إسلام ويب

تفسير سورة الأنبياء [85 - 91]للشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يذكر الله سبحانه جملة من الأنبياء ويذكر صفاتهم ودعوتهم لقومهم وصبرهم وحلمهم عليهم، كل ذلك تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم حتى يقتدي بهم في ذلك، حتى إذا واجه من قومه الإعراض والإيذاء يصبر عليهم ويستمر في دعوتهم حتى يؤمنوا، أو يجاهدهم ويقاتلهم.

    1.   

    قصص إسماعيل وإدريس وذا الكفل

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

    قال الله عز وجل في سورة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام: وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ * وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ [الأنبياء:85-86].

    قصة إسماعيل عليه السلام

    ذكر الله عز وجل في سورة الأنبياء جملة من أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام، لنتعظ بذكرهم ونتأسى بفعلهم وصبرهم وجهادهم، فذكر بعضهم في هذه الآيات، قال تعالى: وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ * وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ .

    أول هؤلاء الأنبياء هو إسماعيل بن إبراهيم عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام، وذكرنا بالأمس شيئاً من قصته، وكيف صبر لأمر الله سبحانه بالذبح، حتى نجاه الله سبحانه وتعالى، وفداه بذبح عظيم، وكيف أنه أعان أباه في بناء الكعبة، ودعوا ربهما سبحانه وتعالى، رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة:127]، وكيف أنه صبر على أهله، فكان يأمرهم بالصلاة والزكاة، وكان من الخاشعين لربه العالمين.

    قصة إدريس عليه السلام

    إدريس عليه السلام هو نبي من أنبياء الله، ورسول من رسل الله عليهم الصلاة والسلام، ذكر الله عز وجل هنا أنه من الصابرين ومن الصالحين، (( وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ * وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ )).

    فوصفهم بالصلاح ووصفهم بالصبر، وإدريس النبي عليه الصلاة والسلام قالوا: كان قبل نوح على نبينا وعليهما الصلاة والسلام، وقيل: بل كان بعد نوح عليه الصلاة والسلام والله أعلم.

    وقالوا: كان إدريس أول من خط بالقلم، وأول من خاط الثياب ولبسها، ونظر في علم النجوم وعلم الحساب، وسير النجوم وغير ذلك.

    فربنا سبحانه وتعالى ذكر أنه رفعه مكاناً علياً، رفعه بصبره ورفعه بصلاحه، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم في قصة معراجه أنه رآه في السماء الرابعة، فرفعه الله مكاناً علياً.

    قصة ذي الكفل والأقوال في نبوته وعدمها

    قوله: وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ اختلفوا في ذي الكفل هل كان نبياً من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أم كان رجلاً من الصالحين، فالبعض يقول: هو نبي من الأنبياء باعتباره ذكر مع هؤلاء الأنبياء في هذه السورة.

    والذي يقول: ليس من الأنبياء وإنما كان رجلاً صالحاً، وإنه تكفل لنبي من الأنبياء بشيء فوفى بما طلب منه، باعتبار ما جاء في حديث الترمذي وإسناده ضعيف: (كان الكفل لا يتورع من ذنب عمله، فأتته امرأة ولما ذكرته بالله تركها)، إلى آخر الحديث، ويشبه هذه القصة ما ورد في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الثلاثة الذي آواهم المطر إلى غار في الجبل، ومنهم رجل وقف من امرأة موقف الرجل من زوجته فذكرته بالله فتركها وترك لها الدنانير التي كان قد أعطاها.

    فذكر في الترمذي أن اسمه الكفل، وفي الآية هنا، ذو الكفل، وقلنا: إن هذا الحديث الذي في سنن الترمذي إسناده ضعيف، فلا يصح أن يفسر به هذا الذي ذكره الله سبحانه وتعالى، وهنا كونه يذكر أنه من أهل الصلاح ومن أهل الصبر ينافي أن يكون هذا من أهل الفساد وأنه لا يتورع من ذنب، ثم فجأة يثني عليه بذلك، لعل هذا يكون بعيداً، والأقرب أنه كان نبياً من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أو أنه تكفل لنبي من الأنبياء بأمر الأمة من بعده، فقد جاء في الرواية: (أن نبياً من أنبياء الله عز وجل في بني إسرائيل، لما كبر في سنه طلب من قومه من يقوم لي في هذا الأمر، أو من يكفل لي أمر الناس، بشرط أن يصوم النهار ويقوم الليل ولا يغضب -يعني: من أجل أن يكون حاكماً وقاضياً على قومه- فقام شاب فقال: أنا، فقال: اجلس -كأنه استصغر أمره، كيف يكون حاكماً على هؤلاء القوم وهو صغير؟- فسكت وكرر في اليوم الثاني وفي اليوم الثالث، وكل مرة يقوم هذا الرجل فاستخلفه، فقام وتكفل بذلك).

    وكان من العباد قبل أن يتولى الحكم على قومه، فلما تولى الحكم لم ينس العبادة، من صيام وقيام ليل، وقام بالأمر الذي تكفل به خير قيام.

    كذلك كان يقوم على أمر الناس ولا يغضب، وهذا أمر صعب جداً، لا يقوم به إلا نبي من الأنبياء، حتى إن الشيطان أراد أن يخرجه عن حده وعن قوله فيغضبه فلم يقدر عليه، فجاءه في صورة إنسان ليغضبه وهو صائم، في وقت القيلولة، جاء الشيطان في صورة إنسان مظلوم يطلب الحكم له، فقال: أنا رجل مظلوم، وطلب منه أن يأتي معه لينصره على خصمه، فأرسل معه رجلاً فرفض، وأصر إلا أن يأتي معه، فخرج معه فلما أخذ بيده وانطلق إذا به يفر ويهرب منه، وإنما أراد أن يجعله يغضب؛ لأنه أزعجه وقت نومه، لكنه لم يغضب، وعرف أنه الشيطان.

    ومدحه الله عز وجل في هذه السورة بأنه من الصابرين، والصبر لم يكن مرة واحدة يصبر فيها، ولكن واضح من الآية أنهم صبروا صبراً عظيماً وصبراً طويلاً فقال: كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ أي: كل واحد اختصه الله عز وجل بمهام قام بها وأداها على أكمل الوجوه، وصبر لأمر الله حتى توفاه الله سبحانه.

    قال سبحانه: وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا ، ورحمة الله سبحانه وتعالى جنته، فرحمهم الله عز وجل ورضي عنهم وأدخلهم جنته سبحانه، ثم قال: إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ [الأنبياء:86]، وإن هنا سببية معناها: لأنهم من الصالحين.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وذا النون إذ ذهب مغاضباً ... وكذلك ننجي المؤمنين)

    حكم التفضيل بين الأنبياء

    قال الله تعالى: وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:87].

    وذا النون هو سيدنا يونس على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وذو من الأسماء الستة بمعنى صاحب، يعني: صاحب النون، والنون الحوت الضخم الكبير، فذو النون هو صاحب الحوت، وصاحب الحوت هو يونس بن متى على نبينا وعليه الصلاة والسلام.

    ذكر الله تعالى هنا يونس عليه السلام فقال: وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا وذكره الله عز وجل في سورة الصافات فقال: وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الصافات:139-144].

    وذكره أيضاً في قوله تعالى: فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ * لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ * فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ [القلم:48-50].

    هذا كله في سيدنا يونس بن متى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، فذكر لنا ربنا سبحانه وتعالى قصته، ونبينا صلوات الله وسلامه عليه ذكره في الحديث، وقال: (لا يقولن أحدكم: إني خير من يونس بن متى)، عليه الصلاة والسلام.

    وفي الحديث الآخر: (لا ينبغي لعبد أن يقول: إني خير من يونس بن متى).

    وفيه رواية ثالثة: قال: (ولا أقول: إن أحداً أفضل من يونس بن متى)، وفي رواية: (لا ينبغي لنبي أن يقول: أنا أفضل من يونس بن متى).

    هذا من تواضع النبي صلوات الله وسلامه عليه، وإلا فهو رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق، وهو سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام، ومع ذلك قال ذلك تواضعاً؛ حتى إذا قرأ الإنسان هذه الآيات في كتاب الله عز وجل لا يستهين بسيدنا يونس عليه الصلاة والسلام، ولا يظن أنه لو كان مكانه لفعل أفضل مما فعله، أو يفاضل بين الأنبياء على وجه التحقير للبعض منهم، كأن يقول: لو كان نبينا صلى الله عليه وسلم مكانه كان كذا وكذا، فالرسول صلى الله عليه وسلم سد الباب، بل يتواضع صلوات الله وسلامه عليه ويهضم نفسه صلى الله عليه وسلم ويقول: (رحم الله أخي يوسف لو لبثت في السجن كما لبث ثم جاءني الداعي لبادرت) فهو يهضم نفسه صلى الله عليه وسلم ويقول: إن سيدنا يوسف كان على صبر عظيم جداً، فهو مع أنه كان في السجن ويأتيه الداعي ويقول: تعال كلم الملك، فيقول له: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ [يوسف:50] فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: لو كنت مكانه لما قلت هذا الشيء، ولخرجت مباشرة؛ لأن السجن بلاء شديد.

    قصة يونس عليه السلام مع قومه

    من قصة سيدنا يونس عليه السلام ما ذكر الله عز وجل هنا: وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا يعني: غضبان لله سبحانه وتعالى، قالوا: مغاضباً لأجل ربه؛ لأن قومه عصوا ربهم سبحانه وتعالى.

    والله سبحانه وتعالى بعثه إلى أهل نينوى وهي بلدة من أرض الموصل في العراق، فدعاهم إلى الله فترة طويلة فلم يستجيبوا له وكذبوه ، فوعدهم بنزول العذاب في وقت معين، وخرج عنهم مغاضباً لهم، ولكن خروجه هنا كان بغير إذن من الله سبحانه، يقول سبحانه: فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ، يعني: نضيق عليه.

    وهنا قراءة الجمهور، فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ، وقراءة يعقوب : فَظَنَّ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أي: أن لن يضيق عليه في أمر دعوته إلى الله عز وجل، فخرج بغير إذن من ربه، وهنا تعلم منه النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يخرج مهاجراً من بلده مع إيذاء الكفار له حتى يأتي الإذن من الله سبحانه وتعالى.

    فيونس عليه الصلاة والسلام خرج مغاضباً لقومه، فلما رأوا آثار العذاب، وأن العذاب آت من عند الله عز وجل، ويونس عليه السلام قد خرج وتركهم خضعوا وتضرعوا لربهم سبحانه وتعالى، قال ربنا سبحانه: فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ [يونس:98].

    فقوله: فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا أي: هلا كانت قرية آمنت فانتفعت بإيمانها قبل أن يأتي العذاب، إلا قوم يونس لما رأوا العذاب نفعهم الإيمان قبل أن ينزل العذاب؛ لأنهم خشعوا لله وتضرعوا لله سبحانه وتعالى، وعرفوا أن نبيهم صادق، فالله عز وجل ذكر أنهم الوحيدون الذين كشف عنهم العذاب قبل أن ينزل عليهم، فرحمهم الله وكشف عنهم العذاب.

    إلقاء يونس في اليم

    ولما ذهب يونس من عند قومه ركب السفينة فلجت بهم وخافوا أن يغرقوا فتساءلوا فيما بينهم، فقال أحدهم: إن معنا عبداً آبقاً من ربه، وإنها لا تسير حتى يلقى في البحر، فاقترعوا فوقعت القرعة على يونس، فقالوا: والله لا نلقيك، فاقترعوا مرة ثانية وثالثة وفي كل مرة تقع القرعة عليه، فألقى بنفسه في البحر، قال الله عز وجل: وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ [الصافات:139-140]، أي: المملوء، فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ [الصافات:141] يعني: ساهم في القرعة، فهم لما وجدوه نبياً معهم ويقول لهم: ارموني في البحر، بعد أن وقعت القرعة عليه، رفضوا إلقاءه في البحر حتى كرروا القرعة ثلاثة مرات، فألقى بنفسه في البحر، فالله سبحانه وتعالى سلط حوتاً يلتقمه، فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ [الصافات:142] أي: وهو آثم؛ لأنه عمل عملاً يلام عليه، ولو كان غيره لما كان يلام على ذلك، لو أن أحد الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى ذهب إلى قوم يدعوهم فرفضوا أن يقبلوا دعوته فخرج من عندهم إلى غيرهم كان مثاباً على ذلك ومأجوراً، لكن هذا نبي من أنبياء الله، والأنبياء مراتبهم عالية، وقد يكون الشيء من غيرهم حسنة ويكون منهم سيئة، ولذلك قالوا: حسنات الأبرار سيئات المقربين؛ لأن درجات هؤلاء المقربين عالية، فقد يكون منهم الشيء يعد عند الله عز وجل إساءة ويكون من غيرهم إحساناً وليس إساءة.

    فهذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام لامه الله عز وجل؛ لأنه خرج بغير إذنه عز وجل.

    قال تعالى: فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الصافات:142-144] أي: لبقي في بطن الحوت إلى قيام الساعة، ولكن الله عز وجل رحمه بتسبيحه؛ لأنه كان كثير التسبيح وكثير الصلاة وكثير الذكر لله سبحانه وتعالى، فنفعه ذلك، فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ [الصافات:145-146].

    وهنا يذكر لنا ربنا سبحانه وتعالى أنه نادى في الظلمات؛ لأن الحوت يكون في أعماق البحر، وأعماق البحر تكون مظلمة، والجزء من البحر الذي فيه نور هو مقدار خمسين أو مائة متر من سطح البحر، وتحت ذلك ظلمات البحر.

    دعاء يونس في بطن الحوت

    فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ [الأنبياء:87]، أي: دخل بطن الحوت وهو مظلم، وهو في جوف البحر المظلم، وجاء عليه الليل المظلم، ظلمات بعضها فوق بعض، فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ، هذا نداؤه ودعوته التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث، قال صلى الله عليه وسلم: (دعاء ذي النون في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، لم يدع به رجل مسلم في شيء قط إلا استجيب له)، هذا دعاء عظيم جداً؛ لأن فيه توحيد الله سبحانه وتعالى، وفيه الاعتراف بالتقصير والذنب، وأن الإنسان ظالم لنفسه وظالم لغيره.

    فلما قال هذا استجاب الله عز وجل له، قال: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ [الأنبياء:88] أي: مباشرة، ألهمه الله عز وجل ما يقول فاستجاب له سبحانه، قال: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ [الأنبياء:88] هنا ما قال: (فاستجبنا له فنجيناه من الغم) وإنما قال: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاه [الأنبياء:88] لأنه لو قال: (فنجيناه) لكان المعنى: أننا استجبنا ولكن أبطأنا في نجاته، ولكن لما قال: (ونجيناه) أي: استجبنا له وحالاً كانت النجاة من الله عز وجل، فهذه الكلمة لها شأن عظيم عند الله عز وجل، فهو عندما قالها أنجاه الله سبحانه وتعالى.

    ثم قال: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ [الأنبياء:88]، وهذا تفضل الله عز وجل وكرمه على عباده، فقوله: وَكَذَلِكَ أي: وهذا الإنجاء ليس مختصاً بيونس عليه السلام، بل كل إنسان مؤمن يرجع إلى ربه ويستغيث بربه ويقول ذلك ننجيه كذلك من البلاء ومن الكرب.

    قوله: وَكَذَلِكَ نُنْجِيَ [الأنبياء:88]، بصيغة المضارعة، وهذه قراءة الجمهور.

    وقراءة ابن عامر وشعبة عن عاصم وَكَذَلِكَ ُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ، على صيغة الماضي.

    والمعنى: أن الله عز وجل نجى المؤمنين من قبل ومن بعد، فكما نجى الله عز وجل يونس نجى غيره.

    إن قصة ذي النون على نبينا وعليه الصلاة والسلام يذكرها لنا ربنا سبحانه وتعالى، فيخشى النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان يسيء الظن، فقال: (لا تفضلوني عليه، أو لا يقل أحدكم: أنا خير من يونس) فلا ينبغي لك أن تقول على نفسك ولا على النبي إنه أفضل من يونس، والمعنى لا تقل: لو كنت مكانه كنت عملت كذا، أو تقول: لو أن النبي صلى الله عليه وسلم مكانه كان عمل كذا، هذا لا ينبغي لأحد أن يقوله، ولا أن يخير بين الأنبياء على وجه التحقير للبعض الآخر.

    ورد في حديث للنبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من سره أن يستجيب الله له في البلاء فليكثر من الدعاء في الرخاء)، يعني: إذا كنت تريد أن يستجيب الله لك الدعاء عندما ينزل بك كرب، فأكثر من الدعاء، وعود الملائكة سماع صوتك باستمرار، حتى تقول: يا رب يا رب، ففي وقت الكرب ينفعك ذلك، فسيدنا يونس عليه الصلاة والسلام كان كل يوم يصعد إلى السماء منه تسبيح وصلاة وأعمال صالحة، والملائكة اعتادوا على ذلك، فلما حبس في بطن الحوت إذا به يقول: (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)، والملائكة تسمع صوتاً بعيداً فيقولون: يا ربنا صوت غريب من مكان بعيد، يقول: أما تعرفونه ذاك عبدي يونس، فيقولون: يونس الذي لم يزل يصعد إليك منه عمل متقبل، فالله عز وجل يلهمه أن يقول هذا الدعاء لينجيه بفضله سبحانه وتعالى.

    نجاة يونس من بطن الحوت وإرساله إلى مائة ألف أو يزيدون

    قال تعالى: فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ [الصافات:145] (فنبذناه) أي: ألقيناه، فالله عز وجل أوحى إلى الحوت بالتقامه، فما أن ألقى بنفسه في البحر حتى التقمه وابتلعه، ويوحي الله إلى الحوت أنه ليس رزقاً لك، وإنما أنت سجن فقط، فيكون سجناً له فلا يتأذى فيه، ويسبح لربه ويصلي له وهو في جوف الحوت.

    قوله: (وهو سقيم) أي: مريض.

    ثم قال: وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ [الصافات:146]، ألقاه الحوت في العراء على الشاطئ، ليس هناك شيء يظله، وهو محتاج للطعام والشراب، فالله عز وجل أنبت عليه شجرة من يقطين، واليقطين هو القرع، فإذا بهذه الشجرة تظله، ويأكل من قرعها.

    ثم قال تعالى: وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ [الصافات:147]، فالله عز وجل من عليه وتركه نبياً، بل وأرسله إلى قوم آخرين، فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ [الصافات:148] وهنا ربنا سبحانه وتعالى قال: وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ [الأنبياء:88] أي: كما نجينا يونس على نبينا وعليه الصلاة والسلام.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وزكريا إذ نادى ربه ... وكانوا لنا خاشعين)

    قال الله تعالى: وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ [الأنبياء:89].

    وزكريا نبي من أنبياء بني إسرائيل على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وهو أبو يحيى النبي عليه الصلاة والسلام، وزكريا هو الذي كفل مريم عليها السلام، وولده يحيى هو ابن خالة المسيح على نبينا وعليهم الصلاة والسلام، فكان زكريا زوج أخت مريم ومريم أم المسيح ويحيى هو ابن أختها، فهما أبناء خالة.

    قوله تعالى: وَزَكَرِيَّا تقرأ بالمد وبالقصر، وقراءة القصر هي قراءة حفص عن عاصم وحمزة والكسائي وخلف ، كلهم يقرءونها: وَزَكَرِيَّا ، وباقي القراء يقرءونها: وَزَكَرِيَّاء ، بالمد فيها، وستكون منصوبة، (زكرياءَ) يعني: اذكر زكرياء.

    وهؤلاء الذين يقرءونها (زكرياء) لهم قراءتان فيها: الأولى: قراءة ابن عامر وشعبة : وَزَكَرِيَّاء إِذْ ، وباقي القراء في الهمزة الأولى يحققونها والهمزة الثانية يسهلونها، فيقول: وَزَكَرِيَّاء اِذْ نَادَى رَبَّهُ مثلما نقرأ: أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ [فصلت:44]، فهذه القراءات التي فيها.

    قال تعالى: وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ أي: نادى ربه مناجياً داعياً: لا تذرني فرداً، وذكرها الله عز وجل في سورة مريم ، كما قدمنا قبل ذلك أنه قال: فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا [مريم:5-6] فقال: يَرِثُنِي ، وذكرنا أن الإرث الذي يقصده هنا هو ميراث النبوة، أي: يكون نبياً مثلي، فيرث العلم الشرعي، وإلا فالأنبياء أبعد الناس عن طلب المال أو عن جمع المال من أجل أن يرثهم أولادهم هذا المال، وإنما رأى أن من حوله من الأولياء والعصبات من قومه وأهله لا يصلحون لحمل ميراث النبوة، فالله سبحانه وتعالى ذكر أنه نادى ربه هنا وقال: رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا [الأنبياء:89] أي: أنا أدعو إليك فإذا مت انقطعت الدعوة بموتي.

    وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ [الأنبياء:89]أي: أنت الذي ترث الأرض ومن عليها، وأنت الذي ترث أمري، وأنت الذي تبعث من بعدي من يدعو القوم، ولكن اجعل لي ولداً يرثني في أمر النبوة والدعوة إليك.

    قال تعالى: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ [الأنبياء:90] أي: بعدما كبر وشاخ في سنه استجبنا له ووهبنا له هذا الغلام يحيى.

    وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ [الأنبياء:90] أي: أن زوجة زكريا كانت عاقراً لا تلد فأصلح الله أمرها، وإذا بها تلد ويكون منها هذا الغلام، فالمعنى: أنا استجبنا له وأصلحنا زوجته فجعلناها تلد وجعلناها أهلاً لذلك، ووهبنا له يحيى على نبينا وعليهم الصلاة والسلام.

    إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ [الأنبياء:90]، يعني: لكونهم كانوا من الصالحين، ما هي أفعالهم؟ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90] هذه صفات عظيمة لهؤلاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

    فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يذكرهم ويذكر صفاتهم حتى يتأسى بهم صلوات الله وسلامه عليه، ويعلم القوم أحوالهم.

    قوله: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ [الأنبياء:90] العجلة مذمومة إلا أن تكون في الخير وفي المسابقة والمسارعة إلى الخيرات، فليسرع الإنسان لعله لا يدري هل يعيش إلى أن يعمل الخير أو يموت قبله؟!

    فأي عمل من أعمال الخير بادر إليه وسابق إليه وسارع إليه، فالخير كله من عند الله سبحانه وتعالى، فسارع قبل أن يفوت عليك الخير أو تتبدل نيتك.

    وقوله: وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا الرغب: شدة الرغبة فيما عند الله سبحانه، والطمع في كرمه وثوابه ورحمته سبحانه وتعالى، ترجو ما عنده، والرهب: الخوف منه سبحانه وتعالى.

    وكمال العبادة لا يكون إلا بكمال الحب لله عز وجل وكمال الذل بين يديه سبحانه وتعالى.

    فهؤلاء الأنبياء كانوا يدعون ربهم راغبين فيما عنده، سائليه جنته سبحانه وتعالى، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل: (ماذا تقول في صلاتك؟ قال: أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار، ولا أدري ما دندنتك ولا دندنة معاذ)، يعني: لا أستطيع أن أدعو بما تدعو به أنت ومعاذ ، ولكن أطلب منه الجنة وأستعيذ به من النار، فقال صلى الله عليه وسلم له: (حولهما ندندن) أي: دعاؤنا كله حول دخول الجنة والنجاة من النار.

    فهنا قال: يَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا [الأنبياء:90] فلا يجوز للإنسان أن يقول: إني أدعو ربي محبة ولا أخاف منه، وإلا فربنا سبحانه قد خوفنا في كتابه بأنه شديد العقاب سبحانه، وأنه عزيز ذو انتقام سبحانه وتعالى، ولم يذكر ذلك إلا ليرغبنا في جنته ويرهبنا من عذابه وبطشه وانتقامه، فالعبد المؤمن من كمال عبادته لله سبحانه أن يحب الله ويرغب فيما عنده، وأن يخاف الله سبحانه وتعالى، ويحذر من ناره سبحانه ونقمته وعذابه سبحانه.

    إذاً: أعظم العبادة ما كانت على الرغبة والرهبة؛ لأن الرغبة وحدها تدفعه في النهاية لأن يكون مرجئاً، وسيترك العمل في النهاية ولا يعمل، وكذلك الإنسان الذي يعبد الله عز وجل بالخوف وحده يصل في النهاية إلى اليأس ولا حول ولا قوة إلا بالله، لكن الله عز وجل يرغب ويرهب عباده، فهو ما ذكر الجنة إلا لكي تطلبوا من الله عز وجل هذه الجنة، وذكر النار ليخوفكم منها وتتعوذوا بالله عز وجل منها ومن شرها ومن سمومها وجحيمها.

    وقوله: وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90] أي: كانوا خاشعين لرب العالمين سبحانه، يدعون ربهم سبحانه ويخشعون ويتواضعون ويذلون أنفسهم لربهم سبحانه وتعالى.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها ...)

    قال الله تعالى: وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:91].

    يعني: اذكر هذه التي أحصنت فرجها، فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا [الأنبياء:91] وذكر في سورة آل عمران وفي سورة مريم تفصيلاً طويلاً في ذلك، وهنا أشار إشارة: وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا [الأنبياء:91].

    فهناك ذكر أنها كانت صغيرة السن ونذرتها أمها لخدمة بيت المقدس، فقامت بذلك على أتم التمام وأكمل الكمال وخدمت في بيت الله، وكانت طاهرة مطهرة عليها السلام، فطهرها الله سبحانه وجعلها سيدة نساء العالمين، وجعل لها في الجنة منزلة عظيمة جداً، وجعلها آية للخلق.

    قال تعالى: الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا [الأنبياء:91] أي: طُهرَتْ وطَهَرَتْ نفسها ولم تقع في دنس أبداً.

    فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا أي: أرسلنا جبريل روح القدس فنفخ نفخة من روح الله عز وجل، فجبريل عليه السلام نفخ في جيب درعها نفخة، فقام روح القدس بهذه النفخة.

    قوله: فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا [الأنبياء:91]، شرف الله هذه الروح بإضافتها إليه عز وجل، فهذه روح الله سبحانه، كما يقال: هذه أرض الله، هذه سماء الله، وهذا بيت الله، والمسيح روح الله، أي: روح خلقها الله عز وجل وشرفها بإضافتها إليه.

    وذكر هنا: فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا [الأنبياء:91]وهناك ذكر فَنَفَخْنَا فِيهِ [التحريم:12].

    قوله: وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:91]. أي: جعلناها آية وجعلنا ابنها أيضاً آية، فهو سبحانه جعلهما من أعظم الآيات، آيَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:91] وذلك أنها حملت بابنها من غير أب، فجعلناها آية كما كان آدم قبل ذلك آية من غير أب ولا أم، وكما كانت حواء آية من ذكر ليست من أنثى، فجعلنا المسيح ابن مريم آية أن جاء من أنثى ليس من ذكر، والله على كل شيء قدير، يخلق ما يشاء، خلق آدم من تراب لا ذكر ولا أنثى، فأوجده سبحانه وتعالى، وأوجد حواء من ذكر فقط، وأوجد المسيح عيسى ابن مريم من أنثى فقط، ويخلق ما يشاء سبحانه وهو على كل شيء قدير.

    نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

    وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756009820