قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ يخبر تعالى عن الكفار حين تتلى عليهم آيات الله ظاهرة الدلالة بينة الحجة واضحة البرهان، أنهم يصدون عن ذلك ويعرضون ويقولون عن الذين آمنوا مفتخرين عليهم ومحتجين على صحة ما هم عليه من الدين الباطل بأنهم خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا [مريم:73] أي: أحسن منازل وأرفع دوراً وأحسن ندياً، وهو مجتمع الرجال للحديث، أي: ناديهم أعمر وأكثر وارداً وطارقاً فكيف نكون ونحن بهذه المثابة على باطل، وأولئك الذين هم مختفون مستترون في دار الأرقم بن أبي الأرقم ونحوها من الدور على الحق؟ كما قال تعالى مخبراً عنهم: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ [الأحقاف:11] وقال قوم نوح : أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ [الشعراء:111] ].
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ يقول تعالى: (قل) يا محمد لهؤلاء المشركين بربهم المدعين أنهم على الحق وأنكم على الباطل: (من كان في الضلالة) أي: منا ومنكم، (فليمدد له الرحمن مداً) أي: فأمهله الرحمن فيما هو فيه حتى يلقى ربه وينقضي أجله، (إما العذاب) يصيبه (وإما الساعة) بغتةً تأتيه (فسيعلمون) حينئذ (من هو شر مكاناً وأضعف جنداً) أي: في مقابلة ما احتجوا به من خيرية المقام وحسن الندي ].
فقوله تعالى: قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ يعني: منا أو منكم من باب التنزل مع الخصم.
قوله: فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا ، أي: حتى ينتهي أجله، ثم بعد ذلك يلقى جزاء عمله.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ قال مجاهد في قوله: (فليمدد له الرحمن مداً): فليدعه الله في طغيانه، هكذا قرر ذلك أبو جعفر بن جرير رحمه الله، وهذه مباهلة للمشركين الذين يزعمون أنهم على هدى فيما هم فيه، كما ذكر تعالى مباهلة اليهود في قوله: قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [الجمعة:6] أي: ادعوا على المبطل منا أو منكم بالموت إن كنتم تدعون أنكم على الحق، فإنه لا يضركم الدعاء، فنكلوا عن ذلك ].
فنكلوا يعني: امتنعوا ورفضوا؛ لأنهم يعلمون أنهم على الباطل إذا باهلوا، فإنه يصيبهم الموت وهم لا يريدون الموت؛ لأنهم يعلمون أن ما بعد الموت شر لهم، ولهذا قال الله تعالى: وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا [البقرة:96] يعني: هم أحرص الناس على الحياة حتى من المشركين واليهود، يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ [البقرة:96]؛ لأنهم يعلمون أنهم على الباطل؛ ولهذا لا يتمنون الموت؛ ولهذا قال الله: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ [البقرة:95].
المباهلة: إذا كان بينك وبين شخص نزاع في مسألة ولم يفد فيه الجدال والنزاع فكل واحد منكما يدعو على المبطل أن الله يهلكه ويعاجله، هذه مباهلة، فإذا دعا فلا بد أن يهلك الله المبطل؛ ولهذا لما جاء أصحاب نجران إلى النبي صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى المباهلة رفضوا، قال سبحانه وتعالى: فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ [آل عمران:61] فرفضوا وامتنعوا، قالوا: إن باهلنا هلكنا.
كان ابن عباس يدعو إلى المباهلة الخاصة في بعض المسائل، كان إذا لم يقتنع الخصم معه بعد بيان الأدلة والدعوة إلى الخير دعاه إلى المباهلة، بحيث يدعو كل واحد أن يهلك الله من كان مبطلاً، لكن الأولى ألا تصل المسألة إلى المباهلة، إلا في بعض المسائل التي تشكل كمسائل العقيدة، ومع الكفار أيضاً كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع الكفار.
و عمر رضي الله عنه حصل بينه وبين بلال نزاع فقال: اللهم اكفني بلالاً وذويه، في بعض المسائل التي تتعلق بقسمة الغنائم والفيء، فما حال الحول ومنهم عين تطرف، أي: هلكوا بعد سنة.
فالمباهلة في شريعتنا جائزة بنص القرآن.
ولا بد أن تكون المباهلة من كلا الطرفين، بحيث كل منهما يدعو على المبطل، كل واحد منهما يقول: لعنة الله على الكاذبين، فكل من الخصمين يدعو على الكاذب فيهلكه الله.
أما الملاعنة بين الزوجين ففيها مفارقة مؤبدة، لكن لا يلزم من هذه الملاعنة الهلاك، كما هو حاصل في المباهلة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقد تقدم ذلك في سورة البقرة مبسوطاً ولله الحمد، وكما ذكر تعالى المباهلة مع النصارى في سورة آل عمران حين صمموا على الكفر، واستمروا على الطغيان والغلو في دعواهم أن عيسى ولد الله، وقد ذكر الله حججه وبراهينه على عبودية عيسى وأنه مخلوق كآدم، قال تعالى بعد ذلك: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ [آل عمران:61] فنكلوا أيضاً عن ذلك ].
قال الله تعالى: وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا [مريم:76].
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ لما ذكر الله تعالى إمداد من هو في الضلالة فيما هو فيه وزيادته على ما هو عليه أخبر بزيادة المهتدين هدى، كما قال تعالى: وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ [التوبة:124-125] ].
وفي هذا دليل على أن الإيمان يزيد وينقص، والهدى والتقى يزيد وينقص، والضلال والكفر والنفاق يزيد وينقص؛ ولهذا قال تعالى: قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا [مريم:75] يعني: يزيد مما هو فيه من الضلال، ثم قال: وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى [مريم:76].
وقال سبحانه: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا [البقرة:10] أي: مرض النفاق والشبهة فالنفاق يزيد، وقال سبحانه: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [التوبة:124].
إذً: الإيمان يزيد وينقص، والكفر يزيد وينقص، هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة، وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ [التوبة:125]، ويقول تعالى: وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا [المدثر:31] ويقول سبحانه: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ [الفتح:4].
يعني: أن المراد بها الأعمال الصالحة، ومنها: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، هذه من الباقيات الصالحات، فجميع الأعمال الصالحة هي الباقيات الصالحات.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ قوله: (خير عند ربك ثواباً) أي: جزاء، (وخير مرداً) أي: عاقبة ومرداً على صاحبها.
وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر بن راشد عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: (جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فأخذ عوداً يابساً فحط ورقه، ثم قال: إن قول لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله تحط الخطايا كما تحط ورق هذه الشجرة الريح، خذهن يا
وقول أبي الدرداء : تحط الخطايا يعني: الصغائر أما الكبائر فلابد لها من توبة، والمراد الإكثار من هذه الأذكار.
هذا الحديث مرسل من مراسيل أبي سلمة بن عبد الرحمن ، وفيه عنعنة يحيى بن أبي كثير .
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وهذا ظاهره أنه مرسل، ولكن قد يكون من رواية أبي سلمة عن أبي الدرداء والله أعلم.
وهكذا وقع في سنن ابن ماجه من حديث أبي معاوية عن معمر بن راشد عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي الدرداء فذكر نحوه ].
إذاً: الصغائر تكفر بفعل الفرائض كالصلوات الخمس والوضوء والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كل هذه تكفر الصغائر، والصغائر هي التي لا يترتب عليها حد في الدنيا ولا وعيد في الآخرة.
أما الكبائر فإنه يترتب عليها وعيد في الآخرة بالنار أو الغضب أو اللعنة، أو يترتب عليها حد في الدنيا مثل: السرقة والزنا وشرب الخمر وعقوق الوالدين وقطيعة الرحم، هذا هو أصح ما قيل في تعريف الكبيرة.
وفي لفظ البخاري : (كنت قيناً بمكة فعملت
وقال عبد الرزاق : أخبرنا الثوري عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال: قال خباب بن الأرت : (كنت قيناً بمكة فكنت أعمل
قيناً يعني: كان خباب بن الأرت الصحابي الجليل حداداً.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقال العوفي عن ابن عباس : (إن رجالاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يطلبون العاص بن وائل السهمي بدين فأتوه يتقاضونه، فقال: ألستم تزعمون أن في الجنة ذهباً وفضةً وحريراً ومن كل الثمرات؟ قالوا: بلى، قال: فإن موعدكم الآخرة، فوالله لأوتين مالاً وولداً، ولأوتين مثل كتابكم الذي جئتم به، فضرب الله مثله في القرآن فقال: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا إلى قوله: وَيَأْتِينَا فَرْدًا ).
وهكذا قال مجاهد وقتادة وغيرهم: إنها نزلت في العاص بن وائل.
الحمد لله العزيز فرداً لم يتخذ من ولد شيء ولداً.
وقال الحارث بن حلزة :
ولقد رأيت معاشراً قد ثمروا مالاً وولداً
وقال الشاعر:
فليت فلاناً كان في بطن أمه وليت فلاناً كان ولد حمار ].
ثمروا: يعني: نموا واكتسبوا مالاً وولداً.
وقيل: إن الولد بالضم جمع، والولد بالفتح مفرد، وهي لغة قيس والله أعلم.
وقوله: (أطلع الغيب) إنكار على هذا القائل: (لأوتين مالاً وولداً) يعني: يوم القيامة، أي: أعلم ما له في الآخرة حتى تألى وحلف على ذلك: (أم اتخذ عند الرحمن عهداً) أم له عند الله عهد سيؤتيه ذلك؟ وقد تقدم عند البخاري أنه الموثق.
وقال الضحاك عن ابن عباس : (أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهداً) قال: لا إله إلا الله فيرجو بها.
وقال محمد بن كعب القرظي : (أم اتخذ عند الرحمن عهداً) قال: شهادة أن لا إله إلا الله ثم قرأ: (أم اتخذ عند الرحمن عهداً).
وقوله: (كلا) هي حرف ردع لما قبلها، وتأكيد لما بعدها، (سنكتب ما يقول) أي: من طلبه ذلك وحكمه لنفسه بما يتمناه، وكفره بالله العظيم: (ونمد له من العذاب مداً) أي: في الدار الآخرة على قوله ذلك وكفره بالله في الدنيا، (ونرثه ما يقول) أي: من مال وولد نسلبه منه عكس ما قال: إنه يؤتى في الدار الآخرة مالاً وولداً زيادة على الذي له في الدنيا، بل في الآخرة يسلب منه الذي كان له في الدنيا؛ ولهذا قال تعالى: (ويأتينا فرداً) أي: من المال والولد.
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : (ونرثه ما يقول) قال: نرثه.
وقال مجاهد : (ونرثه ما يقول) ماله وولده، وذلك الذي قال العاص بن وائل .
وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة : (ونرثه ما يقول) قال: ما عنده، وهو قوله: (لأوتين مالاً وولداً) ، وفي حرف ابن مسعود : ونرثه ما عنده.
وقال قتادة : (ويأتينا فرداً) لا مال له ولا ولد.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : ( ونرثه ما يقول) قال: ما جمع من الدنيا وما عمل فيها، قال: (ويأتينا فرداً) قال: فرداً من ذلك لا يتبعه قليل ولا كثير ].
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ يخبر تعالى عن الكفار المشركين بربهم أنهم اتخذوا من دونه آلهة لتكون تلك الآلهة (عزاً) يعتزون بها ويستنصرونها، ثم أخبر أنه ليس الأمر كما زعموا، ولا يكون ما طمعوا فقال: (كلا سيكفرون بعبادتهم) أي: يوم القيامة (ويكونون عليهم ضداً) أي: بخلاف ما ظنوا فيهم، كما قال تعالى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [الأحقاف:5-6].
وقرأ أبو نهيك : (كل سيكفرون بعبادتهم)، وقال السدي : (كلا سيكفرون بعبادتهم) أي: بعبادة الأوثان، وقوله: (ويكونون عليهم ضداً) أي: بخلاف ما رجوا منهم.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : (ويكونون عليهم ضداً) قال: أعواناً، قال مجاهد : عوناً عليهم، تخاصمهم وتكذبهم.
وقال العوفي عن ابن عباس : (ويكونون عليهم ضداً) قال: قرناء، وقال قتادة : قرناء في النار يلعن بعضهم بعضاً، ويكفر بعضهم ببعض.
وقال السدي : (ويكونون عليهم ضداً) قال: الخصماء الأشداء في الخصومة.
وقال الضحاك : (ويكونون عليهم ضداً) قال: أعداء.
وقال ابن زيد : الضد: البلاء.
وقال عكرمة : الضد: الحسرة ].
الظاهر أن الضد هو المعادي، يعني: هذه الآلهة التي عبدوها من دون الله لأجل أن تكون لهم عزاً صارت يوم القيامة عدواً وضداً، نسأل الله العافية.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقوله: (ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزاً) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: تغويهم إغواءاً. وقال العوفي عنه: تحرضهم على محمد وأصحابه.
وقال مجاهد : تشليهم إشلاء.
وقال قتادة : تزعجهم إزعاجاً إلى معاصي الله، وقال سفيان الثوري : تغريهم إغراء وتستعجلهم استعجالاً، وقال السدي : تطغيهم طغياناً ].
يعني: تحضهم على الشر وتدفعهم إلى الشر، وتغريهم بالمعاصي نعوذ بالله.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقال عبد الرحمن بن زيد : هذا كقوله تعالى: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ [الزخرف:36] ].
وقوله: فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا [مريم:84] أي: لا تعجل يا محمد على هؤلاء في وقوع العذاب بهم، (إنما نعد لهم عداً) أي: إنما نؤخرهم لأجل معدود مضبوط، وهم صائرون لا محالة إلى عذاب الله ونكاله، وقال: وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ [إبراهيم:42].. فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا [الطارق:17] الآية إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا [آل عمران:178] نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ [لقمان:24] قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ [إبراهيم:30].
وقال السدي : (إنما نعد لهم عداً) السنين والشهور والأيام والساعات.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : (إنما نعد لهم عداً) قال: نعد أنفاسهم في الدنيا.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر