أيها الإخوة الكرام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأشكر لكم جميعاً حسن حفاوتكم، وكرم عنايتكم، ولطف استقبالكم، وإن كان هذا ليس بغريبٍ منكم، فهو مما لا أستحقه، وأسأل الله عز وجل: أن يغفر لي ما لا تعلمون، وأن يستر علي وعليكم وعلى سائر إخواننا المؤمنين، ونسأل الله عز وجل ألا يفجع بنا عباده الصالحين، وأن يجعلنا في الدنيا والآخرة من المغفورين، المستورين، وكما قال الصديق رضي الله عنه: [[اللهم اغفر لي ما لا يعلمون، واجعلني خيراً مما يظنون]]
أحبتي الكرام: هناك قاعدة وسنه إلهية، ثابتة مستقرة، جاءت نصوص الكتاب والسنة في تثبيتها وبيانها وهي: أن كل عمل لابد له من جزاء، في الدنيا وفي الآخرة، قال الله عز وجل: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا [الشورى:40] وقال: وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا [يونس:27] وقال: مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ [النساء:123].
وكذلك الحال بالنسبة للأعمال الصالحة: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ [الزلزلة:7-8] وليس الجزاء في الآخرة فحسب، بل الجزاء من جنس العمل في الدنيا والآخرة، ولذلك من عمل الصالحات أحياه الله تعالى حياة طيبة، كما وعد الله في كتابه فقال: فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً [النحل:97].
هذا في الدنيا، ومن عمل السيئات فكذلك يجازيه الله بها في العاجل، كما قال عز وجل: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً [طه:124].
أما في الآخرة فالأمر أظهر من أن يذكر، وحسبك أن الجنة والنار هما دار القرار:
الموتُ بابٌ وكل الناس داخله فليت شعري بعد الموت ما الدارُ |
الدارُ جنة عدنٍ إن عَمِلْتَ بما يرضي الإله وإن فرطت فالنارُ |
هما مصيرانِ ما للمرءِ غَيرُهما فانظر لِنفسكَ ماذا أنتَ تختارُ |
النوع الأول: منها عقوبات تتعلق بدين الإنسان: فيعاقب الإنسان على المعصية بعقوبات دينية، مثل قسوة القلب، فربما وقع الإنسان في المعاصي حتى يقسو قلبه، فلا يميزُ معروفاً من منكر، ولا حقاً من باطل، ولا خيراً من شر، ولا هُدىً من ضلال، كما قال الله عز وجل: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:14] يعني: غلب وغطى عليها ما كانوا يعملون من الأعمال السيئة، حتى كانوا لا يميزون بين الحق والباطل، وكما قال عز وجل: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [فاطر:8].
وقال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ [النمل:4].
وجاء في بعض الآثار: أن رجلاً من بني إسرائيل قال: يا رب، كم أعصيك ولا تعاقبني، فقيل له: يا عبدي، كم أعاقبك ولا تشعر.
فهذه ميزة العقوبات الدينية، أن الإنسان في كثير من الأحوال قد لا يشعر بأثرها؛ لأنه لا يزال قلبه تغلب عليه المعاصي والذنوب، حتى لا يميز بين صحوة القلب وموته، وبين نوره وظلمته، وبين صحته ومرضه، وفي حديث حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {تُعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عوداً عوداً، فأيما قلبٍ أشربها -أي: تقبل الفتنة ورضي بها وتشربها وأحبها- نكتت في قلبه نكتةٌ سوداء، وأيما قلب أنكرها نكتت في قلبه نكتةٌ بيضاء؛ حتى تكون القلوب على قلبين: قلب أسود مرباداً، كالكوز مجخياً، لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه، وقلب أبيض مثل الصفا لا تضره فتنة} فإذا جاءت ذلك القلب الموعظة زلت عن اليمين وعن الشمال، لكن لا يقع فيه شيء؛ لأنه كأس مقلوب، لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه، فهذه هي العقوبات الدينية.
فهذه عقوبات إلـهية، مثلها مثل الصواعق، مثل الأشياء التي تنـزل من السماء، ولا حيلة للخلق فيها بأي حال من الأحوال، فهذه من عند الله تعالى.
إذاً هذا نوع ثانٍ من العذاب، بأيدينا، يعني: بسيوف المؤمنين، وبسهامهم، وبرماحهم، وبقذائفهم، وبجهادهم، فيبتلي الله تعالى الكفار بالمؤمنين يعذبهم بهم، حيث ينتصر المؤمنون على الكافرين فيسومونهم ويقتلونهم ويأخذون أموالهم وما في أيديهم، ويستبيحون نساءهم، يعني: عن طريق السبي بسنته المعروفة، المهم أن هذا عذاب من عند الله تعالى، ولكنه بأيدي المؤمنين، كما قال الله عز وجل في آية أخرى: قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ [التوبة:14].
إذاً: العقوبات التي تُصب على الكافرين بجهاد المؤمنين هي من عند الله عز وجل، ومثله العقوبات التي تصب على المؤمنين بأيدي الكافرين هي عقوبات من عند الله تعالى، فقد يسلط الله الكافر على الظالم أو الفاسق أو الفاجر يسومه سوء العذاب، كما سلط فرعون على بني إسرائيل: يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ [البقرة:49].
فهذه عقوبة من عند الله عز وجل، أجراها على يد بعض خلقه، قد يجريها على يد المؤمن عقاباً للكافر، وقد يجريها على يد الكافر عقاباً للمؤمن إذا عصى أو فرط أو قصر.
ولا شك أن تسلط الأعداء على الأمم الإسلامية في هذا الزمان بأخذهم خيرات بلادهم، ونهبهم لها، وتسلطهم عليها، وخنقهم للأمة الإسلامية، واعتدائهم على أموالها وبلادها وأعراضها ودمائها وأنفسها، وكون كثير من بلاد الإسلام أصبحت لقمة سائغة في أيدي أعداء الدين، يفعلون بها ما يشاءون فيتحكمون فيها، وفي اقتصادها يرسمونه كما يشاءون، ويفرضون فيه من الاقتصاد الكافر ما يشاءون، أو في سياستها فيوجهونها وفق ما يخدم أغراضهم ومآربهم، أو في خيراتها وبترولها ومعادنها ونفائس ما وضع الله تعالى فيها من خيرات، أو تسلطهم على أموال المسلمين، أو تسلطهم على أنفس المسلمين، حيث يقتلونهم قتل عاد وإرم، كما نسمع مما يقع للمسلمين في بلاد فلسطين أو في أفغانستان أو في إريتريا أو في الفلبين أو في غيرها من بلاد الشرق والغرب؛ حيث أصبح سيف الكفار مسلطاً على رقاب المسلمين في أكثر بقاع الأرض، لا شك أن هذا كله عقوبات من الله عز وجل لعباده، وخاصة الذين خالفوا أمره، لقد أصبحت أمم الكفر تتحكم في بلاد الإسلام، حتى في أخص خصائصها، وأصبح المسلم محتاجاً إلى الكافر في كل شيء -مع الأسف الشديد- فمركبه من عنده، وملبسه من عنده، ومأكله في كثير من الأحيان من عنده، ومشربه من عنده، وسائل التبريد أو التدفئة أو التسخين أو النطق أو الكلام أو...إلخ.
أو أي وسيلة يحتاجها المسلم، فهي في الواقع من إنتاج مصانع الكفار، بل أصبح المسلم يحتاجهم حتى في الأمور التي لا شك أن حاجة الأمة فيها إلى عدوها هي نوع من المسخ، فمتى عُرف -مثلاً- أن العدو يدفع عن عدوه أو يحميه، أو يحمي سياسته أو اقتصاده، أو يدافع عن بلاده، فهذا ما لم يعهد منذ فجر التاريخ، ولا شك أن حاجة المسلمين في هذه البلاد، وفي كل البلاد إلى أعداء الإسلام، في مثل هذه الأمور، وفي كثير من الأمور لا شك أنه نوعُ من البلاء والعقوبات الإلهية التي صبها الله عز وجل علينا، حتى نتوب إليه تعالى، ونراجع ديننا.
ولا شك أن واقع الأمة الإسلامية اليوم أشبه ما يكون بواقع الأمة الإسلامية في أيام صلاح الدين حين كان يقول الشاعر:
أحل الكفر بالإسلام ضيماً يطول به على الدين النحيبُ |
فحقٌ ضائع وحمىً مباحٌ وسيفٌ قاطعٌ ودمٌ صبيبُ |
وكم من مسلمٍ أضحى سليباً ومسلمةٍ لها حرمٌ سليبُ |
وكم من مسجدٍ جعلوه ديراً على محرابه نصب الصليبُ |
دم الخنـزير فيه لهم خلوقٌ وتحريقُ المساجدِ فيه طِيبُ |
أمورٌ لو تأملهنَّ طفلٌ لطفَّل في عوارضه المشيبُ |
أتسبى المسلمات بكل ثغرٍ وعيش المسلمين إذاً يطيبُ |
أما لله والإسلامِ حقُُ يُدافعُ عنه شبَّانُُ وشِيبُ |
فقل لذوي الكرامةِ حيثُ كانوا أجيبوا الله ويحكم أجيبوا |
إن التاريخ يُعيد نفسه، وبلاد الإسلام تتعرض لهجمات الأعداء وتسلطهم في كل جانب ومجال من مجالات الحياة يوماً بعد يوم، وما أخبار الأندلس حين تسلط عليها الأعداء من فرنسا وغيرها، فبدءوا يقصون ثوب الإسلام من الأندلس شيئاً فشيئاً؛ حتى طردوا المسلمين ونصَّروهم وجعلوا لهم محاكم التفتيش التي تمسخ المسلمين مسخاً، وتحرقهم إن أصروا على دينهم بالأفران، وتقتلهم شر قتلة، وما أخبار المسلمين في فلسطين أيضاً حين تسلط عليها اليهود ففتكوا بالمسلمين وقتلوهم، وأجروا الشوارع من دمائهم أنهارا -إلاَّ نموذجٌ لذلك، وكانت هي الأخرى نموذجاً لما حصل في الأندلس، كما قال القائل:-
خلت فلسطين من أبنائها النُجب وأقفرت من بني أبنائها الشُهبِ |
طارت على الشاطئ الخالي حمائمهُ وأقلعت سُفن الإسلام والعربِ |
يا أخت أندلسٍ صبراً وتضحيةً وطول صبرٍ على الأرزاء والنوبِ |
ذهبتِ في لجة الأيام ضائعةً ضياع أندلسٍ من قبلُ في الحقبِ |
وطوحت ببنيك الصيد نازلةٌ بمثلها أُمَّةُ الإسلامِ لَمْ تُصَبِ |
وما أخبار أفغانستان وهي أندلس هذا الوقت إلا نموذج لذلك، فهي البلاد المؤمنة التي لم تُدنِّسْ أرضها قدم كافر، حتى أنها هي الدولة الوحيدة مع هذه البلاد التي لم يقم فيها كنيسة للنصارى، ومع ذلك تجتاحها جحافل الروس وعملائهم من الأفغان الشيوعيين، ويقع للمسلمين فيها من نهب الأموال وتدمير الأرض وأخذ الخيرات، وهتك الأعراض، وقتل النساء والأطفال مالا يخفى على أحد في هذا الوقت، وما هزائمنا نحن المسلمين في عام (48، 67) من الميلاد إلاَّ نموذج ودليل وعبرة من عند الله عز وجل، يقول الله عز وجل: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41].
إذاً كما أن الله تعالى قد يسلط علينا القحط والجدب، أو أنواع المرض أو الفقر أو أي عقوبة إلهية، فقد يسلط الله علينا سيف العدو؛ حتى نعود إليه ونستكين إليه، ونتضرع، وننكسر بين يديه، يقول الله عز وجل: وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً [الإسراء:59] ويقول سبحانه عن بعض المعرضين الضالين من عباده الغافلين: وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَاناً كَبِيراً [الإسراء:60].
الصنف الأول: صنف المؤمنين الذين يعتبرون بهذه الأشياء ويتعظون، ممن إذا ذكروا تذكروا، سواء ذكروا بآيات الله الشرعية من القرآن والسنة والمواعظ، أم ذكروا بالآيات الكونية التي يصبها الله تعالى عليهم، من العقوبات السماوية أو العقوبات بأيدي بعض الكفار، فيكون في ذلك لهم نذيرٌ وعبرة، وهذا كان شأن المؤمنين من الرسل وأتباعهم مدار التاريخ.
ولهذا بنوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشاً، فكان يدعو ويرفع يديه إلى السماء، ويقول: {اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد بعد اليوم، اللهم أسألك وعدك ونصرك} حتى سقط رداؤه عن منكبه عليه الصلاة والسلام، من شدة دعائه وافتقاره وابتهاله إلى الله سبحانه وتعالى؛ حتى جاءه أبو بكر رضي الله عنه والتزمه من خلفه، وقال له: {يا رسول الله، كفاك مناشدة ربك فإن الله تعالى منجز لك ما وعد} فلما رأى أبو بكر ابتهال الرسول صلى الله عليه وسلم وصدق لجوئه إلى الله عز وجل عرف أن النصر آت لا محالة!! ليس لأن عدونا كذا، ولا لأن قوتنا كذا، ولا لأن إمكانياتنا كذا، ولا لأن جغرافية البلد كذا، ولا لأي سبب إنما لأنه رأى الانكسار الذي عودنا الله عز وجل أنه لا يرد من فعله، وما هي إلا ساعات حتى أخذوهم -كما هو معروف-:
أتُطفئُ نُور الله نَفخة كافرٍ تعالى الذي بالكبرياءِ تفردا |
إذا جلجلت (اللهُ أكبر) في الوغى تخاذلت الأصوات عن ذلك النِِدا |
هناك التقى الجمعان جمع يقوده غرور أبي جهل كهرٍ تأسدا |
وجمعٌ عليه من هداه مهابة وحاديه بالآيات بالصبر قد حدا |
وشمَّر خيرُ الخلقِ عن ساعد الفدا وهزَّ على رأس الطغاة المهندا |
وجبريلُ في الأُفق القريبِ مُكبرٌ لِيلقي الونى والرعب في أنفُسِ العِدا |
وسرعان ما فرَّت قُريشُُ بِجمعها جريحةَ كبرٍ قد طغا وتبددا |
ينوء بها ثُقل الغرامِ وهَمُّهُ وتجرحها أسرى تُريدُ لها الفِدا |
وأنفُ أبي جهلٍ تمرغ في الثرى وداسته أقدام الحفاةٍ بما اعتدى |
ركب عليه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فقال له أبو جهل: [[لمن الدائرة اليوم؟ قال: يا عدو الله! لله ولرسوله وللمؤمنين، قال: لقد ارتقيت مُرتقى صعباً يا رويعي الغنم]].
وأنف أبي جهل تمرغ في الثرى وداسته أقدامُ الحفاةِ بِما اعتدى |
ومن خاصم الرحمن خابت جُهودُهُ وضاعت مساعيه وأتعابُه سُدى |
وفي معركة أحد هُزم المسلمون ولم ينتصروا، هُزموا وكانت فعلاً هزيمة منكرة لم يكن المسلمون يتوقعونها بأي حال، قال الله تعالى: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا [آل عمران:165].
يعني: يوم بدر .
قلتم أنَّى هذا؟! فتعجب المسلمون كيف حصل هذا؟! ظنوا أنهم ما داموا مسلمين، ومادام قائدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنهم لا يهزمون أبداً، فقالوا: أنَّى هذا؟! كيف حصل؟!
فقال الله عز وجل: قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165].
نرجع إلى القاعدة: قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:165] فالله تعالى قادر على أن ينصر المسلمين دون قتال، ودون سيوف، ودون جهاد، ودون بلاء، لكنه عز وجل أجرى سنته فيهم أنه ينصر من ينصره، ينصر من يستحق النصر، ينصر: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [الحج:41].
ولذلك ظل المسلمون على مدار التاريخ: إن ألمت بهم ملمة أو تكالب عليهم عدو عرفوا أنهم لن ينتصروا على هذا العدو بعدد ولا بعدة، إنما بصدق اللجوء إلى الله عز وجل، وإن نـزلت بهم هزيمة، وجروا أذيال الخيبة في معركة من المعارك، عرفوا أنهم إنما أُتُوا من قِبَل أنفسهم، ولعلي أذكر لكم مثالين في ذلك:
يقول ابن شداد: ضاق صدر صلاح الدين واكتأب وحزن لذلك، وتقسم فكره، قال: فكنت جالساً معه طوال الليل، وهو يقسم الناس أقساماً، ويضع على كل قسم أحد الرجال ممن يختاره ويثق به، وكان الزمان شتاءً، وليس معنا ثالث إلا الله عز وجل، فلما بقي على الفجر قريباً من ساعة، قلت له: لعلك ترتاح، يقول: خشيتُ عليه أن يتعكر مزاجه؛ لأنه كان يتأثر، وكان فيه تعب في جسمه، فقلت لـصلاح الدين لعلك ترتاح ساعة، يقول: فقال لي صلاح الدين: لعله جاءك النوم اذهب فارتاح أنت، يقول: فخرجت من عنده إلى بيتي، فما وصلت إلى بيتي، وأخذت بعض شأني إلاَّ وقد أذَّن لصلاة الفجر، قال: فتوضأت ثم أتيته، وكان يصلي الفجر معه، فلما أقبلتُ على صلاح الدين، إذا هو يمر الماء على يديه -يتوضأ- قال لي: والله ما جاءني النوم أصلاً -ما نمت أصلاً حتى احتاج إلى وضوء- من صلاة العشاء وهو سهران في مصالح المسلمين، وفي هذا البأس الذي نـزل به، قلتُ له: علمت أنك لم تنم، قال: كيف عرفت ذلك؟ قلت له: ما بقي للنوم وقت، وأعلمُ أنك في مثل هذا الظرف لا تنام، يقول: فلما صلينا الفجر قلتُ له: قد وقع لي خاطر -خطر في بالي خاطر- وأرى أنه حق إن شاء الله، قال: وما هو؟ قال: قلت له: نَكِلُ أمر الدفاع عن بيت المقدس إلى الله عز وجل، بالإخلاد إليه، والتوكل عليه، وصدق اللجوء والإنابة إليه، والخروج من المعاصي دقيقها وجليلها.
قال: كيف أصنع؟ قال: أرى -واليوم يوم الجمعة- أنك تغتسل ثم تخرج إلى المسجد مبكراً، وتخرج صدقات كثيرة إلى الفقراء، والمحتاجين سراً، وعلي يدي من تثق بهم من الناس، تجعلهم يتصدقون على الخلق بأموالك، وتخرج من جميع المظالم، ثم تصلي ركعتين لله سبحانه وتعالى تصدق فيها، وتنكسر بين يديه، فإذا سجدت تطلب من الله تعالى بقلب منقطع إليه: أن يغيث المسلمين، وينصرهم على عدوهم، يقول: ففعل ذلك كله، ثم صلى ركعتين، وكُنت إلى جواره، قال: فسمعته يقول وهو في سجوده: إلهي قد انقطعت أسبابي الأرضية إلا منك، وعجزنا عن دفاع عدونا إلا بك، فإنا نستغيث بك، ونستنصرك ونعتصم بك، يقول: فابتهل إلى الله عز وجل، وبدأت الدموع تنحدر من عينيه فلما رفع رأسه من سجوده، إذا دموعه تتقاطر من لحيته.
يقول: فعلمت أننا منصورون ولابد، فلما كان في مساءِ ذلك اليوم، الذي هو يوم الجمعة جاءتنا رسالة أو رقعة من الإفرنج، فيها أن الإفرنج متخبطون، وقد ركبوا بعسكرهم إلى الصحراء -خرجوا إلى الصحراء- ووقفوا إلى قائمة الظهيرة -إلى وقت الزوال- وأنه صار بينهم اختلاف في ذلك، يقول: فلما كان يوم السبت جاءنا خبر بمثل هذا، فلما كان يوم الأحد وصل جاسوس فأخبرنا أن الإفرنج قد اختلفوا، وأن الفرنسيين منهم، وكانوا قد تحالفوا من الغربيين وغيرهم من أعداء الإسلام من النصارى، فأخبرهم الرسول -الجاسوس- الذي جاء إليهم، أن الفرنسيين يقولون: لابد من مهاجمة القدس، ومحاصرتها.
وأما من يسمون بالإنكشارية فإنهم يرون أنه لا يخاطر بدين النصرانية، يقولون: جنود عيسى لا نخاطر بهم، ولا يمكن أن نلقي بهم، سبحان الله! ما أشبه الليلة بالبارحة، الآن يوجد من أمم الكفر والنصارى، من يستميت في القتال، لأنه يريد أن يقضي على الأمة المحمدية، ويوجد من جنود الكفر واليهود والنصارى وغيرهم، من يرون أن قطرة دمٍ من كافر أغلى من المسلمين أولهم وآخرهم، فهكذا كان الأمر، فحصل بينهم خلاف أدى إلى أنهم ينسحبون من هذا الموقع، ويتركون بيت المقدس في أيدي المسلمين، وهكذا انتصر صلاح الدين دون أن يخوض معركة، لأنه أسند أمره إلى الله عز وجل.
فكان هناك شيخ كبير السن، معتزل في أحد مساجد المدينة، فلما علم بالخبر دعا رءوس القوم، وقال لهم: ما الذي عزمتم عليه؟ قالوا: عزمنا على الاستسلام، قال: هل بقي لكم قوة تدافعون بها، أو حيلة تحتالون بها؟ قالوا: لا، لم يبق لنا شيء، قال: فاستمعوا إلىَّ إذاً: اخرجوا جميعاً إلى ساحة القرية، وأخرجوا رجالكم، ونساءكم، وأطفالكم، وبهائمكم، ودوابكم، ولا يبقى في القرية مريضٌ ولا صحيحٌ ولا كبيرٌ ولا شيخٌ ولا طفل إلا خرج، ثم افصلوا الأب عن ابنه، والأم عن ولدها، والقريب عن قريبه، ففعلوا ذلك كله، فبدأ الصياح والنحيب، الطفل يحن إلى أمة، والأم تبكي على طفلها، والقريب يبكي على قريبه، ثم أمرهم أن يبتهلوا إلى الله عز وجل، فابتهلوا إلى الله تعالى، وعلا نحيبهم، وصياحهم، وتضرعهم، إلى الله عز وجل.
فقال: هل بقي بقلوبكم شيء غير الله تعالى، واللجوء إليه والانكسار، قالوا: لا والله ما بقي في قلوبنا شيء، كلُُ الحيل الدنيوية قد فشلت، ولم يبق إلاَّ الاعتصام بالله تعالى.
قال: فافتحوا إذاً أبواب المدينة، واخرجوا إلى عدوكم مرة واحدة، عجوا إلى الله عجة واحدة، وقولوا: يا الله.. ففعلوا، وفتحوا أبواب المدينة، وخرجوا دفعةً واحدة، فلما رآهم العدو، قذف الله في قلوبهم الرعب ففزعوا وخافوا، وظنوا أن المسلمين قد أعدوا لهم خطه شديدة، فهرب العدو لا يلوي على شيء، وما التفت أحد منهم حتى وقع في البحر، ثم انصرفوا مهزومين، دون أن يمسوا المسلمين بسوء.
فأهل هذه الجزيرة لم ينتصروا بعدد ولا عدة ولا بقوه ولا بإمكانيات ولا بماديات ولا بأسلحة متطورة، ولا بتقنية، ولا بتقدم وتصنيع، ولا بكثرة جيوشهم؛ إنما انتصروا حين انقطعت قلوبهم إلى الله تعالى، لأن المسلم يعلم أن النصر من عند الله تعالى، وأن الله تعالى بيده مقاليد السماوات والأرض: وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [الفتح:4].
فالله تعالى لو شاء أن يأمر السماء أن تمطر لأمطرت على أعدائنا ناراً تحرقهم، ولو شاء أن يأمر الأرض لزلزلت من تحت أقدام عدونا، ولو شاء عز وجل لسلط عليهم الريح، ولو شاء لسلط عليهم البراكين، ولو شاء لسلط عليهم طوفاناً من عنده: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ [المدثر:31].
لكن كل هذه الوسائل يدخرها الله عز وجل لعباده الصادقين، الذين علم الله من قلوبهم الانقطاع إليه، وصدق اللجوء والرغبة فيما عنده.
وكذلك حال ابن مسعود رضي الله عنه، عندما رجفت الكوفة في عهده، فقال لأهل الكوفة: [[إن ربكم يستعتبكم فأعتبوه]] والأثر رواه الطبري في تفسيره.
أي: إن الله عز وجل يطلب منكم أن تتوبوا، وأن تُنيبوا، وأن تُقلعوا، وأن تعودوا إلى الله عز وجل، فأروا الله عز وجل من أنفسكم صدقاً في التوبة.
ولذلك لما كسفت الشمس خرج الرسول صلى الله عليه وسلم فزعاً يجُرُ إزاره، يخشى أن تكون الساعة، فصلى وبكى عليه الصلاة والسلام، وقرأ القرآن وتقدم وهو يصلي، ثم تأخر، وتكعكع، وقال عليه الصلاة والسلام: {عُرضت عليَّ الجنة والنار في عرض هذه الجدار} حتى أنه من طول صلاته صلى الله عليه وسلم، كان يُصيب بعض من يصلون وراءه الغشيان، يعني: يثقل عليهم، وقد يقعد أحدهم على الأرض، وقد يُصاب بشيءٍ من الغشيان، بسبب طول القيام.
لأنه عليه الصلاة والسلام كان صاحب قلبٍ حي، وكان صاحب قلب يقظ، فهكذا أمر الله عز وجل عباده بهذه الصلوات، بل عند العلماء صلاة يسمونها صلاة الآيات، تفعل إذا كان هناك زلزلة مثلاً، أو كان هناك فيضان، أو كان هناك آية غير الكسوف والخسوف، وهذه الصلاة ثبتت عن ابن عباس رضي الله عنه، كما ذكر ذلك البيهقي، وثبتت عن عائشة، وجاءت عن ابن مسعود وغيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم: أن المسلمين يصلون صلاة الآيات، إذا حصل آية من الآيات الكونية غير الخسوف، وغير الكسوف، كالزلزلة -مثلاً- أو البركان، أو الفيضان أو ما شابه ذلك.
إذاً: فقد صلى الرسول عليه الصلاة والسلام لما حصل الخسوف، والكسوف.
هكذا استسقى عليه الصلاة والسلام، ومدحه عمه أبو طالب، فقال:
أبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عِصمةٌُ للأراملِ |
يعوذ به الـهُلَّاك من آل هاشمٍ فهم عنده في خيرة وفواضلِ |
ومن بعده لما قحط المطر، وأجدبت الأرض، جاء الناس إلى عمر يشكون إليه، فقال عمر: [[اللهم إنا كُنا نستشفع إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم فتسقينا، وإنا نتوسلُ إليكَ بِعَمِّ نبيك صلى الله عليه وسلم -بـ
هكذا ظل المسلمون في كل زمان، إذا نـزلت بهم نازلة، استسقوا الله عز وجل فأغاثهم وأسقاهم، ولعل من طريق ما يروى ويساق في هذا، ما نُقل عن المنذر بن سعيد، وهو من علماء الأندلس الكبار، في عهد بني أمية.
فقد قحط الناس في بعض السنين، آخر مدة عبد الرحمن الناصر، فأمر الحاكم، المنذر بأن يخرجَ إلى الصحراء ويستسقي، ويطلب من الله عز وجل أن ينـزل للناس المطر، وصام الرجل أياماً، وتأهب واجتمع الناس في مصلى يقال له: مصلى الربض خارج المدينة، اجتمعوا فتأخر عليهم العالم المنذر بن سعيد، ولم يخرج إليهم، والأمير ينظر من الشرفة -يطل عليهم من قصره- ينظر حال الناس، ثم خرج هذا العالم متخشعاً، متضرعاً، متواضعاً، وقام ليخطب على المنبر، فلما رأى حال الناس، وما هم فيه من الضعف والحاجة بكى وأجهش، وغلبته تلك الحال ونشج وانتحب، ثم بدأ يخطب، فقال: سلامٌ عليكم، ثم بعد ذلك غلبه ما يجد، فلم يستطع أن يكمل، ولم يكن هذا من عادته، بل كان خطيباً لا يُشق له غبار، لكنه من شدة حاله، لما قال سلامُُ عليكم، لم يستطع إن يكملها، ثم استأنف بعد ذلك، وهو شبه حسير، فنظر إلى الناس، وقال: سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الأنعام:54] ثم قال: استغفروا ربكم، ثم توبوا إليه، وتقربوا بالأعمال الصالحة، فضج الناس وهو يتكلم بكلام متقطع من شدة البكاء، فضج الناس بالبكاء، وجأروا بالدعاء، فلم ينفض القوم، حتى نـزل على الناسِ غيثٌ عظيم.
واستسقى مرة من المرات، فجعل يهتف بالخلق: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ [فاطر:15-16] فهيج الناس على البكاء ونـزل المطر.
ومره ثالثة: جاءه رسول الأمير يقول له: الأمير يأمرك بأن تخرج للاستسقاء، فقال: ماذا صنع الأمير، قبل أن أخرج لابد أن أعرف ماذا صنع؟ هل غير المنكرات؟ هل أبطل المفاسد؟ هل أزال المكوس والضرائب التي أثقلت كواهل الناس؟ هل انتهى عن المعاصي؟ هل حكم بين الناس بكتاب الله وسنة رسوله؟ هل أزال المظالم؟ هل ولى على الناس العدول الأخيار الأكفاء؟ وهكذا… انطلق يتساءل، ماذا صنع الأمير؟ فقط يأمرنا بأن نستسقي كل يوم أو كل أسبوع!! لا أذهب حتى أعرف ماذا صنع؟ فقال له: إنني ما رأيت الأمير منكسراً أشد منه هذا اليوم! يقول الرسول -رسول الأمير-: إنه قد خرج من المظالم، وتصدق بمالٍ كثير، ولبس أخشن الثياب، وأبعدها عن الترف والزينة، وأنه قد سجد في التراب، وعلا نحيبه، وارتفع صوته، وهو يخاطب الله عز وجل، ويقول:
يا رب هذا أنا، ناصيتي بيدك، أتراك تعذب الرعية بذنبي، وأنا لا أفوتك يا رب! فلما سمع المنذر بن سعيد هذا الكلام، قال للخادم الذي معه: احمل الممطرة -الممطرة بمعنى: الشمسية الآن التي تقي من المطر- إذا خشع جبار الأرض، رحم جبار السماء.
والواقع أننا لا ننكر الأسباب المادية هذه، وقد تكون صحيحة، لكنْ هناك سبب وراء هذه الأشياء كلها، وهو السبب الشرعي: أن الله عز وجل يبتلي عباده بهذه الأمور لعلهم يرجعون!! وهذا عندنا نحن المسلمين ليس موضع خلاف، لأن الأمر واضح في القرآن: وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً * وَنُخَوِّفُهُمْ [الإسراء:59-60] ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا [الروم:41] فإذا مني المسلمون بهزيمة، هزيمة عسكرية -مثلاً- قالوا: هذا بسبب نقص الإمدادات، أو هذا بسبب أن العدو كنا نتوقع أن يأتينا من الشمال فجاءنا من الجنوب، أو كنا نتوقع أن يأتينا من الجنوب فجاءنا من الشمال، أو هذا بسبب خيانة، وجعلوا يفسرون الأمور تفسيرات جزئية مادية، ونسوا السبب الأكبر الذي هو الإعراض عن الله عز وجل، والاعتماد على الأسباب المادية وحدها، بحيث إن المسلمين الآن قد انقطعوا عن الله بدل أن ينقطعوا إلى الله، انقطعوا عن الله!! وإذا انقطعنا عن الله، معنى ذلك أننا لا نطمع أبداً في معجزة، أو آية إلهية خارقة من الخوارق، لا تتوقع أن الله يمدك ويغيثك بزلزال يُدمر عدوك، أو أن الله تعالى يمدك ويغيثك بريح تدمر عدوك، أو أن الله تعالى يمدك بطوفان يأتي على عدوك، أو أن الله تعالى يمدك بالملائكة يقاتلون معك ضد عدوك، لا تنتظر شيئاً من هذه الخوارق، إذا كنت قد انقطعت عن الله تعالى، إذا كنت اعتمدت على قوتك، وعلى إمكانياتك، وعلى قدراتك المادية، وَكَلَكَ الله إلى هذا، خاصةً وأنك بالقياس إلى عدوك قليل من كثير، فما هي قوة الأمة الإسلامية بالقياس إلى قوة عدوها؟! لا شك أنها ضعيفة، وأننا إن كُنَّا سنقاتل عدونا بقدراتنا المادية البشرية، فإننا لا يمكن أن ننتصر بحالٍِ من الأحوال، لكننا نملك أيها الإخوة أفتك سلاح، وهذا ليس مجرد كلام شائع، لا، أبداً يا إخوان، هذا القرآن الكريم مليء بالأشياء التي أمد الله تبارك وتعالى بها أولياءه، أليس الله عز وجل هو الذي أيبس البحر لموسى ومن معه؟ أليس الله عز وجل هو الذي قال للنار: يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الأنبياء:69].
أعدوا ما استطعتم، لكن إن استفرغتم وسعكم، فلا تعتمدوا على إعدادكم، فإن إعدادكم بالقياس إلى قوة العدو غالباً قليل، لكن اعتمدوا على الله عز وجل، فإنه يكمل نقصكم.
أيها الإخوة المؤمن المعتبر حاله كحال وهب بن منبه رضي الله عنه، يروى أنه سجن يوماً من الأيام في السجن، فقال له أحد الحضور: [[يا
لذلك انظر مثلاً إلى موسى عليه الصلاة والسلام، لما أخذت قومه الرجفة ماذا قال؟ قال: رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ [الأعراف:155].
ويونس عليه الصلاة والسلام في بطن الحوت قال: لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:87] فعاد إلى نفسه يلومها، ويعاتبها، ويوبخها، ويستغفر من ذنبه.
نوح عليه السلام يقول لقومه: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً [نوح:10-12].
جاء رجلٌُ إلى الحسن البصري -رحمه الله- وهو في المجلس، فقال له: يا أبا سعيد، إننا في بلدٍ قد قحطت فيه السماء، فلا تُمطِر، وأجدبت الأرض فلا تُنبِت، فقال: استغفر الله عز وجل -عليك بالاستغفار- ثم قام من عنده، فجاء إليه رجل آخر، وقال له: يا أبا سعيد، أنا رجلٌُ تزوجت منذ كذا وكذا، ولا يولد لي ولد، فقال: عليك بالاستغفار، فقام من عنده، فجاء له رجل ثالث، وقال له: يا أبا سعيد أنا رجلٌ لا أذهب إلى تجارة -أقيم مؤسسة أو شركه- إلاَّ تَفْشَلْ -كلما اتجهت إلى جهة خسرت- فقال: عليك بكثرة الاستغفار، فقال له بعض الحضور: يا أبا سعيد، ذكروا لك أمراضاً ثلاثة، وذكرت لهم علاجاً واحداً!! قال لهم: إن الله تعالى يقول: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً [نوح:10-12].
إذاً: من أراد المال، من أراد البنين، من أراد الجنات، من أراد الأنهار، فعليه بكثرة الاستغفار.
فهم في الدنيا كشأنهم في الآخرة، أليس الله عز وجل أخبر عن هؤلاء القوم في الآخرة حين يعاينون النار بأعينهم، ويوقفون عليها، كما ذكر عز وجل عنهم وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنعام:27] فهذا كلامهم، قال الله عز وجل وهو أصدق القائلين: بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ [الأنعام:28].
حتى بعد أن عاينوا النار بأعينهم وشاهدوها وقاسوا شيئاً من حرها ولهيبها، وخوفها، لو ردوا إلى الدنيا لعادوا لما نهوا عنه.
يقول: ابن عباس رضي الله عنه: [[كل شيءٍ في القرآن "لو" فهو مما لا يكون]]. لكن لو فرض أنهم ردوا، لرجعوا إلى ما كانوا عليه من الكفر والضلال والفساد: وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ [المؤمنون:76].
يقول مجاهد: العذاب هو السَنة، يعني: القحط، والجدب، والجوع، وغير ذلك.
هذا هو السبب الذي نـزلت فيه الآية، وبعد ذلك عادوا إلى ما كانوا فيه من الكفر: وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ [المؤمنون:76] وهكذا شأن الكافر حتى يرى العذاب.
ولازلنا في الأسباب المادية، إذاً لاحظت الكافر كيف عقليته! وكيف تفكيره! وكيف نظره! فالمسألة عنده مادية بحتة يقول: هناك قمة مرتفعة سوف أصعد إليها، بحيث لا يصل الماء إليَّ، لماذا؟! لأنه لم يتصور أن القضية عقوبة إلهية، بل تصور أن المطر اشتد هذه المرة، وأن المطر لن يصل إلى أعالي الجبال، وبعد ذلك سوف تشربه الأرض، ويعود الأمر كما كان، قال: سَآوي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ [هود:43] لكن الواعين والمدركين يقولون: كما قال نوح عليه الصلاة والسلام، قال: لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ [هود:43].
الموج قطع الحوار بين نوح وبين ولده -حال بينهما- فغرق الولد ونجا نوح عليه السلام. هذه نظرة غير المؤمنين، فهم يفسرون الأمور تفسيراً مادياً، حتى أن أحدهم لما حصل زلزال في مصر، قيل في عهد كافور الإخشيدي، وقيل في عهد الدولة التي تسمى بالدولة العبيدية، وهي الدولة الفاطمية، لما حصل الزلزال فيها، قام شاعر أمام ملك من ملوكها، يُدافع عنه، مع أن الزلزال عقوبة إلهية، لكن ماذا قال الشاعر؟! حَوَّلَ هذه العقوبة إلى نعمة، قال:
ما زلزلت مصر من كيدٍ أَلمََّ بِها لكنها رقَصَتْ مِنْ عَدلِكمْ طَربَا |
فهو يقول: ليس بزلزال بل مصر ترقص فرحاً بكم وبعدلكم وكرمكم!! هنا دور المنافقين، يحولون الكوارث إلى نِعم، ويحولون المصائب إلى أمور يُفرح بها ويُسر بها ويتحدث بها؛ لأن هذا الزلزال ما هو إلاَّ رقص من عدلكم وإنصافكم وإحسانكم، وهذا مدعاة إلى أن الإنسان يستمر ويُصر على ما هو عليه من الفساد والانحلال.
أيها الإخوة: وكم أخذ الله عز وجل الكافرين، والفاسقين، والظالمين، بالآيات والنذر، فربما أصر كثير منهم على ما هو عليه. ولاشك أن ما تعيشه هذه الأمة الإسلامية منذ قرون، منذ أن زالت الدولة الإسلامية الواحدة التي يستظل المسلمون جميعاً بظلها، وأصبح المسلمون شيعاً وأحزاباً لا يوالي بعضهم بعضاً، ولا يناصر بعضهم بعضاً، ولا يغضب بعضهم لبعض، ولا ينتصر بعضهم لبعض، بل ولا يدري بعضهم ما يجري للبعض الآخر، منذ ذلك الوقت وهم في بلاء ومحن لا يعلهما إلا الله عز وجل:
كم يستغيث بنا المستضعفون وهم قتلى وأسرى فما يهتز إنسانُ |
ماذا التقاطع في الإسلام بينكمُ وأنتم يا عباد الله إخوانُ |
لقد مر وقت كان المسلمون يستنجدون بنا في كل بقاع الأرض، فربما أعرض كثير من المسلمين عن غوث إخوانهم، ونصرتهم والقيام بحقوقهم، كم كنا نسمع من استباحة الأعراض في كل مكان، في لبنان، وفي فلسطين، في أفغانستان، في القريب في البعيد، فماذا كنا نقول؟! كان كثير من الناس يقول: إنهم يستحقون، هؤلاء وقعوا في المعاصي والذنوب، وعثوا في الأرض الفساد، سبحان الله! ونحن ما هو حالنا؟! هل نحن أتقياء بررة؟! وهل نحن أطهار أخيار؟! أليس فينا الفساد والانحلال، والضياع، والتقصير، والربا، والمعاصي، والتقاطع، والتدابر، والتقصير، والجهل، والهوى، والغفلة، والتعلق بالدنيا، وموالاة الكفار، وارتكاب المعاصي؟! أين هذا؟! هل نحن في عالم آخر؟! أليست رياح الفساد هبت علينا من كل مكان؟! فكيف نتصور أن المسلمين يشردون في كل مكان ونحن بمنجاة مما يصيبهم؟! ثم سمعنا أخباراً أخرى وثالثة ورابعة، ولعل آخر ما سمعنا هو ما جرى لإخواننا في الكويت وهي البلد المجاور، وكان الناس يقولون بملء أفواههم. أما هذا البلد ففيه وفيه وفيه!
لكن المصيبة والمشكلة، أنك تُبصِر عيوب الآخرين وتنسى عيوبك! وكثير من المسلمين، وأخص هذه البلاد اليوم، مازالوا يتكئون على كلمة يرددونها في مناسبة وغير مناسبة، أن هذه البلاد بحمد الله أهلها أصحاب عقيدة سليمة، وهذه البلاد بحمد الله هي قلعة الإسلام، وهذه البلاد بحمد الله هي البقية الباقية، وهذه البلاد بحمد الله هي التي سلمت من الشرور، وهذه البلاد بحمد الله... وهذه البلاد بحمد الله... ونحن لا ننكر أبداً أن هذه البلاد أحسن من غيرها، لكن غيرها قد يصل إلى القرار، إلى الهوة السحيقة، إلى نهاية الوادي، فهل إذا كفر الناس، ونحن دونهم بشبرٍ أو ذراع قلنا: الحمد لله، نحن أحسن؟! لماذا ننظر إلى غيرنا؟! لماذا لا ننظر إلى حالنا الآن مع ما يجب علينا في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟! بل لماذا لا ننظر إلى حالنا الآن مع حالنا في الماضي؟! هل نحن في زيادة أم نحن في نقص وتأخر؟!
فإن الشيء الذي ينقص ينتهي، والشيء الذي يزيد يصل إلى كمال، فإذا نظرت إلى أحوالنا لوجدت أمور المسلمين تتأخر وتتردى في كافة المجالات، يوماً بعد يوم، فتدرك أن الخطر داهم، وأنه لا ينفعنا أبدا أن نتعلل بوضعٍ كُنا عليه، كنا وكنا، لا تكن (كنتياً) يقول: كُنت وكُنت:
كُن ابن من شئت واكتسب أدباً يُغنيك محموده عن النسبِ |
إن الفتى من يقول هأنذا ليس الفتى من يقول كان أبي |
فاعتمادنا على أنه كان حالنا في يوم من الأيام كذا وكذا هذا ليس بصحيح ولا يكفي، كذلك اعتمادنا على قضيه صلاح العقيدة، صحيح أن العقيدة بحمد الله، ليس عندنا قبورُ تُعبد، وليس عندنا مزارات منكرة، وليس عندنا بدعٌ مُنتشرة، لكن لماذا لا نتساءل عن أمورٍ قد خرقت عقيدة الأمة كلها، والأمة في غفلة؟!
مثلاً: قضية التعلق بالدنيا، قد يعبد الإنسان وثناً، أو صنماً، أو ولياً، وقد تُنسى عبادة القرش، والريال، والدرهم، والدينار، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار} فلماذا لا أتصور هذا، وأنه من أعظم الأشياء التي تخل بالعقيدة: أن من الناس من أصبحوا عبيداً للدنيا، عبيداً للمنصب، أو للشهوة، أو للقرش، والريال، أو للوظيفة، أو للكرسي، أو لفلان، أو للزعيم؟!
قضية أخرى: وهي الولاء للكفار: أصبح كثير من المسلمين يحبون الكفار من أعماق قلوبهم، ويتكلمون عنهم بكلام عجيب، على حين يذمون إخوانهم المؤمنين ويسبونهم وينالون منهم، والكافر أصبحً عزيزاً كبيراً في أعيننا له عندنا المكانة، وهو الولي، وهو المحب، وهو المدافع، وهو النصير، وهو الحامي، وأصبح المسلم مُبغضاً؛ لأنه من بلدٍ آخر!! أليس هذا واقعاً؟! إذاً: أين الولاء والبراء؟! يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51].
هذا يخل بأصل العقيدة عند المؤمن، كثير من المؤمنين انسلخوا -والعياذ بالله- من حقيقة ولائهم وبرائهم، وأصبحوا يوالون، ويعادون في الدنيا، وحسب ما تقتضيه أصول الإعلام الذي يرسم عقولهم، ويصور لهم الأمور بصورة غريبة.
الجواب: أرى أنه لا بأس من أن يبيع لهم الإنسان ما يحتاجون إليه، لكن مع بغضهم، ومعرفة أنهم أعداء، كما أخبر الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ [الممتحنة:1] وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً [النساء:89] وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ [القلم:9] وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120].
الجواب: في الواقع أن العلماء الذين أذعنت الأمة لعلمهم وفقههم وفهمهم قد جاوزوا القنطرة، ولا يضرهم من تكلم فيهم، لأنهم قد اتفقت الأمة عليهم، وتوحدت كلمتها إجمالاً، ولا يعني هذا أنهم معصومون، لكنهم إن أخطئوا فهو باجتهاد فَهُم مأجورون إن شاء الله، ولهم فيه تأويل سائغ، فلا ينبغي النيل من العلماء، ولا التعرض لأعراضهم وجعلهم ديدناً وهماً للإنسان، وينبغي أن يخاف العبد من العقوبة التي أشار إليها ابن عساكر حين قال: "اعلم أخي أن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله تعالى في هتك منتقصيهم معلومة، ومن وقع فيهم بالثلم، ابتلاه الله تعالى قبل موته بموت قلب".
الجواب: أما الدعاء للكفار بالعز، فهو -والعياذ بالله- من أبشع صور الموالاة للكافرين، لأن عز الكافرين ذل للمسلمين، وهذه قاعدة ومعادلة لا تختلف أبداً، عز الكافر ذل للمؤمن، فإذا دعوت بعز الكافرين، فهذا بحقيقة الأمر ذل للمؤمنين، فليتق الله من قال هذا، وليقل: أتوب إلى الله، قبل أن تقبض روحه على هذا الحال.
أما الهجمة الشرسة على المرأة المسلمة، فالدور كبير -ولعله سبق الكلام بشيء من ذلك- لكن علينا دور تجاه هذه الحملة: تجاه نسائنا، وتجاه أختك وزوجتك وقريبتك في البيت، ثم دور أكبر تجاه النساء في المجتمع، بقيام الحلقات العلمية والدروس وتنشيط المحاضرات في مدارس البنات، والمحاضرات في المساجد، خاصة بالمرأة -أيضاً- وننشر الكتب التي تتعلق بالمرأة، ومحاولة إيصالها إليهن بكل وسيلة.
أما دور المسلم في الأحداث، فإنه دور كبير، ولعل من أهم الأدوار:
أولاً: التضرع إلى الله تعالى والتوبة إليه.
ثانياً: العمل على إزالة المنكرات الموجودة في المجتمع، فإنها أسباب الخروج من هذه الأزمات وثالثا: تثبيت الناس، لأن الناس في حالة ارتباك، وتضعضع، واختلال في المفاهيم، واضطراب في الولاء والبراء ومعرفة العدو من الصديق، وخوف شديد يحتاجون إلى من يثبتهم ويطمئنهم ويقول لهم بملء فمه: إن المستقبل للإسلام، وإن المستقبل لهذا الدين، وأنكم أيها المسلمون لغانمون ومنصورون بإذن الله عز وجل.
الجواب: إذا أُجبرت فلا شيء عليك، ولك أن تأخذ راتبك من هناك.
الجواب: جاء في صلاة المسبل حديث عند أبي داود، عن أبي هريرة قال: بينما رجل يصلي مسبلاً إزاره إذ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: {اذهب فتوضأ، فذهب فتوضأ ثم جاء، ثم قال: اذهب فتوضأ، فذهب فتوضأ ثم جاء، فقال له رجل: يا رسول الله، مالك أمرته أن يتوضأ؟ ثم سكت عنه فقال: إنه كان يصلي وهو مسبل إزاره وإن الله جل ذكره لا يقبل صلاة رجل مسبل إزاره} ولكن الحديث ضعيف، فيه رجلٌُ اسمه أبو جعفر من أهل المدينة وهو مجهول فالحديث ضعيف، لكن الإسبال لا شك في تحريمه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم، كما في البخاري: {ما أسفل من الكعبين من الإزار في النار} وفي الحديث الآخر: { ثلاثة لا ينظر الله إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب إليم وذكر منهم المسبل}.
الجواب: إذا دعوت الله تعالى أن يشفع فيك نبيه صلى الله عليه وسلم، مثل أن تقول: اللهم شفع فيَّ نبيك محمد صلى الله عليه وسلم فلا حرج بذلك.
الجواب: زيارة الصالحين مشروعة، وفي صحيح مسلم: { إن رجلاً زار أخاً في قرية فأرصد الله تعالى على مدركته ملكاً فقال له: أين تريد؟ قال أريد أخي فلان، أزوره في الله عز وجل، قال هل لك عليه من نعمة تردها عليه، قال لا: غير أني أحبه في الله، قال: فإني رسول الله تعالى إليك، أن الله تعالى يحبك كما أحببته فيه } فزيارة الصالحين خير وبركة وهي قربة إلى الله عز وجل.
الجواب: هذا ليس بلازم، فإن أولاً: كل من دعا إلى الله عز وجل، داخل نحن إطار أهل السنة والجماعة، ولا ارتكب بدعة غليظة يخرج بها عن مسمى أهل السنة، فهو إن شاء الله إلى خير، ولا ينبغي أن نفرق المسلمين أو أن يكون النيل من فلان أو من علان؛ لأننا أمام عدوٍ كافر نحتاج إلى أن نوحد كلمتنا إزاءه وأن لا يشتغل بعضنا ببعض، وإن كان مثل هذا لا يمنع من النصيحة والتنبيه على الأخطاء الموجودة عند هذه الطوائف التي أشار إليها السائل، فما من جماعة إلا وعندها صواب اجتهدت ووفقت فيه، وعندها خطأ اجتهدت ولم توفق فيه، فنحن نسعى إلى تثبيت الصواب الذي عندها وإزالة ومحو الخطأ الذي وقعت فيه بالحسنى وبالكلمة الطيبة وبحسن الظن، وأما الهجوم والتشفي والشتم والسب، فلا أرى أنه من وسائل الدعوة في هذا الوقت، ولا في أي وقتٍ من الأوقات، والحق الذي سأل عنه الأخ ليس بلازم أن يكون عنده طائفة بعينها، بل قد يكون بعض الحق عند هؤلاء، وبعضه عند هؤلاء، وبعضه عند هؤلاء، والحق ضالة المؤمن أينما وجده أخذه.
الجواب: خروج النساء إلى الأسواق متبرجات لا يجوز بحالٍ من الأحوال؛ لأن الله تعالى يقول: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأحزاب:33] فالمرأة المؤمنة مطالبة بألا تتبرج بالزينة عند رجلٍ أجنبي، ولا يجوز للمرأة أن تخرج متبرجة أو متطيبة، حتى أفتى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما في السنن، بسند حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: {أيما امرأة استعطرت ثم خرجت فمرت على رجالٍ ليجدوا ريحها فهي زانية } وليس معنى زانية أنها وقعت في الزنا الذي هو الفاحشة لكن هذا هو نوع من الزنا، كما في الحديث الآخر: {العين تزني وزناها النظر، والأذن تزني وزناها السمع والفم يزني وزناه القبلة -وفي رواية الكلام- واليد تزني وزناها اللمس، والرجل تزني وزناها المشي، والقلب يتمنى والفرج يصدق ذلك أو يكذبه } فهذا نوعٌ من الزنا لا يجوز للمرأة المسلمة أن تقع فيه، وهي تخاف الله عز وجل.
الجواب: الأناشيد تجوز بشروط:
الأول: أن تكون المعاني التي احتوت عليها الأناشيد معاني شرعية ليست فيها بدعة ولا محرم ولا منكر.
الثاني: أن لا يكون معها ضربٌ بالطبل، أو الموسيقى من آلات اللهو.
الثالث: أن لا تغلب على الإنسان، وتكون كل همه، لما رواه البخاري في صحيحه: {لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً وصديداً خيرٌ له من أن يمتلئ شعراً} أما الدليل على جوازها -فهذا معروف- فالرسول صلى الله عليه وسلم، كان يوصي حسان بن ثابت أن يشعر في المسجد، كما في سنن الترمذي، وقال: حسن صحيح، فيقوم عليه، وينشد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي البخاري في الصحيح { أن
الجواب: بالنسبة لمتابعة الأخبار، فالمسلم مطالب أن يتابع الواقع ويدري ما يجري في الدنيا، أما الاعتماد على هذه الأشياء، فالإنسان ينبغي أن يكون أكبر منها، ويدرك أننا ولله الحمد، عندنا من الانطلاق بالفكر والنظر والإيمان، ما يجعلنا أقدر منهم في أن نتصور الأحداث، ولو كانوا يملكون من الوسائل والإحصائيات ومراكز المعلومات ما يملكون.
الجواب: هذه ضريبة التمسك بالدين يا أخي الكريم -إن صح التعبير- هذا الذي تدفعه دليل على أنك مستعد أن تتخلى عن ذلك، أليس المسلم يدفع الزكاة، والكافر لا يدفعها فأنت لماذا تخرج المال؟ لكي تنال ما عند الله عز وجل، أليس المسلم يتخلى عن شهوته لابتغاء مما عند الله؟! أنت كذلك قد تتخلى عن درجات، أو عن مستويات عالية، تبتغي ما عند الله عز وجل، مع أنه ينبغي للطالب المسلم أن يكون مجتهداً مبرزاً بين زملائه وأقرانه.
الجواب: لا يجوز لك أن تذهب، ما دام حالك بهذه الحال أن تترك والدتك.
تركت أباك مرعشةً يداه وأمك لا يسيغ لها شرابُ |
لا يجوز لك أن تفعل ذلك، أما الجهاد في أفغانستان فهو ليس فرض عين وإنما هو فرض كفاية.
الجواب: لا بد أن يعرف من أصحاب هذا المال، ويعيده إليهم، فإن لم يستطع أن يدفع لهم المال الآن، فإنه يكسبه ديناً في ذمته أو يتحلل منه.
الجواب: نعم فيعمل بها، لكن ينبغي أن نميز المصالح من المفاسد، فإن كلمة الحق لا يجوز الصمت عنها، والإنسان إن لم يستطع أن يقول الحق بنسبة (100%) يقول بنسبة: (50%)، وإن لم يستطع أن يصرح بالحق، فليلمح به ليعلم الناس الأمر.
الجواب: نعم فيه خطورة سواء كان البث الذي قد يصل إلى هذه البلاد -كما أعلن أمس عن البث المصري الذي هو بأموال سعودية- أو البث الأجنبي وهو الذي بدأ يدهم ويذاع على المنطقة الشرقية، أو البث المباشر الذي سوف يأتي من بعض الأقمار الصناعية لا شك أنه خطر كبير، لكن ينبغي أن ندرك أن الأمور في المستقبل والله تعالى أعلم سوف تكون خير بلا شك للإسلام والمسلمين، لماذا؟ لأن الأمور سوف تتضح ليس هناك مجال للإنسان في أن يماري أو يداهن أو يكون الدين بالوراثة، لا. إما أن يهتدي الإنسان على بصيرة، أو يضل على بصيرة، وهذا لا شك فيه خير كبير، أهم مقومات النصر. كما قال تعالى: وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ [الفتح:25] إلى آخر الآية، ونحن مطمئنون بأن ما يجري فإنه سوف يصب في بحر خير الإسلام والمسلمين، وبشرط: أن نبذل الجهد ونجمع الكلمة ونشتغل بالدعوة، الدعوة أيها الإخوة، كن داعياً حيثما قعدت، وحيثما قمت، في البيت، في المدرسة، في السوق، في الشارع، في المسجد، حاول أن تكون داعية ذا خلق حسن، ابتسامة عريضة تكسو وجهك، بالكلمة الطيبة، بالهدية، بالسخاء، بالكرم، بالجود، بالدأب والاستمرار والإصرار والتواضع، واطمئن إلى أن العاقبة للتقوى كما أخبر الله عز وجل.
الجواب: إن كانت هذه المادة لها جرم يمنع وصول الماء فلا يجوز ذلك، أما إذا كانت مجرد لون كالحناء مثلاً فلا حرج فيه.
الجواب: لا يصلح هذا.
الخاتمة:-
أسأل الله تعالى في ختام هذا المجلس أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، اللهم إنا نبرأ إليك من أنفسنا وذنوبنا ومعاصينا وأخطائنا. اللهم انصرنا على عدوك وعدونا، اللهم افضح المنافقين من العلمانيين وأعداء الدين، اللهم افضحهم وأظهر أسرارهم، اللهم اجعل ولاءنا لك ولرسولك وللمؤمنين، اللهم ثبتنا بقولك الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لكونن من الخاسرين، استغفروا ربكم ثم توبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم، اللهم صل على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً مباركاً إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر