إسلام ويب

المجاهرة بالمعاصيللشيخ : سلمان العودة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لا بد أن يهيمن الإسلام على حياة المسلم ولتحقيق ذلك هناك واجبات على المرأة تجاه هذا الدين، وواجبات على أولياء الأمور، كما ينبغي التفطن لأعداء الإسلام ودور الإعلام المساند لهم، والتعاون مع الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر. والله يجيب دعاء عباده الصالحين من الأنبياء وغيرهم ويجيب دعوة المظلوم، وهناك آداب للدعاء ينبغي فعلها، كما أن هناك أسباباً للدعاء لابد منها.

    1.   

    خطر المجاهرة بالمعاصي

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.

    أيها المسلمون... أيها المسلمات...

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،

    في هذه الليلة نستقبل أولى ليالي العشر الأواخر من شهر رمضان، وقد خلفنا وراء ظهورنا عشرين يوماً وليلة من هذا الشهر الكريم، فذهب أكثره وبقي أقله، فالخسار كل الخسار، والبوار كل البوار أن تمضي هذه المناسبات والفرص، ونحن على ما نحن عليه من تفريط وإضاعة وإهمال، وكأننا كما وصف الله عز وجل:فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا [الأعراف:169].

    إنني أود أن أتحدث عن هذه العشر وفضلها، وهدي الرسول صلى الله عليه وسلم فيها، لكنَّ هناك أمراً يقلق بالي ويؤرقني، ويجعلني مضطراً للحديث عنه، وترك الحديث عن هذه المناسبة العظيمة، ألا وهو ما نشاهده اليوم جميعاً في مجتمعات المسلمين من تحلل وفساد وانحلال.

    إن المعصية إذا سترت لن تضر إلا صاحبها، لكنها إذا أعلنت وجوهر بها فإنها تضر الخاصة والعامة، ولذلك حرص الإسلام على حماية المجتمعات من مظاهر الرذيلة والانحلال، حتى قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل عملاً بالليل -أي معصية- ثم يصبح، فيقول: يا فلان! عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، وأصبح يكشف ستر الله تعالى عليه} المجاهر لا يعافى إلا أن يتوب إلى الله عز وجل، وما أكثر ما نجد اليوم في مجتمعاتنا من المجاهرة بالمعاصي! تلك المجاهرة التي توشك أن تحول مجتمعات المسلمين إلى مجتمعات تشيع فيها المعاصي والمفاسد، ويصبح الإنسان إذا أراد أن يستقيم يصعب عليه ذلك؛ لأن المجتمع ضده، فهو يسبح ضد التيار.

    الخطوات المؤدية إلى الفاحشة الكبرى (الزنا)

    إن من المجاهرة بالمعاصي اليوم ما نجده من الخطوات والأسباب والوسائل المؤدية إلى الفاحشة الكبرى "الزنا"، الذي وصفه الله تعالى بأنه فاحشة، وحكم على فاعله -إن لم يكن محصناً- بالجلد مائة جلدة، وإن كان محصناً فإنه يرجم بالحجارة حتى يموت شر ميتة -نسأل الله العافية- وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم مصير فاعليه من الذكور والإناث، بأنه أبشع وأفظع مصير، كما في صحيح البخاري عن سمرة بن جندب رضي الله عنه: {أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الفجر التفت إلى أصحابه، فقال لهم: هل رأى أحد منكم رؤيا؟ فإن رأى أحد رؤيا قصها على النبي صلى الله عليه وسلم. وإنه التفت عليهم يوماً، فقال: هل رأى منكم أحد رؤيا؟ قلنا: لا يا رسول الله. قال: لكني رأيت الليلة ملكين أتياني فأخذا بيدي، فصعدا بي جبلاً عظيماً، فمرا بي على رجل قاعد، ورجل قائم على رأسه معه كلوب من حديد، يضعه في شدقه -أي في الجانب الأيمن من فمه- فيشرشره حتى يبلغ قفاه، ثم يصنع بشدقه الآخر مثل ذلك، فيلتئم الأول، فيعود فيصنع به كذاك، فقلت: ما هذا؟ قالا لي: انطلق انطلق. قال: فانطلقنا حتى أتيا بي على نهر من دم ورجل في وسط النهر، وعلى حافة النهر رجل آخر بين يديه حجارة، فإذا اقترب هذا الرجل ليخرج؛ ضربه فعاد كما كان. فقلت: ما هذا؟ قالا لي: انطلق انطلق. قال: فانطلقنا حتى أتيا بي على شيء مثل التنور، أعلاه ضيق وأسفله واسع، وفيه رجال ونساء، ونيران تتلهب، فإذا ارتفعت بهم النيران صرخوا وضوضوا، فدهش الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا، وقال: ما هذا؟ قالا لي: انطلق انطلق} إلى آخر الرؤيا، المهم: أن هؤلاء الملائكة بعد أن انتهت هذه الرؤيا الطويلة، فسرا للنبي صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى، فقالا له: {أما الرجل الذي يشق شدقه، فهو الرجل يكذب الكذبة فتبلغ الآفاق، فيصنع به ذلك إلى يوم القيامة} فهذه عقوبة الله عز وجل للكذابين، الذين يهتكون أعراض الناس، ويسيئون إليهم ويشوهون سمعتهم بالأقوال الكاذبة، يفعل بهم ذلك إلى يوم القيامة جزاءً وفاقاً {وأما الرجل الذي في وسط النهر، فآكل الربا} الذي يأكل الربا مثل الذي يسبح في هذا النهر من دم، إذا أراد أن يخرج ضربه الملك حتى يعود في وسط النهر، في وسط هذه اللجة المتلوثة {وأما التنور الذي رأيت ومن رأيت فيه، فهم الزناة والزواني، يصنع بهم ذلك إلى يوم القيامة} كما تلذذوا في الدنيا بهذه اللذة الحرام، فالله عز وجل يعاقبهم من حين أن يموتوا إلى يوم القيامة؛ أن يكونوا وسط هذا التنور يعذبون، ولهم فيه صراخ وأصوات، وإذا كانوا فيه إلى عرصات القيامة فلهم وراء ذلك عذاب عظيم.

    أ/ السفور:

    أيها المسلمون والمسلمات...

    هذه الفاحشة الكبرى، مما يؤرق ويحزن قلوب المصلحين؛ إن كثيراً من الناس اليوم لا أقول وقعوا فيها، لكن صاروا قاب قوسين أو أدنى منها، لأن الفاحشة الكبرى لها خطوات، من خطوات الفاحشة الكبرى: السفور.

    وكم هو محزن أن المسلمة التي تنطق بالشهادتين، وتصلي الصلوات الخمس، ويمكن أنها تأتي لتصلي التراويح والقيام، تخرج إلى الأسواق وقد لبست أجمل ثيابها، وتعطرت، ولبست هذه العباءة الخفيفة، وهذا الحجاب الخفيف الذي يلمعها، وبدأت تقف أمام أصحاب الدكاكين وأصحاب المعارض، تبايعهم وتشاريهم وتتبسط معهم في الحديث وتضاحكهم، وقد تقف أمام بائع الذهب، وقد يمس يدها، وقد يخرج من يدها الذهب أو يدخل في يدها الذهب، وقد يرى ذراعها كاملاً أين يوجد هذا؟! أهذا يقع في بلاد يظللها علم لا إله إلا الله محمد رسول الله؟ أهذا يقع من امرأة تؤمن بالله واليوم الآخر -مع الأسف الشديد- أن هذه المرأة قد تكون متزوجة في داخل بيتها لا يرى زوجها منها إلا الأمر السيئ، قد تقابل زوجها بثياب المطبخ، وقد تستقبل زوجها بروائح منتنة وبوجه مكفهر، وبأخلاق رديئة، وبعبارات بذيئة، قد يقع منها هذا، لكن حينما تكون مع رجال أجانب فخذ من التلطف والخضوع بالقول، والتجميل في الملبس والطيب والذهب وإظهار المفاتن والمحاسن، وإغراء هؤلاء الرجال قال الله:إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ [النور:19].

    إليك أيتها المسلمة

    الإسلام ليس مجرد شعار، أو كلمات تقال باللسان، ولا مجرد عبارات يرددها الإنسان بلسانه، ثم ينقضها في واقع حياته، الإسلام لا بد أن يهيمن على واقع المسلم وحياته كلها، وكيف يحصل هذا التناقض من المسلمة؟! كيف ترضى لنفسها أن تفتن هؤلاء الرجال، وتفتن نفسها بهذا التبذل والتبرج والسفور؟! ثم هذه الأعداد الكبيرة من النساء، كل واحد منا حين يمر في الشارع -ذاهباً أو آيباً- يجد في الأسواق وعند المعارض وغيرها أعداداً هائلة من النساء، وأقولها لكم: فتيات غير متزوجات في سن الخامسة عشرة والسادسة عشرة، في سن المراهقة وفتيات بأجمل زينة وأبهى زينة، وبصورة مثيرة وجذابة ومغرية، ويعرضن هذه المناظر على الرجال في قارعة الطريق.

    ألا تخافين الله عز وجل أيتها المسلمة؟ أما تذكرين أن هذا الجسم النظير سوف يوسد يوماً من الأيام في قبر وسوف يلعب به الدود لعباً؟ أما تذكرين أنه لن يبق من هذا الجسم شيء؟ سوف يؤكل منه اللحم والعظم ويبلى كله، كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم: {كل ابن آدم تأكله الأرض إلا عجب الذنب} أي العظم في مؤخرته -الخرزة الصغيرة- أما يتذكر الإنسان هذا؟! أيغتر الإنسان بشبابه؟ أيغتر بجماله؟ كم من إنسان -ذكراً أو أنثى- كان مغروراً بقوته وبشبابه وبجماله، فعاجله الله بعقوبة، بمرض يحول هذا الجسم إلى جسم ضعيف واهٍ؛ حتى يصبح كأنه فرخ ضعيف من أثر المرض، ثم الموت له بالمرصاد.

    إليكم يا أولياء الأمور

    وأنتم أيها الرجال، يا أولياء الأمور! أين أنتم من هذه المناظر؟ ما هذه الثقة المفرطة؟ كل الأسف ينتاب الإنسان حين يجد أن بعض الآباء يتقدمون إلى المساجد، وفي روضات المساجد، وخلف الإمام، ومن الممكن أن أحدهم يضع بناته وزوجته في السوق، ويذهب ليصلي التراويح والقيام وقبل السحور يأتي ليأخذهم من السوق، مسكين! أنت أيها الأب آخر من يعلم، لا تدري ماذا يجري. نحن لا نقول: أسيئوا الظن. لكن نقول: لا تبالغوا في حسن الظن، الإفراط في حسن الظن غلط، أنت ترى أن بنتك أو زوجتك أو موليتك تستحي أمامك، ولا يظهر منها أمامك إلا الشيء الطيب، وتنسى أن هذه الغريزة موجودة فيها، كما أن الرجل إذا رأى امرأة تثور غريزته، المرأة كذلك يحصل منها هذا الأمر، فما هو الشيء الذي يجعلك تبالغ في حسن الظن؟! ما هو الأمر الذي يجعل الأب قد ترك البيت لا يدري ماذا يجري داخل البيت، وأطلق الحبل على الغارب؟! التلفون في متناولهن، جهاز التلفاز والمسجل والفيديو والخروج والدخول والمجلات، بل السائق والخادم والخادمة في داخل المنـزل، يا سبحان الله!

    لا بد أن نتصور كثيراً من بيوتنا الآن -حتى نكون أكثر وضوحاً- كثيراً من بيوتكم، لأننا لا نتكلم عن أناس غائبين، نحن نتلكم عنكم أنتم يا معشر الحاضرين، أنتم يا معشر المستمعين، البيت فيه سائق أو أكثر، وفيه خادمة أو أكثر، وفيه جهاز تلفاز، وفيه فيديو، وفيه أشرطة أغاني، وفيه مجلات، وفيه أجهزة هاتف، أحياناً كل غرفة فيها جهاز خاص للهاتف، يتصرف فيه الولد أو تتصرف فيه البنت كما يريدون، وفي نفس الوقت يوجد في البيت مجموعة من الشباب والبنات في سن المراهقة، هؤلاء الشباب والبنات نستطيع أن نقول: إنهم في كثير من الأحيان لم يتلقوا أي قدر من التربية.

    ما هو دورك أنت أيها الأب؟ قل لنا بالله عليك، ماذا علمت لهم؟! هل علمتهم الإسلام وربيتهم على الخوف من الله عز وجل وربطتهم بالله والدار الآخرة، وأحييت في قلوبهم ذكر الموت وذكر الجنة وذكر النار؟ لا، أبداً، إذا كان الأب جيد، فكل ما يفعله أن يوفر لهم هذه الأشياء مع الطعام والشراب، ثم يترك لهم الحرية يصنعون ما يشاءون. كيف ستكون النتيجة؟ النتيجة لا تحتاج أن أفصل فيها في هذا المكان الطاهر، النتيجة في رءوس الجميع، كل واحد منكم يعرف ما يجري في داخل كثير من البيوت، الشباب ينحرفون، والبنات يخرجن وينحرف بعضهن، والأجهزة من تلفاز وفيديو ومسجل تستخدم فيما لا يرضي الله عز وجل، في مشاهدة مسلسلات منحرفة، وأفلام خليعة، وأغاني ماجنة، ولذلك لا تستغربون حين تشاهدون الشهوات تتفجر.

    أ/ نتيجة الإهمال من الآباء:

    أحد الأدباء المعاصرين، يسمي هذا العصر الذي نحن نعيش فيه عصر الشهوة. وصدق هذا الرجل، هذا عصر الشهوة، أجهزة ووسائل كثيرة كل همها؛ أنها تحرض الرجال والنساء على الشهوات، الأغنية الماجنة الخليعة، الفيلم المنحط، المسلسل السيئ، المجلات التي ملأت البيوت اليوم، ثم إهمال الأبوين وتضييع التربية؛ أوجدت لنا جيلاً من الشباب والبنات لا يُعتمد عليه في دنيا ولا في دين، إن جئت للبنت لا تستطيع أن تشتغل في مطبخ المنـزل، ولا عمل المنـزل؛ لأنها قد كفيت هذا العمل ودللت، وأصبحت ترى أنها كالأميرة، ليس من شأنها أن تحرك ساكناً في البيت فهي مخدومة، وإن جئت إليها من جهة التدين والصلاح، فالله المستعان، ورحمة الله على أمهات المؤمنين وعلى المؤمنات الأول، هؤلاء النساء اللاتي ينتظر منهن أن تكون الواحدة وريثة لـعائشة وزينب وخديجة وأم سلمة، أصبحت الواحدة لا همَّ لها إلا الاشتغال بتجميل نفسها بالأصباغ والمكاييج والملابس والحذاء والحلي والموضات والتسريحات وغيرها، وأصبحت البنت إذا شاهدت على شاشة التلفاز ممثلة أو مغنية بشكل من الأشكال في شعر رأسها أو ثيابها أو حذائها، أو أي شيء آخر؛ رأت أنه حق عليها أن تقلدها، وتسير على خطواتها، وتحاكيها حذو القذة بالقذه.

    ما أكثر انتشار هذه المجلات المنحرفة! مجلة النهضة الكويتية -مثلاً- يباع منها في الأسواق أكثر من ثمانين ألف نسخة في الأسبوع الواحد، أو سبعين ألف نسخة، من الذي يشتريها؟! وكذلك المجلة التي يسمونها: مجلة سيدتي، وقل مثل ذلك في محلات الفن، محلات السينما وغيرها، من الذي يشتريها؟ إنهن بناتكم ونساؤكم، وما يكاد يوجد بيت -إلا ما رحم الله- إلا ويوجد فيه شيء من ذلك. ما ذنب البنت إذا كانت لم تربَّ إلا على مشاهدة المجلات والأفلام، وسماع الغناء؟ وإذا خرجت إلى المدرسة وجدت قرينات سوء يحدثنها عن الصداقات وإقامة العلاقات، والمعاكسات في التلفون، وأشياء مثل هذا القبيل، وربما تبادل صور رجال أحياناً؟! وإذا جاءت للبيت ليس هناك تربية ولا توجيه ولا نصيحة، الأب مهمل مضيع، مشغول بالدنيا، من المزرعة إلى المؤسسة إلى الدكان إلى العمل، وكل ما يعرف عنه في البيت أن يأوي إلى البيت في وقت الغداء ويتغدى، وفي وقت العشاء ويتعشى، وفي وقت النوم يأوي إلى مضجعه. الإنسان لو زرع شجرة في مزرعة. أو في البر، إن تركها دون سقي ودون رعاية هلكت، لأنها تحتاج إلى الماء، وتحتاج إلى الرعاية، وتحتاج إلى الظل، وإذا أصابها شيء تحتاج لإزالته، فكيف ببناتك وأولادك تهملهم وتضيعهم؟

    دور أعداء الإسلام في نشر الرذيلة

    يجب أن يظهر ولاؤنا للإسلام، المجتمعات الإسلامية مهددة، وأعداء الإسلام يعملون ليل نهار على تحويل هذه المجتمعات إلى مجتمعات رذيلة، هم حريصون على ألا يبقى في هذه الدنيا كلها مسلمة واحدة ولا مسلم واحد، وإلا فما هو الذي يجعلهم يتعبون في سبيل ترويج البضائع الفاسدة والانحرافات في مجتمعاتنا؟ في بلاد الغرب عصابات ومؤسسات وشركات، بل وجهات ودول، كل همها زرع الرذيلة وزرع الشهوات والشبهات والفجور في عقولنا وفي بلادنا.

    هناك عصابات متخصصة -مثلاً- لترويج المخدرات في بلاد المسلمين، وهم يضحون في سبيل إيصال المخدرات عن طريق التهريب والبيع وغير ذلك، هناك عصابات وجهات وشركات ومؤسسات متخصصة في إصدار الكتب والمجلات والنشرات، والأشرطة وغيرها، ومحاولة إيصالها إلى كل شاب وكل فتاة، في سبيل إغرائهم بالوقوع في المتعة الحرام، وفي سبيل تحويلهم من مسلمين إلى مرتدين.

    1.   

    الحرب على الإسلام

    الحرب الآن على أصل الدين، ولعلكم تسمعون أنهم الآن يحاولون أن يبثوا برامج تلفزيونية عبر الأقمار الصناعية لتصل إلى كل بيت، بحيث أنك يا من يوجد في بيتك جهاز تلفاز، ستجد نفسك يوماً من الأيام أمام موج كاسح من الأفلام والمسلسلات والتمثيليات والمسرحيات المنحطة، قد تعرض كل ما يخطر في بالك من رذيلة: الجريمة، والفجور، والشذوذ، وأنت لا تستطيع أن تتحكم، أنت تقول الآن: أستطيع أن أتحكم، وتستطيع أن تقول: لو كان التلفاز حراماً لم تأذن فيه الدولة؛ لأنه لا يأت إلا تلفزيون من هذه البلاد، بعد فترة دول العالم من فرنسا وبريطانيا وغيرها؛ تحاول أن تبث في بيتك هذه الأشياء المنحطة.

    الغفلة مع حسن الظن بالأولاد

    هم يحاولون أن يحولوا مجتمعاتنا إلى مجتمعات رذيلة وفساد وانحلال، ونحن غافلون -مع الأسف الشديد- الأب، وولي الأمر، والمسئول هو آخر من يعلم، يمكن أن بعضنا لا يعلم ولا ينتبه للخطر إلا إذا قدر الله وشعر أن في بيته شيئاً غير طبيعي، اتصال هاتفي غير طبيعي، مجلات، أو اكتشف أفلاماً، أو -لا قدر الله- وقع ما لا تحمد عقباه، فيسود وجه الأب حينئذ.

    لماذا نؤثر السلامة، ونظن أن الأمور على ما يرام؟ لماذا نبالغ في حسن الظن بأولادنا وبناتنا؟ مع أننا لم نفعل لهم شيئاً، الآن لو كان الأب بذل جهده في تربية أولاده وبناته، وعلمهم ورباهم وذكرهم بالله عز وجل، وشاهد عليهم آثار الصلاح والتردد على المساجد، وقراءة القرآن، وشاهد على البنات الحجاب وكراهية الخروج والتزين والصلاة وقيام الليل، كما يوجد والحمد الله في بعض البيوت، فلا بأس أن يقول: أنا واثق فيهم، لكن تشاهد الآن أن الجميع غافلون، أولاد وبنات يدخلون ويخرجون، لا ترى عليهم من آثار الاستقامة إلا الشيء اليسير، ومع ذلك تفرط وتبالغ في حسن الظن بهم، وتظن أن الفساد والانحلال يأتي من أولاد الناس، وأن القصص التي تسمعها أنت لا تتعلق بك، إنما هي قصص أولاد الجيران وأولاد المجتمع، ومن هو المجتمع؟ المجتمع هو أنا وأنت والثاني والثالث، فكل واحد منكم أيها الرجال وأيتها النساء -أيضاً- يجب أن يشعر بأنه هو المخاطب.

    قضية عدم مساعدة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر

    هناك قضية خطيرة تتعلق بهذا الموضوع، مع انتشار المحرمات والمنكرات وشيوعها بشكل يقلق القلوب، ويزعج النفوس، ويبكي العيون، إذا فسدت البيئة، فقل على هذه المجتمعات السلام، تدعون فلا يستجاب لكم، وتستنصرون فلا تنصرون، وتستغيثون فلا تغاثون.

    من أسباب حرمان الناس من إجابة الدعاء: أن تشيع المنكرات بينهم فلا يغيرونها، فهذه النقطة التي أريد أن أؤكد عليها اليوم؛ إنه مع انتشار الفواحش والجرائم والموبقات والمنكرات، وإعلان الناس بها، أصبح الواحد منا والعياذ بالله يشعر بأن كل من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر كأنه ضده. في المجتمعات الأولى في عهد الرسول عليه السلام ومن بعده، كان هناك عصاة -بلا شك- فكانت توجد معاصي قليلة، لكن كان العاصي يبكي ندماً على معصيته، ويحزن، ويحب الصالحين، والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، ويواليهم ويشعر بالخطأ، أما اليوم فكما يقول المثل: حشفاً وسوء كيلة. مع أن الواحد يعصي، ويرتكب ما حرم الله عز وجل، ويجاهر بالمعاصي، ويساهم بأن يمد يده إلى الأعداء -بقصد أو بغير قصد- في تخريب مجتمعات المسلمين، مع ذلك كله إذا وجد هذا الإنسان من يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر، سواء شخصاً محتسباً أو جهات رسمية كهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو غيرها، لا يمد يده إليهم بالمعاونة، كيف هذا يا إخواني؟ أين الولاء والبراء في الإسلام؟ الولاء للمؤمنين يوجب عليك أيها المسلم الذي تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويوجب عليكِ أنتِ أيتها المسلمة الناطقة بالشهادتين، يوجب عليكم يا من تترددون إلى المساجد؛ أن تمدوا أيديكم إلى الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، أن تكونوا أنتم الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، أن نكون يداً واحدة في مقاومة هذا الانحراف وفي إصلاح المجتمع، وإلا فالواقع -الآن- أن كثيراً من الناس يخربون بيوتهم بأيديهم.

    الإنسان الذي يأتي إلى البيت بجهاز فيديو، أو مجلة، أو شريط غناءٍ منحل، هذا في الواقع يخرب بيته بيده، وماذا فعل هذا الإنسان في سبيل مقاومة المنكرات؟! تجد أنه إذا سمع من ينصحه، قال: دعنا نحن نعرف كل شيء. المؤسف أنك تعرف كل شيء، أنت والله لا تعرف شيئاً، وإن كنت تعرف شيئاً فإن هذه المعرفة لا تنفعك بل تضرك، ثم إذا وجد من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويدعو إلى الإصلاح، فإنه -لا أقول: لا يساعده ولا يمد يده إليه- بل ربما يقف حجر عثرة في سبيله، ربما يتكلم عليه بما لا يليق، ربما يرميه ويؤذيه بالألفاظ غير اللائقة، هل هذا هو حق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علينا؟

    1.   

    دورنا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

    لنسمع قول الباري جل وعلا: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]؟

    المخاطبون بقوله (كنتم) أنتم! نحن المخاطبون، ألم نسمع قول الله جل وعلا: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة:71]؟

    بالله عليكم يا إخواني وأنتن يا مسلمات! كل واحد منا يوجه لنفسه هذا السؤال: نحن في شهر رمضان، صائمون لوجه الله -إن شاء الله- ونتردد على المساجد، ونصلي التراويح والقيام، ويمكن أن الواحد منا يتصدق وينفق، بقي عليك سؤال: ما هو الدور الذي قمت به في سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟! ما هو الدور الذي قمت به في سبيل إصلاح المجتمع؟! هل تكلمت بكلمة طيبة؟! هل وجهت أحداً؟! هل نشرت كتاباً مفيداً؟! هل نشرت شريطاً مفيداً؟! هل حذرت من خطر؟! هل نبهت على خطأ؟! هل بلغت عن فساد وانحلال موجود في المجتمع؟!

    كل واحد يجب أن يسأل نفسه هذا السؤال، ما دوره في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟! الدين عدد لا يقبل القسمة، ليس بصحيح أن تتهجد وتحيي الليل وتصوم النهار، ثم إذا جئناك في هذا المجال؛ وجدناك بارد القلب لا تثور لك غيرة، إن هذا ليس علامة على وجود الإيمان، الإنسان الذي يسمع بأخبار المنكرات ويتحقق من وجودها، وهو بارد الأعصاب بارد العزيمة بارد الدم، لا يتحرك في قلبه عاطفة ولا انفعال ولا تأثر ولا حزن؛ هذا ليس عنده إيمان حقيقي، هذا يدل على تردي مستوى الإيمان في قلبه، إن كان في قلبه إيمان،كأنك تسمع بلاداً أخرى، أو كأنك تسمع أخباراً تاريخية؛ أنه في العصر الفلاني حصل كذا وكذا، وفي العصر الفلاني حصل كذا وكذا، نسأل الله العافية والسلامة.

    عاقبة عدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

    إنها مصيبة أن المسلمين اليوم حذوا حذو الأمم الأخرى، النصارى يعبدون الله يوم الأحد في الكنيسة وغيرها، لكنهم في بقية أيام الأسبوع يعبدون غير الله، يعبدون الشهوات، ويعبدون المصالح، ويعبدون البنوك، ويعبدون الدرهم والدينار. واليهود كذلك يزعمون -كلهم يزعمون وهم كاذبون لا يعبدون الله عز وجل- يزعمون أنهم يعبدون الله عز وجل في يوم السبت، وفي بقية أيام الأسبوع يعبدون الشيطان، يعبدون الشهوة واللذة والمتعة الحرام.

    والآن كثير من ذريات المسلمين قد تأثروا بذلك، فأصبح الواحد منهم إذا جئته في المسجد، قلت: ما شاء الله، بكاء وخشوع وصلاة وذكر وتبكير، وإذا جئته أمام المنكرات، حتى في بيته، دعنا من السوق، دعنا من المنكرات العامة الاجتماعية، نريد أن ننظر في بيته نفسه، نجد في بيت هذا الإنسان منكرات طويلة عريضة، لا يبالي بها ولا يهتم لها ولا ينكرها، ولو قيل له في ذلك، قال: والله ما نستطيع وهؤلاء غلبونا. ما هذا التناقض بين شخصية هذا المتعبد في المسجد المبكر، وبين شخصية الراضي بالمنكرات؟! قال تعالى: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ [المائدة:78-79].

    الواجب مد العون إلى الآمرين بالمعروف والنهي عن المنكر

    من الواجب علينا أن نمد أيدينا إلى الجهات الرسمية، الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر، هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في التبليغ عن أي منكر، في مساعدتهم، وإعانتهم، في حماية ظهورهم، ما نسمح لأحد أن ينال منهم، أو يتكلم فيهم، أو يسبهم، حتى لو فرض أنه وقع خطأ، كل ابن آدم خطاء، جميع الجهات الرسمية وغير الرسمية تخطئ، فلماذا نسمح أن يكون هؤلاء عرضة لألسنة الناس؟

    وواجب علينا أن يكون الواحد منا شرطياً عند باب بيته، لا يسمح بدخول أي بضاعة إلا بعد أن يفتشها، لا يدخل شريط أو فيلم أو مجلة أو كتاب أو غيره وأنت غافل مسكين لا تدري، تكون مثل الشرطي عند باب البيت. وهذا لا يكفي، لابد من التوعية، ذكرهم بالله عز وجل، ذكرهم بأيام الله، خوفهم بالله، أحي قلوبهم بالإيمان.

    وقبل ذلك كله واجب علينا جميعاً أن نأمر أنفسنا بالمعروف وننهى أنفسنا عن المنكر، فبهذا بعث الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، فواجب على كل إنسان أن يأمر نفسه بالمعروف وينهاها عن المنكر، ثم ينتقل إلى غيره، فيأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، هذا حق الإسلام علينا، هذا هو الولاء والبراء في الإسلام.

    أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يعز الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وأن يجعلنا منهم، وأن يوفقنا إلى الأخذ على أيدي الظالمين، وأطرهم على الحق أطراً، وقسرهم عليه قسراً.

    أسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى وبصفاته العليا؛ أن يحيي في قلوبنا الغيرة على الحرمات، والغيرة على الدين، والغيرة على الأعراض. أسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم إلى صالح الأقوال والأعمال. أسأل الله عز وجل أن يحمي نساء المسلمين من الكيد الذي يراد لهن، وأن يوفقهن إلى التزام الحجاب، وتجنب السفور والاختلاط بالرجال، والخلوة وغير ذلك مما حرم الله عز وجل. أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، وأصلي وأسلم على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

    1.   

    إجابة الدعاء

    الحمد لله القائل: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186].

    والصلاة والسلام على رسوله القائل: {ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلب غافل لاهٍ} والقائل صلى الله عليه وسلم: {الدعاء هو العبادة} كما رواه الترمذي وغيره بسند صحيح.

    مدح الرسل والملائكة والصالحين لدعائهم

    أيها الإخوة والأخوات... أيها المسلمون والمسلمات...

    هذه مواسم الطاعات والقربات، وهذا أوان الدعوات المستجابات. لقد مدح الله عز وجل رسله الكرام عليهم الصلاة والسلام بكثرة دعائهم، فقال:إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90].

    ومدح ملائكته عليهم الصلاة والسلام بذلك، فقال جل وعلا: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ [غافر:7].

    ومدح عباده الصالحين بذلك فقال:تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُون * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:16-17].

    فمدح الأنبياء والرسل والملائكة والصالحين بكثرة دعائهم واستغفارهم؛ خوفاً من الله عز وجل ورغبة فيما عنده، ولذلك وعد سبحانه بالإجابة: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60] وقد تحقق هذا الوعد الإلهي الكريم منذ آدم عليه الصلاة والسلام إلى يوم الناس هذا، فما من عبد أو أمة يدعو الله عز وجل بصدق وإخلاص وإقبال، دعاءً سالماً من الموانع إلا أجابه الله عز وجل.

    إجابة دعاء الأنبياء

    أ/ إجابة دعوة موسى وهارون على فرعون:

    هذا موسى وهارون يدعوان الله عز وجل على فرعون وقومه:وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيم)َ)[يونس:88].

    قال الله عز وجل: قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا [يونس:89] وهذا موسى يدعو مرة أخرى بأن يجعل الله له وزيراً من أهله: وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي [طه:29-32] قال الله عز وجل في آخر الآيات: قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى [طه:36].

    ب/ الإجابة ليونس عليه السلام:

    وهذا يونس عليه الصلاة والسلام، يخرج من البلد الذي أرسل إليه غاضباً عليهم، إذ لم يجيبوا دعوته، فيركب في السفينة، فيأذن الله عز وجل فتتحرك الرياح والعواصف، فتهز السفينة يمنة ويسرة، فيساهمون ليلقوا في البحر بعض من في هذه السفينة، فتقع القرعة على يونس مرة ومرتين وثلاث، فيلقون به في البحر فيلتقمه الحوت، فيقول الله عز وجل: فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الصافات:143-144] وقال أيضاً: فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ [الأنبياء:87-88].

    ج/ الإجابة لمحمد صلى الله عليه وسلم:

    وهذا محمد صلى الله عليه وسلم يدعو الله عز وجل، فيجيبه الله تبارك وتعالى، يدعو الله على أعدائه الذين آذوه، بينما كان ساجداً في أحد الأيام في الحرم المكي قرب الكعبة، وبقربه جماعة من كفار قريش، فيقول بعضهم لبعض: أيكم يقوم إلى سلا جزور بني فلان. فيلقيه على ظهر محمد؟ فيقوم عقبة بن أبي معيط، فيأخذ السلا فيلقيه على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم، فيظل عليه الصلاة والسلام ساجداً لا ينهض، حتى تأتي ابنته فتأخذ السلا عن ظهره وهي تبكي، ثم تقبل على المشركين تسبهم، فيقوم النبي صلى الله عليه وسلم، فيقف قرب الكعبة ويرفع يديه ويقول: {اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بـأبي جهل، اللهم عليك بـعقبة بن أبي معيط، اللهم عليك بفلان، اللهم عليك بفلان، ويعد سبعة من صناديد المشركين} كما في صحيح البخاري ومسلم، قال ابن مسعود: {فوالله لقد رأيتهم صرعى يوم بدر، ثم سحبوا إلى قليب بدر فألقوا فيها بعد أن انتفخت جثثهم، وأتبع أصحاب القليب لعنة}.

    ويدعو صلى الله عليه وسلم على غيرهم، فيجيبه الله تعالى فيهم، ويدعو لبعض الناس فيجيب الله تعالى دعوته لهم: {اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين، بـأبي جهل أو بـعمر بن الخطاب} وما هي إلا ساعات قلائل، حتى يقبل عمر على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد لان قلبه للإسلام، فيقرأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، فيبكي ويسلم ويجيب الله تعالى فيه دعاء نبيه عليه الصلاة والسلام.

    ويدعو مرة أخرى لـابن عباس، حين قرب له وضوءه وطهوره، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: {من فعل هذا؟ قالوا: ابن عباس يا رسول الله. قال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل} فكان ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن، وكان الناس يشدون إليه الأسفار، ويضربون إليه أكباد الإبل يتلقون عنه علم التفسير ومعرفة التنـزيل.

    ودعا النبي صلى الله عليه وسلم لـأنس بن مالك خادمه: بأن يطيل الله عز وجل عمره، ويكثر ماله وولده، فطال عمره حتى كان من آخر الصحابة موتاً، وكثر ماله حتى امتلأت به أودية المدينة وكانت له بساتين في العراق وغيرها تغل في السنة مرتين، وكثر أولاده وأولاد أولاده؛ حتى إنه رأى بعينة قبل أن يموت ما يزيد على مائة من ولده وولد ولده. ودعا صلى الله عليه وسلم لغيرهم فأجاب الله تعالى دعاءه فيهم.

    إجابة دعاء أتباع الرسول

    وتلقى هذا الإرث النبوي الكريم أصحابه الأطهار وأتباعه الأخيار، فكان الصالحون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم؛ إذا دعوا الله عز وجل جاءت دعوتهم مثل فلق الصبح.

    أ/ الإجابة لسعد بن أبي وقاص:

    هذا سعد بن أبي وقاص، كان مستجاب الدعوة، فإذا دعا لأحد أو دعا على أحد أجابه الله عز وجل، قام رجل من الناس فأساء إلى سعد بن أبي وقاص، وظلمه وكذب عليه، فدعا عليه، فأجابه الله تعالى.

    وتفصيل ذلك أن أهل الكوفة، كان سعد بن أبي وقاص أميراً عليهم، فاشتكوه إلى عمر، وقالوا: إن هذا الأمير فيه كذا وكذا، حتى إنهم قالوا: إنه لا يحسن أن يصلي. فدعاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه الأمير العادل المنصف وقال لـسعد: إن أهل الكوفة شكوك في كل شيء، حتى قالوا: إنك لا تحسن أن تصلي. قال سعد: أما إني أصلي بهم كما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، أطيل في الأوليين، وأخفف في الأخريين. فقال عمر رضي الله عنه: ذلك الظن بك يا أبا إسحاق.

    ثم أرسل عمر رضي الله عنه لجنة لتقصي الحقائق، فذهبت هذه اللجنة إلى الكوفة، وبدأت تقف في أسواق الناس، وفي مساجدهم، وتسألهم: ما ذا تقولون في سعد؟ فيقولون: لا نعلم إلا خيراً. حتى دخلوا على مسجد لبني عبس، فقالوا لهم: ما تقولون في أميركم سعد بن أبي وقاص؟ قالوا: لا نعلم إلا خيراً. فقام رجل مراءٍ، وقال: أما إذ سألتنا فإن أميرنا سعداً لا يقسم بالسوية، ولا يسير بالسرية، ولا يعدل في القضية. رجل فيه ظلم وحيف وإجحاف وجبن وخوف، ولا يساهم في المعارك. فقام سعد بن أبي وقاصوقال: [[اللهم إن كان عبدك هذا قام رياءً وسمعة، فأطل عمره، وأطل فقره، وعرضه للفتن]] والقصة في صحيح البخاري ومسلم، فطال عمر هذا الرجل حتى سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وطال فقره حتى إنه يمد يده يتكفف الناس، وتعرض للفتن حتى إنه كان على رغم فقره وشيخوخته وهرمه، يقف في الأسواق يتعرض للجواري يغمزهن، فإذا قيل له في ذلك قال: شيخ كبير مفتون أصابتني دعوة سعد.

    ب/ الإجابة لسعيد بن زيد:

    وكذلك ورث هذا الميراث النبوي الخالد سعيد بن زيد رضي الله عنه، فإن امرأة يقال لها: أروى بنت أوس، شكته إلى مروان بن الحكم أمير المدينة، وقالت: إنه أخذ شيئاً من أرضها، فقال سعيد بن زيد: [[أنا أخذت شيئاً من أرضها، بعد الذي سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال له الأمير مروان: وماذا سمعت من الرسول صلى الله عليه وسلم؟ قال: سمعته صلى الله عليه وسلم يقول: { من اقتطع شبراً من أرض طوقه الله يوم القيامة من سبع أراضين }]] فقال مروان بن الحكم: لا أسألك بعد هذا بينة، يكفيني قولك هذا. ثم قام سعيد بن زيد يدعو على هذه المرأة التي شوهت سمعة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ونسبت إليهم ما هم منه أبرياء، من الظلم والحيف والطمع في الدنيا، فقال: [[اللهم إن كانت كاذبة، فأعمِ بصرها، واجعل ميتتها في هذه الأرض]] قال الراوي عروة بن الزبير، والحديث أيضاً في البخاري ومسلم قال: [[فلقد والله عمي بصرها، حتى رأيتها امرأة مسنة تلتمس الجدران بيديها، وكان في هذه الأرض بئر، فبينما كانت تمشي في أحد الأيام سقطت في البئر، فكانت قبرها، وأجاب الله تعالى دعاء سعيد بن زيد]].

    قصة حاكم من حكام الأندلس

    وما زال الله عز وجل يتقبل دعوات الداعين، ويجيب استغاثة الملهوفين، متى ما كانوا في دعائهم صادقين، وإلى ربهم مخلصين، ومن الموانع سالمين، ولعل من الطريف أن أذكر لكم القصة الذي يذكرها بعض المؤرخين، والتي حدثت في الأندلس وفيها أسوة وعجب وعبرة.

    يذكر بعض المؤرخين أن حاكماً من حكام الأندلس يقال له: أبو الوليد بن جهور، وكان أمير قرطبة، إحدى كبار المدن الأندلسية، حاول بعض جيرانه أن يعتدي عليه وهو يحيى بن ذي النون ويأخذ ملكه في قرطبة، فاستنجد أبو الوليد بن جهور بحاكم من ملوك الأندلس، يقال له: المعتمد بن عباد، وكان ملكاً قوياً شاعراً أديباً مشهوراً، فجاء المعتمد بن عباد فأنجده وقضى على عدوه، ولكن المعتمد بن عباد لما رأى قرطبة، وما فيها من المياه والخضرة والأموال والترف؛ طمع فيها، وبدأ يخطط للسيطرة عليها، وأدرك ذلك ملك قرطبة أو أمير قرطبة ابن جهور، فذكر المعتمد بن عباد بالعهود والمواثيق التي بينهم، وذكره بالله، ولكن المعتمد بن عباد كان مصراً على احتلال قرطبة، وفعلاً تم للمعتمد بن عباد بعد طول كيد وتدبير، ما أراد من حكم قرطبة، وأخذ أمراءها فطردهم منها، وصادر أموالهم، وقتل منهم من قتل، وسجن منهم من سجن، فخرج بنو جهور، أمراء قرطبة، بلا مال ولا جاه ولا سلطان، أذلاء خائفين، مرضى مذعورين.

    وبعد أن خرجوا منها التفت الأمير إلى هذا البلدة التي طالما تمتع بحكمها، وعرف أنه لم يخرج منها إلا بسبب دعوات المظلومين، وبسبب الدماء التي سالت ظلماً وعدواناً، وبسبب الأموال التي أخذت بغير حق، وبسبب ظلمه للناس وحيفه في معاملتهم، عرف ابن جهور هذا فالتفت إلى قرطبة، فرفع يديه إلى السماء وقال: اللهم كما أجبت الدعاء علينا، فأخرجتنا من جنات وعيون، وزروع ومقام كريم، ونعمة كنا فيها فاكهين، فأجب الدعاء لنا فإننا اليوم مسلمون مظلومون.

    فدعا الله على المعتمد بن عباد وخرج بنو جهور، وظل المعتمد بن عباد ردحاً من الزمن يحكم قرطبة، ويتمتع بما فيها من الترف، حتى إنهم يقولون: إنه بلغ من ترف المعتمد بن عباد؛ أنه كان عنده جارية جميلة كان يحبها وكان اسمها اعتماد، وفي يوم من الأيام هذه الجارية أطلت من إحدى نوافذ القصر، فشاهدت بعض النساء البدويات يحملن على ظهورهن القرب، قرب السمن وغيره يبعنه في الأسواق، وقد هطل المطر من السماء، وأصبحت الأرض فيها من الوحل والطين، فكان هؤلاء النساء البدويات يطأن في الوحل والطين، وعلى ظهورهن القرب، فأعجب هذا المنظر هذه الجارية، وقالت للأمير: أريد أن أفعل مع بناتي ومع الجواري مثلما تفعل هؤلاء النساء، فقال الأمير: الأمر هين، وأمر بالكافور والمسك وماء الورد فخلط بعضه ببعض، حتى صار مثل الطين في أرض القصر، ولكن ليس من الطين والمطر والوحل، وإنما هو من المسك والكافور والورد، هكذا يكون الترف، ثم جاء بقرب وحزمها بالإبريسم أي بالحرير، ثم حملتها هذه الجارية ومن معها على ظهورهن، وبدأن يطأن في هذا الطين، أو بالأصح في هذا الورد والكافور والمسك، وتم لهن ما أردن، إلى هذا الحد بلغ ترف المعتمد بن عباد، ولكن تلك الدعوة التي أطلقها ابن جهور لا تزال محفوظة، دعوة المظلوم لا تزال محفوظة، والإنسان إذا دعا الله عز وجل وهو موقن، يجبه الله عز وجل إذا كان مظلوماً.

    وإني لأدعو الله حتى كأنما     أرى بجميل الظن ما الله صانع

    ولذلك فإن ملك النصارى هدد المعتمد بن عباد، وطلب منه مع دفع الجزية أن يتخلى عن بعض الحصون والقصور، فرفض ووجد نفسه مضطراً أن يستنجد بحاكم من الحكام المرابطين وهو يوسف بن تاشفين فأرسل إليه يستنجده، فجاء يوسف بن تاشفين ودخل قرطبة، وخاض معركة ضد النصارى تسمى موقعة الزلاقة، وانتصر على النصارى وطردهم، ولكنه بعد أن انتصر عليهم، تقلبت الأمور حتى وجد يوسف بن تاشفين نفسه مضطراً إلى السيطرة على قرطبة، وقبض على المعتمد بن عباد وأولاده، فقتل بعضهم على مرأى من أبيهم ومسمع، وأودع المعتمد بن عباد السجن، في مدينة في المغرب يقال لها مدينة أغمات، حتى جلس فيها عشر سنوات مسجوناً، ثم انتهت هذه السنوات العشر بموته.

    وكان هذا الرجل في المغرب في أغمات مشرداً من كل شيء، القيود في يديه ورجليه، ويرى بناته اللاتي كن بالأمس يطأن بالمسك والكافور، يطأن في الطين والوحل اليوم، وهن يغزلن للناس -يشتغلن بالغزل- من أجل دراهم بسيطة لا يملكن شيئاً، وينظرن نظرة الحياء والاستحياء والخجل، فبكى بكاءً مراً ثم قال: يخاطب نفسه في إحدى المناسبات، وقد فرح الناس واستبشروا بالعيد، قال يخاطب نفسه:

    فيما مضى كنت بالأعياد     مسروراً فساءك العيد في أغمات مأسورا

    ترى بناتك في الأطمار جائعةً     يغزلن للناس ما يملكن قطميرا

    برزن نحوك للتسليم خاشعة     أبصارهن حسيرات مكاسيرا

    يطأن في الطين والأقدام حافية     كأنها لم تطأ مسكاً وكافورا

    من بات بعدك في ملك يسربه     فإنما بات بالأحلام مغرورا

    أيها الإخوة، ولا تزال الدعوات تستجاب من رب الأرض والسماوات، ولذلك فإن عليكم أن تدعوا الله عز وجل وأنتم موقنون بالإجابة، كم نجد في عصرنا الذي نحن فيه من قوم ظلموا فدعو فاستجاب الله لهم، قوم وقعوا في ضر فدعو الله فاستجاب لهم.

    1.   

    آداب الدعاء

    أيها المسلمون...

    ينبغي علينا أن نحرص على أن ندعو الله عز وجل في كل مناسبة، وإني أذكر لكم باختصار أهم الآداب التي يجب على المسلم، أو يستحب للمسلم مراعاتها، إذا أراد أن يدعو الله عز وجل:

    الوضوء

    فمن ذلك أن يتوضأ إن لم يكن في صلاة. فلو أراد أن يدعو وهو في غير صلاة يستحب له الوضوء، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يدعو توضأ.

    استقبال القبلة

    ومن ذلك أن يستقبل القبلة -أيضاً- فإنه صلى الله عليه وسلم كان يستقبل القبلة في دعائه، كما في الصحيح {أنه استقبل القبلة وقال: اللهم اهدِ دوساً} وكذلك استقبل القبلة حينما أراد أن يدعو عند الصفا وعند المروة، وعند رمي الجمار، وعند المشعر الحرام وغيرها.

    الصلاة على النبي وحمد الله تعالى

    وكذلك ينبغي للداعي أن يبدأ دعاءه بالصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، والحمد لله تبارك وتعالى. ولذلك في الحديث الصحيح عن فضالة بن عبيد: {أن رجلاً جاء فصلى، فقال: ربي اغفر لي وارحمني. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عجل هذا. ثم دعاه، فقال له: إذا صليت فاحمد الله وصلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ادع، فجاء رجل آخر فصلى فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ادع تجب} فعلى الإنسان أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويحمد الله تبارك وتعالى في أول دعائه.

    رفع اليدين إلى السماء

    وكذلك يستحب للداعي أن يرفع يديه إلى السماء، فقد تواتر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو يرفع يديه إلى السماء، من نحو أكثر من أربعين طريقاً، عن أكثر من عشرين صحابياً: {أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في الدعاء} من ذلك قوله: {إن الله يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً} فينبغي للعبد أن يرفع يديه في الدعاء.

    الإسرار في الدعاء

    ومن آدب الدعاء: أن يسر الإنسان في الدعاء ولا يجهر، هذا إذا كان منفرداً وليس إماماً، فيستحب له الإسرار في الدعاء، كما قال الله تعالى:ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً [الأعراف:55]. وقال:ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً [مريم:2-3]. أما إن كان إماماً فإنه يجهر ليسمع المأمومين.

    الدعاء ثلاثاً

    ومن آداب الدعاء: أن يدعو الإنسان ثلاثاً، أي يكرر الدعوات ثلاث مرات، خاصة إن كانت الدعوات فيها مصلحة عامة للمسلمين والمحتاجين؛ فإنه يستحب تكرارها ثلاثاً، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه إذا دعا أن يدعو الله تعالى ثلاثاً.

    عدم الاعتداء في الدعاء

    وكذلك من آداب الدعاء: أن لا يعتدي الإنسان في الدعاء، يقول الله عز وجل: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [الأعراف:55] وللذلك في الحديث الصحيح عن سعد بن أبي وقاص أنه سمع ابناً له يقول:[[اللهم إني أسألك الجنة وحورها وقصورها ونعيمها وما فيها وكذا وكذا، وأعوذ بك من النار، وحياتها وعقاربها وسعيرها وعذابها، فقال له: أي بني إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: سيكون في هذه الأمة أقوام يعتدون في الدعاء، إذا سألت الله عز وجل فاسأله الجنة، فإنك إن أعطيت الجنة أعطيتها وما فيها، واستعذ به من النار، فإنك إن أعذت من النار أعذت منها ومما فيها]] أي: أنه لا داعي لهذه التفاصيل

    وكذلك صح عن عبد الله بن مغفل، أنه سمع ابنه يقول:[[اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الداخل إلى الجنة، أو القصر الأخضر، فهو يصف قصراً في الجنة كأنه رآه، فقال له: أي بني إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: { سيكون في هذه الأمة أقوام يعتدون في الطهور والدعاء } اسأل الله الجنة واستعذ به من النار]] ولذلك فإن أشياء كثيرة يفعلها الناس اليوم، تُعَدُّ من الاعتداء في الدعاء:

    أ/ دعاء الله بأسماء لم تثبت:

    بعض الناس يدعون الله عز وجل بأسماء لم تثبت، مثل قول بعض الناس: يا سبحان، يا برهان، يا غفران، فهذه أشياء لم ترد في أسماء الله جل وعلا، إنما لا بأس أن تقول: يا رحمان! يا حنان! يا منان! يا ديان! وما أشبه ذلك من الأسماء التي ثبتت لله عز وجل.

    ب/ التفصيل في الدعاء:

    ومن الاعتداء في الدعاء: أن الناس يفصلون في الدعاء، فإذا دعوا فصَّلوا مثلما سبق، أسألك الجنة كذا وكذا وكذا، ويذكر تفاصيل ما في الجنة، حتى أن بعض الدعاة إذا دعا، يبدأ في وصف الجنة وكأنه في موعظة أو خطبة، ثم يبدأ في وصف النار وكأنه في خطبة تحذير وإنذار، وهذا لا يسوغ في الدعاء، بل هو من الاعتداء.

    ج/ الدعاء على أحد بالتفصيل:

    ومن الاعتداء: بعض الناس إذا دعا على أحد دعا دعاءً مفصلاً، فبدلاً من أن يقول: اللهم عليك بفلان، أو اللهم عليك بأعداء الإسلام، يبدأ بالتفاصيل، اللهم عليك بفلان، اللهم اجذع أنفه، واقطع أذنه، وافعل به كذا وكذا، وأصبه من الأمراض بكذا وكذا، وافعل بيده كذا، وبرجله كذا وبماله كذا، وبولده كذا، ويبدأ يطيل في الدعاء. ادع الله عز وجل كما دعا النبي صلى الله عليه وسلم على قريش، إن كان مستحقاً للدعاء، اللهم عليك بفلان، اللهم عليك بأعداء الإسلام، فإن كان المدعو عليه مسلم، فمن الأولى أن لا تدعو عليه، بل أن تدعو له بالهداية والصلاح والمغفرة.

    د/ الدعاء بما لم يرد:

    ومن الاعتداء في الدعاء: أن بعض الناس يطيلون بأدعية لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد يكون بعضهم جهال، فيدعون الله عز وجل بدعاء غير مأثور ولا مشروع، ولذلك نقل عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، أنه كان يقول:[[إن أهل الجنة يحتاجون إلى العلماء، قالوا: كيف يحتاجون إلى العلماء؟ قال: إنه إذا قيل لأهل الجنة تمنوا، لم يعرفوا كيف يتمنون حتى يذهبوا إلى العلماء فيسألونهم ماذا نتمنى ]] فما كل أحد يستطيع أن يحسن الدعاء ولذلك بعض الناس يريد أن يدعو فيدعو دعاءً غير لائق، وغير مناسب ولا ينبغي، مثل ذلك الرجل الأعرابي -كما ذكره الخطابي وغيره- الذي قام يستسقي وقال: رب العباد ما لنا ومالك، قد كنت تسقينا فما بدالك. هذا لا يليق بالله عز وجل أن يخاطب بهذا: قد كنت تسقينا فما بدالك. الله عز وجل لا يجوز أن يقال له فما بدالك، الله يعلم ما مضى وما يأتي، ولا يغيب عنه شيء جل وعلا.

    فالإنسان ينبغي أن يقتصر في دعائه على المشروع، كما قال الإمام أحمد رحمه الله، وقد سأله الأثرم فقال له: ماذا أقول في آخر صلاتي؟ قال: تدعو بما ورد. قال: أرأيت قول النبي صلى الله عليه وسلم: {ثم ليتخير من المسألة ما شاء}؟ قال: يعني مما ورد.

    والمقصود حين نقول مما ورد، لا يلزم بالنص، أي مما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، سواء كان بالنص أو بالمعنى، فالأعرابي الذي كان يقول: {يا رسول الله، إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ، إنما أسأل الله الجنة وأستعيذ به من النار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حولهما ندندن} فكون الإنسان يدندن بما ورد، أي من الألفاظ النبوية أو من المعاني النبوية، لكن لا يعتدي بدعاء غير مشروع.

    ه/ الدعاء بأمر مستحيل:

    وكذلك من الاعتداء في الدعاء: أن يدع الإنسان بأمر مستحيل، مثل كونه يدعو الله أن يبلغه منازل الأنبياء، فإن منازل الأنبياء لا يبلغها أحد غيرهم، ورتب الأنبياء لا يمكن أن يصل إليها أحد من الخلق. ومثل ذلك الدعاء بالخلود، بعض المنافقين إذا دعوا لحاكم أو لأمير، يقولون: خلد الله ملكك وأبَّد سلطانك. الله عز وجل هو الذي له البقاء الدائم في ملكه وسلطانه، أما ملك البشر فيزول، والكرسي يدور بهم، ولو بقي لهم ما انتقل من غيرهم، فهذا من الاعتداء في الدعاء الذي لا يجوز.

    الاقتصار على جوامع الكلم

    ومن أدب الدعاء: أن يقتصر الإنسان على الجوامع من الدعاء ويدع ما سوى ذلك، ولذلك إذا تتبعت دعاء النبي صلى الله عليه وسلم؛ وجدت فيه المعاني العظيمة والألفاظ المختصرة، اسمع مثلاً ماذا كان يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم: {اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لي وترحمني، وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضني إليك غير مفتون، اللهم إني أسألك حبك وحب من أحبك، وحب العمل الذي يقربني إلى حبك، اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر، اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأهواء والأدواء} إلى غير ذلك من الأدعية المأثورة، التي فيها اختصار، وجمع لمعانٍ عظيمة، فالاقتصار على الجوامع من الدعاء هو من هدي النبي صلى الله عليه وسلم.

    السؤال بالأسماء الحسنى والصفات العلى لله

    ومن آداب الدعاء: أن يسأل العبدُ ربَه بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، لقول الله عز وجل: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180].

    1.   

    أسباب إجابة الدعاء

    أيها الإخوة...

    أريد أن أختم هذه الكلمة بذكر أسباب الإجابة باختصار شديد، وهي خمسة فاحفظوها:

    ما يتعلق بالدعاء نفسه

    السبب الأول من أسباب الإجابة: ما يتعلق بالدعاء نفسه. مثل أن يدعو الإنسان ربه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، أو باسمه الأعظم، اللهم إني أسألك بأنك أنت الله الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد. أو بدعوة ذي النون، ما دعا بها مسلم إلا أجابه الله عز وجل: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فهذا من الأسباب، وهو سبب يرجع إلى الدعاء نفسه.

    ما يتعلق بالداعي نفسه

    السبب الثاني: يرجع إلى الداعي، وذلك مثل أن يكون الداعي مضطراً: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62] أو صائماً، فإن الصائم له دعوة مستجابة، لا أقول عند فطره، ولكن للصائم دعوة لا ترد، وكذلك المسافر دعوته لا ترد، والوالد على ولده دعوته لا ترد، والمظلوم دعوته لا ترد، والحاج والمعتمر دعوته لا ترد. وبصفة عامة: فكل سبب يجعل الإنسان يخبت في الدعاء ويخلص، وينكسر لله عز وجل، ويبكي بصدق، ويدعو دعاء الإنسان الغريق في البحر، الذي يعلم أنه لا نجاة له إلا بالله عز وجل؛ فهذا يجاب.

    ما يتعلق بالزمان

    السبب الثالث من أسباب الإجابة: ما يرجع إلى الزمان. فإن هناك أزمنة فاضلة يجاب فيها الدعاء، كالثلث الأخير من الليل، فأسمع الدعاء في جوف الليل الآخر، حين ينـزل الله عز وجل إلى السماء الدنيا، فيقول: {هل من سائل، من تائب، هل من مستغفر} وكذلك ساعة الجمعة، ما بين أن يدخل الإمام إلى أن تقضى الصلاة، والساعة الأخيرة من العصر يوم الجمعة، وكذلك ليلة القدر فإنها من أوقات الإجابة، ولذلك قالت عائشة: {يا رسول الله، أرأيت إن علمت ليلة القدر أي ليلة هي ما أقول؟ قال: قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني}.

    ما يتعلق بالمكان

    السبب الرابع: يرجع إلى المكان، فإن هناك أمكنة يجاب فيها الدعاء، كما يكون ذلك داخل الكعبة، وحجر إسماعيل الذي يقع إلى الشمال من الكعبة هو من الكعبة، فالدعاء فيه يرجى أن يكون مجاباً، ولذلك دخل النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة ودعا في نواحيها، وكذلك الدعاء في الملتزم، وهو ما بين الحجر الأسود وباب الكعبة، فقد ورد عن ابن عباس وغيره أحاديث في أنه يجاب عنده الدعاء. كذلك فوق الصفا وفوق المروة، وعند المشعر الحرام، فإنها أماكن يجاب عندها الدعاء.

    السلامة من الموانع

    السبب الخامس من أسباب الإجابة: السلامة من الموانع. يقول الإنسان: دعوت فلم يستجب لي! نعم دعوتَ فلم يستجب لك ففتش في نفسك، هل عندك موانع منعت إجابة الدعاء؟ إن كنت ممن يأكل الحرام؛ الربا، أو أموال الناس بالباطل، لا يستجاب لك، ولذلك في صحيح مسلم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: {الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء، يا رب يا رب، ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فأنى يستجاب له} هذا مسافر يجاب له الدعاء في الأصل، ومسلم ويدعو الله بأسمائه الحسنى يا رب، ويمد يديه -كما سبق- مع ذلك من البعيد جداً أن يستجاب له، كل قرش تدخله إلى بطنك أو إلى جيبك من حرام؛ يمنع إجابة الدعاء، فعليك أن تصفي مالك من الحرام، وتتوب إلى الله عز وجل وتخرج من المظالم.

    1.   

    بعض موانع إجابة الدعاء

    من أسباب حرمان إجابة الدعاء: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكون الإنسان يفقد الغيرة على محارم الله عز وجل، ويرى المنكر فلا يغيره، ولا يتمعر وجهه ولا يمتعض منه، فهذا لا يجاب له الدعاء، كما ورد في حديث حذيفة وعائشة وغيرهما أن الله عز جل يقول: {مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوني فلا أجيب لكم، وتستنصروني فلا أنصركم، وتستغفروني فلا أغفر لكم} أو كما قال جل وعلا في الحديث القدسي.

    فهذا من موانع إجابة الدعاء، وقد يدعو الإنسان ويحب الله تبارك وتعالى أن يسمع دعاءه وتضرعه فيؤخر إجابته، والله يجيب دعاء عبده متى ما كانت المصلحة للعبد دنيا وآخرة في إجابة الدعاء، وزالت الموانع.

    اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم، واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها، واجعل خير أيامنا يوم نلقاك، وآخر كلامنا من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين. اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك، وحب العمل الذي يقربنا إلى حبك، اللهم احفظ مجتمعات المسلمين من الرذيلة، اللهم احفظ مجتمعات المسلمين من الرذيلة، اللهم احفظ مجتمعات المسلمين من الرذيلة، اللهم افضح أولئك الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، اللهم خذهم أخذ عزيز مقتدر، اللهم عليك بالظالمين، اللهم عليك بالظالمين، اللهم عليك بأعداء الدين. اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا أن تنصر عبادك المجاهدين في كل مكان، اللهم أقر عيوننا بنصر الإسلام، اللهم أقر عيوننا بنصر الإسلام، اللهم أقر عيوننا بنصر الإسلام، اللهم إنك تعلم أن أعداء الإسلام قد تنادوا وتداعوا على هذا الدين من كل حدب وصوب، اللهم فاخذلهم يا عزيز يا كريم، اللهم اخذلهم، اللهم انصر عبادك الصالحين عليهم، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا ظالمين، سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.

    اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755971624