إسلام ويب

تأملات في الزلزال الأليم[2]للشيخ : محمد المنجد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الزلازل والمحن والابتلاءات إنما تحدث بقضاء الله وقدره، ولا يحق لنا أن نعترض على قضاء الله وقدره، بل يجب علينا التسليم لله في كل ما يفعل وما يريد دون اعتراض، كما يجب الثبات على الدين مهما أصابت المسلم مصائب في الدنيا، وإن مما يخفف أثر المصائب على المسلم اللجوء إلى الله، وذكره، وكذلك مواساة المسلمين له.

    1.   

    لا يجوز الاعتراض على مقادير الله

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم.

    وبعد:

    إخواني: إن الله سبحانه وتعالى يرسل علينا الآيات لنتعظ ونتدبر، ويُحدث لنا من الأحداث ما يجب علينا به أن نتعقل ونتفكر، ونحن أمة لا يصح لها أن تنسى تاريخها، ولا الأحداث التي ألمت بها، وإن كثيراً من الناس عن لقاء ربهم لغافلون، وأكثرهم عن الاعتبار بما يحدث من حولهم لاهون معرضون، وقد تكلمنا في الخطبة الماضية عما ألم ببعض المسلمين من الكوارث التي أنزلها الله لحكمة.

    ونتكلم أيضاً لكي لا نكون غافلين عن بعض ما يتعلق بهذا الأمر من العبر والعظات؛ لأنه لا يصح لنا أن ننسى ما حدث في الأمس القريب، ولابد أن نظل على اعتبارٍ واتصالٍ بما يشاء الله سبحانه وتعالى أن يكون في ملكه؛ لكي تبقى القلوب حية والأفئدة بذكر الله عامرة والنفوس بالعبر قائمة، قد يقول بعض المسلمين: لماذا يُنـزل الله كارثة بالمسلمين؟ لماذا تحل بهم الحروب وتنـزل بهم المصائب وتُرسل عليهم الزلازل وهم مسلمون؟

    الجواب: أيها الإخوة! إن هذا الكون ملكٌ لله سبحانه وتعالى يتصرف فيه كيف يشاء، لا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23] إذا شاء الله أمراً كان، وما لم يشأ لم يكن، وكثيرٌ من الناس عن قضية مشيئة الله غافلون، ما يشاء الله لابد أن يحدث، وكل أمرٍ يحدث لحكمٍ يعلمها سبحانه وتعالى، وأمر المشيئة أمرٌ عظيم، والمشيئة واردةٌ في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ في نصوص كثيرة تدل على مشيئته النافذة سبحانه وتعالى.

    يختص برحمته من يشاء، ويغفر لمن يشاء، ويعذب من يشاء، ويجتبي من رسله من يشاء، يخلق ما يشاء، ينفق كيف يشاء، ويتوب الله على من يشاء، ويُسمع من يشاء، ويُدخل في رحمته من يشاء، ويهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور: إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ [الأعراف:128] يمحو الله ما يشاء ويثبت، وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة، وربك يخلق ما يشاء ويختار، كذلك الله يفعل ما يشاء: قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [الأعراف:156].. وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ [الرعد:13] كما قال الله عز وجل.

    هذه النصوص تدل على مشيئة الله النافذة وأنه يفعل ما يشاء، هذا ملكه، وهؤلاء عبيده، مهما فعل بهم فإنه لا يسأل عن ذلك سبحانه، ولا يعترض على قضائه، ولا يقال: يا رب! لم أنزلت كذا؟ ولماذا فعلت بنا كذا؟ وماذا فعلنا لأجل أن تفعل بنا كذا؟

    ما جاءنا وما حل بنا فبما كسبت أيدينا وبمشيئته سبحانه، لا اعتراض على فعله، مهما كان ومهما حصل، ومهما حدث، فإن هؤلاء الناس والعبيد ملك لله، ومهما نزل من الحروب، ومهما حل فإن الله سبحانه وتعالى هو الذي قدره، وهو الذي شاءه، قال الله عز وجل: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ [البقرة:253] بعض الناس يقولون: إن بعض الحروب التي حلت قد أخرت المسلمين إلى الوراء كثيراً، وتسببت في تسلط الكفار بمزيد، فنقول: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ [البقرة:253].

    1.   

    التسليم لأوامر الله والثبات على دينه أمام المحن

    لابد أن يسلم المسلم تسليماً تاماً لمشيئة ربه، ولا يعترض على ما حل من المصائب مطلقاً، هذه مشيئته سبحانه.

    وثانياً: إذا قال بعض الناس: نحن مسلمون، فلماذا تنـزل بنا الكوارث؟ هل يظنون أن الإسلام ينبغي أن يمنع عنهم كل كارثة وكل مصيبة؟

    إذاً اسمع معي -أيها المسلم- هذا الجواب، قال الله سبحانه وتعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [الحج:11] قال ابن عباس رضي الله عنه كما جاء في البخاري وغيره: [كان الرجل يقدم المدينة -كان الأعراب يأتون من النواحي يسلمون في المدينة- فإن ولدت امرأته غلاماً وأنتجت خيله قال: هذا دينٌ صالح، وإن لم تلد امرأته غلاماً أو ولدت جارية -وكانوا يكرهون البنات- ولم تنتج خيله قال: هذا دين سوء] وفي رواية أخرى بسندٍ صحيح عن ابن عباس قال: [كان ناسٌ من الأعراب يأتون النبي صلى الله عليه وسلم يسلمون، فإذا رجعوا إلى بلادهم فإن وجدوا عام غيثٍ وعام خصبٍ وعام ولادٍ حسن قالوا: إن ديننا هذا صالح، فتمسكوا به، وإن وجدوا عام جدبٍ وعام ولاد سوء، وعام قحطٍ قالوا: ما في ديننا هذا من خير] فأنزل الله: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ... [الحج:11] الآية. أي: كارثة أو حلت به مصيبة أو مرض، أو جدب انقلب على وجهه وارتد: خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [الحج:11].

    ونحن المسلمون نبقى مسلمين سواءً حلت بنا النعم أو النقم، سواءً جاءنا الرخاء أو القحط، وسواءً حل بنا الأمن أو الحرب والفزع، فإن إسلامنا يبقى على حاله، لا نرتد ولا نغير، هذا ما ينبغي أن نكون عليه، فإن الإسلام لا يُعتبر دين سوء أو دين حسن بناءً على الأحداث التي تمر بالشخص، بل هو الذي رضيه الله وشرعه، فما يحدث من الأحداث والكوارث لحكمٍ يعلمها سبحانه وتعالى، والله عز وجل يبتلي بالسراء ويبتلي بالضراء، ويبتلي بالرخاء ويبتلي بالشدة، ويبتلي بالغنى ويبتلي بالفقر، والله يبتلي بالأولاد ويبتلي بالعقم سبحانه وتعالى، فلا يقولن إنسان: لو أن الإسلام دين حق لما حل بنا الذي حل، وإنما يقول لنفسه: ما أصابك من حسنة فمن الله وهو الذي قدرها، وما أصابنا من سيئة فبما كسبت أيدينا، بسبب ذنوبنا ومعاصينا، والله يذكرنا فيكون من حكمته سبحانه ومن رحمته أن بعض الناس يتذكر بعد الغفلة، ويعود بعد السوء والذنوب إلى الله عز وجل، فيكون الحدث مذكراً، يكون الحدث معيناً، يكون الحدث نافعاً؛ لأن الله سبحانه وتعالى لما مسنا بشيءٍ من العذاب تفكرنا في أنفسنا فعلمنا أن التقصير منا، فهنا يجب أن نرجع ونتذكر.

    أما الذين يقولون: نتمسك بالدين، وندخل مشوار الالتزام بالإسلام والاستقامة على دين الله فننظر، فلو عافانا الله في الأبدان وأعطانا الأموال فهذه الاستقامة نستمر عليها، وإن استقمنا على الدين وتركنا المنكرات فحلت بنا الكوارث أو جاءتنا الأحداث المفزعة تركنا الاستقامة، هذا مبدأ خاطئ وخطير جداً، فإنه لا ارتباط بين الاستقامة وأقدار الله من المصائب التي تحدث، لكن المسلم إذا ابتلاه الله يصبر ويعلم أن الأمر لله، وأن كل شيءٍ بيد الله، وأن الاستقامة تنتج الصبر على الأقدار والمصائب، وأن الذين لا استقامة لديهم يصابون بالجزع، يصابون بسوء الظن بالله، يرتدون على أعقابهم، ينكصون، يرتدون على أدبارهم.

    ولذلك -أيها الإخوة- ينبغي أن نستقيم على الشريعة مهما حل بنا، ومهما حدث، ولا نقول: إن الإسلام دين غنائم، إذا جاءتنا الغنائم استقر بنا الحال على الإسلام، وإذا حلت بنا المصائب تركنا الإسلام والاستقامة على الدين، وكثير من الناس يربط بين هذا وهذا، فتزل قدم ويرتد على أدباره بعد أن هداه الله.

    1.   

    أثر ذكر الله في تخفيف المصائب

    ينبغي كذلك من هذه الأحداث والعبر أن نعلم -أيها الإخوة- أن الكوارث إذا وقعت بالناس يخففها ذكر الله سبحانه وتعالى، التصبير على الابتلاء أن يقول الناس بعضهم لبعض: إن لله وإنا إليه راجعون، يخفف الكارثة أن يقول الإنسان إذا حلت به الكارثة: اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها، حسبنا الله ونعم الوكيل.

    ولذلك عندما حل بالمسلمين في مصر ما حل من الزلزال قام أهل الخير والدين يعزون الناس بالأذكار النبوية والأدعية المشروعة، يخفف على الناس أن تقول لهم: جبر الله مصيبتك وأحسن الله عزاءك، وأخلف لك خيراً منها، وعوضك الله في الدنيا والآخرة، وغير ذلك من العبارات، أما أن تقوم مذيعة فاجرة تلف على أسرة المجروحين المنكوبين في المستشفيات لتقول لهم: ماذا تودون من سماع وأي أغنية تريدون؟ فهذا -والعياذ بالله- من الغفلة العظيمة، هذا -والعياذ بالله- من أنواع الردة، الله يُذكر وبعض الفجرة يأبى إلا الغفلة، وإلا أن يتسبب في إيصال الإثم والسيئات لغيره، إن المصيبة التي نزلت بإخواننا المسلمين في مصر مصيبة عظيمة.

    يا أيها الناس .. ينبغي أن نكون معهم بقلوبنا، إننا نشكو الآن من غلاء الإيجارات وارتفاعها، وعدم وجود البيوت المناسبة، وبعض المسلمين الآن لا يجدون نتيجة الزلزال بيتاً أصلاً لا بإيجارٍ مرتفع ولا منخفض، تأمل عندما يكون بيتك ومتاعك وأثاثك وربما أولادك تحت الأنقاض، تخرج لا تملك شيئاً أبداً إلا الملابس المهترئة التي عليك، كيف يكون حالك؟

    فينبغي أن نقف مع الملهوف نغيثه، ومع المصاب نساعده، أما ما يحدث من بعض الناس من الشماتة بإخوانهم المسلمين، فهذا حرامٌ عليهم، لا يجوز لهم ذلك، كما قال بعض السلف: من أظهر الشماتة بأخيه يعافيه الله ويبتليه. فقد يعافي الله أخاه ويبتليه هو، التخفيف من المصيبة يكون بالتذكير بالله والدعاء للمصابين وتقديم المعونة.

    إن المصيبة كما قلنا -أيها الإخوة- كبيرة، كل ما يحل بأوطان المسلمين الآن، المصائب كبيرة في كشمير .. في البوسنة .. في الصومال وفي المقدمة ما يحل بالمسلمين في فلسطين من أنواع الاضطهاد الذي يدبره اليهود، الذين يزعمون السلام، وهم يريدون ضرب المسلمين بعضهم ببعض في سبيل مخططاتهم.

    نسأل الله أن يحبط كيدهم، وأن يردهم على أعقابهم، وأن يجعل دائرة السوء عليهم.

    إن المصاب يخفف بالأذكار الشرعية والأدعية النبوية، المصاب يخفف بتقديم المساعدات، ليس بالأغاني ولا بالمسلسلات، الكارثة التي ألمت بإخواننا كبيرة تحتاج إلى إمامٍ عادل، وليس إلى عادل إمام، الوقت ليس وقت مسرحيات ومسلسلات، لكن الوقت وقت اتعاظ وتدبر وتفكر وتقديم المساعدة والمعونة، وليس وقت شماتة، ولا غفلة، ولا إعراض، وإلا فإن الله سبحانه وتعالى قال: وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ [هود:83] وربما يصيبنا ما أصاب غيرنا، إذا لم نتعظ ونتفكر ونعود إلى الله.

    اللهم إنا نسألك أن تردنا إلى الإسلام رداً جميلا، اللهم إنا نسألك أن تعافينا في أبداننا، اللهم عافنا في ديننا، وعافنا في أسماعنا وأبصارنا، اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

    1.   

    انتشال رجل حيِّ من بين الأنقاض بعد مرور أربعة أيام

    الحمد لله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير، هو الأول والآخر والظاهر والباطن، وهو بكل شيءٍ عليم، سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، وصلى الله على محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا.

    كان من العبر التي حدثت في ذلك الزلزال -أيها الإخوة- مما رأيتم وقرأتم ذلك الرجل الذي خرج من تحت الأنقاض والحطام بعد مرور أربعة أيام، تأمل في قدر الله سبحانه كيف يحيي ويميت، يحيي من يشاء ويميت من يشاء، وينقذ من يشاء ويهلك من يشاء، تلك العمارة المرتفعة التي سقطت على من فيها من الأحياء وهم بداخلها وتحتها، تأمل كيف نجى الله منها رجلاً حتى لا يقولن أحد: إنهم كلهم يموتون ولا ريب، ولا يقطع أحد بحياة حيٍ، ولا بموت ميت؛ لأن الأقدار مكتوبة والأعمار عند الله معلومة، لا يتخطى شيءٌ شيئا: فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف:34] بعد مرور أكثر من ثمانين ساعة على انهيار العمارة في الزلزال عُثر على أحد سكانها حياً تحت الأنقاض، وانتشل وسط ذهول أفراد قوات الإنقاذ والدفاع المدني وجموع الناس المتحلقين حول الأنقاض، الذين أخذوا يصيحون: الله أكبر الله أكبر، والناس لو ترك بينهم وبين الدين يرجعون إلى الفطرة، فيوحدون الله لما يرونه أمامهم من الآيات، فوجئ رجال الإنقاذ بصراخٍ شابٍ ينبعث من تحت الأنقاض، يستغيث بالإنقاذ، يطلب الإنقاذ، وأعطي زجاجة ماء، وبعض الإسعافات، ثم أخذ يذكر أن والدي لم يكن موجوداً معي في العمارة وقت الحادث، فهل هو حيٌ أم ميت؟ فلما خرج قال: كان يوجد شخصٌ بجواري يفصلنا دولاب خشب، وكنا نتعامل بالطرق على الدولاب لكنه مات قبل ساعات، عند وقوع الزلزال كنت في الشقة مع والدتي وزوجتي وبنتي، ولما اهتزت العمارة في الهلع والذعر فتحنا باب الشقة وخرجنا على أمل أن نهبط على السلم، إلا أن العمارة قد انهارت في لحظات وتشابكت أيدينا ووجدنا أنفسنا في مكانٍ ضيق ومظلم، تحسسناه فإذا بنا وسط ركامٍ وأخشابٍ وطوب ورمال، وشعرت أن قدمي محشورة وسط هذا الحطام، وتحدثنا مع بعضنا البعض، ما الذي جرى؟ وهل سنخرج من هذا المكان، أم أن هذه هي النهاية المحتومة؟

    تساؤلات وخواطر كثيرة كانت تمر، وبعد أن استوعبت ما حصل وبعد ساعاتٍ قليلة كنت أسمع أنين الضحايا بقربي في أماكن مختلفة، وكان هذا الأنين يتوقف تدريجياً لأنهم فارقوا الحياة، وشاهدت بعيني والدتي وهي تحتضر وتفارق الحياة، وكذلك ابنتي الصغيرة، ثم زوجتي وكانت هذه أصعب لحظات تمر عليَّ في مثل هذه الظروف، واضطررت أن أشرب من بولي بعد ما شعرت بالعطش الشديد، وكان قلبي يتمزق لرؤية من مات من الأقرباء، ولكن ماذا يمكنني أن أفعل؟

    أُخرج الرجل من تحت الأنقاض بعد مرور ساعات طويلة قرابة أربعة أيام، لم يكن يتوقع أحد وجود حي تحت هذا الركام، لكن لنعلم أن الله على كل شيءٍ قدير، أربعة أيام يجلس تحت الأنقاض ليس عنده إلا بوله يشربه فقط.

    فإذا أراد الله أن ينجي أحداً نجاه، وإذا أراد الله أن يهلك من يشاء أهلكه، إن في ذلك لآيات، يا أيها الناس! إن في ذلك لآيات، هذه فيها عبر، لكن أين المعتبرون؟

    ولو جلسنا نتتبع الأخبار وأصحاب المآسي، وعندهم أحداثٌ أخرى وقصص لم نسمعها، لكن يبقى الدرس الكبير أن الله يفعل ما يشاء، ويبقى الدرس الكبير أنه يجب علينا أن نعود إلى الله، ونتمعن فيما أصابنا، ويبقى الدرس في أن نقف بجانب إخواننا، أن تشمت بكنيسة انهارت نعم، أو بنصراني أجل، أو فاجرةٍ أو فنانةٍ قد انهد بيتها، لكن بإخوانك المسلمين هذا لا يجوز قطعاً.

    ثم يسأل بعض الناس يقولون: ما حكم إعطاء الزكاة لمن أصابهم هذا الزلزال؟ فالجواب: أن ذلك جائزٌ إذا كانوا لا يملكون شيئاً، صاروا فقراء معدمين بعد أن ذهبت ممتلكاتهم كلها، وكانوا مسلمين، ووجدت الطريقة الآمنة الصحيحة الموثوقة لإرسالها إليهم، فإذاً.. أَرسل زكاتك إليهم -يا عبد الله- فإنهم من المستحقين، ونحن ندعو الله سبحانه وتعالى لمن مات في ذلك المصاب من المسلمين أن يتغمده برحمته.

    اللهم ارحمهم واغفر لهم، اللهم اجعلهم في قبورهم من الآمنين، واجعل ما أصابهم من المحنة تكفيراً عن ذنوبهم يا رب العالمين، واجبر مصاب أقربائهم وإخوانهم يا أرحم الراحمين، اللهم عوض من أوذي من المسلمين خيراً، اللهم إنا نسألك أن تجعلنا في بيوتنا آمنين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755924044