إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. أحمد حطيبة
  5. شرح الترغيب و الترهيب للمنذرى
  6. شرح الترغيب والترهيب - الترغيب في الفقر وقلة ذات اليد وما جاء في فضل الفقراء والمساكين [2]

شرح الترغيب والترهيب - الترغيب في الفقر وقلة ذات اليد وما جاء في فضل الفقراء والمساكين [2]للشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن من حكمة الله سبحانه وتعالى أن جعل الناس متفاوتين في الرزق، فجعل فيهم الغني الفقير، وجعل فيهم من رزقه كفافاً، ومع أن للفقراء مزية عند الله سبحانه؛ إلا أنه لا ينبغي للعبد أن يدعو على نفسه بالفقر والفاقة، أو يتقاعس عن السعي في كسب الرزق؛ لأن العبد مطالب بذلك، وأيضاً مأجور عليه، لكن إذا قدر عليه الفقر فلا يسعه إلا الرضا والصبر، وسوف يدرك ما أعده الله له بمقابل ما حرمه من لعاعة الدنيا.

    1.   

    الفقر ليس مطلوباً لذاته وإنما الفضل في الرضا به

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

    قال الحافظ المنذري رحمه الله الترغيب في الفقر: عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها فقراء، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء)، رواه البخاري ومسلم .

    وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (هل تدرون أول من يدخل الجنة من خلق الله عز وجل؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: الفقراء المهاجرون الذين تسد بهم الثغور، وتتقى بهم المكاره، ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء، فيقول الله عز وجل لمن يشاء من ملائكته: ائتوهم فحيوهم، فتقول الملائكة: ربنا نحن سكان سمائك، وخيرتك من خلقك، أفتأمرنا أن نأتي هؤلاء فنسلم عليهم قال: إنهم كانوا عباداً يعبدوني ولا يشركون بي شيئاً، وتسد بهم الثغور، وتتقى بهم المكاره، ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء، قال: فتأتيهم الملائكة عند ذلك، فيدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار)، رواه أحمد والبزار.

    هذه الأحاديث يذكرها الحافظ المنذري في كتاب التوبة والزهد، باب الترغيب في الفقر وقلة ذات اليد، وما جاء في فضل الفقراء والمساكين والمستضعفين وحبهم ومجالستهم، والمقصد من هذا الباب: أن الإنسان إذا أفقره الله عز وجل فلا يبأس ولا يحزن ولا يحسد غيره ممن آتاه الله عز وجل مالاً، فالمال نعمة من الله سبحانه، وقد يكون لإنسان نعمة وعلى إنسان نقمة، فيكون لإنسان يتقوى به على طاعة الله سبحانه، وعلى عمل الخير، ويكون لإنسان آخر يتقوى به على معاصي الله سبحانه تبارك وتعالى.

    وشأن المؤمن أن يرضى بالحال الذي هو فيها، فإن أعطاه الله عز وجل مالاً رضيه، وحمد الله وشكره على ما آتاه، وإن منعه من ذلك صبر ورضي وحمد الله سبحانه تبارك وتعالى، ولا يتضجر، وليتسل وليتصبر بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من أحاديث في هذا المعنى، وليس المعنى أن يطلب الإنسان من ربه الفقر فيدعو ويقول: يا رب! أفقرني، مثلاً، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله من الكفر والفقر، ولكن كان يقول: (اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً)، يعني: بقدر ما يحتاجون، وكان يقول: (اللهم أحيني مسكيناً، وأمتني مسكيناً، واحشرني في زمرة المساكين)، صلوات الله وسلامه عليه، فكان يسأل الله سبحانه أن يرزقه أن يكون كالمساكين، وليس المعنى أن يكون معهم في فقرهم أو أن يكون فقيراً؛ لأنه كان يتعوذ بالله من الفقر، وإنما المعنى: أن يجعله في تواضع المساكين، إذ المسكين الذي ليس له مال يتواضع، ولذا يطلب النبي صلى الله عليه وسلم من ربه أن يرزقه هذا الخلق، فيكون خلقه التواضع حتى لو آتاه الله كنوز الدنيا، وكذلك كان يسأل ربه سبحانه القوت، أي: أن يعطيه بقدر ما يحتاج، فهو لا يريد أكثر من ذلك صلوات الله وسلامه عليه، بل لو آتاه الله عز وجل مثل جبل أحد ذهباً! لما بقي في بيته منه شيء إلا وهو ينفق هكذا وهكذا وهكذا، إلا شيئاً يبقيه لدين صلوات الله وسلامه عليه.

    فغاية ما تدل عليه هذه الأحاديث: أن الإنسان إذا أفقره الله ولم يعطه مالاً فعليه أن يصبر على ذلك، بعد أن يأخذ بالأسباب في طلب الرزق وفي طلب المعاش، ويرضى بقضائه وقدره، ويتصبر بمثل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: (اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء)، وإذا كان الفقراء هم الأكثرين في الجنة، فالإنسان المؤمن يحب أن يكون معهم، والفقراء أيضاً أول من يدخلون الجنة، ولذا فالمؤمن يحب أن يدخل الجنة مع هؤلاء الفقراء، وهؤلاء المساكين.

    قال: (واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء)، وإنما كانت النساء أكثر أهل النار؛ لكون النساء أشد فتنة وجدت على الأرض، فهن فتنة لأنفسهن، وفتنة لغيرهن، إلا من رحم الله سبحانه تبارك وتعالى، كما أن المرأة قليلة الصبر، كثيرة الشكوى والضجر، لا تخلو من البلاء، والإنسان يحتاج إلى طاعة ربه ولعلها تصرفه عن ذلك بكثرة شكواها، وكثرة طلبها، ويستثنى من ذلك المرأة الصالحة التي تعين زوجها وتعين أهلها على طاعة الله، وعلى تقوى الله سبحانه تبارك وتعالى.

    وجاء في الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن النساء أكثر أهل النار، فلما سألنه ولم؟ قال: يكثرن اللعن ويكفرن العشير)، فقوله: يكثرن اللعن، أي: يتسرعن في اللعن، فتشتم وتسب وتدعو على غيرها باللعنة كل ذلك في عجلة وعدم تؤدة، وهذه الدعوة دعوة سيئة،أي: الدعوة على إنسان باللعنة، كأن يقول: لعنك الله، إذ اللعنة يضيق عليها الفضاء كله بما رحب، وتضيق عنها السماوات والأرض، ولا يقبل أحد في السماوات ولا في الأرض هذه اللعنة، فإنها إن تصعد إلى السماء لا تجد مكاناً، وإن تنزل إلى الأرض لا تجد مكاناً، إلا اللاعن أو ذاك الملعون، فإذا كان المشتوم الملعون يستحق اللعن نزلت عليه، فطرد من رحمة الله وإن كان لا يستحقها رجعت إلى قائلها، فكأنه دعا على نفسه بالطرد من رحمة رب العالمين سبحانه.

    وإذا كانت المرأة تكثر من اللعن؛ فكأنه بكثرة لعنها لغيرها، قد تلعن من لا يستحق هذه اللعنة، فتحور عليها لعنتها، وتستحق جزاءها.

    قوله: (يكفرن العشير) يؤيده ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن المرأة لو أحسن إليها بعلها الدهر كله، ثم رأت منه شيئاً، قالت: ما أخذت منك شيئاً، ما رأيت منك شيئاً)، فهي تنكر ما أعطاها زوجها الدهر كله، فاستحقت بكفران العشير أن تدخل النار.

    1.   

    أول من يدخل الجنة

    روى الإمام أحمد والبزار من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (هل تدرون أول من يدخل الجنة من خلق الله عز وجل؟ قالوا: الله ورسوله أعلم -أما نحن فلا نعلم- فقال صلى الله عليه وسلم: الفقراء المهاجرون الذين تسد بهم الثغور ووتتقى بهم المكاره)، فالفقير الذي هاجر إلى الله ورسوله إذا أمر أن يخرج للجهاد خرج، وإذا أمر أن يسافر للمكان الفلاني سافر، وإذا قيل له: اسكت عن كذا، يسكت، فهو فقير ليس من ذوي الرأي، ولا من كبار القوم الذين يأمرون، بل هو من صغار القوم الذين يُؤَمرون، سواء في حياة النبي صلى الله عليه وسلم أو بعد ذلك، قوله: (وتتقى بهم المكاره)، أي: هم الجنود دائماً، ومعلوم أن القائد في الجيش يكون، في مؤخرة الجيش؛ يحميه الجنود، فهؤلاء تتقى بهم المكاره، ثم قال: (ويموت أحدهم حاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء)، فالفقير المسكين قد تشتهي نفسه أن يأكل أكلة معينة، أو يلبس لبساً معيناً، أو يتكلم في حاجة معينة، لكن بسبب فقره لا يسمع إليه أحد، ولا يجد ما يشتري به هذا الطعام، ولا هذا الشراب ولا هذا اللباس، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يموت أحدهم وحاجته في صدره)، أي: لا يستطيع أن يأتي ما نفسه فيه، وأكدها بقوله: (لا يستطيع لها قضاء، فيقول الله عز وجل لمن يشاء من ملائكته: ائتوهم فحيوهم)، أي: أن الله يدخل الجنة الإنسان الذي كان في الدنيا فقيراً، مجاهداً في سبيل الله، قد عمل الصالحات، وأعطى في الدنيا كثيراً، ولم يأخذ منها إلا القليل حسب الظاهر، ولكن الحقيقة أن الله أعطاه الكثير، إذ يكفيه الإيمان الذي قلبه، والصبر الذي هو عليه ليس منه، بل هو من الله سبحانه الذي أعانه على الصبر على الدنيا، وكانت تكرمته الجنة، فإذا أدخله الله عز وجل الجنة أمر الملائكة أن يأتوا إليه، وأن يسلموا عليه ويحيوه، فتقول الملائكة لربها سبحانه تبارك وتعالى: (ربنا نحن سكان سمائك وخيرتك من خلقك! أفتأمرنا أن نأتي هؤلاء فنسلم عليهم؟)، والملائكة خلق من خلق الله، خلقهم من نور، وهذا شيء أعظم مما خلق منه الإنسان، فهو مخلوق من طين، وكأن الملائكة نظروا إلى أن الله كرمهم وخلقهم من نور، وجعلهم أهل سماواته سبحانه تبارك وتعالى، وجعلهم خيرته، وهؤلاء عباد مخلوقون من طين، وقد أذنبوا في الدنيا، وأصابهم فيها ما أصابهم، فكيف نذهب إليهم؟ -يستفهمون من ربهم سبحانه وتعالى- فيقول الله عز وجل: (إنهم كانوا عباداً يعبدونني، ولا يشركون بي شيئاً، وتسد بهم الثغور)، يري الله الملائكة كيف كان هؤلاء على خير في هذه الدنيا، وكيف أنهم كانوا عباداً لله، يعبدون الله ولا يعبدون أحداً إلا الله سبحانه تبارك وتعالى، ولا يشركون به شيئاً وتسد بهم الثغور، وفي الحديث صورة لائقة لهؤلاء في قوله: (تسد بهم) فلو أن قربة مغلقة انخرقت ثم نزل منها الماء وأخذ يخرب في الدنيا فمن سيقوم بسد هذا الخرق؟ لقد كان هؤلاء هم الذين تسد بهم هذه الثغور يعني: الشرور التي تأتي من أعداء الإسلام عن طريق الثغور، فالله عز وجل جعل هؤلاء أسباباً لسد الثغور وكف الشرور، قوله: وتتقى بهم المكاره، يعني: أمة الإسلام تتقي بهؤلاء المكاره فهم في المقدمة دائماً، يدفعون ويدافعون ويموتون شهداء في سبيل الله سبحانه تبارك وتعالى، أو يموتون على فرشهم قد طلبوا فضل الله ورحمته سبحانه.

    قوله: (ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء)، وبذلك عرفت الملائكة فضل هؤلاء، فأتتهم عند ذلك، ودخلوا عليهم من كل باب، هؤلاء في الجنة في قصورهم، في أماكنهم ينعمون والملائكة تأتي عليهم أفواجاً من كل باب من أبواب قصورهم ومنازلهم في الجنة يحيونهم: سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ [الرعد:24]، أي: سلام عليكم، بسبب صبركم تستحقون السلام، والأمن، وتستحقون أن تحيوا في هذا المكان فلا تموتون أبداً، فالله قال: (حيوهم)، يعني: ادعوا لهم بالتحية وبالحياة الكريمة عند الله والخلود في هذه الحياة فيدعون ويحيونهم: (سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار)، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا مع هؤلاء الأبرار.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756394263