ما سمع الحديث من هشام بن عمار، مع العلم أن ابن حزم لو رأى الغناء هذا كبر أربع تكبيرات وصاح وقال: حرام، حرام، حرام. الغناء عند السلف كان بدفوف وتنك، لكن الغناء هنا مركب، خمر يدوخ العقول، يجعل الإنسان لا يدري أين هو، يضيع إيمانه، فلا تغتروا بمن أفتى بفتيا يسأله الله عنها: وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ [النحل:116] ولو عدتم إلى شريط (رسالة إلى المغنين والمغنيات) لوجدتم الكلام بالتفصيل، وسبعة أحاديث، وما يقارب ثمان آيات، ونقولات من كتب عشرة من العلماء عل الله أن ينفع به.
الجواب: ذكر الله عز وجل قسوة القلوب في مواضع من القرآن، أذكر ثلاثة مواضع:
1- ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً [البقرة:74].
2- قال تعالى: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ [المائدة:13].
3- وقال تعالى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ [الحديد:16] ولـابن القيم كلام جيد في ذلك: تقسو القلوب أعظم قسوة وذلك بالكفر كترك الصلاة.
الأمر الثاني: المعاصي تقسي القلب حتى يكون كالحجر.
الأمر الثالث: كثرة المباحات من نوم وكلام بغير ذكر الله وخلطة، ويلين القلوب الصلوات الخمس واعتزال الغناء، وذكر الله عز وجل، والصحبة الصالحة، وكثرة الاستغفار، والتقليل من الضحك والمزاح، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام: {لا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب} أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
وصلى الله على سيدنا محمد آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر