أما بعــد:
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هذه ليلة الخميس من هذا الشهر المبارك الكريم، نسأل الله أن يجعله شهر خير ورحمة لنا ولكم وللمسلمين أجمعين.
أيها الإخوة الكرام: هذا العصر الذي نعيش فيه يتميز بأنه عصر القلق والاضطراب والأمراض النفسية التي عبثت بالناس أيما عبث، فأصبحت تجد في كل مدينة وقرية ومستشفى قسماً خاصاً للأمراض النفسية، وعيادات مخصصة للأطباء النفسانيين، يتردد عليها مئات بل ألوف من الناس، لا أقول من الفقراء والمعدمين، بل منْ علية القوم، من أهل الجاه والثراء والنفوذ والقوة، ممن يملكون بأيديهم الدنيا ولكنهم لم يجدوا للسكينة والسعادة في قلوبهم موضعاً، فهو عصر القلق والاضطراب والحيرة والتردد.
وكان من ثمرات ذلك أن نسبة المنتحرين في العالم تزداد يوماً بعد يوم، وكلما تقدم الناس في المادة والثراء، وارتفع دخل الفرد، ازدادت نسبة المنتحرين، ففي أكثر دول العالم ومناطقه ثراءً يكون أكثر معدل للانتحار، هذا فضلاً عن غيره من مظاهر القلق الموجودة في العالم، فهو بحق عصر القلق.
لأن القلق هو ثمرة من ثمرات عدم الإيمان بالله عز وجل، والبعد عن طريقه وهدايته وأنوار الوحي التي أنـزلها الله تعالى على رسله وأنبيائه، فمن قال أن طبيباً نصرانياً أو ملحداً أو كافراً يفلح في علاج حالات القلق هذه؟! بل إن المريض يخرج من عنده وقد ازداد قلقاً وحيرةً وتردداً.
وقد بلغني أن من يسمون بالأطباء النفسانيين يدخل عليهم المريض أو تدخل عليهم المريضة، فيبدءون يحادثونهم في قضايا الدين، ويشككونهم في دينهم وفي عقائدهم وفي أخلاقهم وفي سلوكهم، حتى يخرج المريض وهو مصاب بمرض -فضلاً عن مرضه الأول- الشك.
فهؤلاء المرضى الذين يسمون بالأطباء هم بحاجة إلى من يعالجهم وكما قيل:
يا أيها الرجل المعلم غيره هلا لنفسك كان ذا التعليم |
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنا كيما يصح به وأنت سقيم |
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم |
كما أننا نجد كثيراً من الناس يذهبون إلى من يعالجونهم بقراءة القرآن والأدعية والأذكار والرقية الشرعية، وهذا لا شك علاج حسن متى كان مقتبساً من نور النبوة والسنة الصحيحة، فضلاً عن أعداد كثيرة من المرضى الذين يذهبون إلى المشعوذين والدجالين والمرتزقة، الذين يمدون أيديهم بالباطل إلى جيوب الناس بحجة العلاج، ويذهب أعداد كبيرة من الناس إلى من يدَّعون أنهم كهان، أو إلى من يدَّعون أنهم عرافون، يزعمون علم شيء من الغيب، وهؤلاء وأولئك كلهم همهم أن يأخذوا أموال الناس بالباطل، فهذه ميزة من ميزات هذا العصر.
فتجد كثيراً من الناس يركضون ويلهثون، ولكن الواقع أنهم لا يعرفون طريقهم، ولا يدرون إلى أين يتجهون، ولأجل علاج كل الأمراض التي يعانيها كل الناس؛ شرع الله تعالى العبادات، سواء كان ذلك في الصيام أو الصلاة أو الحج أو الذكر، أو غيرها من العبادات، من أجل أن تكون السكينة مستقرة في قلوب الناس، فيكون الإنسان ليس في حال الغنى والأمن والثرى والجاه والنفوذ سعيداً، لا، بل حتى في حال الفقر والمرض والخوف والقلق مطمئناً هادئ القلب؛ لأنه يتلمس السكينة في قلبه.
السكينة هي: طمأنينة القلب واستقراره.
وأصلها في القلب ثم تفيض بعد ذلك على الجوارح، فترى على جوارح الإنسان المطمئن بذكر الله تعالى وعبادته أثر السكينة والهدوء والخشوع، وهي أنواع:
1- موسى عليه السلام:
كالسكينة التي ألقاها الله على موسى عليه الصلاة والسلام في مواقف الشدّة، حينما لحق به فرعون وجنوده بغياً وعدواً، فقال بنو إسرائيل لموسى: يا موسى إنا لمدركون، البحر من أمامنا، والعدو من ورائنا، فإلى أين المفر؟
قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء:62] وألقى الله تعالى في قلبه وفي قلوب المؤمنين معه السكينة، فازدادوا إيماناً مع إيمانهم.
ووجدها موسى عليه الصلاة السلام حينما خاطبه الله عز وجل، فلما أتى إلى تلك الشجرة التي وجد عندها النار، وقد تاه في الصحراء البعيدة، الظلماء المتسعة الأرجاء قال له الله تعالى: فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى * إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي * إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى * فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى [طه:11-16] فلما سمع كلام الرب عز وجل -وهو كلام عظيم، لا يقدر أحد قدره إلا الله عز وجل- ألقي الله في قلبه السكينة، مع أن الله إذا تكلم بالوحي أخذت السماوات رجفة لقوله، كأنه سلسلة على صفوان، حتى إذا زال عن الملائكة ما وجدوا، وفُزِّعَ عن قلوبهم، قال بعضهم لبعض: ماذا قال ربكم؟
قالوا: الحق، فسمع موسى كلام الله عز وجل بطمأنينة قلب، وثبات جأشٍ، وسكينة نفس، ألقاها الله عليه في مثل هذا الموضع.
كما ألقى الله عز وجل عليه السكينة حينما جاء إلى يوم الزينة وحشر السحرة، قال تعالى: فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى * فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى [طه:66-67] فألقى الله في قلبه السكينة حينئذٍ وقال له: قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى [طه:68-69].
2- إبراهيم عليه السلام:
سكينة الأنبياء وجدها إبراهيم عليه الصلاة والسلام، حينما وُضع في فوهة المنجنيق، وقُذف به إلى تلك النار التي جلسوا يضرمونها أياماً وليالي، فوجد في قلبه السكينة والطمأنينة، وألقى الله في نفسه الهدوء والراحة حتى اكتفى بقوله: حسبنا الله ونعم الوكيل، قال ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه: [[حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم عليه الصلاة والسلام حين ألقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه حين قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ[آل عمران:173]]] فما عادوا يهتمون بأحد يجمع، أو يكيد، أو يحشد أو يستعد لهم، أو يحاربهم، حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم عليه الصلاة والسلام فقال الله: قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الأنبياء:69].
3- محمد صلى الله عليه وسلم:
هذه السكينة سكينة الأنبياء وجدها محمد صلى الله عليه وسلم حينما خرج من مكة مستخفياً فاراً بدينه إلى المدينة، ما معه إلا أبو بكر الصديق، فأووا إلى الغار هاربين مستخفين، فبحثت عنهم قريش حتى وصلوا إلى فم الغار، فقال أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم: {والله يا رسول الله! لو نظر أحدهم إلى نعله لرآنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا
ووجدها صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر وأحد والخندق، وفتح مكة وحنين، حينما كان الأعداء يكيدون له ويجمعون قوتهم، فكان صلى الله عليه وسلم يجد السكينة في قلبه، فيأتي إليه أصحابه وهم في حالة من القلق والفزع والخوف، فيطمئنهم ويصدرون عنه وهم في غاية السرور والرضا، فهذه سكينة الأنبياء.
قال: بلى قال: أوليسوا بمشركين؟
قال: بلى. قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟!
قال: أنا عبد الله ورسوله، لن أخالف أمره ولن يضيعني. فلم يصبر فجاء إلى
قال: بلى قال: وأليسوا بالمشركين؟
قال: بلى. قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟!
قال يا رجل: الزم غرزه؛ فإنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن الله ناصره وحافظه
}.فحينئذٍ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنـزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى [الفتح:26] هُوَ الَّذِي أَنـزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ [الفتح:4] فأنـزل الله السكينة في قلوب المؤمنين أتباع رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في مثل هذا الموقف القلق العصيب، ولهذا كانت السكينة تنـزل على المؤمنين في مواقف الجهاد والقتال كما روى أبو داود عن سمرة بن جندب رضي الله عنه وأرضاه قال: {سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلنا في الجهاد خيل الله} لماذا؟
لأنها الخيل التي أوقفت في القتال في سبيل الله، وحملت المجاهدين الصابرين الذابين عن حوزة الإسلام، وأعراض المؤمنين، وبلاد الإسلام، فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم خيل الله {سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلنا خيل الله، وكان يأمرنا إذا فزعنا بالجماعة والصبر والسكينة} فإذا أصابهم الفزع والقلق والخوف، أوصاهم صلى الله عليه وسلم بالسكينة، وبالهدوء، وبالاطمئنان، وبالذكر الذي يحفظهم به الله تعالى، وكذلك إذا قاتلوا كان يأمرهم بالسكينة.
ولهذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا كانوا في حال المعارك وكانوا يرتجزون بالشعر، يسألون الله تعالى أن ينـزل عليهم السكينة، فكان من حدائهم:
والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا |
فأنـزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا |
إن الذين قد بغوا علينا إذا أرادوا فتنة أبينا |
فيسألون الله تعالى أن ينـزل السكينة في قلوبهم.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يردد وراءهم، يقول: {أبينا أبينا} والحديث في الصحيح. فهذه السكينة التي تنـزل عند أتباع الأنبياء في حال القتال والشدة والخوف من عدوهم، وهي لا تعارض القوة في الحق، فإن عمر رضي الله عنه -كان مشهوراً بالقوة والشدة- في يوم الحديبية كان يلحق ببعض المؤمنين، كـأبي جندل -الذي خرج من المشركين- ويعطيه السيف ويقول له: يا أبا جندل، إنما هؤلاء مشركون، وإنما دم أحدهم دم كلب! ويعطيه السيف، يعني: خذ السيف واقتل والدك؛ فإنه من المشركين، فكان عمر قد غضب غضباً شديداً في ذات الله عز وجل في ذلك الموقف، ومع ذلك كان الصحابة رضي الله عنهم يرون أن السكينة تنطق على لسان عمر.
روى أحمد في مسنده، عن وهب السوائي قال: خطبنا علي رضي الله عنه، فقال لنا: [[من خير هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم؟ قال: فقيل له: أنت يا أمير المؤمنين قال: لا، خير هذه الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذاً: عمر، القوي في الحق الذي يَفْرَق الشيطان من ظله، وإذا رآه قد سلك طريقاً سلك الشيطان طريقاً آخر، كانت السكينة تنطق على لسانه رضي الله عنه. فليست السكينة ذلاً ولا تماوتاً ولا خضوعاً، وإنما السكينة طمأنينة في القلب، وإيمان بالرب جل وعلا، وثقة به وتوكل عليه مع القوة والجراءة في الحق.
وهذه السكينة تكون في حال أداء العبادات كالصلاة والصيام والحج، كما أنها تكون بعد ذلك أثراً من آثار العبادة في قلب المتعبد وجوارحه، ولذلك كانت العبادات تورث العابد الذل والخشوع لله عز وجل، وغض الطرف، واجتماع القلب على الله تبارك وتعالى، ومحبته والإخبات بين يديه، فمثلاً: السكينة حال الذكر جاء فيها قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن أبي هريرة، أنه عليه الصلاة والسلام قال: {وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نـزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله تعالى فيمن عنده}.
فإذا تجمع القوم على قراءة القرآن؛ نـزلت السكينة من السماء على هؤلاء وغشيتهم رحمة الله عز وجل، ونـزلت الملائكة فحفت بهم من بين أيديهم ومن خلفهم، وعن أيمانهم وعن شمائلهم، تأنس بالقرآن وتستمع إليه من أفواه المؤمنين غضاً طرياً رطبا، كأنما أنـزل الآن.
إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً [المزمل:5] فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتغشاه من شدة الوحي شيء عظيم حتى يتفصد من جبهته عرقاً في اليوم الشاتي من ثقل الوحي عليه، فوقعت فخذه صلى الله عليه وسلم على فخذ زيد، قال: {فما رأيت شيئاً أثقل من فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي، ثم سريَّ عنه فأملى عليَّ وقال: اكتب. قال: فكتبت في كتف كان معه قول الله عز وجل: لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله [النساء:95] قال: وكان في المجلس عبد الله بن أم مكتوم، وكان رجلاً أعمى، فلما سمع فضل الجهاد والمجاهدين قام وقال: يا رسول الله! فكيف بمن لا يستطيع الجهاد كالأعمى والأعرج والمريض وغيرهم، قال: فنـزلت السكينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وغشيته مرة أخرى، ووقعت فخذه على فخذي، فما وجدت شيئاً أثقل من فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي، ثم سريَّ عنه فقال: اكتب. قال: فكتبت لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله [النساء:95] فاستثنى الله تعالى أولي الضرر، كالأعمى والأعرج والمريض، كما قال الله تعالى: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ [الفتح:17]}.
المهم: أن السكينة كانت تنـزل برسول الله صلى الله عليه وسلم، عند نـزول الْمَلَك عليه بالقرآن، وكذلك كانت السكينة تنـزل عند قراءة القرآن، كما في الصحيحين، في قصة أُسيد بن حضير رضي الله عنه -وهو من كبار الأنصار- أنه كان ذات ليلة يصلي صلاة الليل في مربد، فقرأ سورة البقرة -وفي رواية في الصحيحين أنه قرأ سورة الكهف- وكانت الخيل مربوطة قريباً منه، فقرأ ورفع صوته بالقرآن -وكان حسناً جميل الصوت- فجالت الفرس وبدأت تذهب وتقبل وتدبر، حتى خشي أن تفك رباطها، وكان ولده يحيى إلى جنبه -وهو طفل صغير- فخشي عليه من الخيل، فسكت عن قراءة القرآن فسكنت الخيل، فعاود القراءة بعد ذلك، فجالت الفرس وبدأت تقبل وتدبر، حتى خشي على ولده فسكنت، فرفع صوته بالقرآن مرة أخرى، فتحركت الخيل وجالت حتى خشي على ولده فسكت، ثم صلى فرفع رأسه إلى السماء، فإذا مثل الظلة فوق رأسه، وإذا فيها أمثال المصابيح.
فلما أصبح غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: يا رسول الله! إنه حصل البارحة كذا وكذا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: {اقرأ يـ
فنـزلت السكينة، ونـزلت الملائكة لقراءة أسيد بن حضير رضي الله عنه القرآن الكريم.
1- أسباب نـزول الملائكة:
وإنما كان نـزول الملائكة لأسباب:
السبب الأول: هو عَظَمَةُ ما قرأه أسيد سواء كان قد قرأ سورة البقرة أم سورة الكهف، فأما سورة البقرة فهي الزهراء التي لا تستطيعها البَطَلَة ولا يدخل الشيطان بيتاً قرأت فيه، وأما سورة الكهف فهي السورة العظيمة، التي بين النبي صلى الله عليه وسلم أن من قرأها في جمعة أضاءت له ما بينه وبين الجمعة الأخرى.
السبب الثاني: أن القارئ كان يفهم معنى ما يقرأ ويتأثر به ويخشع له، فكان هذا سبباً وجيهاً لنـزول الملائكة ونـزول السكينة.
السبب الثالث: أنه كان يرفع صوته بقراءة القرآن، وكأنه -والله أعلم- كان حسن الصوت بالقرآن، كما كان أبو موسى واستمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة إلى قراءته، فأنصت وأُعجب بقراءته أيما إعجاب وقال له: {يا لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود -صوتك بالقرآن جميل جدُّ جميل- فقال: يا رسول الله، والله لو علمت أنك تسمعني؛ لحبَّرته لك تحبيراً
ولهذا جاء في البخاري، من حديث أبي بكرة رضي الله عنه: {أنه جاء والرسول صلى الله عليه وسلم راكع، فأسرع وقد حفزه النفس، ثم ركع ولحق بالنبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، فلما سلم النبي صلى الله عليه وسلم سأل من الذي أتى وهو راكع؟ فقال: أنا يا رسول الله، وذكر له الحال. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: زادك الله حرصاً ولا تعد} لا تعد لمثل هذا وائت إلى الصلاة وعليك السكينة والوقار، فما أدركت فصل وما فاتك فاقض.
إذاً: هذه السكينة مطلوبة من العبد في كل حال وينبغي للإنسان أن يحرص عليها في حال العبادة كما يحرص عليها في جميع الأحوال.
ومن يكون في قلبه سكينة، وفي روحه إيمان، وفي نفسه إشراق، وله ورد من الذكر وورد من القرآن، وإقبال على الله عز وجل، وسكينة في قلبه؛ فإن الله تعالى يحفظ قلبه بهذه السكينة من وساوس الشيطان التي تهجم على أعماله الصالحة فتفسدها.
فيحتاج القلب إلى السكينة والطمأنينة في حال الخوف، سواء كان الخوف من غريب يطالبه بِدَين أم من عدو يخشى من بأسه وسطوته، أم من سلطان أو قريب أو بعيد، أو مرض أو غير ذلك، وما أكثر المخاوف التي تقلق قلوب الناس، بل إن الخوف هو من أعظم أسباب الأمراض النفسية التي أشرت إليها.
الخوف من المرض هو مرض بحد ذاته، ولهذا يحكى في الأساطير: أن رجلاً مر من عنده الوباء، فقال: إلى أين أنت ذاهب أيها الوباء؟
فقال: ذاهب إلى قرية كذا وكذا. قال: ماذا أُمرت؟
قال: أُمرت أن أقتل منهم خمسة آلاف. فلما رجع مر من عند الرجل فقال له: من أين أقبلت؟
قال: أقبلت من قرية كذا وكذا، قال: كم قتلت منهم؟
قال: خمسة آلاف، قال: لا، بل قتلت منهم خمسين ألفاً قال: لا، أنا قتلت خمسة آلاف أما خمسة وأربعون فإنما قتلهم الخوف والوهم!!
فكثير من الناس يعيشون من خوف المرض في مرض، ومن خوف الداء في أعظم داء، حتى إن هذا المرض لا يكاد يوجد له علاج إلا الإيمان بالله عز وجل والثقة به والتوكل عليه.
وليس هناك باب يدخل منه العبد على الرب، أعظم من باب الذل والانكسار والاعتراف بالذنب، ولا باب يؤدي بالعبد إلى النار أعظم من باب العجب والغرور والإدلال بالعمل.
فيا أيها العبد: إذا كان لسانك الذي تذكر به ربك، وجسدك الذي تستخدمه في طاعته، وعقلك الذي تفكر به، ومالك الذي تنفق منه، وكل ما بيدك، فإنما هو فضل امتنان من رب العالمين، فكيف تدل على الله تعالى بيسير شيء مما أعطاك الله؟!
وكيف تدل على ربك، وإنما العبادة التي وفقك الله إليها هي نعمة منه عليك تستحق منك الشكر؟!
فإن شكرتها بعبادة أخرى، كانت هذه العبادة الأخرى نعمة جديدة تستحق منك له الشكر وهكذا، فلا يزال العبد ينتقل من نعمة إلى نعمة، ومن شكر إلى شكر، ومن عبادة إلى عبادة.
اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين، اللهم أنـزل السكينة في قلوبنا، اللهم زدنا إيماناً على إيماننا، ووفقنا إلى ما تحب وترضى، واهدنا سواء السبيل، واهدنا ولا تضلنا، اللهم أصلح سرنا وعلانيتنا وظاهرنا وباطننا، وأصلح ذرياتنا ونياتنا وباطننا، اللهم أصلح نياتنا وذرياتنا، اللهم تقبل منا الصيام والقيام، اللهم تقبل منا القليل واغفر لنا الذنب الكثير يا حي يا قيوم يا قدير، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
الجواب:النصيحة بعد العودة هي النصيحة قبل الخروج من الكويت، وهي ضرورة مراجعة المسيرة والعودة إلى الله تعالى من جميع الذنوب والمعاصي، والقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كل بحسب ما يستطيع، وأن تجمعوا كلمتكم وتوحدوا صفكم، وتكونوا يداً واحدة على من ناوأكم وخالف أمركم، من دعاة الضلالة والعلمانية والشيوعية وغيرها.
الجواب: بالنسبة للأكراد المعارضين في العراق، والموجودين في العراق، وغيرها، فإن منهم من أهل السنة والجماعة ومنهم غير ذلك، وكثيراً ما تحرص وسائل الإعلام الغربية على أن تبرز أسماء بعض القادة من الذين لا يعتبرون حقيقة من أهل السنة والجماعة، أما المعارضون من أصحاب الاتجاهات الإسلامية والمشايخ والعلماء فكثيراً ما يطوي الإعلام خبرهم.
الجواب: الورد له وقتان في الصباح والمساء، في الغدو والعشي، فوقته في الصباح من بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وما بعد ذلك أيضاً، وفي المساء بعد الزوال إلى غروب الشمس وما بعد ذلك، وقد اختلف العلماء في تحديد وقت لهذا، ولعل الإنسان لو قرأ الورد بعد صلاة الفجر وبعد صلاة المغرب لكان ذلك حسناً، أما الدعاء المأثور في ذلك فهو يطول لكن بإمكان الأخ القارئ أو السائل مراجعة صحيح الكلم الطيب أو الكلم الطيب نفسه لشيخ الإسلام ابن تيمية، وصحيح الكلم الطيب للشيخ الألباني، أو غيره من أوراد الصباح والمساء.
الجواب: سبق أن بينت باختصار ما يتعلق بالختمة تفصيلاً، وخلاصة الكلام المتعلق بذلك: أن الختمة إن قرأها الإمام في صلاة ثنائية من صلاة التراويح، ثم أوتر بعد ذلك، فإن هذا يعتبر لا أصل له، وينبغي أن لا يفعله الأئمة، أما لو جعل الختمة في الوتر قبل الركوع أو بعده، وأطال في الدعاء، وأتى ببعض الأدعية المناسبة لختم القرآن، مثل اللهم انفعنا وارفعنا بالقرآن العظيم، اللهم اجعل القرآن لنا شفيعاً، إلى غير ذلك، فإنَّ هذا لا حرج فيه.
الجواب: اختلف العلماء في المذي في نهار رمضان، فمنهم من قال يفطر به، ومنهم من قال لا يفطر، والصحيح أنه لا يفطر بذلك، لكن على العبد أن يتجنب أسبابه لأنه يخشى أن يؤدي إلى الإنـزال.
قال: لا، وإنما أنا أسأل بعض الجن الذين أسلموا وخرجوا من بعض المرضى، فهل يعتبر هذا من الشعوذة؟
وهل يجوز هذا العمل، وما حكم الذهاب إليه؟
الجواب: في الواقع أن كثيراً ممن يرتادهم الناس وينتابونهم للقراءة والرقية يحصل منهم تصرفات شائنة لا تليق بمثلهم، فمنهم من يخلو بالمريضة، ومنهم من يمس بعض أعضائها، ومنهم من يتكلم معها بكلام لا يليق، ومنهم من يدعي أن المريض فيه مجموعة من الجن يتكلمون على لسانه في وقت واحد، ومنهم من يزعم أنه يسأل الجن ويخبرونه عن أخبار المريض إلى غير ذلك، وهذا كله مما يورث كثيراً من الشكوك والتساؤلات، حول هؤلاء الذين يرتادهم الناس، وأنا أحذر المسلمين منهم، وأدعو إلى تجنبهم وعدم الذهاب إليهم، وألا يذهب الإنسان إلا لمن عنده معرفة وعلم في الشرع، ومعروف بالتقوى والورع والبعد عما يثير الشكوك والشبهات حوله.
الجواب: إذا كان هذا البخاخ الذي تستخدمه المريضة للربو، هو مجرد هواء أو غاز فقط، فإنه قد أفتى كثير من علمائنا المعاصرين أنه لا تفطر به، فإذا احتاجت إلى استخدامه فإنها تستخدمه، أما إذا كان في هذا البخاخ شيء من المواد التي هي غير الهواء وغير الغاز الذي يوجد في بعض البخاخات فإنها تفطر به، فإذا احتاجت إلى استخدامه أفطرت وتقضي يوماً مكانه.
وهل عليَّ قضاء أو إطعام مساكين؟
أرشدونا وجزاكم الله خيراً؟
الجواب: في الواقع إذا تبين لك من خلال نصيحة الأطباء الموثوقين، أن الصوم يضر بصحتك ولو مستقبلاً، لكن لا تجد مضاعفاتها الآن، إنما يمكن أن يكون لها آثار مستقبلية فإن عليك الإفطار. أما بالنسبة للقضاء أو الإطعام، فإن كنت تستطيع أن تقضي في وقت آخر، كوقت البرد مثلاً أو بعد العملية بفترة، فإن عليك الانتظار حتى يأتي الوقت والقضاء. أما إن قالوا لك: إن هذه الحالة التي معك سوف تكون مستمرة بشكل دائم؛ فإن عليك الإطعام.
الجواب: إذا عرفتم أنكم أفطرتم قبل الغروب وكان فطركم جهلاً بسبب هذا المؤذن الذي غركم؛ فإنه لا شيء عليكم إن شاء الله تعالى، ومن أهل العلم من يقول: عليكم القضاء، فالمسألة فيها خلاف، لكن الأظهر أنه لا قضاء -إن شاء الله تعالى- أما إن كنتم علمتم قبل الغروب، ولم تمسكوا فإن عليكم القضاء بلا شك.
أرجو بأن تدعو لي أن يرزقني الله زوجة من الحلال، وأن يبعدني من الحرام؟
الجواب: نسأل الله أن يرزقك الزوجة الصالحة، التي تعينك على أمر دينك ودنياك، وأن يجمع بينك وبينها في خير، ويرزقكم الذرية الصالحة، وكذلك سائر الحاضرين من العزاب خاصة، ثم المتزوجين عامة.
أما الفرق بين الزهد والورع: فإن الزهد هو الإعراض عن فضول المباح التي لا تنفع الإنسان ولا تقربه إلى الدار الآخرة، كالزهد فيما لا يحتاجه الإنسان من الملابس والمراكب والسكن وغيرها. أما الورع فهو إعراض الإنسان عما قد يضره في الدار الآخرة، مثل الأشياء التي يخشى أن يكون فيها ضرر على الإنسان في دنياه، أو يكون حكمها غير ظاهر يحتمل أن تكون مشتبهة أو مكروهة أو محرمة.
الجواب: كلا، لا ينبغي للإنسان أن يقرأ مع قراءة الإمام، قال تعالى: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف:204].
الجواب: أما فكرة نقل الأشرطة وتوزيع الأشرطة الطيبة المفيدة في كل مكان، فهو من أنفع الأعمال التي يستفيد منها الخاص والعام والمتعلم والجاهل، أما الأشرطة التي تنفع لهذا العرض، فهي كثيرة وربما لا يحضرني الآن قائمة مناسبة بأسماء هذه الأشرطة، لكن يمكن تحديدها عن طريق بعض الإخوة.
الجواب: إذا عرف الإنسان أن الطعام الذي يأكله -سواء كان إفطاراً أم غير إفطار- قد جاء من مال حرام، فإنه لا يجوز له أن يأكله حينئذ، أما إن كان مكسب الرجل مختلطاً فيه الحلال والحرام، فإنه يجوز للإنسان أن يأكل منه.
الجواب: لقد قدمت يا أخي الكريم فما بعد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم قول.
دعوا كل قول عند قول محمد |
{ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار} فهذا دليل على تحريم الإسبال إسبال الإزار أو السراويل، سواء كان هذا لخيلاء أم غيره، فعلى الإخوة أن يتقوا الله عز وجل ويرفعوا أزُرهم، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم، رجلاً يمشي مسبلاً إزاره فقال له: {يا
الجواب: الأولى أن تنتظر بعده وتستمع إلى الذكر والفائدة، لكن المقصود بقول النبي صلى الله عليه وسلم {من قام مع الإمام حتى ينصرف كتبت له قيام ليلة} المقصود: حتى ينصرف من صلاته، أي: حتى ينتهي من صلاته.
الجواب: لا شك أن هذا لا يجوز، فإن الدخان محرم تعاطيه، وبيعه من التعاون على الإثم والعدوان، ولا يجوز لأصحاب المحلات بيع الدخان، سواء أصحاب المحطات أم غيرهم.
الجواب: لا يجوز لأحد أن يأخذ إجازة اضطرارية لأداء العمرة، وذلك لأن الإجازة الاضطرارية إنما تكون للضرورة، مثل إنسان عنده مريض أو ميت، أو حالة تستدعي أن يأخذ إجازة ولا بد له من ذلك والضرورة معروفه، أما أخذ إجازة للعمرة أو لسفر لا يلزم، فإنه لا يجوز، وكذلك السفر لإعداد العدة، من يسافر إلى أفغانستان مثلاً من أجل التدرب لإعداد العدة للجهاد، والتدرب على مقاومة أعداء الله تعالى، فإن هذا يمكن أن يأخذه الإنسان بغير إجازة اضطرارية، كأن يذهب إلى هناك في أوقات الإجازات العادية التي يتمتع بها الموظف، أو الإجازات العامة التي تكون للجميع.
هذا وأسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم جميعاً لما يحب ويرضى، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر