اللهم أنـزل على هذا الجمع المبارك من بِرِّكَ وجودِكَ ورحمتِكَ يا حي يا قيوم، ما تبيض به وجوههم، وتشرح به صدورهم، وتنور به دروبهم، وتغنيهم به من الفقر، وترحمهم به يا حي يا قيوم، وتعزهم به من الذلة، اللهم اجعل هذا الجمع جمعاً مباركاً، اللهم اغفر لنا في ليلتنا أجمعين، وهب المسيئين منا للمحسنين.
أما بعد:
من أسماء الله تبارك وتعالى الجواد، أي ذو الجود والكرم، فهو الذي يُعطي بغير حساب، ويُعطي من لا يستحق العطاء، حتى إنه جلَّ وعلا لم يقصر عطاؤه في هذه الدنيا على المؤمنين الصادقين القانتين فحسب؛ بل حتى الكفار يأكلون من رزقه، ويتنفسون الهواء الذي أعطاهم، ويشربون الماء الذي سقاهم، ويأكلون الطعام الذي سخر لهم، وهم يكفرون بالرحمن، فخيره إليهم نازل، وشرهم إليه صاعد، وفي الحديث القدسي يقول الله عز وجل: {إني والإنس والجن لفي نبأٍ عجيب، أخلقُ ويُعبد غيري، وأرزق ويشكر سواي، خيري إليهم نازل، وشرهم إلىَّ صاعد} ماذا قالوا؟ قالوا: اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً [مريم:88] وقالوا: إن له صاحبة من الجن وقالوا: إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ [المائدة:73] وقالوا:إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ [آل عمران:181].
بل بلغت الوقاحة بأقوام أن يقولوا: إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ [المؤمنون:37] ويقولوا: وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ [الجاثية:24].
وهذا كله لم يحل بينهم وبين رزق الله وعطائه، فهؤلاء الكافرون المعاندون المرتدَّون والملحدون، يأكلون مما رزق، ويشربون مما خلق، ويتنفسون هواءه، ويعيشون في كونه، يستظلون سماءه، ويجلسون على أرضه، وهذا من جميل عطائه.
هذا الذي أعطاك ويرضى منك بهذه الكلمة، متى خرجت من قلبٍ صادق.
وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها} فهذا يرضي الله تبارك وتعالى عنك.
وهذه الكلمة التي تبذلها لكل إنسان ممن يستحق ومن لا يستحق، ألا ترى حقاً عليك أن تبذلها لهذا الخالق العظيم الحكيم المبدع العظيم، فتقول له وأنت تعفر وجهك بالتراب، وتقول له وأنت ساجد: شكراً لك يا رب على جميل عطائك، أصححت جسمي على حين أن المستشفيات ملأى بالمرضى، وأحييتني على حين أني قد سرت خلف أعدادٍ كبيرةٍ من الجنائز. وأودعتُهم إلى القبور، وعافيتني إذا ابتليت غيري، وأغنيتني إذ أفقرت غيري، ورزقتني سمعاً وبصراً وفؤاداً، وأنت خير الرازقين، فشكراً لك يا رب من أعماق قلبي، شكراً لك على هذا العطاء الذي لا ينتهي، وشكراً لك على هذه المنن التي لستُ لها بأهلٍ، ولكنك أنت يا رب أهل التقوى وأهل المغفرة.
قال تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [البقرة:126] فهذا أبونا وسيدنا -سيد الحنفاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام- يدعو الله تعالى لهذا البلد، مكة وما حولها أن يجعلها الله بلداً آمناً وأن يرزق أهلها من الثمرات، ثم تذكر إبراهيم شرطاً فقال: وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [البقرة:126] أي: كأن إبراهيم دعا للمؤمنين بأن يرزقهم الله تعالى، قال الله تعالى: وَمَنْ كَفَرَ [البقرة:126] يعني: الرزق ليس خاصاً بمن آمن بالله وعمل صالحاً، ولكن الرزق يأكل منه حتى الكافرون، فيغدق الله تبارك وتعالى عليهم النعم، ولكن يضطرهم بعد ذلك إلى عذاب النار وبئس المصير.
فتجد الكثيرين يكتبون كلمات العرفان لهذا الطبيب، وربما نشروها في المجلات والجرائد، أو لمن تعاون معهم، أو لمن تسبب في نقلهم إلى مستشفى من المستشفيات، أو لمن واساهم أو لغير ذلك، لكن ربما ينسى الكثيرون توجيه الشكر الخالص للمنعم الأول وهو الله جل وعلا.
من الذي وجه قلوب الناس إليك حتى أعانوك وساعدوك؟! من الذي حرك همة الطبيب حتى عُني بك وأبدى وسعه في علاجك؟! من الذي جعل العلاج شافياً ونافعاً؟! وربما تناول إنسانٌ علاجاً فكان فيه حتفه، وكان سبب هلاكه، فمن الذي جعل هذا العلاج بلسماً وترياقاً شافيا لك من مرضك؟ إنه الله، فلابد أن توجه الشكر له أولاً قبل أن تشكر المخلوقين.
إذاً تعبَّد له تعالى بكثرة الثناء عليه، وكثرة مدحه في الخلا وفي الملا، أعني في خلوتك وانفرادك عن الناس، وفي حضور الناس.
يا أخي! تذكر، لو أن إنساناً من الناس صنع لك معروفاً، فإنك إذا كبر المجلس من حولك، قلت: فلان جزاه الله خيراً، والله ما قصر فعل معي كيت وكيت... وإذا كان في المجلس أحدٌ يعرفه وتتوقع أنه سوف ينقل إليه الكلام، ويقول: فلانٌ قال فيك كذا وكذا، فإنك تبالغ في المدح، وتقول: لا أعلم أحداً له في عنقي مِنَّهً بعد الله عز وجل، وبعد رسله، وبعد الصالحين، وبعد والدي مثل فلان، فقد قدم لي من الخدمات كيت وكيت وكيت. ومن الجيد أن تفعل ذلك؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {من صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له، حتى تجدوا أنكم قد كافأتموه} فإذا كان هذا في شأن المخلوق، أليس الله من حقه علي وعليك أن نمدحه سبحانه، ونثني عليه، ونعطر مجالسنا بذكره، ونتلو آياته، وأسمائه الحسنى في الليل وفي النهار، وفي الغدو وفي البكور...؟! يقول الله تعالى: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [الحشر:22] هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ [الحشر:23] هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الحشر:24] سبحان الله! كل الكون يسبح الله تعالى، ويلهج بذكره، كما قال الله تعالى: تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ [الإسراء:44] فكل شيء يسبح الله تعالى، حتى الجبال، قال تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ [سبأ:10] فكانت الجبال تُسبِّح بتسبيح داود عليه الصلاة والسلام، فيسمع لها زجلٌُ بذكر الله تعالى، وتسبيحه، والطير تسبح الله تعالى وقد سُخرت لداود عليه السلام، فالإنسان فقط هو الذي يشذ أحياناً عن هذا الموكب فينحرف ويعصي، يقول ربنا عز وجل: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [النور:41].
أتدري كم عدد الملائكة في السماء؟ الله أعلم. لكن خذ نموذجاً واحداً فقط: في السماء السابعة البيت المعمور، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون فيه إلى يوم القيامة، كما في صحيح مسلم، فهم يدخلون مرةً واحدة فقط، يومياً سبعون ألف ملك، واحسب من بداية الدنيا إلى يوم القيامة، واضربها في سبعين ألف، فهؤلاء الملائكة الذين يدخلون البيت المعمور. وفي صحيح مسلم أيضاً عن أبي ذر يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {أطَّت السماء} والأطيط: هو أزيز الرحل بالراكب، فإذا ثقل عليها الحمل صار له أزيز من ثقل ما فوقه، كذلك السماء لها أزيز من ثقل من فوقها من الملائكة: {ما فيها موضع أربعة أصابع إلا وفيه ملك واضعٌ جبهته لله عز وجل راكعُُ، أو ساجدُُ، أو قائم!!} أهل السماء الأولى يقولون: سبحان ذي الجبروت والملكوت! وأهل السماء الثانية يقولون: سبحان ذي الملك والملكوت، وأهل السماء الثالثة يقولون: سبحان الحي الذي لا يموت. وهكذا، خلق لا يحصيهم إلا الله عز وجل، هؤلاء ليس لهم وظيفة إلا التسبيح لله، وذكر الله، وتعظيم الله، والعبودية المطلقة لله تعالى، فماذا يضر إذا أنفلت إنسان من هذا الموكب وكفر بالله، قال تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ [الحج:18] فمن الناس من يسبح الله عز وجل ويحمده ويشكره، فهذا مشى في هذا الموكب الكريم وأطاع الله تعالى، وآخرون لا يسبحون الله فحق عليهم العذاب وأهانهم رب العالمين، قال الله تعالى: وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ [الحج:18] فهل أنت تتعبد لربك بالثناء عليه؟
وهل أنت تعبد الله تعالى بمدحه والثناء عليه أم لا؟
فإذا قلت: الله غني، نعم هو غني سبحانه؛ لكن أنت المستفيد، فأنت المستفيد لأنك تؤدي بعض شكر نعمة الله، وتؤدي بعض الجميل، مع أنك لا تستطيع أن تقوم بأداء نعمة الله تعالى.
والله لو ضللت عمرك كله من يوم أن وعيت إلى أن تموت وأنت في سجدةٍ واحدةٍ لله وفي صلاةٍ وذكرٍ وتسبيح فإن هذا لا يؤدي شيئاً يُذْكَر من شكر نعمة الله تعالى.
عمرو بن العاص
رضي الله عنه -كما في مستدرك الحاكم وغيره وسنده جيد- لما حضره الموت كان عنده ولدهعبد الله
فقال له: جبل رضوى على عنقي -جبلُُ ضخمٌ عظيمٌ في طريقعمرو
: بايع، قلت: يا رسول الله! أريد أن أشترط، قال: تشترط ماذا؟ قال: أريد أن أشترط أن يغفر لي، قال: بايع فإن الإسلام يجب ما قبله، والتوبة تجب ما قبلها، والهجرة تجب ما قبلها -أو قال الحج- قال: فبايعته، فوقع حبه في قلبي، حتى إني ما كنت أستطيع أن أنظر إليه صلى الله عليه وسلم، إجلالاً وإعظاماً له، فلو مت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة، قال: ثم ولينا أشياء لا أدري ما حالي فيها]] يعني تولى أمور الخلافة والمشاركة في أحوال القتال، والإمارة وغيرها من الأشياء التي يخاف من عواقبها، ولا يدري ما حاله فيها، إلى آخر الخبر. المهم أن حالة الموت وساعة الصفر كما يقال: من أحرج المواقف، فمن هو الذي سوف يسعفك؟ يقول الله في القرآن الكريم: ((فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ))[الواقعة:83-87]. فهذا تحدٍ، إذا كنتم لا تؤمنون بالجزاء والحساب، وتظنون أنكم لن تدانوا ولن تحاسبوا يوم القيامة، فارجعوا الروح إلى الجسد، فارجعوها إن كنتم صادقين، وهيهات!! فالله وحده هو الذي يمكن أن يسعفك وينقذك، فيلطف بك، ويرأف بك في هذا الموقف العسير، وينـزل عليك من السكينة والجود ما يجعلك تموت وأنت قرير العين، وفرح بلقاء الله: {بلال
:حذيفة
وغيره: [[الجواب: في الواقع أن جهاز التسجيل الآن، وما يُستخدم فيه من أشرطة إسلامية من أشرطة القرآن الكريم، وأشرطة المواعظ والخطب والدروس والمحاضرات وغيرها، مما لا يُستغنى عنه بحالٍ من الأحوال، وقد أجمعت الأمة كلها في مشارق الأرض ومغاربها على فائدة هذا الجهاز وأهميته؛ إذا استخدم في مثل هذه الأمور، فلن يكون أبوك على صوابٍ إذ منع مثل هذا خاصة مع وجودك أنت في البيت، وأنت -إن شاء الله- شابٌ صالح، فحقٌ على أبيك أن يدع الأمر لك، في وجود جهاز التسجيل في البيت وكذلك جهاز الراديو إذا كان لا يُسمع فيه إلاَّ ما يرضي الله: من القرآن الكريم، وفتاوى العلماء، وغير ذلك.
وينبغي لأبيك أن يراجع نفسه بأن يعلم أن هذا الجهاز سواء الراديو، أو المسجل يظهر فيه العلماء، وعلى رأسهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، وفضيلة الشيخ محمد بن عثيمين، ومن قبل ذلك الشيخ عبد الله بن حميد، وجميع علماء المسلمين بدون استثناء، فلن يكون هناك مسوغ بأن يسلك منهجاً غير مسلك العلماء، فإنهم هم الأسوة والقدوة، وإذا أصر على موقفه، فمن حقك أن يوجد هذا الجهاز في بيتك دون علمه وأن تسمعه فيما لا يؤذي أباك ولا يضايقه، ولا حرج عليك في ذلك -إن شاء الله- ما دمت باراً بأبيك قائماً بحقه.
الجواب: أرجو الله أن تعالى أن يكون الأمر كما ذكرت، وأن يكون الجميع قد استفادوا ويستفيدون، فإن العبرة هي بثمرة القول، لا بحسنه في ذاته أو بكونه حقاً في ذاته، والتركيز على هذه العقيدة وإحياء القلوب بها، هو من أهم الأشياء التي ينبغي أن يُعنى بها العلماء والدعاة إلى الله تعالى.
الجواب: كل إنسان بحسب وسعه وطاقته، وقد نقل عن السلف في ذلك أشياء متنوعة، فمنهم من كان يختم في يوم، ومنهم من كان يختمُ في يومين، ومنهم من كان يختمُ في ثلاث، ولكن جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: {ما عقل من ختم في أقل من ثلاث} وأمر عبد الله بن عمرو بن العاص أن يختم القرآن في أسبوع، وهذا في أيام السنة كلها، فعلى الإنسان أن يقرأ في أوقات فراغه كلها، ولا يكن همه أن يختم فحسب، وليكن همه أن يحرك قلبه بالقرآن، وهمه أن يحيي موات نفسه بذكر الله تعالى، وأن يتدبر القرآن؛ فإن القرآن إنما نـزل كما قال تعالى: لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29] ولهذا كونه يقف عند معاني القرآن، ويردد الآيات، ويتأثر بها، ويخشع ويتخشع ويبكي ويتباكى، فإن هذا خيرٌ من كونه يهذّ القرآن هذّاً كهذّ الشعر، وينثره كنثر الدقل، لا يقف عند آياته ولا عند معانيه، فعلى الإنسان أن يكثر من تلاوة القرآن وأن يحرك قلبه به، ثم ما تيسر من الختم بعد ذلك فحسن، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن كله مرات في هذا الشهر ويختمه، وفي حديث ابن عباس رضي الله عنه في صحيح البخاري أنه قال: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة} وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم كان يعرض القرآن في كل سنة مرة في رمضان، فلما كان العام الذي مات فيه وقبض صلى الله عليه وسلم، عرضه على جبريل مرتين، يعني يقرؤه من أوله إلى آخره، ليعرف الناسخ والمنسوخ وما استقر عليه الأمر بعد ذلك، ويكون هذا جُزءاً من قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نـزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9] فعلى الإنسان أن يحرص على ختم القرآن؛ مع حرصه على تدبر معانيه وعبره وآياته.
الجواب: أولاً: عليه القضاء، ولا يجوز له أن يؤخر قضاء رمضان الفائت إلى ما بعد رمضان الثاني إلا لعذر، كأن يكون مريضاً أو يشق عليه القضاء، أو عليه قضاءٌ كثير أو ما شابه ذلك، ولا يستطيع أداءه، فإن جاء رمضان الآخر ولم يقض، فعليه أيضاً القضاء، وقال كثير من الفقهاء: عليه مع القضاء أن يُطعم عن كل يومٍ مسكيناً.
الجواب: حقيقة هذا خطأ، فبعض الآباء لا يرى لولده قيمة ولا قدراً، وهذا خطأٌ كبير، حتى ابنك الصغير يجب أن تعلم أن من أهم وسائل تربيته هو أن تحترمه وتقدره ولا تهينه خاصةً أمام الناس، وتضع له شخصية، فتستشيره في بعض الأمور، خاصة في الأمور التي تخصه هو، حتى لو ذهبت لتشتري لولدك لعبة، فمن المصلحة أن تجعل له قدراً من الاختيار، فتقول له: هذه اللعبة من صفتها كذا، وقيمتها كذا، وهذه من صفتها كذا، وقيمتها كذا، وتجعله يختار، لأنه يخرج بذلك إنساناً قوي الشخصية، له ذاتية وله اعتبار، وأيضاً يخرج محباً ومقدراً لك.
أما إذا سحقت ولدك ولم تجعل له قيمة ولا وزناً؛ فإنه يكبر وهو يشعر بالهضم والضيم، ولا يستطيع أن يستقل بنفسه بأمرٍ من الأمور، فإذا كبر الولد وأصبح متزوجاً فلا يحق لوالده إهانته بحالٍ من الأحوال، لا أمام زوجته ولا أمام الناس، بل ولا حتى على انفراد، فينصح الآباء أن يتجنبوا ذلك، وأن يتقوا الله تعالى، في مثل هذه الأمور؛ فإن هذا لا يحل لهم.
أما بالنسبة لك أنت أيها الولد، فما عليك إلا الصبر الجميل، وأن تدرك أن بِرَّك بأبيك يقتضي حلمك عنه، وصبرك عليه، وتحملك ما يبدر منه، وأنت تقابل ذلك بأن تقول له: سمعاً وطاعة، ولبيك وجزاك الله خيراً، وأحسن الله إليك، وأن لا تواجه ما يفعله أبوك بقسوةٍ أو شدة أو غضب، فإذا خلوت بأهلك أو زوجتك؛ أخبرتها بأن هذا الأمر من والدك أمرُُ لا بد منه؛ لأنه شديد الغضب أو سريع الانفعال، وأنه لا يصبر وأنه يندم بعد ذلك، ولكنه لا يستطيع أن يكف، فتعتذر لوالدك أمام زوجتك أو أمام من أهانك أمامه، فإن خلوت بوالدك فنبهته لذلك بالكلمة الطيبة كان ذلك منك حسن، وعليك على كل حال أن تدرك أن صبرك على والدك سوف تجد بإذن الله تعالى عاقبته في أولادك، فتجد أن الله تعالى يسخرهم لك، ويلين قلوبهم لك، ويحببهم إليك ويرزقهم برك.
الجواب: من أهم الطرق الموصلة إلى التوكل، أن تكثر من ذكر الله تعالى ومعرفة أسمائه وصفاته، فإن من عرف الله تعالى حق المعرفة، توكل عليه، ولهذا كان أكثر الناس توكلاً على الله تعالى هم الرسل والأنبياء؛ لأنهم يعلمون أن مقادير الأمور كلها بيد الله، فهو الأول، والآخر، والظاهر، والباطن، وهو القابض، الباسط، الخافض، الرافع، النافع، الضار، المعطي، المانع، ولهذا كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: {اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد}.
الأمر الثاني: أن تعلم أن الأسباب كلها ما هي إلا وسائل يجري الله تعالى قدره من خلالها، فالأسباب لا تنفع ولا تضر، وإنما هي وسائل يجري الله تعالى القدر من خلالها، فالعلاج الذي تتناوله، بل حتى الطعام الذي تأكله والشراب الذي تشربه، كل هذه الأمور إنما هي وسائل أجرى الله تعالى النتيجة عليها، ولو شاء الله تعالى لجعلها عكس ما تريد.
فعليك أن تكثر من ذكر الله، وتفويض الأمور إلى الله، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه كما في حديث البراء بن عازب في صحيح البخاري يقول: {اللهم وجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، وأسلمت نفسي إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنـزلت وبنبيك الذي أرسلت} وقال الله تعالى: فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ [هود:123] وكان من الدعاء الذي يقرؤه المسلم في كل صلاة، بل في كل ركعة: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] لا نعبد إلا أنت ولا نستعين بغيرك، فاعبده وتوكل عليه.
الجواب: إذا كانت الجنازة تفوت فعليك أن تصلي على الجنازة ثم تصلي العصر بعد ذلك، وهذا الفاصل لا يضر.
الجواب: لا ينبغي للإنسان في حالة الخطبة أن يتشاغل عن الخطبة بشيء لا بسواكٍ ولا بغيره، والسواك له مواضع، فمن مواضع السواك: عند الوضوء، وعند الصلاة، وعند قراءة القرآن، وعند دخول المسجد، وعند دخول البيت، وعند الاستيقاظ من النوم، وكذلك عند تغير رائحة الفم، فهذه هي مواضع السواك، وينبغي أن يعلم أن السواك مشروعٌ في رمضان وفي غيره، قبل الزوال وبعده، لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: {لولا أن أشق على أمتي، لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة } وفي الحديث الآخر: {عند كل وضوء }.
الجواب: إذا احتاجت المرأة إلى منع الحمل لظروف صحية؛ فإن لها أن تمنع ذلك بأي وسيلة من الوسائل التي لا تضر بصحتها، ثم بعد ذلك إذا نـزلت عليها العادة المعروفة -دم الحيض المعروف- فعليها أن تترك الصيام أو الصلاة، فإذا ارتفعت العادة وارتفع الدم المعروف -دم الحيض- كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {دم الحيض أسودُ يعرف} فهو أسود ذو رائحه منتنة تصاحبه آلام في العادة، وإذا وجد في العادة توقفت، وإذا ارتفعت العادة فإنها تصوم وتصلي، وبعض النساء تقول: إنها لو استخدمت حبوباً أو غيرها لمنع العادة؛ ثم امتنعت العادة وصامت تظن أن عليها قضاء تلك الأيام، وهذا خطأُُ ليس بصحيح، بل متى صامت المرأة فصومها صحيح، مادام أن العادة لم تنـزل معها.
أسأل الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، إنه على كل شيءٍ قدير.
وأستغفر الله تعالى لي ولكم ولسائر المسلمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر